تفسير سورة القمر

الجامع لأحكام القرآن
تفسير سورة سورة القمر من كتاب الجامع لأحكام القرآن .
لمؤلفه القرطبي . المتوفي سنة 671 هـ

اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ
سُورَة الْقَمَر مَكِّيَّة كُلّهَا فِي قَوْل الْجُمْهُور.
وَقَالَ مُقَاتِل : إِلَّا ثَلَاث آيَات مِنْ قَوْله تَعَالَى :" أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيع مُنْتَصِر " [ الْقَمَر : ٤٤ ] إِلَى قَوْله :" وَالسَّاعَة أَدْهَى وَأَمَرّ " [ الْقَمَر : ٤٦ ] وَلَا يَصِحّ عَلَى مَا يَأْتِي.
وَهِيَ خَمْس وَخَمْسُونَ آيَة.
" اِقْتَرَبَتْ " أَيْ قَرُبَتْ مِثْل " أَزِفَتْ الْآزِفَة " [ النَّجْم : ٥٧ ] عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ.
فَهِيَ بِالْإِضَافَةِ إِلَى مَا مَضَى قَرِيبَة ; لِأَنَّهُ قَدْ مَضَى أَكْثَرُ الدُّنْيَا كَمَا رَوَى قَتَادَة عَنْ أَنَس قَالَ : خَطَبَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ كَادَتْ الشَّمْس تَغِيب فَقَالَ :( مَا بَقِيَ مِنْ دُنْيَاكُمْ فِيمَا مَضَى إِلَّا مِثْل مَا بَقِيَ مِنْ هَذَا الْيَوْم فِيمَا مَضَى ) وَمَا نَرَى مِنْ الشَّمْس إِلَّا يَسِيرًا.
وَقَالَ.
كَعْب وَوَهْب : الدُّنْيَا سِتَّة آلَاف سَنَة.
قَالَ وَهْب : قَدْ مَضَى مِنْهَا خَمْسَة آلَاف سَنَة وَسِتّمِائَةِ سَنَة.
ذَكَرَهُ النَّحَّاس.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى :" وَانْشَقَّ الْقَمَر " أَيْ وَقَدْ اِنْشَقَّ الْقَمَر.
وَكَذَا قَرَأَ حُذَيْفَة " اِقْتَرَبَتْ السَّاعَة وَقَدْ اِنْشَقَّ الْقَمَر " بِزِيَادَةِ " قَدْ " وَعَلَى هَذَا الْجُمْهُور مِنْ الْعُلَمَاء ; ثَبَتَ ذَلِكَ فِي صَحِيح الْبُخَارِيّ وَغَيْره مِنْ حَدِيث اِبْن مَسْعُود وَابْن عُمَر وَأَنَس وَجُبَيْر بْن مُطْعِم وَابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ.
وَعَنْ أَنَس قَالَ : سَأَلَ أَهْل مَكَّة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آيَة، فَانْشَقَّ الْقَمَر بِمَكَّة مَرَّتَيْنِ فَنَزَلَتْ :" اِقْتَرَبَتْ السَّاعَة وَانْشَقَّ الْقَمَر " إِلَى قَوْله :" سِحْر مُسْتَمِرّ " يَقُول ذَاهِب قَالَ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيّ : هَذَا حَدِيث حَسَن صَحِيح.
وَلَفْظ الْبُخَارِيّ عَنْ أَنَس قَالَ : اِنْشَقَّ الْقَمَر فِرْقَتَيْنِ.
وَقَالَ قَوْم : لَمْ يَقَع اِنْشِقَاق الْقَمَر بَعْد وَهُوَ مُنْتَظَر ; أَيْ اِقْتَرَبَ قِيَام السَّاعَة وَانْشِقَاق الْقَمَر ; وَأَنَّ السَّاعَة إِذَا قَامَتْ اِنْشَقَّتْ السَّمَاء بِمَا فِيهَا مِنْ الْقَمَر وَغَيْره.
وَكَذَا قَالَ الْقُشَيْرِيّ.
وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيّ : أَنَّ هَذَا قَوْل الْجُمْهُور، وَقَالَ : لِأَنَّهُ إِذَا اِنْشَقَّ مَا بَقِيَ أَحَد إِلَّا رَآهُ ; لِأَنَّهُ آيَة وَالنَّاس فِي الْآيَات سَوَاء.
وَقَالَ الْحَسَن : اِقْتَرَبَتْ السَّاعَة فَإِذَا جَاءَتْ اِنْشَقَّ الْقَمَر بَعْد النَّفْخَة الثَّانِيَة.
وَقِيلَ :" وَانْشَقَّ الْقَمَر " أَيْ وَضَحَ الْأَمْر وَظَهَرَ ; وَالْعَرَب تَضْرِب بِالْقَمَرِ مَثَلًا فِيمَا وَضَحَ ; قَالَ :
أَقِيمُوا بَنِي أُمِّي صُدُور مَطِيّكُمْ فَإِنِّي إِلَى حَيّ سِوَاكُمْ لَأَمْيَلُ
فَقَدْ حُمَّتْ الْحَاجَات وَاللَّيْل مُقْمِر وَشُدَّتْ لِطَيَّاتٍ مَطَايَا وَأَرْحُلُ
وَقِيلَ : اِنْشِقَاق الْقَمَر هُوَ اِنْشِقَاق الظُّلْمَة عَنْهُ بِطُلُوعِهِ فِي أَثْنَائِهَا، كَمَا يُسَمَّى الصُّبْح فَلْقًا ; لِانْفِلَاقِ الظُّلْمَة عَنْهُ.
وَقَدْ يُعَبَّر عَنْ اِنْفِلَاقه بِانْشِقَاقِهِ كَمَا قَالَ النَّابِغَة :
قُلْت : وَقَدْ ثَبَتَ بِنَقْلِ الْآحَاد الْعُدُول أَنَّ الْقَمَر اِنْشَقَّ بِمَكَّة، وَهُوَ ظَاهِر التَّنْزِيل، وَلَا يَلْزَم أَنْ يَسْتَوِي النَّاس فِيهَا ; لِأَنَّهَا كَانَتْ آيَة لَيْلِيَّة ; وَأَنَّهَا كَانَتْ بِاسْتِدْعَاءِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ اللَّه تَعَالَى عِنْد التَّحَدِّي.
فَرُوِيَ أَنَّ حَمْزَة بْن عَبْد الْمُطَّلِب حِين أَسْلَمَ غَضَبًا مِنْ سَبّ أَبِي جَهْل الرَّسُول صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَلَبَ أَنْ يُرِيه آيَة يَزْدَاد بِهَا يَقِينًا فِي إِيمَانه.
وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الصَّحِيح أَنَّ أَهْل مَكَّة هُمْ الَّذِينَ سَأَلُوا وَطَلَبُوا أَنْ يُرِيَهُمْ آيَة، فَأَرَاهُمْ اِنْشِقَاق الْقَمَر فَلْقَتَيْنِ كَمَا فِي حَدِيث اِبْن مَسْعُود وَغَيْره.
وَعَنْ حُذَيْفَة أَنَّهُ خَطَبَ بِالْمَدَائِنِ ثُمَّ قَالَ : أَلَا إِنَّ السَّاعَة قَدْ اِقْتَرَبَتْ، وَأَنَّ الْقَمَر قَدْ اِنْشَقَّ عَلَى عَهْد نَبِيّكُمْ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَدْ قِيلَ : هُوَ عَلَى التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير، وَتَقْدِيره اِنْشَقَّ الْقَمَر وَاقْتَرَبَتْ السَّاعَة ; قَالَهُ اِبْن كَيْسَان.
وَقَدْ مَرَّ عَنْ الْفَرَّاء أَنَّ الْفِعْلَيْنِ إِذَا كَانَا مُتَقَارِبَيْ الْمَعْنَى فَلَك أَنْ تُقَدِّم وَتُؤَخِّر عِنْد قَوْله تَعَالَى :" ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى " [ النَّجْم : ٨ ].
وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا
هَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّهُمْ رَأَوْا اِنْشِقَاق الْقَمَر.
قَالَ اِبْن عَبَّاس : اِجْتَمَعَ الْمُشْرِكُونَ إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالُوا : إِنْ كُنْت صَادِقًا فَاشْقُقْ لَنَا الْقَمَر فِرْقَتَيْنِ، نِصْف عَلَى أَبِي قُبَيْس وَنِصْف عَلَى قُعَيْقِعَان ; فَقَالَ لَهُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( إِنْ فَعَلْت تُؤْمِنُونَ ) قَالُوا : نَعَمْ ؟ وَكَانَتْ لَيْلَة بَدْر، فَسَأَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَبّه أَنْ يُعْطِيه مَا قَالُوا ; فَانْشَقَّ الْقَمَر فِرْقَتَيْنِ، وَرَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنَادِي الْمُشْرِكِينَ :( يَا فُلَان يَا فُلَان اِشْهَدُوا ).
وَفِي حَدِيث اِبْن مَسْعُود : اِنْشَقَّ الْقَمَر عَلَى عَهْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ قُرَيْش : هَذَا مِنْ سِحْر اِبْن أَبِي كَبْشَة ; سَحَرَكُمْ فَاسْأَلُوا السُّفَّار ; فَسَأَلُوهُمْ فَقَالُوا : قَدْ رَأَيْنَا الْقَمَر اِنْشَقَّ فَنَزَلَتْ :" اِقْتَرَبَتْ السَّاعَة وَانْشَقَّ الْقَمَر.
وَإِنْ يَرَوْا آيَة يُعْرِضُوا " أَيْ إِنْ يَرَوْا آيَة تَدُلّ عَلَى صِدْق مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْرَضُوا عَنْ الْإِيمَان
وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ
أَيْ ذَاهِب ; مِنْ قَوْلهمْ : مَرَّ الشَّيْء وَاسْتَمَرَّ إِذَا ذَهَبَ ; قَالَهُ أَنَس وَقَتَادَة وَمُجَاهِد وَالْفَرَّاء وَالْكِسَائِيّ وَأَبُو عُبَيْدَة، وَاخْتَارَهُ النَّحَّاس.
وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَة وَالضَّحَّاك : مُحْكَم قَوِيّ شَدِيد، وَهُوَ مِنْ الْمِرَّة وَهِيَ الْقُوَّة ; كَمَا قَالَ لَقِيط :
فَلَمَّا أَدْبَرُوا وَلَهُمْ دَوِيّ دَعَانَا عِنْد شَقّ الصُّبْح دَاعِ
حَتَّى اِسْتَمَرَّتْ عَلَى شَزْر مَرِيرَته مُرُّ الْعَزِيمَة لَا قَحْمًا وَلَا ضَرَعَا
وَقَالَ الْأَخْفَشُ : هُوَ مَأْخُوذ مِنْ إِمْرَار الْحَبْل وَهُوَ شِدَّة فَتْله.
وَقِيلَ : مَعْنَاهُ مُرّ مِنْ الْمَرَارَة.
يُقَال : أَمَرَّ الشَّيْء صَارَ مُرًّا، وَكَذَلِكَ مَرَّ الشَّيْء يَمُرّ بِالْفَتْحِ مَرَارَة فَهُوَ مُرّ، وَأَمَرَّهُ غَيْره وَمَرَّهُ.
وَقَالَ الرَّبِيع : مُسْتَمِرّ نَافِذ.
يَمَان : مَاضٍ.
أَبُو عُبَيْدَة : بَاطِل.
وَقِيلَ : دَائِم.
قَالَ :
وَلَيْسَ عَلَى شَيْء قَوِيم بِمُسْتَمِرْ
أَيْ بِدَائِمٍ.
وَقِيلَ : يُشْبِه بَعْضه بَعْضًا ; أَيْ قَدْ اِسْتَمَرَّتْ أَفْعَال مُحَمَّد عَلَى هَذَا الْوَجْه فَلَا يَأْتِي بِشَيْءٍ لَهُ حَقِيقَة بَلْ الْجَمِيع تَخْيِيلَات.
وَقِيلَ : مَعْنَاهُ قَدْ مَرَّ مِنْ الْأَرْض إِلَى السَّمَاء.
وَكَذَّبُوا
نَبِيّنَا
وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ
أَيْ ضَلَالَاتهمْ وَاخْتِيَارَاتهمْ.
وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ
أَيْ يَسْتَقِرّ بِكُلِّ عَامِل عَمَله، فَالْخَيْر مُسْتَقِرّ بِأَهْلِهِ فِي الْجَنَّة، وَالشَّرّ مُسْتَقِرّ بِأَهْلِهِ فِي النَّار.
وَقَرَأَ شَيْبَة " مُسْتَقَرّ " بِفَتْحِ الْقَاف ; أَيْ لِكُلِّ شَيْء وَقْت يَقَع فِيهِ مِنْ غَيْر تَقَدُّم وَتَأَخُّر.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي جَعْفَر بْن الْقَعْقَاع " وَكُلّ أَمْر مُسْتَقِرٍّ " بِكَسْرِ الْقَاف وَالرَّاء جَعَلَهُ نَعْتًا لِأَمْرٍ و " كُلّ " عَلَى هَذَا يَجُوز أَنْ يَرْتَفِع بِالِابْتِدَاءِ وَالْخَبَر مَحْذُوف، كَأَنَّهُ قَالَ : وَكُلّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٍّ فِي أُمّ الْكِتَاب كَائِن.
وَيَجُوز أَنْ يَرْتَفِع بِالْعَطْفِ عَلَى السَّاعَة ; الْمَعْنَى : اِقْتَرَبَتْ السَّاعَة وَكُلّ أَمْر مُسْتَقِرّ ; أَيْ اِقْتَرَبَ اِسْتِقْرَار الْأُمُور يَوْم الْقِيَامَة.
وَمَنْ رَفَعَهُ جَعَلَهُ خَبَرًا عَنْ " كُلّ ".
وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ
أَيْ مِنْ بَعْض الْأَنْبَاء ; فَذَكَرَ سُبْحَانه مِنْ ذَلِكَ مَا عَلِمَ أَنَّهُمْ يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ، وَأَنَّ لَهُمْ فِيهِ شِفَاء.
وَقَدْ كَانَ هُنَاكَ أُمُور أَكْثَر مِنْ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا اِقْتَصَّ عَلَيْنَا مَا عَلِمَ أَنَّ بِنَا إِلَيْهِ حَاجَة وَسَكَتَ عَمَّا سِوَى ذَلِكَ ; وَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى :" وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ الْأَنْبَاء " أَيْ جَاءَ هَؤُلَاءِ الْكُفَّار مِنْ أَنْبَاء الْأُمَم الْخَالِيَة
مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ
أَيْ مَا يَزْجُرهُمْ عَنْ الْكُفْر لَوْ قَبِلُوهُ.
