تفسير سورة المؤمنون

جامع البيان في تفسير القرآن
تفسير سورة سورة المؤمنون من كتاب جامع البيان في تفسير القرآن .
لمؤلفه الإيجي محيي الدين . المتوفي سنة 905 هـ
سورة المؤمنون مكية آياتها مائة وتسع عشرة وعند الكوفيين ثماني عشرة وهي ست ركوعات

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ﴾، ظفروا بالمراد وفازوا بأمانيهم،
﴿ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴾، خائفون من الله ساكنون، وعلامته ألا يلتفت١يمينا وشمالا ولا يرفع البصر عن موضع السجود،
١ لشغل قلوبهم والأصح أنه من فرائض الصلاة، وهو أول علم يرفع من الناس كذا نقل عبادة بن الصامت /١٢ وجيز..
﴿ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْو ﴾ : عن الشرك١، أو عن كل ما لا يعنيهم من قول وفعل، ﴿ مُعْرِضُونَ ﴾
١ هكذا فسره كثير من السلف /١٢ وجيز..
﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ ﴾ أي : زكاة١ الأموال، فإن قيل السورة مكية، والزكاة قد فرضت بالمدينة قلت : قال بعض٢ المحققين فرضت بالمدينة نصابها وقدرها، وأما أصلها٣* فقد كان واجبا٤ بمكة، أو المراد زكاة النفس وتطهيرها٥ من الرذائل، والزكاة اسم مشترك بين المعني والعين فإن أريد الثاني فهو على حذف مضاف، أي : لأداء الزكاة فاعلون،
١ قيل: العين المخرج لا يسمى زكاة، فالتعبير بالفعل عن إخراجه أولى منه بالأداء فلا يراد ما أورده من لا ذوق عنده من العربية أن مؤدون هو الفصاحة لا فاعلون، وفي إشعار الفصحاء الفاعلون للزكاة ولا يبعد أن (فاعلون) مؤذن بأن هذا شغلهم ليسوا بتاركين كما قالوا في ﴿اعملوا آل داود شكرا﴾ [سبأ: ١٣] /١٢ وجيز..
٢ لعله أراد صاحب الوجيز /١٢..
٣ في الأصل (صلها)..
٤ قال تعالى في سورة الأنعام وهي مكية ﴿وآتوا حقه يوم حصاده﴾ [الأنعام: ١٤١]/١٢ منه..
٥ نحو: ﴿قد أفلح من زكاها﴾ [الشمس: ٩] ونحو: ﴿ويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة﴾ [فصلت: ٦، ٧] على القولين في تفسيره /١٢ منه..
﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ ﴾ أي : حافظون لفروجهم من أن يقعن على أحد،
﴿ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ ﴾ أو حافظون بمعنى لا يبذلون، ﴿ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ ﴾ : أجراهن مجرى غير١ العقلاء، ﴿ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ﴾ الضمير لمن دل عليه الاستثناء، أي : غير الحافظين من أن يقعن على الأزواج والسراري،
١ ولم يقل من ملكت /١٢..
﴿ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء١ ذَلِكَ ﴾ : المستثنى، ﴿ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ ﴾ : الكاملون في العدوان،
١ قال سليمان الجمل الاستمناء باليد حرام عند الجمهور، وكان أحمد بن حنبل يجيز ذلك لأنه فضلة في البدن يجوز إخراجها لحاجة كالفصد والحجامة، لكن بشروط ثلاثة: أن يخاف الزنا، ويفقد مهر حرة أو ثمن أمة كما ذكر في كتاب المنتهى، وأن يفعله بيده ومفهومه فيه تفصيل وهو أنه إن كان بيد زوجته أو أمته جاز وإن كان بيد أجنبية حرم إلا من الرازي انتهى.
وفي الفتح وللشوكاني في ذلك رسالة سماها بلوغ المبنى في حكم الاستمناء، وذكر فيها أدلة المنع والجواز وترجيح الراجح منهما /١٢..

﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ﴾، إذا اؤتمنوا لم يخونوا وإذا عاهدوا أوفوا،
﴿ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ ﴾ : يواظبون لا يتركونها بوجه وذكر المضارعة لما في الصلاة من التجدد الدائمي،
﴿ أُوْلَئِكَ ﴾ : الجامعون لتلك الصفات، ﴿ هُمُ الْوَارِثُونَ ﴾ : هم أحقاء بأن يسموا ورّاثا دون غيرهم،
﴿ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ ﴾ : لما أنهم من أعمالهم نالوا الفردوس كأنهم ورثوها منها أو يرثون من الكفار منازلهم في الجنة، وقد ورد ( ما منكم١ إلا وله منزلان منزل في الجنة ومنزل في النار فإن مات ودخل النار ورث أهل الجنة منزله فذلك قوله :﴿ أولئك هم الوارثون ﴾، أو مبالغة في استحقاقهم، ﴿ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ : الفردوس٢ أعلى الجنة، ولهذا أنث ضميره،
١ رواه ابن أبي حاتم عن أبي هريرة –رضي الله عنه- عن رسول الله صلى الله عليه وسلم [ظاهر هذا العزو يوهم أنه لم يخرجه أحد من أهل السنن، وهو خطأ فقد أخرجه ابن ماجه (٤٣٤١) بسند صحيح، انظر صحيح سنن ابن ماجه (٣٥٠٣)، والصحيحة (٢٢٧٩)]، وفي مسلم (يجيء يوم القيامة ناس من المسلمين بذنوب أمثال الجبال فيغفرها الله لهم ويضعها على اليهود والنصارى) وفي لفظ له (إذا كان يوم القيامة دفع الله إلى كل مسلم يهوديا أو نصرانيا فيقول هذا فكاكك من النار) /١٢ منه. [أخرجه مسلم في (التوبة)، (٥/٦١٢) ط الشعب]..
٢ في الصحيحين ﴿إذا سألتم الله الجنة فاسألوه الفردوس فإنه أعلى الجنة، وأوسط الجنة ومنه تفجر أنهار الجنة وفوقه عرش الرحمن﴾ /١٢ منه. [أخرجه البخاري في (التوحيد)، (٧٤٢٣)، وليس عند مسلم]..
﴿ ١وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ ﴾ أي : جنسه، ﴿ مِن سُلَالَةٍ ﴾، سمى المني سلالة، لأنه خلاصة سلّت من الظهر، ﴿ مِّن طِينٍ ﴾ أي : من آدم فمن في الموضعين ابتدائية،
١ ولما ذكر أن المتصفين بتلك الأوصاف الحميدة هم وارثون للفردوس فتضمن ذلك المعاد الأخروي ذكر النشأة الأولى يستدل بها على صحة النشأة الأخرى فقال: ﴿ولقد خلقنا﴾ الآية /١٢ وجيز..
﴿ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ ﴾ : السلالة، وتذكير الضمير باعتبار الماء والإنسان، ﴿ نُطْفَةً ﴾ بأن خلقنا منهما أو معناه خلقنا آدم من خلاصة من طين، ثم جعلنا نسله من نطفة فمن طين على هذا للبيان، أو صفة لسلالة أو متعلق بها، لأنه بمعنى مسلولة، وضمير جعلناه للإنسان بحذف مضاف، ﴿ فِي قَرَارٍ ﴾ : مستقر، ﴿ مَّكِينٍ ﴾ : حصين يعني الرحم،
﴿ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً ﴾ : قطعة لحم، ﴿ فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا ﴾ : بأن صلّبناها، ﴿ فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ ﴾ : مباينا للخلق الأول مباينة بعيدة فإنه كان جمادا فصار حيوانا سميعا بصيرا وثم هنا، وفي الأولين لكثرة تفاوت الخلقين، ﴿ فَتَبَارَكَ اللَّهُ ﴾ : تعالى شأنه، ﴿ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ﴾ : خلقا وحذف المميز لدلالة الخالقين عليه، والخالقين١ هنا بمعنى المقدرين،
١ فإنه هو الخلق وحده كما في الحديث: (لا إله إلا هو لا خالق غيره) /١٢ منه..
