تفسير سورة المدّثر

تيسير التفسير
تفسير سورة سورة المدثر من كتاب تيسير التفسير .
لمؤلفه إبراهيم القطان . المتوفي سنة 1404 هـ
سور المدثر مكية وآياتها ست وخمسون، نزلت بعد سورة المزمل. وهي من أوائل ما نزل من القرآن الكريم، فقد روى جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدّث عن فترة الوحي ( يعني أنه بعد نزول الوحي بمدة فَتَرَ بعض الوقت ) فقال : بينما أنا أمشي في جبل حراء إذ سمعت صوتا من السماء فرفعت بصري قِبَلَ السماء، فإذا الملك الذي جاءني بحراء بين السماء والأرض، فهويت على الأرض، وخفت ورجعت إلى أهلي فقلت : دَثّروني دثروني، وصبّوا عليّ ماء باردا، فأنزل الله تعالى ﴿ يا أيها المدثر قم فأنذر ﴾ إلى قوله تعالى ﴿ والرّجز فاهجر ﴾.
وقد اشتملت السورة على الإنذار، وتكبير الله، وتطهير النفس من دنيء الأخلاق وتطهير الثياب للمؤمن، وهذا يعني أن النظافة من أهم أصول الإسلام. وفيها الأمر للرسول بالصبر على أذى المشركين وهجر الأوثان وكل ما يؤدي إلى العذاب، وتهذيب الرسول الكريم وتعليمه أن لا يمنّ على أصحابه بما يعلّمهم من أمر الدين والوحي كالمستكثر بذلك عليهم، ولا على الفقراء بما يعطيهم استكثارا لتلك العطايا، وإنما عليه أن يتجه إلى الله تعالى.... فإن الخلق عباده والرسول الكريم أب لهم ومعلم ومرشد.
فأما الكفار الجاحدون فإنهم سيلقَون جزاءهم يوم ينفخ في الصور. ثم ذكر أوصاف بعض هؤلاء المعاندين وأحد جبابرتهم، وهو الوليد بن المغيرة، وأنه أعطي مالا كثيرا وعشيرة ورياسة ووجاهة، ووصفه بالعناد والعبوس والاستكبار، وكيف أنه استهزأ بالقرآن الكريم وقال عنه إنه سحر يؤثَر،
وما ينتظر هذا الرجل من العذاب يوم القيامة، يوم يُدخله الله سَقَرَ التي عليها تسعة عشر من الملائكة.. إلى آخر ما سيأتي من عظيم أمرها. ثم ذكر أن كل نفس مرهونة بعملها، وأن المؤمنين يتمتعون في جنات النعيم، ويتساءلون عن المجرمين : ما الذي أدخلكم سقر ؟ فيقر أولئك بذنوبهم، بأنهم لم يؤمنوا، ولم يتصدّقوا على الفقراء والمساكين، وكانوا يكذّبون بيوم الدين. ففي ذلك اليوم لا تنفعهم شفاعة، بل يكونون كالحمير الفارّة من الأسد بفعل الخوف والجزع، وأن هذا القرآن ﴿ تذكرة، فمن شاء ذكره وما يذكرون إلا أن يشاء الله هو أهل التقوى وأهل المغفرة.... ﴾.

المدّثر : أصلُه المتدثر وهو الذي يتغطَّى بثيابه ويلتفّ بها.
يا أيها الذي تدثَّر بثيابه رعباً وخوفاً من رؤية الملَكِ.
أنذِر : حذّر قومك من عذاب الله أن لم يؤمنوا.
قُمْ وشمِّرْ عن ساعِدِ الجد، وأنذِر الناسَ عذابَ يوم عظيم، وادعُهم إلى الدِين القويم، ولْيتركوا عبادةَ الأوثان وما عندهم من الخرافات.. ادعُهم إلى معرفة الحق لينجُوا من هول ذلك اليوم العظيم.
كبِّر : عظم.
﴿ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ ﴾
عظّم ربك، وخُصَّه وحدَه بالتعظيم.