وَأَصْله مُزْتَجَر فَقُلِبَتْ التَّاء دَالًا ; لِأَنَّ التَّاء حَرْف مَهْمُوس وَالزَّاي حَرْف مَجْهُور، فَأُبْدِلَ مِنْ التَّاء دَالًا تُوَافِقُهَا فِي الْمَخْرَج وَتُوَافِق الزَّاي فِي الْجَهْر.
و " مُزْدَجَر " مِنْ الزَّجْر وَهُوَ الِانْتِهَاء، يُقَال : زَجَرَهُ وَازْدَجَرَهُ فَانْزَجَرَ وَازْدَجَرَ، وَزَجَرْته أَنَا فَانْزَجَرَ أَيْ كَفَفْته فَكَفَّ، كَمَا قَالَ :
فَأَصْبَحَ مَا يَطْلُب الْغَانِيَا تِ مُزْدَجَرًا عَنْ هَوَاهُ اِزْدِجَارَا
وَقُرِئَ " مُزَّجَر " بِقَلْبِ تَاء الِافْتِعَال زَايًا وَإِدْغَام الزَّاي فِيهَا ; حَكَاهُ الزَّمَخْشَرِيّ.
حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ
يَعْنِي الْقُرْآن وَهُوَ بَدَل مِنْ " مَا " مِنْ قَوْله :" مَا فِيهِ مُزْدَجَر " وَيَجُوز أَنْ يَكُون خَبَر اِبْتِدَاء مَحْذُوف ; أَيْ هُوَ حِكْمَة.
فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ
إِذَا كَذَّبُوا وَخَالَفُوا كَمَا قَالَ اللَّه تَعَالَى :" وَمَا تُغْنِي الْآيَات وَالنُّذُر عَنْ قَوْم لَا يُؤْمِنُونَ " [ يُونُس : ١٠١ ] ف " مَا " نَفْي أَيْ لَيْسَتْ تُغْنِي عَنْهُمْ النُّذُر.
وَيَجُوز أَنْ يَكُون اِسْتِفْهَامًا بِمَعْنَى التَّوْبِيخ ; أَيْ فَأَيّ شَيْء تُغْنِي، النُّذُر عَنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ عَنْهَا و " النُّذُر " يَجُوز أَنْ تَكُون بِمَعْنَى الْإِنْذَار، وَيَجُوز أَنْ تَكُون جَمْع نَذِير.
فَتَوَلَّ عَنْهُمْ
أَيْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ.
قِيلَ : هَذَا مَنْسُوخ بِآيَةِ السَّيْف.
وَقِيلَ : هُوَ تَمَام الْكَلَام.
يَوْمَ يَدْعُو الدَّاعِي إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ
الْعَامِل فِي " يَوْم " " يَخْرُجُونَ مِنْ الْأَجْدَاث " أَوْ " خُشَّعًا " أَوْ فِعْل مُضْمَر تَقْدِيره وَاذْكُرْ يَوْم.
وَقِيلَ : عَلَى حَذْف حَرْف الْفَاء وَمَا عَمِلَتْ فِيهِ مِنْ جَوَاب الْأَمْر، تَقْدِيره : فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَإِنَّ لَهُمْ يَوْمَ يَدْعُو الدَّاعِي.
وَقِيلَ : تَوَلَّ عَنْهُمْ يَا مُحَمَّد فَقَدْ أَقَمْت الْحُجَّة وَأَبْصِرْهُمْ يَوْم يَدْعُو الدَّاعِي.
وَقِيلَ : أَيْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ يَوْم الْقِيَامَة وَلَا تَسْأَل عَنْهُمْ وَعَنْ أَحْوَالهمْ، فَإِنَّهُمْ يُدْعَوْنَ " إِلَى شَيْء نُكُر " وَيَنَالهُمْ عَذَاب شَدِيد.
وَهُوَ كَمَا تَقُول : لَا تَسْأَل عَمَّا جَرَى عَلَى فُلَان إِذَا أَخْبَرْته بِأَمْرٍ عَظِيم.
وَقِيلَ : أَيْ وَكُلّ أَمْر مُسْتَقِرّ يَوْم يَدْعُو الدَّاعِي.
وَقَرَأَ اِبْن كَثِير " نُكْر " بِإِسْكَانِ الْكَاف، وَضَمَّهَا الْبَاقُونَ وَهُمَا لُغَتَانِ كَعُسْرِ وَعُسُر وَشُغْل وَشُغُل، وَمَعْنَاهُ الْأَمْر الْفَظِيع الْعَظِيم وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة.
وَالدَّاعِي هُوَ إِسْرَافِيل عَلَيْهِ السَّلَام.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُجَاهِد وَقَتَادَة أَنَّهُمَا قَرَآ " إِلَى شَيْء نُكِرَ " بِكَسْرِ الْكَاف وَفَتْح الرَّاء عَلَى الْفِعْل الْمَجْهُول.
خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ
الْخُشُوع فِي الْبَصَر الْخُضُوع وَالذِّلَّة، وَأَضَافَ الْخُشُوع إِلَى الْأَبْصَار لِأَنَّ أَثَر الْعِزّ وَالذُّلّ يَتَبَيَّن فِي نَاظِر الْإِنْسَان ; قَالَ اللَّه تَعَالَى :" أَبْصَارهَا خَاشِعَة " [ النَّازِعَات : ٩ ] وَقَالَ تَعَالَى :" خَاشِعِينَ مِنْ الذُّلّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْف خَفِيّ " [ الشُّورَى : ٤٥ ].
وَيُقَال : خَشَعَ وَاخْتَشَعَ إِذَا ذَلَّ.
وَخَشَعَ بِبَصَرِهِ أَيْ غَضَّهُ.
وَقَرَأَ حَمْزَة وَالْكِسَائِيّ وَأَبُو عَمْرو " خَاشِعًا " بِالْأَلِفِ وَيَجُوز فِي أَسْمَاء الْفَاعِلِينَ إِذَا تَقَدَّمَتْ عَلَى الْجَمَاعَة التَّوْحِيد، نَحْو :" خَاشِعًا أَبْصَارهمْ " وَالتَّأْنِيث نَحْو :" خَاشِعَة أَبْصَارهمْ " [ الْقَلَم : ٤٣ ] وَيَجُوز الْجَمْع نَحْو :" خُشَّعًا أَبْصَارهمْ " قَالَ [ الْحَرْث بْن دَوْس الْإِيَادِيّ ] :
وَشَبَابٍ حَسَنٍ أَوْجُههمْ مِنْ إِيَاد بْن نِزَار بْن مَعَد
و " خُشَّعًا " جَمْع خَاشِع وَالنَّصْب فِيهِ عَلَى الْحَال مِنْ الْهَاء وَالْمِيم فِي " عَنْهُمْ " فَيَقْبُح الْوَقْف عَلَى هَذَا التَّقْدِير عَلَى " عَنْهُمْ ".
وَيَجُوز أَنْ يَكُون حَالًا مِنْ الْمُضْمَر فِي " يَخْرُجُونَ " فَيُوقَف عَلَى " عَنْهُمْ ".
وَقُرِئَ " خُشَّعٌ أَبْصَارُهُمْ " عَلَى الِابْتِدَاء وَالْخَبَر، وَمَحَلّ الْجُمْلَة النَّصْب عَلَى الْحَال، كَقَوْلِهِ :
وَجَدْته حَاضِرَاهُ الْجُودُ وَالْكَرَمُ
يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ
أَيْ الْقُبُور وَاحِدهَا جَدَث.
كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ
وَقَالَ فِي مَوْضِع آخَر :" يَوْم يَكُون النَّاس كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوث " [ الْقَارِعَة : ٤ ] فَهُمَا صِفَتَانِ فِي وَقْتَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ ; أَحَدهمَا : عِنْد الْخُرُوج مِنْ الْقُبُور، يَخْرُجُونَ فَزِعِينَ لَا يَهْتَدُونَ أَيْنَ يَتَوَجَّهُونَ، فَيَدْخُل بَعْضهمْ فِي بَعْض ; فَهُمْ حِينَئِذٍ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوث بَعْضه فِي بَعْض لَا جِهَة لَهُ يَقْصِدهَا الثَّانِي : فَإِذَا سَمِعُوا الْمُنَادِي قَصَدُوهُ فَصَارُوا كَالْجَرَادِ الْمُنْتَشِر ; لِأَنَّ الْجَرَاد لَهُ جِهَة يَقْصِدهَا.
مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِي
مَعْنَاهُ مُسْرِعِينَ ; قَالَهُ أَبُو عُبَيْدَة.
وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر :
بِدِجْلَةَ دَارُهُمْ وَلَقَدْ أَرَاهُمْ بِدِجْلَةَ مُهْطِعِينَ إِلَى السَّمَاع
الضَّحَّاك : مُقْبِلِينَ.
قَتَادَة : عَامِدِينَ.
اِبْن عَبَّاس : نَاظِرِينَ.
عِكْرِمَة : فَاتِحِينَ آذَانهمْ إِلَى الصَّوْت.
وَالْمَعْنَى مُتَقَارِب.
يُقَال : هَطَعَ الرَّجُل يَهْطَع هُطُوعًا إِذَا أَقْبَلَ عَلَى الشَّيْء بِبَصَرِهِ لَا يُقْلِع عَنْهُ ; وَأَهْطَعَ إِذَا مَدَّ عُنُقه وَصَوَّبَ رَأْسه.
قَالَ الشَّاعِر :
تَعَبَّدَنِي نِمْر بْن سَعْد وَقَدْ أَرَى وَنِمْر بْن سَعْد لِي مُطِيع وَمُهْطِع
وَبَعِير مُهْطِع : فِي عُنُقه تَصْوِيب خِلْقَة.
وَأَهْطَعَ فِي عَدْوه أَيْ أَسْرَعَ.
يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ
يَعْنِي يَوْم الْقِيَامَة لِمَا يَنَالهُمْ فِيهِ مِنْ الشِّدَّة.
كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ
ذَكَرَ جُمَلًا مِنْ وَقَائِع الْأُمَم الْمَاضِيَة تَأْنِيسًا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَعْزِيَة لَهُ.
" قَبْلهمْ " أَيْ قَبْل قَوْمك.
فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا
يَعْنِي نُوحًا.
الزَّمَخْشَرِيّ : فَإِنْ قُلْت مَا مَعْنَى قَوْله :" فَكَذَّبُوا " بَعْد قَوْله :" كَذَّبَتْ " ؟ قُلْت : مَعْنَاهُ كَذَّبُوا فَكَذَّبُوا عَبْدنَا ; أَيْ كَذَّبُوهُ تَكْذِيبًا عَلَى عَقِب تَكْذِيب كُلَّمَا مَضَى مِنْهُمْ قَرْن مُكَذِّب تَبِعَهُ قَرْن مُكَذِّب، أَوْ كَذَّبَتْ قَوْم نُوح الرُّسُل فَكَذَّبُوا عَبْدنَا ; أَيْ لَمَّا كَانُوا مُكَذِّبِينَ بِالرُّسُلِ جَاحِدِينَ لِلنُّبُوَّةِ رَأْسًا كَذَّبُوا نُوحًا لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَة الرُّسُل.
وَقَالُوا مَجْنُونٌ
أَيْ هُوَ مَجْنُون
وَازْدُجِرَ
أَيْ زُجِرَ عَنْ دَعْوَى النُّبُوَّة بِالسَّبِّ وَالْوَعِيد بِالْقَتْلِ.
وَقِيلَ إِنَّمَا قَالَ :" وَازْدُجِرَ " بِلَفْظِ مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِله لِأَنَّهُ رَأْس آيَة.
فَدَعَا رَبَّهُ
أَيْ دَعَا عَلَيْهِمْ حِينَئِذٍ نُوح وَقَالَ رَبّ " أَنِّي مَغْلُوب "
أَنِّي مَغْلُوبٌ
أَيْ غَلَبُونِي بِتَمَرُّدِهِمْ
فَانْتَصِرْ
أَيْ فَانْتَصِرْ لِي.
وَقِيلَ : إِنَّ الْأَنْبِيَاء كَانُوا لَا يَدْعُونَ عَلَى قَوْمهمْ بِالْهَلَاكِ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لَهُمْ فِيهِ.
فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ
أَيْ فَأَجَبْنَا دُعَاءَهُ وَأَمَرْنَاهُ بِاِتِّخَاذِ السَّفِينَة وَفَتَحْنَا أَبْوَاب السَّمَاء
بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ
أَيْ كَثِير.
; قَالَهُ السُّدِّيّ.
قَالَ الشَّاعِر :
أَعَيْنَيَّ جُودَا بِالدُّمُوعِ الْهَوَامِرِ عَلَى خَيْر بَادٍ مِنْ مَعَدٍّ وَحَاضِر
وَقِيلَ : إِنَّهُ الْمُنْصَبّ الْمُتَدَفِّق ; وَمِنْهُ قَوْل اِمْرِئِ الْقَيْس يَصِف غَيْثًا :
رَاحَ تَمْرِيهِ الصَّبَا ثُمَّ اِنْتَحَى فِيهِ شُؤْبُوبُ جَنُوبٍ مُنْهَمِرْ
الْهَمْر الصَّبّ ; وَقَدْ هَمَرَ الْمَاء وَالدَّمْع يَهْمِر هَمْرًا.
وَهَمَرَ أَيْضًا إِذَا أَكْثَرَ.
الْكَلَام وَأَسْرَعَ.
وَهَمَرَ لَهُ مِنْ مَاله أَيْ أَعْطَاهُ.
قَالَ اِبْن عَبَّاس : فَفَتَحْنَا أَبْوَاب السَّمَاء بِمَاءٍ مُنْهَمِر مِنْ غَيْر سَحَاب لَمْ يُقْلِع أَرْبَعِينَ يَوْمًا.
وَقَرَأَ اِبْن عَامِر وَيَعْقُوب :" فَفَتَّحْنَا " مُشَدَّدَة عَلَى التَّكْثِير.
الْبَاقُونَ " فَفَتَحْنَا " مُخَفَّفًا.
ثُمَّ قِيلَ، : إِنَّهُ فَتْح رِتَاجهَا وَسَعَة مَسَالِكهَا.
وَقِيلَ : إِنَّهُ الْمَجَرَّة وَهِيَ شَرْج السَّمَاء وَمِنْهَا فُتِحَتْ بِمَاءٍ مُنْهَمِر ; قَالَهُ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ.
وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا
قَالَ عُبَيْد بْن عُمَيْر : أَوْحَى اللَّه إِلَى الْأَرْض أَنْ تُخْرِج مَاءَهَا فَتَفَجَّرَتْ بِالْعُيُونِ، وَإِنَّ عَيْنًا تَأَخَّرَتْ فَغَضِبَ عَلَيْهَا فَجَعَلَ مَاءَهَا مُرًّا أُجَاجًا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة.
فَالْتَقَى الْمَاءُ
أَيْ مَاء السَّمَاء وَمَاء الْأَرْض
عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ
أَيْ عَلَى مِقْدَار لَمْ يَزِدْ أَحَدهمَا عَلَى الْآخَر ; حَكَاهُ اِبْن قُتَيْبَة.