﴿ ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ١ لَمَيِّتُونَ ﴾ : صائرون إلى الموت البتة،
١ نبه على عظيم قدرته بالاختراع ثم بالإعدام ثم بالإيجاد وقد بالغ في إثبات الموت أكثر من البعث مع أن الموت لا ينكره أحد؛ تنبيها على أن الموت هو الذي يليق بأن لا ينساه ولا يغفل عن ترقبه، ويكون بين عينيه فلا يعمل عمل مخلد ولا يحسب أن ماله أخلده، ومن كان كذلك تحقق عنده دار البقاء فلا حاجة إلى تأكيد في إثباته، فلهذا قيل: العلم بالبعث من العقل عند من اعتقد أن الله لا يظلم مثقال ذرة لكن أكثر الخلق عاملون عمل الخالدين في الدنيا فالمناسب في إثبات الموت مزيد التأكيد /١٢ وجيز..
﴿ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾ : للجزاء، { تُبْعَثُونَ
﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ ﴾ : سماوات سماها طرائق، لأن كل شيء فوقه مثله فهو طريقة، وقيل : لأنها طرق الملائكة، ﴿ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ ﴾ : بل نعلم جميع المخلوقات جلها ودقها فتدبر أمرها أو المراد من الخلق السموات فإنه حفظها من الخلل والسقوط، وقيل : المراد منه الإنسان، أي ما غفلنا عنهم فإنا خلقنا السموات لمنافعهم،
﴿ وَأَنزَلْنَا١ مِنَ السَّمَاء ﴾، من جانبه أو من نفسه، ﴿ مَاء بِقَدَرٍ ﴾ : بمقدار معين أو بمقدار ما يكفيهم، ﴿ فَأَسْكَنَّاهُ ﴾ أي : فجعلنا الماء ثابتا، ﴿ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ ﴾ أي : نحن قادرون على وجه من وجوه الذهاب٢ إما التصعيد أو التنشيف أو الإفساد أو غيرها،
١ قال ابن عباس –رضي الله عنه-: إن الأمطار النافعة تنزل من بحر هو في السماء وقد مر في أصل التفسير /١٢ منه..
٢ إشارة إلى نكتة تنكير ذهاب /١٢ منه..
﴿ فَأَنشَأْنَا لَكُم بِهِ ﴾، بالماء، ﴿ جَنَّاتٍ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَّكُمْ فِيهَا ﴾ : في الجنات، ﴿ فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ ﴾ : تتفكهون بها، ﴿ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ ﴾ أي : من زرع الجنات وثمارها تأكلون، أو منها تحصلون معايشكم كما تقول : أنا آكل من حرفتي،
﴿ وَشَجَرَةً ﴾، عطف على جنات، ﴿ تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَاء ﴾، الطور : الجبل وهو مضاف إلى البقعة أو المركب اسم لجبل موسى، والزيتون فيه أكثر وأحسن، وقيل : أول من نبت نَبت فيه، ﴿ تَنبُتُ بِالدُّهْنِ ﴾، أي : ملتبسا به مستصحبا له أو الباء للتعدية، ومن قرأ تنبت من باب الإفعال فهو بمعنى نبت أو تقديره تنبت زيتونها ملتبسا بالدهن، ﴿ وَصِبْغٍ لِّلْآكِلِينَ ﴾، معطوف على الدهن، والصبغ الإدام الذي يغمس فيه الخبز أي : تنبت بشيء جامع بين كونه دهنا وكونه إداما، وعن بعض الدهن : الزيت والإدام نفس الزيتون،
﴿ وَإِنَّ١ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً ﴾ : تعتبرون بها، ﴿ نُّسقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهَا ﴾ : من الألبان أو من العلف فإن اللبن منه يحصل، ﴿ وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ ﴾ : من ظهورها وأصوافها، { وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ
١ خص هذه الثلاثة لأنها أكرم الأشجار وأنفعها ولما دل بسبحانه على قدرته بما أحيي بالماء حياة قاصرة عن الروح أتبعه بما فيه حياة كاملة فقال: ﴿وإن لكم في الأنعام﴾ الآية /١٢ وجيز..
﴿ وَعَلَيْهَا ﴾ : على الأنعام فإن منها ما يحمل عليه، ﴿ وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ ﴾ : في البر١والبحر.
١ يقال: إن الجمل سفينة البر، ولما عدد نعمه وقدرته يبين كفرانهم من قديم الزمان مع أن ذكر الفلك مناسب لمن صنعه أولا فقال: ﴿ولقد أرسلنا نوحا﴾ الآية /٢٣ وجيز..
﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ ﴾، لما عدد نعمه يبين كفرانهم من قديم الزمان، ﴿ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ﴾ : وحده، ﴿ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ﴾، استئناف لتعليل الأمر بالتوحيد، ﴿ أَفَلَا تَتَّقُونَ ﴾ : عبادة غيره،
﴿ فَقَالَ الْمَلَأُ ﴾ : الأشراف، ﴿ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ ﴾ : لعوامّهم، ﴿ مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ ﴾ : إن يطلب الفضل عليكم فيكون متبوعا لكم، ﴿ وَلَوْ شَاء اللَّهُ ﴾، إرسال رسول، ﴿ لَأَنزَلَ مَلَائِكَةً ﴾ : للرسالة، ﴿ مَّا سَمِعْنَا بِهَذَا ﴾ : الذي يدعونا إليه أو ببعث البشر رسولا، { فِي١ آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ
١ قالوا هذا اعتمادا على التقليد، واعتصاما بحبله ولم يقنعوا بذلك حتى ضموا إليه الكذب البحت، والبهت الصراح فقالوا: ﴿إن هو إلا رجل﴾ /١٢ فتح..
﴿ إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ ﴾ : جنون، ﴿ فَتَرَبَّصُوا بِهِ ﴾ : اصبروا عليه وانتظروا، ﴿ حَتَّى حِينٍ ﴾ : لعله يفيق من جنونه أو يموت،
﴿ قَالَ ﴾ نوح بعد اليأس من إيمانهم، ﴿ رَبِّ انصُرْنِي ﴾ : عليهم، ﴿ بِمَا كَذَّبُونِ ﴾ : بسبب تكذيبهم أو بدله،
﴿ فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا ﴾ : متلبسا بحفظنا وكلاءتنا، ﴿ وَوَحْيِنَا ﴾ : بأن نعلمك كيف تصنع، ﴿ فَإِذَا جَاء أَمْرُنَا ﴾ : بعذابهم أو بالركوب، ﴿ وَفَارَ التَّنُّورُ ﴾ : نبع الماء فيه، والتنور تنور الخبز، وقيل١ كان تنور آدم، وعن بعض التنور٢ أعلى موضع في الأرض، وقيل هو مثل يضرب في شدة الأمر نحو حمي الوطيس٣، ﴿ فَاسْلُكْ فِيهَا ﴾ : أدخل في الفلك، ﴿ مِن كُلٍّ ﴾ : من كل نوع، ﴿ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ ﴾ : ذكرا وأنثى واثنين تأكيد، ومن قرأ بالإضافة فمعناه : احمل اثنين من كل زوجين أي : من كل صنف ذكر وصنف أنثى، ﴿ وَأَهْلَكَ ﴾ : أهل بيتك، أو من آمن معك عطف على زوجين، أو اثنين، ﴿ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ ﴾ : بهلاكه يريد ابنه وزوجته، ﴿ وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا ﴾ : بدعاء إنجائهم، ﴿ إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ ﴾ : لكثرة ظلمهم محكوم عليهم بالإغراق،
١ تقدمي السنة عن الحسن /١٢..
٢ الزهري وعكرمة /١٢..
٣ وطيس تنورا مني يقال حمي الوطيس عبارة أرسخت شدة حرب /١٢ صراح. [وهذه العبارة قالها النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة حنين كما في صحيح مسلم (٤/٤٠٣) ط الشعب]..
﴿ فَإِذَا اسْتَوَيْتَ ﴾ : علوت واستقررت، ﴿ أَنتَ وَمَن مَّعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾
﴿ وَقُل رَّبِّ أَنزِلْنِي ﴾ : منها أو فيها، ﴿ مُنزَلًا مُّبَارَكًا ﴾ : يبارك له فيه ويعطيه الزيادة في خير الدارين ومن قرأ منزلا بضم الميم وفتح الزاي١* فالمعنى : إنزالا أو موضع إنزال، ﴿ وَأَنتَ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ٢
١ * (الزاي) ترجمتها حمى الوطيس، عبارة تستخدم عند شدة الحرب..
