تفسير سورة النساء

معاني القرآن
تفسير سورة سورة النساء من كتاب معاني القرآن .
لمؤلفه الأخفش . المتوفي سنة 215 هـ

قال تعالى ﴿ تَسَاءَلُونَ بِهِ ﴾ ( ١ ) خفيفة لأنها من تساؤلهم فإنهم " يَتَساءَلُونَ " فحذف التاء الأخيرة، وذلك كثير في كلام العرب نحو ﴿ تَكَلَّمُونَ ﴾ وان شئت ثقلّت فأدغمت.
قال الله تعالى ﴿ وَالأَرْحَامَ ﴾ ( ١ ) منصوبة أي : اتقوا الأَرْحام. وقال بعضهم ﴿ والأَرْحامِ ﴾ جرّ. والأوَّلُ أحسن لأنك لا تجري الظاهر المجرور على المضمر المجرور.
و [ قال تعالى ﴿ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾ ( ١ ) ] تقول من " الرقيب " : " رَقَبَ " " يَرْقُبُ " " رَقْباً " و " رَقُوبا ".
وقال ﴿ وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ ﴾ ( ٢ ) أي : " مَعَ أَمْوالكُم " ﴿ إِنَّهُ كَانَ حُوْباً كَبِيرا ﴾ ( ٢ ) يقول : " أَكْلُها كانَ حُوباً كبيراً ".
قال ﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى ﴾ ( ٣ ) لأنه من " أَقْسَطَ " " يُقْسِطُ ". و " الإِقْساطُ " : العَدْل. وأما " قَسَطَ " فإنَّه " جَار " قال ﴿ وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُواْ لِجَهَنَّمَ حَطَباً ﴾ ف " أَقْسَطَ " : عَدلَ و " قَسَطَ " : جارَ. قال ﴿ وَأَقْسِطُواْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴾.
وقال ﴿ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ [ ٩٢ب ] فَوَاحِدَةً ﴾ ( ٣ ) يقول : " فانكِحوا واحدة ﴿ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ﴾. أي : انكحوا ما ملكت أيمانكم. وأما ترك الصرف في ﴿ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ ﴾ ( ٣ ) فانه عدل عن " اثنين " و " ثَلاثٍ " و " أَربعٍ " كما انه من عدل " عُمَر " عن " عامِر " لم يصرف. وقال تعالى ﴿ أُوْلِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ ﴾ فنصب. وقال ﴿ أَن تَقُومُواْ لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ﴾ فهو معدول كذلك، ولو سميت به صرفت لأنه إذا كان اسما فليس في معنى " اثنين " و " ثلاثة " و " أربعة ". كما قال " نَزَالِ " حين كان في معنى " انزِلوا " وإذا سميت به رفعته.
قال الشاعر :[ من الوافر وهو الشاهد الثاني والستون بعد المائة ] :
أَحَمَّ اللّهُ ذلِكَ مِنْ لِقاءٍ أُحادَ أُسادَ في شَهْرٍ حَلال
وقال [ من الطويل وهو الشاهد الثالث والستون بعد المائة ] :
وَلَكِنَّما أَهْلِي بِوادٍ أَنِيسُه ذِئابٌ تَبَغَّى الناسَ مَثْنَى وَمْوحَدا
وقال تعالى ﴿ فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ النِّسَاءِ ﴾ ( ٣ ) يقول : " لِيَنْكِحَ كُلٌّ واحدٍ منكُمْ كلَّ واحدةٍ من هذهِ العِدَّة " كما قال تعالى ﴿ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً ﴾ يقول : " فاجْلُدُوا كلَّ واحدٍ منهم ".
وقال ﴿ وَآتُواْ النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً ﴾ ( ٤ ) وواحد " الصَّدُقاتِ " : صَدُقَة وبنو عميم [ تقول ] : " صُدْقة " ساكنة الدال مضمومة الصاد.
وقال ﴿ فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْساً ﴾ ( ٤ ) فقد يجري الواحد مجرى الجماعة لأنه إنما أراد " الهَوى " و " الهَوى " يكون جماعة. قال الشاعر :[ من الطويل وهو الشاهد الرابع والستون بعد المائة ] :
[ ٩٣ء ] بِها جِيَفُ الحَسْرى فأَمَّا عِظامُها فَبِيضٌ وأمّا جِلْدُها فصَليبُ
وأما " هَنِيءٌ مَريءُ " فتقول : " هَنُؤَ هذا الطعام ومرؤ " و " هَنِىءَ ومَرِىءَ " كما تقول : " فَقِهَ " و " فَقُهَ " يكسرون القاف ويضمونها. وتقول : " هَنَأَنِي " و " هنَئِتُهُ " و " استمرأته ".