أَيْ كَانَ مَاء السَّمَاء وَالْأَرْض سَوَاء.
وَقِيلَ :" قُدِرَ " بِمَعْنَى قُضِيَ عَلَيْهِمْ.
قَالَ قَتَادَة : قَدَّرَ لَهُمْ إِذَا كَفَرُوا أَنْ يُغْرَقُوا.
وَقَالَ مُحَمَّد بْن كَعْب : كَانَتْ الْأَقْوَات قَبْل الْأَجْسَاد، وَكَانَ الْقَدَر قَبْل الْبَلَاء ; وَتَلَا هَذِهِ الْآيَة.
وَقَالَ :" اِلْتَقَى الْمَاء " وَالِالْتِقَاء إِنَّمَا يَكُون فِي اِثْنَيْنِ فَصَاعِدًا ; لِأَنَّ الْمَاء يَكُون جَمْعًا وَوَاحِدًا.
وَقِيلَ : لِأَنَّهُمَا لَمَّا اِجْتَمَعَا صَارَا مَاء وَاحِدًا.
وَقَرَأَ الْجَحْدَرِيّ :" فَالْتَقَى الْمَاءَانِ ".
وَقَرَأَ الْحَسَن :" فَالْتَقَى الْمَاوَانِ " وَهُمَا خِلَاف الْمَرْسُوم.
الْقُشَيْرِيّ : وَفِي بَعْض الْمَصَاحِف " فَالْتَقَى الْمَاوَانِ " وَهِيَ لُغَة طَيْء.
وَقِيلَ : كَانَ مَاء السَّمَاء بَارِدًا مِثْل الثَّلْج وَمَاء الْأَرْض حَارًّا مِثْل الْحَمِيم.
وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ
أَيْ عَلَى سَفِينَة ذَات أَلْوَاح.
وَدُسُرٍ
قَالَ قَتَادَة : يَعْنِي الْمَسَامِير الَّتِي دُسِرَتْ بِهَا السَّفِينَة أَيْ شُدَّتْ ; وَقَالَهُ الْقُرَظِيّ وَابْن زَيْد وَابْن جُبَيْر وَرَوَاهُ الْوَالِبِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس.
وَقَالَ الْحَسَن وَشَهْر بْن حَوْشَب وَعِكْرِمَة : هِيَ صَدْر السَّفِينَة الَّتِي تَضْرِب بِهَا الْمَوْج سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تَدْسُر الْمَاء أَيْ تَدْفَعهُ، وَالدَّسْر الدَّفْع وَالْمَخْر ; وَرَوَاهُ الْعَوْفِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : الدَّسْر كَلْكَل السَّفِينَة.
وَقَالَ اللَّيْث : الدِّسَار خَيْط مِنْ لِيف تُشَدّ بِهِ أَلْوَاح السَّفِينَة.
وَفِي الصِّحَاح : الدِّسَار وَاحِد الدُّسُر وَهِيَ خُيُوط تُشَدّ بِهَا أَلْوَاح السَّفِينَة، وَيُقَال : هِيَ الْمَسَامِير، وَقَالَ تَعَالَى :" عَلَى ذَات أَلْوَاح وَدُسُر ".
وَدُسْر أَيْضًا مِثْل عُسْر وَعُسُر.
وَالدَّسْر الدَّفْع ; قَالَ اِبْن عَبَّاس فِي الْعَنْبَر : إِنَّمَا هُوَ شَيْء يَدْسُرهُ الْبَحْر دَسْرًا أَيْ يَدْفَعهُ.
وَدَسَرَهُ بِالرُّمْحِ.
وَرَجُل مِدْسَر.
تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا
أَيْ بِمَرْأَى مِنَّا.
وَقِيلَ : بِأَمْرِنَا.
وَقِيلَ : بِحِفْظٍ مِنَّا وَكِلَاءَة : وَقَدْ مَضَى فِي " هُود ".
وَمِنْهُ قَوْل النَّاس لِلْمُوَدَّعِ : عَيْن اللَّه عَلَيْك ; أَيْ حِفْظه وَكِلَاءَته.
وَقِيلَ : بِوَحْيِنَا.
وَقِيلَ : أَيْ بِالْأَعْيُنِ النَّابِعَة مِنْ الْأَرْض.
وَقِيلَ : بِأَعْيُنِ أَوْلِيَائِنَا مِنْ الْمَلَائِكَة الْمُوَكَّلِينَ بِحِفْظِهَا، وَكُلّ مَا خَلَقَ اللَّه تَعَالَى يُمْكِن أَنْ يُضَاف إِلَيْهِ.
وَقِيلَ : أَيْ تَجْرِي بِأَوْلِيَائِنَا، كَمَا فِي الْخَبَر : مَرِضَ عَيْن مِنْ عُيُوننَا فَلَمْ تَعُدْهُ.
جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ
أَيْ جَعَلْنَا ذَلِكَ ثَوَابًا وَجَزَاء لِنُوحٍ عَلَى صَبْره عَلَى أَذَى قَوْمه وَهُوَ الْمَكْفُور بِهِ ; فَاللَّام فِي " لِمَنْ " لَام الْمَفْعُول لَهُ ; وَقِيلَ :" كُفِرَ " أَيْ جَحَدَ ; فـ " ـمَنْ " كِنَايَة عَنْ نُوح.
وَقِيلَ : كِنَايَة عَنْ اللَّه وَالْجَزَاء بِمَعْنَى الْعِقَاب ; أَيْ عِقَابًا لِكُفْرِهِمْ بِاَللَّهِ تَعَالَى.
وَقَرَأَ يَزِيد بْن رُومَان وَقَتَادَة وَمُجَاهِد وَحُمَيْد " جَزَاء لِمَنْ كَانَ كَفَرَ " بِفَتْحِ الْكَاف وَالْفَاء بِمَعْنَى : كَانَ الْغَرَق جَزَاء وَعِقَابًا لِمَنْ كَفَرَ بِاَللَّهِ، وَمَا نَجَا مِنْ الْغَرَق غَيْر عُوج بْن عُنُق ; كَانَ الْمَاء إِلَى حُجْزَته.
وَسَبَب نَجَاته أَنَّ نُوحًا اِحْتَاجَ إِلَى خَشَبَة السَّاج لِبِنَاءِ السَّفِينَة فَلَمْ يُمْكِنهُ حَمْلهَا، فَحَمَلَ عُوج تِلْكَ الْخَشَبَة إِلَيْهِ مِنْ الشَّام فَشَكَرَ اللَّه لَهُ ذَلِكَ، وَنَجَّاهُ مِنْ الْغَرَق.
وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً
يُرِيد هَذِهِ الْفَعْلَة عِبْرَة.
وَقِيلَ : أَرَادَ السَّفِينَة تَرَكَهَا آيَة لِمَنْ بَعْد قَوْم نُوح يَعْتَبِرُونَ بِهَا فَلَا يُكَذِّبُونَ الرُّسُل.
قَالَ قَتَادَة : أَبْقَاهَا اللَّه بِبَاقِرْدَى مِنْ أَرْض الْجَزِيرَة عِبْرَة وَآيَة، حَتَّى نَظَرَتْ إِلَيْهَا أَوَائِل هَذِهِ الْأُمَّة، وَكَمْ مِنْ سَفِينَة كَانَتْ بَعْدهَا فَصَارَتْ رَمَادًا.
فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ
مُتَّعِظ خَائِف، وَأَصْله مُذْتَكِر مُفْتَعِل مِنْ الذِّكْر، فَثَقُلَتْ عَلَى الْأَلْسِنَة فَقُلِبَتْ التَّاء دَالًا لِتُوَافِقَ الذَّال فِي الْجَهْر وَأُدْغِمَتْ الذَّال فِيهَا.
فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ
أَيْ إِنْذَارِي ; قَالَ الْفَرَّاء : إِنْذَارِي ; قَالَ مَصْدَرَانِ.
وَقِيلَ :" نُذُرِ " جَمْع نَذِير وَنَذِير بِمَعْنَى الْإِنْذَار كَنَكِيرٍ بِمَعْنَى الْإِنْكَار.
وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ
أَيْ سَهَّلْنَاهُ لِلْحِفْظِ وَأَعَنَّا عَلَيْهِ مَنْ أَرَادَ حِفْظه ; فَهَلْ مِنْ طَالِب لِحِفْظِهِ فَيُعَان عَلَيْهِ ؟ وَيَجُوز أَنْ يَكُون الْمَعْنَى : وَلَقَدْ هَيَّأْنَاهُ لِلذِّكْرِ مَأْخُوذ مِنْ يَسَّرَ نَاقَته لِلسَّفَرِ : إِذَا رَحَلَهَا وَيَسَّرَ فَرَسه لِلْغَزْوِ إِذَا أَسْرَجَهُ وَأَلْجَمَهُ ; قَالَ :
وَقُمْت إِلَيْهِ بِاللِّجَامِ مُيَسِّرًا هُنَالِكَ يَجْزِينِي الَّذِي كُنْت أَصْنَعُ
وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : لَيْسَ مِنْ كُتُب اللَّه كِتَاب يُقْرَأ كُلّه ظَاهِرًا إِلَّا الْقُرْآن ; وَقَالَ غَيْره : وَلَمْ يَكُنْ هَذَا لِبَنِي إِسْرَائِيل، وَلَمْ يَكُونُوا يَقْرَءُونَ التَّوْرَاة إِلَّا نَظَرًا، غَيْر مُوسَى وَهَارُون وَيُوشَع بْن نُون وَعُزَيْر صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِمْ، وَمِنْ أَجْل ذَلِكَ افْتُتِنُوا بِعُزَيْرٍ لَمَّا كَتَبَ لَهُمْ التَّوْرَاة عَنْ ظَهْر قَلْبه حِين أُحْرِقَتْ ; عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانه فِي سُورَة " التَّوْبَة " فَيَسَّرَ اللَّه تَعَالَى عَلَى هَذِهِ الْأُمَّة حِفْظ كِتَابه لِيَذَّكَّرُوا مَا فِيهِ ; أَيْ يَفْتَعِلُوا الذِّكْر، وَالِافْتِعَال هُوَ أَنْ يَنْجَع فِيهِمْ ذَلِكَ حَتَّى يَصِير كَالذَّاتِ وَكَالتَّرْكِيبِ.
فِيهِمْ.
فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ
قَارِئ يَقْرَؤُهُ.
وَقَالَ أَبُو بَكْر الْوَرَّاق وَابْن شَوْذَب : فَهَلْ مِنْ طَالِب خَيْر وَعِلْم فَيُعَان عَلَيْهِ، وَكَرَّرَ فِي هَذِهِ السُّورَة لِلتَّنْبِيهِ وَالْإِفْهَام.
وَقِيلَ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى اِقْتَصَّ فِي هَذِهِ السُّورَة عَلَى هَذِهِ الْأُمَّة أَنْبَاء الْأُمَم وَقَصَص الْمُرْسَلِينَ، وَمَا عَامَلَتْهُمْ بِهِ الْأُمَم، وَمَا كَانَ مِنْ عُقْبَى أُمُورهمْ وَأُمُور الْمُرْسَلِينَ ; فَكَانَ فِي كُلّ قِصَّة وَنَبَأ ذِكْر لِلْمُسْتَمِعِ أَنْ لَوْ ادَّكَرَ، وَإِنَّمَا كَرَّرَ هَذِهِ الْآيَة عِنْد ذِكْر كُلّ قِصَّة بِقَوْلِهِ :" فَهَلْ مِنْ مُدَّكِر " لِأَنَّ " هَلْ " كَلِمَة اِسْتِفْهَام تَسْتَدْعِي أَفْهَامهمْ الَّتِي رُكِّبَتْ فِي أَجْوَافهمْ وَجَعَلَهَا حُجَّة عَلَيْهِمْ ; فَاللَّام مِنْ " هَلْ " لِلِاسْتِعْرَاضِ وَالْهَاء لِلِاسْتِخْرَاجِ.
كَذَّبَتْ عَادٌ
هُمْ قَوْم هُود.
فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ
وَقَعَتْ " نُذُرِ " فِي هَذِهِ السُّورَة فِي سِتَّة أَمَاكِن مَحْذُوفَة الْيَاء فِي جَمِيع الْمَصَاحِف، وَقَرَأَهَا يَعْقُوب مُثْبَتَة فِي الْحَالَيْنِ، وَوَرْش فِي الْوَصْل لَا غَيْر، وَحَذَفَ الْبَاقُونَ.
وَلَا خِلَاف فِي حَذْف الْيَاء مِنْ قَوْله :" فَمَا تُغْنِ النُّذُر " [ الْقَمَر : ٥ ] وَالْوَاو مِنْ قَوْله :" يَدْعُ " فَأَمَّا الْيَاء مِنْ " الدَّاعِ " الْأُولَى فَأَثْبَتَهَا فِي الْحَالَيْنِ اِبْن مُحَيْصِن وَيَعْقُوب وَحُمَيْد وَالْبَزِّيّ، وَأَثْبَتَهَا وَرْش وَأَبُو عَمْرو فِي الْوَصْل، وَحَذَفَ الْبَاقُونَ.
وَأَمَّا " الدَّاعِ " الثَّانِيَة فَأَثْبَتَهَا يَعْقُوب وَابْن مُحَيْصِن وَابْن كَثِير فِي الْحَالَيْنِ، وَأَثْبَتَهَا أَبُو عَمْرو وَنَافِع فِي الْوَصْل، وَحَذَفَهَا الْبَاقُونَ
إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا
أَيْ شَدِيدَة الْبَرْد ; قَالَهُ قَتَادَة وَالضَّحَّاك.
وَقِيلَ : شَدِيدَة الصَّوْت.
وَقَدْ مَضَى فِي " حم السَّجْدَة ".
فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ
أَيْ فِي يَوْم كَانَ مَشْئُومًا عَلَيْهِمْ.
وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : أَيْ فِي يَوْم كَانُوا يَتَشَاءَمُونَ بِهِ.
الزَّجَّاج : قِيلَ فِي يَوْم أَرْبِعَاء.
اِبْن عَبَّاس : كَانَ آخِر أَرْبِعَاء فِي الشَّهْر أَفْنَى صَغِيرهمْ وَكَبِيرهمْ.
وَقَرَأَ هَارُون الْأَعْوَر " نَحِس " بِكَسْرِ الْحَاء وَقَدْ مَضَى الْقَوْل فِيهِ فِي فُصِّلَتْ " فِي أَيَّام نَحِسَات " [ فُصِّلَتْ : ١٦ ].
و " فِي يَوْم نَحْس مُسْتَمِرّ " أَيْ دَائِم الشُّؤْم اِسْتَمَرَّ عَلَيْهِمْ بِنُحُوسِهِ، وَاسْتَمَرَّ عَلَيْهِمْ فِيهِ الْعَذَاب إِلَى الْهَلَاك.
