تفسير سورة الشعراء

تفسير ابن جزي
تفسير سورة سورة الشعراء من كتاب التسهيل لعلوم التنزيل المعروف بـتفسير ابن جزي .
لمؤلفه ابن جُزَيِّ . المتوفي سنة 741 هـ
سورة الشعراء
مكية إلا الآية ١٩٧ ومن آية ٢٢٤ إلى آخر السورة فمدنية وآياتها ٢٢٧ نزلت بعد الواقعة

سورة الشعراء
مكية إلا آية ١٩٧ ومن آية ٢٢٤ إلى آخر السورة فمدنية وآياتها ٢٢٧ نزلت بعد الواقعة بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(سورة الشعراء) طسم تكلمنا على حروف الهجاء في أول سورة البقرة، ويخص هذا أنه قيل الطاء من ذي الطول، والسين من السميع أو السلام، والميم من الرحيم أو المنعم باخِعٌ ذكر في الكهف فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ الأعناق جمع عنق وهي الجارحة المعروفة، وإنما جمع خاضعين جمع العقلاء لأنه أضاف الأعناق إلى العقلاء، ولأنه وصفها بفعل لا يكون إلا من العقلاء، وقيل: الأعناق الرؤساء من الناس شبهوا بالأعناق كما يقال لهم: رؤوس وصدور، وقيل: هم الجماعات من الناس، فلا يحتاج جمع خاضعين إلى تأويل مُحْدَثٍ يعني به محدث الإتيان فَسَيَأْتِيهِمْ الآية: تهديد مِنْ كُلِّ زَوْجٍ أي من كل صنف من النبات فيعم ذلك الأقوات والفواكه والأدوية والمرعى، ووصفه بالكرم لما فيه من الحسن ومن المنافع إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً الإشارة إلى ما تقدّم من النبات، وإنما ذكره بلفظ الإفراد لأنه أراد أن في كل واحد آية أو إشارة إلى مصدر قوله: أَنْبَتْنا وَيَضِيقُ صَدْرِي بالرفع عطف على أخاف، أو استئناف، وقرئ بالنصب عطفا على يكذبون فَأَرْسِلْ إِلى هارُونَ أي اجعله معي رسولا أستعين به وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ يعني قتله للقبطي قالَ كَلَّا أي لا تخف أن يقتلوك إِنَّا مَعَكُمْ خطاب لموسى وأخيه ومن كان معهما. أو على جعل الاثنين جماعة مُسْتَمِعُونَ لفظه جمع، وورد
مورد تعظيم الله تعالى، ويحتمل أن تكون الملائكة هي التي تسمع بأمر الله، لأن الله لا يوصف بالاستماع، وإنما يوصف بالسمع والأول أحسن، وتأويله: أن في الاستماع اعتناء واهتماما بالأمر ليست في صفة سامعون، والخطاب في قوله: معكم لموسى وهارون وفرعون وقومه، وقيل: لموسى وهارون خاصة على معاملة الاثنين معاملة الجماعة، ذلك على قول من يرى أن أقل الجمع اثنان أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ
إن قيل: لم أفرده وهما اثنان؟
فالجواب من ثلاثة أوجه: الأول أنّ التقدير كل واحد منا رسول. الثاني: أنهما جعلا كشخص واحد لاتفاقهما في الشريعة، ولأنهما أخوان فكأنهما واحد. الثالث: أنّ رسول هنا مصدر وصف به، فلذلك أطلق على الواحد والاثنين والجماعة، فإنه يقال رسول بمعنى رسالة، بخلاف قوله إنا رسولا فإنه بمعنى الرسل،
أَنْ أَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ أي أطلقهم قالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً قصد فرعون بهذا الكلام المنّ على موسى والاحتقار له.
وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ قصد فرعون بهذا الكلام توبيخ موسى عليه السلام، ويعني بالفعلة: قتله للقبطي، والواو في قوله وأنت إن كانت للحال فقوله من الكافرين، معناه كافرا بهذا الدين الذي جئت به لأن موسى إنما أظهر لهم الإسلام بعد الرسالة، وقد كان قبل ذلك مؤمنا، ولم يعلم بذلك فرعون، وقيل: معناه من الكافرين بنعمتي، وإن كانت الواو للاستئناف: فيحتمل أن يريد من الكافرين بديني، ومن الكافرين بنعمتي قالَ فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ القائل هنا هو موسى عليه السلام، والضمير في قوله: فعلتها لقتله القبطي، واختلف في معنى قوله: من الضالين، فقيل: معناه من الجاهلين بأن وكزتي تقتله، وقيل: معناه من الناسين، فهو كقوله: «أن تضل إحداهما» وقوله «إذا» صلة في الكلام، وكأنها بمعنى حينئذ، قال ذلك ابن عطية فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ أي من فرعون وقومه، ولذلك جمع ضمير الخطاب بعد أن أفرده في قوله «تَمُنُّها عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ» وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ معنى عبّدت: ذللت واتخذتهم عبيدا، فمعنى هذا الكلام أنك عددت نعمة عليّ تعبيد بني إسرائيل، وليست في الحقيقة بنعمة إنما كانت نقمة، لأنك كنت تذبح أبناءهم، ولذلك وصلت أنا إليك فربيتني، فالإشارة بقوله: تلك إلى التربية، وأن عبدت في موضع رفع عطف بيان على تلك، أو في موضع نصب على أنه مفعول من أجله، وقيل: معنى الكلام تربيتك نعمة علي لأنك عبدت بني إسرائيل وتركتني فهي في المعنى
الأول إنكار لنعمته وفي الثاني اعتراف بها
قالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ لما أظهر فرعون الجهل بالله فقال: وما رب العالمين؟ أجابه موسى بقوله:
رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، فقال أَلا تَسْتَمِعُونَ؟ تعجبا من جوابه فزاد موسى في إقامة الحجة بقوله: رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ لأن وجود الإنسان وآبائه أظهر الأدلة عند العقلاء وأعظم البراهين، فإن أنفسهم أقرب الأشياء إليهم فيستدلون بها على وجود خالقهم، فلما ظهرت هذه الحجة حاد فرعون عنها ونسب موسى إلى الجنون مغالطة منه، وأيد الازدراء والتهكم في قوله: رسولكم الذي أرسل إليكم فزاد موسى في إقامة الحجة بقوله: رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، لأن طلوع الشمس وغروبها آية ظاهرة لا يمكن أحدا جحدها، ولا أن يدعيها لغير الله، ولذلك أقام إبراهيم الخليل بها الحجة على نمروذ، فلما انقطع فرعون بالحجة رجع إلى الاستعلاء والتغلب فهدّده بالسجن، فأقام موسى عليه الحجة بالمعجزة، وذكرها له بتلطف طمعا في إيمانه، فقال: «أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ» والواو واو الحال دخلت عليها همزة الاستفهام وتقديره: أتفعل بي ذلك ولو جئتك بشيء مبين؟ وقد تقدم في الأعراف ذكر العصا واليد، فَماذا تَأْمُرُونَ؟ وأَرْجِهْ، وحاشرين فإن قيل: كيف قال أولا: إن كنتم موقنين، ثم قال آخرا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ؟ فالجواب أنه لاين أولا طمعا في إيمانهم، فلما رأى منهم العناد والمغالطة: وبخهم بقوله: إن كنتم تعقلون، وجعل ذلك في مقابلة قول فرعون: إن رسولكم لمجنون لِمِيقاتِ يَوْمٍ هو يوم الزينة نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ أي نتبعهم في نصرة ديننا لا في عمل السحر، لأن عمل السحر كان حراما بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ قسم أقسموا به، وقد تقدم في [الأعراف: ١١٧] تفسير ما يأفكون، وما بعد ذلك لا ضَيْرَ أي لا يضرنا ذلك لأننا
ننقلب إلى الله
أَسْرِ بِعِبادِي يعني بني إسرائيل إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ إخبار باتباع فرعون لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ الشرذمة الطائفة من الناس، وفي هذا احتقار لهم على أنه روي أنهم كانوا ستمائة ألف، ولكن جنود فرعون أكثر منهم بكثير «١» فَأَخْرَجْناهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ يعني التي بمصر، والعيون الخلجان الخارجة من النيل، وكانت ثم عيون في ذلك الزمان، وقيل يعني الذهب والفضة وهو بعيد وَمَقامٍ كَرِيمٍ مجالس الأمراء والحكام، وقيل: المنابر، وقيل: المساكن الحسان كَذلِكَ في موضع خفض صفة لمقام أو في موضع نصب على تقدير: أخرجناهم مثل ذلك الإخراج، أو في موضع رفع على أنه خبر ابتداء تقديره: الأمر كذلك وَأَوْرَثْناها بَنِي إِسْرائِيلَ أي أورثهم الله مواضع فرعون بمصر على أن التواريخ لم يذكر فيها ملك بني إسرائيل لمصر، وإنما المعروف أنهم ملكوا الشام، فتأويله على هذا أورثهم مثل ذلك بالشام فَأَتْبَعُوهُمْ أي لحقوهم، وضمير الفاعل لفرعون وقومه، وضمير المفعول لبني إسرائيل مُشْرِقِينَ معناه داخلين في وقت الشروق وهو طلوع الشمس، وقيل: معناه نحو المشرق وانتصابه على الحال.
