تفسير سورة المؤمنون

حاشية الصاوي على تفسير الجلالين
تفسير سورة سورة المؤمنون من كتاب حاشية الصاوي على تفسير الجلالين .
لمؤلفه الصاوي . المتوفي سنة 1241 هـ

قوله: ﴿ قَدْ ﴾ (للتحقيق) أي لتحقيق ما يحصل في المستقبل، وتنزيله منزلة الواقع. قوله: (فاز) ﴿ ٱلْمُؤْمِنُونَ ﴾ أي ظفروا بمقصودهم، ونجوا من كل مكروه، قال تعالى:﴿ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ ٱلنَّارِ وَأُدْخِلَ ٱلْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ﴾[آل عمران: ١٨٥] و ﴿ ٱلْمُؤْمِنُونَ ﴾ جمع مؤمن وهو المصدق بالله ورسله وملائكته وكتبه واليوم الآخر، والقدر خيره وشره، حلوه ومره. قوله: ﴿ خَاشِعُونَ ﴾ أي ظاهراً وباطناً فالخشوع الظاهري التمسك بآداب الصلاة، كعدم الالتفات والعبث وسبق الإمام ووضع اليد في الخاصرة وغير ذلك، والخشوع الباطني استحضار عظمة الله، وعدم التفكر بدنيوي. وقدم الصلاة، لأنها أعظم أركان الدين بعد الشهادتين. قوله: ﴿ وَٱلَّذِينَ هُمْ عَنِ ٱللَّغْوِ ﴾ المراد به كل ما لا يعود على الشخص منه فائدة في الدين أو الدنيا، كان قولاً أو فعلاً أو مكروهاً أو مباحاً، كالهزل واللعب وضياع الأوقات فيما لا يغني، والتغول في الشهوات وغير ذلك مما نهى الله عنه، وبالجملة فينبغي للإنسان أن يرى ساعياً في حسنه لمعاده، أو درهم لمعاشه، ومن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه.
قوله: ﴿ وَٱلَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَـاةِ ﴾ اعلم أن الزكاة تطلق على القدر المخرج، كربع العشر في النقدين، والعشر أو نصفه من الحرث، والشاة من الأربعين، وعلى المصدر الذي هو فعل الفاعل، فعلى الأول يكون معنى فاعلون مؤدون، لأن القدر المخرج لا معنى لفعله، وعلى الثاني ففاعلون على بابه. قوله: ﴿ حَافِظُونَ ﴾ أي مانعون. قوله: (عن الحرام) أي عن كل ما لا يحل وطؤه بوجه من الوجوه. قوله: (أي من زوجاتهم) أشار بذلك إلى أن على بمعنى من. قوله: ﴿ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ ﴾ عبر مما دون من إن كان المقام له، لأن الإناث ناقصات، ولا سيما الأرقاء ففيهن شبه بالبهائم، في حل البيع والشراء. قوله: (أي السراري) جمع سرية بالضم، وهي في الأصل الأمة التي بوئت ببيت، مأخوذة من السر، وهو الجماع أو الإخفاء، لأن الإنسان كثيراً ما يسرها ويسترها عن حرته، أو من السرور لأن مالكها يسر بها. قوله: ﴿ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ﴾ علة للاستثناء. قوله: (كالاستمناء باليد) أي فهو حرام عند مالك والشافعي وأبي حنيفة، وقال أحمد بن حنبل: يجوز بشروط ثلاثة: أن يخاف الزنا، وألا يجد مهر حرة أو ثمن أمة، وأن يفعله بيده، لا بيد أجنبي أو أجنبية. قوله: ﴿ وَٱلَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ ﴾ أي ما ائتمنوا عليه من حقوق الخالق، كالصلاة والصوم والحج وفعل المعروف والنهي عن المنكر وحقوق الخلق، كالودائع والصنائع وأعراض الخلق وعوراتهم. قوله: (جمعاً ومفرداً) أي فهما قراءتان سبعيتان. قوله: ﴿ وَعَهْدِهِمْ ﴾ مرادف للأمانات. قوله: (حافظون) أي غير مضيعين لها. قوله: ﴿ يُحَافِظُونَ ﴾ أي يحامون عليها بشروطها وأركانها وآدابها، ولكون الصلاة عماد الدين، وأعظم أركانه ابتدأ بها أوصاف المؤمنين وختمها بها. قوله: (لا غيرهم) أخذ الحصر من وجود ضمير الفصل، لأن الجملة المعرفة الطرفين تفيد الحصر، وهو إضافي لا حقيقي، لأنه ثبت أن الجنة يدخلها الأطفال والمجانين والعصاة الذي ماتوا على الإيمان بعد العفو، لقوله تعالى:﴿ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ ﴾[النساء: ٤٨] أو يقال: إن الحصر فيهم حقيقي بالنسبة للفردوس وباقي الجنان لمن لم يمت كافراً. قوله: ﴿ ٱلَّذِينَ يَرِثُونَ ٱلْفِرْدَوْسَ ﴾ عبر بالإرث دون الاستحقاق، لأن الإرث ملك دائم. قوله: (ويناسبه ذكر المبدإ بعده) أشار بذلك إلى وجه المناسبة بين هذه الآية وما قبلها، والمعنى أن الآية التي سبقت، ذكر فيها المعاد وما يؤول إليه أمر من اتصف بتلك الصفات، وهذه الآية ذكر فيها بيان المبدإ، وحينئذ فبين الآيتين مناسبة، وهذا أتم مما قيل، إن هذه الآية جملة مستأنفة لا ارتباط لها بما قبلها.
قوله: ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنْسَانَ ﴾ الخ، ذكر الله سبحانه وتعالى في هذه الآية من هنا إلى قوله:﴿ وَعَلَى ٱلْفُلْكِ تُحْمَلُونَ ﴾[المؤمنون: ٢٢] أربعة أنواع من دلائل قدرته تعالى، الأول: تقلب الانسان في أطوار خلقته وهي تسعة آخرها قوله: (تبعثون) الثاني: خلق السماوات. الثالث: إنزال الماء. الرابع: منافع الحيوانات. وذكر منها أربعة أنواع: واللام موطئة لقسم محذوف قدره المفسر بقوله: (والله). قوله: ﴿ مِن سُلاَلَةٍ ﴾ متعلق بخلقنا. قوله: (متعلق بسلالة) أي لأنه مسلول. قوله: (أي الإنسان نسل آدم) أشار بذلك إلى أن الضمير يعود على الانسان، لكن لا بالمعنى الأول، وحنيئذ ففي الكلام استخدام، ويؤيده قوله تعالى في الآية الأخرى:﴿ وَبَدَأَ خَلْقَ ٱلإِنْسَانِ مِن طِينٍ * ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلاَلَةٍ مِّن مَّآءٍ مَّهِينٍ ﴾[السجدة: ٧-٨].
قوله: ﴿ فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ ﴾ أي في مقر متمكن. وصف بذلك لأنه محفوظ، لا يطرأ عليه اختلال مع كونه ضيقاً. قوله: ﴿ ثُمَّ خَلَقْنَا ٱلنُّطْفَةَ عَلَقَةً ﴾ قيل كلها، وقيل جزء منها، والباقي يوضع نصفه في موضع تربته، والنصف الثاني يوضع في السماء، فإذا أراد الله إحياء الخلق من القبور، أمطرت السماء منياً، فتتلاقى النطف النازلة من السماء، بالنطف الباقية في الأرض، فتوجد الخلائق بينهما، وهذا هو حكمة قوله تعالى:﴿ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ ﴾[الأعراف: ٢٩].
قوله: (وفي قراءة عظماً) أي هي سبعية أيضاً. قوله: ﴿ ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ ﴾ أي من غير توان، والمعنى حولنا النطفة عن صفاتها، إلى صفة لا يحيط بها وصف الواصفين. قوله: (بنفخ الروح فيه) هذا قول ابن عباس والشعبي والضحاك، وقيل الخلق الآخر هو خروجه إلى الدنيا، وقيل خروج أسنانه وشعره، وقيل كمال شبابه، والأتم أنه عام في هذا وغيره من النطق والإدراك وتحصيل المعقولات، وجميع الأمور التي اشتمل عليها بنو آدم، من الكمالات الحسية والمعنوية التي يشير لها قول بعض العارفين: وتحسب أنك جرم صغير   وفيك انطوى العالم الأكبرقوله: ﴿ فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ ﴾ أي تعاظم وارتفع قدره. قوله: (المقدرين) أي المصورين، ودفع بذلك ما يقال: إن اسم التفضيل يقتضي المشاركة، مع أنه لا خالق غيره. فأجاب: بأن المراد بالخلق التقدير لا الايجاد والإبداع، والتقدير حاصل من الحوادث. قوله: (للعلم به) أي من قوله الخالقين فإنه يدل عليه.