[ وقال ]** ﴿ فَإِنْ آنَسْتُمْ منْهُمْ رُشْداً ﴾ ( ٦ ) وقال ﴿ آنَسْتُمْ ﴾ ممدودة. تقول : " آنَسْتُ منهُ رُشْداً وخيراً " و﴿ آنَسْتُ نَارا ﴾ مثلها ممدودة وتقول : " أنِسْتُ بالرَّجُلِ " " أُنْساً " فألف " أَنِسْتُ " مقصورة وألف " أُنْساً " مضمومة*. ويقال " أنَسَا ".
وقال ﴿ إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَن يَكْبَرُواْ ﴾ ( ٦ ) يقول لا تأكُلُوها مبادرةَ أَنْ يَشُبُّوا.
وقال ﴿ لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ ﴾ ( ٧ ) إلى قوله ﴿ نَصِيباً مَّفْرُوضاً ﴾ ( ٧ ) فانتصابه كانتصاب ﴿ كِتَاباً مُّؤَجَّلاً ﴾.
وقال ﴿ وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُواْ الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ ﴾ ( ٨ ) ثم قال ﴿ فَارْزُقُوهُمْ مِّنْهُ ﴾ ( ٨ ) لأن معناه المال والميراث فذكّر على ذلك المعنى.
وقال ﴿ وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ﴾ ( ٩ ) لأنه يريد " وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية يخافون عليهم " مثل ما يركون منهم من ذرية غيرهم. أي : فلا يفْعَلُن ذلك حتى لا يفعله بهم غيرهم ؛ " فليخشوا " أي : " فَلْيَخْشَوْا هذا " أي : فَلْيَتَّقُوا. ثم عاد أيضاً فقال : " فَلْيَتَّقُوا اللّهَ ".
[ و ] قال ﴿ سَيَصْلَوْنَ سَعِيراً ﴾ ( ١٠ ) فالياء تفتح وتضم ها هنا وكل صواب. وقوله ﴿ فِي بُطُونِهِمْ ﴾ ( ١٠ ) [ ٩٣ب ] توكيد.
وقال ﴿ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ ﴾ ( ١١ ) فالمثل مرفوع على الابتداء وإنما هو تفسير الوصية كما قال ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾ فسر الوعد يقول : " هكَذا وَعَدَهُمْ " أي : قال " لَهُمْ مَغْفِرَةٌ ". قال الشاعر :[ من الطويل وهو الشاهد الخامس والستون بعد المائة ] :
عَشِيَّةَ ما وَدَّ ابْنُ غَرَّاءَ أْمُّهُ لَها مِنْ سِوانا إذْ دَعَا أَبَوانِ
قال ﴿ فَإِن كُنَّ نِسَاءً ﴾ ( ١١ ) فترك الكلام الأول وقال " إذا كان المتروكات نساءً " نصب وكذلك ﴿ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً ﴾ ( ١١ ).
وقال ﴿ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ ﴾ ( ١١ ) فهذه الهاء التي في " أبويه " ضمير الميت لأنه لما قال ﴿ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ ﴾ ( ١١ ) كان المعنى : يوصي اللّهُ الميتَ قبلَ موتِهِ بأنَّ عَليْه لأَبويهِ كذا ولوَلَدِه كذا. أي : فلا يأخُذَنَّ إلاّ ماله.
وقال ﴿ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ ﴾ ( ١١ ) فيذكرون أن الأخوة اثنان ومثله " إنّا فَعَلْنا " وأنتما اثنان، وقد يشبه ما كان من شيئين وليس مثله، ولكن اثنين قد جعل جماعة [ في ] قول الله عز وجل ﴿ إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ﴾ وقال ﴿ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا ﴾ وذلك أن في كلام العرب إن كل شيئين من شيئين فهو جماعة وقد يكون اثنين في الشعر [ قال الشاعر ] :
[ من الطويل وهو الشاهد السادس والستون بعد المائة ] :
[ ٩٤ء ] بِما فِي فُؤادَيْنا من الشَوْقِ والهَوى فَيُجْبَرُ مُنْهاضُ الفُؤَادِ المُشَعَّفُ
وقال الفرزدق :[ من الطويل وهو الشاهد السابع والستون بعد المائة ] :
هُما نَفَثا فِي فِيَّ مِنْ فَمَوَيْهِما على النّابِحِ العاوِي أَشَدّ لِجامِ
وقد يجعل هذا في الشعر واحدا. قال :[ من الرجز وهو الشاهد الثامن والستون بعد المائة ] :
لا نُنْكِرُ القَتْلَ وقد سُبِينا في حَلْقِكُمْ عَظْمٌ وَقَدْ شُجِينا
وقال الآخر :[ من الوافر وهو الشاهد التاسع والستون بعد المائة ] :
كُلُوا في بَعْضِ بَطْنِكُمُ تَعَفُّوا فإِنَّ زَمانَخكُمْ زَمَنَ خَمِيصُ
ونظير هذا قوله : " تِسْعُ مئة " وإنما هو " تِسْعُ مئات " أو " مِئيِن " فجعله واحدا، وذلك أن ما بين العشرة إلى الثلاثة يكون جماعة نحو : " ثلاثة رجال " و " عشرةُ رجال " ثم جعلوه في " المِئينَ " واحدا.
