تفسير سورة الزمر

حاشية الصاوي على تفسير الجلالين
تفسير سورة سورة الزمر من كتاب حاشية الصاوي على تفسير الجلالين .
لمؤلفه الصاوي . المتوفي سنة 1241 هـ

قوله: ﴿ تَنزِيلُ ٱلْكِتَابِ مِنَ ٱللَّه ﴾ أي انزال القرآن كائن وحاصل من الله لا من غيره، نزل رداً لقول المشركين﴿ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ ﴾[النحل: ١٠٣] ولقولهم (إن بهم جنة). قوله: ﴿ إِنَّآ أَنزَلْنَآ ﴾ إلخ، شروع في بيان تشريف المنزل عليه، إثر بيان شأن المنزل، من حيث كونه من عند الله. قوله: ﴿ ٱلْكِتَابَ ﴾ هو عين الكتاب الأول، لأن المعرفة إذا أعيدت معرفة كانت عيناً. قوله: (متعلق بأنزل) أي والباء سببية، والمعنى: بسبب الحق الذي أنت عليه وإثباته واظهاره. قوله: ﴿ فَٱعْبُدِ ٱللَّهَ ﴾ تفريع على قوله: ﴿ إِنَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ﴾ إلخ، والخطاب له، والمراد ما يشمل جمع أمته. قوله: ﴿ مُخْلِصاً ﴾ حال من فاعل اعبد، و ﴿ ٱلدِّينَ ﴾ مفعول لاسم فاعل. قوله: (أي موحداً له) أي مفرداً بالعبادة والإخلاص، بأن لا تقصد بعملك ونيتك غير ربك.
قوله: ﴿ أَلاَ لِلَّهِ ٱلدِّينُ ﴾ إلخ.
﴿ أَلاَ ﴾ أداة استفتاح، والجملة مستأنفة مقررة لما قبلها من الأمر بالإخلاص. قوله: ﴿ وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ ﴾ إلخ، اسم الموصول مبتدأ.
﴿ ٱتَّخَذُواْ ﴾ صلته، والخبر محذوف قدره المفسر بقوله: (قالوا) وقوله: ﴿ مَا نَعْبُدُهُمْ ﴾ إلخ، مقول لذلك القول، وقوله: ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ ﴾ إلخ، استئناف بياني واقع في جواب سؤال مقدر تقديره ماذا يحصل لهم؟ وهذا هو الأحسن، وقيل: إن خبر المبتدأ وهو قوله: ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ يَحْكُمُ ﴾ إلخ، وقوله: ﴿ مَا نَعْبُدُهُمْ ﴾ حال من فاعل ﴿ ٱتَّخَذُواْ ﴾ على تقدير القول، أي قائلين ﴿ مَا نَعْبُدُهُمْ ﴾ الخ. قوله: (الأصنام) قدره إشارة إلى أن ﴿ ٱتَّخَذُواْ ﴾ تنصب مفعولين، الأول محذوف. قوله: (وهم كفار مكة) تفسير للموصول. قوله: (قالوا) ﴿ مَا نَعْبُدُهُمْ ﴾ إلخ، أي فكانوا إذا قيل لهم: من خلقكم، ومن خلق السماوات والأرض، ومن ربكم؟ فيقولون: الله، فيقال لهم: وما معنى عبادتكم الأصنام؟ فيقولون لتقربنا إلى الله زلفى، تشفع لنا عنده. قوله: (مصدر) أي مؤكد ملاق لعامله في المعنى، والتقدير ليزلفونا زلفى، أو ليقربونا قربى، قوله: (وبين المسلمين) أشار بذلك إلى أن المقابل محذوف. قوله: (فيدخل المؤمنين الجنة) أي فالمراد بالحكم تمييز كل فريق عن الآخر. قوله: ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ﴾ أي لا يوفق للهدي من هو كاذب كفار، أي مجبول على الكذب والكفر في علمه تعالى. قوله: (في نسبة الولد إليه) أشار بذلك إلى أن قوله: ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ﴾ إلخ، توطئة لقوله: ﴿ لَّوْ أَرَادَ ٱللَّهُ ﴾ إلخ، ويصح أن يكون من تتمة ما قبله، وحينئذ فيقال كاذب في نسبة الألوهية لغيره تعالى. قوله: ﴿ لَّوْ أَرَادَ ٱللَّهُ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً ﴾ أو لو تعلقت ارادته باتخاذ ولد على سبيل الفرض والتقدير، والآية إشارة إلى قياس استثنائي حذفت صغراه، ونتيجته وتقريره أن يقال: لو أراد الله أن يتخذ ولداً، لاصطفى مما يخلق ما يشاء، لكنه لم يصطف من خلقه شيئاً، فلم يرد أن يتخذ ولداً. قوله: (غير من قالوا) أي غير المخلوق الذي قالوا في شأنه أنه ابن الله. قوله: (تنزيهاً عن اتخاذ الولد) أي لأنه امتنع عقلاً ونقلاً، أما عقلاً فلأنه يلزم أن يكون الولد من جنس خالقه، وكونه جنساً منه، يستلزم حدوث الخالق وهو باطل، وأما نقلاً فقد تواترت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية والكتب السماوية، على أن الله تعالى لم يتخذ ولداً. قوله: ﴿ هُوَ ٱللَّهُ ٱلْوَاحِدُ ٱلْقَهَّارُ ﴾ هذا بيان لتنزه في الصفات، اثر بيان تنزهه في الذات، لأن الوحدة تنافي المماثلة فضلاً عن الولد، والقهارية تنافي قبول الزوال المحوج إلى الولد، وإلا لكان مقهوراً، تعالى الله عن ذلك.
قوله: ﴿ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ ﴾ تفصيل لبعض أفعاله الدالة على انفراده بالألوهية، واتصافه بالصفات الجليلة. قوله: ﴿ يُكَوِّرُ ٱللَّيْـلَ ﴾ من التكوير، وهو في الأصل اللف والليَّ، يقال كور العمامة على رأسه، أي لفها ولواها، ثم استعمل في الإدخال والإغشاء، فكان الليل يغشي النهار، والنهار يغشي الليل. قوله: (فيزيد) تقدم أن منتهى الزيادة أربع عشرة ساعة، ومنتهى النقص عشر ساعات، فالزيادة أربع ساعات، تارة تكون في الليل، وتارة تكون في النهار. قوله: (ليوم القيامة) أي ثم ينقطع جريانه لانتقال العالم من الدنيا، فإن تسخير الشمس والقمر، إنما كان في الدنيا لمصالح العالم، فلما انتقل العالم، فقد فرغت مصالحه. قوله: ﴿ أَلا هُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْغَفَّارُ ﴾ إنما صدرت الجملة بحرف التنبيه، للدلالة على كمال الاعتناء بمضمونها، كأنه قال: تنبهوا يا عبادي، فإني الغالب على أمري، الستار لذنوب خلقي، فلا تشركوا بي شيئاً وأخلصوا عبادتكم لي.
قوله: ﴿ خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ﴾ هذا من جملة أدلة توحيده وانفراده بالعزة والقهر، وجميع صفات الألوهية. قوله: ﴿ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا ﴾ إن قلت: إن ﴿ ثُمَّ ﴾ للترتيب، فيقتضي أن خلق الذرية قبل خلق حواء، هو خلاف المعروف المشاهد. وأجيب بثلاثة أجوبة، الأول: أن ﴿ ثُمَّ ﴾ لمجرد الإخبار، لا لترتيب الإيجاد. الثاني: أن المعطوف متعلق بمعنى واحدة، و ﴿ ثُمَّ ﴾ عاطفة عليه، كأنه قال: خلقكم من نفس كانت متوحدة لم يخلق نظيرها، ثم شفعت بزوج. الثالث: أن معنى ﴿ خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ﴾ أخرجكم منها يوم أخذ الميثاق في دفعة واحدة، لأن الله تعالى خلق آدم، وأودع في صلبه أولاده كالذر، ثم أخرجهم وأخذ عليهم الميثاق، ثم ردهم إلى ظهره، ثم خلق منهم حواء. قوله: ﴿ وَأَنزَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلأَنْعَامِ ﴾ إلخ إنما عبر عنها بالنزول، لأنها تكونت بالنبات، وهو غذاء لهان والنبات بالماء المنزل، فهو يسمى عندهم بالتدريج، ومنه قوله تعالى:﴿ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً ﴾[الأعراف: ٢٦] الآية، وقيل: إن الإنزال حقيقة لما روي أن الله خلق الأنعام في الجنة، ثم أنزلها في الأرض، كما قيل في قوله تعالى:﴿ وَأَنزَلْنَا ٱلْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ ﴾[الحديد: ٢٥] فإن آدم لما هبط إلى الأرض نزل معه الحديد. قوله: ﴿ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ ﴾ الزوج ما معه آخر من جنسه، ولا يستغنى بأحدهما عن الآخر. قوله: (كما بين في سورة الأنعام) أي في قوله:﴿ ثَمَٰنِيَةَ أَزْوَٰجٍ مَّنَ ٱلضَّأْنِ ٱثْنَيْنِ ﴾[الأنعام: ١٤٣] الآيات. قوله: ﴿ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُـمْ ﴾ هذا بيان لكيفية الخلق الدالة على باهر قدرته تعالى. قوله: ﴿ خَلْقاً ﴾ مصدر ليخلقكم، وقوله: ﴿ مِّن بَعْدِ خَلْقٍ ﴾ صفى لخلقا. قوله: (أي نطفاً) إلخ، فيه قصور، وعكس ترتيب الإيجاد، فالمناسب أن يقول: أي حيواناً سوياً، من بعد عظام مكسوة لحماً، من بعد عظام عارية، من بعد مضغ، من بعد علق، من بعد نطف. قوله: ﴿ فِي ظُلُمَاتٍ ﴾ بدل اشتمال من بطون أمهاتكم بإعادة الجار، ولا يضر الفصل بين البدل والمبدل منه المصدر، لأنه من تتمة العامل فليس بأجنبي. قوله: (وظلمة المشيمة) أي فهي داخل الرحم، وهو داخل البطن، و (المشيمة) بوزن كريمة، وأصلها مشيمة بسكون الشين وكسر الياء، نقلت كسرة الياء إلى الساكن قبلها، وهي غشاء ولد الإنسان، ويقال لها الغلاف والكيس، ويقال لها من غير ولد الإنسان السلا. قوله: ﴿ ذَٰلِكُمُ ﴾ مبتدأ، و ﴿ ٱللَّهُ رَبُّكُمْ ﴾ خبر أن له وجملة ﴿ لَهُ ٱلْمُلْكُ ﴾ خبر ثالث. قوله: ﴿ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ﴾ جملة مستأنفة نتيجة ما قبله، أي فحيث ثبت أنه ربنا وله الملك، نتج منه لا إله إلا هو. قوله: ﴿ فَأَنَّىٰ تُصْرَفُونَ ﴾ أي تمنعون. قوله: ﴿ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ ﴾ اي له الغنى المطلق، فلا يفتقر إلى ما سواه. قوله: ﴿ وَلاَ يَرْضَىٰ لِعِبَادِهِ ٱلْكُفْرَ ﴾ أي لا يفعل فعل الراضي، بأن يثيب فاعله ويمدحه، بل يفعل فعل الساخط، بأن ينهى عنه، ويعاقب فاعله ويذمه عليه. قوله: (وإن أراده من بعضهم) أشار بهذا إلى أنه لا تلازم بين الرضا والإرادة، بل قد يرضى ولا يريد، وقد يريد ولا يرضى، وإنما التلازم بين الأمر والرضا، خلافاً للمعتزلة القائلين بالتلازم بين الرضا والإرادة، وبنوا على ذلك أموراً فاسدة، ومن هنا قال العلماء: إن الأمور أربعة: تارة يأمر ويريد وهو الإيمان من المؤمنين، وتارة لا يأمر ولا يريد وهو الكفر منهم، وتارة يأمر ولا يريد وهو الإيمان من الكفار، وتارة يريد ولا يأمر وهو الكفر من الكفار. وحكي أن رجلاً من العتزلة، تناظر مع رجل من أهل السنة، فقال المعتزلي: سبحان من تنزه عن الفحشاء، فقال السني: سبحان من لا يقع في ملكه إلا ما يشاء، فقال المعتزلي: أيريد ربك أن يعصى؟ فقال السني: أيعصى ربنا قهراً؟ فقال المعتزلي: أرأيت إن منعني الهدى، وحكم عليَّ بالردى، أحسن إلي أم أساء؟ فقال: إن منعك ما هو لك فقد أساء، وإن منعك ما هو له، فالمالك يفعل في ملكه كيف يشاء، فبهت المعتزلي. قوله: ﴿ يَرْضَهُ لَكُمْ ﴾ أي لأنه سبب لفوزكم بسعادة الدارين، لا لنتفاعه به، تعالى الله عن ذلك. قوله: (بسكون الهاء) إلخ، أي فالقراءات ثلاث سبعيات. قوله: ﴿ وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ﴾ أي لا يحمل شخص إثم كفر شخص آخرن وما ورد من أن الدال على الشر كفاعله، فمعناه أن عليه إثم فعله وإثم دلالته، ولا شك أن دلالته من فعله، فآل الأمر إلى عقابه على فعله، لا على فعل اغيره، وقوله: ﴿ وَازِرَةٌ ﴾ أي وأما غر الوازرة فتحمل وزر غيرها، بمعنى أن من كان ناجياً، وأذن له في الشفاعة يشفع في غيره، فينتفع المشفوع له بتلك الشفاعة إن كان مسلماً، وأما الكافر فلا ينتفع بشفاعة مسلم ولا كافر. قوله: ﴿ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ ﴾ علة لقوله: ﴿ فَيُنَبِّئُكُـمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ أي يخبركم بأعمالكم، لأنه عليم بما في القلوب، فضلاً عن غيرها. قوله: (أي الكافر) أشار بهذا إلى أن أل في الإنسان للعهد.
قوله: ﴿ ضُرٌّ ﴾ المراد به حميع المكاره، كانت في نفسه أو ماله أو أهله. قوله: ﴿ مُنِيباً إِلَيْهِ ﴾ أي تاركاً عبادة الأصنام، لعلمه بأنها لا تقدر على كشف ما نزل به. قوله: (أعطاه إنعاماً) أي إعطاء على سبيل الإنعام والإحسان، فإنعاماً مفعول لأجله، لأن التحويل هو إعطاء النعم على سبيل التفضل والإحسان من غير مقتض لها. قوله: (وهو الله) أشار بذلك إلى أن ﴿ مَا ﴾ موصولة، بمعنى الذي مراداً بها الله تعالى، ويصح أن يراد بها الضر، والمعنى نسي الضر الذي كان يدعو لكشفه، ويصح أن يكون ﴿ مَا ﴾ مصدرية، والمعنى نسي كونه داعياً من قبل تحويل النعمة، والأزهر ما قاله المفسر. قوله: ﴿ لِّيُضِلَّ ﴾ اللام للعاقبة والصيرورة. قوله: (بفتح الياء وضمها) أي فهما قراءتان سبعيتان. قوله: ﴿ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ ﴾ الأمر للتهديد، وفيه إشعار بقنوطه من التمتع في الآخرة. قوله: (بقية أجلك) أشار بذلك إلى أن ﴿ قَلِيلاً ﴾ صفة لموصوف محذوف، أي زماناً قيلاً. قوله: ﴿ إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ ٱلنَّارِ ﴾ أي ملازمها ومعدود من أهلها على الدوام. قوله: ﴿ أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ ﴾ هذا من تمام الكلام المأمور بقوله، وحينئذ فالمعنى قل للكافر ﴿ أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ ﴾ إلخ. قوله: (كمن هو عاص). قوله: ﴿ مِنْ ﴾ جمع إنى بالكسر والقصر، كمعى وامعاء. قوله: (ساعاته) أي أوله وأوسطه وآخره، وفي الآية دليل على أفضلية قيام الليل على النهار، لما في الحديث:" ما زال جبريل يوصيني بقيام الليل حتى علمت أن خيار أمتي لا ينامون "قال ابن عباس: من أحب أن يهون الله عليه الوقوف يوم القيامة، فليره الله في ظلمة الليل. قوله: (وفي قراءة أمن) أي بالتشديد، وعليها فأم داخلة على من الموصولة، فأدغمت الميم في الميم، وترسم على هذه القراءة ميماً واحدة متصلة بالنون كقراءة التخفيف، اتباعاً لرسم المصحف والإعراب على كل من القراءتين واحد لا يتغير، وقوله: (بمعنى بل) أي التي للإضراب الانتقالي، وقوله (والهمزة) أي التي للاستفهام الإنكاري، والقراءتان سبعيتان. قوله: ﴿ ٱلَّذِينَ يَعْلَمُونَ ﴾ أي وهم المؤمنون بربهم، وقوله: ﴿ وَٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ أي وهم الكفار. قوله: (أي لا يستويان) أشار به إلى أن الاستفهام انكاري بمعنى النفي. قوله: ﴿ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ ﴾ أي أصحاب القلوب الصافية والآراء السديدة، وخصهم لأنهم المنتفعون بالتذكر.
قوله: ﴿ قُلْ يٰعِبَادِ ﴾ إلخ، أمر الله سبحانه وتعالى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأوامر لنفسه ولأمته، زيادة في الحث لهم على التجرد لطاعة الله تعالى، واجتناب الشكوك والأوهام. قوله: قوله: (بأن تطيعوه) أي تتمثلوا أوامره وتجتنبوا نواهيه، وهو تفسير للتقوى التي هي جعل العبد بينه وبين العذاب وقاية. قوله: ﴿ لِلَّذِينَ ﴾ خبر مقدم و ﴿ أَحْسَنُواْ ﴾ صلته، و ﴿ فِي هَـٰذِهِ ٱلدُّنْيَا ﴾ متعلق بأحسنوا.
﴿ حَسَنَةٌ ﴾ مبتدأ مؤخر. قوله: (هي الجنة) أي بجميع ما فيها من النعيم المقيم، فهي بمعنى قوله تعالى:﴿ لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ ٱلْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ ﴾[يونس: ٢٦].
قوله: ﴿ وَأَرْضُ ٱللَّهِ وَاسِعَةٌ ﴾ جملة من مبتدأ وخبر، وهي حالية. قوله: (فهاجروا إليها) إلخ، أشار بذلك إلى أن المراد بالأرض أرض الدنيا، والمعنى: من تعسرت عليه التقوى في محل، فليهاجر إلى محل آخر يتمكن فيه من ذلك، إذ لا عذر في التفريط أصلاً، وكانت الهجرة قبل فتح مكة شرطاً في صحة الإسلام، فلما فتحت مكة نسخ كونه شرطاً، وصارت تعتريها الأحكام، فتارة تكون واجبة، كما إذ هاجر من أرض لا أخيار بها، لأرض بها أخيار، يجتمع عليهم للإرشاد، وتكون مكروهة، كما إذا هاجر من أرض بها الأخيار وأهل العلم والصلاح، لأرض لا أخيار بها ولا علم ولا عمل، وتارة تكون محرمة، كما إذا هاجر من أرض يأمن فيها على دينه، لأرض لا يأمن فيها عليه. قوله: ﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى ٱلصَّابِرُونَ ﴾ هذا ترغيب في التقوى المأمور بها. قوله: (على الطاعات) أي أو عن المعاصي. قوله: (وما يبتلون) أي ومن جملته مفارقة الوطن المأمور بها في قوله: ﴿ وَأَرْضُ ٱللَّهِ وَاسِعَةٌ ﴾.
قوله: ﴿ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ أي لما ورد:" تنصب الموازين يوم القيامة لأهل الصلاة والصدقة والحج؛ فيوفون بها أجورهم، ولا تنصب لأهل البلاء، بل يصب عليهم الأجر صباً حتى يتمنى أهل العافية في الدنيا، أن أجسادهم تقرض بالمقاريض مما يذهب به أهل البلاء من الفضل ". قوله: ﴿ قُلْ إِنِّيۤ أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ ٱللَّهَ ﴾ إلخ، الحكمة في هذا الأخبار، اعلام الأمة بأن يتصفوا به ويلزموه، فإن العادة أن المتصف بخلق، ثم يأمر به، أو يعرض بالأمر به ويؤثر في غيره كما قيل: حال رجل في ألف رجل، أنفع من حال ألف رجل في رجل. قوله: (من هذه الأمة) جواب عما يقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس أول المسلمين مطلقاً: فأجاب: بأن الأولية بحسب سبق الدعوة. قوله: ﴿ قُلْ إِنِّيۤ أَخَافُ ﴾ سبب نزولها: أن كفار قريش قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: ما حملك على هذا الذي أتيتنا به، ألا تنظر إلى ملة أبيك وجدك وقومك فتأخذ بها؟ فنزلت، فالمقصود منها زجر الغير عن المعاصي، لأنه صلى الله عليه وسلم إذا كان خائفاً مع كمال طهارته وعصمته، فغيره أولى، وذلك سنة الأنبياء والصالحين، حيث يخبرون غيرهم بما هم متصفون به ليكونوا مثلهم، لا الملوك والمتجبرين، حيث يأمرون غيرهم بما لم يتصفوا به. قوله: (فيه تهديد لهم) أي من حيث الأمر. قوله: (وإيذان) أي إعلام.
