تفسير سورة النساء

تفسير ابن أبي زمنين
تفسير سورة سورة النساء من كتاب تفسير القرآن العزيز المعروف بـتفسير ابن أبي زمنين .
لمؤلفه ابن أبي زَمَنِين . المتوفي سنة 399 هـ
تفسير سورة النساء، وهي مدنية كلها

قَوْله: ﴿يَا أَيهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ من نفس وَاحِدَة﴾ [يَعْنِي: آدم ﴿وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا﴾ يَعْنِي: حَوَّاء] قَالَ قَتَادَة: خلقهَا من ضلع من أضلاعه القصيراء. وَقَالَ [مُجَاهِد: من جنبه الْأَيْسَر.
يَحْيَى:] عَنِ الْحَسَنِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [((إِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلْعٍ، وَإِنَّكَ إِنْ تُرِدْ إِقَامَةَ] الضِّلْعِ تَكْسِرْهَا، فَدَارِهَا تَعِشْ بِهَا)). ﴿وَبث مِنْهُمَا﴾ أَي: [خلق. ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تساءلون بِهِ والأرحام﴾ أَي: وَاتَّقوا الْأَرْحَام أَن
344
تقطعوها. هَذَا تَفْسِير من قَرَأَهَا بِالنّصب، وَمن قَرَأَهَا بِالْجَرِّ، أَرَادَ: الَّذِي تسْأَلُون بِهِ والأرحام، وَهُوَ قَول الرجل: نشدتك بِاللَّه وبالرحم. ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ حفيظاً.
345
﴿وَآتوا الْيَتَامَى أَمْوَالهم﴾ يَعْنِي: إِذا بلغُوا ﴿وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبيث بالطيب﴾ قَالَ الْحسن: الْخَبيث: أكل أَمْوَال الْيَتَامَى ظلما، وَالطّيب: الَّذِي رزقكم الله؛ يَقُول: لَا تذروا الطّيب، وتأكلوا الْخَبيث ﴿وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالكُم﴾ يَعْنِي: مَعَ أَمْوَالكُم ﴿إِنَّهُ كَانَ حوبا كَبِيرا﴾ أَي: ذَنبا.
قَالَ مُحَمَّد: وَفِيه لُغَة أُخْرَى: حَوْبًا بِفَتْح الْحَاء، وَقد قرئَ بهَا.
﴿وَإِن خِفْتُمْ أَلا تقسطوا﴾ أَي: تعدلوا ﴿فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لكم﴾ يَعْنِي: مَا حل لكم من النِّسَاء قَالَ قَتَادَة: يَقُول: كَمَا خِفْتُمْ الْجور فِي الْيَتَامَى، وأهمكم ذَلِك، فَكَذَلِك فخافوه فِي جَمِيع النِّسَاء، وَكَانَ الرجل فِي الْجَاهِلِيَّة يتَزَوَّج الْعشْر فَمَا دون ذَلِك، فأحل الله لَهُ أَرْبعا؛ فَقَالَ: ﴿فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاء مثنى وَثَلَاث وَربَاع﴾ يَقُول: إِن خفت أَلا تعدل فِي أَربع فانكح ثَلَاثًا، فَإِن خفت أَلا تعدل فِي ثَلَاث فانكح اثْنَتَيْنِ، فَإِن خفت أَلا تعدل فِي
345
اثْنَتَيْنِ فانكح وَاحِدَة، أَو مَا ملكت يَمِينك، يطَأ بِملك يَمِينه كم يَشَاء ﴿ذَلِكَ أدنى أَلا تعولُوا﴾ أَي: أَجْدَر أَلا تميلوا. [آيَة ٤ - ٥]
346
﴿وَآتوا النِّسَاء صدقاتهن نحلة﴾ قَالَ قَتَادَة: يَعْنِي: فَرِيضَة.
قَالَ مُحَمَّد: اخْتلف القَوْل فِي ﴿نِحْلَةً﴾ فَقيل: الْمَعْنى: نحلة من الله - عز وَجل - للنِّسَاء، إِذْ جعل على الرجل الصَدَاق، وَلم يَجْعَل على الْمَرْأَة شَيْئا، يُقَال: نحلت الرجل إِذا وهبت لَهُ هبة، ونحلت الْمَرْأَة، وَقَالَ بَعضهم: معنى ﴿نحلة﴾: ديانَة؛ كَمَا تَقول: فلَان ينتحل كَذَا؛ أَي: يدين بِهِ. و ﴿صدقاتهن﴾ جمع: صَدَقَة، يُقَال: هُوَ صدَاق الْمَرْأَة، وَصدقَة الْمَرْأَة. ﴿فَإِنْ طِبْنَ لكم عَن شَيْء مِنْهُ﴾ يَعْنِي: الصَدَاق ﴿نفسا﴾ [يَعْنِي: نَفسهَا] ﴿فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا﴾ قَالَ قَتَادَة: يَعْنِي: مَا طابت بِهِ نَفسهَا فِي غير كُرْهٍ؛ فقد أحل الله لَهَا أَن تَأْكُله.
قَالَ مُحَمَّد: يُقَال: هنأني الطَّعَام ومرأني بِغَيْر ألف؛ فَإِذا أفردوا مرأني قَالُوا: أمرأني بِالْألف.
﴿وَلَا تُؤْتوا السُّفَهَاء أَمْوَالكُم﴾ قَالَ الْكَلْبِيّ: يَعْنِي: النِّسَاء وَالْأَوْلَاد؛ إِذا علم الرجل أَن امْرَأَته سَفِيهَة مفْسدَة، أَو ابْنه سَفِيه مُفسد؛ فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَن يُسَلط أَيهمَا على مَاله.
(ل ٥٩) قَالَ مُحَمَّد: والسفه فِي اللُّغَة أَصله: الْجَهْل. (الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِوَامًا) لمعايشكم وصلاحكم، وتقرأ ﴿قيَاما﴾
قَالَ مُحَمَّد: يُقَال: هَذَا قوام أَمرك وقيامه؛ أَي: مَا يقوم بِهِ أَمرك. وَمن قَرَأَ (قِيَمًا) فَهُوَ رَاجع إِلَى هَذَا؛ أَي: جعلهَا الله قيم الْأَشْيَاء؛ فبها تقوم. ﴿وارزقوهم فِيهَا﴾ يَعْنِي: من الْأَمْوَال ﴿وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُم قولا مَعْرُوفا﴾ يَعْنِي: الْعدة الْحَسَنَة. [آيَة ٦]
﴿وابتلوا الْيَتَامَى﴾ أَي: اختبروا عُقُولهمْ وَدينهمْ ﴿حَتَّى إِذا بلغُوا النِّكَاح﴾ يَعْنِي: الْحلم. ﴿فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رشدا﴾ صلاحا فِي دينهم ﴿فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَن يكبروا﴾ أَي: مبادرة أَن يكبروا فيأخذوها مِنْكُم
347
﴿وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرا فَليَأْكُل بِالْمَعْرُوفِ﴾ تَفْسِير قَتَادَة: قَالَ: كَانَ الرجل يَلِي مَال الْيَتِيم يكون لَهُ الْحَائِط من النّخل، فَيقوم على (صَلَاحه وسقيه، فَيُصِيب من تمره، وَتَكون لَهُ الْمَاشِيَة، فَيقوم على) صَلَاحهَا، ويلي علاجها ومؤنتها، فَيُصِيب من جزازها وعوارضها ورسلها [يَعْنِي بالعوارض: الخرفان، وَالرسل: السّمن وَاللَّبن] فَأَما رِقَاب المَال فَلَيْسَ لَهُ أَن يستهلكه.
يَحْيَى: عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ (عَنْ أَبِي الْخَيْرِ) ((أَنَّهُ سَأَلَ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الأَنْصَارِ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ -: ﴿وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَليَأْكُل بِالْمَعْرُوفِ﴾ فَقَالُوا: فِينَا وَاللَّهِ أُنْزِلَتْ، كَانَ الرَّجُلُ يَلِي مَالَ الْيَتِيمِ لَهُ النَّخْلُ، فَيَقُومُ لَهُ عَلَيْهَا؛ فَإِذَا طَابَتِ الثَّمَرَةُ، كَانَتْ يَدُهُ مَعَ أَيْدِيهِمْ مِثْلَ مَا كَانُوا مُسْتَأْجِرِينَ بِهِ غَيْرَهُ فِي الْقِيَامِ عَلَيْهَا)).
يَحْيَى: عَنْ نَصْرِ بْنِ طَرِيفٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنِ الْحَسَنِ الْعُرَنِيِّ: ((أَنَّ رَجُلا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ فِي حِجْرِي يَتِيمًا أَفَأَضْرِبُهُ؟ قَالَ: اضْرِبْهُ مِمَّا كُنْتَ ضَارِبًا مِنْهُ وَلَدَكَ. قَالَ: أَفَآكُلُ مِنْ مَالِهِ؟ قَالَ: بِالْمَعْرُوفِ غَيْرَ مُتَأَثِّلٍ
348
مِنْ مَالِهِ مَالا، وَلا وَاقٍ مَالَكَ بِمَالِهِ)).
قَوْله: ﴿وَكَفَى بِاللَّهِ حسيبا﴾ أَي: حفيظاً [آيَة ٧ - ١٠]
349
﴿لِلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ﴾ الْآيَة، هَذَا حِين بَين الله فَرَائض الْمَوَارِيث، نزلت آيَة الْمَوَارِيث قبل هَذِه الْآيَة، وَهِي بعْدهَا فِي التَّأْلِيف؛ وَكَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة لَا يُعْطون النِّسَاء من الْمِيرَاث، وَلَا الصَّغِير شَيْئا، وَإِنَّمَا كَانُوا يُعْطون من يحترف وينفع وَيدْفَع، فَجعل الله لَهُم من ذَلِك (مِمَّا
349
قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا)!
350
٢ - ٢! (وَإِذا حضر الْقِسْمَة أولُوا الْقُرْبَى} الْآيَة، يَعْنِي: قسْمَة الْمَوَارِيث.
تَفْسِير الْحسن: إِن كَانُوا يقتسمون مَالا أَو مَتَاعا أعْطوا مِنْهُ، وَإِن كَانُوا يقتسمون دورا أَو رَقِيقا قيل لَهُم: ارْجعُوا رحمكم الله؛ فَهَذَا قَول مَعْرُوف، وَكَانَ الْحسن يَقُول: لَيست بمنسوخة. وَقَالَ سعيد بن الْمسيب: هِيَ مَنْسُوخَة نسختها آيَة الْمَوَارِيث.
يحيى: وَهُوَ قَول الْعَامَّة أَنَّهَا مَنْسُوخَة.
﴿وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلفهم ذُرِّيَّة ضعافاً﴾ تَفْسِير قَتَادَة: قَالَ: يَقُول: من حضر مَيتا فليأمره بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَان، ولينهه عَن الحيف والجور فِي وَصيته، وليخش على عِيَاله مَا كَانَ خَائفًا على عِيَال من حَضَره الْمَوْت.
﴿إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا﴾ أَي: إِنَّمَا يَأْكُلُون بِهِ نَارا. [آيَة ١١]
﴿فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ﴾ يَعْنِي: أَكثر من اثْنَتَيْنِ.
﴿فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَة فلهَا النّصْف﴾
قَالَ مُحَمَّد: (أَعْطَيْت الابنتان الثُّلثَيْنِ) بِدَلِيل لَا يفْرض مُسَمّى لَهما؛ وَالدَّلِيل قَوْله: ﴿يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فلهَا نصف مَا ترك﴾ فقد صَار للْأُخْت النّصْف، كَمَا أَن للابنة النّصْف ﴿فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ﴾ فَأعْطيت (ل ٦٠) البنتان الثُّلثَيْنِ؛ كَمَا أَعْطَيْت الْأخْتَان، وَأعْطِي جملَة الْأَخَوَات الثُّلثَيْنِ؛ قِيَاسا على مَا ذكر الله فِي جملَة الْبَنَات. ﴿وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ ولد﴾ ذكر أَو ولد ابْن ذكر [أَو أنثي] وَإِن ترك ابْنَتَيْن أَو أَكثر وأبويه فَكَذَلِك أَيْضا، وَإِن ترك ابْنَته وأبويه، فللابنة النّصْف وَللْأُمّ ثلث مَا بَقِي وَمَا بَقِي فللأب، وَلَيْسَ للْأُم مَعَ الْوَلَد الْوَاحِد أَو أَكثر؛ ذكرا كَانَ أَو أنثي إِلَّا السُّدس. ﴿فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ﴾ هَذَا إِذا لم يكن لَهُ وَارِث غَيرهمَا؛ فِي قَول زيد والعامة. ﴿فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فلأمه السُّدس﴾ إِذا كَانَ لَهُ أَخَوان فَأكْثر حجبوا الْأُم عَن الثُّلُث، وَكَانَ لَهَا السُّدس وَلَا يحجبها الْأَخ الْوَاحِد عَن الثُّلُث، وَلَا الأخوان إِذا كَانَا أَخَوَيْهِ لِأَبِيهِ أَو أَخَوَيْهِ لأمه، أَو بَعضهم من الْأَب وَبَعْضهمْ من الْأُم فَهَؤُلَاءِ ذُكُورا كَانُوا أَو إِنَاثًا أَو بَعضهم ذُكُور وَبَعْضهمْ إناث يحجبون الْأُم عَن
351
الثُّلُث؛ فَلَا تَأْخُذ إِلَّا السُّدس ﴿من بعد وَصِيَّة يُوصي بِهِ أَو دين﴾ فِيهَا تَقْدِيم؛ يَقُول: من بعد دين يكون عَلَيْهِ أَو وَصِيَّة يُوصي بهَا. ﴿آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا﴾ تَفْسِير مُجَاهِد: لَا تَدْرُونَ أَيهمْ أقرب لكم نفعا فِي الدُّنْيَا ﴿فَرِيضَة من الله﴾ قَالَ السّديّ يَعْنِي: قسْمَة الْمَوَارِيث لأَهْلهَا الَّذين ذكرهم الله فِي هَذِه الْآيَة.
قَالَ مُحَمَّد: ﴿فَرِيضَةً﴾ مَنْصُوب على التوكيد وَالْحَال؛ أَي: مَا ذكرنَا لهَؤُلَاء الْوَرَثَة مَفْرُوضًا فَرِيضَة مُؤَكدَة، لقَوْله: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ﴾. [آيَة ١٢]
352
﴿وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ﴾ أَو ولد ولد، وَولد الْبَنَات لَا يَرِثُونَ شَيْئا، وَلَا يحجبون وَارِثا. ﴿فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ﴾ ذكر أَو أُنْثَى ﴿فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تركن﴾ ﴿وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لم يكن لكم ولد﴾ أَو ولد ولد، وَلَا يَرث ولد
352
الْبَنَات شَيْئا وَلَا يحجبون. ﴿فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تركْتُم﴾ فَإِن ترك رجل امْرَأتَيْنِ أَو ثَلَاثًا أَو أَرْبعا، فالربع بَينهُنَّ سَوَاء؛ إِذا لم يكن لَهُ ولد، فَإِن كَانَ لَهُ ولد أَو ولد ولد؛ ذكر أَو أنثي، فالثمن بَينهُنَّ سَوَاء. ﴿وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَو امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاء فِي الثُّلُث﴾ وَذكرهمْ كأنثاهم فِيهِ سَوَاء. قَالَ قَتَادَة: والكلالة: الَّذِي لَا ولد لَهُ وَلَا وَالِد وَلَا جد ﴿غير مضار﴾ فِي الْمِيرَاث أَهله، يَقُول: لَا يقر بِحَق لَيْسَ عَلَيْهِ، وَلَا يُوصي بِأَكْثَرَ من الثُّلُث مضارة لَهُم.
قَالَ مُحَمَّد: ﴿غير﴾ مَنْصُوب على الْحَال، الْمَعْنى: يُوصي بهَا غير مضار ﴿وَصِيَّةً مِنَ الله﴾ تِلْكَ الْقِسْمَة. [آيَة ١٣ - ١٤]
353
﴿تِلْكَ حُدُود الله﴾ أَي: سنته وَأمره فِي قسْمَة الْمَوَارِيث ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ فِي قسْمَة الْمَوَارِيث؛ كَمَا أمره الله ﴿ندخله جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ﴾ الْآيَة.
﴿وَمن يعْص الله وَرَسُوله﴾ فِي قسْمَة الْمَوَارِيث ﴿وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ﴾ الْآيَة وَذَلِكَ أَن الْمُنَافِقين كَانُوا لَا يورثون النِّسَاء وَلَا الصّبيان الصغار؛ كَانُوا يظهرون.
353
الْإِسْلَام وهم على مَا كَانُوا عَلَيْهِ فِي الشّرك، وَكَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة لَا يورثون النِّسَاء. [آيَة ١٥ - ١٦]
354
﴿وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ﴾ يَعْنِي: الزِّنَا، الْآيَة.
قَالَ يحيى: وَقيل: هَذِه الْآيَة نزلت بعد الآيةَ الَّتِي بعْدهَا فِي التَّأْلِيف
﴿والذان يأتيانها مِنْكُم﴾ يَعْنِي: الْفَاحِشَة ﴿فآذوهما﴾ بالألسنة ﴿فَإِن تابا وأصلحا﴾ الْآيَة.
ثمَّ نزلت هَذِه الْآيَة: ﴿فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلا﴾ يَعْنِي: مخرجا من الْحَبْس؛ فِي تَفْسِير السّديّ، ثمَّ نزل فِي سُورَة النُّور: ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِد مِنْهُمَا مائَة جلدَة﴾. [آيَة ١٧ - ١٨]