وثيابك فطهّر : اعتن بالنظافة في ثيابك وفي نفسك. تقول العرب عن الرجل إذا نكث العهد ولم يف به : إنه لَدَنِس الثياب. وإذا وفى ولم يغدر : إنه طاهرُ الثوب. فالمطلوب : تطهير النفس والثياب والجسم.
وطهِّر ثيابك وجسمك ونفسَك، والطهارةُ أساسٌ عظيم في دين الإسلام.
يقول الأستاذ بثنام في كتابه أصول الشرائع : إن كثرةَ الطهارة في دين الإسلام تدعو معتنقيه إلى رقيّ الأخلاق والفضيلة إذا قاموا باتّباع أوامره خير قيام.
الرجز : الذنب، وكل محرّم، وعبادة الأوثان.
اهجر المعاصي والآثام وابتعدْ عن الغرور والمنِّ فيما تعلِّمُ وتعطي.
ولا تمنن تستكثر : لا تمنَّ بعملك على غيرك، ومعنى تستكثر : لا تستكثر
ما أعطيتَ وبذلت.
ولا تمنُنْ على أصحابك فيما تعلّمهم وتبلّغهم عن الوحي مستكثراً ذلك عليهم، ولا تستكثر أي شيء بَذَلْتَه للناس، لأن الكريم يستقلُّ ما يُعطي وإن كان كثيراً، وأعطِ عطاءَ من لا يخاف الفقر. وفي هذا تعليمٌ لنا أن نعطيَ ما استطعنا من غيرِ منٍّ ولا أذى.
اصبر في أداء رسالتك على أذى قومك، ابتغاءَ وجه ربك، ولا تجزَعْ من أذى من خالفَك.
الناقور : الصور الذي ينفخ فيه يوم القيامة.
وبعد أن وجّه اللهُ الرسولَ الكريم إلى التحلّي بمكارم الأخلاق، والبعدِ عن الجفاء والسَّفَه وكلِّ ما لا يليق بأصحابِ المقامات العالية، أتى بوعيدِ الأشقياء
وما سيلقونه من عذابٍ فقال :
﴿ فَإِذَا نُقِرَ فِي الناقور فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ عَلَى الكافرين غَيْرُ يَسِيرٍ ﴾.
فإذا جاء وعدُ ربك ونُفخ في الصُّور.
فذلك اليومُ يومٌ شديد الهول.
على الكافرين، غيرُ هيّنٍ ولا يسير، وليس له مثيل ﴿ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّآ أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى الناس سكارى وَمَا هُم بسكارى ولكن عَذَابَ الله شَدِيدٌ ﴾ [ الحج : ٢ ]. هل يوجد أعظم من هذه الصورة لذلك اليوم ؟ حسبنا الله ونعم الوكيل ! !
ذرْني ومن خلقتُ وحيدا : اتركني وإياه ولا تشغل قلبك به. وهذا الفعل
لا يستعمل منه إلا فعل الأمر والمضارع، فلم تستعمل العرب منه الفعل الماضي.
ذرني وفلانا : كِلْه إليّ....
وحيدا : خلقته في بطن أمه وحيدا لا مال له ولا ولد. وكان يقال للوليد بن المغيرة : الوحيد، لأنه وحيد في قومه، فمالُه كثير، من إبلٍ وخيل وغنم وتجارة وزرع وعبيد وله عشرة أبناء الخ....
في هذه الآيات عرضٌ لذِكر أحدِ زعماء قريش الكبار، هو الوليدُ بن المغيرة. وكان من أكبر أثرياء قريش ورؤيائها، يُقال له « العَدْل » لأنه كان عَدْلَ قريشٍ كلّها، إذ كانت قريش تكسو البيتَ، والوليد يكسوه وحدَه. وكان ممن حرَّم الخمرَ في الجاهلية، ولكنه أدركَ الإسلامَ وهو شيخٌ كبير وعادى النبيّ عليه الصلاة والسلام وقاوم دعوته بشدّة. وقد سمع القرآنَ وتأثر به وقال عنه : لقد سمعُ من محمدٍ كلاماً ما هو من كلام الإنس، ولا من كلام الجن.. و الله إن لَه لحلاوةً، وإن عليه لَطلاوة، وإن أعلاه لمثْمِر، وإن أسفلَه لَمُغْدِق، وإنه يعلو ولا يُعلى عليه.