قوله: ﴿ ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ ﴾ خبر. ﴿ إِنَّ ﴾.
قوله: ﴿ وَأَهْلِيهِمْ ﴾ أي أزواجهم وخدمهم يوم القيامة، لما ورد: أن الله تعالى جعل لكل إنسان منزلاً وأهلاً في الجنة، فمن عمل بطاعة الله، كان ذلك المنزل والأهل له، ومن عمل بمعصية الله دخل النار، وكان ذلك المنزل والأهل لغيره ممن عمل بطاعة الله، فخسر نفسه وأهله ومنزله، وقيل: المراد أهلهم في الدنيا، لأنهم إن كانوا من أهل النار، فقد خسروهم كما خسروا أنفسهم، وإن كانوا من أهل الجنة، فقد ذهبوا عنهم ذهاباً لا رجوع بعده. قوله: ﴿ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ ﴾ أي حين يدخلون النار. قوله: (بتخليد الأنفس) راجع لقوله: ﴿ أَنفُسَهُمْ ﴾.
قوله: (بعد وصولهم إلى الحور العين) إلخ، راجع لقوله: ﴿ وَأَهْلِيهِمْ ﴾ على سبيل اللف والنشر والمرتب. قوله: ﴿ أَلاَ ذَلِكَ هُوَ ٱلْخُسْرَانُ ٱلْمُبِينُ ﴾ أي الذي لا خفاء فيه، وتصدير الجملة بأداة التنبيه، إشارة إلى فظاعته وشناعته. قوله: ﴿ لَهُمْ مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ ﴾ ﴿ لَهُمْ ﴾ خبر مقدم، و ﴿ ظُلَلٌ ﴾ مبتدأ مؤخر، و ﴿ مِّن فَوْقِهِمْ ﴾ حال. قوله: (طباق) أي قطع كبار، وإطلاق الظلل عليها تهكم، وإلا فهي محرقة، والظلة تقي من الحر. قوله: ﴿ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ﴾ أي ولغيرهم وإن كان فراشاً لهم، لأن النار دركات، فما كان فراشاً لجماعة، يكون ظلة لآخرين. قوله: ﴿ ذَلِكَ يُخَوِّفُ ٱللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ ﴾ أي فالحكمة في ذكر أحوال أهل النار، تخويف المؤمنين منها ليتقوها بطاعة ربهم. قوله: (يدل عليه) أي على الوصف المقدر وهو قوله: (المؤمنين). قوله: ﴿ وَٱلَّذِينَ ٱجْتَنَبُواْ ٱلطَّاغُوتَ ﴾ إلخ، قيل: نزلت هذه الآية في عثمان بن عفان وعبد الرحمن ابن عوف وسعد وسعيد وطلحة والزبير رضي الله عنهم، سألوا أبا بكر رضي الله عنه، فأخبرهم بإيمانه فآمنوا. قوله: (الأوثان) هذا أحد أقوال في تفسيره، وقيل هو الشيطان، وقيل: كل ما عبد من دون الله تعالى، وقيل: غير ذلك. قوله: ﴿ لَهُمُ ٱلْبُشْرَىٰ ﴾ (بالجنة) أي على ألسنة الرسل، أو على ألسنة الملائكة، عند حضور الموت، وفي الحقيقة البشرى تحصل لهم في الدنيا، بالثناء عليهم بصالح أعمالهم، وعند الموت وعند الوضع في القبر، وعند الخروج من القبور، وعند الوقوف للحساب، وعند المرور على الصراط، ففي كل موقف من هذه المواقف، تحصل لهم البشارة بالروح والريحان. قوله: ﴿ فَبَشِّرْ عِبَادِ ﴾ أي الموصوفين باجتناب الوثان، والإثابة إلى الله تعالى، والإضافة لتشريف المضاف.
قوله: ﴿ ٱلَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ ٱلْقَوْلَ فَيَـتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ﴾ قيل: المراد يسمعون الحسن والقبيح، فيتحدثون بالحسن ويكفون عن القبيح، وقيل: يسمعون القرآن وغيره فيتبعون القرآن، وقيل: يسمعون القرآن وأقوال الرسول، فيتبعون المحكم ويعملون به، ويتركون المتشابه ويفوضون علمه لله تعالى، وقيل: يسمعون العزيمة والرخصة، فيأخذون العزيمة ويتركون الرخصة، وكل صحيح. قوله: ﴿ أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَاهُمُ ٱللَّهُ ﴾ أي الموصوفون بتلك الأوصاف. قوله: ﴿ أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ ٱلْعَذَابِ ﴾ إلخ، يحتمل أن ما شرطية، وجوابها قوله: ﴿ أَفَأَنتَ تُنقِذُ مَن فِي ٱلنَّارِ ﴾ كما قال المفسر، وأعيدت الهمزة لتأكيد معنى الإنكار ولطول الكلام، وأقيم الظاهر مقام المضمر، أي أفأنت تنقذه، ويحتمل أنها موصولة مبتدأ، والخبر محذوف تقديره أنت لا تنفعه فجملة قوله: ﴿ أَفَأَنتَ تُنقِذُ مَن فِي ٱلنَّارِ ﴾ مستقلة مؤكدة لما قبلها، وهذه الآية نزلت في حق أبي لهب وولده، ومن تخلف من عشيرة النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان، وقد كان حريصاً على إيمانهم. قوله: (والهمزة) أي الأولى والثانية توكيد لها. قوله: (للإنكار) أي الاستفهام الإنكاري. قوله: (والمعنى لا تقدر على هدايته) إلخ، أشار بهذه إلى أن قوله: ﴿ أَفَأَنتَ تُنقِذُ مَن فِي ٱلنَّارِ ﴾ مجاز مرسل، حيث أطلق المسبب وأراد السبب، لأن الإدخال في النار، مسبب عن الضلال وترك الهدى، كأنه قال: أنت تهدي من أضله الله، وجعل له النار بسبب ضلاله، وجعلها السمرقندي في حواشي رسالته استعارة بالكناية، حيث شبه استحقاقهم العذاب بالدخول إلى النار، مسبب عن الضلال وترك الهدى، كأنه قال: أنت تهدي من أضله الله، وجعل له النار بسبب ضلاله، وجعلها السمرقندي في حواشي رسالته استعارة بالكناية، حيث شبه استحقاقهم العذاب بالدخول في النار، عن طريق المكنية في المركب، وحذف المركب الدال على المشبه به، ورمز له بذكر شيء من لوازمه وهو الإنقاذ، وفيه إشكال، انظر بسطه في حاشيتنا على رسالة البيان، لأستاذنا الشيخ الدردير. قوله: ﴿ لَـٰكِنِ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ ﴾ أي وهم المصوفون بالصفات الجميلة السابقة المخاطبون بقوله:﴿ يٰعِبَادِ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمْ ﴾[الزمر: ١٠] الآية، ولكن ليست للاستدراك، وإنما هي للإضراب عن قصة إلى قصة مخالفة للأولى. قوله: ﴿ لَهُمْ غُرَفٌ مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ ﴾ مقابل قوله في حق أهل النار﴿ لَهُمْ مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ ٱلنَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ﴾[الزمر: ١٦] قوله: (بفعل المقدر) أي وتقديره وعدهم الله وعداً. قوله: ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً ﴾ إلخ، استئناف مسوق لبيان تمثيل الحياة الدنيا في سرعة زوالها وقرب اضمحلالها، بما ذكر من أحوال الزرع، تحذيراً عن زخارفها والاغترار بها. قوله: (أدخله أمكنة نبع) أي فمراده بالينابيع الأمكنة التي أودعت فيها المياه السماوية لمنافع العباد، بحيث تكون قريبة من وجه الأرض، وتطلق الينابيع على نفس الماء الجاري على وجه الأرض، وكل صحيح. قوله: ﴿ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً ﴾ صيغة المضارع لاستحضار الصورة واستمرارها. قوله: ﴿ مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ ﴾ أي من أحمر وأخضر وأصفر وأبيض، واختلاف تلك الألوان، إما ثماره أو عوده، ومراده بالزرع كل ما يستنبت. قوله: (فتاتاً) أي متفتتاً ومتمزقاً.
قوله: ﴿ أَفَمَن شَرَحَ ٱللَّهُ صَدْرَهُ ﴾ إلخ، الهمزة داخلة على محذوف، والفاء عاطفة عليه، والتقدير: أكل الناس سواء؟ فمن شرح الله صدره إلخ، والاستفهام إنكاري، ومن اسم موصول مبتدأ خبره محذوف قدره المفسر بقوله: (طمن طبع) الخ، وهذه الآية مرتبة على قوله: ﴿ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ ﴾ [الزمر: ١٨] قوله: ﴿ فَهُوَ عَلَىٰ نُورٍ مِّن رَّبِّهِ ﴾ أي نور المعرفة والاهتداء، وفي الحديث:" إذا دخل النور القلب انشرح وانفسخ، فقيل: ما علامة ذلك؟ قال: الإنابة إلى دار الخلود، والتجافي عن دار الغرور، والتأهب للموت قبل نزوله "قوله: (أي عن قبول القرآن) أشار بذلك إلى أن ﴿ مِّن ﴾ بمعنى عن، وفي الكلام مضاف محذوف، ويصح أن تبقى من على بابها للتعليل، أي قست قلوبهم من أجل ذكر الله، لفساد قلوبهم وخسرانها. ومن المعلوم المشاهد، أن الأطعمة الفاخرة، تكون له داء لبعض المرضى، ومن هنا قول بعض العارفين: ألا بذكر الله تزداد الذنوب وتنطمس البصائر والقلوب.