وقال ﴿ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا ﴾ ( ١١ ) لأنه ذكر الرجل حين قال ﴿ وَوَرِثَهُ أَبَواهُ ﴾ ( ١١ ) وقال بعضهم ﴿ يُوصِى ﴾ وكلٌّ حسن. ونظير ﴿ يُوصِي ﴾ بالياء.
قوله :﴿ تُوْصُونَ ﴾ ( ١٢ ) و ﴿ يُوصِينَ ﴾ ( ١٢ ) حين ذكرهن، واحتج الذي قال ﴿ يُوصِي ﴾ بالياء بقوله ﴿ غَيْرَ مُضَآرٍّ وَصِيَّةً مِّنَ اللَّهِ ﴾ ( ١٢ ) [ ف ] نصب ﴿ وَصِيَّةً ﴾ ( ١٢ ) و﴿ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ﴾ ( ١١ ) كما نصب ﴿ كِتَاباً مُؤَجَّلاً ﴾. وقال ﴿ وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً ﴾ ( ١٢ ) ولو قرئت ﴿ يُورِثُ ﴾ كان جيدا وتنصب ﴿ كَلاَلَةً ﴾ وقد ذُكِرَ عن الحسن، فإن شئت نصبت كلالةً على خبر ﴿ كانَ ﴾ [ ٩٤ب ] وجعلت ﴿ يُورَث ﴾ من صفة الرجل، وإن شئت جعلت ﴿ كانَ ﴾ تستغني عن الخبر نحو " وَقَعَ "، وجعلت نصب ﴿ كَلالَةً ﴾ على الحال أي : " يورَثُ كلالةً " كما تقول : " يُضْرَبُ قَائِماً " قال الشاعر في " كان " التي لا خبر لها [ من الطويل وهو الشاهد السبعون بعد المائة ] :
فِدَى لِبَنِي ذُهْلِ بنِ شَيْبانَ نَاقَتِي إذا كانَ يَوْمٌ ذُو كواكِبَ أشهَبُ
قال ﴿ وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً أَو امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا ﴾ ( ١٢ ) يريد من المذكورين. ويجوز أن نقول للرجل إذا قلت " زيدٌ أو عمرٌ مُنْطَلِقٌ " : " هذانِ رجلا سَوْء " أي : اللذان ذكرت.
وقال ﴿ وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِّنَ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ ﴾ ( ٢٢ ) لأن معناه : فإنكم تؤخذون به. فلذلك قال :﴿ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ ﴾، أيْ : فليس عليكم جناح. ومثل هذا في كلام العرب كثير، تقول : " لا نَصْنَعْ ما صَنَعْتَ " " ولا نَأْكُلْ ما أَكَلْتَ ".
وقال ﴿ وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ ﴾ ( ٢٥ ) على " ومن لم يجد طولا أن ينكح " يقول " إلى أنْ ينكِحَ " لأن حرف الجر يضمر مع " أن ".
وقال ﴿ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِّن بَعْضٍ ﴾ ( ٢٥ ) فرفع ﴿ بَعْضُكُمْ ﴾ على الابتداء.
وقال ﴿ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ ﴾ ( ٢٥ ) لأن : " الأَهْلَ " جماعة ولكنه قد يجمع فيقال : " أَهْلُونَ " كما تقول : " قَوْمٌ " و " أقوامٌ " فتجمع الجماعة [ ٩٥ء ] وقال ﴿ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا ﴾ فجمع. وقال ﴿ قُواْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً ﴾ فهذه الياء ياء جماعة فلذلك سكنت وهكذا نصبها وجرها بإسكان الياء وذهبت النون للإضافة.
وقال ﴿ وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ ﴾ ( ٢٥ ) يقول : " والصَبْر خَيْرٌ لكم ".
وقال ﴿ والله أعلم بإيمانكم بعضكم من بعض ﴾ ( ٢٥ ) أي : الله أعلم بإيمان بعضكم من بعض.
وقال ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ ﴾ ( ٢٦ ) يقول : " وَلِيَهْدِيَكُمْ } " ومعناه : يريد كذا وكذا ليبين لكم. وان شئت أوصلت الفعل باللام إلى " أن " المضمرة بعد اللام نحو ﴿ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ ﴾ وكما قال ﴿ وَأُمِرْتُ لأََِعْدِلَ بَيْنَكُمُ ﴾ فكسر اللام أي : أمرت من أجل ذلك.
وقال ﴿ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنْكُمْ ﴾ ( ٢٩ ) فقوله ﴿ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةٌ ﴾ استثناء خارج من أول الكلام و ( تكونَ ) هي " تَقَعُ " في المعنى وفي " كانَ " التي لا تحتاج إلى الخبر فلذلك رفع التجارة.