﴿إِنَّمَا التَّوْبَة على الله﴾ يَعْنِي: التجاوز من الله ﴿لِلَّذِينَ يعْملُونَ السوء بِجَهَالَة﴾ (ل ٦١) قَالَ قَتَادَة: كل ذَنْب أَتَاهُ عبد فَهُوَ بِجَهَالَة. ﴿تمّ يتوبون من قريب﴾ يَعْنِي: مَا دون الْمَوْت، يُقَال: مَا لم يُغَرْغر. ﴿فَأُولَئِكَ يَتُوبُ الله عَلَيْهِم﴾ قَالَ الْحسن: نزلت هَذِه الْآيَة فِي الْمُؤمنِينَ،
ثمَّ ذكر الْكفَّار؛ فَقَالَ: ﴿وَلَيْسَتِ التَّوْبَة للَّذين يعْملُونَ السَّيِّئَات﴾؛ يَعْنِي: الشّرك بِاللَّه ﴿حَتَّى إِذَا حضر أحدهم الْمَوْت﴾ عِنْد مُعَاينَة ملك الْمَوْت قبل أَن يخرج من الدُّنْيَا ﴿قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُم عذَابا أَلِيمًا﴾. [آيَة ١٩]
﴿يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن ترثوا النِّسَاء كرها﴾ كَانَ الرجل فِي الْجَاهِلِيَّة يَمُوت عَن امْرَأَته، فيلقي وليه عَلَيْهَا ثوبا؛ فَإِن أحب أَن يَتَزَوَّجهَا تزَوجهَا، وَإِلَّا تَركهَا حَتَّى تَمُوت، فيرثها، إِلَّا أَن تذْهب إِلَى أَهلهَا من قبل أَن يلقِي عَلَيْهَا ثوبا، فَتكون أَحَق بِنَفسِهَا ﴿وَلَا تعضلوهن﴾ تحبسوهن ﴿لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ﴾ يَعْنِي: الصَدَاق ﴿إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَة مبينَة﴾ نُهِيَ الرجل إِذا لم يكن لَهُ بامرأته حَاجَة أَن يَضرهَا فيحبسها لتفتدي مِنْهُ ﴿إِلا أَنْ يَأْتِين بِفَاحِشَة مبينَة﴾ تَفْسِير بَعضهم: إِلَّا أَن تكون هِيَ النَّاشِزَة فتختلع مِنْهُ. الْفَاحِشَة المبينة: عصيانها ونشوزها.
355
﴿وعاشروهن بِالْمَعْرُوفِ﴾ أَي: اصحبوهن بِالْمَعْرُوفِ ﴿فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ الله فِيهِ خيرا كثيرا﴾ يكره الرجل الْمَرْأَة، فيمسكها وَهُوَ لَهَا كَارِه، فَعَسَى الله أَن يرزقه مِنْهَا ولدا، ثمَّ يعطفه الله عَلَيْهَا، أَو يطلقهَا، فيتزوجها غَيره، فَيجْعَل الله للَّذي تزَوجهَا فِيهِ خيرا كثيرا. [آيَة ٢٠ - ٢١]
356
﴿وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زوج﴾ يَعْنِي: طَلَاق امْرَأَة، وَنِكَاح أُخْرَى. ﴿وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئا أتأخذونه بهتانا﴾ أَي: ظلما ﴿وإثما مُبينًا﴾ بَينا.
يَقُول لَهُ: لَا يحل لَهُ أَن يَأْخُذ مِمَّا أَعْطَاهَا شَيْئا، إِلَّا أَن تنشز؛ فتفتدي مِنْهُ.
قَالَ مُحَمَّد: ﴿بهتانا﴾ مصدر مَوْضُوع مَوضِع الْحَال؛ الْمَعْنى: أتأخذونه مباهتين وآثمين. والبهتان: الْبَاطِل الَّذِي يتحير من بُطْلَانه.
﴿وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بعض﴾ يَعْنِي: المجامعة ﴿وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غليظا﴾ هُوَ قَوْله: ﴿إمْسَاك بِمَعْرُوف أَو تَسْرِيح بِإِحْسَان﴾ فِي تَفْسِير قَتَادَة.
قَالَ قَتَادَة: وَقد كَانَت فِي عقد الْمُسلمين عِنْد نكاحهم: الله عَلَيْك لتمسكن
356
بِمَعْرُوف، أَو لتسرحن بِإِحْسَان. [آيَة ٢٢ - ٢٣]
357
﴿وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا قَدْ سلف﴾ يَعْنِي: مَا قد مُضِيّ قبل التَّحْرِيم ﴿إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا﴾ بغضا من الله ﴿وَسَاءَ سَبِيلا﴾ أَي: بئس المسلك.
قَوْله: ﴿حرمت عَلَيْكُم أُمَّهَاتكُم﴾ والجدات كُلهنَّ مثل الْأُم، وَأم أبي الْأُم مثل الْأُم ﴿وَبَنَاتُكُمْ﴾ وَبَنَات الابْن وَبَنَات الِابْنَة وأسفل من ذَلِك فَهِيَ كالابنة ﴿وَأَخَوَاتُكُمْ﴾ إِن كَانَت لِأَبِيهِ وَأمه أَو لِأَبِيهِ أَو لأمه فَهِيَ أُخْت ﴿وعماتكم﴾ فَإِن كَانَت عمته [أَو عمَّة أَبِيه] أَو عمَّة أمه وَمَا فَوق ذَلِك فَهِيَ عمَّة ﴿وَخَالاتُكُمْ﴾ فَإِن كَانَت خَالَته أَو خَالَة أَبِيه أَو خَالَة أمه أَو خَالَة فَوق ذَلِك - فَهِيَ خَالَته ﴿وَبَنَات الْأَخ﴾ فَإِن كَانَت ابْنة أَخِيه أَو ابْنة ابْن أَخِيه لِأَبِيهِ وَأمه أَو لِأَبِيهِ أَو لأمه أَو ابْنة ابْنة أَخِيه وَمَا أَسْفَل من ذَلِك - فَهِيَ بنت أَخ.
357
﴿وَبَنَات الْأُخْت﴾ فَإِن كَانَت ابْنة أُخْته أَو ابْنة ابْن أُخْته (أَو ابْنة ابْنة أُخْته) وأسفل من ذَلِك - فَهِيَ ابْنة أُخْت. ﴿وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أرضعنكم وأخواتكم من الرضَاعَة﴾ يحرم من الرضَاعَة مَا يحرم من النّسَب؛ فَلَا تحل لَهُ أمه من الرضَاعَة وَلَا مَا فَوْقهَا من الْأُمَّهَات، وَلَا أُخْته من الرضَاعَة، وَلَا عمته من الرضَاعَة، وَلَا عمَّة أَبِيه من الرضَاعَة، وَلَا عمَّة أمه من الرضَاعَة، وَلَا مَا فَوق ذَلِك، وَلَا خَالَة من الرضَاعَة، وَلَا خَالَة أَبِيه، وَلَا خَالَة أمه، وَلَا مَا فَوق ذَلِك، وَلَا ابْنة أَخِيه من الرضَاعَة، وَلَا ابْنة ابْن أَخِيه من الرضَاعَة، وَلَا ابْنة ابْنة أَخِيه من الرضَاعَة، وَلَا مَا سفل من ذَلِك، وَلَا ابْنة أُخْته من الرضَاعَة وَلَا ابْنة ابْن أُخْته، (ل ٦٢) وَلَا ابْنة ابْنة أُخْته من الرضَاعَة، وَلَا مَا أَسْفَل من ذَلِك. وَإِذا أرضعت الْمَرْأَة غُلَاما لم يتَزَوَّج ذَلِك الْغُلَام شَيْئا من بناتها؛ لَا مَا قد ولد (مَعَه وَلَا قبل) ذَلِك وَلَا بعده، ويتزوج إخْوَته من أَوْلَادهَا إِن شَاءُوا، وَكَذَلِكَ إِذا أرضعت جَارِيَة لم يتَزَوَّج تِلْكَ الْجَارِيَة أحد من أَوْلَادهَا؛ لَا مَا ولد قبل رضاعها، وَلَا مَا بعده، ، يتَزَوَّج إخوتها من أَوْلَادهَا إِن شَاءُوا.
﴿وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ﴾ لَا تحل للرجل أم امْرَأَته، وَلَا أمهاتها. ﴿وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهن فَلَا جنَاح عَلَيْكُم﴾ فَإِذا تزوج الرجل الْمَرْأَة، فَطلقهَا قبل أَن يدْخل بهَا، أَو مَاتَت وَلم يدْخل بهَا - تزوج ابْنَتهَا إِن شَاءَ، وَإِن كَانَ قد دخل بهَا لم يتَزَوَّج ابْنَتهَا، وَلَا ابْنة ابْنَتهَا، وَلَا مَا أَسْفَل من ذَلِك.
358
﴿وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ﴾ فَلَا تحل لَهُ امْرَأَة ابْنه، وَلَا امْرَأَة ابْن ابْنه، وَلَا امْرَأَة ابْن ابْنة ابْنه وَلَا أَسْفَل من ذَلِك، وَإِنَّمَا قَالَ الله: ﴿الَّذين من أصلابكم﴾ لِأَن الرجل كَانَ يتبنى الرجل فِي الْجَاهِلِيَّة، وَقد كَانَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تبني زيدا، فأحل الله [لَهُ] نِكَاح نسَاء الَّذين تبنوا، وَقد تزوج النَّبِي - عَلَيْهِ السَّلَام - امْرَأَة زيد بعد مَا طَلقهَا. ﴿وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلا مَا قَدْ سلف﴾ مَا مضى قبل التَّحْرِيم؛ فَإِن كَانَت أُخْتهَا لأَبِيهَا وَأمّهَا، أَو أُخْتهَا لأَبِيهَا، (أَو أُخْتهَا لأمها، أَو من الرضَاعَة) - فَهِيَ أُخْت، وَجَمِيع النّسَب وَالرّضَاع فِي الْإِمَاء بِمَنْزِلَة الْحَرَائِر. [آيَة ٢٤]
359
﴿وَالْمُحصنَات من النِّسَاء﴾ الْمُحْصنَات هَا هُنَا: اللَّاتِي لَهُنَّ الْأزْوَاج؛ يَقُول: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُم أُمَّهَاتكُم وبناتكم﴾ إِلَى هَذِه الْآيَة، ثمَّ قَالَ: ﴿وَالْمُحصنَات من النِّسَاء﴾ أَي: وَحرم عَلَيْكُم الْمُحْصنَات مِنَ النِّسَاءِ ﴿إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانكُم﴾؛ يَعْنِي: من السبايا؛ فَإِذا سبيت الْمَرْأَة من أهل الشّرك، وَلها زوج، ثمَّ وَقعت فِي سهم رجل؛ فَإِن كَانَت من أهل الْكتاب، وَكَانَت حَامِلا لم يَطَأهَا؛ حَتَّى تضع، وَإِن كَانَت لَيست بحامل، لم يقربهَا؛ حَتَّى تحيض، وَإِن لم يكن لَهَا زوج فَكَذَلِك أَيْضا، وَإِن كَانَت من غير أهل الْكتاب لم يَطَأهَا،
359
حَتَّى تَتَكَلَّم بِالْإِسْلَامِ فَإِذا قَالَت: لَا إِلَه إِلَّا الله، استبرأها بِحَيْضَة، إِلَّا أَن تكون حَامِلا؛ فيكف عَنْهَا، حَتَّى تضع.
يَحْيَى: عَنِ الْمُعَلَّى، عَنْ عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ، عَنْ أَبِي الْخَلِيلِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: ((أَصَبْنَا يَوْمَ أَوْطَاسٍ سَبَايَا نَعْرِفُ أَنْسَابَهُنَّ وَأَزْوَاجَهُنَّ، فَامْتَنَعْنَا مِنْهُنَّ؛ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا ملكت أَيْمَانكُم﴾ من السبايا)). ﴿كتاب الله عَلَيْكُم﴾ يَعْنِي: حرمت عَلَيْكُم أُمَّهَاتكُم وبناتكم وأخواتكم إِلَى هَذَا الْموضع، ثمَّ قَالَ: كتاب الله عَلَيْكُم؛ يَعْنِي: بِتَحْرِيم مَا قد ذكر.
قَالَ مُحَمَّد: ﴿كتاب الله﴾ مَنْصُوب على معنى: كتب عَلَيْكُم كتابا. ﴿وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُم﴾ يَعْنِي: مَا بعد ذَلِكُم من النِّسَاء. ﴿أَن تَبْتَغُوا بأموالكم﴾ تتزوجوا بأموالكم؛ لَا يتَزَوَّج فَوق أَربع.
360
﴿محصنين غير مسافحين﴾ قَالَ مُجَاهِد: يَعْنِي: ناكحين غير زانين ﴿فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ﴾ قَالَ مُجَاهِد: يَعْنِي: النِّكَاح. ﴿فَآتُوهُنَّ﴾ فأعطوهن ﴿أُجُورهنَّ﴾ قَالَ: صدقاتهن. ﴿فَرِيضَة﴾ ((كَانَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رخص فِي الْمُتْعَة يَوْم فتح مَكَّة إِلَى أجل؛ على أَلا يرثوا وَلَا يورثوا، ثمَّ نهى عَنْهَا بعد ثَلَاثَة أَيَّام)) فَصَارَت مَنْسُوخَة نسختها الْمِيرَاث وَالْعدة. ﴿وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ﴾ قَالَ الْحسن: لَا بَأْس على الرجل أَن تضع لَهُ الْمَرْأَة من صَدَاقهَا الَّذِي فرض لَهَا؛ كَقَوْلِه: ﴿فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مريئاً﴾ [آيَة ٢٥ - ٢٦]
361
﴿وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلا﴾ (ل ٦٣) يَعْنِي: غنى ﴿أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَات﴾ يَعْنِي: الْحَرَائِر الْمُؤْمِنَات ﴿فَمِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ﴾ يَعْنِي: إماءكم الْمُؤْمِنَاتِ، وَلَا يحل نِكَاح إِمَاء أهل الْكتاب ﴿وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضكُم من بعض﴾؛ يَعْنِي: الْمُؤمنِينَ، حرهم ومملوكهم، وَذكرهمْ وأنثاهم، وَالله أعلم بأيمانكم ﴿فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذن أهلهن﴾ أَي: ساداتهن (وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ
361
بِالْمَعْرُوفِ} يَعْنِي: مَا تراضوا عَلَيْهِ من الْمهْر ﴿محصنات غير مسافحات﴾ يَعْنِي: ناكحات غير زانيات ﴿وَلا متخذات أخدان﴾ المسافحة: المجاهرة بِالزِّنَا، وَذَات الخدن: الَّتِي كَانَ لَهَا خَلِيل فِي السِّرّ ﴿فَإِذا أحصن﴾ قَالَ قَتَادَة: يَعْنِي: أحصنتهن البعولة ﴿فَإِن أتين بِفَاحِشَة﴾ يَعْنِي: الزِّنَا ﴿فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا على الْمُحْصنَات﴾ يَعْنِي: الْحَرَائِر ﴿من الْعَذَاب﴾ يَعْنِي: من الْجلد؛ تجلد خمسين جلدَة لَيْسَ عَلَيْهَا رجم، وَإِن كَانَ لَهَا زوج. ﴿ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُم﴾ قَالَ قَتَادَة: إِنَّمَا أَمر الله نِكَاح الْإِمَاء الْمُؤْمِنَات لمن خشِي الْعَنَت على نَفسه - والعنت: الضّيق - أَي: لايجد مَا يستعف بِهِ، وَلَا يصبر فيزني. ﴿وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ﴾ يَعْنِي: عَن نِكَاح الْإِمَاء.
362
﴿يُرِيد الله ليبين لكم﴾ حَلَاله وَحَرَامه ﴿وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ من قبلكُمْ﴾ يَعْنِي: شرائع من كَانَ قبلكُمْ من الْمُؤمنِينَ فِيمَا حرم عَلَيْكُم من الْأُمَّهَات وَالْبَنَات وَالْأَخَوَات... إِلَى آخر الْآيَة. ﴿وَيَتُوب عَلَيْكُم﴾ أَي: يتَجَاوَز عَمَّا كَانَ من نكاحكم إياهن قبل التَّحْرِيم. [آيَة ٢٧ - ٣٠]
﴿وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ﴾ هِيَ مثل الأولى قبلهَا. ﴿وَيُرِيدُ الَّذين يتبعُون الشَّهَوَات﴾ يَعْنِي: الْيَهُود فِي استحلالهم نِكَاح بَنَات
362
الْأَخ. ﴿أَن تميلوا﴾ يَعْنِي: أَن تأثموا.
363
﴿يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ﴾ فِي نِكَاح الْإِمَاء، وَلم يكن أحل نِكَاحهنَّ لمن كَانَ قبلكُمْ ﴿وَخلق الْإِنْسَان ضَعِيفا﴾ أَي: لَا يصبر عَن النِّسَاء.
﴿يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنكُم بِالْبَاطِلِ﴾ يَعْنِي: بالظلم ﴿إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَة﴾ يَعْنِي: تِجَارَة حَلَالا لَيْسَ فِيهَا رَبًّا ﴿عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلا تقتلُوا أَنفسكُم﴾.
يَحْيَى: عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ، (عَنْ) أَبِي بَكْرِ (بْنِ) عَبْدِ الرَّحْمَنِ (عَنْ) أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ ((أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَام بَعَثَ رَجُلا فِي سَرِيَّةٍ فَأَصَابَهُ كَلْمٌ، فَأَصَابَتْهُ عَلَيْهِ جَنَابَةٌ، فَصَلَّى وَلَمْ يَغْتَسِلْ، فَعَابَ عَلَيْهِ ذَلِكَ أَصْحَابُهُ، فَلَمَّا قَدِمُوا عَلَى النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَام ذَكَرُوا ذَلِكَ لَهُ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ، فَجَاءَهُ فَأَخْبَرَهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ: - ﴿وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ الله كَانَ بكم رحِيما﴾.
363