قوله: ﴿ بَعْدَ ذٰلِكَ ﴾ أي من الأمور العجيبة. قوله: ﴿ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ ﴾ أي عند النفخة الثانية. إن قلت: ما حكمة اختلاف المتعاطفات بثم والفاء، لأنه ورد أن مدة كل طور أربعون يوماً، فإن نظر لآخر المدة وأولها، اقتضى أن يعطف بثم، وإن نظرها لآخرها، اقتضى أن يعطف بالفاء؟ أجيب: بأنه نزل التفاوت بين الأطوار منزلة التراخي والبعد الحسي، لأن حصول النطفة من التراب غريب جداً، وكذا جعلها دماً، بخلاف جعل الدم لحماً، فهو قريب لمشابهته في اللون أو الصورة، وكذا جعلها عظاماً، وأما جعلها خلقاً آخر فغريب، وكذا الموت والبعث، فظهر حكمة التعبير في كل موضع بما يناسبه. قوله: ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ ﴾ المراد به جهة العلو، لأن كونها فوق، وإنما هو بعد خلق الخلق، وإلا فوقت خلق السماوات لم يكونوا مخلوقين. قوله: (لأنها طرق الملائكة) أي في العروج والهبوط والطيران، وقيل معنى طرائق مطروقات، أي موضوعاً بعضها فوق بعض، فهو معنى طباقاً في الآية الأخرى. قوله: ﴿ وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ ﴾ الجار والمجرور متعلق بأنزلنا. قوله: ﴿ بِقَدَرٍ ﴾ أي تقدير بجلب منافعهم ودفع مضارهم، وقيل المعنى بقدرحاجاتهم، وإليه يشير المفسر. قوله: ﴿ فَأَسْكَنَّٰهُ فِي ٱلأَرْضِ ﴾ أي جعلناه ساكناً ثابتاً مستقراً في الأرض، بعضه على ظهرها، وبعضه في بطنها. قوله: ﴿ وَإِنَّا عَلَىٰ ذَهَابٍ بِهِ لَقَٰدِرُونَ ﴾ الباء في ﴿ بِهِ ﴾ للتعدية، والمعنى وإنا لقادرون على إذهابه. روى الشيخان عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" إن الله عز وجل، أنزل من الجنة خمسة أنهار: سيحون وجيحون ودجلة والفرات والنيل، أنزلها الله عز وجل من عين واحدة من عيون الجنة، من أسفل درجة من درجاتها، على جناحي جبريل، استودعها الجبال وأجراها في الأرض، وجعل فيها منافع للناس، فذلك قوله تعالى: ﴿ وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّٰهُ فِي ٱلأَرْضِ ﴾ فإذا كان عند خروج يأجوج ومأجوج، أرسل الله عز وجل جبريل، فرفع من الأرض القرآن والعلم كله، والحجر الأسود من ركن البيت، ومقام إبراهيم، وتابوت موسى بما فيه، وهذه الأنهار الخمسة فيرفع ذلك إلى السماء، فذلك قوله تعالى: ﴿ وَإِنَّا عَلَىٰ ذَهَابٍ بِهِ لَقَٰدِرُونَ ﴾ فإذا رفعت هذه الأشياء كلها من الأرض، فقد أهلها خير الدنيا والدين ". قوله: ﴿ لَّكُمْ فِيهَا ﴾ أي الجنات. قوله: ﴿ وَمِنْهَا ﴾ أي من ثمر الجنات، كالرطب والعنب والتمر والزبيب وغير ذلك.
قوله: ﴿ وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَآءَ ﴾ المراد بها شجرة الزيتون، وخصت بسيناء لأن أصلها منه ثم نقلت، وهي أول شجرة نبتت في الأرض بعد الطوفان، وتبقى في الأرض كثيراً، حتى قيل إنها تعمر ثلاثة آلاف سنة. قوله: ﴿ سَيْنَآءَ ﴾ قيل معناه المبارك أو الحسن الملتف بالأشجار، وهو الجبل الذي نودي عليه موسى. قوله: (منع الصرف للعلمية والتأنيث) أي وقيل للعلمية والعجمة، لأنه اسم أعجمي نطقت به العرب، فاختلفت فيه لغاتهم، فقالوا سيناء بكسر السين وفتحها، وسينين، فهو علم مركب كامرئ القيس ومنع من الصرف، وإن كان جزء علم، نظراً إلى أنه عومل معاملة العلم. قوله: (والتأنيث للبقعة) أي والهمزة فيه ليست للتأنيث بل للإلحاق بقرطاس، وهي منقلبة عن ياء أو واو، لوقوعها متطرفة بعد ألف زائدة. قوله: (من الرباعي والثلاثي) أي فهما قراءتان سبعيتان. قوله: ﴿ وَإِنَّ لَكُمْ فِي ٱلأَنْعَامِ لَعِبْرَةً ﴾ عبر في جانب الأنعام بالعبرة دون النبات، لأن العبرة فيها أظهر. قوله: ﴿ مِّمَّا فِي بُطُونِهَا ﴾ عبر بلفظ الجمع هنا، لأن المراد هنا العموم بدليل العطف بقوله: ﴿ وَلَكُمْ فيِهَا مَنَافِعُ ﴾ الخ، وذكر الضمير في النحل باعتبار البعض، فإن المراد خصوص الإناث، بدليل الاقتصار على اللبن. قوله: (أي الابل) خصها لأنها المحمول عليها غالباً، ويصح عوده على الأنعام، لأن منها ما يحمل عليه أيضاً كالبقر.
قوله: ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَىٰ قَوْمِهِ ﴾ شروع في ذكر خمس قصص غير قصة خلق آدم، فتكون ستاً: الأولى قصة نوح، الثانية قصة هود، الثالثة قصة القرون الآخرين، الرابعة قصة موسى وهارون، الخامسة قصة عيسى وأمه، والمقصود منه اطلاع الأمة المحمدية على أحوال من مضى، ليقتدوا بهم في الخصال، ويتباعدوا عن خصالهم المذمومة، ونوح لقبه واسمه قيل عبد الغفار، وقيل عبد الله، وقيل يشكر، وعاش من العمر ألف وخمسين، لأنه أرسل على رأس الأربعين، ومكث يدعو قومه ألف سنة إلا خمسين، وعاش بعد الطوفان ستين سنة، وهذا أحد أقوال تقدمت. قوله: ﴿ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ ﴾ بمنزلة التعليل لما قبله. قوله: (وهو اسم ما) أي قوله: ﴿ إِلَـٰهٍ ﴾، وأما لفظ ﴿ غَيْرُهُ ﴾ فيصح فيه الرفع اتباعاً لمحل إله، والجر اتباعاً للفظه قراءتان. قوله: (وما قبله الخبر) أي وهو الجار والمجرور، وما مشى عليه المفسر، طريقة ضعيفة للنحاة، وهي جواز إعمال ما عند مخالفة الترتيب بين خبرها واسمها، إذا كان الخبر ظرفاً، أو جاراً ومجروراً، والمشهور إهمالها حينئذ، فكان المناسب أن يقول: وهو مبتدأ مؤخر وما قبله الخبر. ﴿ أَفَلاَ تَتَّقُونَ ﴾ الهمزة داخلة على محذوف، والفاء عاطفة عليه، والتقدير أجهلتم فلا تتقون. قوله: ﴿ فَقَالَ ٱلْمَلأُ ﴾ أي الأشراف. وحاصل ما ذكروه خمس مقالات: الأولى ﴿ مَا هَـٰذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ ﴾.
الثانية: ﴿ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لأَنزَلَ مَلاَئِكَةً ﴾.
الثالثة: ﴿ مَّا سَمِعْنَا بِهَـٰذَا فِيۤ آبَآئِنَا ٱلأَوَّلِينَ ﴾.
الرابعة: ﴿ إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ ﴾.
الخامسة: ﴿ فَتَرَبَّصُواْ بِهِ حَتَّىٰ حِينٍ ﴾.