ومع ذلك فقد بقي على عنادِه وكفره وجمع قريشاً وقال لهم :« إن الناسَ يأتونكم أيامَ الحج فيسألونكم عن محمد، فتختلف أقوالكم فيه، فيقول هذا : كاهنٌ، ويقول هذا : شاعر، ويقول هذا : مجنون، وليس يُشبه واحداً مما يقولون. ولكن أصلَحُ ما قيل فيه أنه ساحر، لأنه يفرق بين المرء وأخيه والزوج وزوجته ». وقد مات بعد الهجرة بثلاثة أشهر، وأسلمَ من أولاده خالدُ بن الوليد وهشام وعمارة، والوليدُ بن الوليد.
دَعني ومن خلقتُه وحيداً فإني سأكفيكَ أمره.
ممدودا : كثيرا.
هذا الذي أنعمتُ عليه بمالٍ كثير.
شهودا : حضورا معه يتمتع بمشاهدتهم.
وعَشَرة بنين يحضرون معه المحافلَ ويتمتع بمنظرهم.
ومهّدت له تمهيدا : بسطت له الرياسة والجاه العريض.
وبسطتُ له الرياسةَ والجاه العريضَ والسيادة في قومه، فكان سيّداً مطاعاً عزيزا.
ثم يطمع أن أَزيدَ في ماله وبنيه وجاهه بدون شكر.
﴿ كَلاَّ ﴾ لا أفعلُ ولا أزيدُ. وقال المفسّرون : وقد تبدّلت حال الوليد بعد نزول هذه الآية وماتَ على أسوأ حال.
﴿ إِنَّهُ كان لآيَاتِنَا عَنِيداً ﴾
انه كان للقرآن معانِدا مكذِّبا.
سأرهقه صعودا : سأكلفه عقبة شاقة لا تطاق، وهذا كناية عن العذاب الشديد.
سأكلفه عذاباً شاقاً لا راحة فيه.
وقدَّر : هيأ ما يريده.
إنه فكر وزوّر في نفسه كلاما في الطعنِ في القرآن بعدما سمعه وأعجبه.
فقُتل كيف قدر : لعنه الله كيف قدّر ما قاله من الطعن في القرآن.
قاتلَه الله ولعَنه، كيف قدّر وقال لقريش إن محمّداً ساحر، وان هذا القرآن سِحر يؤْثَر ويروى.
ثم نظر في وجوه الناس.
عبس : قطب ما بين عينيه.
وبَسَر : كلح وجهه وظهرت الكراهية عليه.
ثم قطَب وجهه وزادَ في كُلوحه.
ثم أعرضَ عن الحق الذي عرفه.
سِحر يؤثر : ينقَل ويروى.
وتعاظَمَ أن يعترفَ به ﴿ فَقَالَ إِنْ هاذآ إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ ﴾ ينقله الرواة عن الأولين، ونقله محمد عن غيره ممن كانَ قبلَه من السحرة.
ما هذا إلا قولُ الخلق تعلَّمه محمدُ وادّعى أنه من عند الله.
سأصليه سَقر : سأُدخله في جهنم.
ثم بين الله تعالى ما هو جزاؤه يوم القيامة فقال :
﴿ سَأُصْلِيهِ سَقَرَ َ ﴾
سأدخِله جهنم ليحترقَ بها ويذوقَ أشدّ العذاب.
وما أدراك ما جهنم ؟
لا تبقي ولا تذر : لا تبقي لحما، ولا تترك عَظماً إلا أحرقته.
إنها لا تبقي لحماً ولا تترك عظماً إلا أحرقَتْه، تأكل الأخضَر واليابسَ كما يقولون.
لواحة للبشر : تسوِّدُ بشرتهم.
وأنها تُلَوِّحُ الوجوهَ والبشرةَ وتسوِّدُها.