قوله: ﴿ ٱللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ ٱلْحَدِيثِ ﴾ إلخ، سبب نزولها، أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حصل لهم بعض ملل، فقالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: حدثنا حديثاً حسناً، فنزلت. قوله: (في النظم) أي اللفظ، وقوله: (وغيره) أي المعنى كالبلاغة والدلالة على المنافع. قال البوصيري رضي الله عنه في هذا المعنى: ردت بلاغتها دعوى معارضها   رد الغيور يد الجاني عن الحرمفما تعد ولا تحصى عجائبها   ولا تسام من الإكثار بالسأمواعلم أنه في هذه الآية أثبت ان القرآن متشابه، وفي آية أخرى أثبت أنه محكم، وفي آية أخرى أن بعضه محكم وبعضه متشابه، ووجه الجمع بينها، أن المراد بالمتشابه في آية الاقتصار عليه، ما أشبه بعضه بعضاً في اللفظ، والمعنى من حيث البلاغة وحسن الترتيب، وبالمحكم في آية الاقتصار عليه، ما لا يأتيه الباطل من يديه ولا من خلفه، وبالمتشابه في آية الجمع ما خفي معناه، وبالمحكم ما ظهر معناه، وتقدم هذا الجمع. قوله: ﴿ مَّثَانِيَ ﴾ جمع مثنى من التثنية بمعنى التكرير، ووصف به المفرد وهو الكتاب، لأن الكتاب جملة ذات تفاصيل تثنى وتكرر، نظير قولك: الإنسان عروق وعظام وأعصاب. قوله: (وغيرهما) أي كالقصص والأحكام. قوله: ﴿ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ ﴾ أي تنقبض وتتجمع من الخوف. قوله: (عند ذكر وعيده) أشار بهذا إلى أن ﴿ إِلَىٰ ﴾ بمعنى عند. قوله (تطمئن) أي تسكن وتستقر. قوله: (أي عند ذكر وعده) أشار إلى أن ﴿ إِلَىٰ ﴾ بمعنى عند، فالتضمين في الحرف وهو أحد وجهين، والآخر أنه ضمن ﴿ تَلِينُ ﴾ معنى تسكن، فعداه بإلى، والمفسر قد جمع بينهما. والحاصل: أن الله تعالى بين حال المؤمن عند سماع القرآن، ففي حالة ذكر الوعيد يغلب عليه الخوف فيتصاغر، وفي حال ذكر الوعد، يغلب عليه الرجاء، فيتسع صدره، وتطمئن نفسه، لأن الخوف والرجاء مصحوبان للعبد، كجناحي الطائر إن عدم أحدهما سقط. قوله: (أي الكتاب) أي الموصوف بتلك الصفات. قوله: ﴿ هُدَى ٱللَّهِ ﴾ أي سبب في الهدى أو بولغ فيه، حتى جعل نفس الهدى. قوله: ﴿ أَفَمَن يَتَّقِي ﴾ الهمزة داخل على محذوف، والفاء عاطفة عليه، والتقدير أكل الناس سواء فمن يتقي إلخ، ومن اسم موصول مبتدأ خبره محذوف، قدره المفسر بقوله كمن آمن منه. قوله: (مغلولة يداه) أي وفي عنقه صخرة من كبريت مثل الجبال العظيمة، فتشتعل النار فيها، وهي في عنقه، فحرها ووهجها على وجه، لا يطيق دفعها عنه للأغلال التي في ديه وعنقه. قوله: ﴿ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ﴾ التعبير بالماضي لتحقق الحصول. قوله: (أي كفار مكة) الأوضح أن يقول: أي الكفار من هذه الأمة. قوله: (أي جزاؤه) أشار بذلك إلى أن الكلام على حذف مضاف. قوله: ﴿ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ﴾ بيان لحال المكذبين قبلهم، وما حصل لهم في الدنيا من العذاب. قوله: (لا تخطر ببالهم) المراد بالجهة السبب، أي أتاهم العذاب بسبب لا يخطر ببالهم، كاللواط في قوم لوط مثلاً. قوله: ﴿ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ ﴾ أي يصدقون ويوقنون، وقوله: (ما كذبوا) جواب ﴿ لَوْ ﴾.
قوله: ﴿ وَلَقَدْ ضَرَبْنَا ﴾ اللام موطئة لقسم محذوف، ومعنى ﴿ ضَرَبْنَا ﴾ بينا ووضحنا. قوله: (حال مؤكدة) أي لفظ قرآناً، وكما تسمى (مؤكدة) بالنسبة لما قبلها، تسمى موطئة بالنسبة لما بعدها، كما تقول: جاء زيد رجلاً صالحاً. قوله: ﴿ غَيْرَ ذِي عِوَجٍ ﴾ نعت لقرآناً أو حال أخرى. قوله: (أي لبس واختلاف) أي فمعناه صحيح لا لبس ولا تناقض فيه. قوله: ﴿ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴾ علة لقوله: ﴿ لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴾.
قوله: ﴿ ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً ﴾ إلخ، والمعنى: اضرب يا محمد لقومك هذا المثل، واذكره لهم لعلهم يؤمنون قوله: ﴿ مُتَشَاكِسُونَ ﴾ التشاكس التخالف والتشاجر مع سوء الخلق، ومثل التشاخس بخاء معجمة بدل الكاف. قوله: ﴿ وَرَجُلاً سَلَماً ﴾ بألف بعد السين مع كسر اللام، وتركها مع فتح السين واللام، قراءتان سبعيتان. فالأولى اسم فاعل، والثانية مصدر وصف به على سبيل المبالغة، وقرئ شذوذاً بكسر السين وسكون اللام. قوله: ﴿ هَلْ يَسْتَوِيَانِ ﴾ الاستفهام إنكاري بمعنى النفي. قوله: (تمييز) أي محول عن الفاعل، والمعنى لا يستوي مثلهما وصفتهما. قوله: (أي لا يستوي العبد لجماعة) هذا هو المثل المحسوس للمشرك الذي يعبد غير الله، فقوله: (لجماعة) أي سيئة اخلاقهم، وقوله: (والعبد لواحد) هذا هو المحسوس للموحد الذي يعبد الله وحده، وقوله: (فإن الأول) إلخ، تقرير للمثل الأول، ولم يتعرض للثاني لوضوحه. قوله: ﴿ ٱلْحَمْدُ للَّهِ ﴾ أي على عدم استواء هذين الرجلين. قوله: ﴿ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ أي مع بيان ظهوره، وهو اضراب انتقالي من بيان عد الاستواء على الوجه المذكور، إلى بيان أن أكثر الناس لا يعلمون ذلك. قوله: ﴿ إِنَّكَ مَيِّتٌ ﴾ العامة على التشديد وهو من سيموت، وأما الميت بالتخفيف فهو من فارقته الروح بالفعل. قوله: (فلا شماتة بالموت) الشماتة الفرح ببلية العدو. قوله: (نزلت لما استبطؤوا موته) إلخ، أي وذلك أنهم كانوا ينتظرون موته، فأخبر الله تعالى بأن الموت يعمهم، فلا معنى لشماتة الفاني بالفاني. قوله: (أيها الناس) أي مؤمنكم وكافركم، وقوله: ﴿ تَخْتَصِمُونَ ﴾ أي يخاصم بعضكم بعضاً، فيقتص للمظلوم من الظالم، لما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم ولا متاع له، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن المفلس من يأتي يوم القيامة بصلاة وزكاة وصيام، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا؛ وضرب هذا، فيعطي هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي عليه، أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار "قوله: (أي لا أحد) أشار بذلك إلى أن الاستفهام إنكاري بمعنى النفي. قوله: ﴿ مِمَّن كَذَبَ علَى ٱللَّهِ ﴾ أي ومن جملة الكذب على الله، الكذب على رسوله، بأن يقول مثلاً: قال رسول الله كذا، أو هذا، شرعه، والحال أنه لم يكن قاله، ولم يكن شرعه. قوله: ﴿ إِذْ جَآءَهُ ﴾ ظرف لكذب بالصدق، والمعنى كذب بالصدق وقت مجيئه. قوله: (بلى) أشار بذلك إلى أن الاستفهام تقريري، والمعنى ﴿ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ ﴾ لأن (بلى) يجاب بها النفي ويصيره إثباتاً كما تقدم. قوله: (فالذي بمعنى الذين) أي بالنسبة للصلى الثانية، ولذا روعي معناه، فجمع في قوله: ﴿ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُتَّقُونَ ﴾ وروعي لفظه في قوله: ﴿ جَآءَ ﴾ و ﴿ صَدَّقَ ﴾ قوله: ﴿ لَهُم مَّا يَشَآءُونَ ﴾ أي كل ما يشتهون من وقت حضور الموت، كالمن من الفتانات عنده، ومن فتنة القبر وعذابه، ومن هول الموقف إلى غير ذلك. قوله: (لأنفسهم) متعلق بالمحسنين، وفيه إشارة إلى إحسان الإنسان لنفسه، وثمرته عائدة عليها، فلا يعود على الله نفع محسن، ولا ضر مسيء، تعالى الله عنه، والإحسان للنفس، يكون بطاعة الله والالتجاء إليه وبذل المعروف للخلق محبة في الخالق، وبهذا تكون النفس عزيزة: ومن أعز نفسه أعزه الله. وبضدها تتميز الأشياء.
قوله: ﴿ لِيُكَـفِّرَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ ﴾ متعلق بمحذوف، أي يسر الله لهم ذلك ليكفر إلخ، واللام للعاقبة والصيرورة، وهو تفصيل لقوله: ﴿ لَهُم مَّا يَشَآءُونَ ﴾ [الزمر: ٣٤].
قوله: (بمعنى السيئ والحسن) أي فافعل التفضيل ليس على بابه، وهو جواب عما يقال: مقتضاه أنه يكفر عنهم الأسوأ فقط، ويجاوزون على الأحسن فقط، ولا يكفر عنهم السيئ، ولا يجاوزون على الحسن. قوله: ﴿ عَبْدَهُ ﴾ أي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقيل: المراد به الخالص في العبودية لله وهو التم، ويؤيده قراءة عباده بالجمع، وهي سبعية أيضاً، والمعنى أنه من أخلص لله في عبادته، كفاه ما أهمه في دينه ودنياه وآخرته. قوله: ﴿ وَيُخَوِّفُونَكَ ﴾ يصح أن تكون الجملة حالية، والمعنى أن الله كافيك في كل حال تخويفهم لك، ويصح أن تكون مستأنفة. قوله: (أو تخبله) أي تفسد أعضاءه وتذهب عقله. قوله: ﴿ ذِي ٱنتِقَامٍ ﴾ أي ينتقم من أعدائه لأوليائه، وتأخير قوله: (بلى) للإشارة إلى أنه راجع لقوله ﴿ ذِي ٱنتِقَامٍ ﴾ أيضاً. قوله: ﴿ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ ﴾ أي فلا جواب لهم غيره، لقيام البراهين الواضحة على أنه المنفرد بالخلق والإيجاد. قوله: ﴿ قُلْ أَفَرَأَيْتُم ﴾ إلخ، رأى متعدية لمفعولين: الأول قوله: ﴿ مَّا تَدْعُونَ ﴾، والثاني قوله: ﴿ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ ﴾ إلخ، وقوله: ﴿ إِنْ أَرَادَنِيَ ﴾ إلخ، جملة شرطية معترضة بين المفعول الأول والثاني، وجوابها محذوف لدلالة المفعول الثاني عليه، وتقديره لا كاشف له غيره. قوله: ﴿ إِنْ أَرَادَنِيَ ٱللَّهُ بِضُرٍّ ﴾ قدمه لأن دفعه أهم وخص نفسه لأنه جواب لتخويفه من الأصنام. قوله: ﴿ هَلْ هُنَّ ﴾ عبر عنها بضمير الإناث تحقيراً لها، ولأنهم كانوا يسمونها بأسماء الإناث، كاللات والعزى ومناة. قوله: (وفي قراءة بالإضافة) أي وهي سبعية أيضاً. قوله: ﴿ قُلْ حَسْبِيَ ٱللَّهُ ﴾ أي كافيّ فلا ألتفت لغيره. قوله: (يثق الواثقون) أي يعتمد المعتمدون.