وَقِيلَ : اِسْتَمَرَّ بِهِمْ إِلَى نَار جَهَنَّم.
وَقَالَ الضَّحَّاك : كَانَ مُرًّا عَلَيْهِمْ.
وَكَذَا حَكَى الْكِسَائِيّ أَنَّ قَوْمًا قَالُوا هُوَ مِنْ الْمَرَارَة ; يُقَال : مُرَّ الشَّيْء وَأَمَرَّ أَيْ كَانَ كَالشَّيْءِ الْمُرّ تَكْرَههُ النُّفُوس.
وَقَدْ قَالَ :" فَذُوقُوا " وَاَلَّذِي يُذَاق قَدْ يَكُون مُرًّا.
وَقَدْ قِيلَ : هُوَ مِنْ الْمِرَّة بِمَعْنَى الْقُوَّة.
أَيْ فِي يَوْم نَحْس مُسْتَمِرّ مُسْتَحْكِم الشُّؤْم كَالشَّيْءِ الْمُحْكَم الْفَتْل الَّذِي لَا يُطَاق نَقْضه.
فَإِنْ قِيلَ : فَإِذَا كَانَ يَوْم الْأَرْبِعَاء يَوْم نَحْس مُسْتَمِرّ فَكَيْف يُسْتَجَاب فِيهِ الدُّعَاء ؟ وَقَدْ جَاءَ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اُسْتُجِيبَ لَهُ فِيهِ فِيمَا بَيْن الظُّهْر وَالْعَصْر.
وَقَدْ مَضَى فِي " الْبَقَرَة " حَدِيث جَابِر بِذَلِكَ.
فَالْجَوَاب - وَاَللَّه أَعْلَمُ - مَا جَاءَ فِي خَبَر يَرْوِيه مَسْرُوق عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :( أَتَانِي جِبْرِيل فَقَالَ إِنَّ اللَّه يَأْمُرك أَنْ تَقْضِيَ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِد وَقَالَ يَوْم الْأَرْبِعَاء يَوْم نَحْس مُسْتَمِرّ وَمَعْلُوم أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ أَنَّهُ نَحْس عَلَى الصَّالِحِينَ، بَلْ أَرَادَ أَنَّهُ نَحْس عَلَى الْفُجَّار وَالْمُفْسِدِينَ ; كَمَا كَانَتْ الْأَيَّام النَّحِسَات الْمَذْكُورَة فِي الْقُرْآن ; نَحِسَات عَلَى الْكُفَّار مِنْ قَوْم عَاد لَا عَلَى نَبِيّهمْ وَالْمُؤْمِنِينَ بِهِ مِنْهُمْ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَبْعُد أَنْ يُمْهَل الظَّالِم مِنْ أَوَّل يَوْم الْأَرْبِعَاء إِلَى أَنْ تَزُول الشَّمْس، فَإِذَا أَدْبَرَ النَّهَار وَلَمْ يُحْدِث رَجْعَة اُسْتُجِيبَ دُعَاء الْمَظْلُوم عَلَيْهِ، فَكَانَ الْيَوْم نَحْسًا عَلَى الظَّالِم ; وَدُعَاء النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا كَانَ عَلَى الْكُفَّار، وَقَوْل جَابِر فِي حَدِيثه " لَمْ يَنْزِل بِي أَمْر غَلِيظ " إِشَارَة إِلَى هَذَا.
وَاَللَّه أَعْلَمُ.
تَنْزِعُ النَّاسَ
فِي مَوْضِع الصِّفَة لِلرِّيحِ أَيْ تَقْلَعُهُمْ مِنْ مَوَاضِعهمْ.
قِيلَ : قَلَعَتْهُمْ مِنْ تَحْت أَقْدَامهمْ اِقْتِلَاع النَّخْلَة مِنْ أَصْلهَا.
وَقَالَ مُجَاهِد : كَانَتْ تَقْلَعُهُمْ مِنْ الْأَرْض، فَتَرْمِي بِهِمْ عَلَى رُءُوسهمْ فَتَنْدَقّ أَعْنَاقهمْ وَتَبِين رُءُوسهمْ عَنْ أَجْسَادهمْ.
وَقِيلَ : تَنْزِع النَّاس مِنْ الْبُيُوت.
وَقَالَ مُحَمَّد بْن كَعْب عَنْ أَبِيهِ قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( اِنْتَزَعَتْ الرِّيح النَّاس مِنْ قُبُورهمْ ).
وَقِيلَ : حَفَرُوا حُفَرًا وَدَخَلُوهَا فَكَانَتْ الرِّيح تَنْزِعهُمْ مِنْهَا وَتَكْسِرهُمْ، وَتُبْقِي تِلْكَ الْحُفَر كَأَنَّهَا أُصُول نَخْل قَدْ هَلَكَ مَا كَانَ فِيهَا فَتَبْقَى مَوَاضِعهَا مُنْقَعِرَة.
يُرْوَى أَنَّ سَبْعَة مِنْهُمْ حَفَرُوا حُفَرًا وَقَامُوا فِيهَا لِيَرُدُّوا الرِّيح.
قَالَ اِبْن إِسْحَاق : لَمَّا هَاجَتْ الرِّيح قَامَ نَفَرٌ سَبْعَة مِنْ عَاد سُمِّيَ لَنَا مِنْهُمْ سِتَّة مِنْ أَشَدّ عَاد وَأَجْسَمِهَا مِنْهُمْ عَمْرو بْن الْحِلِيّ وَالْحَارِث بْن شَدَّاد وَالْهِلْقَام وَابْنَا تِقْن وخلجان بْن سَعْد فَأَوْلَجُوا الْعِيَال فِي شِعْب بَيْن جَبَلَيْنِ، ثُمَّ اِصْطَفَوْا عَلَى بَاب الشِّعْب لِيَرُدُّوا الرِّيح عَمَّنْ فِي الشِّعْب مِنْ الْعِيَال، فَجَعَلَتْ الرِّيح تَجْعَفُهُمْ رَجُلًا رَجُلًا، فَقَالَتْ اِمْرَأَة مِنْ عَاد :
كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ
لِلَفْظِ النَّخْل وَهُوَ مِنْ الْجَمْع الَّذِي يُذَكَّر وَيُؤَنَّث.
وَالْمُنْقَعِر : الْمُنْقَلِع مِنْ أَصْله ; قَعَرْت الشَّجَرَة قَعْرًا قَلَعْتهَا مِنْ أَصْلهَا فَانْقَعَرَتْ.
الْكِسَائِيّ : قَعَرْت الْبِئْر أَيْ نَزَلْت حَتَّى اِنْتَهَيْت إِلَى قَعْرهَا، وَكَذَلِكَ الْإِنَاء إِذَا شَرِبْت مَا فِيهِ حَتَّى اِنْتَهَيْت إِلَى قَعْره.
وَأَقْعَرْت الْبِئْر جَعَلْت لَهَا قَعْرًا.
وَقَالَ أَبُو بَكْر بْن الْأَنْبَارِيّ : سُئِلَ الْمُبَرِّد بِحَضْرَةِ إِسْمَاعِيل الْقَاضِي عَنْ أَلْف مَسْأَلَة هَذِهِ مِنْ جُمْلَتهَا، فَقِيلَ لَهُ : مَا الْفَرْق بَيْن قَوْله تَعَالَى :" وَلِسُلَيْمَان الرِّيح عَاصِفَة " [ الْأَنْبِيَاء : ٨١ ] و " جَاءَتْهَا رِيح عَاصِف " [ يُونُس : ٢٢ ]، وَقَوْله :" كَأَنَّهُمْ أَعْجَاز نَخْل خَاوِيَة " [ الْحَاقَّة : ٧ ] و " أَعْجَاز نَخْل مُنْقَعِر " ؟ فَقَالَ : كُلّ مَا وَرَدَ عَلَيْك مِنْ هَذَا الْبَاب فَإِنْ شِئْت رَدَدْته إِلَى اللَّفْظ تَذْكِيرًا، أَوْ إِلَى الْمَعْنَى تَأْنِيثًا.
وَقِيلَ : إِنَّ النَّخْل وَالنَّخِيل بِمَعْنًى يُذَكَّر وَيُؤَنَّث، كَمَا ذَكَرْنَا.
الطَّبَرِيّ : فِي الْكَلَام حَذْف، وَالْمَعْنَى تَنْزِع النَّاس فَتَتْرُكهُمْ كَأَنَّهُمْ أَعْجَاز نَخْل مُنْقَعِر ; فَالْكَاف فِي مَوْضِع نَصْب بِالْمَحْذُوفِ.
الزَّجَّاج : الْكَاف فِي مَوْضِع نَصْب عَلَى الْحَال، وَالْمَعْنَى تَنْزِع النَّاس وَالْمَعْنَى تَنْزِع النَّاس مُشَبَّهِينَ بِأَعْجَازِ نَخْل.
وَالتَّشْبِيه قِيلَ إِنَّهُ لِلْحُفَرِ الَّتِي كَانُوا فِيهَا.
وَالْأَعْجَاز جَمْع عَجُز وَهُوَ مُؤَخَّر الشَّيْء، وَكَانَتْ عَاد مَوْصُوفِينَ بِطُولِ الْقَامَة، فَشُبِّهُوا بِالنَّخْلِ اِنْكَبَّتْ لِوُجُوهِهَا.
فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ
أَيْ إِنْذَارِي ; قَالَ الْفَرَّاء : إِنْذَارِي ; قَالَ مَصْدَرَانِ.
وَقِيلَ :" نُذُرِ " جَمْع نَذِير وَنَذِير بِمَعْنَى الْإِنْذَار كَنَكِير بِمَعْنَى الْإِنْكَار.
وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ
أَيْ سَهَّلْنَاهُ لِلْحِفْظِ وَأَعَنَّا عَلَيْهِ مَنْ أَرَادَ حِفْظه ; فَهَلْ مِنْ طَالِب لِحِفْظِهِ فَيُعَان عَلَيْهِ ؟ وَيَجُوز أَنْ يَكُون الْمَعْنَى : وَلَقَدْ هَيَّأْنَاهُ لِلذِّكْرِ مَأْخُوذ مِنْ يَسَّرَ نَاقَته لِلسَّفَرِ : إِذَا رَحَلَهَا وَيَسَّرَ فَرَسه لِلْغَزْوِ إِذَا أَسْرَجَهُ وَأَلْجَمَهُ ; قَالَ :
ذَهَبَ الدَّهْر بِعَمْرِو بْـ ـن حَلِيّ وَالْهَنِيَّات
ثُمَّ بِالْحَارِثِ وَالْهِلْـ ـقَامِ طَلَّاع الثَّنِيَّات
وَاَلَّذِي سَدّ مَهَبّ الرِّ يحِ أَيَّام الْبَلِيَّات
وَقُمْت إِلَيْهِ بِاللِّجَامِ مُيَسِّرًا هُنَالِكَ يَجْزِينِي الَّذِي كُنْت أَصْنَع
وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : لَيْسَ مِنْ كُتُب اللَّه كِتَاب يُقْرَأ كُلّه ظَاهِرًا إِلَّا الْقُرْآن ; وَقَالَ غَيْره : وَلَمْ يَكُنْ هَذَا لِبَنِي إِسْرَائِيل، وَلَمْ يَكُونُوا يَقْرَءُونَ التَّوْرَاة إِلَّا نَظَرًا، غَيْر مُوسَى وَهَارُون وَيُوشَع بْن نُون وَعُزَيْر صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِمْ، وَمِنْ أَجْل ذَلِكَ اُفْتُتِنُوا بِعُزَيْرٍ لَمَّا كَتَبَ لَهُمْ التَّوْرَاة عَنْ ظَهْر قَلْبه حِين أُحْرِقَتْ ; عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانه فِي سُورَة " التَّوْبَة " فَيَسَّرَ اللَّه تَعَالَى عَلَى هَذِهِ الْأُمَّة حِفْظ كِتَابه لِيَذَّكَّرُوا مَا فِيهِ ; أَيْ يَفْتَعِلُوا الذِّكْر، وَالِافْتِعَال هُوَ أَنْ يَنْجَع فِيهِمْ ذَلِكَ حَتَّى يَصِير كَالذَّاتِ وَكَالتَّرْكِيبِ.
فِيهِمْ.
فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ
قَارِئ يَقْرَؤُهُ.
وَقَالَ أَبُو بَكْر الْوَرَّاق وَابْن شَوْذَب : فَهَلْ مِنْ طَالِب خَيْر وَعِلْم فَيُعَان عَلَيْهِ، وَكُرِّرَ فِي هَذِهِ السُّورَة لِلتَّنْبِيهِ وَالْإِفْهَام.
وَقِيلَ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى اِقْتَصَّ فِي هَذِهِ السُّورَة عَلَى هَذِهِ الْأُمَّة أَنْبَاء الْأُمَم وَقَصَص الْمُرْسَلِينَ، وَمَا عَامَلَتْهُمْ بِهِ الْأُمَم، وَمَا كَانَ مِنْ عُقْبَى أُمُورهمْ وَأُمُور الْمُرْسَلِينَ ; فَكَانَ فِي كُلّ قِصَّة وَنَبَأ ذِكْر لِلْمُسْتَمِعِ أَنْ لَوْ اِدَّكَرَ، وَإِنَّمَا كَرَّرَ هَذِهِ الْآيَة عِنْد ذِكْر كُلّ قِصَّة بِقَوْلِهِ :" فَهَلْ مِنْ مُدَّكِر " لِأَنَّ " هَلْ " كَلِمَة اِسْتِفْهَام تَسْتَدْعِي أَفْهَامهمْ الَّتِي رُكِّبَتْ فِي أَجْوَافهمْ وَجَعَلَهَا حُجَّة عَلَيْهِمْ ; فَاللَّام مِنْ " هَلْ " لِلِاسْتِعْرَاضِ وَالْهَاء لِلِاسْتِخْرَاجِ.
كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ
هُمْ قَوْم صَالِح كَذَّبُوا الرُّسُل وَنَبِيّهمْ، أَوْ كَذَّبُوا بِالْآيَاتِ الَّتِي هِيَ النُّذُر
فَقَالُوا أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ
وَنَدَع جَمَاعَة.
وَقَرَأَ أَبُو الْأَشْهَب وَابْن السَّمَيْقَع وَأَبُو السَّمَّال الْعَدَوِيّ " أَبَشَر " بِالرَّفْعِ " وَاحِد " كَذَلِكَ رُفِعَ بِالِابْتِدَاءِ وَالْخَبَر " نَتَّبِعهُ ".
الْبَاقُونَ بِالنَّصْبِ عَلَى مَعْنَى أَنَتَّبِعُ بَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعهُ.