[آيَة ٣١]

364
قَوْله: ﴿إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلكُمْ مدخلًا كَرِيمًا﴾ يَعْنِي: الْجنَّة. قَالَ قَتَادَة: إِنَّمَا وعد الله الْمَغْفِرَة من اجْتنب الْكَبَائِر.
يَحْيَى: عَنْ أَبِي أُمَيَّةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((الْكَبَائِرُ تِسْعٌ: الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ [إِلا بِالْحَقِّ]، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ الْمُسْلِمَيْنِ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ، وَالسِّحْرُ، وَالْفِرَارُ مِنَ الزَّحْفِ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ)).
يَحْيَى: عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ: كَانَ الْفِرَارُ مِنَ الزَّحْفِ مِنَ الْكَبَائِرِ يَوْمَ بَدْرٍ.
يَحْيَى: عَنْ نَصْرِ بْنِ طَرِيفٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَن الْحسن: ((أَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام ذُكِرَتْ عِنْدَهُ الْكَبَائِرُ، فَقَالَ: فَأَيْنَ تَجْعَلُونَ الْيَمِينَ الْغَمُوسَ؟)).
364
يَحْيَى: عَنِ الْحَسَنِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَا تَقولُونَ فِي الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: هُنَّ فَوَاحِشُ، وفيهن عُقُوبَة)). [آيَة ٣٢ - ٣٣]
365
قَوْله: ﴿وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ الْآيَة.
تَفْسِير مُجَاهِد: نزلت فِي النِّسَاء يقلن: يَا ليتنا كُنَّا [رجَالًا فنغزو، ونبلغ مبلغ] (ل ٦٤) الرِّجَال.
﴿وَلكُل جعلنَا موَالِي﴾ يَعْنِي: الْعصبَة.
يَحْيَى: عَنْ نَصْرِ بْنِ طَرِيفٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حُجَيْرَةَ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَلْحِقُوا الْمَالَ بِالْفَرَائِضِ، فَمَا أَبْقَتِ
365
الْفَرَائِضُ، فَأَوْلُ رَحِمٍ ذَكَرٍ)). ﴿وَالَّذِينَ عاقدت أَيْمَانكُم فآتوهم نصِيبهم﴾ تَفْسِير قَتَادَة قَالَ: كَانَ الرجل يعاقد الرجل فِي الْجَاهِلِيَّة؛ فَيَقُول: دمي دمك، وترثني وأرثك، تُطلب بِي وأُطلب بك، فَجعل لَهُ السُّدس من جَمِيع المَال، ثُمَّ يقسم أهل الْمِيرَاث ميراثهم، ثُمَّ نسخ ذَلِكَ بَعد فِي الْأَنْفَال فَقَالَ: ﴿وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْض فِي كتاب الله﴾ فَصَارَت الْمَوَارِيث لِذَوي الْأَرْحَام. [آيَة ٣٤ - ٣٥]
366
﴿الرِّجَال قوامون على النِّسَاء﴾ أَي: مسلطون على أدب النِّسَاء، وَالْأَخْذ على أَيْدِيهنَّ.
قَالَ قَتَادَة: ذكر [لنا] أَن رجلا لطم امْرَأَته على عهد نَبِيَّ الله، فَأَتَت الْمَرْأَة نَبِيَّ الله، فَأَرَادَ نَبِيَّ الله أَن يَقُصَّهَا مِنْهُ فَأنْزل الله: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ
366
عَلَى النِّسَاءِ) ﴿﴾ (بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعضهم على بعض} جعل شَهَادَة امْرَأتَيْنِ شَهَادَة رجل وَاحِد، وفضلوا فِي الْمِيرَاث ﴿وَبِمَا أَنْفقُوا من أَمْوَالهم﴾ يَعْنِي: الصَّدقَات ﴿فالصالحات﴾ يَعْنِي: المحسنات إِلَى أَزوَاجهنَّ ﴿قَانِتَاتٌ﴾ أَي: مطيعات لِأَزْوَاجِهِنَّ ﴿حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ﴾ لغيب أَزوَاجهنَّ فِي فروجهن ﴿بِمَا حفظ الله﴾ أَي: بِحِفْظ الله إياهن. ﴿وَاللَّاتِي تخافون نشوزهن﴾ عصيانهن؛ يَعْنِي: تنشز على زَوجهَا؛ فَلَا تَدعه أَن يَغْشَاهَا ﴿فَعِظُوهُنَّ واهجروهن فِي الْمضَاجِع واضربوهن﴾ قَالَ قَتَادَة: ابدأ فعظها بالْقَوْل، فَإِن عَصَتْ فاهجرها؛ فَإِن عَصَتْ فاضربها ضربا غير شائن. ﴿فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلا﴾ تَفْسِير الْكَلْبِيّ: يَقُولُ: فَإِن أطعنكم فِي الْجِمَاع، فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلا؛ يَقُولُ: لَا تكلفوهن الْحبّ، فَإِنَّمَا جعلت الموعظة لَهُن وَالضَّرْب فِي المضجع لَيْسَ على الْحبّ، وَلَكِن على حَاجته إِلَيْهَا.
367
﴿وَإِن خِفْتُمْ﴾ ﴿علمْتُم﴾ (شقَاق بَينهمَا} قَالَ الْحسن: يَقُولُ: إِن نشزت حتَّى
367
تشاق زَوجهَا ﴿فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهله وَحكما من أَهلهَا﴾ إِذَا نشزت، وَرفع ذَلِكَ إِلَى الإِمَام، بعث الإِمَام حكما من أهل الْمَرْأَة، وَحكما من أهل الرجل يصلحان بَينهمَا، ويجمعان وَلَا يفرقان، وَينْظرَانِ من أَيْن يَأْتِي الدرء، فَإِن اصطلحا فَهُوَ أَمر الله وَإِن أَبَيَا ذَلِكَ وأبت الْمَرْأَة إِلَّا نُشُوزًا وَقفهَا الإِمَام على النُّشُوز، فَإِن افتدت من زَوجهَا، فقد حل لَهُ أَن يخلعها. ﴿إِن يريدا إصلاحا﴾ قَالَ مُجَاهِد: يَعْنِي: الْحكمَيْنِ ﴿يُوَفِّقِ الله بَينهمَا﴾ [آيَة ٣٦ - ٣٧]
368
﴿واعبدوا الله﴾ يَعْنِي: واحفظوا الله ﴿وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئا﴾ أَي: لَا تعدلوا بِهِ غَيره ﴿وبالوالدين إحسانا﴾ ﴿وَالْجَار ذِي الْقُرْبَى﴾ الَّذِي لَهُ قرَابَة ﴿وَالْجَارِ الْجُنُبِ﴾ الْأَجْنَبِيّ الَّذِي لَيست لَهُ قرَابَة. ﴿والصاحب بالجنب﴾ يَعْنِي: الرفيق فِي السّفر، فِي تَفْسِير ابْن جُبَيْر. وَقَالَ غَيره: يَعْنِي: الْمَرْأَة.
قَالَ مُحَمَّد: وَقيل: فِي الْجَار الْجنب: إِنَّه الْغَرِيب، والجنابة فِي اللُّغَة:
368
[الْبعد]: يُقَال: رجل جنب: [غَرِيب].
يَحْيَى: عَنِ الْمُعَلَّى بْنِ هِلالٍ، عَنْ مُحَرَّرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((الْجِيرَانُ ثَلاثَةٌ: جَارٌ لَهُ حَقٌّ، وَجَارٌ لَهُ حَقَّانِ، وَجَارٌ لَهُ ثَلاثَةُ حُقُوقٍ؛ فَأَمَّا الْجَارُّ الَّذِي لَهُ ثَلاثَةُ حُقُوقٍ؛ فَالْجَارُ الْمُسْلِمُ ذُو الرَّحِمِ؛ فَلَهُ حَقُّ الإِسْلامِ، وَحَقُّ الرَّحِمِ، وَحَقُّ الْجِوَارِ. وَأَمَّا الَّذِي لَهُ حَقَّانِ: فَالْجَارُ الْمُسْلِمُ؛ لَهُ حَقُّ الإِسْلامِ، وَحَقُّ الْجِوَارِ، وَأَمَّا الَّذِي لَهُ حَقٌّ وَاحِدٌ: فَالْجَارُ الْمُشْرِكُ؛ لَهُ حَقُّ الْجوَار)).
369
قَوْله: ﴿وَابْن السَّبِيل﴾ يَعْنِي: الضَّيْفَ.
يَحْيَى: عَنْ عُثْمَانِ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ؛ جَائِزَتُهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، وَالضِّيَافَةُ: ثَلاثَةُ أَيَّامٍ، وَمَا سِوَى ذَلِكَ، فَهُوَ صَدَقَةٌ)).
قَوْله: ﴿وَمَا ملكت أَيْمَانكُم﴾. (ل ٦٥) يَحْيَى: عَنْ عُثْمَانَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ صَالِحٍ أَبِي الْخَلِيلِ، عَنْ سَفِينَةَ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ: ((أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ آخِرُ قَوْلِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ: الصَّلاةَ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ، حَتَّى جَعَلَ [يُلَجْلِجُهَا] فِي صَدْرِهِ، وَمَا يَفِيضُ بِهِ لِسَانُهُ)).
370
يَحْيَى: عَنْ أَبِي الأَشْهَبِ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((الْمَمْلُوكُ أَخُوكَ، فَإِنْ عَجَزَ فَجُدْ مَعَهُ، مَنْ رَضِيَ مَمْلُوكَهُ فَلْيُمْسِكْهُ، وَمَنْ كَرِهَهُ فَلْيَبِعْهُ،
371
وَلا تُعَذِّبُوا خَلْقَ اللَّهِ)).
قَالَ مُحَمَّد: قَوْله فِي أول الْآيَة: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئا وبالوالدين إحسانا﴾ الْمَعْنى: أوصاكم الله بِعِبَادَتِهِ، وأوصاكم بالوالدين إحسانا، وَكَذَلِكَ جَمِيع مَا ذكر الله فِي هَذِهِ الْآيَة، الْمَعْنى: أَحْسنُوا إِلَى هَؤُلاءِ كلهم.
قَوْله: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ من كَانَ مختالا فخورا﴾
قَالَ مُحَمَّد: المختال: يَعْنِي: التَّيَّاه الجهول.
372
﴿الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضله﴾ قَالَ الحَسَن: هم الْيَهُود؛ منعُوا حُقُوق الله فِي أَمْوَالهم، وكتموا مُحَمَّدًا؛ وهم يعلمُونَ أَنَّهُ رَسُول الله. [آيَة ٣٨ - ٤٢]
﴿وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخر﴾.
قَالَ بَعضهم: هم المُنَافِقُونَ.
372
﴿وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا﴾ [صاحبا] ﴿فسَاء قرينا﴾ فبئس القرين.
قَالَ مُحَمَّد: ﴿سَاءَ قرينا﴾ مَنْصُوب على التَّفْسِير.
373
﴿وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ الله﴾ يَعْنِي: الزَّكَاة الْوَاجِبَة ﴿وَكَانَ اللَّهُ بهم عليما﴾ أَي: عليما بِأَنَّهُم مشركون.
قَالَ مُحَمَّد: قَوْله ﴿وماذا عَلَيْهِم﴾ الْمَعْنى: أَي شَيْء عَلَيْهِم؟.
﴿إِن الله لَا يظلم﴾ لَا ينقص ﴿مِثْقَال ذرة﴾ أَي: وزن ذرة.
قَالَ مُحَمَّد: يُقَال: هَذَا على مِثْقَال هَذَا؛ أَي: على وَزنه. ﴿وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ﴾ ويعط من عِنْده.
قَالَ مُحَمَّد: من قَرَأَ ﴿حَسَنَةٌ﴾ بِالرَّفْع، فَالْمَعْنى: وَإِن تحدث حَسَنَة.
﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أمة بِشَهِيد﴾ يَعْنِي: يَوْم الْقِيَامَة يشْهد على قومه؛ أَنه قد بَلغهُمْ.
قَالَ مُحَمَّد: الْمَعْنى: فَكيف تكون حَالهم؟! وَهَذَا من الِاخْتِصَار. ﴿وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ﴾ أَي: جحدوه ﴿لَو تسوى بهم الأَرْض﴾ قَالَ قَتَادَة: يَعْنِي: لَو ساخوا فِيهَا.
373
﴿وَلَا يكتمون الله حَدِيثا﴾ تَفْسِير ابْن عَبَّاس: يَعْنِي بِهَذَا: جوارحهم. [آيَة ٤٣ - ٤٤]
374
﴿ يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول ﴾ أي جحدوه ﴿ لو تسوى بهم الأرض ﴾ قال قتادة : يعني لو ساخوا فيها
﴿ ولا يكتمون الله حديثا ﴾ تفسير ابن عباس : يعني بهذا جوارحهم.
﴿يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُم سكارى﴾ قَدْ مَضَى تَفْسِيرُهُ فِي سُورَةِ الْبَقَرَة فِي تَفْسِير: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخمر وَالْميسر﴾
قَوْله: ﴿وَلا جُنُبًا إِلا عَابِرِي سَبِيل حَتَّى تغتسلوا﴾ تَفْسِير ابْن عَبَّاس: هُوَ الْمُسَافِر إِن لم يجد المَاء تيَمّم وَصلى ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُم من الْغَائِط﴾ قَالَ مُحَمَّد: الْغَائِط: الْحَدث، وأصل الْغَائِط: الْمَكَان المطمئن من الأَرْض؛ فَكَانُوا إِذَا أَرَادوا قَضَاء الْحَاجة، أَتَوا غائطا من الأَرْض، فَفَعَلُوا ذَلِك فِيهِ، فكنى عَن الحَدِيث بالغائط.
وقولُه: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى﴾ فِيهِ إِضْمَار: لَا تَسْتَطِيعُونَ [قرب] المَاء من الْعلَّة؛ ذكره إِسْمَاعِيل بْن إِسْحَاق.
374
﴿أَو لامستم النِّسَاء﴾ الْمُلَامسَة فِي قَول عَليّ وَابْن عَبَّاس وَالْحسن: الْجِمَاع، وَكَانَ ابْن مَسْعُود يَقُولُ: هُوَ الْمس بِالْيَدِ، وَيرى مِنْهُ الْوضُوء. ﴿فَتَيَمَّمُوا صَعِيدا طيبا﴾ أَي: تعمدوا تُرَابا نظيفا. ﴿فَامْسَحُوا بوجوهكم وَأَيْدِيكُمْ﴾.
يَحْيَى: عَنِ الْمَعَلَّى، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيِّ، عَنْ نَاجِيَةَ بْنِ كَعْبٍ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ قَالَ: ((أَجْنَبْتُ وَأَنَا فِي الإِبِلِ فَتَمَعَّكْتُ فِي الرَّمْلِ؛ كَمَا تَتَمَعَّكُ الدَّابَّة، ثمَّ أتيت النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام وَقَدْ دَخَلَ الرَّمْلُ فِي رَأْسِي وَلِحْيَتِي فَأَخْبَرْتُهُ. فَقَالَ: إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ التَّيَمُّمُ. ثُمَّ ضَرَبَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَام بكفيه (ل ٦٦) جَمِيعًا التُّرَابَ، ثُمَّ نَفَضَهُمَا، ثُمَّ مَسَحَ بِوَجْهِهِ وَكَفَّيْهِ مَرَّةً وَاحِدَةً. ثُمَّ قَالَ: كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَصْنَعَ هَكَذَا)) وَبِهِ يَأْخُذُ يَحْيَى.
375
يَحْيَى: عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الْجَرِيحُ وَالْمَجْدُورُ وَالْمَقْرُوحُ؛ إِذَا خَشِيَ عَلَى نَفْسِهِ، تَيَمَّمَ.
376
﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبا من الْكتاب﴾ يَعْنِي: الْيَهُود ﴿يشْتَرونَ الضَّلَالَة﴾ أَي: يختارون ﴿وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيل﴾ يَعْنِي: طَرِيق الْهدى [آيَة ٤٥ - ٤٧]
﴿يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن موَاضعه﴾ قَالَ الْحسن: حرفوا كَلَام الله؛ وَهُوَ الَّذِي وضعُوا من قِبَلِ أنفسهم من الْكتاب، ثُمَّ ادعوا أَنَّهُ من كتاب الله ﴿وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ﴾ تَفْسِير الحَسَن: غير مسمع منا مَا تحب.
قَالَ مُحَمَّد: قيل فِي قَوْله: ﴿غير مسمع﴾: كَانُوا يَقُولُونَهُ سرا فِي أنفسهم. ﴿وراعنا ليا بألسنتهم﴾ قد مضى تَفْسِير ﴿رَاعنا﴾ فِي سُورَةِ الْبَقْرَةِ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: ﴿ليا﴾ أَصله: لَوْيًا؛ وَلَكِن الْوَاو أدغمت فِي الْيَاء؛ وَمَعْنَاهُ: التحريف؛ أَي: يحرفُونَ [رَاعنا إِلَى مَا] فِي قُلُوبهم من السب والطعن