٢ قيل: أمره الله سبحانه بأن يقول هذا القول عند دخول السفينة، وقيل: عند خروجه منها وأراد بالبركة النجاة من الغرق، وكثرة النسل بعد الإنجاء، والآية تعليم من الله لعباده إذا ركبوا ثم نزلوا أن يقولوا هذا القول / قال الواحدي: قال المفسرون: إنه أمر أن يقول عند استوائه على الفلك: الحمد لله، وعند نزوله منها رب أنزلني منزلا مباركا /١٢ فتح..
﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ ﴾ : فيما فعل بنوح وقومه، ﴿ لَآيَاتٍ ﴾ : يستدل بها، ﴿ وَإِن ﴾ أي : إنه، ﴿ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ ﴾ : مختبرين قوم نوح البلاء، أو عبادنا لننظر من يعتبر، أو مصيبين قوم نوح ببلاء عظيم، وقد مر في سورة هود تمام القصة،
﴿ ثُمَّ أَنشَأْنَا ﴾ : أحدثنا، ﴿ مِن بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ ﴾، هم١عاد وثمود،
١ يشعر بذلك قول الله: ﴿واذكروا إذا جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح﴾، ومجيء قصة هود عليه السلام على إثر قصة نوح عليه السلام في سورة الأعراف وهود والشعراء /١٢ منه..
﴿ فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ ﴾، هو هود١ أو صالح٢ جعل القرن موضع الإرسال ليعلم أنه أوحي إليه وهو فيهم، وما جاء إليهم من مكان آخر، ﴿ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ ﴾، أن مفسرة لأن في أرسلنا معنى القول، ﴿ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ ﴾ : عذابه.
١ إن كان المراد من آخرين عاد /١٢..
٢ إذا كان من آخرين ثمود /١٢..
﴿ وَقَالَ الْمَلَأُ ﴾ : الأشراف، ﴿ مِن قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاء الْآخِرَةِ ﴾ : المعاد الجسماني، ﴿ وَأَتْرَفْنَاهُمْ ﴾١ : أنعمناهم، ﴿ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُون ﴾ : تشربونه أو منه،
١ عطف على صلة الذين أو الواو للحال، أي: وقد أترفناهم وعلى الوجهين مشعر بعلية التكذيب، يعني: أحسنا إليهم فقابلوا نعمتنا بالتكذيب وينبغي أن يكون الأمر على خلاف ذلك /١٢..
﴿ وَلَئِنْ أَطَعْتُم بَشَرًا مِثْلَكُمْ ﴾ : في ترك دينكم، ﴿ إِنَّكُمْ إِذًا لَّخَاسِرُونَ ﴾ : إذا واقع في جزاء الشرط جواب لما قال الملأ من قومهم،
﴿ أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا ﴾ : بلا لحم وعصب، ﴿ أَنَّكُم مُّخْرَجُونَ١ : من الأجداث ثنى أنكم للتوكيد لما طال الفصل بينه وبين خبره بالظرف،
١ أعاد إنكم لما طال الكلام، ومعنى الكلام، أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون، وكذلك هو في قراءة عبد الله نظيره في القرآن، ﴿ألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله فأن له نار جهنم خالدا فيها﴾ [التوبة: ٦٣] /١٢ فتح..
﴿ هَيْهَاتَ هيْهَاتَ ﴾ : البعد البعد، ﴿ لِمَا تُوعَدُونَ ﴾ : نزل منزلة المصدر فهو مبتدأ وخبر أو بمعنى بعد، وفاعله ضمير مصدر مخرجون أو ضمير البعد، أي : بعد البعد ووقع ثم قيل : لماذا ؟ فقيل : لما توعدون،
﴿ إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا ﴾ أي : لا حياة إلا هذه ووضع هي موضع الحياة لدلالة الخبر عليها حذرا عن التكرير، ﴿ نَمُوتُ وَنَحْيَا ﴾ : يموت بعض ويولد بعض، ﴿ وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ ﴾ : بعد الموت،
﴿ إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا ﴾ : فيما يعدنا من البعث، ﴿ وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ ﴾ : بمصدقين،
﴿ قَالَ رَبِّ١ انصُرْنِي ﴾ : عليهم، ﴿ بِمَا كَذَّبُونِ ﴾ : بسبب تكذيبهم إياي،
١ قال ذلك لما يئس من إيمانهم، وجرب منهم مدى الأيام الإصرار /١٢ وجيز..