قوله: ﴿ قُلْ يٰقَوْمِ ٱعْمَلُواْ ﴾ إلخ، هذا الأمر للتهديد. قوله: (حالتكم) أي وهي الكفر والعناد، وفيه تشبيه الحال بالمكان، بجامع الثبوت والاستقرار في كل. قوله: (مفعولة العلم) أي لأنها بمعنى عرف، فتنصب مفعولاً واحداً، قوله: ﴿ يُخْزِيهِ ﴾ أي يهينه ويذله. قوله: ﴿ لِلنَّـاسِ ﴾ أي لمصالح الناس في معاشهم ومعادهم. قوله: (متعلق بأنزل) ويصح أن يكون متعلقاً بمحذوف حال، إما من فاعل أنزل، أو من مفعوله. قوله: ﴿ أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِـيلٍ ﴾ هذا تسلية له صلى الله عليه وسلم، والمعنى ليس هداهم بيدك ولال في ضمانتك، حتى تقهرهم وتجبرهم عليه، وإنما هو بيدنا، فإن شئنا أبقيناهم على ما هم عليه من الضلال. قوله: ﴿ ٱللَّهُ يَتَوَفَّى ٱلأَنفُسَ حِينَ مَوْتِـهَا ﴾ أي يقبض الأرواح عند حضور آجالها، فالنفس والروح شيء واحد على التحقيق، وذلك القبض ظاهر، بحيث ينعدم التمييز والإحساس، وباطناً بحيث تنعدم الحياة والنفس والحركة. قوله: ﴿ وَ ﴾ (يتوفى) ﴿ ٱلَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِـهَا ﴾ أشار بذلك إلى أن الموصول معطوف على ﴿ ٱلأَنفُسَ ﴾ مسلط عليه ﴿ يَتَوَفَّى ﴾ والمعنى يقبض الأرواح التي لم تحضر آجالها عند نومها ظاهراً، بحيث ينعدم التمييز والإحساس لا باطناً، فإن الحياة والنفس والحركة باقية، ولذا عرفوا النوم بأنه فترة طبيعية، تهجم على الشخص قهراً عليه، تمنع حواسه الحركة، وعقله الإدراك، وأما في حالة اليقظة، فالروح سارية في الجسد ظاهراً وباطناً، لأنها جسم لطيف شفاف، مشتبك بالاجسام الكثيفة، اشتباك الماء بالعود الأخضر على هيئة جسد صاحبها، وقيل مقرها القلب، وشعاعها مقوم للجسد، كالشمعة الكائنة وسط آنية من زجاج، فأصلها في وسطه، ونورها سار في جميع أجزائه. قوله: ﴿ فَيُمْسِكُ ٱلَّتِي قَضَىٰ عَلَيْهَا ٱلْمَوْتَ ﴾ أي لا يردها إلى جسدها، وتحيا حياة دنيوية. قوله: (أي وقت موتها) ظاهره أن قوله: ﴿ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ﴾ راجع لقوله: ﴿ وَيُرْسِلُ ٱلأُخْرَىٰ ﴾ فقط، ويصح رجوعه وللذي قبله، ويراد بالأجل المسمى في الممسوكة النفخة الثانية. قوله: (نفس التمييز) أي والإحساس. قوله: (نفس الحياة) أي والحركة والنفس. قوله: (بخلاف العكس) أي فمتى ذهبت نفس الحياة، لا تبقى نفس التمييز والإحساس، واعلم أنه اختلف، هل في الإنسان روح واحدة والتعدد باعتبار أوصافها وهو التحقيق، أو روحان: إحداهما روح اليقظة، التي أجرى الله العادة بأنها كانت في الجسد كان الإنسان متيقظاً، فإذا خرجت منه، نام الإنسان ورأت تلك الروح المنامات، والأخرى: روح الحياة، التي أجرى الله العادة بأنها إذا كانت في الجسد كان حياً، فإذا فارقته مات، فإذا رجعت إليه حيي، وكلام المفسر محتمل للقولين. قوله: (المذكور) أي من التوفي والإمساك والإرسال. قوله: (وقريش لم يتفكروا) قدره ليكون قوله: ﴿ أَمِ ٱتَّخَذُواْ ﴾ إضراباً انتقالياً. قوله: (أي الأصنام) بيان للمفعول الأولى. قوله: ﴿ أَ ﴾ (يشفعون) أشار بهذا إلى أن الهمزة داخلة على محذوف. والواو عاطفة عليه. قوله: ﴿ لاَ ﴾ أشار به إلى أن الاستفهام إنكاري بمعنى النفي. قوله: (أي وهو مختص بها) جواب عما يقال: مقتضى الآية نفي الشفاعة عن غيره تعالى، مع أنه قد جاء في الأخبار: إن للأنبياء والعلماء والشهداء شفاعات فأجاب: بأن المعنى لا يملك الشفاعة إلا الله، وشفاعات بإذن الله ورضاه، قال تعالى:﴿ وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ٱرْتَضَىٰ ﴾[الأنبياء: ٢٨].
قوله: ﴿ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ أي تردون فيجازيكم بأعمالكم. قوله: ﴿ وَإِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَحْدَهُ ﴾ ﴿ إِذَا ﴾ معمولة لقوله: ﴿ ٱشْمَأَزَّتْ ﴾ قوله: ﴿ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ﴾ أي لنسيانهم حق الله تعالى، وهذه الآية تجر بذيلها على أهل اللهو والفسوق، الذين يختارون مجالس اللهو ويفرحون بها، على مجالس الطاعات. قوله: ﴿ قُلِ ٱللَّهُمَّ ﴾ أي التجئ إلى ربك بالدعاء والتضرع، فإنه القادر على كل شيء. قوله: (أي يا الله) أي فحذفت يا النداء، وعوض عنها الميم وشددت، لتكون على حرفين كالمعوض عنه. قوله: (اهدني) هذا هو المقصود بالدعاء، وتمام تلك الدعوة النبوية على ما ورد: اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم. قوله: ﴿ وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ﴾ إلخ، بيان لغاية شدة ما ينزل بهم. قوله: ﴿ لاَفْتَدَوْاْ بِهِ ﴾ أي بالمذكور من الأمرين. قوله: ﴿ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ ﴾ ظرف ﴿ لاَفْتَدَوْاْ ﴾.
قوله: ﴿ وَبَدَا لَهُمْ ﴾ إلخ، كلام مستأنف أو معطوف على قوله: ﴿ وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ﴾ إلخ. قوله: ﴿ سَيِّئَاتُ مَا كَـسَبُواْ ﴾ أي الأعمال السيئة حين تعرض عليهم صفائحهم. قوله: (الجنس) أي فهو إخبار عن الجنس بما يفعله غالب أفراده. قوله: (إنعاماً) أي تفضلاً وإحساناً. قوله:﴿ عَلَىٰ عِلْمٍ ﴾[الزمر: ٤٩] (من الله) إلخ أي أو مني بوجود سببه، أو أني أعطيته بسبب محبة الله لي وفلاحي. قوله: (أي القولة) أشار بذلك إلى أن الضمير عائد على (القولة) وقيل عائد على النعمة، والمعنى أن النعمة فتنة، أي امتحان واختبار، هل يشكر عليها أو يكفرها. قوله: (أن التخويل) أي إعطاء النعم تفضلاً وإحساناً. قوله: (الراضين بها) أشار بذلك إلى أن قومه لم يقولوها بالفعل، وإنما نسبت لهم من حيث رضتهم بها. قوله: ﴿ سَيِّئَاتُ مَا كَـسَبُواْ ﴾ أي جزاء أعمالهم السيئة.
قوله: ﴿ مِنْ هَـٰؤُلاَءِ ﴾ بيان للذين ظلموا. قوله: (فقحطوا سبع سنين) أي أوائل سني الهجرة، حتى أكلوا الجيف والعظم المحرق. قوله: (ثم وسع عليهم) أي استدراجاً لهم، ولا رضاً عليهم. قوله: ﴿ أَوَلَمْ يَعْلَمُوۤاْ ﴾ أي القائلون: إنما أوتيته على علم عندي. قوله: ﴿ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ ﴾ أي وإن كان لا حيلة له ولا قوة، طائعاً أو عاصياً. وقوله: ﴿ وَيَقْدِرُ ﴾ أي لمن يشاء، وإن كان قوياً شديداً، طائعاً أو عاصياً، فليس لبس الرزق الدنيوي ولا لقبضه، مدخل في محبة الله ولا بغضه، بل بحكمته تعالى. قوله: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ ﴾ أي المذكور.
قوله: ﴿ قُلْ يٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ ﴾ الخ، سب نزولها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى وحشي قاتل حمزة يدعوه إلى الإسلام، فأرسل إليه: كيف تدعوني إلى دينكن وأنت تزعم أنه من قتل أو أشرك أو زنى يلق أثاماً يضاعف له العذاب، وأنا فعلت ذلك كله؟ فأنزل الله﴿ إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً ﴾[الفرقان: ٧٠] فقال وحشي: هذا أمر شديد، لعلي لا أقدر عليه، فهل غير ذلك؟ فأنزل الله﴿ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ ﴾[النساء: ٤٨] أراني بعد في شبهة، أيغفر لي أم لا؟ فنزلت هذه الآية، فقال وحشي: نعم، الآن لا أرى شرطاً، فأسلم، وهذه الآية عامة لكل كافر وعاص، لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ومن ثم قيل: إنها أرجى آية في كتاب الله تعالى، وفيها من أنواع المعاني والبيان أمور حسان، منها: إقباله تعالى على خلقه ونداؤه إياهم. ومنها: إضافتهم إليه إضافة تشريف، ومنها: التفات من التكلم إلى الغيبة في قوله: ﴿ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ ﴾.