377
عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم ﴿وطعنا فِي الدّين﴾ فِي الْإِسْلَام. ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سمعنَا وأطعنا واسمع وانظرنا﴾ حَتَّى نتفهم. ﴿لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وأقوم﴾ لأمرهم ﴿وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤمنُونَ إِلَّا قَلِيلا﴾ قَالَ قَتَادَة: قَلَّ من آمن من الْيَهُود.
378
﴿يَا أَيهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قبل أَن نطمس وُجُوهًا فنزدها على أدبارها﴾ قَالَ قَتَادَة: يَعْنِي: من قِبَل أقفائها ﴿أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَاب السبت﴾ مسخ أَصْحَاب السبت قردة ﴿وَكَانَ أَمر الله مَفْعُولا﴾ أَي: إِذا أَرَادَ الله أمرا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ: كُنْ فَيَكُونُ. [آيَة ٤٨ - ٥٢]
﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرك بِهِ﴾ أَي: يعدل بِهِ غَيره ﴿وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾
يَحْيَى: عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: ((سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْمُوجِبَتَيْنِ؛ فَقَالَ: مَنْ مَاتَ (لَا) يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا
378
دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ مَاتَ يُشْرِكُ بِاللَّه شَيْئا دخل النَّار)).
379
﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أنفسهم﴾ تَفْسِير قَتَادَة: هم الْيَهُود زكوا أنفسهم بِأَمْر لم يبلغوه؛ قَالُوا: نَحْنُ أَبنَاء الله وأحباؤه ﴿بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلا يظْلمُونَ ينقصُونَ (فتيلاً﴾ الفتيل: مَا كَانَ فِي بطن النواة من لحائها.
﴿انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِب﴾ أَي: يختلقونه ﴿وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُبينًا﴾ ﴿بَينا﴾
﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ والطاغوت﴾ قَالَ مُجَاهِد: الجبت: الكاهن، والطاغوت: الشَّيْطَان. ﴿وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلا﴾ قَالَ الْكَلْبِيّ: هُمْ قوم من الْيَهُود أَتَوا مَكَّة فسألتهم قُرَيْش وأناس من غطفان؛ فَقَالَت قُرَيْش: نَحن نعمر هَذَا الْمَسْجِد، ونحجب هَذَا الْبَيْت، ونسقي الْحَاج؛ أفنحن أمثل أم مُحَمَّد وَأَصْحَابه؟ فَقَالَت الْيَهُود: بل أَنْتُم أمثل. فَقَالَ عُيَيْنَة بْن حصن وَأَصْحَابه الَّذِينَ مَعَه. أما قُرَيْش فقد عدوا مَا فيهم ففضلوا على مُحَمَّد وَأَصْحَابه. فناشدوهم أَنَحْنُ أهْدى أم مُحَمَّد وَأَصْحَابه؟ فَقَالُوا: لَا وَالله، بل أَنْتُم أهْدى؛
فَقَالَ الله: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ الله﴾ الْآيَة.
قَالَ مُحَمَّد: يَقُولُ: أُولَئِكَ الَّذِينَ باعدهم الله من رَحمته، واللعنة أَصْلهَا:
379
المباعدة. [آيَة ٥٣ - ٥٧]
380
﴿أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا﴾ النقير: النقرة تكون فِي ظهر النواة.
قَالَ مُحَمَّد: الْمَعْنى: أَنهم لَو أعْطوا الْملك، مَا أعْطوا النَّاس مِنْهُ النقير؛ والنقير هَا هُنَا تَمْثِيل.
﴿أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُم الله من فَضله﴾ قَالَ الْكَلْبِيّ: النَّاس فِي هَذِهِ الْآيَة: النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم؛ قَالَت الْيَهُود: (ل ٦٧) انْظُرُوا إِلَى هَذَا الَّذِي [لَا يشْبع] من الطَّعَام، [وَلَا] وَالله مَا لَهُ هم إِلَّا النِّسَاء حسدوه لِكَثْرَة نِسَائِهِ وعابوه بذلك؛ فَقَالُوا: لَو كَانَ نَبيا مَا رغب فِي كَثْرَة النِّسَاء؛ فأكذبهم الله، فَقَالَ: (فَقَدْ آتَيْنَا آلَ
380
إِبْرَاهِيم الْكتاب وَالْحكمَة} يَعْنِي: النُّبُوَّة ﴿وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا﴾ فسليمان بْن دَاوُد من آل إِبْرَاهِيم، وَقد كَانَ عِنْد سُلَيْمَان ألف امْرَأَة، وَعند دَاوُد مائَة امْرَأَة، فَكيف يحسدونك يَا مُحَمَّد على تسع نسْوَة؟!
381
﴿فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ من صد عَنهُ﴾ قَالَ مُجَاهِد: يَعْنِي: الْيَهُود مِنْهُم من آمن بِمَا أنزل على مُحَمَّد، وَمِنْهُم من صد عَنْهُ؛ يَعْنِي: جحد بِهِ ﴿وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سعيراً﴾ لمن صد عَنهُ.
﴿كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيرهَا﴾
قَالَ يحيى: بلغنَا أَنَّهَا تَأْكُل كل شَيْء حتَّى تَنْتَهِي إِلَى الْفُؤَاد؛ فَيَصِيح الْفُؤَاد فَلَا يُرِيد الله أَن تَأْكُل أفئدتهم؛ فَإِذا لم تَجِد شَيْئا تتَعَلَّق بِهِ مِنْهُم، خبت - أَي: سكنت - ثُمَّ يعادون خلقا جَدِيدا؛ فتأكلهم كلما أُعِيد خلقهمْ.
وَقَوله: ﴿وندخلهم ظلا ظليلاً﴾ قَالَ الْحسن: يَعْنِي: دَائِما. [آيَة ٥٨ - ٥٩]
﴿أَنْ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهلهَا﴾ الْآيَة. ((لما فتح رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ، دَعَا عُثْمَان بْن طَلْحَة، فَقَالَ: أرنا الْمِفْتَاح، فَلَمَّا أَتَاهُ بِهِ قَالَ عَبَّاس. يَا رَسُول الله اجمعه لي مَعَ السِّقَايَة. فَكف عُثْمَان يَده؛ مَخَافَة أَن يَدْفَعهُ إِلَى الْعَبَّاس؛ فَقَالَ رَسُول الله: يَا عُثْمَان، إِن كنت تؤمن
381
بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر فأرنا الْمِفْتَاح، فَقَالَ: هاك فِي أَمَانَة الله؛ فَأَخذه رَسُول الله، فَفتح بَاب الْكَعْبَة، ثُمَّ دخل فأفسد مَا كَانَ فِي الْبَيْت من التماثيل، وَأخرج مقَام إِبْرَاهِيم فَوَضعه، حَيْثُ وَضعه، ثُمَّ طَاف بِالْكَعْبَةِ مرّة أَو مرَّتَيْنِ، وَنزل عَلَيْهِ جِبْرِيل يَأْمُرهُ برد الْمِفْتَاح إِلَى أَهله، فَدَعَا عُثْمَان، فَقَالَ: هاك الْمِفْتَاح؛ إِن الله يَقُولُ: وأدوا الْأَمَانَات إِلَى أَهلهَا. وَقَرَأَ الْآيَة كلهَا)).
382
﴿يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُول وأولي الْأَمر مِنْكُم﴾ قَالَ الْكَلْبِيّ: هُمْ أُمَرَاء السَّرَايَا ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى الله وَالرَّسُول﴾ قَالَ قَتَادَة: يَعْنِي: إِلَى كتاب الله وَسنة رَسُوله ﴿ذَلِكَ خَيْرٌ وَأحسن تَأْوِيلا﴾ يَعْنِي: عَاقِبَة فِي الْآخِرَة. [آيَة ٦٠ - ٦٣]
﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يتحاكموا إِلَى الطاغوت﴾ إِلَى قَوْله: ﴿يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا﴾ قَالَ الْكَلْبِيّ: إِن رجلا من الْمُنَافِقين كَانَ بَينه وَبَين رجل من الْيَهُود خُصُومَة؛
382
فَقَالَ الْيَهُودِيّ: انْطلق بِنَا إِلَى مُحَمَّد نَخْتَصِم إِلَيْهِ. وَقَالَ الْمُنَافِق: بل إِلَى كَعْب ابْن الْأَشْرَف؛ وَهُوَ الطاغوت هَا هُنَا.
قَالَ الْكَلْبِيّ: فَأبى الْمُنَافِق أَن يخاصمه إِلَى النَّبي، وأبى الْيَهُودِيّ إِلَّا أَن يخاصمه إِلَى النَّبي؛ فاختصما إِلَى النَّبي، فقضي لِلْيَهُودِيِّ، فَلَمَّا خرجا من عِنْده، قَالَ الْمُنَافِق: انْطلق بِنَا إِلَى عُمَر بْن الخَطَّاب أخاصمك إِلَيْهِ، فَأقبل مَعْهُ الْيَهُودِيّ؛ فدخلا على عمر، فَقَالَ لَهُ الْيَهُودِيّ: يَا عُمَر إِنِّي اختصمت أَنَا وَهَذَا الرجل إِلَى مُحَمَّد؛ فَقضى لي عَلَيْهِ، فَلم يرض هَذَا بِقَضَائِهِ، وَزعم أَنَّهُ يخاصمني إِلَيْك، فَقَالَ عُمَر لِلْمُنَافِقِ: أَكَذَلِك؟ قَالَ: نعم، فَقَالَ: رويدكما؛ حتَّى أخرج إلَيْكُمَا؛ فَدخل الْبَيْت فَاشْتَمَلَ على السَّيْف، ثُمَّ خرج إِلَى الْمُنَافِق فَضَربهُ حتَّى برد.
383
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٦٠:﴿ ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت ﴾ إلى قوله :﴿ يصدون عنك صدودا ﴾ قال الكلبي : إن رجلا من المنافقين كان بينه وبين رجل من اليهود خصومة، فقال اليهودي : انطلق بنا إلى محمد نختصم إليه، وقال المنافق : بل إلى كعب ابن الأشرف، وهو الطاغوت ها هنا، قال الكلبي : فأبى المنافق أن يخاصمه إلى النبي، وأبى اليهودي إلا أن يخاصمه إلى النبي، فاختصما إلى النبي، فقضى لليهودي، فلما خرجا من عنده، قال المنافق : انطلق بنا إلى عمر بن الخطاب أخاصمك إليه، فأقبل معه اليهودي، فدخلا على عمر، فقال له اليهودي : يا عمر، إني اختصمت أنا وهذا الرجل إلى محمد، فقضى لي عليه، فلم يرض هذا بقضائه، وزعم أنه يخاصمني إليك، فقال عمر للمنافق : أكذلك ؟ قال : نعم، فقال : رويدكما حتى أخرج إليكما، فدخل البيت فاشتمل على السيف، ثم خرج إلى المنافق فضربه حتى برد.
﴿فَكيف إِذا أَصَابَتْهُم مُصِيبَة﴾ قَالَ الْحسن: وَهَذَا كَلَام مُنْقَطع عَمَّا قبله وَعَما بعده؛ يَقُولُ: إِذا أَصَابَتْهُم؛ يَعْنِي: أَن يظهروا مَا فِي قُلُوبهم؛ فيقتلهم رَسُول الله. وَفِيه مضمار، والإضمار الَّذِي فِيهِ فَيَقُول: إِذَا أَصَابَتْهُم مُصِيبَة، لم ينجهم مِنْهَا وَلم يغثهم، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْكَلَام الأول. إِلَى قَوْله: ﴿يصدون عَنْك صدودا﴾ (ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أردنَا إِلَّا إحساناً وتوفيقاً} أَي: إِن أردنَا إِلَّا الْخَيْر.
قَالَ الله: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ﴾ مِنَ الشّرك والنفاق
383
﴿فَأَعْرض عَنْهُم﴾ فَلَا تقتلهم (ل ٦٨) مَا جعلُوا يظهرون الْإِيمَان ﴿وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلا بليغا﴾ يَقُولُ لَهُم: إِن أظهرتم مَا فِي قُلُوبكُمْ قتلتكم. [آيَة ٦٤ - ٦٥]
384
﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا ليطاع بِإِذن الله﴾ قَالَ مُجَاهِد: وَاجِب للرسل أَن يطاعوا، وَلَا يطيعهم أحد إِلَّا بِإِذن الله.
﴿فَلا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوك فِيمَا شجر بَينهم﴾ أَي: اخْتلفُوا فِيهِ ﴿ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قضيت﴾ قَالَ مُجَاهِد: يَعْنِي: شكا. [آيَة ٦٦ - ٧٠]
﴿وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلا قَلِيلٌ مِنْهُم﴾ قَالَ الْكَلْبِيّ: كَانَ رجال من الْمُؤمنِينَ وَرِجَال من الْيَهُود [جلوساٍ فَقَالَت الْيَهُود: لقد استتابنا الله من أَمر فتبنا إِلَيْهِ مِنْهُ، وَمَا كَانَ ليفعله أحد غَيرنَا [قتلنَا] أَنْفُسنَا فِي طَاعَة الله حتَّى رَضِي عَنَّا، فَقَالَ ثَابت بن
384
قيس بْن شماس: إِن الله يعلم لَو أمرنَا مُحَمَّد أَن نقْتل أَنْفُسنَا لقتلت نَفسِي، فَأنْزل الله: ﴿وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلا قَلِيل مِنْهُم﴾.
قَالَ مُحَمَّد: من قَرَأَ ﴿إِلا قَلِيلٌ﴾ فَالْمَعْنى: مَا فعله إِلَّا قَلِيل. ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ﴾ فِي الْعَاقِبَة. ﴿وَأَشد تثبيتا﴾ فِي الْعِصْمَة والمنعة من الشَّيْطَان.
385
﴿وَإِذا لآتيناهم من لدنا﴾ ﴿من عندنَا﴾ (أجرا عَظِيما} يَعْنِي: الْجنَّة.
﴿وَمَنْ يُطِعِ الله وَالرَّسُول﴾ الْآيَة.
تَفْسِير قَتَادَة: ذكر لنا أَن رجَالًا قَالُوا: هَذَا نَبِي الله نرَاهُ فِي الدُّنْيَا، فَأَما فِي الْآخِرَة فيرفع بفضله فَلَا نرَاهُ؛ فَأنْزل الله هَذِهِ الْآيَة. [آيَة ٧١ - ٧٤]
﴿ ومن يطع الله والرسول ﴾ الآية، تفسير قتادة : ذكر لنا أن رجالا قالوا : هذا نبي الله نراه في الدنيا، فأما في الآخرة فيرفع بفضله فلا نراه، فأنزل الله هذه الآية١.
١ أخرجه الطبري في تفسيره (٤/١٦٧، ح ٩٩٣١)..
﴿فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا﴾ الثَّبَات: السَّرَايَا، والجميع: الزَّحْف.
385
قَالَ مُحَمَّد: الثَّبَات: الْجَمَاعَات المفترقة، وَاحِدهَا: ثبة.
386
﴿وَإِن مِنْكُم لمن ليبطئن﴾ عَنِ الْغَزْو وَالْجهَاد، فِي تَفْسِير الْحسن.
قَالَ مُحَمَّد: ﴿ليبطئن﴾ مَعْنَاهُ: يتَأَخَّر؛ يُقَال: أَبْطَأَ الرجل؛ إِذا تَأَخّر، وبطؤ إِذَا ثقل. ﴿فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ﴾ أَي: نكبة ﴿قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهم شَهِيدا﴾ حَاضرا
﴿وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ﴾ يَعْنِي: الْغَنِيمَة ﴿لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ يكن بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ أَي: أصبت من الْغَنِيمَة؛ وَهَؤُلَاء المُنَافِقُونَ.
وَقَوله: ﴿كَأَن لم يكن بَيْنكُم وَبَينه مَوَدَّة﴾ فِيمَا يظْهر.
قَالَ مُحَمَّد: ﴿فَأَفُوزَ﴾ مَنْصُوب؛ على جَوَاب التَّمَنِّي بِالْفَاءِ.
﴿فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يشرون الْحَيَاة الدُّنْيَا بِالآخِرَة﴾ أَي: يبيعون. [آيَة ٧٥]
386