وقال ﴿ وَيُدْخِلْكُمْ مُّدْخَلاً كَرِيماً ﴾ ( ٣١ ) لأنها من " أَدْخَلَ " " يُدْخِلُ " : والموضع من هذا مضموم الميم لأنه مشبه ببنات الأربعة " دحرج " ونحوها. ألا ترى انك تقول : " هذا مُدَحْرَجُنا " فالميم إذا جاوز الفعل الثلاثة مضمومة. قال أمَيَّةُ بن أبي الصلت :[ من البسيط وهو الشاهد الحادي والسبعون بعد المائة ] :
الحَمْدُ للّهِ مُمْسانا وَمُصْبَحنَا بِالْخَيْرِ صَبَّحنا رَبِّي وَمَسَّانا
[ ٩٥ب ] لأنه من " أمْسى " * و " أَصْبَحَ ". وقال ﴿ رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ ﴾. وتكون الميم مفتوحة إن شئت إذا جعلته من " دَخَل " و " خَرَج ". وقال ﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ ﴾ إذا جعلته من " قاَم " " يَقوم "، فان جعلته من " أَقامَ " " يُقِيمُ " قلت : " مُقامٍ أَمين ".
وقال ﴿ وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ ﴾ ( ٣٢ ) إن شئت أدغمت التاء الأولى في الآخرة، فان قيل كيف يجوز إدغامها، وأنت إذا أدغمتها سكنت وقبلها الألف الساكنة التي في " لا " فتجمع ما بين ساكنين ؟ قلت : " إن هذه الألف حرف لين ". وقد يدغم بعد مثلها في الاتصال وفي غيره نحو " يضربانّي " [ و ] ﴿ ولاَ تّنَاجَوْاْ بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾ وتدغم أيضا ومثله ﴿ قُلْ أَتُحَاجُّونّا فِي اللَّهِ ﴾ أدغمت وقبلها واو ساكنة. وان شئت لم تدغم هذا كله. وقد قرأ بعض القراء ﴿ فَبِمَ تُبَشِّرُونِ ﴾ أراد ﴿ تُبَشِّرُونَنِي ﴾ فاذهب احد النونين استثقالا لاجتماعهما، كما قال : " ما أَحسَسْتُ مِنْهُمْ أَحدا " فأَلقوا إحدى السينين استثقالا. فهذا أجدر أَنْ يستثقل لأنَّهُما جميعا متحركان. قال الشاعر :[ من الوافر وهو الشاهد الثاني والسبعون بعد المائة ] :
تَراهُ كالثُّغَامِ يُعَلُّ مِسْكاً يَسُوءُ الفالِياتِ إِذَا فَلَيْنِي
فحذف النون الآخرة لأنها النون التي تزاد ليترك ما قبلها على حاله [ ٩٦ء ] وليست باسم. فأما الأولى فلا يجوز طرحها فإنها الاسم المضمر وقال أبو حية النميري :[ من الوافر وهو الشاهد الثالث والسبعون بعد المائة ] :
أبِالموتِ الذي لا بُدَّ أَنِّي مُلاقٍ - لا أَبَاكِ - تُخَوِّفِيني
فحذف النون. ولو قرئت ﴿ فَبِمَ تُبَشِّرُونِّ ﴾ بتثقيل النون كان جيدا ولم اسمعه، كأن النون أدغمت وحذفت الياء كما تحذف من رؤوس الآي نحو ﴿ بَل لَّمَّا يَذُوقُواْ عَذَابِ ﴾ يريد " عذابي ". وأما قوله ﴿ فَظِلتُمْ تَفَكَّهُونَ ﴾ فإنها إنما كسر أولها لأنه يقول : " ظَلِلْتُ " فلما ذهب أحد الحرفين استثقالا حولت حركته على الظاء. قال أوس بن مغراء :[ من البسيط وهو الشاهد الرابع والسبعون بعد المائة ] :
مِسْنَا السَّماءَ فَنِلْناها وَطَالَهُمُ حَتَّى رَأَوْا أُحُداً يَهْوِي وَثَهْلانا
لأنها من " مَسَسْتُ " وقال بعضهم ﴿ فَظَلْتُم ﴾ ترك الظاء على فتحتها وحذف احد اللامين، ومن قال هذا قال " مَسْنا السماءَ ". وهذا الحذف* ليس بمطرد، وإنما حذف من هذه الحروف التي ذكرت لك خاصة ولا يحذف إلا في موضع لا تحرك فيه لام الفعل، فأما الموضع الذي تحرك فيه لام الفعل فلا حذف فيه.