عليها تسعةَ عشرَ من الملائكة موكَّلون بها، كما جاءَ في قوله تعالى أيضا :﴿ عَلَيْهَا مَلاَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَّ يَعْصُونَ الله مَآ أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [ التحريم : ٦ ].
عدّتهم : عددهم.
فتنة : اختبار وامتحان.
ذكرى : تذكرة وموعظة للناس.
وما جعلْنا خزنةَ النار إلا ملائكةً تقدَّم وصفُهم بالشِدة والغِلظة، وما جعلنا عِدَّتَهم تسعةَ عشر إلا فتنةً واختبارا للذين كفروا، وذلك ﴿ لِيَسْتَيْقِنَ الذين أُوتُواْ الكتاب ﴾.
ليحصل اليقينُ لليهود والنصارى بنبوة محمدٍ لموافقةِ ما جاءَ في القرآن لكتُبهم، فقد شهِدَ عددٌ من علماءِ اليهود والنصارى آنذاك أن عدَّةَ الخزنة تسعةَ عشر.
﴿ وَيَزْدَادَ الذين آمنوا إِيمَاناً ﴾.
ولكيَ تطمئن قلوبُهم بذلك، ولا يشكّ أهلُ التوراة والإنجيل والمؤمنون بالله في حقيقةِ ذلك العدد.
﴿ وَلِيَقُولَ الذين فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ والكافرون مَاذَآ أَرَادَ الله بهذا مَثَلاً ﴾.
وليقول المنافقون والمشركون الكافرون : ما الذي أراده اللهُ بهذا العدَدِ المستغرَبِ استغرابَ المثل ؟
﴿ كَذَلِكَ يُضِلُّ الله مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ ﴾.
والله تعالى كما أضلَّ المنافقين والمشركين يُضِلُّ مِنْ خلْقه من يشاءُ فيخذُله عن إصابة الحق، ويهدي من يشاء منهم فيوفّقه إلى الخيرِ والهدى. وما يعلم جنودَ ربّك ومقدارهم إلا هو سبحانَه وتعالى. ﴿ وَمَا هِيَ إِلاَّ ذكرى لِلْبَشَرِ ﴾ وما سَقَرُ إلا تذكرة للبشَر وتخويفٌ لهم.
كلاّ : تأتي لمعانٍ أربعة :
الأول : أن تكون للردع والزجر، وهو الغالبُ في استعمالها، مثل قوله تعالى ﴿ قَالَ أَصْحَابُ موسى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾ [ الشعراء : ٦١، ٦٢ ] والمعنى انتهوا عن القول.
الثاني : أن تكون للرد والنفي فتردّ شيئا وتثبت آخر مثل أن يقول المريضُ الذي لم يعمل بنصح طبيبه : شربتُ ماء، فيقول الطبيب : كلا، بل شربتَ لبنا. معناه : ما شربت ماء، ولكنْ شربتَ لبنا.
الثالث : تكون بمعنى ألا، يُستفتح بها الكلامُ للتنبيه، مثل قوله تعالى :﴿ كَلاَّ إِنَّ الإنسان ليطغى أَن رَّآهُ استغنى ﴾ [ العلق : ٦، ٧ ].
الرابع : أن تجيء جواباً بمعنى حقاً وتكون مع القسَم، مثل قوله تعالى هنا :﴿ كَلاَّ والقمر ﴾ ومعناه حقاً، وأُقسم بالقمر الخ....
كلا : لا سبيلَ لكم إلى إنكار سقَرَ وصفتها المخيفة. وأُقسِم بالقمر.
أدبر : ولى.
وبالليلِ إذا ولّى وذهب.
قراءات :
قرأ الجمهور : إذا دبر إذا بالف بعد الذال، ودبر بوزن ضرب. وقرأ نافع وحمزة وحفص : إذ أدبر، اذ بسكون الذال، وأدبر بوزن أكرم. ودبر وأدبر لغتان.
أسفر : أضاء.
وبالصُّبح إذا تبلّج وأضاء.
إنها لإحدى الكبر : إن جهنم لإحدى الدواهي الكبيرة.
إن جهنّم لإحدى البلايا الكبار والدواهي العِظام.
لإنذار البشَر.