ومنها: إضافة الرحمة لأجل أسمائه، الجامع لجميع الأسماء والصفات، وهو لفظ الجلالة. ومنها: الإتيان بالجملة المعرفة الطرفين المؤكدة بأن وضمير الفصل في قوله: ﴿ إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ ﴾ للإشارة إلى أنه تعالى لا وصف له مع عباده إلا الغفران والرحمة، ومناسبة هذه الآية لما قبلها، أن الله تعالى لما شدد على الكفار التشديد العظيم في قوله﴿ وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ مَا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً ﴾[الزمر: ٤٧] الآية، أتبعها بذكر عظيم غفرانه ورحمته لمن آمن، ليجمع العبد بين الرجاء والخوف. قوله: ﴿ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ ﴾ أي فرطوا في الأعمال الصالحة، وارتكبوا سيئ الأعمال، وأكثروا منه. قوله: ﴿ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ ﴾ إن قلت: إن في هذا إغراء بالمعاصي، واتكالاً على غفرانه تعالى، وهو لا يليق. اجيب: بأن المقصود تنبيه العاصي على إنه ينبغي له أن يقدم على التوبة، ولا يقنط من رحمة الله، وليس ذلك إغراء بالمعاصي، بل هو تطمين للعصاة، وترغيب لهم في الإقبال على ربهم. قوله: (بكسر النون وفتحها) أي من باب جلس وسلم وهما سبعيتان. قوله: (وقرئ بضمها) أي من باب دخل، وهي شاذة. قوله: ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعاً ﴾ أي إشراكاً أو غيره، وهو مقيد بالتوبة كما قال المفسر، لأن بها يخرج العاصي من ذنوبه كيوم ولدته أمه لما في الحديث:" التائب من الذنب كمن لا ذنب له "وأما من مات مسلماً ولم يتب من ذنوبه فأمره مفوض لربه، إن شاء غفر له وإن شاء عذبه بقدر جرمه، ثم يدخله الجنة، وأما من مات مشركاً، فلا يغفر له بنص قوله تعالى:﴿ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ ﴾[النساء: ٤٨] ومن هنا قيل: رحمة الله غلبت غضبه، لأن دار الغضب مخصوصة بمن مات مشركاً، بخلاف دار الرحمة، فهي لمن عدا ذلك. قوله: (لمن تاب من الشرك) إنما خص الشرك، لأن التوبة منه مقبولة قطعاً بنص قوله تعالى:﴿ قُل لِلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ سَلَفَ ﴾[الأنفال: ٣٨] بخلاف التوبة من غير الشرك، ففيها قولان: قيل مقبولة ظناً، وقيل قطعاً، والفرق أن تعذيب العاصي تطهير، وتعذيب الكافر غضب، فمآل العاصي للجنة، وإن طالت مدته في النار، لأن معاملته بالفضل والرحمة بخلال الكافر، فمعاملته بالعدل. قوله: ﴿ إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ ﴾ تعليل لما قبله، وهذان الوصفان يكونان لمن تاب، فالغفران له دخول الجنة. قوله: ﴿ وَأَنِـيبُوۤاْ إِلَىٰ رَبِّكُمْ ﴾ أتى بهذه الآية عقب التي قبلها لئلاً يتكل العاصي على الغفران، ويترك التوبة والرجوع إلى الله، فأفاد أن الرجوع إلى الله والإقبال عليه مطلوب، ومن ترك ذلك فله الوعيد العظيم. قوله: (إن لم يتوبوا) راجع لقوله: ﴿ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ ٱلْعَذَابُ ﴾.
قوله: ﴿ وَٱتَّبِعُـوۤاْ أَحْسَنَ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُـمْ ﴾ أي على لسان أحسن نبي وهو محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا معطوف على قوله: ﴿ وَأَنِـيبُوۤاْ ﴾ والمعنى: ارجعوا إلى ربكم، والزموا أوامر أحسن كتاب أنزل إليكم ونواهيه، وهذا الخطاب عام للأولين والآخرين من لدن آدم إلى يوم القيامة، ولكن من أدركه التكليف كلف باتباعه، ومن لم يدركه بأن كان متقدماً عليه، يلزمه اتباعه لو فرض أنه أدركه، ومن هنا أخذ الميثاق على الأنبياء وأممهم، إن ظهر محمد صلى الله عليه وسلم واحدهم حي يلزمه اتباعه، وفي الحديث:" لو أدركني موسى ما وسعه إلا اتباعي "وحينئذ فالمعنى: اتبعوا يا عبادي من أول الزمان لآخره، أحسن كتاب أنزل إليكم من ربكم، فالمكلف بها الخطاب من أدركه ومن لم يدركه، لكم من لم يدركه مكلف به لولا مانع الموت، ولذا كلف به من بقي حياً حتى أدركه، كالخضر وإلياس وعيسى عليهم السم. قوله: (القرآن) تفسير لأحسن، فإن ما أنزل إلينا من ربنا كتب كثيرة، وأحسنها القرآن، وهذا كله على ما فهم المفسر، وقيل: معنى ﴿ أَحْسَنَ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكُم ﴾ الخ، أي من القرآن وهو أوامره جون نواهيه، أو عزائمه دون رخصته، أو ناسخه دون منسوخه، أو ما هو أعم، والخطاب لخصوص هذه الآمة فتدبر.
قوله: ﴿ أَن تَقُولَ نَفْسٌ ﴾ معمول لمحذوف قدره المفسر بقوله: (بادروا قبل) ﴿ أَن تَقُولَ ﴾ الخ، وقدره غيره، كراهة أو مخافة ﴿ أَن تَقُولَ نَفْسٌ ﴾ الخ، وحينئذ فيكون مفعولاً لأجله، وهو أسهل مما قدره المفسر، والمراد نفس الكافر، ونكرها للتحقير. قوله: (أصله يا حسرتي) أي فقلبت الياء ألفاً، فهي في محل جر ونداؤها مجاز، أي هذا أوانك فاحضري. قوله: (أي طاعته) اشار بذلك إلى أن المراد بالجنب الطاعة مجازاً، لأن الجنب في الأصل الجهة المحسوسة، ويرادفه الجانب، فشبهت الطاعة بالجهة بجامع تعلق كل بصاحبه، لأن الطاعة لها تعلق بالله تعالى، والجهة لها تعلق بصاحبها. قوله: ﴿ وَإِن كُنتُ لَمِنَ ٱلسَّاخِرِينَ ﴾ الجملة حالية، والمعنى فرطت في جنب الله وأنا ساخر. قوله: ﴿ أَوْ تَقُولَ ﴾ الخ، و ﴿ أَوْ ﴾ للتنويع في مقالة الكافر. قوله: (بالطاعة) وفي نسخة بإلطافه أي إسعافه، ولو قال بآياته لكان أظهر. قوله: ﴿ فَأَكُونَ مِنَ ٱلْمُحْسِنِينَ ﴾ إما معطوف على ﴿ كَـرَّةً ﴾ فيكون من جملة التمني، والفاء عاطفة للفعل على الاسم الخالص، نظير قول الشاعر: لولا توقع معتر فأرضيه   ما كنت أوثر أتراباً على تربويكون إضمار ﴿ أَنَّ ﴾ جائزاً لا واجباً، قال ابن مالك: وإن على اسم خالص فعل عطف   تنصبه إن ثابتاً أو منحذفأو منصوب في جواب التمني، ويكون مرتباً على التمني، والفاء للسببية، وإضمار ﴿ أَنَّ ﴾ واجب. قوله: (فيقال له) الخ، أي جواباً لمقالته الثانية، وأخر عن الثانية، ليتصل كلام الكافر بعضه ببعض، ولم تؤخر المقالة الثانية عن الثالثة، لئلا يكون مخالفاً للترتيب الوجودي، فإن الكافر أولاً يتحسر، ثم يحتج بحجج واهية، ثم يتمنى الرجوع إلى الدنيا، إن قلت: إن ﴿ بَلَىٰ ﴾ يجاب بها النفي ولا نفي في الآية، أجيب: بأن الآية متضمنة للنفي، لأن معنى قوله: ﴿ لَوْ أَنَّ ٱللَّهَ هَدَانِي ﴾ لم يهدني. قوله: (وهي سبب الهداية) أشار بذلك إلى أن المراد بالهداي الوصول بالفعل، وإما إن أريد بها مطلق الدلالة، فالآيات نفسها دالة. قوله: (بنسبة الشريك) الخ، أشار بذلك إلى أن المراد كذب يؤدي للكفر، وإلا فظاهر الآية يعم كل كذب على الله تعالى، وحينئذ ففيها تحذير وتخويف لمن يعتمد الكذب على الله تعالى، كالافتاء بغير الشرع، ورواية الحديث بالكذب. قوله: ﴿ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ ﴾ الجملة حالية إن جعلت الرؤية بصرية، أو مفعول ثان إن جعلت علمية. قوله: ﴿ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ ﴾ الخ، هذا تقرير لاسوداد وجوههم. هذا تقرير لاسوداد وجوههم.
﴿ ٱتَّقَوْاْ ﴾ (الشرك) أي جعلوا بينهم وبينه وقاية وهو الإيمان، وهذه تقوى العامة، الخواص فعل الطاعات وترك المعاصي، وتقوى خواص الخواص عدم خطور الغير ببالهم. قوله: ﴿ بِمَفَازَتِهِمْ ﴾ الباء سببية متعلقة بينجي وفي قراءة سبعية أيضاً بمفازاتهم جمعاً باعتبار الأشخاص. قوله: (أي بمكان فوزهم) أي بمكان ظفرهم بمقصودهم، والمعنى ينجي الله المتقين بسبب دخولهم في مكان ظفرهم بمقصودهم وهو الجنة. قوله: ﴿ لاَ يَمَسُّهُمُ ٱلسُّوۤءُ ﴾ يحتمل أن تكون هذه الجملة مستأنفة مفسرة لمفازتهم، فلا محل لها من الإعراب، ويحتمل أن تكون حالية من قوله: ﴿ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ ﴾.
قوله: ﴿ ٱللَّهُ خَالِقُ كُـلِّ شَيْءٍ ﴾ هذا دليل لما قبله، ودخل في الشيء الجنة وما فيها، والنار وما فيها، وحينئذ فلا مشارك لله في خلقه. قوله: ﴿ لَّهُ مَقَالِيدُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ ﴾ المقاليد جمع مقلاد أو مقليد، والكلام كناية عن شدة التمكن والتصرف في كل شيء في السماوات أو الأرض، وروي عن عثمان رضي الله عنه أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن المقاليد فقال: تفسيرها لا إله إلا الله والله أكبر وسبحان الله وبحمده واستغفر الله ولا حول ولا قوة إلا بالله، هو الأول والآخر، والظاهر والباطن، بيده الخير، يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير، فهذه الكلمات مفاتيح خزائن السماوات والأرض، من تكلم بها فتحت له. قوله: (من المطر) الخ، بيان للخزائن. قوله: (متصل بقوله وينجي) أي فهو معطوف عيه، من عطف جملة اسمية على فعلية ولا مانع منه. قوله: (المعمول لتأمروني) أي والأصل أتأمروني بأن أعبد غير الله، قدم مفعول ﴿ أَعْبُدُ ﴾ على تأمرونني العامل في عامله وحذفت. قوله: (بنون واحدة) أي مخففة مع فتح الياء لا غير، وهذه النون الرفع، كسرت للمناسبة، واستغني بها عن نون الوقاية. قوله: (بإدغام) أي مع فتح الياء وسكونها وقوله: (وفك) أي مع سكون الياء لا غير، فالقراءات أربع سبعيات.