وَقَرَأَ أَبُو السَّمَّال :" أَبَشَر " بِالرَّفْعِ " مِنَّا وَاحِدًا " بِالنَّصْبِ، رَفَعَ " أَبَشَر " بِإِضْمَارِ فِعْل يَدُلّ عَلَيْهِ " أَأُلْقِيَ " كَأَنَّهُ قَالَ : أَيُنَبَّأُ بَشَر مِنَّا، وَقَوْله :" وَاحِدًا " يَجُوز أَنْ يَكُون حَالًا مِنْ الْمُضْمَر فِي " مِنَّا " وَالنَّاصِب لَهُ الظَّرْف، وَالتَّقْدِير أَيُنَبَّأُ بَشَر كَائِن مِنَّا مُنْفَرِدًا ; وَيَجُوز أَنْ يَكُون حَالًا مِنْ الضَّمِير فِي " نَتَّبِعهُ " مُنْفَرِدًا لَا نَاصِر لَهُ.
إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلَالٍ
أَيْ ذَهَاب عَنْ الصَّوَاب
وَسُعُرٍ
أَيْ جُنُون، مِنْ قَوْلهمْ : نَاقَة مَسْعُورَة، أَيْ كَأَنَّهَا مِنْ شِدَّة نَشَاطهَا مَجْنُونَة، ذَكَرَهُ اِبْن عَبَّاس.
قَالَ الشَّاعِر يَصِف نَاقَته :
تَخَال بِهَا سُعْرًا إِذَا السَّفْر هَزَّهَا ذَمِيل وَإِيقَاع مِنْ السَّيْر مُتْعِبُ
الذَّمِيل ضَرْب مِنْ سَيْر الْإِبِل.
قَالَ أَبُو عُبَيْد : إِذَا اِرْتَفَعَ السَّيْر عَنْ الْعَنَق قَلِيلًا فَهُوَ التَّزَيُّد، فَإِذَا اِرْتَفَعَ عَنْ ذَلِكَ فَهُوَ الذَّمِيل، ثُمَّ الرَّسِيم ; يُقَال : ذَمَلَ يَذْمُل وَيَذْمِلُ ذَمِيلًا.
قَالَ الْأَصْمَعِيّ : وَلَا يَذْمُل بَعِير يَوْمًا وَلَيْلَة إِلَّا مَهْرِيّ قَالَهُ ج.
وَقَالَ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا : السُّعُر الْعَذَاب، وَقَالَهُ الْفَرَّاء.
مُجَاهِد : بَعْد الْحَقّ.
السُّدِّيّ : فِي اِحْتِرَاق.
قَالَ :
أَصَحَوْت الْيَوْم أَمْ شَاقَتْك هِرْ وَمِنْ الْحُبّ جُنُون مُسْتَعِرْ
أَيْ مُتَّقِد وَمُحْتَرِق.
أَبُو عُبَيْدَة : هُوَ جَمْع سَعِير وَهُوَ لَهِيب النَّار.
وَالْبَعِير الْمَجْنُون يَذْهَب كَذَا وَكَذَا لِمَا يَتَلَهَّب بِهِ مِنْ الْحِدَّة.
وَمَعْنَى الْآيَة : إِنَّا إِذًا لَفِي شَقَاء وَعَنَاء مِمَّا يَلْزَمنَا.
أَؤُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا
أَيْ خُصِّصَ بِالرِّسَالَةِ مِنْ بَيْن آل ثَمُود وَفِيهِمْ مَنْ هُوَ أَكْثَر مَالًا وَأَحْسَن حَالًا ؟ ! وَهُوَ اِسْتِفْهَام مَعْنَاهُ الْإِنْكَار.
بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ
أَيْ لَيْسَ كَمَا يَدَّعِيه وَإِنَّمَا يُرِيد أَنْ يَتَعَاظَم وَيَلْتَمِس التَّكَبُّر عَلَيْنَا مِنْ غَيْر اِسْتِحْقَاق.
وَالْأَشَر الْمَرَح وَالتَّجَبُّر وَالنَّشَاط.
يُقَال : فَرَس أَشِر إِذَا كَانَ مَرِحًا نَشِيطًا قَالَ اِمْرُؤُ الْقَيْس يَصِف كَلْبًا :
فَيُدْرِكنَا فَغِمٌ دَاجِنٌ سَمِيع بَصِير طَلُوب نَكِرْ
أَلَصُّ الضُّرُوس حَنِيُّ الضُّلُوع تَبُوعٌ أَرِيب نَشِيط أَشِرْ
وَقِيلَ :" أَشِر " بَطِر.
وَالْأَشَر الْبَطَر ; قَالَ الشَّاعِر :
أَشِرْتُمْ بِلُبْسِ الْخَزّ لِمَا لَبِسْتُمُ وَمِنْ قَبْلُ مَا تَدْرُونَ مَنْ فَتَحَ الْقُرَى
وَقَدْ أَشِرَ بِالْكَسْرِ يَأْشَر أَشَرًا فَهُوَ أَشِر وَأَشْرَان، وَقَوْم أُشَارَى مِثْل سَكْرَان وَسُكَارَى ; قَالَ الشَّاعِر :
وَخَلَّتْ وُعُولًا أُشَارَى بِهَا وَقَدْ أَزْهَفَ الطَّعْنُ أَبْطَالَهَا
وَقِيلَ : إِنَّهُ الْمُتَعَدِّي إِلَى مَنْزِلَة لَا يَسْتَحِقّهَا ; وَالْمَعْنَى وَاحِد.
وَقَالَ اِبْن زَيْد وَعَبْد الرَّحْمَن بْن حَمَّاد : الْأَشِر الَّذِي لَا يُبَالِي مَا قَالَ.
وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَر وَأَبُو قِلَابَةَ " أَشَرّ " بِفَتْحِ الشِّين وَتَشْدِيد الرَّاء يَعْنِي بِهِ أَشَرّنَا وَأَخْبَثنَا.
سَيَعْلَمُونَ غَدًا
أَيْ سَيَرَوْنَ الْعَذَاب يَوْم الْقِيَامَة، أَوْ فِي حَال نُزُول الْعَذَاب بِهِمْ فِي الدُّنْيَا.
وَقَرَأَ اِبْن عَامِر وَحَمْزَة بِالتَّاءِ عَلَى أَنَّهُ مِنْ قَوْل صَالِح لَهُمْ عَلَى الْخِطَاب.
الْبَاقُونَ بِالْيَاءِ إِخْبَار مِنْ اللَّه تَعَالَى لِصَالِحٍ عَنْهُمْ.
وَقَوْله :" غَدًا " عَلَى التَّقْرِيب عَلَى عَادَة النَّاس فِي قَوْلهمْ لِلْعَوَاقِبِ : إِنَّ مَعَ الْيَوْم غَدًا ; قَالَ :
لِلْمَوْتِ فِيهَا سِهَامٌ غَيْر مُخْطِئَة مَنْ لَمْ يَكُنْ مَيِّتًا فِي الْيَوْم مَاتَ غَدَا
وَقَالَ الطِّرِمَّاح :
أَلَا عَلِّلَانِي قَبْل نَوْح النَّوَائِح وَقَبْل اِضْطِرَاب النَّفْس بَيْن الْجَوَانِح
وَقَبْل غَد يَا لَهْفَ نَفْسِي عَلَى غَد إِذَا رَاحَ أَصْحَابِي وَلَسْت بِرَائِحِ
وَإِنَّمَا أَرَادَ وَقْت الْمَوْت وَلَمْ يُرِدْ غَدًا بِعَيْنِهِ.
مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ
وَقَرَأَ أَبُو قِلَابَةَ " الْأَشَرّ " بِفَتْحِ الشِّين وَتَشْدِيد الرَّاء جَاءَ بِهِ عَلَى الْأَصْل.
قَالَ أَبُو حَاتِم : لَا تَكَاد الْعَرَب تَتَكَلَّم بِالْأَشَرِّ وَالْأَخْيَر إِلَّا فِي ضَرُورَة الشِّعْر ; كَقَوْلِ رُؤْبَة :
بِلَال خَيْر النَّاس وَابْن الْأَخْيَر
وَإِنَّمَا يَقُولُونَ هُوَ خَيْر قَوْمه، وَهُوَ شَرّ النَّاس ; قَالَ اللَّه تَعَالَى :" كُنْتُمْ خَيْر أُمَّة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ " [ آل عِمْرَان : ١١٠ ] وَقَالَ :" فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرّ مَكَانًا " [ مَرْيَم : ٧٥ ].
وَعَنْ أَبِي حَيْوَة بِفَتْحِ الشِّين وَتَخْفِيف الرَّاء.
وَعَنْ مُجَاهِد وَسَعِيد بْن جُبَيْر ضَمُّ الشِّين وَالرَّاء وَالتَّخْفِيف، قَالَ النَّحَّاس : وَهُوَ مَعْنَى " الْأَشِر " وَمِثْله رَجُل حَذِر وَحَذُر.
إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ
أَيْ مُخْرِجُوهَا مِنْ الْهَضْبَة الَّتِي سَأَلُوهَا، فَرُوِيَ أَنَّ صَالِحًا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَدَعَا فَانْصَدَعَتْ الصَّخْرَة الَّتِي عَيَّنُوهَا عَنْ سَنَامهَا، فَخَرَجَتْ نَاقَة عُشَرَاء وَبْرَاء.
فِتْنَةً لَهُمْ
أَيْ اِخْتِبَارًا وَهُوَ مَفْعُول لَهُ.
فَارْتَقِبْهُمْ
أَيْ اِنْتَظِرْ مَا يَصْنَعُونَ.
وَاصْطَبِرْ
أَيْ اِصْبِرْ عَلَى أَذَاهُمْ، وَأَصْل الطَّاء فِي اِصْطَبِرْ تَاء فَتَحَوَّلَتْ طَاء لِتَكُونَ مُوَافِقَة لِلصَّادِ فِي الْإِطْبَاق.
وَنَبِّئْهُمْ
أَيْ أَخْبِرْهُمْ
أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ
أَيْ بَيْن آل ثَمُود وَبَيْن النَّاقَة، لَهَا يَوْم وَلَهُمْ يَوْم، كَمَا قَالَ تَعَالَى :" لَهَا شِرْب وَلَكُمْ شِرْب يَوْم مَعْلُوم " [ الشُّعَرَاء : ١٥٥ ].
قَالَ اِبْن عَبَّاس : كَانَ يَوْم شِرْبهمْ لَا تَشْرَب النَّاقَة شَيْئًا مِنْ الْمَاء وَتَسْقِيهِمْ لَبَنًا وَكَانُوا فِي نَعِيم، وَإِذَا كَانَ يَوْم النَّاقَة شَرِبَتْ الْمَاء كُلّه فَلَمْ تُبْقِ لَهُمْ شَيْئًا.
وَإِنَّمَا قَالَ :" بَيْنهمْ " لِأَنَّ الْعَرَب إِذَا أَخْبَرُوا عَنْ بَنِي آدَم مَعَ الْبَهَائِم غَلَّبُوا بَنِي آدَم.
وَرَوَى أَبُو الزُّبَيْر عَنْ جَابِر قَالَ : لَمَّا نَزَلْنَا الْحِجْر فِي مَغْزَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبُوك، قَالَ :( أَيّهَا النَّاس لَا تَسْأَلُوا فِي هَذِهِ الْآيَات هَؤُلَاءِ قَوْم صَالِح سَأَلُوا نَبِيّهمْ أَنْ يَبْعَث اللَّه لَهُمْ نَاقَة فَبَعَثَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِمْ النَّاقَة فَكَانَتْ تَرِد مِنْ ذَلِكَ الْفَجّ فَتَشْرَب مَاءَهُمْ يَوْم وِرْدهَا وَيَحْلُبُونَ مِنْهَا مِثْل الَّذِي كَانُوا يَشْرَبُونَ يَوْم غِبّهَا ).
كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ
الشِّرْب - بِالْكَسْرِ - الْحَظّ مِنْ الْمَاء ; وَفِي الْمَثَل :( آخِرهَا أَقَلّهَا شِرْبًا ) وَأَصْله فِي سَقْي الْإِبِل، لِأَنَّ آخِرهَا يَرِد وَقَدْ نَزِفَ الْحَوْض.
وَمَعْنَى " مُحْتَضَر " أَيْ يَحْضُرهُ مَنْ هُوَ لَهُ ; فَالنَّاقَة تَحْضُر الْمَاء يَوْم وِرْدهَا، وَتَغِيب عَنْهُمْ يَوْم وِرْدهمْ ; قَالَهُ مُقَاتِل.
وَقَالَ مُجَاهِد : إِنَّ ثَمُود يَحْضُرُونَ الْمَاء يَوْم غِبِّهَا فَيَشْرَبُونَ، وَيَحْضُرُونَ اللَّبَن يَوْم وِرْدهَا فَيَحْتَلِبُونَ.
فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ
يَعْنِي بِالْحَضِّ عَلَى عَقْرهَا
فَتَعَاطَى فَعَقَرَ
وَمَعْنَى تَعَاطَى تَنَاوَلَ الْفِعْل ; مِنْ قَوْلهمْ : عَطَوْت أَيْ تَنَاوَلْت ; وَمِنْهُ قَوْل حَسَّان :
كِلْتَاهُمَا حَلَبُ الْعَصِير فَعَاطِنِي بِزُجَاجَةٍ أَرْخَاهُمَا لِلْمِفْصَلِ
قَالَ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق : فَكَمَنَ لَهَا فِي أَصْل شَجَرَة عَلَى طَرِيقهَا فَرَمَاهَا بِسَهْمٍ فَانْتَظَمَ بِهِ عَضَلَة سَاقهَا، ثُمَّ شَدَّ عَلَيْهَا بِالسَّيْفِ فَكَشَفَ عُرْقُوبهَا، فَخَرَّتْ وَرَغَتْ رُغَاءَة وَاحِدَة : تَحَدَّرَ سَقْبهَا مِنْ بَطْنهَا ثُمَّ نَحَرَهَا، وَانْطَلَقَ سَقْبهَا حَتَّى أَتَى صَخْرَة فِي رَأْس جَبَل فرغا ثُمَّ لَاذَ بِهَا، فَأَتَاهُمْ صَالِح عَلَيْهِ السَّلَام ; فَلَمَّا رَأَى النَّاقَة قَدْ عُقِرَتْ بَكَى وَقَالَ : قَدْ اِنْتَهَكْتُمْ حُرْمَة اللَّه فَأَبْشِرُوا بِعَذَابِ اللَّه.
وَقَدْ مَضَى فِي " الْأَعْرَاف " بَيَان هَذَا الْمَعْنَى.
قَالَ اِبْن عَبَّاس : وَكَانَ الَّذِي عَقَرَهَا أَحْمَر أَزْرَق أَشْقَر أَكْشَف أَقْفَى.
وَيُقَال فِي اِسْمه قُدَار بْن سَالِف.