تَراءَا الْجَمْعانِ وزن تراء تفاعل، وهو منصوب من [الرؤية]، والجمعان جمع موسى وجمع فرعون، أي رأى بعضهم بعضا فَانْفَلَقَ تقدير الكلام فضرب موسى البحر فانفلق كُلُّ فِرْقٍ أي كل جزء منه والطود الجبل، وروي أنه صار في البحر اثنا عشر طريقا، لكل سبط من بني إسرائيل طريق وَأَزْلَفْنا ثَمَّ الْآخَرِينَ يعني بالآخرين فرعون وقومه، ومعنى أَزْلَفْنا: قربناهم من البحر ليغرقوا، وثم هنا ظرف يراد به حيث انفلق البحر وهو بحر القلزم [الأحمر] ما تَعْبُدُونَ إنما سألهم مع علمه بأنهم يعبدون الأصنام ليبين لهم أن ما يعبدونه ليس بشيء، ويقيم عليهم الحجة قالُوا نَعْبُدُ أَصْناماً إن قيل: لم صرحوا بقولهم نعبد، مع أن السؤال وهو قوله: ما تعبدون يغني عن التصريح بذلك، وقياس مثل هذا الاستغناء بدلالة السؤال كقوله: ماذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ؟ قالُوا: خَيْراً، فالجواب أنهم صرحوا بذلك على وجه الافتخار والابتهاج بعبادة الأصنام، ثم زادوا قولهم: فنظل لها
(١). قوله: حاذرون: قرأها نافع وابن كثير وأبو عمرو: حذرون. وهما بمعنى واحد.
عاكفين مبالغة في ذلك
بَلْ وَجَدْنا آباءَنا اعتراف بالتقليد المحض إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ استثناء منقطع وقيل: متصل لأن في آبائهم من عبد الله تعالى وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ أسند المرض إلى نفسه وأسند الشفاء إلى الله تأدبا مع الله أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي قيل أراد كذباته الثلاثة الواردة في الحديث وهي قوله في سارة زوجته: هي أختي، وقوله: «إِنِّي سَقِيمٌ» وقوله: «بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ» وقيل: أراد الجنس على الإطلاق لأن هذه الثلاثة من المعاريض فلا إثم فيها لِسانَ صِدْقٍ ثناء جميلا يَوْمَ لا يَنْفَعُ وما بعده منقطع عن كلام إبراهيم، وهو من كلام الله تعالى، ويحتمل أن يكون أيضا من كلام إبراهيم إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ، قيل: سليم من الشرك والمعاصي وقيل: الذي يلقى ربه وليس في قلبه شيء غيره وقيل: بقلب لديغ من خشية الله، والسليم هو اللديغ: [الملدوغ] لغة، وقال الزمخشري: هذا من بدع التفاسير، وهذا الاستثناء يحتمل أن يكون متصلا فيكون: من أتى الله مفعولا، بقوله: لا يَنْفَعُ، والمعنى على هذا أن المال لا ينفع إلا من أنفقه في طاعة الله، وأن البنين لا ينفعون إلا من علمهم الدين وأوصاهم بالحق، ويحتمل أيضا أن يكون متصلا، ويكون قوله: مَنْ أَتَى اللَّهَ بدلا من قوله: مالٌ وَلا بَنُونَ على حذف مضاف تقديره: إلا مال من أتى الله وبنوه ويحتمل أن يكون منقطعا بمعنى لكن وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ أي قربت.
وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغاوِينَ يعني المشركين بدلالة ما بعده فَكُبْكِبُوا فِيها كبكبوا:
مضاعف من كب كررت حروفه دلالة على تكرير معناه: أي كبهم الله في النار مرة بعد مرة، والضمير للأصنام، والغاوون هم المشركون، وقيل: الضمير للمشركين، والغاوون هم الشياطين نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ أي نجعلكم سواء معه وَما أَضَلَّنا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ يعني كبراءهم، وأهل الجرم والجراءة منهم حَمِيمٍ أي خالص الودّ، قال الزمخشري: جمع الشفعاء ووحد الصديق لكثرة الشفعاء في العادة، وقلة الأصدقاء كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ أسند
الفعل إلى القوم، وفيه علامة التأنيث، لأن القوم في معنى الجماعة والأمة، فإن قيل: كيف قال المرسلين بالجمع وإنما كذبوا نوحا وحده؟ فالجواب من وجهين: أحدهما أنه أراد الجنس كقولك: فلان يركب الخيل وإنما لم يركب إلا فرسا واحدا والآخر أن من كذب نبيا واحدا فقد كذب جميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، لأن قولهم واحد ودعوتهم سواء، وكذلك الجواب في: كذبت عاد المرسلين وغيره
وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ جمع أرذل، وقد تقدّم الكلام عليه في قوله أراذلنا في [هود: ٢٧] وَما أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ يعني الذين سموهم أرذلين، فإنّ الكفار أرادوا من نوح أن يطردهم، كما أرادت قريش من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يطرد عمار بن ياسر وصهيبا وبلالا وأشباههم من الضعفاء الْمَرْجُومِينَ يحتمل أن يريدوا الرجم بالحجارة، أو بالقول وهو الشتم فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ أي احكم بيننا فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ أي المملوء بِكُلِّ رِيعٍ الريع المكان المرتفع وقيل الطريق آيَةً يعني المباني الطوال وقيل أبراج الحمام مَصانِعَ جمع مصنع وهو ما أتقن صنعه من المباني، وقيل: مأخذ الماء أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ الآية تفسير لقوله أمدكم بما تعلمون فأبهم أولا ثم فسره خُلُقُ الْأَوَّلِينَ بضم الخاء واللام أي عادتهم والمعنى أنهم قالوا: ما هذا الذي عليه من ديننا إلا عادة الناس الأولين، وقرأ [ابن كثير والكسائي وأبو عمرو] بفتح الخاء وإسكان اللام، ويحتمل على هذا وجهين: أحدهما أنه بمعنى الخلقة والمعنى ما هذه الخلقة التي نحن عليها إلا خلقة الأولين، والآخر أنها من
﴿ واتبعك الأرذلون ﴾ جمع أرذل، وقد تقدم الكلام عليه في قوله أراذلنا في هود.
﴿ وما أنا بطارد المؤمنين ﴾ : يعني الذين سموهم أرذلين، فإن الكفار أرادوا من نوح أن يطردهم كما أرادت قريش من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطرد عمار بن ياسر وصهيبا وبلالا وأشباههم من الضعفاء.
﴿ المرجومين ﴾ يحتمل أن يريدوا الرجم بالحجارة، أو بالقول وهو الشتم.
﴿ فافتح بيني وبينهم ﴾ أي : احكم بيننا.
﴿ في الفلك المشحون ﴾ أي : المملوء
﴿ بكل ريع ﴾ الريع المكان المرتفع وقيل : الطريق.
﴿ آية ﴾ : يعني المباني الطوال وقيل : أبراج الحمام.