وقال ﴿ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا ﴾ ( ٣٥ ) فأضاف إلى البين لأنه قد يكون اسما [ ٩٦ب ] قال ﴿ لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنُكُمْ ﴾ بالضم. ولو قال ﴿ شِقَاقاً بَيْنَهما ﴾ في الكلام فجعل البَيْن ظرفا كان جائزا حسنا. ولو قلت ﴿ شِقاقَ بينَهما ﴾ تريد ﴿ ما ﴾ وتحذفها جاز، كما تقول ﴿ تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ ﴾ تريد ﴿ ما ﴾ التي تكون في معنى شيء. وقال ﴿ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ ﴾. وتقول " بينَهُما بَوْنٌ بَعِيدٌ " تجعلها بالواو وذلك بالياء. ويقال : " بينَهما بَيْنٌ بَعيدٌ " بالياء.
وقال ﴿ وَالْجَارِ الْجُنُبِ ﴾ ( ٣٦ ) وقال بعضهم ﴿ الجَنْبِ ﴾ وقال الراجز :[ وهو الشاهد الخامس والسبعون بعد المائة ] :
* الناسُ جَنْبٌ والأَمِيرُ جَنْبُ *
يريد ب " جَنْب " : الناحية. وهذا هو المتنحى عن القرابة فلذلك قال " جَنِبٌ " و " الجُنُبُ " أَيْضاً : المجانبُ للقرابة ويقال : " الجانِبُ " أيضا.
وأما ﴿ الصَّاحِبِ بِالجَنْبِ ﴾ ( ٣٦ ) فمعناه : " هو الذي بجنبك "، كما تقول " فلان بجنبي " و " إلى جنبي ".
قال ﴿ وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُواْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ﴾ ( ٣٩ ) فإن شئت جعلت ﴿ ماذا ﴾ بمنزلتها وحدها وان شئت جعلت ﴿ ذا ﴾ بمنزلة " الذي ".
وقال ﴿ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ ﴾ ( ٤٢ ) وقال بعضهم ﴿ تَسَوَّىَ ﴾ [ و ] كل حسن.
قال ﴿ وَلاَ يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً ﴾ ( ٤٢ ) أيْ : لا تَكْتُمُهُ الجوارحُ أو يقول : " لا يَخْفى عَلَيْهِ وإنْ كَتَمُوهُ ".
وقوله ﴿ وَلاَ جُنُباً ﴾ ( ٤٣ ) في اللفظ [ ٩٧ء ] واحد وهو للجمع كذلك، وكذلك هو للرجال والنساء، كما قال ﴿ وَالْمَلاَئِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ ﴾ فجعل " الظَهيرَ " واحدا. والعرب تقول : " هُمْ لِي صَدِيقٌ ". وقال :﴿ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ ﴾ وهما قعيدان. وقال ﴿ إِنَّا رَسُولُ رَبِّك ﴾ وقال ﴿ فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي ﴾ لأنَ " فَعُول " و " فَعِيل " مما يجعل واحدا للاثنين والجمع.
وقال ﴿ وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ ﴾ ( ٤٣ ) لأنه قال ﴿ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى ﴾ ( ٤٣ ) فقوله ﴿ وأَنْتُمْ سُكَارَى ﴾ في موضع نصب على الحال، فقال ﴿ وَلاَ جُنُباً ﴾ على العطف كأنه قال : " وَلا تَقْرَبُوها جُنْباً إِلاّ عابِري سَبِيلٍ " كما تقول : " لا تَأْتِي إِلاّ رَاكِباً ".
وقال ﴿ مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ ﴾ ( ٤٦ ) يقول " مِنْهُمْ قَوْمٌ " فأضمر " القَوْم ". قال النابغة الذبياني :[ من الوافر وهو الشاهد السادس والسبعون بعد المائة ] :
كَأَنَّكَ منْ جِمالِ بَنِي أُقَيْشٍ يُقَعْقَعُ بَيْنَ رِجْلَيْهِ بِشَنِّ
أي : كأنَّكَ جَمَلٌ مِنْها. وكما قال ﴿ وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ ﴾ أي : وإِنْ مِنْهُمْ واحدٌ إلاّ لَيُؤْمِنُنَّ به ". والعرب تقول : " رَأيتُ الذي أَمْسِ " أي : رأيتُ الذي جاءَكَ أمْسِ " أو " تَكَلَّمَ أمْسِ ".
﴿ وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيّاً ﴾ ( ٤٦ ) وقوله ﴿ رَاعِنَا ﴾ أي : " راعِنا سَمْعَكَ. في معنى : أَرِعْنا. وقوله ﴿ غَيْرَ مُسْمِعٍ ﴾ أي : لا سَمِعْتُ [ ٩٧ب ] أي : لا سُمِعْتَ وأما ﴿ غَيْرَ مُسْمِعٍ ﴾ أي : لا يُسْمَعُ مِنْكَ فأَنْتَ غَيْر مُسْمِعٍ.