قوله: ﴿ وَلَقَدْ أُوْحِيَ إِلَيْكَ ﴾ الخ، اللام موطئة لقسم محذوف، أي والله لقد أوحي الخ، ونائب الفاعل قوله: ﴿ لَئِنْ أَشْرَكْتَ ﴾ الخ، والمعنى أوحي إليك هذا الكلام. قوله: (فرضاً) أي على سبيل التقدير وفرض المحال، وهو جواب عن سؤال مقدر: كيف يقع الشرك من الأنبياء مع عصمتهم؟ وقيل: المقصود بالخطاب أممهم لعصمتهم من ذلك، إن قلت: كان مقتصى الظاهر لئن أشركتم، فما وجه إفراد الخطاب؟ أجيب: بأن المعنى أوحي إلى كل واحد منهم لئن أشركت الخ، كما يقال: كسانا الأمير حلة، أي كسا كل واحد منا حلة. قوله: ﴿ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ ﴾ من باب تعب، وقرئ شذوذاً من باب ضرب. قوله: ﴿ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ ﴾ عطف مسبب على سبب وجملة المعطوف والمعطوف عليه جواب القسم الثاني وهو ﴿ لَئِنْ أَشْرَكْتَ ﴾، والقسم الثاني وجوابه جواب عن القسم الأول ﴿ وَلَقَدْ أُوْحِيَ ﴾ وحذف جواب الشرط وهو إن أشركت للقاعدة. قوله: ﴿ بَلِ ٱللَّهَ فَٱعْبُدْ ﴾ عطف على محذوف، والتقدير فلا تشرك بل الله الخ. قوله: ﴿ وَكُن مِّنَ ٱلشَّاكِرِينَ ﴾ أي على ما أعطاك من التوفيق لطاعته وعبادته، لأن الشكر على ذلك، أفضل من الشكر على باقي النعم. قوله: ﴿ وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ﴾ إن قلت: إن مفهوم الآية يقتضي أن المؤمنين يعرفون الله حق معرفته، ومقتضى قوله صلى الله عليه وسلم:" سبحانك ما عرفناك حق معرفتك "وقوله:" سبحان من لا يعلم قدره غيره، ولا يبلغ الواصفون صفته، إنه لا يعلم الله إلا الله "فكيف الجمع بينهما؟ أجيب: بأن الآية محمولة على المعرفة المأمور بها المكلف بتحصيلها، ولا شك أن المؤمنين عرفوه حق معرفته التي فرضت عليهم، وهي تنزيهه عن النقائص، ووصفه بالكمالات، والحديث محمول على المعرفة التي لم تفرض على العباد، وهي معرفة الحقيقة والكنه فتدبر، فتحصل أن العجز عن الإدراك إدراك، والبحث عن الذات أشراك، ولم يكلفنا الله إلا لأن ننزهه عما سواه سبحانه وتعالى. قوله: (أو ما عظموه حق عظمته) مفهومه أنهم عظموه ولا حق تعظيمه وهو كذلك، لأنهم معترفون بأنه الإله الأكبر، الخالق لكل شيء. قوله: ﴿ وَٱلأَرْضُ جَمِيعـاً ﴾ الخ، الجملة حالية من لفظ الجلالة والمعنى ما عظموه حق تعظيمه، والحال أنه موصوف بهذه القدرة الباهرة، وقدم الأرض لمباشرتهم لها ومعرفتهم بحقيقتها. قوله: (أي في ملكه وتصرفه) أشار بذلك إلى أنه ليس المراد حقيقة القبض، بل المراد التصرف والملك، ظاهراً وباطناً، بخلاف أمور الدنيا، فإن للعبيد فيها أملاكاً ظاهرية، وقيل: إنه كناية عن انعدامها بالمرة وهو ظاهر، ويقال في الطي مثل ذلك له.
قوله: ﴿ وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ ﴾ الخ، التعبير في هذا وما بعده بالماضي لتحقق وقوعه، أي لكونه واقعاً في علم الله تعالى أزلاً، لأ، كل ما ظهر فهو جار في سابق علمه تعالى، والنافخ اسرافيل وجبريل عن يمينه، وميكائيل عن يساره عليهم السلام، والصور بسكون الواو في قراءة العامة وهو القرن، فيه ثقب بعدد جميع الأرواح، وله ثلاث شعب: شعبة تحت الثرى تخرج منها الأرواح وتتصل بأجسادها، وشعبة تحت العرش منها يرسل الله الأرواح إلى الموتى، وشعبة في فم اسرافيل وهو ملك عظيم له جناح بالمشرق وجناح بالمغربن والعرش على كاهله، وقدماه قد نزلتا عن الأرض السفلى مسيرة مائة عام. قوله: (النفخة الأولى) ظاهر المفسر أن النفخ مرتان: نفخة الصعق، ونفخة البعث، وهو ظاهر الآية، وقيل: إن النفخ ثلاث مرات: فالنفخة الأولى تطول وتكون بها الزلزلة وتسيير الجبال وتكوير الشمس وانكدار النجوم وتسخير البحار، والناس أحياء والهون ينظرون إليها، فتذهل كل مرضعة عما أرضعت، وتضع كل ذات حمل حملها، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى وهي المعنية بقوله تعالى:﴿ إِنَّ زَلْزَلَةَ ٱلسَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ ﴾[الحج: ١] والنفخة الثاني يكون بها الصعق، وعندها يموت كل من كان حياً حياة دنيوية، وأما من كان حياً حياة برزخية فإنه يغشى عليه، والنفخة الثالثة نفخة القيام، وبين هاتين النفختين أربعون سنة على الصحيح، لتستريح الأرض من الهول الذي حصل لها، وفي تلك المدة تمطر السماء وتنبت الأرض، ولا حي على ظهرها من سائر المخلوقات. قوله: (مات) أي ما كان حياً ف يالدنيا، ويغشى على من كان ميتاً من قبلن لكنه حي في قبره، كالأنبياء والشهداء. قوله: (من الحور) الخ، أي فهو استثناء من الصعق بمعنى الموت، ويستثنى منه بمعنى الغشي والدهش موسى عليه السلام، فإنه لا يغشى عليه، بل يبقى متيقظاً ثابتاً، لأنه صعق في الدنيا في قصة الجبل، فلا يصعق مرة أخرى. قوله: (وغيرهما) أي كجبريل وميكائيل واسرافيل وملك الموت، فإنهم لا يموتون بالنفخة الأولى، وإنما يموتون بين النفختين، لما" روي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا ﴿ وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ ﴾ الآية فقالوا: يا نبي الله من هم الذين استثنى الله تعالى؟ قال: " هم جبريل وميكائيل واسرافيل وملك الموت، فيقول الله لملك الموت: يا ملك الموت من بقي من خلقي وهم أعلمن فيقول: يا رب بقي جبريل وميكائيل واسرافيل وعبد الضعيف ملك الموتن فيقول الله تعالى: خذ نفس اسرافيل وميكائيل، فيخران ميتين كالطود العظيمين، فيقول: مت يا ملك الموت، فيموت، فيقول الله لجبريل: يا جبريل من بقي؟ فيقول: تباركت وتعاليت يا ذا الجلال والإكرام، وجهك الباقي الدائم، وجبريل الميت الفاني، فيقول الله تعالى: يا جبريل لا بد من موتك، فيقع ساجداً يخفق بجناحيه يقول: سبحانك ربي تباركت وتعاليت، يا ذا الجلال والإكرام ". قوله: ﴿ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَىٰ ﴾ أي بعد أربعين سنة على الصحيح، وقرب نفخة القيام، تأتي سحابة من تحت العرش، فتمطر ماء خائراً كالمني، فتنبت أجسام الخلائق كما تنبت البقل فتتكامل أجسامهم، وكل ابن آدم تأكله الأرض، إلا عجب الذنب، فإنه يبقى مثل عين الجرادة لا يدركه الطرف، فتركب عليه أجزاؤه، فإذا تم وتكامل، نفخ فيه الروح، ثم انشق عنه القبر، ثم قام خلقاً سوياً، وفي النفخة الثانية يقولك أيتها العظام البالية، والأوصال المتقطعة، والأعضاء المتمزقة، والشعور المنتثرة، إن الله المصور الخالق يأمركن أن تجتمعن لفصل القضاء، فيجتمعن، ثم ينادي: قوموا للعرض على الجبار فيقومون، كما قال تعالى:﴿ يَخْرُجُونَ مِنَ ٱلأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ ﴾[القمر: ٧] فإذا خرجوا من قبورهم تتلقى المؤمنون بمراكب من رحمة الله، كما قال تعالى:﴿ يَوْمَ نَحْشُرُ ٱلْمُتَّقِينَ إِلَى ٱلرَّحْمَـٰنِ وَفْداً ﴾[مريم: ٨٥] ويمشي المجرمون على أقدامهم حاملين أوزارهم، كما قال تعالى:﴿ وَنَسُوقُ ٱلْمُجْرِمِينَ إِلَىٰ جَهَنَّمَ وِرْداً ﴾[مريم: ٨٦] وفي الآية الأخرى﴿ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَىٰ ظُهُورِهِمْ ﴾[الأنعام: ٣١].
قوله: ﴿ فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ ﴾ بالرفع في قراءة العامة خبر عن الضمير، وقرئ شذوذاً بالنصب على الحال، وخبر الضمير. قوله: ﴿ يَنظُرُونَ ﴾.
قوله: (ما يفعل بهم) أي من الحساب والمرور على الصراط، وإدخالهم الجنة أو النار.