﴿ مصانع ﴾ جمع مصنع وهو ما أتقن صنعه من المباني، وقيل : مأخذ الماء
﴿ أمدكم بأنعام ﴾ الآية تفسير لقوله :﴿ أمدكم بما تعلمون ﴾ فأبهم أولا ثم فسره.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٣٢:﴿ أمدكم بأنعام ﴾ الآية تفسير لقوله :﴿ أمدكم بما تعلمون ﴾ فأبهم أولا ثم فسره.
﴿ خلق الأولين ﴾ بضم الخاء واللام أي : عادتهم والمعنى أنهم قالوا ما هذا الذي عليه من ديننا إلا عادة الناس الأولين، وقرئ بفتح الخاء وإسكان اللام، ويحتمل على هذا وجهين :
أحدهما : أنه بمعنى الخلقة والمعنى ما هذه الخلقة التي نحن عليها إلا خلقة الأولين. والآخر : أنها من الاختلاق بمعنى الكذب، والمعنى ما هذا الذي جئت به إلا كذب الأولين.
الاختلاق بمعنى الكذب، والمعنى ما هذا الذي جئت به إلا كذب الأولين
أَتُتْرَكُونَ تخويف لهم معناه: أتطمعون أن تتركوا في النعم على كفركم وَنَخْلٍ طَلْعُها هَضِيمٌ الطلع عنقود التمر في أول نباته قبل أن يخرج من الكم، والهضيم: اللين الرطب، فالمعنى طلعها يتم ويرطب، وقيل: هو الرّخص أول ما يخرج، وقيل: الذي ليس فيه نوى، فإن قيل: لم ذكر النخل بعد ذكر الجنات، والجنات تحتوي على النخل؟ فالجواب: أن ذلك تجريد كقوله فاكهة ونخل ورمان، ويحتمل أنه أراد الجنات التي ليس فيها نخل ثم عطف عليها النخل.
وَتَنْحِتُونَ ذكر في [الأعراف: ٧٤] فارِهِينَ قرئ بألف وبغير ألف «١» وهو منصوب على الحال في الفاعل من تنحتون، وهو مشتق من الفراهة وهي النشاط والكيس، وقيل: معناه أقوياء وقيل: أشرين بطرين مِنَ الْمُسَحَّرِينَ مبالغة في المسحورين، وهو من السحر بكسر السين، وقيل: من السحر بفتح السين وهي الرؤية، والمعنى على هذا إنما أنت بشر لَها شِرْبٌ أي حظ من الماء فَأَصْبَحُوا نادِمِينَ لما تغيرت ألوانهم حسبما أخبرهم صالح عليه السلام ندموا حين لا تنفعهم الندامة فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ التي ماتوا منها وهي العذاب المذكور هنا مِنَ الْقالِينَ أي من المبغضين، وفي قوله: قال ومن القالين:
ضرب من ضروب التجنيس مِمَّا يَعْمَلُونَ أي نجّني من عقوبة عملهم أو اعصمني من عملهم، والأول أرجح إِلَّا عَجُوزاً يعني امرأة لوط فِي الْغابِرِينَ ذكر في [الأعراف:
٨٣] وكذلك أَمْطَرْنا [الأعراف: ٨٤] أَصْحابُ الْأَيْكَةِ قرئ بالهمز وخفض التاء مثل الذي في الحجر وق، ومعناه الغيضة من الشجر، وقرئ هنا وفي ص: بفتح اللام
(١). قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو: فرهين. والباقون بالألف. [.....]