ولكونها ظاهرة الفساد، لم يتعرض لردها. قوله: (بأن يكون متبوعاً) أي بادعاء الرسالة. قوله: (أن لا يعبد غيره) أشار بذلك إلى أن مفعول المشيئة محذوف. قوله: (بذلك) أي بأن لا يعبد غيره. قوله: (إلا بشراً) أي لأن الملائكة لشدة سطوتهم وعلو شأنهم، ينقاد الخلق اليهم من غير شك، فلما لم يفعل ذلك، علمنا أنه ما أرسل رسولاً. قوله: (حالة جنون) أي ففعلة بالكسر للهيئة. قال ابن مالك: وفعلة لهيئة كجلسة. قوله: (إلى زمن موته) أي فكانوا يقولون لبعضهم: اصبروا فإنه إن كان نبياً حقاً، فالله ينصره ويقوي أمره، وإن كان كاذباً، فالله يخذله ويبطل أمره فنستريح منه، أو المراد بالحين، الزمان الذي تظهر فيه العواقب، فالمعنى انتظروا عاقبة أمره، فإن أفاق وإلا فاقتلوه. قوله: ﴿ قَالَ رَبِّ ٱنصُرْنِي ﴾ أي قال ذلك بعد أن أيس من إيمانهم.
قوله: ﴿ أَنِ ٱصْنَعِ ٱلْفُلْكَ ﴾ ﴿ أَنِ ﴾ مفسرة لوقوعها بعد جملة فيها معنى القول دون حروفه. قوله: ﴿ بِأَعْيُنِنَا ﴾ حال من الضمير في اصنع، وجمع الأعين للمبالغة. قوله: (بمرأى منا وحفظنا) أشار بذلك إلى أن في الآية مجازاً مرسلاً، لأن شأن من نظر إلى الشيء بعينه حفظه، فأطلق اللازم وأريد الملزوم. قوله: ﴿ وَوَحْيِنَا ﴾ أي تعليمنا، فإن الله أرسل إليه جبريل، فعلمه صنعتها وصنعها في عامين وجعل طولها ثمانين ذراعاً، وعرضها خمسين، وارتفاعها ثلاثين، والذراع إلى المنكب، وهذا أشهر الروايات، وقيل غير ذلك، وقد تقدم في هود، وجعلها ثلاث طباق السفلى للسباع والهوام، والوسطى للدواب والأنعام، والعليا للإنس. قوله: ﴿ فَإِذَا جَآءَ أَمْرُنَا ﴾ أي ابتداء ظهوره. قوله: ﴿ وَفَارَ ٱلتَّنُّورُ ﴾ عطف بيان لمجيء الأمر. روي أنه قيل لنوح عليه السلام: إذا فار الماء من التنور، فاركب أنت ومن معك، وكان تنور آدم عليه السلام من حجر تخبز فيه حواء، فصار إلى نوح، فلما نبع منه الماء، أخبرته امرأته فركبوا، واختلف في مكانه، فقيل كان بمسجد الكوفة، على يمين الداخل مما يلي كندة اليوم، وقيل كان في عين وردة من الشام. قوله: (علامة لنوح) أي على ركوب السفينة. قوله: ﴿ مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ ﴾ أي غير البشر، لما يأتي أنه أدخل فيها من البشر سبعين أو ثمانين. قوله: (وغيرهما) أي من كل ما يلد أو يبيض، بخلاف ما يتولد من العفونات كالدود والبق، فلم يحمله فيها. قوله: (وفي قراءة) أي وهي سبعية أيضاً. قوله: (بالتنوين) أي فحذف ما أضيف إليه كل، وعوض عن التنوين. قوله: (أي زوجته) أي المؤمنة لأنه كان له زوجتان، إحداهما مؤمنة فأخذها معه في السفينة، والأخرى كافرة تركها، وهي أم ولده كنعان. قوله: (وهو زوجته) أي الكافرة. قوله: (بخلاف سام) أي وهو أبو العرب، وحام أبو السودان، ويافث هو أبو الترك. قوله: (ستة رجال) أي فالجملة اثنا عشر. قوله: (بترك إهلاكهم) متعلق بتخاطبني. قوله: ﴿ إِنَّهُمْ مُّغْرَقُونَ ﴾ أي محكوم عليهم بالغرق. قوله: (وإهلاكهم) أي ونجانا من إهلاكهم. قوله: ﴿ وَقُل رَّبِّ أَنزِلْنِي مُنزَلاً ﴾ الخ، العبرة بعموم اللفظ، فهذا الدعاء ينبغي قراءته لكل من نزل في محل يريد الاقامة فيه. قوله: (عند نزولك من الفلك) أي حين استوت على الجودي، وكان يوم عاشوراء، وابتداء ركوبه السفينة، كان لعشر خلون من رجب، فكان مكثهم في السفينة ستة أشهر. قوله: (بضم الميم) أي فهما قراءتان سبعيتان، وظاهره أن الوجهين على قراءة ضم الميم وليس كذلك. بل كل من الوجهين يتأتى على كل من القراءتين. قوله: ﴿ مُّبَارَكاً ﴾ (ذلك لانزال) تفسير للضمير في مباركاً، والوجهان لكل من الضم والفتح. قوله: ﴿ وَإِن كُنَّا لَمُبْتَلِينَ ﴾ ﴿ إِن ﴾ مخففة واللام فارقة، والمعنى وإننا كنا معاملين قوم نوح معالمة المختبر لننظر، هل يتبعونه ويتعظون بوعظه.
قوله: ﴿ ثُمَّ أَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ ﴾ أي من بعد قوم نوح. قوله: ﴿ قَرْناً ﴾ أي قوماً سموا بذلك، لأن بعضهم مقترن ببعض في الزمان. قوله: (هم عاد) اسم قبيلة أرسل اليها هود، وما ذكره المفسر من أن المراد بالقرن عاد، وبالرسول هود، هو ما عليه أكثر المفسرين، ويشهد له مجيء قصة هود، عقب قصة نوح في الأعراف وهود والشعراء. وخير ما فسرته بالوارد. ولا شكل على هذا قوله في آخر القصة (فأخذتهم الصيحة) الموهم أن القرن ثمود، وأن الرسول صالح، لأنه يقال: المراد بالصيحة صيحة الريح أو شدة صوته. قوله: ﴿ فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ ﴾ أي في القرن، وإنما جعل القرن موضع الإرسال، ليدل على أنه لم يأت من مكان غير مكانهم. قوله: ﴿ رَسُولاً مِّنْهُمْ ﴾ أي من جنسهم وقبيلتهم، لأن هود بن عبد الله بن رباح بن الخلود بن عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح، وهم ينسبون لعاد، وتقدم ذلك في هود. قوله: (بأن) ﴿ ٱعْبُدُواْ ﴾ أشار بذلك إلى أن ﴿ أَنِ ﴾ مصدرية ويصح جعلها تفسيرية لمجيئها بعد جملة فيها معنى القول دون حروفه لأن أرسلنا بمعنى قلنا. قوله: ﴿ وَقَالَ ٱلْمَلأُ ﴾ عطف على ما قبله، وأتى بالواو إشارة إلى تباين الكلامين، بخلاف ما في الأعراف وهود، فإنه في جواب سؤال مقدر، ولذا تركت الواو. قوله: ﴿ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾ وصف مخصص، لأن قومه بعضهم آمن وبعضهم كفر. قوله: ﴿ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي ٱلْحَيـاةِ ٱلدُّنْيَا ﴾ أي أعطيانهم ملكاً عظيماً، قال تعالى مذكراً لهم بهذه النعم على لسان نبيهم﴿ أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ * وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ﴾[الشعراء: ١٣٣-١٣٤] قوله: ﴿ مَا هَـٰذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ ﴾ هذه شبهة أولى تنتهي لقوله: ﴿ لَّخَاسِرُونَ ﴾ والثانية إنكارهم البعث وتنتهي لقوله: ﴿ بِمَبْعُوثِينَ ﴾ وأهمل الجواب عنهما لفسادهما وركاكتهما. قوله: ﴿ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ ﴾ أي منه، فحذف العائد لاستكمال الشروط التي أشار إليها ابن مالك بقوله: كذا الذي جر بما الموصول جر   كمر بالذي مررت فهو برقوله: ﴿ وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ ﴾ اللام موطئة لقسم محذوف قدره المفسر بقوله: (والله). قوله: (والجواب لأولهما) أي على القاعدة التي ذكرها ابن مالك بقوله: واحذف لدى اجتماع شرط وقسم   جواب ما أخرت فهو ملتزمولا يصلح أن يكون جواباً للشرط لعدم وجود الفاء.