[آيَة ٧٦]

387
﴿وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيل الله وَالْمُسْتَضْعَفِينَ﴾ قَالَ الْحسن: يَعْنِي: وَعَن الْمُسْتَضْعَفِينَ من أهل مَكَّة من الْمُسلمين. ﴿الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِه الْقرْيَة الظَّالِم أَهلهَا﴾ وهم مشركو أهل مَكَّة.
قَالَ مُحَمَّد: ﴿الظَّالِم أَهلهَا﴾ نعت للقرية. ﴿وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْك﴾ من عنْدك ﴿وَلِيًّا﴾
﴿الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الله﴾ أَي: فِي طَاعَة الله ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ﴾ الشَّيْطَان ﴿فَقَاتلُوا أَوْلِيَاء الشَّيْطَان﴾ وهم الْمُشْركُونَ ﴿إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفا﴾ أخْبرهُم أَنَّهُم يظهرون عَلَيْهِم؛ فِي تَفْسِير الْحسن. [آيَة ٧٧ - ٧٨]
387

[آيَة ٧٩]

388
﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُم كفوا أَيْدِيكُم﴾ الْآيَة. قَالَ الْكَلْبِيّ: كَانُوا مَعَ النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ قبل أَن يُهَاجر إِلَى الْمَدِينَة، وَكَانُوا يلقون من الْمُشْركين أَذَى كثيرا؛ فَقَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَلا تَأذن لنا فِي قتال (هَؤُلاءِ الْقَوْم)؛ فَإِنَّهُم قد آونا؟ فَقَالَ لَهُم رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ؛ فَإِنِّي لَمْ أُؤْمَرْ بِقِتَالِهِمْ)) فَلَمَّا هَاجر رَسُول الله عَلَيْهِ السَّلَام و [سَار] ِإلى بدر عرفُوا أَنَّهُ الْقِتَال كَرهُوا، أَو بَعضهم.
(ل ٦٩) قَالَ الله: ﴿فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ علينا الْقِتَال لَوْلَا﴾ هلا ﴿أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ﴾ إِلَى الْمَوْت.
قَالَ الله للنَّبِي: ﴿قل مَتَاع الدُّنْيَا قَلِيل﴾ أَي: إِنَّكُم على كل حَال ميتون، وَالْقَتْل خير لكم.
ثُمَّ أخْبرهُم - ليعزيهم ويصبرهم - فَقَالَ: ﴿أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُم فِي بروج مشيدة﴾ قَالَ قَتَادَة: يَعْنِي: فِي قُصُور مُحصنَة.
قَالَ الحَسَن: ثُمَّ ذكر الْمُنَافِقين خَاصَّة فَقَالَ: ﴿وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَة﴾ النَّصْر وَالْغنيمَة ﴿يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ﴾ نكبة من الْعَدو ﴿يَقُولُوا هَذِهِ من عنْدك﴾ أَي: إنَّمَا أَصَابَنَا هَذَا عُقُوبَة مذ خرجت فِينَا؛ يتشاءمون بِهِ. ﴿قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾ النَّصْر على الْأَعْدَاء والنكبة. ﴿فَمَا لهَؤُلَاء الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا﴾
﴿مَا أَصَابَك من حَسَنَة﴾
388
[فظهرت بهَا على الْمُشْركين] ﴿فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ﴾ من نكبة نكبوا بهَا يَوْم أحد ﴿فَمن نَفسك﴾ أَي: بِذُنُوبِهِمْ، وَكَانَت عُقُوبَة من الله؛ بمعصيتهم رَسُول الله؛ حَيْثُ اتبعُوا المدبرين. [آيَة ٨٠ - ٨٢]
389
﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ الله وَمن تولى﴾ كفر ﴿فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا﴾ تحفظ عَلَيْهِم أَعْمَالهم؛ حَتَّى تجزيهم بهَا.
﴿وَيَقُولُونَ طَاعَة﴾ يَعْنِي بِهِ: الْمُنَافِقين؛ يَقُولُونَ ذَلِكَ لرَسُول الله عَلَيْهِ السَّلَام.
قَالَ مُحَمَّد: وَارْتَفَعت ﴿طَاعَة﴾ بِمَعْنى: أمرنَا طَاعَة. ﴿فَإِذَا بَرَزُوا﴾ خَرجُوا ﴿مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُم﴾ قَالَ قَتَادَة: يَعْنِي غيرت طَائِفَة مِنْهُمْ ﴿غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يكْتب مَا يبيتُونَ﴾ أَي: يغيرون
قَالَ مُحَمَّد: قِيلَ: الْمَعْنى: قَالُوا وقدروا لَيْلًا غير [مَا أتوك] نَهَارا، وَالْعرب تَقُولُ لكل مَا فُكِّر فِيهِ، أَو خِيضَ بلَيْل: قد بَيت، وَمن هَذَا قَول الشَّاعِر:
389
قَوْله: ﴿فَأَعْرض عَنْهُم﴾ لَا تقتلهم، وَلَا تحكم عَلَيْهِم أَحْكَام الْمُشْركين؛ مَا كَانُوا إِذا لقوك أعطوك الطَّاعَة، وَلم يظهروا الشّرك. ﴿وتوكل على الله﴾ فَإِنَّهُ سيكفيكهم ﴿وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلا﴾ لمن توكل عَلَيْهِ.
390
﴿أَفلا يتدبرون الْقُرْآن﴾ يَقُولُ: لَو تدبروه، لم ينافقوا ولآمنوا. ﴿وَلَو كَانَ﴾ هَذَا الْقُرْآن ﴿مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا﴾ تَفْسِير قَتَادَة: قَول الله لَا يخْتَلف هُوَ حق لَيْسَ فِيهِ بَاطِل، وَإِن قَول النَّاس يخْتَلف. [آيَة ٨٣ - ٨٤]
﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَو الْخَوْف أذاعوا بِهِ﴾
قَالَ قَتَادَة: إِذا جَاءَهُم أَمر من الْأَمْن - أَي: من أَن إخْوَانهمْ آمنون ظاهرون - أَو الْخَوْف - يَعْنِي: الْقَتْل والهزيمة - أذاعوا بِهِ؛ أَي: أفشوه. ﴿وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أولي الْأَمر مِنْهُم﴾ أولي الْعلم مِنْهُم. ﴿لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يستنبطونه مِنْهُم﴾ الَّذِينَ يفحصون عَنهُ، ويهمهم ذَلِكَ، يَقُولُ: إِذَا كَانُوا أعلم بِموضع الشُّكْر فِي النَّصْر والأمن، وَأعلم بالمكيدة فِي الْحَرْب.
390
﴿وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتبعتم الشَّيْطَان إِلَّا قَلِيلا﴾ فضل الله الْإِسْلَام، وَرَحمته الْقُرْآن.
قَالَ يحيى: قَوْله: ﴿لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلا﴾ فِيهِ تَقْدِيم وَتَأْخِير؛ يَقُولُ: لعلمه الَّذين يستنبطونه مِنْهُم إِلَّا قَلِيلا وَلَوْلَا فضل الله عَلَيْكُم وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ [إِلا قَلِيلا].
قَالَ مُحَمَّد: قِيلَ: إِن هَذِهِ الْآيَة نزلت فِي جمَاعَة من الْمُنَافِقين، وضعفة من الْمُسلمين؛ كَانُوا إِذا أعلم النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنَّهُ ظَاهر على قوم، أَو إِذَا تجمع قوم يخَاف من جمع مثلهم - أذاع ذَلِكَ المُنَافِقُونَ؛ ليحذر من يحبونَ أَن يحذر من الْكفَّار، وليقوى قلب من يحبونَ أَن يقوى قلبه، وَكَانَ ضعفة الْمُسلمين يشيعون ذَلِكَ مَعَهم من غير علم مِنْهُم بِالضَّرَرِ فِي ذَلِكَ؛ فَقَالَ الله: ﴿وَلَوْ ردُّوهُ إِلَى الرَّسُول﴾ الْآيَة.
391
﴿فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تكلّف إِلَّا نَفسك وحرض﴾ (ل ٧٠) أَي: أخْبرهُم بِحسن ثَوَاب الله فِي الْآخِرَة للشهداء. ﴿عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ وَعَسَى من الله وَاجِبَة ﴿وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسا﴾ عذَابا ﴿وَأَشد تنكيلا﴾ عُقُوبَة. [آيَة ٨٥ - ٨٦]
﴿مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نصيب مِنْهَا﴾ أَي: حَظّ (وَمَنْ يَشْفَعْ
391
شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا} أَي: إِثْم.
قَالَ الْحسن: (والشفاعة الْحَسَنَة مَا يجوز} فِي الدّين أَن يشفع فِيهِ، (والشفاعة السَّيئَة مَا يحرم فِي الدّين أَن يشفع فِيهِ). ﴿وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كل شَيْء مقيتاً﴾ أَي: مقتدرا؛ فِي تَفْسِير الْكَلْبِيّ.
قَالَ مُحَمَّد: وَأنْشد بَعضهم:
(أَتَوْنِي فَلم أَرض مَا بيتوا وَكَانُوا أَتَوْنِي لأمر نكر)
392
قَوْله: ﴿وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَن مِنْهَا أَو ردوهَا﴾ التَّحِيَّة: السَّلَام، وَمعنى: ﴿أحسن مِنْهَا﴾ إِذَا قَالَ الرجل: السَّلام عَلَيْكُم، رد عَلَيْهِ: السَّلام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله، وَإِذا قَالَ: السَّلام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله رد عَلَيْهِ: السَّلام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته.
وَمعنى: ﴿أَو ردوهَا﴾ أَي: ردوا عَلَيْهِ مثل مَا يسلم؛ وَهَذَا إِذا سلم عَلَيْك الْمُسلم. ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كل شَيْء حسيباً﴾ قَالَ مُحَمَّد: يَعْنِي: محاسبا؛ فِي قَول بَعضهم. [آيَة ٨٧]
392