وقال ﴿ وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ ﴾ ( ٤٦ ). وإنما قال ﴿ وَانْظُرْنَا ﴾ لأَنَّها من " نَظَرْتُه " أي : " انْتَظَرْتُهُ ". وقال ﴿ انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ ﴾ أي : انْتَظِرُوا. وأما قوله ﴿ يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ ﴾ فإنما هي : إلى قَدَّمَتْ يَداه. قال الشاعر :
[ من الخفيف وهو الشاهد السابع والسبعون بعد المائة ] :
ظاهِراتُ الجَمالِ والحُسْنِ يَنْظُرْ نَ كَما تَنْظُرُ الأَراكَ الظِّباءُ
وإن شئت كان ﴿ يَنْظُرُ المَرْءُ ما قَدَّمَتْ يَداهُ ﴾ على الاستفهام مثل قولك " يَنْظُرُ خيراً قدّمَتْ يداهُ أَمْ شَرّاً ".
قال ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ ﴾ ( ٤٧ ) إلى قوله ﴿ مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهاً ﴾ يقول : من قبل يوم القيامة.
قال ﴿ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً ﴾ ( ٥٥ ) فهذا مثل " دَهِين " و " صَرِيع " لأنك تقول : " سُعِرَتْ " ف " هِيَ مَسْعُورَةٌ " وقال ﴿ وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ ﴾.
وقال ﴿ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ ﴾ ( ٥٦ ) فان قال قائل : " أليس إنما تعذب الجلود التي عصت، فكيف يقول ﴿ غَيْرَهَا ﴾ " ؟ قلت : " إنّ العرب قد تقول : " أَصوُغُ خَاتَماً غيرَ ذا " فيكسره ثم يصوغه صياغة أخرى. فهو الأول إلاَّ أن الصياغة تغيرت.
وقال ﴿ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً ﴾ ( ٦٥ ) أي :﴿ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ ﴾ ( ٦٥ ) وحتى ﴿ يُسَلِّمُوا ﴾ كل هذا معطوف على ما بعد حتى.
وقال ﴿ مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ ﴾ ( ٦٦ ) فرفع ﴿ قَلِيلٌ ﴾ لأنك جعلت الفعل لهم وجعلتهم بدلا من الأسماء المضمرة في الفعل.
وقال ﴿ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً ﴾ ( ٦٩ ) [ ٩٨ء ] فليس هذا على " نِعْمَ الرَّجُل " لأن " نِعْمَ " لا تقع إلا على اسم فيه الألف واللام أو نكرة، ولكن هذا على مثل قولك : " كَرُمَ زَيْدٌ رَجُلاً " تنصبه على الحال. و " الرَفِيقُ " واحد في معنى جماعة مثل " هُمْ لي صَدِيقٌ ".
وقال ﴿ وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ ﴾ ( ٧٢ ) فاللام الأولى مفتوحة لأنها للتوكيد نحو : " إنَّ في الدّارِ لَزَيْداً " واللام الثانية للقسم كأنه قال : " وإنْ مِنْكُمْ مَنْ واللّهِ لَيُبَطِئَنَّ ".
وقال ﴿ فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ ﴾ ( ٧٤ ) وقال ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ﴾ أي : يبيعُها. فقد تقع " شَرَيْتُ " للبيع والشراء.
قال ﴿ مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا ﴾ ( ٧٥ ) فجررت " الظالِم " لأنه صفة مقدمة ما قبلها مجرور وهي لشيء من سبب الأول، وإذا كانت كذلك جرّت على الأول حتى تصير كأنها له.
قال ﴿ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً ﴾ ( ٧٩ ) فجعل الخبر بالفاء لأن ﴿ مَا ﴾ بمنزلة ﴿ مَنْ ﴾ وأدخلَ ﴿ مِنْ ﴾ على السيئة لأن ﴿ ما ﴾ نفي و﴿ مِن ﴾ تحسن في النفي مثل قولك : " ما جاءَنِي من أحد ".
قال ﴿ وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُواْ مِنْ عِندِكَ بَيَّتَ طَآئِفَةٌ مِّنْهُمْ ﴾ ( ٨١ ) أي : ويقولون " أَمْرُنا طَاعَةٌ ". وان شئت نصبت الطاعة على " نُطيعُ طاعةً ". وقال ﴿ بَيَّتَ ﴾ فذكّر فعلَ الطائفة [ ٩٨ب ] لأنهم في المعنى رجال وقد أضافها إلى مذكرين. وقال ﴿ وَإِن كَانَ طَآئِفَةٌ مَّنكُمْ ﴾.
وقال ﴿ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً ﴾ ( ٨٣ ) على﴿ وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ ﴾ ( ٨٣ ) ﴿ إِلاَّ قَلِيلاً ﴾.