قوله: ﴿ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ ﴾ الخ، الكاف اسم أن، وخاسرون خبرها، واللام للابتداء زحلقت للخبر، و ﴿ وَإِذَا ﴾ لتأكيد مضمون الشرط، ولذا قال المفسر (إذا أطعتموه). قوله: ﴿ أَيَعِدُكُمْ ﴾ استفهام لتقرير ما قبله. قوله: ﴿ أَنَّكُمْ مُّخْرَجُونَ ﴾ أي من القبور، أو من العدم إلى الوجود تارة أخرى. قوله: (تأكيد لها) أي تأكيد لفظي. قوله: (اسم فعل ماض) اختلف في اسم الفعل، فقيل معناه لفظ الفعل، وعليه فهو مبني على الفتح، لا محل له من الإعراب، والثاني توكيد له، واللام زائدة، وما اسم موصول فاعله، و ﴿ تُوعَدُونَ ﴾ صلته أو اللام للبيان والفاعل مستتر فيه، والمعنى بعد وقوع خروجنا من القبور، وقيل معناه المصدر، وعليه فهو مبتدأ في محل رفع، والثاني توكيد له، و ﴿ لِمَا تُوعَدُونَ ﴾ متعلق بمحذوف خبر المبتدأ، فاللام ليست زائدة، إذا علمت ذلك، فكلام المفسر رضي الله عنه في غاية الإجمال، لأن قوله: (اسم فعل ماض) أحد قولين، وقوله: (بمعنى مصدر) هو القول الثاني. وقوله: (أي بعد بعد) يصح أن يقرأ بلفظ الفعل، فيكون تفسيراً للفعل الماضي أو بلفظ المصدر، فيكون تفسيراً للمصدر، وقوله: (واللام زائدة) ظاهرة على كل من القولين، وليس كذلك، بل هي زائدة على كون المراد به لفظ الفعل، والموصول فاعل، لا على كونها للبيان، ولا على كونه مصدراً، وقوله: (للبيان) هذا قول ثان، فكان المناسب أن يأتي بأو، وترك التفريع على المصدر، وتقدم أنها ليست زائدة، بل متعلقة بمحذوف خبر، وفي هذه اللفظة لغات كثيرة تزيد على الأربعين، والمشهور منها ستة عشر وهي ﴿ هَيْهَاتَ ﴾ بفتح التاء وضمها وكسرها، وفي كل مع التنوين وبدونه، و ﴿ هَيْهَاتَ ﴾ بإسكان التاء أو إبدالها هاء ساكنة، وفي كل من الثمان، إما بالهاء أو لا، أو إبدالها همزة، وقرئ بالجميع، لكن المتواتر القراءة الأولى، وهي الفتح من غير تنوين. قوله: (أي ما الحياة) أشار بذلك إلى أن ﴿ إِنْ ﴾ نافية، والضمير عائد على الحياة. قوله: (بحياة أبنائنا) جواب عما يقال: إن في قولهم ﴿ وَنَحْيَا ﴾ اعترافاً بالبعث، مع كونهم منكرين له. فأجاب: بأن المراد وتحيا أبناؤنا بعد موتنا. قوله: ﴿ بِمَا كَذَّبُونِ ﴾ أي سبب تكذيبهم إياي. قوله: (صيحة العذاب والهلاك) جواب عما يقال: إن الصيحة كانت عذاب قوم صالح لا قوم هود. قوله: (كائنة) ﴿ بِٱلْحَقِّ ﴾ أي العدل فيهم وأشار بذلك إلى أن الجار والمجرور متعلق بمحذوف حال من الصيحة. قوله: ﴿ غُثَآءً ﴾ مفعول ثان لجعلنا. قوله: (وهو نبت يبس) الأوضح أن يقول: وهو العشب إذا يبس. قوله: ﴿ فَبُعْداً لِّلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ ﴾ بعداً مصدر بدل من لفظ الفعل، والأصل بعدوا بعداً، واللام إما متعلقة بمحذوف للبيان أو ببعداً، وهو إخبار أو دعاء عليهم.
قوله: ﴿ ثُمَّ أَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ ﴾ أي من بعد قوم هود ونوح، وقوله: ﴿ قُرُوناً آخَرِينَ ﴾ أي كقوم صالح وإبراهيم ولوط وشعيب. قوله: ﴿ مِنْ أُمَّةٍ ﴾ أي جماعة. قوله: ﴿ وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ ﴾ أي لا يتأخرون عنه، والمقصود من هذه الآية، التقريع والتخويف لأهل مكة كأنه قال: لا تفتروا بطول الأمل، فإن للظالم وقتاً يؤخذ فيه، لا يتقدم عليه ولا يتأخر عنه. قوله: (بعد تأنيثه) أي في قوله: ﴿ أَجَلَهَا ﴾ الراجع إلى ﴿ أُمَّةٍ ﴾، وقوله: (رعاية المعنى) أي لأن أمة بمعنى قوم: ﴿ تَتْرَا ﴾ التاء مبدلة من واو وأصله وتراً، وهو مصدر على التحقيق، ومعناه المتابعة مع مهلة، وقيل المتابعة مطلقاً، وإن لم تكن مهلة، ولكن الآية تفسر بالأول لأنه الواقع. قوله: (التنوين وعدمه) أي فهما قراءتان سبعيتان، فمن نون قال: إن ألفه للإلحاق بجعفر كعلقى، فلما نون ذهبت ألفه لالتقاء الساكنين، ومن لم ينون قال: إن ألفه للتأنيث كدعوى. قوله: (وتسهيل الثانية) الخ أي فينطق بها متوسطة بين الهمزة والواو، وهما قراءتان سبعيتان. قوله: ﴿ وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ ﴾ جمع أحدوثة كأعجوبة وأضحوكة، ما يتحدث به عجباً وتسلياً، ولا يقال ذلك إلا في الشر، ولا يقال في الخير، قوله: ﴿ فَبُعْداً لِّقَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ ﴾ بعداً منصوب بمحذوف، أي بعدوا عن رحمتنا بعداً لا يزول. قوله: ﴿ بِآيَاتِنَا ﴾ أي التسع وهي: العصا واليد والسنون المجدبة والطمس والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم. قوله: ﴿ وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ ﴾ عطف مرادف، إشار إلى أن المعجزات كما تسمى بالآيات تسمى بالسلطان أيضاً. قوله: (وغيرهما) أي من باقي التسع. قوله: ﴿ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا ﴾ أفرد مثل، لأنه يجري مجرى المصادر في الإفراد والتذكير، ولا يؤنث أصلاً. قوله: ﴿ وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ ﴾ الجملة حالية. قوله: ﴿ فَكَانُواْ مِنَ ٱلْمُهْلَكِينَ ﴾ أي من جملة من هلك.
قوله: (أي قومه بني اسرائيل) أشار بذلك إلى أن الضمير في ﴿ لَعَلَّهُمْ ﴾ راجع لقوم موسى لا لفرعون وقومه، لأن التوراة إنما جاءته بعد هلاك فرعون وقومه. (جملة واحدة) إما راجع لقوله: (وأوتيها) أو راجع لهلاك فرعون وقومه. قوله: (لأن الآية فيهما واحدة) أي لأن ودلاته من غير أب أمر خارق للعادة، فيصح نسبته لها وله. قوله: ﴿ وَآوَيْنَاهُمَآ إِلَىٰ رَبْوَةٍ ﴾ سبب ذلك، أن ملك ذلك الزمان، كان أراد أن يقتل عيسى، فهربت به أمه إلى تلك الربوة ومكثت بها اثنتي عشرة سنة، حتى هلك ذلك الملك. قوله: (وهو بيت المقدس) هو أعلى مكان من الأرض، لأنه يزيد على غيره في الارتفاع ثمانية عشر ميلاً، فهو أقرب الباقع إلى السماء. قوله: ﴿ وَمَعِينٍ ﴾ اسم مفعل من عان يعين فهو معين، وأصله معيون كمبيوع، استثقلت الضمة على الياء فحذفت فالتقى ساكنان، حذفت الواو لالتقاء الساكنين، وكسرت العين لتصح الياء. قوله: ﴿ يٰأَيُّهَا ٱلرُّسُلُ كُلُواْ مِنَ ٱلطَّيِّبَاتِ ﴾ خطاب لجميع الرسل على وجه الإجمال، فليس المراد أنهم خاطبوا بذلك دفعة واحدة، بل المراد خوطب كل رسول في زمانه بذلك. بأن قيل مثلاً لكل رسول: كل من الطيبات واعمل صالحاً، إني بما تعمل عليهم، وحكمة خطاب النبي بها على سبيل الإجمال، التشنيع على رهبانية النصارى، حيث يزعمون أن ترك المستلذات مقرب إلى الله، ف رد الله عليهم بأن المدار على أكل الحلال وفعل الطاعات. قوله: (الحلالات) أي مسلتذات أم لا. قوله: ﴿ وَٱعْمَلُواْ صَالِحاً ﴾ أي شكراً على تلك النعم، لتزدادوا بها قرباً من ربكم. قوله: (فأجازيكم عليه) أي إن خيراً فيخر، وإن شراً فشر، فالآية، فيها ترغيب وترهيب. قوله: ﴿ وَ ﴾ (اعلموا) ﴿ إِنَّ هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ ﴾ قدر المفسر لفظ (اعلموا) إشارة إلى أن ﴿ إِنَّ ﴾ بفتح الهمزة معمولة لمحذوف و ﴿ هَـٰذِهِ ﴾ اسمها، و ﴿ أُمَّتُكُمْ ﴾ خبرها، وأمة حال، وواحدة صفة له. قوله: (دينكم) أشار بذلك إلى أن المراد بالأمة الدين، والمراد به العقائد، لأنها هي التي اتحدت في جميع الشرائع، وأما الأحكام الفرعية، فقد اختلفت باختلاف الشرائع. قوله: (وفي قراءة بتخفيف النون) أي والهمزة مفتوحة، والعامل مقدر كما في المشددة، واسمها ضمير الشأن، و ﴿ هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ ﴾ مبتدأ وخبر، والجملة خبر ﴿ إِنَّ ﴾.