وَقَالَ الْأَفْوَه الْأَوْدِيّ :
أَوْ قَبْله كَقُدَارٍ حِين تَابَعَهُ عَلَى الْغِوَايَةِ أَقْوَام فَقَدْ بَادُوا
وَالْعَرَب تُسَمِّي الْجَزَّار قُدَارًا تَشْبِيهًا بِقُدَارِ بْن سَالِف مَشْئُوم آل ثَمُود ; قَالَ مُهَلْهِل :
إِنَّا لَنَضْرِب بِالسُّيُوفِ رُءُوسهمْ ضَرْب الْقُدَارِ نَقِيعَة الْقُدَّام
وَذَكَرَهُ زُهَيْر فَقَالَ :
فَتُنْتَجْ لَكُمْ غِلْمَان أَشْأَم كُلّهمْ كَأَحْمَر عَاد ثُمَّ تُرْضِعْ فَتَفْطِمِ
يُرِيد الْحَرْب ; فَكَنَّى عَنْ ثَمُود بِعَادٍ.
فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ
أَيْ إِنْذَارِي ; قَالَ الْفَرَّاء : إِنْذَارِي ; قَالَ مَصْدَرَانِ.
وَقِيلَ :" نُذُرِ " جَمْع نَذِير وَنَذِير بِمَعْنَى الْإِنْذَار كَنَكِيرٍ بِمَعْنَى الْإِنْكَار.
إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً
يُرِيد صَيْحَة جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام، وَقَدْ مَضَى فِي " هُود ".
فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ
وَقَرَأَ الْحَسَن وَقَتَادَة وَأَبُو الْعَالِيَة " الْمُحْتَظَر " بِفَتْحِ الظَّاء أَرَادُوا الْحَظِيرَة.
الْبَاقُونَ بِالْكَسْرِ أَرَادُوا صَاحِب الْحَظِيرَة.
وَفِي الصِّحَاح : وَالْمُحْتَظِر الَّذِي يَعْمَل الْحَظِيرَة.
وَقُرِئَ " كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِر " فَمَنْ كَسَرَهُ جَعَلَهُ الْفَاعِل وَمَنْ فَتَحَهُ جَعَلَهُ الْمَفْعُول بِهِ.
وَيُقَال لِلرَّجُلِ الْقَلِيل الْخَيْر : إِنَّهُ لَنَكِد الْحَظِيرَة.
قَالَ أَبُو عُبَيْد : أَرَاهُ سَمَّى أَمْوَاله حَظِيرَة لِأَنَّهُ حَظَرَهَا عِنْده وَمَنَعَهَا، وَهِيَ فَعِيلَة بِمَعْنَى مَفْعُولَة.
الْمَهْدَوِيّ : مَنْ فَتَحَ الظَّاء مِنْ " الْمُحْتَظِر " فَهُوَ مَصْدَر، وَالْمَعْنَى كَهَشِيمِ الِاحْتِظَار.
وَيَجُوز أَنْ يَكُون " الْمُحْتَظِر " هُوَ الشَّجَر الْمُتَّخَذ مِنْهُ الْحَظِيرَة.
قَالَ اِبْن عَبَّاس :" الْمُحْتَظِر " هُوَ الرَّجُل يَجْعَل لِغَنَمِهِ حَظِيرَة بِالشَّجَرِ وَالشَّوْك ; فَمَا سَقَطَ مِنْ ذَلِكَ وَدَاسَتْهُ الْغَنَم فَهُوَ الْهَشِيم.
قَالَ :
أَثَرْنَ عَجَاجَةً كَدُخَانِ نَار تَشِبّ بِغَرْقَدٍ بَالٍ هَشِيمِ
وَعَنْهُ : كَحَشِيشٍ تَأْكُلهُ الْغَنَم.
وَعَنْهُ أَيْضًا : كَالْعِظَامِ النَّخِرَة الْمُحْتَرِقَة، وَهُوَ قَوْل قَتَادَة.
وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : هُوَ التُّرَاب الْمُتَنَاثِر مِنْ الْحِيطَان فِي يَوْم رِيح.
وَقَالَ سُفْيَان الثَّوْرِيّ : هُوَ مَا تَنَاثَرَ مِنْ الْحَظِيرَة إِذَا ضَرَبْتهَا بِالْعَصَا، وَهُوَ فَعِيل بِمَعْنَى مَفْعُول وَقَالَ اِبْن زَيْد : الْعَرَب تُسَمِّي كُلّ شَيْء كَانَ رَطْبًا فَيَبِسَ هَشِيمًا.
وَالْحَظْر الْمَنْع، وَالْمُحْتَظِر الْمُفْتَعِل يُقَال مِنْهُ : اِحْتَظَرَ عَلَى إِبِله وَحَظَرَ أَيْ جَمَعَ الشَّجَر وَوَضَعَ بَعْضه فَوْق بَعْض لِيَمْنَع بَرْد الرِّيح وَالسِّبَاع عَنْ إِبِله ; قَالَ الشَّاعِر :
تَرَى جِيَف الْمَطِيّ بِجَانِبَيْهِ كَأَنَّ عِظَامهَا خَشَب الْهَشِيم
وَعَنْ اِبْن عَبَّاس : أَنَّهُمْ كَانُوا مِثْل الْقَمْح الَّذِي دِيسَ وَهُشِّمَ ; فَالْمُحْتَظِر عَلَى هَذَا الَّذِي يَتَّخِذ حَظِيرَة عَلَى زَرْعه، وَالْهَشِيم فُتَات السُّنْبُلَة وَالتِّبْن.
وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ
أَيْ سَهَّلْنَاهُ لِلْحِفْظِ وَأَعَنَّا عَلَيْهِ مَنْ أَرَادَ حِفْظه ; فَهَلْ مِنْ طَالِب لِحِفْظِهِ فَيُعَان عَلَيْهِ ؟ وَيَجُوز أَنْ يَكُون الْمَعْنَى : وَلَقَدْ هَيَّأْنَاهُ لِلذِّكْرِ مَأْخُوذ مِنْ يَسَّرَ نَاقَته لِلسَّفَرِ : إِذَا رَحَلَهَا وَيَسَّرَ فَرَسه لِلْغَزْوِ إِذَا أَسْرَجَهُ وَأَلْجَمَهُ ; قَالَ :
وَقُمْت إِلَيْهِ بِاللِّجَامِ مُيَسِّرًا هُنَالِكَ يَجْزِينِي الَّذِي كُنْت أَصْنَعُ
وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : لَيْسَ مِنْ كُتُب اللَّه كِتَاب يُقْرَأ كُلّه ظَاهِرًا إِلَّا الْقُرْآن ; وَقَالَ غَيْره : وَلَمْ يَكُنْ هَذَا لِبَنِي إِسْرَائِيل، وَلَمْ يَكُونُوا يَقْرَءُونَ التَّوْرَاة إِلَّا نَظَرًا، غَيْر مُوسَى وَهَارُون وَيُوشَع بْن نُون وَعُزَيْر صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِمْ، وَمِنْ أَجْل ذَلِكَ اُفْتُتِنُوا بِعُزَيْرٍ لَمَّا كَتَبَ لَهُمْ التَّوْرَاة عَنْ ظَهْر قَلْبه حِين أُحْرِقَتْ ; عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانه فِي سُورَة " التَّوْبَة " فَيَسَّرَ اللَّه تَعَالَى عَلَى هَذِهِ الْأُمَّة حِفْظ كِتَابه لِيَذَّكَّرُوا مَا فِيهِ ; أَيْ يَفْتَعِلُوا الذِّكْر، وَالِافْتِعَال هُوَ أَنْ يَنْجَع فِيهِمْ ذَلِكَ حَتَّى يَصِير كَالذَّاتِ وَكَالتَّرْكِيبِ.
فِيهِمْ.
فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ
قَارِئ يَقْرَؤُهُ.
وَقَالَ أَبُو بَكْر الْوَرَّاق وَابْن شَوْذَب : فَهَلْ مِنْ طَالِب خَيْر وَعِلْم فَيُعَان عَلَيْهِ، وَكَرَّرَ فِي هَذِهِ السُّورَة لِلتَّنْبِيهِ وَالْإِفْهَام.
وَقِيلَ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى اِقْتَصَّ فِي هَذِهِ السُّورَة عَلَى هَذِهِ الْأُمَّة أَنْبَاء الْأُمَم وَقَصَص الْمُرْسَلِينَ، وَمَا عَامَلَتْهُمْ بِهِ الْأُمَم، وَمَا كَانَ مِنْ عُقْبَى أُمُورهمْ وَأُمُور الْمُرْسَلِينَ ; فَكَانَ فِي كُلّ قِصَّة وَنَبَأ ذِكْر لِلْمُسْتَمِعِ أَنْ لَوْ اِدَّكَرَ، وَإِنَّمَا كَرَّرَ هَذِهِ الْآيَة عِنْد ذِكْر كُلّ قِصَّة بِقَوْلِهِ :" فَهَلْ مِنْ مُدَّكِر " لِأَنَّ " هَلْ " كَلِمَة اِسْتِفْهَام تَسْتَدْعِي أَفْهَامهمْ الَّتِي رُكِّبَتْ فِي أَجْوَافهمْ وَجَعَلَهَا حُجَّة عَلَيْهِمْ ; فَاللَّام مِنْ " هَلْ " لِلِاسْتِعْرَاضِ وَالْهَاء لِلِاسْتِخْرَاجِ.
كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ
أَخْبَرَ عَنْ قَوْم لُوط أَيْضًا لَمَّا كَذَّبُوا لُوطًا.
إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا
أَيْ رِيحًا تَرْمِيهِمْ بِالْحَصْبَاءِ وَهِيَ الْحَصَى ; قَالَ النَّضْر : الْحَاصِب الْحَصْبَاء فِي الرِّيح.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة : الْحَاصِب الْحِجَارَة.
وَفِي الصِّحَاح : وَالْحَاصِب الرِّيح الشَّدِيدَة الَّتِي تُثِير الْحَصْبَاء وَكَذَلِكَ الْحَصِبَة ; قَالَ لَبِيد :
جَرَّتْ عَلَيْهَا أَنْ خَوَتْ مِنْ أَهْلهَا أَذْيَالَهَا كُلُّ عَصُوفٍ حَصِبَهْ
عَصَفَتْ الرِّيح أَيْ اِشْتَدَّتْ فَهِيَ رِيح عَاصِف وَعَصُوف.
وَقَالَ الْفَرَزْدَق :
إِلَّا آلَ لُوطٍ
يَعْنِي مَنْ تَبِعَهُ عَلَى دِينه وَلَمْ يَكُنْ إِلَّا بِنْتَاهُ
نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ
قَالَ الْأَخْفَش : إِنَّمَا أَجْرَاهُ لِأَنَّهُ نَكِرَة، وَلَوْ أَرَادَ سَحَر يَوْم بِعَيْنِهِ لَمَا أَجْرَاهُ، وَنَظِيره :" اِهْبِطُوا مِصْرًا " [ الْبَقَرَة : ٦١ ] لَمَّا نَكَّرَهُ، فَلَمَّا عَرَّفَهُ فِي قَوْله :" اُدْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّه " [ يُوسُف : ٩٩ ] لَمْ يُجْرِهِ، وَكَذَا قَالَ الزَّجَّاج :" سَحَر " إِذَا كَانَ نَكِرَة يُرَاد بِهِ سَحَر مِنْ الْأَسْحَار يُصْرَف، تَقُول أَتَيْته سَحَرًا، فَإِذَا أَرَدْت سَحَر يَوْمك لَمْ تَصْرِفهُ، تَقُول : أَتَيْته سَحَرَ يَا هَذَا، وَأَتَيْته بِسَحَرَ.
وَالسَّحَر : هُوَ مَا بَيْن آخِر اللَّيْل وَطُلُوع الْفَجْر، وَهُوَ فِي كَلَام الْعَرَب اِخْتِلَاط سَوَاد اللَّيْل بِبَيَاضِ أَوَّل النَّهَار ; لِأَنَّ فِي هَذَا الْوَقْت يَكُون مَخَايِيل اللَّيْل وَمَخَايِيل النَّهَار.
نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا
إِنْعَامًا مِنَّا عَلَى لُوط وَابْنَتَيْهِ ; فَهُوَ نُصِبَ لِأَنَّهُ مَفْعُول بِهِ.
كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ
أَيْ مَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ وَأَطَاعَهُ.
وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ
"يَعْنِي لُوطًا خَوَّفَهُمْ
بَطْشَتَنَا
عُقُوبَتنَا وَأَخْذنَا إِيَّاهُمْ بِالْعَذَابِ
فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ
أَيْ شَكُّوا فِيمَا أَنْذَرَهُمْ بِهِ الرَّسُول وَلَمْ يُصَدِّقُوهُ، وَهُوَ تَفَاعُل مِنْ الْمِرْيَة.
وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ
أَيْ أَرَادُوا مِنْهُ تَمْكِينهمْ مِمَّنْ كَانَ أَتَاهُ مِنْ الْمَلَائِكَة فِي هَيْئَة الْأَضْيَاف طَلَبًا لِلْفَاحِشَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ.
يُقَال : رَاوَدْته عَلَى كَذَا مُرَاوَدَة وَرِوَادًا أَيْ أَرَدْته.
وَرَادَ الْكَلَأ يَرُودهُ رَوْدًا وَرِيَادًا، وَارْتَادَهُ اِرْتِيَادًا بِمَعْنًى أَيْ طَلَبَهُ ; وَفِي الْحَدِيث :( إِذَا بَالَ أَحَدكُمْ فَلْيَرْتَدْ لِبَوْلِهِ ) أَيْ يَطْلُب مَكَانًا لَيِّنًا أَوْ مُنْحَدِرًا.
فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ
يُرْوَى أَنَّ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام ضَرَبَهُمْ بِجَنَاحِهِ فَعَمُوا.
وَقِيلَ : صَارَتْ أَعْيُنهمْ كَسَائِرِ الْوَجْه لَا يُرَى لَهَا شَقّ، كَمَا تَطْمِس الرِّيح الْأَعْلَام بِمَا تُسْفِي عَلَيْهَا مِنْ التُّرَاب.
وَقِيلَ : لَا، بَلْ أَعْمَاهُمْ اللَّه مَعَ صِحَّة أَبْصَارهمْ فَلَمْ يَرَوْهُمْ.
قَالَ الضَّحَّاك : طَمَسَ اللَّه عَلَى أَبْصَارهمْ فَلَمْ يَرَوْا الرُّسُل ; فَقَالُوا : لَقَدْ رَأَيْنَاهُمْ حِين دَخَلُوا الْبَيْت فَأَيْنَ ذَهَبُوا ؟ فَرَجَعُوا وَلَمْ يَرَوْهُمْ.
فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ
أَيْ فَقُلْنَا لَهُمْ ذُوقُوا، وَالْمُرَاد مِنْ هَذَا الْأَمْر الْخَبَر ; أَيْ فَأَذَقْتهمْ عَذَابِي الَّذِي أَنْذَرَهُمْ بِهِ لُوط.
وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ
أَيْ دَائِم عَامّ اِسْتَقَرَّ فِيهِمْ حَتَّى يُفْضِي بِهِمْ إِلَى عَذَاب الْآخِرَة.