وقال ﴿ فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ ﴾ ( ٨٤ ) جزم على جواب الأمر. ورفع بعضهم على الابتداء ولم يجعله علة للأول وبه نقرأ كما قال ﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقاً ﴾ جزم إذا جعله لما قبله علة ورفع على الابتداء وبالرفع نقرأ.
وقال ﴿ فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ ﴾ ( ٨٨ ) فنصب على الحال كما تقول : " مالَكَ قائما " أي : " مالَكَ في حالِ القِيامِ ".
وقال ﴿ إِلاَّ الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ ﴾ ( ٩٠ ) أو﴿ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ ﴾ ف( حَصِرَةً ) اسمٌ نَصَبْتَهُ على الحال و ﴿ حَصِرَتْ ﴾ " فَعِلَتْ " وبها نقرأ.
وقال ﴿ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةً ﴾ ( ٩٢ ).
وقال ﴿ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ ﴾ ( ٩٢ ) أي : فعليه ذلك.
وقال ﴿ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ ﴾ ( ٩٢ ) [ أي ] : فَعَلَيْكُمْ ذلِكَ إلاَّ أَنْ يَصَّدّقوا*.
وقال ﴿ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُواْ ﴾ ( ٩٤ ) وقال بعضهم ﴿ فَتَثَبَّتُوا ﴾ وكلُّ صواب لأنك تقول " تَبَيَّنْ حالَ القَوْمِ " و " تَثَبَّتْ ". و " لا تُقْدِمْ حَتَّى تَتَبَيَّنْ " و " حَتّى تَتَثَبَّتْ ".
وقال ﴿ لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [ ٩٩ء ] غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ ﴾ ( ٩٥ ) مرفوعة لأنك جعلته من صفة القاعدين. وإنْ جررته فعلى " المُؤْمِنِين " وإِنْ شئت نصبته إذا أخرجته من أول الكلام فجعلته استثناء وبها نقرأ. وبلغنا أنها أنزلت من بعد قوله ﴿ لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ ﴾ ولم تنزل معها، وإنما هي استثناء عنى بها قوما لم يقدروا على الخروج ثم قال ﴿ وَالْمُجَاهِدُونَ ﴾ ( ٩٥ ) يعطفه على القاعدين لأن المعنى ﴿ لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ ﴾﴿ وَالْمُجَاهِدُونَ ﴾. وقال ﴿ وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً ﴾ ( ٩٥ ) ﴿ دَرَجَاتٍ مِّنْهُ ﴾( ٩٦ ) يقول فعل ذلك درجات منه. وقال ﴿ أَجْراً عَظِيماً ﴾ لأنه قال : " فَضَّلهم " فقد أخبر انه آجرهم فقال على ذلك المعنى كقولك : " أمَا وَاللّهِ لأَضْرِبَنَكَ إيجاعاً شَدِيداً " لأنَّ معناه : لأُوْجِعَنَّكَ.
[ و ] قال ﴿ أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً ﴾ ( ٩٧ )﴿ إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ ﴾ ( ٩٨ ) لأنه استثناهم منهم كما تقول : " أُولئِكَ أَصْحابُكَ إِلاّ زَيْداً " و : " كُلُّهُم أَصْحابُكَ إِلاّ زيداً ". وهو خارج من أول الكلام.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٩٧:[ و ] قال ﴿ أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً ﴾ ( ٩٧ )﴿ إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ ﴾ ( ٩٨ ) لأنه استثناهم منهم كما تقول :" أُولئِكَ أَصْحابُكَ إِلاّ زَيْداً " و :" كُلُّهُم أَصْحابُكَ إِلاّ زيداً ". وهو خارج من أول الكلام.
وقال ﴿ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ ﴾ ( ١٠٤ ) أي. تَيْجَعُون. تقول : " ألِمَ " " يَأْلَمُ " " أَلَما ".
وقال ﴿ هَا أَنْتُمْ هؤلاء جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ ﴾ ( ١٠٩ ) فرد التنبيه مرتين كما قال ﴿ هَا أَنتُمْ هؤلاء تُدْعَوْنَ ﴾ أراد [ ٩٩ب ] التوكيد.
[ و ] قال ﴿ لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ ﴾ ( ١١٤ ) يقول : " إلاّ في نَجْوى مَنْ أمَرَ بِصَدَقَةً ".
وقال ﴿ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللَّهَ ﴾ ( ١٣١ ) أيْ بأَنْ اتَّقُوا الله.