[آيَة ٨٧ - ٩١]

393
﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا ريب فِيهِ﴾ لَا شكّ فِيهِ ﴿وَمَنْ أَصْدَقُ من الله حَدِيثا﴾ أَي: لَا أحد أصدق مِنْهُ.
﴿فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ﴾ قَالَ مُحَمَّد: ﴿فئتين﴾ نصب على الْحَال الْمَعْنى: أَي شَيْء لكم فِي الِاخْتِلَاف فِي أَمرهم؟ ﴿وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا﴾ هُمْ قوم من الْمُنَافِقين كَانُوا بِالْمَدِينَةِ؛ فَخَرجُوا مِنْهَا إِلَى مَكَّة، ثُمَّ خَرجُوا من مَكَّة إِلَى الْيَمَامَة تجارًا فَارْتَدُّوا عَنِ الْإِسْلَام، وأظهروا مَا فِي قُلُوبهم من الشّرك، فَلَقِيَهُمْ الْمُسلمُونَ، فَكَانُوا فيهم (فئتين - أَي:)) فرْقَتَيْن - فَقَالَ بَعضهم: قد حلت دِمَاؤُهُمْ؛ هُمْ مشركون مرتدون،
393
وَقَالَ بَعضهم: لم تحل دِمَاؤُهُمْ؛ هُمْ قوم عرضت لَهُم فتْنَة. فَقَالَ الله ﴿فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقين فئتين﴾ وَلَيْسَ يَعْنِي: أَنهم فِي تِلْكَ الْحَال الَّتِي أظهرُوا فِيهَا الشّرك مُنَافِقُونَ، وَلكنه نسبهم إِلَى (خبثهمْ} الَّذِي كَانُوا عَلَيْهِ مِمَّا فِي قُلُوبهم من النِّفَاق، يَقُولُ: قَالَ بَعْضكُم كَذَا، وَقَالَ بَعْضكُم كَذَا؛ [هلا] كُنْتُم فيهم فِئَة [وَاحِدَة] وَلم تختلفوا فِي قَتلهمْ؟ ثُمَّ قَالَ: ﴿وَالله أركسهم بِمَا كسبوا﴾ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْ: ردهم إِلَى الشّرك بِمَا كَانَ فِي قُلُوبهم من الشَّك والنفاق. ﴿أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِد لَهُ سَبِيلا﴾
394
﴿وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فتكونون سَوَاء﴾ أَي: فِي الْكفْر شرعا سَوَاء ﴿فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُم أَوْلِيَاء﴾ أَي: لَا توالوهم. ﴿حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيل الله﴾ فيرجعوا إِلَى الدَّار الَّتِي خَرجُوا مِنْهَا؛ يَعْنِي: الْمَدِينَة ﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا﴾ وأبوا الْهِجْرَة ﴿فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾
ثُمَّ اسْتثْنِي قوما نهى عَنْ قِتَالهمْ؛ فقَالَ: ﴿إِلا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ﴾ قَالَ مُحَمَّد: يَعْنِي: إِلَّا من اتَّصل بِقوم بَيْنكُم وَبينهمْ مِيثَاق، ومعني (اتَّصل): انتسب.
قَالَ يحيى: وَهَؤُلَاء بَنو مُدْلِج كَانَ بَينهم وَبَين قُرَيْش عهد، وَكَانَ بَين رَسُول الله وقريش عهد؛ فَحرم الله من بني مُدْلِج مَا حرم من قُرَيْش؛ وَهَذَا مَنْسُوخ
394
نسخته الْآيَة ﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾. ﴿أَو جاءوكم حصرت صُدُورهمْ﴾ أَي: كارهة صُدُورُهُمْ. ﴿أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَومهمْ﴾ الْآيَة. قَالَ مُحَمَّد: وتقرأ ﴿حَصِرَةً صدروهم﴾ أَي: ضَاقَتْ؛ الْحصْر فِي اللُّغَة: الضّيق.
قَوْله: ﴿فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لكم عَلَيْهِم سَبِيلا﴾ يَعْنِي: حجَّة؛ وَهَذَا مَنْسُوخ أَيْضا؛ نسخته آيَة الْقِتَال.
395
﴿سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ ويأمنوا قَومهمْ﴾ تَفْسِير مُجَاهِد: قَالَ [هُمْ] أنَاس من أهل مَكَّة؛ كَانُوا يأْتونَ النَّبي يسلمُونَ عَلَيْهِ رِيَاء، ثُمَّ يرجعُونَ إِلَى قُرَيْش يرتكسون فِي الْأَوْثَان يَبْتَغُونَ (بركتها، أَو يأمنوا} هَا هُنَا وَهَا هُنَا؛ فَأمروا (ل ٧١) بقتالهم؛ إِن لم يعتزلوا ويصلحوا. [آيَة ٩٢]
395

[آيَة ٩٢ - ٩٣]

396
﴿وَمَا كَانَ لمُؤْمِن﴾ يَعْنِي: لَا يَنْبَغِي لمُؤْمِن ﴿أَنْ يقتل مُؤمنا إِلَّا خطئا﴾ أَي إِلَّا أَن يكون لَا يتَعَمَّد لقَتله. ﴿وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خطئا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهله﴾ يَعْنِي: أهل الْقَتِيل ﴿إِلا أَنْ يصدقُوا﴾ يَعْنِي: إِلَّا أَن يصدق أهل الْقَتِيل؛ فيتجاوزوا عَنِ الدِّيَة. ﴿فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ﴾ قَالَ الْحسن: كَانَ الرجل يسلم وَقَومه حَرْب، فيقتله رجل من الْمُسلمين خطأ - فَفِيهِ تَحْرِير رَقَبَة مُؤمنَة [وَلَا دِيَة] لِقَوْمِهِ. ﴿وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وتحرير رَقَبَة مُؤمنَة﴾ مَا كَانَ من عهد بَين الْمُسلمين وَبَين الْمُشْركين، أَو أهل الذِّمَّة؛ فَقتل رجل مِنْهُم - فَفِيهِ الدِّيَة لأوليائه، وَعتق رَقَبَة مُؤمنَة. ﴿فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابعين تَوْبَة من الله﴾ تجاوزا من الله.
قَالَ مُحَمَّد: ﴿تَوْبَة من الله﴾ الْقِرَاءَة بِالْفَتْح؛ الْمَعْنى: فعل الله ذَلِك تَوْبَة مِنْهُ.
﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّم خَالِدا﴾ الْآيَة.
قَالَ يحيى: بَلغنِي أَن عُمَر بْن الخَطَّاب قَالَ: لما أنزل الله الموجبات الَّتِي أوجب عَلَيْهَا النَّار؛ لمن عمل بهَا: وَمن يقتل مُؤمنا مُتَعَمدا (أَو أشباه) ذَلِكَ كُنَّا نبث عَلَيْهِ الشَّهَادَة حتَّى نزلت هَذِهِ الْآيَة ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِك لمن يَشَاء﴾ فَكَفَفْنَا عَنِ الشَّهَادَة.
يَحْيَى: عَنْ عَاصِمِ بْنِ حَكِيمٍ، (عَنْ خَالِدِ بن أبي كَرِيمَة، عَن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَيْسُورٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ)، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: ((لَا تُنْزِلُوا الْعَارِفِينَ الْمُحَدِّثِينَ الْجَنَّةَ وَلا النَّارَ، حَتَّى يَكُونَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي يَقْضِي فِيهِمْ يَوْم الْقِيَامَة)). [آيَة ٩٤]
﴿يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيل الله﴾ الْآيَة.
تَفْسِير قَتَادَة: هَذَا فِي شَأْن مرداس رجل من غطفان، ذكر لنا أَن نَبِيَّ الله بعث جَيْشًا عَلَيْهِم غَالب اللَّيْثِيّ إِلَى أهل فدك، وفيهَا نَاس من غطفان، وَكَانَ مرداس مِنْهُم ففر أَصْحَابه، وَقَالَ لَهُم مرداس: إِنِّي مُؤمن وَإِنِّي غير متابعكم؛ فصبحته الْخَيل غدْوَة، فَلَمَّا لقُوَّة سلم عَلَيْهِم، فَدَعَاهُ أَصْحَاب نَبِي الله؛
397
فَقَتَلُوهُ، وَأخذُوا مَا كَانَ مَعْهُ من مَتَاع؛ فَأنْزل الله ﴿يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لمن ألْقى إِلَيْكُم السّلم لست مُؤمنا﴾ لِأَن تَحِيَّة الْمُؤمنِينَ السَّلام؛ بهَا يَتَعَارَفُونَ، ويلقى بَعضهم بَعْضًا. ﴿تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِم كَثِيرَة﴾ يعطيكموها ﴿كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ﴾ أَي: ضلالا ﴿فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ﴾ بِالْإِسْلَامِ.
قَالَ مُحَمَّد: وَمن قَرَأَ: ﴿لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَمَ﴾ فَالْمَعْنى: استسلم لكم. [آيَة ٩٥ - ٩٦]
398
﴿لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيل الله بِأَمْوَالِهِمْ وأنفسهم.
يَحْيَى: عَنْ يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: ((لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: (لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ من الْمُؤمنِينَ﴾
وَلَمْ يَذْكُرِ الضَّرَرَ ﴿وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيل الله﴾ - جَاءَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ إِلَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛
398
فَقَالَ: أَنَا كَمَا تَرَى وَكَانَ أَعْمَى. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: ادْعُوا لِي زَيْدًا وَلْيَأْتِ بِاللَّوْحِ أَوِ الْكَتِفِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿غَيْرُ أُولِي الضَّرَر﴾.
قَالَ مُحَمَّد: الْقِرَاءَة ﴿غَيْرَ﴾ بِالْفَتْح؛ على معنى: الِاسْتِثْنَاء. ﴿فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى﴾ يَعْنِي: الْجنَّة. وَهَذِه نزلت بَعْدَمَا صَار الْجِهَاد تَطَوّعا.
قَالَ: ﴿وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً﴾ الْآيَة.
399
قَالَ مُحَمَّد: ﴿دَرَجَات﴾ نصب على الْبَدَل، من قَوْله: ﴿أجرا عَظِيما﴾
يَحْيَى: (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ مَكْحُولٍ) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: ((إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَمِائَةَ دَرَجَةٍ، بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، أَعَدَّهَا اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِهِ، وَلَوْلا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي، وَلا أَجِدُ مَا أَحْمِلُهُمْ عَلَيْهِ، (ل ٧٢) وَلا تَطِيبُ أَنْفُسُهُمْ أَنْ يَتَخَلَّفُوا بَعْدِي، مَا قَعَدْتُ خِلافَ سَرِيَّةٍ تغزوا،
399
ولوددت أَنِّي أُقْتَلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ أَحْيَا، ثُمَّ أُقْتَلَ ثُمَّ أَحْيَا ثمَّ أقتل)). [آيَة ٩٧ - ١٠١]
400
﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أنفسهم قَالُوا فيمَ كُنْتُم﴾ قَالَت لَهُم الْمَلَائِكَة: فيمَ كُنْتُم؟ ﴿قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ﴾ يَعْنِي: مقهورين فِي أَرض مَكَّة ﴿قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَة فتهاجروا فِيهَا﴾ أَي: إِلَيْهَا. تَفْسِير قَتَادَة: قَالَ: هَؤُلاءِ قوم كَانُوا بِمَكَّة تكلمُوا بِالْإِسْلَامِ؛ فَلَمَّا خرج أَبُو جهل وَأَصْحَابه، خَرجُوا مَعْهُ؛ فَقتلُوا يَوْم بدر، وَاعْتَذَرُوا [بالأعذار]، فَأبى الله أَن يقبل ذَلِك مِنْهُم،
ثُمَّ عذر الله الَّذِينَ بِمَكَّة واستثناهم، فَقَالَ: (إِلا
400
الْمُسْتَضْعَفِينَ من الرِّجَال وَالنِّسَاء والوالدان لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَة} أَي: لَا قُوَّة لَهُم فَيخْرجُونَ من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة ﴿وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلا﴾ لَا يعْرفُونَ طَرِيقا إِلَى الْمَدِينَة.
401
﴿فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُم﴾ و ﴿عَسى﴾ من الله وَاجِبَة.
﴿وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وسعة﴾ أَي: مُهَاجرا فيهاجر إِلَيْهِ.
قَالَ مُحَمَّد: المراغم وَالْمُهَاجِر وَاحِد؛ يُقَال: راغمت وَهَاجَرت، وَأَصله: أَن الرجل إِذا أسلم خرج عَنْ قومه مراغما لَهُم؛ أَي: مغاضبا مقاطعا. ﴿وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى الله وَرَسُوله﴾ الْآيَة.
يَحْيَى: عَنْ قُرَّةَ بْنِ خَالِدٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ قَالَ: ((سَمِعَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ؛ أَنَّ بَنِي كِنَانَةَ قَدْ ضَرَبَتِ الْمَلائِكَةُ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ وَقَدْ أَدْنَفَ لِلْمَوْتِ، فَقَالَ: أَخْرِجُونِي إِلَى النَّبِيِّ. فَوُجِّهَ إِلَى النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلامُ فَانْتَهَى إِلَى عَقَبَةٍ سَمَّاهَا فَتُوُفِّيَ بِهَا؛ فَأَنْزَلَ الله فِيهِ هَذِه الْآيَة)).
﴿وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ﴾ أَن يقتلكم ﴿الَّذين كفرُوا﴾ هَذَا قصر صَلَاة الْخَوْف. [آيَة ١٠٢ - ١٠٤]
401

[آيَة ١٠٢ - ١٠٤]