قوله: (استئنافاً) أي فهو إخبار من الله، بأن جميع الشرائع متفقة الأصول، والقراءات الثلاث سبعيات. قوله: ﴿ فَٱتَّقُونِ ﴾ أي افعلوا ما أمرتكم به واتركوا ما نهيتكم عنه.
قوله: ﴿ فَتَقَطَّعُوۤاْ أَمْرَهُمْ ﴾ أي جعلوا دينهم فرقاً، فلذلك صاروا فرقاً مختلفة، كاليهود والنصارى والمجوس، وغير ذلك من الأديان الباطلة. قوله: ﴿ زُبُراً ﴾ جمع زبور بمعنى فريق. قوله: ﴿ فَرِحُونَ ﴾ أي لاعتقادهم أنهم على الحق. قوله: ﴿ فَذَرْهُمْ ﴾ الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والضمير لكفار مكة، كما أشار لذلك المفسر، وهو تسلية له. قوله: ﴿ فِي غَمْرَتِهِمْ ﴾ مفعول ثان لذرهم، أي مستقرين فيها، والغمرة في الأصل الماء الذي يغمر القامة، ثم استعير ذلك للجهالة، والغمر بالضم يقال لمن لم يجرب الأمور، والغمر بالكسر الحقد. قوله: ﴿ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ ﴾ بيان لما. قوله: ﴿ بَل لاَّ يَشْعُرُونَ ﴾ إضراب انتقالي، أي لا يعلمون أن توسعة الدنيا ليست نائشة عن الرضا عليهم، بل استدراج لهم، قال تعالى:﴿ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوۤاْ إِثْمَاً ﴾[آل عمران: ١٧٨].
قوله: ﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ هُم ﴾ ﴿ ٱلَّذِينَ ﴾ اسم ﴿ إِنَّ ﴾، و ﴿ هُم ﴾ مبتدأ، و ﴿ مُّشْفِقُونَ ﴾ خبره و ﴿ مِّنْ خَشْيةِ ﴾ متعلق بمشفقون، وكذا يقال فيما بعده. قوله: ﴿ مُّشْفِقُونَ ﴾ الإشفاق الخوف مع زيادة التعظيم، فهو أعلى من الخشية، وهذه الأوصاف متلازمة من اتصف بواحد منها لزم منه الاتصاف بالباقي. قوله: (القرآن) أي وغيره من باقي الكتب السماوية. قوله: (يعطون) أشار بذلك إلى أن قوله: ﴿ يُؤْتُونَ ﴾ من الإيتاء وهو الإعطاء. قوله: ﴿ وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ ﴾ الجملة حالية من فاعل ﴿ يُؤْتُونَ ﴾ أي والحال أن قلوبهم خائفة من عدم قبول أعمالهم الصالحة، لما قام بقلوبهم من جلال الله وهيبته وعزته واستغنائه، ولذا ورد عن أبي بكر الصديق أنه قال: لا آمن مكر الله ولو كانت إحدى قدمي داخل الجنة والأخرى خارجها، وكان كثير البكاء من خشية الله، حتى أثرت الدموع في خديه. قوله: (يقدر قبله لام الجر) أي فيكون تعليلاً لقوله: ﴿ وَجِلَةٌ ﴾.
قوله: ﴿ أُوْلَـٰئِكَ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْخَيْرَاتِ ﴾ هذه الجملة خبر عن قوله: ﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيةِ رَبِّهِمْ ﴾ وما عطف عليه، فاسم ﴿ إِنَّ ﴾ أربع موصولات، وخبرها جملة ﴿ أُوْلَـٰئِكَ ﴾ الخ. قوله: ﴿ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ ﴾ الضمير قيل للخيرات وقيل للجنة وقيل للسعادة، وقوله: (في علم الله) أي كتبوا سابقين في علم الله، فظهر فيهم مقتضى سابقية العلم.
قوله: ﴿ وَلاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا ﴾ أي تفضلاً منه سبحانه وتعالى، وإلا فلا يسأل عما يفعل، وأتى بهذه الآية عقب أوصاف المؤمنين، إشارة إلى أن تلك الأوصاف في طاقة الإنسان، وكذا جمع التكاليف التي افترضها الله على عباده فعلاً أو تركاً، وهذا لمن وفقه الله وكشف عنه الحجب، وأما المحجوب فيرى التكاليف ثقيلة يشق عليه تعاطيها. قال بعض العارفين: إذا رفع الحجاب فلا ملالة   لتكليف الإله ولا مشقةقوله: (عندنا) أي عندية رتبة ومكانة واختصاص. قوله: ﴿ يَنطِقُ بِٱلْحَقِّ ﴾ أي يبين أعمال العباد خيرها وشرها. قوله: (بما عملته) الضمير عائد على النفس المتقدم ذكرها. قوله: ﴿ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ ﴾ الجمع باعتبار العموم المستفاد من لفظ نفس، لأنه نكرة في سياق النفي. قوله: (فلا ينقص من ثواب أعمال الخير) أي لأن الأعمال كلها والجزاء عليها مثبتة في اللوح المحفوظ، وهو مطابق لما في علم الله. قوله: ﴿ بَلْ قُلُوبُهُمْ ﴾ رجوع لأحوال الكفار. قوله: ﴿ وَلَهُمْ أَعْمَالٌ ﴾ أي سيئة. قوله: ﴿ مِّن دُونِ ذٰلِكَ ﴾ أي غير ما ذكر للمؤمنين. والمعنى أن الكفار لهم أعمال مضادة ومخالفة لأوصاف المؤمنين المتقدمة قوله: ﴿ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ ﴾ أي مستمرون عليها. قوله: (ابتدائية) أي تبتدأ بعدها الجمل. قوله: ﴿ إِذَآ أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ ﴾ ﴿ إِذَآ ﴾ ظرف لما يستقبل من الزمن خافض لشرطه منصوب بجوابه و ﴿ إِذَآ ﴾ الثانية للمفاجأة قائمة مقام الفاء. قال ابن مالك: وتخلف الفاء إذا المفاجأة   كأن تجد إذا لنا مكافأةقوله: (أغنياءهم ورؤساءهم) أي كأبي جهل وأضرابه من صناديدهم. قوله: ﴿ يَجْأَرُونَ ﴾ أي يصرخون ويبتلهون، أو يستغيثون ويلتجئون في كشف العذاب عنهم، ومع ذلك فلا ينفعهم. قوله: (يقال لهم) الأقرب أن ذلك عند قبض أرواحهم، حين تأتيهم الملائكة بالمطارق، من نار يضربون بها وجوههم وأدبارهم، وقيل إنه يوم القيامة حين يعذبون في النار. قوله: ﴿ قَدْ كَانَتْ آيَاتِي ﴾ الخ، تعليل لما قبله. قوله: ﴿ تَنكِصُونَ ﴾ من باب جلس ودخل، فهو بكسر الكاف وضمها. قوله: (ترجعون قهقرى) أي إلى جهة الخلف، وهو كناية عن إعراضهم عن الإيمان.
قوله: ﴿ بِهِ ﴾ الجار والمجرور إما متعلق بمستكبرين أو بسامراً، وأشار المفسر إلى أن الضمير إما عائد على البيت أو الحرام. قوله: ﴿ سَامِراً ﴾ من السمر وهو الحديث ليلاً. قوله: (حال) المناسب للمفسر أن يقول احوال، ويؤخره عن قوله: ﴿ تَهْجُرُونَ ﴾ لأن الأحوال ثلاثة ﴿ مُسْتَكْبِرِينَ ﴾ و ﴿ سَامِراً ﴾.
﴿ تَهْجُرُونَ ﴾.