[ وقال ] ﴿ مَّن كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِندَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ﴾ ( ١٣٤ ) فموضع ﴿ كَانَ ﴾ جزم والجواب الفاء وارتفعت ﴿ يُرِيدُ ﴾ لأنه ليس فيها حرف عطف. كما قال ﴿ مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ ﴾، وقال ﴿ مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا ﴾ فجزم لأن الأول في موضع جزم ولكنه فعل واجب فلا ينجزم، و ﴿ يُرِيدُ ﴾ في موضع نصب بخبر ﴿ كَانَ ﴾. [ و ] قال ﴿ وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً ﴾ ( ١٢٨ ) فجعل الاسم يلي ﴿ إنْ ﴾ لأَنَّها أَشَدُّ حروف الجزاء تمكنا. وإنَّما حسن هذا فيها إذا لم يكن لفظ ما وقعت عليه جزما نحو قوله :[ من البسيط وهو الشاهد الثامن والسبعون بعد المائة ] :
*عاوِدْ هَراةَ وإِنْ مَعْمُورُها خَرَبا ........
وقال ﴿ إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقَيراً فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا ﴾ ( ١٣٥ ) لأنّ ﴿ أوْ ﴾ ها هنا في معنى الواو. أَو يكون جمعهما في قوله ﴿ بِهِما ﴾ لأنهما قد ذكرا نحو قوله عز وجل ﴿ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا ﴾. أوْ يكونُ أضمرَ ﴿ مَنْ ﴾ كأنه " إنْ يَكُنْ مَنْ تَخاصَم غَنِيّاً أوْ فَقِيراً " يريد " غنيين أو فقيرين " يجعل " مَنْ " في ذلك المعنى ويخرج ﴿ غَنِيّاً أَوْ فَقَيراً ﴾ [ ١٠٠ء ] على لفظ " من ".
وقال ﴿ وَإِن* تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ ﴾ ( ١٣٥ ) لأنها من " لَوى " " يَلْوِى ". وقال بعضهم ﴿ وإِنْ تَلُوا ﴾ فان كانت لغة فهو لاجتماع الواوين، ولا أراها إِلاّ لحناً إلاّ على معنى " الوِلاية " وليس ل " الوِلايَة " معنى ها هنا إلا في قوله " وإِنْ تَلُوا عَلَيْهِم " فطرح ﴿ عَلَيْهِم ﴾ فهو جائز.
وقال ﴿ لاَّ يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ ﴾ ( ١٤٨ ) لأنه حين قال ﴿ لاَّ يُحِبُّ اللَّهُ ﴾ قد أخبر أنه لا يحل. ثم قال ﴿ إِلاَّ مَن ظُلِمَ ﴾ فانه يحل له أن يجهر بالسوء لمن ظلمه. وقال بعضهم ﴿ ظَلَم ﴾ على قوله ﴿ مَّا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ ﴾ ( ١٤٧ ) [ فيكون ] ﴿ إِلاَّ مَن ظَلَم ﴾ [ على معنى ] " إِلاّ بِعَذابِ مَنْ ظَلَم ".
وقال ﴿ فَبِمَا نَقْضِهِمْ مَّيثَاقَهُمْ ﴾ ( ١٥٥ ) ف﴿ ما ﴾ زائدة كأنه قال " فبنقضهم ".
﴿ وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ ﴾ ( ١٥٦ ) ﴿ وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ ﴾ ( ١٥٧ ) كله على الأول.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٥٦:﴿ وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ ﴾ ( ١٥٦ ) ﴿ وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ ﴾ ( ١٥٧ ) كله على الأول.
[ و ] قال ﴿ وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ ﴾ ( ١٦٤ ) فانتصب لأن الفعل قد سقط بشيء من سببه وما قبله منصوب بالفعل.
[ و ] قال﴿ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً ﴾ ( ١٦٤ ) الكلام خلق من الله على غير الكلام منك وبغير ما يكون منك. خلقه الله ثم أوصله إلى موسى.
[ و ] قال ﴿ فَآمِنُواْ خَيْراً لَّكُمْ ﴾ ( ١٧٠ ) فنصب ﴿ خَيْراً لَكُمْ ﴾ لأنه حين قال لهم ﴿ آمِنُواْ ﴾ أمرهم بما هو خير لهم فكأنه قال : " اعْمَلُوا خيراً لكم " وكذلك ﴿ انتَهُواْ خَيْراً لَّكُمْ ﴾ ( ١٧١ ) فهذا إنما يكون في الأمر والنهي خاصة ولا يكون في الخبر، لأنّ الأمْر والنهي لا يضمر فيهما وكأنك أخرجته من شيء إلى شيء. وقال الشاعر [ ١٠٠ب ] :[ من السريع وهو الشاهد التاسع والسبعون بعد المائة ] :
فَفواعِديه سَرْحَتَيْ مالِكٍ أو الرُّبا بَينَهُما أسَهْلا
كما تقول : " واعديه خيراً لك " وقد سمعت نصب هذا في الخبر تقول العرب : " آتى البيتَ خيراً لي " و " أتركُهُ خيراً لي " وهو على ما فسرت في الأمر والنهي.
وقال ﴿ إِن امْرُؤٌ هَلَكَ ﴾ ( ١٧٦ ) مثل ﴿ إِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ ﴾ تفسيرهما سواء.
Icon