402
﴿وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاة﴾ قَالَ مُجَاهِد: ((إِن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام وَأَصحابه كَانُوا بعسفان، وَالْمُشْرِكُونَ بضجنان فتواقفوا فصلى النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام بِأَصْحَابِهِ الظّهْر أَرْبعا؛ ركوعهم وسجودهم وقيامهم مَعًا، فهم بهم الْمُشْركُونَ أَن (يُغيرُوا) على أمتعتهم وأثقالهم، فَأنْزل الله ﴿وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فأقمت لَهُم الصَّلَاة﴾ الْآيَة).
قَوْله: ﴿وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تضعوا أسلحتكم وخذوا حذركُمْ﴾ أَي: يضعون أسلحتهم وهم (يحذرون}.
قَالَ مُحَمَّد: ذكر يحيى سُنة صَلَاة الْخَوْف، وَنقل فِيهَا اخْتِلَافا؛ فاختصرت ذَلِكَ؛ إِذْ لَهُ مَوْضِعه من كتب الْفِقْه.
﴿فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ﴾ يَعْنِي: بِاللِّسَانِ (قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى
402
جنوبكم} تَفْسِير قَتَادَة: افْترض الله ذكره عِنْد الْقِتَال ﴿فَإِذا اطمأننتم﴾ يَعْنِي: فِي أمصاركم. ﴿فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ﴾ يَقُولُ: فَأتمُّوا الصَّلَاة ﴿إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا﴾ أَي: مَفْرُوضًا
403
﴿وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ﴾ أَي: لَا تضعفوا فِي طَلَبهمْ ﴿إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تألمون﴾ يَعْنِي: وجع الْجراح ﴿وَتَرْجُونَ مِنَ الله مَا لَا يرجون﴾ أَي: من ثَوَابه مَا لَا يَرْجُو الْمُشْركُونَ، يرغبهم بذلك فِي الْجِهَاد. [آيَة ١٠٥ - ١٠٦]
﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ الله﴾ فِي الْوَحْي ﴿وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خصيماً﴾ تَفْسِير الحَسَن: ((أَن رجلا من الْأَنْصَار سرق درعا فاتهم عَلَيْهَا حتَّى فَشَتْ القالة؛ أَنَّهُ سرق الدرْع؛ فَانْطَلق فاستودعها رجلا من الْيَهُود، ثُمَّ أَتَى قومه، فَقَالَ: ألم تروا إِلَى هَؤُلاءِ الَّذِينَ اتهموني على الدرْع؛ فوَاللَّه مَا زلت أطلب وأبحث حتَّى وَجدتهَا عِنْد فلَان الْيَهُودِيّ؛ فَأتوا الْيَهُودِيّ فوجدوا عِنْده الدرْع، (ل ٧٣) فَقَالَ: وَالله مَا سرقتها، إنَّمَا استودعنيها ثُمَّ قَالَ الْأنْصَارِيّ لِقَوْمِهِ: انْطَلقُوا إِلَى النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام فَقولُوا لَهُ، فَليخْرجْ فليعذرني، فَتسقط عني القالة، فَأتى قومه رَسُول الله فَقَالُوا: يَا رَسُول االله، اخْرُج فاعذر فلَانا، حتَّى تسْقط عَنْه القالة، فَأَرَادَ رَسُول الله أَن يفعل، فَأنْزل الله: (إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلا
403
تكن للخائنين خصيماً} أَي: أَن الْأنْصَارِيّ هُوَ سَرَقهَا؛ فَلَا تعذرنه،
404
واستغفر الله مِمَّا كنت هَمَمْت بِهِ أَن تعذره. [آيَة ١٠٧ - ١١٣]
﴿وَلا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ﴾ أَي: أَن الْأنْصَارِيّ [سَرَقهَا أَي] خانها، والأنصاري: طعمة بْن أُبَيْرِق وَكَانَ منافقاً)).
﴿يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ من الله﴾ ﴿أَي: يستحيون من النَّاس، وَلَا يستحيون من الله﴾.
404
﴿وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يرضى من القَوْل﴾ يَعْنِي: مَا قَالَ الْأنْصَارِيّ: إِن الْيَهُودِيّ سَرَقهَا.
405
ثُمَّ أقبل على قوم الْأنْصَارِيّ فَقَالَ: ﴿هَا أَنْتُم هَؤُلاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِم وَكيلا﴾ أَي: حفيظا لأعمالهم؛ فِي تَفْسِير الْحسن
(قَالَ الْحسن): ثُمَّ استتابه الله، فَقَالَ: ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفسه﴾ إِلَى قَوْله: ﴿عَلِيمًا حَكِيمًا﴾.
﴿وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثمَّ يرم بِهِ بَرِيئًا﴾ أَي: [مَا رمي بِهِ] الْيَهُودِيّ وَهُوَ مِنْهَا بَرِيء ﴿فَقَدِ احْتَمَلَ بهتانا﴾ كذبا ﴿وإثما مُبينًا﴾ بَينا،
قَالَ الحَسَن: ثُمَّ قَالَ لنَبيه عَلَيْهِ السَّلَام: ﴿وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ﴾ فِيمَا أَرَادوا من النَّبي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يعْذر عَنْ صَاحبهمْ ﴿وَمَا يُضِلُّونَ إِلا أنفسهم﴾ أَي: حِين جَاءُوا إِلَيْك لتعذره ﴿وَمَا يضرونك﴾ ينقصونك ﴿من شَيْء﴾.
قَالَ مُحَمَّد: قِيلَ: إِن الْمَعْنى فِي قَوْله: ﴿أَن يضلوك﴾ أَي: أَن يخطئوك فِي حكمك، وَمَا يضلون إِلَّا أنفسهم، لأَنهم يعْملُونَ عمل الضَّالّين، وَالله يعْصم نبيه من متابعتهم. [آيَة ١١٤]
405

[آيَة ١١٥ - ١١٦]

406
﴿لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجوَاهُمْ﴾ يَعْنِي: قوم الْأنْصَارِيّ ﴿إِلا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إصْلَاح بَين النَّاس﴾
قَالَ الحَسَن: فَلَمَّا أنزل الله فِي الْأنْصَارِيّ مَا أنزل استحيا أَن يُقيم بَين ظهراني الْمُسلمين، فلحق بالمشركين؛ فَأنْزل الله: ﴿وَمَنْ يُشَاقق الرَّسُول﴾ أَي: يُفَارق ﴿مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيل الْمُؤمنِينَ﴾ يَعْنِي: غير دين الْمُؤمنِينَ ﴿نُوَلِّهِ مَا تولى﴾
قَالَ الْحسن: ثُمَّ استتابه الله، فَقَالَ: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرك بِهِ﴾ الْآيَة. فَلَمَّا نزلت هَذِهِ الْآيَة رَجَعَ إِلَى الْمُسلمين. [آيَة ١١٧ - ١٢١]
﴿إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلا إِنَاثًا﴾ قَالَ الحَسَن: يَعْنِي: إِلَّا أَمْوَاتًا.
قَالَ يحيى: كَقَوْلِه: ﴿أَمُوت غير أَحيَاء﴾ يَعْنِي: أصنامهم.
قَالَ مُحَمَّد: وَقيل: الْمَعْنى: إِلَّا مَا سموهُ بأسماء الْإِنَاث؛ مثل اللات والعزى وَمَنَاة.
406
﴿وَإِنْ يَدْعُونَ إِلا شَيْطَانًا مَرِيدًا﴾ قَالَ الحَسَن: أَي: إِن تِلْكَ الْأَوْثَان لم تَدعهُمْ إِلَى عبادتها، إنَّمَا دعاهم إِلَى عبادتها الشَّيْطَان.
قَالَ مُحَمَّد: المريد: العاتي؛ يُقَال: مُرِيد ومارد.
407
قَوْله تعالي: ﴿لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ﴾ يَعْنِي: إِبْلِيس ﴿لأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبا مَفْرُوضًا﴾.
وَقَالَ مُحَمَّد: الْمَعْنى: أفترضه لنَفْسي.
﴿ولأضلنهم﴾ لأغوينهم ﴿ولأمنينهم﴾ أَي: بِأَنَّهُم لَا عَذَاب عَلَيْهِم ﴿ولآمرنهم فليبتكن آذان الْأَنْعَام﴾ هِيَ: الْبحيرَة؛ كَانُوا يقطعون أَطْرَاف آذانها ويحرمونها. ﴿وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ الله﴾ قَالَ ابْن عَبَّاس: هُوَ الخصاء.
وَقَالَ الحَسَن: هُوَ مَا تَشِمُ النِّسَاء فِي أيديها ووجوهها؛ كَانَ نسَاء أهل الْجَاهِلِيَّة يفعلن ذَلِكَ.
﴿وَلا يَجِدُونَ عَنْهَا محيصا﴾ ملْجأ. [آيَة ١٢٢]
407

[آيَة ١٢٣ - ١٢٦]

408
﴿وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ من الله قيلا﴾ أَي: لَا أحد.
﴿لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكتاب﴾ (ل ٧٤) قَالَ الْحَسَن: قَالَت الْيَهُود للْمُؤْمِنين: كتَابنَا قبل كتابكُمْ، وَنَبِينَا قبل نَبِيكُم، [وَكِتَابنَا القَاضِي على مَا قبله من الْكتب] وَنحن أهْدى مِنْكُم قَالَ الْمُؤْمِنُونَ: كَذبْتُمْ، إِنَّا صدقنا بِكِتَابِكُمْ ونبيكم، وكذبتم بكتابنا وَنَبِينَا، وَكِتَابنَا القَاضِي على مَا قبله من [الْكتب].
قَالَ مُحَمَّد: الْمَعْنى: لَيْسَ ثَوَاب الله - عزَّ وجلَّ - بأمانيكم، وَلَا أماني أهل الْكِتَابِ. ﴿مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ﴾
يَحْيَى: عَنِ الْمُعَلَّى بْنِ هِلالٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَن أبي بكر ابْن زُهَيْرٍ ((أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ الصَّلاحُ بَعْدَ هَذِهِ الآيَةِ؟ فَقَالَ لَهُ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: أَيَّةُ آيَةٍ؟ قَالَ: قَوْلُ اللَّهِ: ﴿مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ﴾ فَكُلُّ سُوءٍ عَمِلْنَاهُ نُجْزَى بِهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ: غَفَرَ اللَّهُ لَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ، أَلَيْسَ تَمْرَضُ؟ أَلَيْسَ تَحْزَنُ؟ أَلَيْسَ تَنْصَبُ؟ أَلَيْسَ تُصِيبُكَ
408
اللأْوَاءُ؛ يَعْنِي: الأَوْجَاعَ وَالأَمْرَاضَ؟ قَالَ: بَلَى. قَالَ: فَهُوَ مِمَّا تُجْزَوْنَ بِهِ)).
409
﴿وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجهه لله﴾ أَي: أخْلص ﴿وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّة إِبْرَاهِيم حَنِيفا﴾ أَي: لَا أحد أحسن دينا مِنْهُ.
قَالَ الْكَلْبِيّ: لما قَالَت الْيَهُود للْمُؤْمِنين: كتَابنَا قبل كتابكُمْ، وَنَبِينَا قبل نَبِيكُم، وَقَالَ لَهُم الْمُؤْمِنُونَ مَا قَالُوا؛ فَأنْزل الله: ﴿لَيْسَ بأمانيكم﴾ إِلَى قَوْله: ﴿وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا﴾ ففضل الله الْمُؤمنِينَ على الْيَهُود.
قَالَ مُحَمَّد: تَفْسِير بَعضهم: الْخَلِيل هُوَ من بَاب الْخلَّة والمحبة الَّتِي لَا خلل فِيهَا. [آيَة ١٢٧]
﴿ويستفتونك فِي النِّسَاء﴾ قَالَ الْكَلْبِيّ: ((سُئِلَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [مَا لَهُنَّ] من الْمِيرَاث، فَأنْزل الله الرّبع وَالثمن)). ﴿قُلِ اللَّهُ يفتيكم فِيهِنَّ﴾ إِلَى قَوْله: ﴿وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ﴾ أَي: عَنْ أَن تنكحوهن.
يَحْيَى: عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ عَرْعَرَةَ، عَن عَليّ ابْن أَبِي طَالِبٍ ((أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكتاب﴾ الآيَةِ، قَالَ: تَكُونُ الْمَرْأَةُ عِنْدَ الرَّجُلِ بِنْتُ عَمِّهِ يَتِيمَةً فِي حِجْرِهِ، وَلَهَا مَالٌ فَلا يَتَزَوَّجَهَا لِذَمَامَتِهَا، وَلَكِنْ يَحْبِسُهَا حَتَّى يَرِثَهَا، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ، فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ)).
وقولُه: ﴿لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كتب لَهُنَّ﴾ يَعْنِي: ميراثهن.
وقولُه: ﴿وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْولدَان﴾ يَقُول: يفتيكم فِيهِنَّ، وَفِي الْمُسْتَضْعَفِينَ من الْولدَان؛ أَلا تَأْكُلُوا [من] أَمْوَالهم.
قَالَ قَتَادَة: وَكَانُوا لَا يورثون الصَّغِير، وَإِنَّمَا كَانُوا يورثون من يحترف، وينفع وَيدْفَع. ﴿وَأَنْ تقوموا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ﴾ وَهُوَ تبع للْكَلَام الأول، قل الله يفتيكم فِيهِنَّ، وَفِي يتامى النِّسَاء، وَفِي الْمُسْتَضْعَفِينَ من الْولدَان، وَفِي أَن تقوموا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ.
410

[آيَة ١٢٨ - ١٣٠]

411
﴿وَإِن امْرَأَة خَافت﴾ يَعْنِي: علمت ﴿من بَعْلهَا﴾ يَعْنِي: زَوجهَا ﴿نُشُوزًا﴾ يَعْنِي: بغضا ﴿أَوْ إِعْرَاضًا فَلا جنَاح﴾ لَا حرج. ﴿عَلَيْهِمَا أَن يصالحا بَينهمَا صلحا وَالصُّلْح خير﴾ الْآيَة، قَالَ بَعضهم: هِيَ الْمَرْأَة تكون عِنْد الرجل فتكبر فَلَا تَلد، فيريد أَن يتَزَوَّج عَلَيْهَا أشب مِنْهَا، ويؤثرها على الْكَبِيرَة، فَيَقُول لَهَا: إِن رضيت أَن أوثرها عَلَيْك وَإِلَّا طَلقتك، أَو يُعْطِيهَا من مَاله على أَن ترْضى أَن يُؤثر عَلَيْهَا الشَّابَّة.
وقولُه: ﴿وأحضرت الْأَنْفس الشُّح﴾ أَي: شحت بنصيبها من زَوجهَا لِلْأُخْرَى؛ فَلم ترض. ﴿وَإِنْ تُحْسِنُوا﴾ [الْفِعْل] ﴿وتتقوا﴾ الْميل والجور فِيهِنَّ ﴿فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾.
﴿وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاء﴾ فِي الْحبّ ﴿وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تميلوا كل الْميل﴾ قَالَ الحَسَن: فتأتي وَاحِدَة، وَتَدَع الْأُخْرَى ﴿فتذروها كالمعلقة﴾
411
قَالَ الحَسَن: لَا أيم، وَلَا ذَات بعل. ﴿وَإِن تصلحوا﴾ الْفِعْل فِي أمرهن ﴿وتتقوا﴾ الْميل والجور فِيهِنَّ ﴿فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رحِيما﴾.
412
قَوْله: ﴿وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا﴾ أَي: وَاسِعًا لَهما فِي الرزق (ل ٧٥) حكيماً فِي أمره. [آيَة ١٣١ - ١٣٤]
قَوْله: ﴿وَكفى بِاللَّه وَكيلا﴾ لمن توكل عَلَيْهِ.
﴿إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ﴾ [أَي: يذهبكم] بِعَذَاب الاستئصال. ﴿وَيَأْتِي بِآخَرين﴾ [بِقوم] يطيعونه.
﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ﴾ يَعْنِي: ثَوَاب الْآخِرَة لمن أَرَادَ الْآخِرَة.
هُوَ كَقَوْلِه: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ﴾ إِلَى قَوْله: ﴿كَانَ سَعْيهمْ مشكورا﴾.
412

[آيَة ١٣٥ - ١٣٦]

413
﴿يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ﴾ إِلَى قَوْله: ﴿فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا﴾ يَقُولُ: اشْهَدُوا على أَنفسكُم وعَلى أَبْنَائِكُم [وعَلى آبائكم] وأمهاتكم وقراباتكم؛ أَغْنِيَاء كَانُوا أَو فُقَرَاء ﴿إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أولى بهما﴾ أَي: أولى بغناه وَفَقره مِنْكُم.
قَالَ قَتَادَة: يَقُولُ: لَا يمنعنك غنى غَنِي، وَلَا فقر فَقير أَن تشهد عَلَيْهِ بِمَا تعلم. ﴿فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا﴾ (فتدعوا) الشَّهَادَة. ﴿وَإِن تلووا﴾ أَلْسِنَتكُم فتحرفوا الشَّهَادَة ﴿أَوْ تُعْرِضُوا﴾ فَلَا تشهدوا بهَا ﴿فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾
﴿يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ﴾.
قَالَ الْكَلْبِيّ: خَاطب بِهَذَا من آمن من أهل الْكتاب؛ وَذَلِكَ أَنهم قَالُوا عِنْد إسْلَامهمْ: أنؤمن بِكِتَاب مُحَمَّد، ونكفر بِمَا سواهُ؟!
فَقَالَ الله: ﴿قل آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نزل على رَسُوله﴾ الْآيَة.
413