قوله: (أي جماعة) أشار بذلك إلى أن ﴿ سَامِراً ﴾ اسم جمع واحده مسامر. قوله: (من الثلاثي) أي مأخوذ من الهجران وهو الترك، أو من هجر هجراً بالتحريك هذى وتكلم بما لا يعقله. قوله: (ومن الرباعي) أي مأخوذ من الإهجار، وهو الفحش في الكلام. قوله: ﴿ أَفَلَمْ يَدَّبَّرُواْ ٱلْقَوْلَ ﴾ الهمزة داخلة على محذوف، والفاء عاطفة عليه، والتقدير أعموا فلم يدبروا، وهذا شروع في بيان أقدامهم على هذه الضلالات، لا بد أن يكون لأحد أمور أربعة أحدها أن لا يتأملوا في دليل نبوته وهو القرآن المعجز، مع أنهم تأملوا وظهرت لهم حقيقته. ثانيها: أن يعتقدوا أن بعثة الرسول أمر غريب، لم تسمع ولم ترد عن الأمم السابقة، وليس كذلك، لأنهم عرفوا أن الرسل كانت ترسل إلى الأمم. ثالثها: أن لا يكونوا عالمين بأمانته وصدقه قبل ادعاء النبوة، وليس كذلك، بل سبقت لهم معرفة كونه في غاية الأمانة والصدق. رابعها: أن يعتقدوا فيه الجنون، وليس كذلك، لأنهم كانوا يعلمون أنه أعقل الناس. وسيأتي خامس في قوله:﴿ أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً ﴾[المؤمنون: ٧٢] وأم في المواضع الأربعة مقدرة ببل الانتقالية، وهمزة الاستفهام التقريري، وهو حمل المخاطب على الإقرار بما يعرفه. قوله: (من صدق النبي) الخ، بيان للحق على طبق الآية، على سبيل اللف والنشر المرتب. قوله: ﴿ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ ﴾ أي القرآن وغيره فهو أعم من الحق الأول، ولذا أظهر في مقام الإضمار وأشار بقوله: ﴿ وَأَكْثَرُهُمْ ﴾ إلى أن الأقل لم يدم على كراهة الحق، بل رجع عن كفره وآمن.
قوله: (عادة) المناسب أن يقول عقلاً، لأن وجود الشريك يقضي بفساد العالم عقلاً لا عادة. قوله: ﴿ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ ﴾ اضراب انتقال، والمعنى كيف يكرهون الحق، مع أن القرآن أتاهم بتشريفهم وتعظيمهم؟ فاللائق بهم الانقياد له وتعظيمه، والعامة على قصر ﴿ أَتَيْنَاهُمْ ﴾ وقرئ بالمد بمعنى أعطينا، وحينئذ فالباء إما زائدة وذكرهم مفعول ثاني، أو المفعول، وقرئ بالقصر مع تاء المتكلم أو تاء المخاطب، وقوله: ﴿ بِذِكْرِهِمْ ﴾ هكذا قرأ العامة، وقرئ شذوذاً بذكراهم بألف التأنيث، ونذكرهم بنون العظمة. قوله: ﴿ أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً ﴾ راجع لقوله:﴿ أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ ﴾[المؤمنون: ٧٠] وما بينهما اعتراض. قوله: ﴿ خَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ ﴾ تعليل لنفي السؤال المستفاد من الإنكار. قوله: (أجره وثوابه) أي في الآخرة، وقوله: (ورزقه) أي في الدنيا، فهذه الأمور كالخراج من حيث إن الله تفضل بها لعبيده فلا يتركها أبداً. قوله: (وفي قراءة خرجاً في الموضعين) الخ، أي فالقراءات الثلاث سبعيات، لكن الأولى أبلغ، من حيث إنه عبر في حق الله بالخراج المفيد للتكرار، وفي حق العبيد بالخراج المفيد عدم التكرار، والمماثلة في القراءتين الباقيتين للمشاكلة. قوله: (وأجر) بالقصر من باب ضرب ونصر، وبالمد أي أثاب. قوله: ﴿ عَنِ ٱلصِّرَاطِ ﴾ متعلق بناكبون. قوله: (عادلون) أي زائغون ومنحرفون. قوله: ﴿ وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ ﴾ الخ قال الأشياخ: الأظهر أن هذه الآية واللتين بعدها إلى ﴿ مُبْلِسُونَ ﴾ مدنيات؛ وسبب ذلك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة، دعا على أهل مكة بقوله:" اللهم اشدد وطأتك على مضر، اللهم اجعلها عليهم سنيناً كسنين يوسف "فقحطوا حتى أكلوا العلهز، وهو بعين مسكروة ولام سكانة وهاء وزاي معجمة، شيء كانوا يتخذونه من الدم ووبر الابل في سني المجاعة، فجاء أبو سفيان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة فقال: أنشدك الله والرحم، ألست تزعم أنك بعثت رحمة للعالمين؟ قتلت الآباء بالسيف والأبناء بالجوع. فنزلت الآية. قوله: ﴿ لَّلَجُّواْ ﴾ اللجاج التمادي والاستمرار على العناد في تعاطي الفعل المنهي عنه. قوله: ﴿ وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِٱلْعَذَابِ ﴾ تأكيد لما قبله. قوله: ﴿ فَمَا ٱسْتَكَانُواْ ﴾ أصله استكونوا، نقلت حركة الواو إلى ما قبلها، فتحركت الواو وانفتح ما قبلها قلبت الفاً، والمعنى لم يحصل منهم تواضع ورجوع إلى الله في الماضي. ولم يحصل التجاء إلى الله في المستقبل. قوله: (ابتدائية) أي تبتدأ بعدها الجمل. قوله: ﴿ إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ ﴾ ﴿ إِذَا ﴾ شرطية، و ﴿ إِذَا ﴾ الثانية رابطة للجواب، قائمة مقام الفاء. قوله: (آيسون) أي فالإبلاس اليأس، ومنه إبليس ليأسه من رحمة الله.
قوله: ﴿ وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَنْشَأَ لَكُمُ ﴾ الخ، خطاب للخلق عموماً، قصد به تذكير النعم للمؤمنين، والتوبيخ للكافرين، حيث لم يصرفوا النعم في مصارفها، لأن السمع خلق ليسمع به ما يرشد، والبصر ليشاهد به الآيات الدالة على كمال أوصاف الله، والقلوب بمعنى العقول، ليتأمل بها في مصنوعات الله، فمن لم يصرف تلك النعم في مصارفها، فهو بمنزلة عادمها، قال تعالى:﴿ فَمَآ أَغْنَىٰ عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلاَ أَبْصَارُهُمْ وَلاَ أَفْئِدَتُهُمْ مِّن شَيْءٍ ﴾[الأحقاف: ٢٦] وأفرد السمع وجمع الأبصار. قوله: (تأكيد للقلة) أي لفظ ما تأكيد للقلة المستفادة من التنكير، والمعنى شكراً قليلاً، وهو كناية عن عدمه. قوله: (تبعثون) أي تحيون بعد الموت. قوله: ﴿ وَلَهُ ٱخْتِلاَفُ ٱللَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ ﴾ أي خلقاً وإيجاداً. قوله: (بالسواد والبياض) لف ونشر مرتب. قوله: ﴿ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ﴾ الهمزة داخلة على محذوف، والفاء عاطفة عليه، أي أغفلتم فلا تعقلون أن القادر على إنشاء الخلق، قادر على اعادتهم بعد الموت؟قوله: ﴿ بَلْ قَالُواْ ﴾ أي كفار مكة. قوله: ﴿ مِثْلَ مَا قَالَ ٱلأَوَّلُونَ ﴾ أي من قوم نوح وهود وصالح وغيرهم. قوله: (لا) أشار بذلك إلى أن الاستفهام إنكاري بمعنى النفي. قوله: (وادخال الف بينهما) أي وترك الإدخال، فالقراءات أربع سبعيات في الثاني. وثلاث في الأول بترك الإدخال بين المحققين. قوله: ﴿ لَقَدْ وُعِدْنَا ﴾ وعد فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل هو الضمير المتصل و ﴿ نَحْنُ ﴾ توكيد له، و ﴿ وَآبَآؤُنَا ﴾ معطوف على الضمير المتصل، فهو نائب فاعل أيضاً، وقوله: ﴿ هَـٰذَا ﴾ مفعول ثان لوعد، ونائب الفاعل مفعول أول، والأصل وعدنا الآن محمد بالبعث، ووعد غيره آباءنا من قبلنا به، وقدم المرفوع الذي هو نائب الفاعل هنا، وعكس في النمل تفنناً وإشارة إلى أنه يجوز الأمران. قوله: ﴿ قُل ﴾ (لهم) أي لأهل مكة المنكرين للبعث. قوله: (من خلق) أي المخلوقات عقلاء وغيرهم. قوله: ﴿ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ شرط حذف جوابه والتقدير فأخبروني بخالقهما. قوله: ﴿ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ ﴾ إخبار من الله بما يقع منهم في الجواب قبل وقوعه. قوله: (بإدغام التاء) أي بعد قلبها دالاً فذالاً وتسكينها. قوله: (الكرسي) المناسب إبقاءه على ظاهره، فإن العرش على التحقيق غير الكرسي. قوله: (والتاء للمبالغة) أي وكذا الواو، فهما زائدتان، كزيادتهما في الرحموت والرهبوت من الرهبة والرحمة. قوله: (يحمي ولا يحمى عليه) الأول بفتح الياء كيرمي والثاني بضمها. والمعنى يمنع ويحفظ من أراد حفظه، ولا يمنع منه أحد، ولا ينصر من أراد خذلانه. قال تعالى:﴿ إِن يَنصُرْكُمُ ٱللَّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا ٱلَّذِي يَنصُرُكُم مِّنْ بَعْدِهِ ﴾[آل عمران: ١٦٠].