والتاء «١»، فقيل: إنه مسهل من الهمز، وقيل إنه اسم بلدهم، ويقوي هذا: القول بأنه على هذه القراءة بفتح التاء غير منصرف، يدل على ذلك أنه اسم علم، وضعّف ذلك الزمخشري، وقال: إن الأيكة اسم لا يعرف
إِذْ قالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ لم يقل هنا أخوهم كما قال في قصة نوح وغيره، وقيل: إن شعيبا بعث إلى مدين، وكان من قبيلتهم، فلذلك قال: وإلى مدين أخاهم شعيبا، وبعث أيضا إلى أصحاب الأيكة ولم يكن منهم، فلذلك لم يقل أخوهم، فكان شعيبا على هذا مبعوثا إلى القبيلتين وقيل: إن أصحاب الأيكة مدين، ولكنه قال أخوهم حين ذكرهم باسم قبيلتهم، ولم يقل أخوهم حين نسبهم إلى الأيكة التي هلكوا فيها تنزيها لشعيب عن النسبة إليها مِنَ الْمُخْسِرِينَ أي من الناقصين للكيل والوزن بِالْقِسْطاسِ الميزان المعتدل وَالْجِبِلَّةَ يعني القرون المتقدمة عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ هي سحابة من نار أحرقتهم، فأهلك الله مدين بالصيحة، وأهلك أصحاب الأيكة بالظلة، فإن قيل: لم كرر قوله إن في ذلك لآية مع كل قصة؟ فالجواب: أن ذلك أبلغ في الاعتبار، وأشدّ تنبيها للقلوب وأيضا فإن كل قصة منها كأنها كلام قائم مستقل بنفسه، فختمت بما ختمت به صاحبتها.
وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ الضمير للقرآن الرُّوحُ الْأَمِينُ يعني جبريل عليه السلام عَلى قَلْبِكَ إشارة إلى حفظه إياه لأن القلب هو الذي يحفظ بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ يعني كلام العرب هو متعلق بنزل أو المنذرين وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ المعنى أن القرآن مذكور في كتب المتقدّمين ففي ذلك دليل على صحته ثم أقام الحجة على قريش بقوله أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَماءُ بَنِي إِسْرائِيلَ بأنه من عند الله آية لكم وبرهان، والمراد من أسلم من بني إسرائيل: كعبد الله بن سلام وقيل: الذين كانوا يبشرون بمبعثه عليه الصلاة والسلام وَلَوْ نَزَّلْناهُ عَلى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ الآية جمع أعجم، وهو الذي لا يتكلم سواء كان إنسانا أو بهيمة أو جمادا والأعجمي: المنسوب إلى [العجم أي غير العرب] وقيل: بمعنى
(١). قرأ نافع وابن كثير وابن عامر: ليكة. والباقون الأيكة.
الأعجم، ومعنى الآية: أن القرآن لو نزل على من لا يتكلم، ثم قرأه عليهم لا يؤمنوا لإفراط عنادهم، ففي ذلك تسلية للنبيّ ﷺ على كفرهم به مع وضوح برهانه
كَذلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ معنى سلكناه. أدخلناه، والضمير للتكذيب الذي دل عليه ما تقدم من الكلام، أو للقرآن أي سلكناه في قلوبهم مكذبا به، وتقدير قوله: كذلك مثل هذا السلك سلكناه، والمجرمين: يحتمل أن يريد به قريشا أو الكفار المتقدمين ولا يؤمنون: تفسير للسلك الذي سلكه في قلوبهم فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ تمنوا أن يؤخروا حين لم ينفعهم التمني أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ توبيخ لقريش على استعجالهم بالعذاب في قولهم: فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ [الأنفال: ٣٢] وشبه ذلك أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْناهُمْ سِنِينَ المعنى أن مدّة إمهالهم لا تغني مع نزول العذاب بعدها، وإن طالت مدة سنين، لأن كل ما هو آت قريب، قال بعضهم «سنين» يريد به عمر الدنيا وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَها مُنْذِرُونَ المعنى أن الله لم يهلك قوما إلا بعد أن أقام الحجة عليهم بأن أرسل إليهم رسولا فأنذرهم فكذبوه ذِكْرى منصوب على المصدر من معنى الإنذار، أو على الحال من الضمير من منذرون، أو على المفعول من أجله، أو مرفوع على أنه خبر ابتداء مضمر وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ الضمير للقرآن، وهو ردّ على من قال أنه كهانة نزلت به الشياطين على محمد وَما يَنْبَغِي لَهُمْ وَما يَسْتَطِيعُونَ أي ما يمكنهم ذلك ولا يقدرون عليه، ولفظ: ما ينبغي تارة يستعمل بمعنى لا يمكن وتارة بمعنى لا يليق إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ تعليل لكون الشياطين لا يستطيعون الكهانة، لأنهم منعوا من استراق السمع منذ بعث محمد صلى الله عليه وسلم، وقد كان أمر الكهان كثيرا منتشرا قبل ذلك.
وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ عشيرة الرجل هم قرابته الأدنون، ولما نزلت هذه الآية أنذر النبي صلى الله عليه وآله وسلم قرابته فقال: يا بني هاشم أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني عبد المطلب أنقذوا أنفسكم من النار، ثم نادى كذلك ابنته فاطمة وعمته صفية «١»، قال الزمخشري:
في معناه قولان: أحدهما أنه أمر أن يبدأ بإنذار أقاربه قبل غيرهم من الناس، والآخر أنه أمر أن لا يأخذه ما يأخذ القريب من الرأفة بقريبه، ولا يخافهم بالإنذار وَاخْفِضْ جَناحَكَ عبارة عن لين
(١). الحديث رواه مسلم عن أبي هريرة في كتاب الإيمان ج ١/ ١٩٢ وأوله يا بني كعب بن لؤي.
الجانب والرفق، وعن التواضع
الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ
أي حين تقوم في الصلاة، ويحتمل أن يريد سائر التصرفات وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ معطوف على الضمير المفعول في قوله يراك، والمعنى أنه يراك حين تقوم وحين تسجد، وقيل: معناه يرى صلاتك مع المصلين، ففي ذلك إشارة إلى الصلاة مع الجماعة، وقيل: يرى تقلب بصرك في المصلين خلفك لأنه عليه الصلاة والسلام كان يراهم من وراء ظهره تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ هذا جواب السؤال المتقدم وهو قوله: هل أنبئكم على من تنزل الشياطين والأفاك الكذاب، والأثيم الفاعل للإثم يعني بذلك الكهان، وفي هذا ردّ على من قال إن الشياطين تنزلت على سيدنا محمد ﷺ بالكهانة، لأنها لا تنزل إلا على أفاك أثيم، وكان صلى الله عليه وآله وسلم على غاية الصدق والبرّ يُلْقُونَ السَّمْعَ معناه يستمعون والضمير يحتمل أن يكون للشياطين بمعنى أنهم يستمعون إلى الملائكة، أو يكون للكهان بمعنى أنهم يستمعون إلى الشياطين، وقيل: يلقون بمعنى يلقون المسموع، والضمير يحتمل أيضا على هذا أن يكون للشياطين، لأنهم يلقون الكلام إلى الكهان أو يكون للكهان لأنهم يلقون الكلام إلى الناس وَأَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ يعني الشياطين أو الكهان لأنهم يكذبون فيما يخبرون به عن الشياطين.
وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ لما ذكر الكهان ذكر الشعراء ليبين أن القرآن ليس بكهانة ولا شعر لتباين أوصافه وما بين أوصاف الشعر والكهانة، وأراد الشعراء الذين يلقون من الشعر ما لا ينبغي كالهجاء والمدح بالباطل وغير ذلك، وقيل: أراد شعراء الجاهلية، وقيل:
شعراء كفار قريش الذين كانوا يؤذون المسلمين بأشعارهم، والغاوون قيل: هم رواة الشعر وقيل: هم سفهاء الناس الذين تعجبهم الأشعار لما فيها من اللغو والباطل، وقيل: هم الشياطين فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ استعارة وتمثيل أي يذهبون في كل وجه من الكلام الحق والباطل، ويفرطون في التجوز حتى يخرجوا إلى الكذب إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا الآية: استثناء من الشعراء يعني بهم شعراء المسلمين كحسان بن ثابت وغيره ممن اتصف بهذه الأوصاف، وقيل: إن هذه الآية مدنية ذَكَرُوا اللَّهَ قيل: معناه ذكروا الله في أشعارهم، وقيل: يعني الذكر على الإطلاق وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا إشارة إلى ما قاله حسان بن ثابت وغيره من الشعراء في هجو الكفار بعد أن هجا الكفار النبي ﷺ وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ وعيد للذين ظلموا والظلم هنا بمعنى الاعتداء على الناس لقوله: من بعد ما ظلموا وعمل ينقلبون في أيّ لتأخره، وقيل: إن العامل في أيّ سيعلم.
Icon