[آيَة ١٣٧ - ١٤٠]

414
﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا﴾ الْآيَة، هُمْ أهل الْكِتَابَيْنِ، فِي تَفْسِير قَتَادَة. قَالَ: آمَنت الْيَهُود بِالتَّوْرَاةِ، ثُمَّ كفرت بهَا - يَعْنِي: مَا حرفوا مِنْهَا - وَآمَنت النَّصَارَى بالإنجيل ثُمَّ كفرت بِهِ - يَعْنِي: مَا حرفوا مِنْهُ. ﴿ثُمَّ ازْدَادُوا﴾ كلهم ﴿كُفْرًا﴾ بِالْقُرْآنِ ﴿لَمْ يَكُنِ الله ليغفر لَهُم﴾ قَالَ الحَسَن: يَعْنِي: من مَاتَ مِنْهُم على كفره. ﴿وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلا﴾ أَي: سَبِيل هدى؛ يَعْنِي: الْأَحْيَاء، وَأَرَادَ بِهَذَا عامتهم، وَقد تسلم الْخَاصَّة مِنْهُم. ﴿بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُم عذَابا أَلِيمًا﴾
﴿الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دون الْمُؤمنِينَ﴾ كَانُوا يتولون الْيَهُود، وَقد أظهرُوا الْإِيمَان. ﴿أيبتغون عِنْد الله الْعِزَّة﴾ أَي: أيريدون بهم الْعِزَّة؟!
﴿وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيث غَيره﴾ يَعْنِي: مَا أنزل فِي سُورَة الْأَنْعَام: ﴿وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتنَا فَأَعْرض عَنْهُم﴾ الْآيَة.
414

[آيَة ١٤١ - ١٤٣]

415
﴿الَّذين يتربصون بكم﴾ هم المُنَافِقُونَ؛ كَانُوا يتربصون برَسُول الله وَبِالْمُؤْمِنِينَ ﴿فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فتح من الله﴾ نصر وغنيمة ﴿قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ﴾. ﴿وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ﴾ نكبة على الْمُؤمنِينَ ﴿قَالُوا﴾ للْكَافِرِينَ. ﴿ألم نستحوذ عَلَيْكُم﴾ أَي: ندين بدينكم ﴿وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤمنِينَ﴾ يعنون: من آمن بِمُحَمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْ: كُنَّا لكم عيُونا نأتيكم بأخبارهم، ونعينكم عَلَيْهِم؛ وَكَانَ ذَلِكَ فِي السِّرّ. قَالَ الله: ﴿فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْم الْقِيَامَة﴾ فَيجْعَل الْمُؤمنِينَ فِي الْجنَّة، وَيجْعَل الْكَافرين فِي النَّار. ﴿وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا﴾ أَي: حجَّة فِي الْآخِرَة.
﴿إِن الْمُنَافِقين يخادعون الله﴾ بقَوْلهمْ: ﴿إِذا لقوا الَّذين ءامنوا قَالُوا ءامنا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعكُمْ﴾ وَهُوَ خداعهم.
قَالَ مُحَمَّد: يجازيهم جَزَاء الخداع. ﴿وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاة قَامُوا كسَالَى﴾ عَنْهَا ﴿يراءون النَّاس﴾ يظهرون مَا
415
لَيْسَ فِي قُلُوبهم. ﴿وَلا يَذْكُرُونَ الله إِلَّا قَلِيلا﴾ قَالَ الحَسَن: إنَّمَا قل؛ لأنَّه كَانَ لغير الله.
416
﴿مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ﴾ قَالَ قَتَادَة: (ل ٧٦) لَيْسُوا بمؤمنين مُخلصين، وَلَا بمشركين مصرحين ﴿وَمن يضلل الله﴾ عَنِ الْهدى ﴿فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلا﴾ يَعْنِي: سَبِيل هدى. [آيَة ١٤٤ - ١٤٧]
416
﴿يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء من دون الْمُؤمنِينَ﴾ يَقُولُ: لَا تَفعلُوا كَفعل الْمُنَافِقين؛ اتَّخذُوا الْمُشْركين أَوْلِيَاء من دون الْمُؤْمِنِينَ ﴿أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُم سُلْطَانا مُبينًا﴾ قَالَ ابْن عَبَّاس: حجَّة بَيِّنَة.
416
﴿ يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين ﴾ يقول : لا تفعلوا كفعل المنافقين ؛ اتخذوا المشركين أولياء من دون المؤمنين ﴿ أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا ﴾ قال ابن عباس : حجة بينة.
﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ من النَّار﴾ وَهُوَ الْبَاب السَّابِع الْأَسْفَل.
﴿مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شكرتم وآمنتم﴾ أَي: أَن الله غَنِي لَا يعذب شاكراً وَلَا مُؤمنا. [آيَة ١٤٨ - ١٤٩]
416

[آيَة ١٥٠ - ١٥١]

417
﴿لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلا مَنْ ظُلِمَ﴾ قَالَ قَتَادَة: عذر الله الْمَظْلُوم أَن يَدْعُو. وَقَالَ مُجَاهِد: هُوَ الضَّيْف ينزل فيحول رَحْله، فَيَقُول: فعل الله بِهِ، لم ينزلني!
﴿إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَو تعفوا عَن سوء﴾ الْآيَة هُوَ كَقَوْلِه: ﴿إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يُعلمهُ الله﴾.
﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُله﴾ قَالَ قَتَادَة: هم الْيَهُود وَالنَّصَارَى؛ آمَنت الْيَهُود بِالتَّوْرَاةِ وبموسى، وَكَفرُوا بالإنجيل وَعِيسَى، وَآمَنت النَّصَارَى بالإنجيل وَعِيسَى، وَكَفرُوا بِالْقُرْآنِ وَمُحَمّد - عَلَى جَمِيعهم السَّلام. ﴿وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَين ذَلِك سَبِيلا﴾ قَالَ السّديّ: يَعْنِي: دينا. قَالَ الله: ﴿أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا﴾ الْآيَة. [آيَة ١٥٢ - ١٥٣]
417

[آيَة ١٥٤]

418
﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يفرقُوا بَين أحد مِنْهُم﴾ هُوَ كَقَوْلِه: ﴿قُولُوا ءامنا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيم﴾ الْآيَة.
﴿يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِم كتابا من السَّمَاء﴾ أَي: خَاصَّة عَلَيْهِم ﴿فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أرنا الله جهرة﴾ أَي: عيَانًا ﴿وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُبينًا﴾ حجَّة (بَيِّنَة).
﴿ورفعنا فَوْقهم الطّور بميثاقهم﴾ الْآيَة، فقد مضى تَفْسِيره فِي سُورَة الْبَقَرَة. [آيَة ١٥٥ - ١٥٩]
﴿فبمَا نقضهم ميثاقهم﴾ أَي: فبنقضهم ميثاقهم، و (مَا) صلَة.
418
﴿وَقَوْلهمْ قُلُوبنَا غلف﴾ قد مضى تَفْسِيره.
قَالَ الله: ﴿بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤمنُونَ إِلَّا قَلِيلا﴾ قَالَ قَتَادَة: قَلَّ من آمن من الْيَهُود.
419
﴿وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيما﴾ هُوَ مَا قذفوا بِهِ مَرْيَم.
﴿وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْن مَرْيَم﴾ (مسح) بِالْبركَةِ. ﴿وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صلبوه وَلَكِن شبه لَهُم﴾ قَالَ قَتَادَة: ذكر لنا أَن عِيسَى قَالَ لأَصْحَابه: أَيّكُم يقذف عَلَيْهِ شبهي؛ فَإِنَّهُ مقتول؟ قَالَ رجل من أَصْحَابه: أَنَا يَا رَسُول الله. فَقتل ذَلِكَ الرجل، وَمنع الله نبيه (وَرَفعه إِلَيْهِ). ﴿وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ من علم﴾ كَانَ بَعضهم يَقُولُ: هم النَّصَارَى، اخْتلفُوا فِيهِ فصاروا ثَلَاث فرق.
قَالَ الله: ﴿مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينا﴾ (أَي: مَا قتلوا ظنهم يَقِينا) ﴿بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾
﴿وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلا ليُؤْمِنن بِهِ قبل مَوته﴾ قَالَ قَتَادَة: يَعْنِي: قبل موت عِيسَى إِذَا نزل.
وَقَالَ السّديّ: يَقُولُ لَا يَمُوت مِنْهُم أحد حتَّى يُؤمن بِعِيسَى؛ أَنَّهُ عَبْد الله وَرَسُوله، فَلَا يَنْفَعهُ ذَلِكَ عِنْد مُعَاينَة ملك الْمَوْت.
419
﴿وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا﴾ أَي: يشْهد عَلَيْهِم؛ أَنَّهُ قد بلغ رِسَالَة ربه، وَأقر بالعبودية على نَفسه. [آيَة ١٦٠ - ١٦٢]
420
﴿فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيل الله كثيرا﴾ قَالَ مُجَاهِد: صدوا أنفسهم وَغَيرهم.
﴿لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاة والمؤتون الزَّكَاة﴾ قَالَ قَتَادَة: اسْتثْنى الله مِنْهُم من كَانَ يُؤمن بِاللَّه وَمَا أنزل عَلَيْهِم، وَمَا أنزل على نَبِيَّ الله.
قَالَ مُحَمَّد: اخْتلف (ل ٧٧) القَوْل فِي إِعْرَاب ﴿وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ﴾ فَقَالَ بَعضهم: الْمَعْنى: يُؤمنُونَ بِمَا أنزل إِلَيْك، وبالمقيمين الصَّلَاة؛ أَي: ويؤمنون بالنبيين المقيمين الصَّلَاة.
وَقَالَ بَعضهم: الْمَعْنى: وَاذْكُر المقيمين الصَّلَاة، وهم المؤتون الزَّكَاة.
420

[آيَة ١٦٣ - ١٦٥]

421
﴿إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وأوحينا إِلَى إِبْرَاهِيم﴾ أَي: وكما أَوْحَينَا إِلَى إِبْرَاهِيم ﴿وَإِسْمَاعِيل﴾ إِلَى قَوْله: ﴿والأسباط﴾ والأسباط: يُوسُف وَإِخْوَته. ﴿وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا﴾ يَعْنِي: كتابا؛ وَكَانَ دَاوُد بَين مُوسَى وَعِيسَى، وَلَيْسَ فِي الزبُور حَلَال وَلَا حرَام، وَإِنَّمَا هُوَ تحميد وتمجيد وتعظيم لله.
﴿وَرُسُلا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قبل﴾ قَالَ مُحَمَّد: الْمَعْنى: وَأَرْسَلْنَا رسلًا قد قصصناهم عَلَيْك ﴿وَرُسُلا لَمْ نقصصهم عَلَيْك﴾
قَالَ يحيى: قَالَ بَعضهم: ((قِيلَ: يَا رَسُول الله، كم المُرْسَلُونَ؟ قَالَ: ثَلَاثمِائَة وَبضْعَة عشر رجلا جَمَّاءَ الْغَفِيرِ. قِيلَ: أَكَانَ آدم نَبيا مكلما أَو غير مُكَلم؟ قَالَ: بل كَانَ نَبيا مكلما)).
421
قَالَ مُحَمَّد: يُقَال: جَاءَ الْقَوْم جما غفيرا، أَو جماء الْغَفِير - إِضَافَة - أَي:
422
كلهم بلفهم ولفيفهم.
423
﴿وكلم الله مُوسَى تكليما﴾ أَي: كلَاما من غير وَحي.
424
﴿مبشرين ومنذرين﴾ يَعْنِي: مبشرين بِالْجنَّةِ، ومنذرين بالنَّار. [آيَة ١٦٦ - ١٧٠]
﴿لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْك﴾ يَعْنِي: الْقُرْآن ﴿أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يشْهدُونَ﴾ أَنَّهُ أنزلهُ إِلَيْك. ﴿وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدا﴾ قَالَ مُحَمَّد: الْمَعْنى: وَكفى الله شَهِيدا، وَالْبَاء مُؤَكدَة.
﴿إِن الَّذين كفرُوا وظلموا﴾ أَي: أنفسهم. ﴿لَمْ يَكُنِ اللَّهُ ليغفر لَهُم﴾ يَعْنِي: إِذَا مَاتُوا على كفرهم ﴿وَلَا ليهديهم طَرِيقا﴾ أَي: طَرِيق هدى؛ يَعْنِي: الْعَامَّة من أحيائهم. [آيَة ١٧١ - ١٧٣]
424

[آيَة ١٧١ - ١٧٣]

425
﴿يَا أهل الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ﴾ الغلو: تعدِي الْحق.
قَوْله: ﴿وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ﴾ أَي: أَنَّهُ كَانَ من غير بِشْر. ﴿فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقولُوا ثَلَاثَة﴾ الْآيَة. أَي: آلِهَتنَا ثَلَاثَة ﴿انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ﴾ ﴿إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِد﴾ قَالَ مُحَمَّد: اخْتلف القَوْل فِي قَوْله: ﴿خيرا لكم﴾ وَالِاخْتِيَار أَنَّهُ مَحْمُول على مَعْنَاهُ؛ كَأَنَّهُ قَالَ: انْتَهوا وائتوا خيرا لكم. وَكَذَلِكَ قَوْله: ﴿فَآمِنُوا خَيْرًا لكم﴾ هُوَ على مثل هَذَا الْمَعْنى.
﴿لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عبدا لله﴾ أَي: لن يحتشم ﴿وَلا الْمَلائِكَةُ المقربون﴾ أَن يَكُونُوا عباداً لله. [آيَة ١٧٤ - ١٧٥]
425

[آيَة ١٧٦]

426
﴿يَا أَيهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ ربكُم﴾ قَالَ مُجَاهِد: يَعْنِي: حجَّة ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُم نورا مُبينًا﴾ بَينا؛ يَعْنِي: الْقُرْآن.
﴿ويهديهم إِلَيْهِ﴾ (أَي: فِي الدُّنْيَا) ﴿صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا﴾
﴿يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَة﴾ قَالَ قَتَادَة: الْكَلَالَة الَّذِي لَا ولد لَهُ وَلَا وَالِد وَلَا جد.
قَوْله: ﴿يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَن تضلوا﴾ لِئَلَّا تضلوا ﴿وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عليم﴾.
قَالَ مُحَمَّد: ذكر يحيى فِي هَذِه السُّورَة مسَائِل من الْفَرَائِض؛ فاختصرت كثيرا مِنْهَا؛ إِذْ للفرائض بأسرها موَاضعهَا من كتب الْفِقْه، وَلَا توفيق إِلَّا بِاللَّه [وَهُوَ حسبي وَنعم الْوَكِيل].
426
تَفْسِيرُ سُورَةِ الْمَائِدَةِ وَهِيَ مَدَنِيَّةٌ كلهَا
سُورَة الْمَائِدَة من آيَة (١) إِلَى آيَة (٣).
5
الموسوعة القرآنية Quranpedia.net - © 2024
Icon
(وَذي ضغن كَفَفْت النَّفس عَنْهُ وَكنت على مساءته مقيتا)