قوله: (وفي قراءة الله بلام الجر) أي وهو لمعظم السبعة. قوله: (في الموضعين) أي الأخيرين، وأما جواب السؤال الأول فهو باللام باتفاق السبعة، ولم يقرأ بدونها أحد. قوله: (نظراً إلى أن المعنى) أي فلام الجر مقدرة في السؤال، فظهرت في الجواب نظراً للمعنى، وأما على قراءة إسقاطها فباعتبار مراعاة لفظ السؤال، لأنه لا فرق بين قوله: من رب السماوات، وبين لمن السماوات، كقولك: من رب هذه الدار؟ فيقال: زيد، وإن شئت قلت لزيد، لأن السؤال لا فرق فيه، بين أن يقال لمن هذه الدار، أو من ربها. قوله: ﴿ قُلْ فَأَنَّىٰ ﴾ أي فكيف ﴿ تُسْحَرُونَ ﴾.
قوله: (عبادة الله) بدل من الحق فهو بالجر قوله: (أي كيف يخيل لكم) أشار بذلك إلى أن المراد بالسحر، التخيل والوهم لا حقيقته. قوله: (في نفيه) أي الحق. قوله: ﴿ مِن وَلَدٍ ﴾ ﴿ مِن ﴾ زائدة في المفعول، وقوله: ﴿ مِنْ إِلَـهٍ ﴾ ﴿ مِنْ ﴾ زائدة في أسم ﴿ كَانَ ﴾.
قوله: (أي لو كان معه إله) أشار بذلك إلى أن قوله: ﴿ إِذاً لَّذَهَبَ ﴾ جواب لشرط محذوف وهو لو الامتناعية، علم من قوله: ﴿ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَـهٍ ﴾، وتقدم تحقيق الكلام في هذا البرهان في سورة الأنبياء. قول: (كفعل ملوك الدنيا) كلامه يقتضي أن هذا أمر عادي لا إلزام قطعي، وهو خلاف التحقيق، بل التحقيق أنه دليل عقلي قطعي.
قوله: ﴿ عَالِمِ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ ﴾ هذا دليل آخر على الوحدانية كأنه قال: الله عالم الغيب والشهادة، وغيره لا يعلمهما، فغيره ليس إله. قوله: (بالجر صفة) أي للفظ الجلالة أو بدل منه، وقوله: (والرفع خبر) هو مقدراً، أي فهما قراءتان سبعيتان. قوله: ﴿ فَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ عطف على معنى ما تقدم كأنه قال: علم الغيب فتعالى. قوله: ﴿ قُل رَّبِّ ﴾ الخ، هذا أمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم بكيفية دعاء يتخلص به من عذابهم وهو مجاب، لأن الله ما أمره بدعاء إلا استجاب له. قوله: (إن ما) ﴿ تُرِيَنِّي ﴾ (إن) شرطية، و(ما) زائدة، و ﴿ تُرِيَنِّي ﴾ فعل الشرط، والنون للوقاية، والياء مفعول أول، و ﴿ مَا ﴾ مفعول ثان، و ﴿ يُوعَدُونَ ﴾ صلة ﴿ مَا ﴾، و ﴿ رَبِّ ﴾ تأكيد للأول، وقوله: ﴿ فَلاَ تَجْعَلْنِي ﴾ الخ، جواب الشرط. قوله: (بالقتل ببدر) أي وهو الذي رآه بالفعل. قوله: (فأهلك بهلاكهم) أي لأن شؤم الظالم قد يعم غيره. إن قلت: إن رسول الله معصوم من جعله مع القوم الظالمين، فكيف أمره الله بهذا الدعاء؟ أجيب: بأنه أمر بذلك اظهاراً للعبودية، وتواضعاً لربه وتعظيماً لآجره، وليكون في جميع الأوقات ذاكراً لله تعالى. قوله: ﴿ وَإِنَّا عَلَىٰ أَن نُّرِيَكَ ﴾ الخ، إن حرف توكيد ونصب، ونا اسمها، والجار والمجرور متعلق بقادرون، و ﴿ مَا ﴾ واقعة على العذاب، وقادرون خبر إن، واللام للابتداء زحلقت للخبر، والمعنى: وإنا لقادرون على أن نريك العذاب الذي نعدهم به. قوله: (أي الخصلة) الخ، أشار بذلك إلى أن التي صفة لموصوف محذوف، وقوله: (من الصفح) الخ، بيان للخصلة التي هي أحسن. قوله: (وهذا قبل الأمر بالقتال) أي فهو منسوخ، ويحتمل أن المعنى ﴿ ٱدْفَعْ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ ولو في حال القتل كأن الله يقول: إذا قدرت عليهم فاصفح عنهم، ولا تعاملهم بما كانوا يعمالونك به، حينئذ فتكون الآية محكمة، وقد حصل منه هذا الأمر عند فتح مكة. قوله: ﴿ وَقُلْ رَّبِّ ﴾ أي في كل وقت، لأن العصمة والحفظ من الشيطان أمرها عظيم جداً، وهو وإن كان معصوماً، فالمقصود تعليم أمته، واظهار الالتجاء لربه. قوله: ﴿ مِنْ هَمَزَاتِ ٱلشَّياطِينِ ﴾ جمع همزة وهي النخسة. قوله: (نزغاتهم) أي افسادتهم، والمعنى اتحصن بك من وساوس الشيطان. قوله: ﴿ وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ ﴾ كرر ذلك للمبالغة والاعتناء بهذه الاستعاذة. قوله: (ابتدائية) أي تبتدأ بعدها الجمل، أشارة إلى أن هذا الكلام منقطع عما قبله، قصد به وصف حال الكافر بعد موته. قوله: (الجمع للتعظيم) جواب عما يقال: لم لم يقل رب ارجعني بالإفراد، مع أن المخاطب واحد؟ وأجيب أيضاً: بأن الواو لتكرير الطلب كأنه قال: ارجعن ارجعن ارجعن، أو الجمع باعتبار الملائكة الذين يقبضون روحه، كأنه استغاث بالله أولاً، ثم رجع إلى طلب الرجوع إلى الدنيا من الملائكة. قوله: (يكون) ﴿ فِيمَا تَرَكْتُ ﴾ أي بدلاً عنه. قوله: (أي لارجوع) أشار بذلك إلى أن ﴿ كَلاَّ ﴾ هنا معناها النفي، ومع ذلك فيها معنى الردع والزجر. قوله: (أي رب ارجعون) أي وما بعدها. قوله: ﴿ وَمِن وَرَآئِهِمْ ﴾ الجمع باعتبار معنى أحد. قوله: ﴿ بَرْزَخٌ ﴾ هو المدة التي من حين الموت إلى البعث، والمعنى أن بينهم وبين الرجعة حجاباً ومانعاً من الرجوع وهو الموت، إذا علمت ذلك، فالأموات لا تعود أجسامهم في الدنيا بأرواحهم كما كانوا أبداً وإنما يبعثون يوم القيامة، لا فرق بين الأنبياء وغيرهم، وما ورد عن بعض الصالحين، من أنهم يجتمعون بالنبي صلى الله عليه وسلم يقظة، فالمراد أن روحه الشريفة، تشكلت بصورة جسده الشريف، وكذا يقال في الأولياء والشهداء، لأن أرواح المطيعين مطلقة غير محبوسة، وأما الكفار فأرواحهم محبوسة لا تسعى في الملكوت. قوله: (ولا رجوع بعده) أي يوم البعث. قوله: (النفخة الأولى) هو قول ابن عباس، وقوله: (أو الثانية) هو قول ابن مسعود. قوله: (يتفاخرون بها) جواب عما يقال: إن الأنساب ثابتة بينهم لا يصح نفيها، فأجاب: بأن المعنى لا أنساب بينهم لا يتفاخرون بأنسابهم. وأجيب أيضاً: بأن معنى لا أنساب بينهم، لا أنساب تنفعهم، لزوال التراحم والتعاطف من شدة الحسرة والدهشة. قوله: (خلاف حالهم في الدنيا) أي لأنهم كانوا يسألون عن بعضهم في الدنيا. قوله: (لما يشغلهم من عظم) علة لقوله: ﴿ وَلاَ يَتَسَآءَلُونَ ﴾ ودفع بذلك ما يقال: كيف الجمع بين هذه الآية وآية﴿ وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ ﴾[الصافات: ٢٧] فجمع المفسر بأن القيامة مواطن مختلفة، وهذا مبني على أن المراد النفخة الثانية، وأما على أن المراد النفخة الأولى، فوجه الجمع أن نفي السؤال، إنما هو عند النفخة الأولى لموتهم حينئذ وإثباته، وإنما هو بعد النفخة الثانية. قوله: ﴿ مَوَازِينُهُ ﴾ الجمع إما للتعظيم أو باعتبار الموزون. قوله: (بالحسنات) الباء سببية أي بسبب ثقل الحسنات. قوله: (بالسيئات) أي بسبب ثقل السيئات، والمعنى فمن رجحت حسناته ﴿ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ ﴾، ومن رجحت سيئاته ﴿ فأُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ ﴾ الخ. قوله: (فهم) ﴿ فِي جَهَنَّمَ ﴾ أشار المفسر إلى أن قوله: ﴿ فِي جَهَنَّمَ ﴾ خبر لمحذوف.