وَذَلِكَ الْعَذَاب قَلْب قَرْيَتهمْ عَلَيْهِمْ وَجَعْل أَعْلَاهَا أَسْفَلهَا.
و " بُكْرَة " هُنَا نَكِرَة فَلِذَلِكَ صُرِفَتْ.
فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ
الْعَذَاب الَّذِي نَزَلَ، بِهِمْ مِنْ طَمْس الْأَعْيُن غَيْر الْعَذَاب الَّذِي أُهْلِكُوا بِهِ فَلِذَلِكَ حَسُنَ التَّكْرِير.
وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ
أَيْ سَهَّلْنَاهُ لِلْحِفْظِ وَأَعَنَّا عَلَيْهِ مَنْ أَرَادَ حِفْظه ; فَهَلْ مِنْ طَالِب لِحِفْظِهِ فَيُعَان عَلَيْهِ ؟ وَيَجُوز أَنْ يَكُون الْمَعْنَى : وَلَقَدْ هَيَّأْنَاهُ لِلذِّكْرِ مَأْخُوذ مِنْ يَسَّرَ نَاقَته لِلسَّفَرِ : إِذَا رَحَلَهَا وَيَسَّرَ فَرَسه لِلْغَزْوِ إِذَا أَسْرَجَهُ وَأَلْجَمَهُ ; قَالَ :
مُسْتَقْبِلِينَ شَمَال الشَّام تَضْرِبنَا بِحَاصِبٍ كَنَدِيفِ الْقُطْن مَنْثُور
وَقُمْت إِلَيْهِ بِاللِّجَامِ مُيَسِّرًا هُنَالِكَ يَجْزِينِي الَّذِي كُنْت أَصْنَع
وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : لَيْسَ مِنْ كُتُب اللَّه كِتَاب يُقْرَأ كُلّه ظَاهِرًا إِلَّا الْقُرْآن ; وَقَالَ غَيْره : وَلَمْ يَكُنْ هَذَا لِبَنِي إِسْرَائِيل، وَلَمْ يَكُونُوا يَقْرَءُونَ التَّوْرَاة إِلَّا نَظَرًا، غَيْر مُوسَى وَهَارُون وَيُوشَع بْن نُون وَعُزَيْر صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِمْ، وَمِنْ أَجْل ذَلِكَ اُفْتُتِنُوا بِعُزَيْرٍ لَمَّا كَتَبَ لَهُمْ التَّوْرَاة عَنْ ظَهْر قَلْبه حِين أُحْرِقَتْ ; عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانه فِي سُورَة " التَّوْبَة " فَيَسَّرَ اللَّه تَعَالَى عَلَى هَذِهِ الْأُمَّة حِفْظ كِتَابه لِيَذَّكَّرُوا مَا فِيهِ ; أَيْ يَفْتَعِلُوا الذِّكْر، وَالِافْتِعَال هُوَ أَنْ يَنْجَع فِيهِمْ ذَلِكَ حَتَّى يَصِير كَالذَّاتِ وَكَالتَّرْكِيبِ فِيهِمْ.
فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ
قَارِئ يَقْرَؤُهُ.
وَقَالَ أَبُو بَكْر الْوَرَّاق وَابْن شَوْذَب : فَهَلْ مِنْ طَالِب خَيْر وَعِلْم فَيُعَان عَلَيْهِ، وَكَرَّرَ فِي هَذِهِ السُّورَة لِلتَّنْبِيهِ وَالْإِفْهَام.
وَقِيلَ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى اِقْتَصَّ فِي هَذِهِ السُّورَة عَلَى هَذِهِ الْأُمَّة أَنْبَاء الْأُمَم وَقَصَص الْمُرْسَلِينَ، وَمَا عَامَلَتْهُمْ بِهِ الْأُمَم، وَمَا كَانَ مِنْ عُقْبَى أُمُورهمْ وَأُمُور الْمُرْسَلِينَ ; فَكَانَ فِي كُلّ قِصَّة وَنَبَأ ذِكْر لِلْمُسْتَمِعِ أَنْ لَوْ اِدَّكَرَ، وَإِنَّمَا كَرَّرَ هَذِهِ الْآيَة عِنْد ذِكْر كُلّ قِصَّة بِقَوْلِهِ :" فَهَلْ مِنْ مُدَّكِر " لِأَنَّ " هَلْ " كَلِمَة اِسْتِفْهَام تَسْتَدْعِي أَفْهَامهمْ الَّتِي رُكِّبَتْ فِي أَجْوَافهمْ وَجَعَلَهَا حُجَّة عَلَيْهِمْ ; فَاللَّام مِنْ " هَلْ " لِلِاسْتِعْرَاضِ وَالْهَاء لِلِاسْتِخْرَاجِ.
وَلَقَدْ جَاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ
" آل فِرْعَوْن " يَعْنِي الْقِبْط و " النُّذُر " مُوسَى وَهَارُون.
وَقَدْ يُطْلَق لَفْظ الْجَمْع عَلَى الِاثْنَيْنِ.
كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كُلِّهَا
مُعْجِزَاتنَا الدَّالَّة عَلَى تَوْحِيدنَا وَنُبُوَّة أَنْبِيَائِنَا ; وَهِيَ الْعَصَا، وَالْيَد، وَالسُّنُونَ، وَالطَّمْسَة، وَالطُّوفَان، وَالْجَرَاد، وَالْقُمَّل، وَالضَّفَادِع، وَالدَّم.
وَقِيلَ :" النُّذُر " الرُّسُل ; فَقَدْ جَاءَهُمْ يُوسُف وَبَنُوهُ إِلَى أَنْ جَاءَهُمْ مُوسَى.
وَقِيلَ :" النُّذُر " الْإِنْذَار.
فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ
أَيْ غَالِب فِي اِنْتِقَامه
مُقْتَدِرٍ
أَيْ قَادِر عَلَى مَا أَرَادَ.
أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ
خَاطَبَ الْعَرَب.
وَقِيلَ : أَرَادَ كُفَّار أُمَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقِيلَ : اِسْتِفْهَام، وَهُوَ اِسْتِفْهَام إِنْكَار وَمَعْنَاهُ النَّفْي ; أَيْ لَيْسَ كُفَّاركُمْ خَيْرًا مِنْ كُفَّار مَنْ تَقَدَّمَ مِنْ الْأُمَم الَّذِينَ أُهْلِكُوا بِكُفْرِهِمْ.
أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ
أَيْ فِي الْكُتُب الْمُنَزَّلَة عَلَى الْأَنْبِيَاء بِالسَّلَامَةِ مِنْ الْعُقُوبَة.
وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : أَمْ لَكُمْ فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ بَرَاءَة مِنْ الْعَذَاب.
أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ
أَيْ جَمَاعَة لَا تُطَاق لِكَثْرَةِ عَدَدهمْ وَقُوَّتهمْ، وَلَمْ يَقُلْ مُنْتَصِرِينَ اِتِّبَاعًا لِرُءُوسِ الْآي ; فَرَدَّ اللَّه عَلَيْهِمْ فَقَالَ :
سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ
أَيْ جَمْع كُفَّار مَكَّة، وَقَدْ كَانَ ذَلِكَ يَوْم بَدْر وَغَيْره.
وَقِرَاءَة الْعَامَّة " سَيُهْزَمُ " بِالْيَاءِ عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِله " الْجَمْع " بِالرَّفْعِ.
وَقَرَأَ رُوَيْس عَنْ يَعْقُوب " سَنُهْزَمُ " بِالنُّونِ وَكَسْر الزَّاي " الْجَمْع " نَصْبًا.
وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ
قِرَاءَة الْعَامَّة بِالْيَاءِ عَلَى الْخَبَر عَنْهُمْ.
وَقَرَأَ عِيسَى وَابْن إِسْحَاق وَرُوَيْس عَنْ يَعْقُوب " وَتُوَلُّونَ " بِالتَّاءِ عَلَى الْخِطَاب.
و " الدُّبُر " اِسْم جِنْس كَالدِّرْهَمِ وَالدِّينَار فَوُحِّدَ وَالْمُرَاد الْجَمْع لِأَجْلِ رُءُوس الْآي.
وَقَالَ مُقَاتِل : ضَرَبَ أَبُو جَهْل فَرَسه يَوْم بَدْر فَتَقَدَّمَ مِنْ الصَّفّ وَقَالَ : نَحْنُ نَنْتَصِر الْيَوْم مِنْ مُحَمَّد وَأَصْحَابه ; فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى :" نَحْنُ جَمِيع مُنْتَصِر.
سَيُهْزَمُ الْجَمْع وَيُوَلُّونَ الدُّبُر ".
وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر قَالَ سَعْد بْن أَبِي وَقَّاص : لَمَّا نَزَلَ قَوْله تَعَالَى :" سَيُهْزَمُ الْجَمْع وَيُوَلُّونَ الدُّبُر " كُنْت لَا أَدْرِي أَيّ الْجَمْع يَنْهَزِم، فَلَمَّا كَانَ يَوْم بَدْر رَأَيْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَثِب فِي الدِّرْع وَيَقُول : اللَّهُمَّ إِنَّ قُرَيْشًا جَاءَتْك تُحَادُّك وَتُحَادُّ رَسُولك بِفَخْرِهَا وَخُيَلَائِهَا فَأَخْنِهِمْ الْغَدَاة - ثُمَّ قَالَ - " سَيُهْزَمُ الْجَمْع وَيُوَلُّونَ الدُّبُر " فَعَرَفْت تَأْوِيلهَا.
وَهَذَا مِنْ مُعْجِزَات النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْ غَيْب فَكَانَ كَمَا أَخْبَرَ.
أَخْنَى عَلَيْهِ الدَّهْر : أَيْ أَتَى عَلَيْهِ وَأَهْلَكَهُ، وَمِنْهُ قَوْل النَّابِغَة :
أَخْنَى عَلَيْهِ الَّذِي أَخْنَى عَلَى لُبَدِ
وَأَخْنَيْت عَلَيْهِ : أَفْسَدْت.
قَالَ اِبْن عَبَّاس : كَانَ بَيْن نُزُول هَذِهِ الْآيَة وَبَيْن بَدْر سَبْع سِنِينَ ; فَالْآيَة عَلَى هَذَا مَكِّيَّة.
وَفِي الْبُخَارِيّ عَنْ عَائِشَة أُمّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّه عَنْهَا قَالَتْ : لَقَدْ أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّة وَإِنِّي لَجَارِيَة أَلْعَب :" بَلْ السَّاعَة مَوْعِدهمْ وَالسَّاعَة أَدْهَى وَأَمَرّ ".
وَعَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَهُوَ فِي قُبَّة لَهُ يَوْم بَدْر :( أَنْشُدُك عَهْدك وَوَعْدك اللَّهُمَّ إِنْ شِئْت لَمْ تُعْبَد بَعْد الْيَوْم أَبَدًا ) فَأَخَذَ أَبُو بَكْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ بِيَدِهِ وَقَالَ : حَسْبك يَا رَسُول اللَّه فَقَدْ أَلْحَحْت عَلَى رَبّك ; وَهُوَ فِي الدِّرْع فَخَرَجَ وَهُوَ يَقُول :" سَيُهْزَمُ الْجَمْع وَيُوَلُّونَ الدُّبُر ".
بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ
يُرِيد الْقِيَامَة.
وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ
أَيْ أَدْهَى وَأَمَرّ مِمَّا لَحِقَهُمْ يَوْم بَدْر.
و " أَدْهَى " مِنْ الدَّاهِيَة وَهِيَ الْأَمْر الْعَظِيم ; يُقَال : دَهَاهُ أَمْر كَذَا - أَيْ أَصَابَهُ - دَهْوًا وَدَهْيًا.
وَقَالَ اِبْن السِّكِّيت : دَهَتْهُ دَاهِيَة دَهْوَاء وَدَهْيَاء وَهِيَ تَوْكِيد لَهَا.
إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ
أَيْ فِي حَيْدَة عَنْ الْحَقّ و " سُعُر " أَيْ اِحْتِرَاق.
وَقِيلَ : جُنُون عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي هَذِهِ السُّورَة.
يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ
فِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : جَاءَ مُشْرِكُو قُرَيْش يُخَاصِمُونَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْقَدَر فَنَزَلَتْ :" يَوْم يُسْحَبُونَ فِي النَّار عَلَى وُجُوههمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ.
إِنَّا كُلّ شَيْء خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ " خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيّ أَيْضًا وَقَالَ : حَدِيث حَسَن صَحِيح.
وَرَوَى مُسْلِم عَنْ طَاوُس قَالَ : أَدْرَكْت نَاسًا مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُونَ : كُلّ شَيْء بِقَدَرٍ.
قَالَ : وَسَمِعْت عَبْد اللَّه بْن عُمَر يَقُول : قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( كُلّ شَيْء بِقَدَرٍ حَتَّى الْعَجْز وَالْكَيْس - أَوْ الْكَيْس وَالْعَجْز ) وَهَذَا إِبْطَال لِمَذْهَبِ الْقَدَرِيَّة.
" ذُوقُوا " أَيْ يُقَال لَهُمْ ذُوقُوا، وَمَسُّهَا مَا يَجِدُونَ مِنْ الْأَلَم عِنْد الْوُقُوع فِيهَا.
و " سَقَرَ " اِسْم مِنْ أَسْمَاء جَهَنَّم لَا يَنْصَرِف ; لِأَنَّهُ اِسْم مُؤَنَّث مَعْرِفَة، وَكَذَا لَظَى وَجَهَنَّم.
وَقَالَ عَطَاء :" سَقَر " الطَّبَق السَّادِس مِنْ جَهَنَّم.
وَقَالَ قُطْرُب :" سَقَر " مِنْ سَقَرَتْهُ الشَّمْس وَصَقَرَتْهُ لَوَّحَتْهُ.
وَيَوْم مُسَمْقِر وَمُصَمْقِر : شَدِيد الْحَرّ.
إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ
قِرَاءَة الْعَامَّة " كُلَّ " بِالنَّصْبِ.
وَقَرَأَ أَبُو السَّمَّال " كُلُّ " بِالرَّفْعِ عَلَى الِابْتِدَاء.
وَمَنْ نَصَبَ فَبِإِضْمَارِ فِعْل وَهُوَ اِخْتِيَار الْكُوفِيِّينَ ; لِأَنَّ إِنَّ تَطْلُب الْفِعْل فَهِيَ بِهِ أَوْلَى، وَالنَّصْب أَدَلّ عَلَى الْعُمُوم فِي الْمَخْلُوقَات لِلَّهِ تَعَالَى ; لِأَنَّك لَوْ حَذَفْت " خَلَقْنَاهُ " الْمُفَسِّر وَأَظْهَرْت الْأَوَّل لَصَارَ إِنَّا خَلَقْنَا كُلّ شَيْء بِقَدَرٍ.