قوله: ﴿ وَأَشْرَقَتِ ٱلأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا ﴾ المراد بالأرض: الأرض الجديدة المبدلة التي يحشر الناس عليها. قوله: (حين يتجلى) أي حين يكشف الحجاب عن الخلائق فيرونه حقيقة لما في الحديث:" سترون ربكم لا تمارون فيه كما لا تمارون في الشمس في اليوم الصحو "وهذا النور يخلقه الله تعالى فتضيء به الأرض، وليس من نور الشمس والقمر، وهو مخصوص بمن يرى الله تعالى في القيامة وهم المؤمنون. قوله: ﴿ وَوُضِعَ ٱلْكِتَابُ ﴾ أي أعطي كل واحد من الخلائق كتابه بيمينه أو شماله. قوله: ﴿ وَجِـيءَ بِٱلنَّبِيِّيْنَ وَٱلشُّهَدَآءِ ﴾ أي وذلك أن الله تعالى يجمع الخلائق الأولين والآخرين في صعيد واحد، ثم يقول لكفار الأمم: ألم يأتكم نذير؟ فينكرون ويقولون: ما جاءنا من نذير، فيسأل الله تعالى الأنبياء عن ذلك فيقولون: أرسلت إلينا رسولاً، وأنزلت علينا كتاباً، أخبرتنا فيه بتبليغ الرسل، وأنت صادق فيما أخبرت، ثم يؤتى بمحمد صلى الله عليه وسلم فيسأله الله تعالى الأنبياء عن ذلك فيقولون: كذبوا قد بلغناهم، فيسألهم البينة وهو أعلم بهم إقامة للحجة فيقولون: أمة محمد تشهد لنا، فيؤتى بأمة محمد صلى الله عليه وسلم فيشهدون لهم أنهم قد بلغوا، فتقول الأمم الماضية: من أين علموا، وإنما كانوا بعدنا؟ فيسأل هذه الأمة فيقولون: أرسلت إلينا رسولاً، وأنزلت علينا كتاباً، أخبرتنا فيه بتبليغ الرسل، وأنت صادق فيما أخبرت، ثم يؤتى بمحمد صلى الله عليه وسلم فيسأله الله تعالى عن أمته، فيزكيهم ويشهد بصدقهم. قوله: (أي العدل) أي بالنسبة للكافرين، وأما المؤمنون فحكمه فيهم بالفضل. قوله: (أي جزاءه) أشار بذلك إلى أن الكلام على حذف مضاف. قوله: (أي عالم) أشار بذلك إلى أن اسم التفضيل ليس على بابه، إذ لا مشاركة بين القديم والحادث. قوله: (فلا يحتاج إلى شاهد) أي لأنه عالم بمقادير أفعالهم وكيفياتها، وإنما الشهود وكتابة الأعمال لحكم عظيمة، منها إقامة الحجة على من عائد، وقد أشار صاحب الجوهرة لهذا بقوله: والعرش والكرسي ثم القلم   والكاتبون اللوح كل حكملا لاحتياج وبها الإيمان   يجب عليك أيها الإنسان
قوله: ﴿ وَسِيقَ ٱلَّذِينَ كَـفَرُوۤاْ ﴾ الخ، هذه الآية وما بعدها تفصيل لما أجمل في قوله:﴿ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ ﴾[الزمر: ٧٠].
قوله: (بعنف) أي شدة، لأنهم يضربون من خلف بالمقامع، ويسبحون من أمام بالسلاسل والأغلال. قوله: ﴿ إِلَىٰ جَهَنَّمَ ﴾ المراد دار العذاب بجميع طبقاتها. قوله: ﴿ زُمَراً ﴾ جمع زمرة من الزمر وهو الصوت، سموا بذلك لأن الجماعة لا تخلو غالباً عنه. قوله: (جماعات متفرقة) أي فوجاً فوجاً كما في آية﴿ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ ﴾[الملك: ٨] والمعنى كل أمة على حدة. قوله: ﴿ حَتَّىٰ إِذَا جَآءُوهَا ﴾ ﴿ حَتَّىٰ ﴾ ابتدائية تبدأ بعدها بالجمل. قوله: ﴿ فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا ﴾ أي ليتلقوا حرارتها بأنفسهم. قوله: (جواب إذا) أي باتفاق. قوله: ﴿ رُسُلٌ مِّنكُمْ ﴾ أي من جنسكم. قوله: (القرآن) أي بالنسبة لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، وقوله: (وغيره) أي بالنسبة لبقية الأمم. قوله: ﴿ لِقَـآءَ يَوْمِكُمْ هَـٰذَا ﴾ أضاف اليوم لهم باعتبار انحصار شدته فيهم، وليس المراد به يوم القيامة جميعه، فإنه مختلف باعتبار الأشخاص، فيكون نعيماً وسروراً للمؤمنين، وشدة وعذاباً للكافرين. قوله: ﴿ قَالُواْ بَلَىٰ ﴾ إقرار بما وقع منهم، وإنما أنكروا حين سألهم الله تعالى طمعاً في النجاة، فلما قامت الحجج عليهم، وتحتم الأمر بعذابهم، رأوا أن الإنكار لا فائدة فيه فأقروا، وبالجملة فالقيامة مواطن، تارة ينكرون وتارة تقر أعضاؤهم، وتارة يقرون بألسنتهم. قوله: ﴿ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ ﴾ أظهر في محل الإضمار، اشارة لسبب استحقاقهم العذاب وهو الكفر. قوله: (مقدرين الخلود) أشار بذلك إلى أن قوله: ﴿ خَالِدِينَ ﴾ حال مقدرة، وذلك لأنهم عند الدخول ليسوا خالدين، وإنما هم منتظرون ومقدرون الخلود. قوله: ﴿ مَثْوَى ٱلْمُتَكَـبِّرِينَ ﴾ أظهر في محل الإضمار، إشارة إلى بيان سبب كفرهم الذي استحقوا به العذاب، وقوله: (جهنم) هو المخصوص بالذم. قوله: ﴿ وَسِيقَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ ﴾ أخر وعد المؤمنين ليحسن اختتام السورة به، ليكون آخر الكلام بشرى المؤمنين. قوله: (بلطف) أشار بذلك إلى أن السوق في الموضعين مختلف، فسوق الكفار سوق إهانة وانتقام، وسوق المؤمنين سوق تشريف وإكرام، وفي المعنى: سوق المؤمنين مختلف، فسوق الكفار سوق إهانة وانتقام، وسوق المؤمنين سوق تشريف وإكرام، وفي المعنى: سوق المؤمنين سوق مراكبهم، لأنهم يذهبون راكبين، فيسرع بهم إلى دار الكرامة والرضوان، فشتان ما بين السوقين، وهذا من بديع الكلام، وهو أن يؤتى بكلمة واحدة تدل على الهوان في حق جماعة، وعلى العز والرضوان في حق آخرين. قوله: ﴿ زُمَراً ﴾ أي جماعات على حساب قربهم ومراتبهم. قوله: ﴿ حَتَّىٰ إِذَا جَآءُوهَا ﴾ ﴿ حَتَّىٰ ﴾ ابتدائية. قوله: (الواو فيه للحال) والحكمة في زيادة الواو هنا دون التي قبلها، أن أبواب السجن مغلقة، إلى أن مجيئها صاحب الجريمة، فتفتح له ثم تغلق عليه، فناسب ذلك عدم الواو فيها، بخلاف أبواب السرور والفرح، فإنها تفتح انتظاراً لمن يدخلها. قوله: ﴿ وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا ﴾ عطف على قوله: ﴿ جَآءُوهَا ﴾.
قوله: ﴿ سَلاَمٌ عَلَيْكُـمْ ﴾ أي سلمتم من كل مكروه، وقوله: ﴿ طِبْتُمْ ﴾ أي طهرتم من دنس المعاصي، لما ورد: أنه على باب الجنة شجرة ينبع من ساقها عينان، يشرب المؤمنون من إحداهما، فتطهر أجوافهم، وذلك قوله تعالى:﴿ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً ﴾[الإنسان: ٢١] ثم يغتسلون من الأخرى فتطيب أجسادهم، فعندها يقول لهم خزنتها ﴿ سَلاَمٌ عَلَيْكُـمْ طِبْتُمْ فَٱدْخُلُوهَا خَالِدِينَ ﴾.
قوله: (وجواب إذا مقدر) هذا أحد أقوال ثلاثة، وقيل: إن جوابها قوله: ﴿ وَفُتِحَتْ ﴾ والواو زائدة، وقيل: هو قوله: ﴿ وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا ﴾ والواو زائدة. قوله: (وسوقهم) مبتدأ و (تكرمة) خبره، وكذا ما بعده.
قوله: ﴿ وَقَـالُواْ ﴾ أي بعد استقرارهم في الجنة. قوله: ﴿ ٱلَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ ﴾ أي حققه لنا في قوله:﴿ تِلْكَ ٱلْجَنَّةُ ٱلَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيّاً ﴾[مريم: ٦٣].
قوله: ﴿ وَأَوْرَثَنَا ٱلأَرْضَ ﴾ أي ملكها لنا نتصرف فيها تصرف الوارث فيما يرثه، وقد كانت لآدم وحده، فأخذها أولاده إرثاً لها منه، وقيل: المراد أورثنا أرض الجنة التي كانت للكفار لو آمنوا، والأقرب أن المراد ملكنا إياها كالميراث، فإنه ملك بلا ثمن، ولا شبهة لأحد فيه، فكذلك منازل الجنة. قوله: (لا يختار فيها مكان على مكان) أي بل يرى كل إنسان بمكانه الذي أعد له، بحيث لو أطلق الاختيار لا يختار غيره، لزوال الحقد والحسد، من القلوب، وهذا جواب عما قيل: كيف ذلك، مع أن كل إنسان له محل معد لا سبيل له إلى غيره؟ وأجيب أيضاً: بأن المعنى يختار من منازله من يشاء، لما ورد: أن كل واحد له جنة لا توصف سعة ولا حسناً، فيتبوأ من جنته حيث يشاء، ولا يخطر بباله غيرها. قوله: ﴿ فَنِعْمَ أَجْرُ ٱلْعَامِلِينَ ﴾ هذا من كلام الله تعالى، زيادة في سرور أهل الجنة، وقوله: (الجنة) هو المخصوص بالمدح. قوله: ﴿ وَتَرَى ٱلْمَلاَئِكَةَ ﴾ الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، بل ولكل مؤمن زيادة في السرور، لأن رؤية الملائكة في الآخرة من النعيم، لاتحاد روحانيتهم مع الإنس، وأما في الدنيا فمفزع، لأن النوع الإنساني في الدنيا ضعيف مكبل بأنواع الشهوات والحجب، فلا يستطيع رؤية المقربين. قوله: (حافين) أي محيطين مصطفين بحافته وجوانبه. قوله: (أي يقولون سبحان الله وبحمده) أي تلذذاً، لأن منتهى درجاتهم الاستغراق في تسبيحه تعالى وتقديسه. قوله: (ختم استقرار الفريقين) الخ، أي كما ابتدأ ذكر الخلق بالحمد في قوله:﴿ ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ ﴾[الأنعام: ١] ففيه تنبيه على أنه تعالى ينبغي حمده في مبدأ كل أمر ونهايته. قوله: (من الملائكة) أي بل ومن جميع الخلق، فإن جميع أهل الجنة، يحمدون الله تعالى على ما أعطاهم وأولاهم من تلك النعم العظيمة ويجدون لذلك الحمد لذة عظيمة لزوال الحجاب عنهم. والله سبحانه وتعالى أعلم.
Icon