قوله: ﴿ تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ ﴾ اللفح الإصابة بشدة. قوله: (شمرت شفاههم) الخ، فالكلوح تشمر الشفة العليا واسترخاء السفل لما ورد: أنه تتقلص شفته العليا حتى تبلغ وسط رأسه، وتسترخي السفلى حتى تبلغ سرته. قوله: ﴿ تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ ﴾ أي في الدنيا. قوله: (وفي قراءة) وهي سبعية أيضاً. قوله: (وهما مصدران بمعنى) أي وهو سوء العاقبة. قوله: (بعد قدر الدنيا مرتين) أي وقدرها قيل سبعة آلاف سنة بعدد الكواكب السيارة، وقيل اثنا عشر الف سنة بعدد البروج، وقيل ثلاثمائة الف سنة وستون سنة بعدد أيام السنة. قوله: ﴿ ٱخْسَئُواْ فِيهَا ﴾ أي اسكنوا سكوت هوان وذل. قوله: (فينقطع رجاؤهم) أي وهذا آخر كلامهم في النار، فلا يسمع لهم بعد ذلك إلا الزفير والشيق والنباح كنباح الكلاب. قوله: ﴿ إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ ﴾ تعليل لما قبله. قوله: (بضم السين وكسرها) أي فهما قراءتان سبعيتان. قوله: (وسلمان) المناسب أن يقول بدله وخباب، لأن سلمان ليس من المهاجرين: قوله: (فنسب اليهم) أي وحقه أن ينسب إلى الاستهزاء. قوله: ﴿ وَكُنْتُمْ مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ ﴾ أي وذلك غاية الاستهزاء. قوله: (بكسر الهمزة وبفتحها) أي فهما قراءتان سبعيتان. قوله: (بلسان مالك) دفع بذلك ما يقال إن قوله: ﴿ قَالَ ﴾ يقتضي أن الله يكلمهم، مع أنه قال في آية أخرى﴿ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ ٱللَّهُ ﴾[البقرة: ١٧٤] فأجاب بأن المكلم لهم الملك عن الله. قوله: (وفي قراءة قل) أي وهي سبعية أيضاً. والحاصل أن هنا وفيما يأتي في قوله:﴿ قَالَ إِن لَّبِثْتُمْ ﴾[المؤمنون: ١١٤] ثلاث قراءات سبعيات، الأمر فيهما والماضي فيهما، والأمر في الأول، والماضي في الثاني. قوله: ﴿ كَمْ لَبِثْتُمْ ﴾ ﴿ كَمْ ﴾ في محل نصب على الظرفية الزمانية، وقوله: ﴿ عَدَدَ سِنِينَ ﴾ هو مميزها، والمعنى لبثتم كم عدداً من السنين، والقصد من هذا السؤال، التوبيخ والتبكيت عليهم، لأنهم كانوا يعتقدون بقاءهم في الدنيا، ويعولون على اللبث فيها، وينكرون البعث، فلما أدخلوا النار، وأيقنوا دوامها وخلودهم فيها، سألهم عن لبثهم في الدنيا، زيادة في تحسرهم على ما كانوا يعتقدونه، حيث ظهر خلافه.
قوله: ﴿ فَسْئَلِ ٱلْعَآدِّينَ ﴾ بالتشديد جمع عاد من العدد، وهذا من جملة كلامهم، لأنه غشيهم من الهول والعذاب، ما يشغلهم عن ضبط ذلك وإحصائه. قوله: ﴿ قَالَ ﴾ (تعالى) أي تقريعاً وتوبيخاً وتصديقاً لهم. قوله: ﴿ لَّوْ أَنَّكُمْ ﴾ ﴿ لَّوْ ﴾ هنا امتناعية، ومفعول العلم محذوف قدره المفسر بقوله: (مقدار لبثكم)، وجواب ﴿ لَّوْ ﴾ محذوف أيضاً قدره المفسر بقوله: (كان قليلاً) أي في علمكم، والمعنى لو أنكم كنتم تعلمون مقدار لبثكم من الطول، لعلمتم قلة لبثكم في الدنيا، قوله: ﴿ أَفَحَسِبْتُمْ ﴾ الهمزة داخلة على محذوف، والفاء عاطفة عليه، والتقدير أجهلتم فحسبتم، وحسب بمعنى ظن، والاستفهام للتوبيخ والإنكار. قوله: ﴿ عَبَثاً ﴾ إما حال مؤول باسم الفاعل أي عابثين، أو مفعول لأجله، والعبث اللعب وكل ما ليس فيه غرض صحيح، فقوله: (لا لحكمة) تفسير للعبث. قوله: ﴿ وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ ﴾ عطف على ﴿ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ ﴾ فيكون حسب مسلطاً عليه. قوله: (بالبناء للفاعل وللمفعول) أي فهما قراءتان سبعيتان. قوله: (لا) قدره جواباً للاستفهام. قوله: (بل لنتعبدكم) أي لنكلفكم. قوله: (على ذلك) أي على امتثال التعبد المذكور. قوله: (إلا ليعبدون) أي حكمة خلقي لهم، كونهم يمتثلون أوامري ويجتنبون نواهيّ. قوله: ﴿ فَتَعَالَى ٱللَّهُ ﴾ أي تنزه. قوله: ﴿ ٱلْمَلِكُ ٱلْحَقُّ ﴾ أي الذي يحق له التصرف في ملكه، بالإيجاد والإعدام والثواب والعقاب وغير ذلك، فكل ما سواه مقهور، وهو القاهر فوق عباده. قوله: ﴿ ٱلْكَرِيمِ ﴾ بالجر صفة للعرش، لأن كل بركة ورحمة وخير نازلة منه، وقرئ شذوذاً بالرفع على أنه نعت مقطوع للمدح. قوله: (الكرسي) تقدم أن المناسب ابقاؤه على ظاهره. قوله: (هو السرير الحسن) هكذا في بعض النسخ، وفي بعضها اسقاطها. قوله: (صفة كاشفة) أي بيان للواقع، لأن كل من ادعى مع الله إلهاً آخر، لا بد أن يكون لا برهان له به. قوله: ﴿ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ ﴾ هو جواب الشرط. قوله: ﴿ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلْكَافِرُونَ ﴾ الجمهور على كسر إن استئنافاً، وفيه معنى العلة، وقرئ شذوذاً بالفتح على أنه خبر حسابه، والأصل حسابه أنه لا يفلح هو، فوضع الظاهر موضع المضمر تسجيلاً عليهم. قوله: (في الرحمة زيادة على المغفرة) أي فذكر الرحمة بعد المغفرة تحلية بعد تخلية، ففي الغفران محو السيئات وفي الرحمة رفع الدرجات. قوله: (أفضل رحمة) بالنصب على التمييز.
Icon