لمن شاءَ أن يقبلَ الإنذارَ أو يتولّى عنه.
وهذا تهديد وإعلام بأن من تقدم إلى الطاعة والإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم جازاه الله بثواب لا ينقطع أبدا، ومن تأخر عن الطاعة ولم يؤمن بمحمد عوقب عقابا لا ينقطع أبدا.
رهينة : مرتهنة بعملها.
فهي محبوسة بعملها، مرهونة عند الله بكسْبها.
﴿ إِلاَّ أَصْحَابَ اليمين ﴾ لأنهم فكّوا رقابَهم بحُسْنِ أعمالهم، وبطاعتهم وإيمانهم..
ولذلك فإنهم ﴿ فِي جَنَّاتٍ يَتَسَآءَلُونَ عَنِ المجرمين ﴾ ؟.
فقد جزاهم الله أحسنَ الجزاءِ فهم في غرفاتِ الجناتِ يسألُ بعضهم بعضاً.
عن المجرمين.
ما سَلككم : ما أدخلكم.
ويقولون لهم :﴿ مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ ؟ ﴾ ما الذي أدخلكم جهنم ؟
فأجابوهم أن هذا العذابَ الذي هم فيه سببه أربعة أمور :
الأول :﴿ قَالُواْ لَمْ نَكُ مِنَ المصلين ﴾ لم نصلِّ مطلقا لأننا لم نكن نعتقد بوجوب الصلاة علينا.
الثاني :﴿ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ المسكين ﴾ ولم نكن من المحسنين، ولم نتصدق بفضل أموالنا على الفقراء والمساكين.
نخوض مع الخائضين : نخالط أهل الباطل في باطلهم ونكثر من الكلام الذي
لا خير فيه.
الثالث :﴿ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الخآئضين ﴾ وكنا لا نبالي بالخوض في الباطل مع من يخوض فيه، ونكثر من الكلام الذي لا خير فيه : في حق محمد وأصحابه، وفي أمر القرآن فنقول أنه سحر وشعر وكهانة.
الرابع :﴿ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدين ﴾ وكنا نكذب بيوم القيامة، ولم نؤمن بالبعث والنشور والجزاء والحساب.
حتى أتانا اليقين : حتى أتانا الموت.
حتى جاءنا الموت فعرفنا أننا كنا في ضلال تائهين.
ولذلك قال الله تعالى معقبا على اعترافهم بجرمهم ﴿ فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشافعين ﴾ فهم بعد اتصافهم بهذه الصفات واعترافهم بجريمتهم لا يمكن أن يشفع لهم أحد، لأن لهم النار خالدين فيها أبدا.
ثم أكد توبيخهم والتقريع عليهم بقوله :
﴿ فَمَا لَهُمْ عَنِ التذكرة مُعْرِضِينَ ؟ ﴾
فما لهم عن التذكير بالقرآنِ والعظة به منصرفين.
مستنفرة : نافرة، هاربة.
كأنهم حميرٌ.
القسورة : الأسد.
فرَّت من أسدٍ يطاردُها ليفترسَها.
منشَّرة : منشورة.
ثم بين أنهم بلغوا في العناد حداً لا يتقبله عقل، فقال :
﴿ بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امرىء مِّنْهُمْ أَن يؤتى صُحُفاً مُّنَشَّرَةً ﴾
فكل واحدٍ منهم يريد أن ينزِلَ عليه كتابٌ مفتوح من السماء. وكانوا يقولون : إن كان محمد صادقاً فليصبحْ عندَ رأسِ كل واحدٍ منا صحيفةٌ فيها براءة من النار.
( كلا ) : زجرٌ وتوبيخٌ على اقتراحهم لتلك الصحف، ﴿ بَل لاَّ يَخَافُونَ الآخرة ﴾ لأنهم لم يؤمنوا بها.
حقا إن القرآن تذكرة بليغة كافية.
فمن شاء أن يذكره ولا ينساه فعل.
وما يذكرون إلا بمشيئة الله، هو أهل لأن يتقى، وأهل لأن يغفر لمن اتقاه.. بابه مفتوح دائما. والحمد لله رب العالمين.
Icon