وَلَا يَصِحّ كَوْن خَلَقْنَاهُ صِفَة لِشَيْءٍ ; لِأَنَّ الصِّفَة لَا تَعْمَل فِيمَا قَبْل الْمَوْصُوف، وَلَا تَكُون تَفْسِيرًا لِمَا يَعْمَل فِيمَا قَبْله.
" إِنَّا كُلّ شَيْء خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ "
الَّذِي عَلَيْهِ أَهْل السُّنَّة أَنَّ اللَّه سُبْحَانه قَدَّرَ الْأَشْيَاء ; أَيْ عَلِمَ مَقَادِيرهَا وَأَحْوَالهَا وَأَزْمَانهَا قَبْل إِيجَادهَا، ثُمَّ أَوْجَدَ مِنْهَا مَا سَبَقَ فِي عِلْمه أَنَّهُ يُوجِدهُ عَلَى نَحْو مَا سَبَقَ فِي عِلْمه، فَلَا يَحْدُث حَدَث فِي الْعَالَم الْعُلْوِيّ وَالسُّفْلِيّ إِلَّا وَهُوَ صَادِر عَنْ عِلْمه تَعَالَى وَقُدْرَته وَإِرَادَته دُون خَلْقه، وَأَنَّ الْخَلْق لَيْسَ لَهُمْ فِيهَا إِلَّا نَوْع اِكْتِسَاب وَمُحَاوَلَة وَنِسْبَة وَإِضَافَة، وَأَنَّ ذَلِكَ كُلّه إِنَّمَا حَصَلَ لَهُمْ بِتَيْسِيرِ اللَّه تَعَالَى وَبِقُدْرَتِهِ وَتَوْفِيقه وَإِلْهَامه، سُبْحَانه لَا إِلَه إِلَّا هُوَ، وَلَا خَالِق غَيْره ; كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْقُرْآن وَالسُّنَّة، لَا كَمَا قَالَتْ الْقَدَرِيَّة وَغَيْرهمْ مِنْ أَنَّ الْأَعْمَال إِلَيْنَا وَالْآجَال بِيَدِ غَيْرنَا.
قَالَ أَبُو ذَرّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : قَدِمَ وَفْد نَجْرَان عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا : الْأَعْمَال إِلَيْنَا وَالْآجَال بِيَدِ غَيْرنَا ; فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَات إِلَى قَوْله :" إِنَّا كُلّ شَيْء خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ " فَقَالُوا : يَا مُحَمَّد يَكْتُب عَلَيْنَا الذَّنْب وَيُعَذِّبنَا ؟ فَقَالَ :( أَنْتُمْ خُصَمَاء اللَّه يَوْم الْقِيَامَة ).
رَوَى أَبُو الزُّبَيْر عَنْ جَابِر بْن عَبْد اللَّه رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( إِنَّ مَجُوس هَذِهِ الْأُمَّة الْمُكَذِّبُونَ بِأَقْدَارِ اللَّه إِنْ مَرِضُوا فَلَا تَعُودُوهُمْ وَإِنْ مَاتُوا فَلَا تَشْهَدُوهُمْ وَإِنْ لَقِيتُمُوهُمْ فَلَا تُسَلِّمُوا عَلَيْهِمْ ).
خَرَّجَهُ اِبْن مَاجَهْ فِي سُنَنه.
وَخَرَّجَ أَيْضًا عَنْ اِبْن عَبَّاس وَجَابِر قَالَا : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( صِنْفَانِ مِنْ أُمَّتِي لَيْسَ لَهُمْ فِي الْإِسْلَام نَصِيب أَهْل الْإِرْجَاء وَالْقَدَر ).
وَأَسْنَدَ النَّحَّاس : وَحَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن شَرِيك الْكُوفِيّ قَالَ حَدَّثَنَا عُقْبَة بْن مُكْرَم الضَّبِّيّ قَالَ حَدَّثَنَا يُونُس بْن بُكَيْر عَنْ سَعِيد بْن مَيْسَرَة عَنْ أَنَس قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( الْقَدَرِيَّة الَّذِينَ يَقُولُونَ الْخَيْر وَالشَّرّ بِأَيْدِينَا لَيْسَ لَهُمْ فِي شَفَاعَتِي نَصِيب وَلَا أَنَا مِنْهُمْ وَلَا هُمْ مِنِّي ) وَفِي صَحِيح مُسْلِم أَنَّ اِبْن عُمَر تَبَرَّأَ مِنْهُمْ وَلَا يَتَبَرَّأُ إِلَّا مِنْ كَافِر، ثُمَّ أَكَّدَ هَذَا بِقَوْلِهِ : وَاَلَّذِي يَحْلِف بِهِ عَبْد اللَّه بْن عُمَر لَوْ أَنَّ لِأَحَدِهِمْ مِثْل أُحُد ذَهَبًا فَأَنْفَقَهُ مَا قَبِلَ اللَّه مِنْهُ حَتَّى يُؤْمِن بِالْقَدَرِ.
وَهَذَا مِثْل قَوْله تَعَالَى فِي الْمُنَافِقِينَ :" وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَل مِنْهُمْ نَفَقَاتهمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاَللَّهِ وَبِرَسُولِهِ " [ التَّوْبَة : ٥٤ ] وَهَذَا وَاضِح.
وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة : قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( الْإِيمَان بِالْقَدَرِ يُذْهِب الْهَمّ وَالْحَزَن ).
وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ
أَيْ إِلَّا مَرَّة وَاحِدَة.
كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ
أَيْ قَضَائِي فِي خَلْقِي أَسْرَعُ مِنْ لَمْح الْبَصَر.
وَاللَّمْح النَّظَر بِالْعَجَلَةِ ; يُقَال : لَمَحَ الْبَرْق بِبَصَرِهِ.
وَفِي الصِّحَاح : لَمَحَهُ وَأَلْمَحَهُ إِذَا أَبْصَرَهُ بِنَظَرٍ خَفِيف، وَالِاسْم اللَّمْحَة، وَلَمَحَ الْبَرْق وَالنَّجْم لَمْحًا أَيْ لَمَعَ.
وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ
أَيْ أَشْبَاهكُمْ فِي الْكُفْر مِنْ الْأُمَم الْخَالِيَة.
وَقِيلَ : أَتْبَاعكُمْ وَأَعْوَانكُمْ.
فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ
أَيْ مَنْ يَتَذَكَّر.
وَقِيلَ فَهَلْ مِنْ قَارِئ يَقْرَؤُهُ.
وَقَالَ أَبُو بَكْر الْوَرَّاق وَابْن شَوْذَب : فَهَلْ مِنْ طَالِب خَيْر وَعِلْم فَيُعَان عَلَيْهِ، وَكَرَّرَ فِي هَذِهِ السُّورَة لِلتَّنْبِيهِ وَالْإِفْهَام.
وَقِيلَ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى اِقْتَصَّ فِي هَذِهِ السُّورَة عَلَى هَذِهِ الْأُمَّة أَنْبَاء الْأُمَم وَقَصَص الْمُرْسَلِينَ، وَمَا عَامَلَتْهُمْ بِهِ الْأُمَم، وَمَا كَانَ مِنْ عُقْبَى أُمُورهمْ وَأُمُور الْمُرْسَلِينَ ; فَكَانَ فِي كُلّ قِصَّة وَنَبَأ ذِكْر لِلْمُسْتَمِعِ أَنْ لَوْ ادَّكَرَ، وَإِنَّمَا كَرَّرَ هَذِهِ الْآيَة عِنْد ذِكْر كُلّ قِصَّة بِقَوْلِهِ :" فَهَلْ مِنْ مُدَّكِر " لِأَنَّ " هَلْ " كَلِمَة اِسْتِفْهَام تَسْتَدْعِي أَفْهَامهمْ الَّتِي رُكِّبَتْ فِي أَجْوَافهمْ وَجَعَلَهَا حُجَّة عَلَيْهِمْ ; فَاللَّام مِنْ " هَلْ " لِلِاسْتِعْرَاضِ وَالْهَاء لِلِاسْتِخْرَاجِ.
وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ
أَيْ جَمِيع مَا فَعَلَتْهُ الْأُمَم قَبْلهمْ مِنْ خَيْر أَوْ شَرّ كَانَ مَكْتُوبًا عَلَيْهِمْ ; وَهَذَا بَيَان قَوْله :" إِنَّا كُلّ شَيْء خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ".
" فِي الزُّبُر " أَيْ فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ.
وَقِيلَ : فِي كُتُب الْحَفَظَة.
وَقِيلَ : فِي أُمّ الْكِتَاب.
وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ
أَيْ كُلّ ذَنْب كَبِير وَصَغِير مَكْتُوب عَلَى عَامِله قَبْل أَنْ يَفْعَلهُ لِيُجَازَى بِهِ، وَمَكْتُوب إِذَا فَعَلَهُ ; سَطَرَ يَسْطُر سَطْرًا كَتَبَ ; وَاسْتَطَرَ مِثْله.
إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ
لَمَّا وَصَفَ الْكُفَّار وَصَفَ الْمُؤْمِنِينَ أَيْضًا.
" وَنَهَر " يَعْنِي أَنْهَار الْمَاء وَالْخَمْر وَالْعَسَل وَاللَّبَن ; قَالَهُ اِبْن جُرَيْج.
وَوُحِّدَ لِأَنَّهُ رَأْس الْآيَة، ثُمَّ الْوَاحِد قَدْ يُنْبِئ عَنْ الْجَمِيع.
وَقِيلَ : فِي " نَهَر " فِي ضِيَاء وَسَعَة ; وَمِنْهُ النَّهَار لِضِيَائِهِ، وَمِنْهُ أَنْهَرْت الْجُرْح ; قَالَ الشَّاعِر :
مَلَكْت بِهَا كَفِّي فَأَنْهَرْت فَتْقَهَا يَرَى قَائِم مِنْ دُونهَا مَا وَرَاءَهَا
وَقَرَأَ أَبُو مِجْلَزٍ وَأَبُو نَهِيك وَالْأَعْرَج وَطَلْحَة بْن مُصَرِّف وَقَتَادَة " وَنُهُر " بِضَمَّتَيْنِ كَأَنَّهُ جَمْع نَهَار لَا لَيْل لَهُمْ ; كَسَحَابٍ وَسُحُب.
قَالَ الْفَرَّاء : أَنْشَدَنِي بَعْض الْعَرَب :
إِنْ تَكُ لَيْلِيًّا فَإِنِّي نَهِرُ مَتَى أَرَى الصُّبْح فَلَا أَنْتَظِرُ
أَيْ صَاحِب النَّهَار.
وَقَالَ آخَر :
فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ
أَيْ مَجْلِس حَقّ لَا لَغْو فِيهِ وَلَا تَأْثِيم وَهُوَ الْجَنَّة
عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ
أَيْ يُقَدِّر عَلَى مَا يَشَاء.
و " عِنْد " هَاهُنَا عِنْدِيَّة الْقُرْبَة وَالزُّلْفَة وَالْمَكَانَة وَالرُّتْبَة وَالْكَرَامَة وَالْمَنْزِلَة.
قَالَ الصَّادِق : مَدَحَ اللَّه الْمَكَان الصِّدْق فَلَا يَقْعُد فِيهِ إِلَّا أَهْل الصِّدْق.
وَقَرَأَ عُثْمَان الْبَتِّيّ " فِي مَقَاعِد صِدْق " بِالْجَمْعِ ; وَالْمَقَاعِد مَوَاضِع قُعُود النَّاس فِي الْأَسْوَاق وَغَيْرهَا.
قَالَ عَبْد اللَّه بْن بُرَيْدَة : إِنَّ أَهْل الْجَنَّة يَدْخُلُونَ كُلّ يَوْم عَلَى الْجَبَّار تَبَارَكَ وَتَعَالَى، فَيَقْرَءُونَ الْقُرْآن عَلَى رَبّهمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَقَدْ جَلَسَ كُلّ إِنْسَان مَجْلِسه الَّذِي هُوَ مَجْلِسه، عَلَى مَنَابِر مِنْ الدُّرّ وَالْيَاقُوت وَالزَّبَرْجَد وَالذَّهَب وَالْفِضَّة بِقَدْرِ أَعْمَالهمْ، فَلَا تَقَرّ أَعْيُنهمْ بِشَيْءٍ قَطُّ كَمَا تَقَرّ بِذَلِكَ، وَلَمْ يَسْمَعُوا شَيْئًا أَعْظَمَ وَلَا أَحْسَنَ مِنْهُ، ثُمَّ يَنْصَرِفُونَ إِلَى مَنَازِلهمْ، قَرِيرَة أَعْيُنهمْ إِلَى مِثْلهَا مِنْ الْغَد.
وَقَالَ ثَوْر بْن يَزِيد عَنْ خَالِد بْن مَعْدَان : بَلَغَنَا أَنَّ الْمَلَائِكَة يَأْتُونَ الْمُؤْمِنِينَ يَوْم الْقِيَامَة فَيَقُولُونَ : يَا أَوْلِيَاء اللَّه اِنْطَلِقُوا ; فَيَقُولُونَ : إِلَى أَيْنَ ؟ فَيَقُولُونَ : إِلَى الْجَنَّة ; فَيَقُول الْمُؤْمِنُونَ : إِنَّكُمْ تَذْهَبُونَ بِنَا إِلَى غَيْر بُغْيَتنَا.
فَيَقُولُونَ : فَمَا بُغْيَتكُمْ ؟ فَيَقُولُونَ : مَقْعَد صِدْق عِنْد مَلِيك مُقْتَدِر.
وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْخَبَر عَلَى الْخُصُوص بِهَذَا الْمَعْنَى ; فَفِي الْخَبَر : أَنَّ طَائِفَة مِنْ الْعُقَلَاء بِاَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ تَزُفّهَا الْمَلَائِكَة إِلَى الْجَنَّة وَالنَّاس فِي الْحِسَاب، فَيَقُولُونَ لِلْمَلَائِكَةِ : إِلَى أَيْنَ تَحْمِلُونَنَا ؟ فَيَقُولُونَ إِلَى الْجَنَّة.
فَيَقُولُونَ : إِنَّكُمْ لَتَحْمِلُونَنَا إِلَى غَيْر بُغْيَتنَا ; فَيَقُولُونَ : وَمَا بُغْيَتكُمْ ؟ فَيَقُولُونَ : الْمَقْعَد الصِّدْق مَعَ الْحَبِيب كَمَا أَخْبَرَ " فِي مَقْعَد صِدْق عِنْد مَلِيك مُقْتَدِر " وَاَللَّه أَعْلَمُ.
تَمَّ تَفْسِير سُورَة " الْقَمَر " وَالْحَمْد لِلَّهِ.
الموسوعة القرآنية Quranpedia.net - © 2024
Icon
لَوْلَا الثَّرِيدَانِ هَلَكْنَا بِالضُّمُرْ ثَرِيد لَيْل وَثَرِيد بِالنُّهُرْ