﴿ قَالَ ﴾ الله :﴿ عَمَّا قَلِيلٍ ﴾ : عن زمان قليل، وما صلة لتوكيد القلة، ﴿ لَيُصْبِحُنَّ ﴾ : ليصيرن، ﴿ نَادِمِينَ ﴾ : على التكذيب حين عاينوا العذاب،
﴿ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ ﴾ : صيحة العذاب، أو صاح جبريل عليهم فدمرهم، ﴿ بِالْحَقِّ ﴾ : بالعدل ؛ لأنهم مستحقون، ﴿ فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاء ﴾ أي : كالغثاء وهو ما يحمله السيل من الأوراق والعيدان البالية المسودة، ﴿ فَبُعْدًا لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ من المصادر التي تجب حذف فعلها، أي : بعدوا وهلكوا، واللام لبيان من دعي عليه كهيت لك،
﴿ ثُمَّ أَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قُرُونًا آخَرِينَ مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ ﴾ من للاستغراق، ﴿ أَجَلَهَا ﴾ : الوقت الذي حد لهلاكها، ﴿ وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ ﴾ : ما يؤخرونه،
﴿ ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا ﴾ : متواترين واحدا بعد واحد، والألف للتأنيث، فإن الرسل جماعة، والتاء بدل من الواو فإنها من الوتر كتيقور من الوقار، ومن قرأ بالتنوين فمصدر وقع حالا بمعنى المواترة، ﴿ كُلَّمَا جَاء أُمَّةً رَّسُولُهَا كَذَّبُوهُ ﴾ أي : جمهور وأكثرهم، ﴿ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُم بَعْضًا ﴾ : في الإهلاك، ﴿ وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ١، جمع أحدوثة التي هي مثل الأضحوكة والأعجوبة، وهي ما يتحدث به تلهيا وتعجبا، ﴿ فَبُعْدًا لِّقَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ٢
١ قال الأخفش: لا يقال هذا إلا في الشر جمع حديث يعني لم يبق منهم عين ولا أثر الحديث عنهم، قال صاحب البحر الصحيح: إنه جمع تكسير كعبادييد وأقاطع لا اسم جمع كما قال الزمخشري؛ لأن أفاعيل ليس من أبنيته اسم الجمع /١٢ وجيز..
٢ إعرابه ما مر غير بعيد فلذا ما أعاده /١٢ منه..
﴿ ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا١* ﴾ : الدالة على صدقهما، ﴿ وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ ﴾ : حجة واضحة ملزمة للخصم،
١ أخرج مسلم في (الصلاة)، (٢/٩٨) من حديث عبد الله بن السائب أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم الصبح بمكة فاستفتح سورة المؤمنون، حتى إذا جاء موسى وهارون –أو ذكر عيسى- أخذته سعلة فركع..
﴿ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاسْتَكْبَرُوا ﴾ : عن المتابعة، ﴿ وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ ﴾ : متكبرين،
﴿ فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا ﴾، البشر يكون واحدا أو جمعا، ومثل وغير يوصف بهما المفرد وغيره، ﴿ وَقَوْمُهُمَا ﴾ : بنو إسرائيل، ﴿ لَنَا عَابِدُونَ ﴾ : خادمون كالعبيد،
﴿ فَكَذَّبُوهُمَا فَكَانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ ﴾ : بالغرق،
﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ ﴾ : التوراة، ﴿ لَعَلَّهُمْ ﴾ : بني إسرائيل، ﴿ يَهْتَدُونَ ﴾ وإنزال التوراة بعد إهلاك القبط،
﴿ وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً ﴾ : دالة على كمال قدرتنا١، ﴿ وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ﴾ : مكان مرتفع من الأرض، ﴿ ذَاتِ قَرَارٍ ﴾ : مستقر من الأرض منبسطة، ﴿ وَمَعِينٍ ﴾ : الماء الجاري هي بيت المقدس وهي أقرب٢ أرض من السماء أو دمشق أو الرملة أو فلسطين أو مصر.
١ فإنه خلقه من أنثى بلا ذكر كحواء من ذكر بلا أنثى /١٢ وجيز..
٢ بثمانية عشر ميلا نقله الزمخشري عن كعب وكذا البغوي، وفي الفتح فيزيد على غيره في الارتفاع ثمانية عشر ميلا فهو أقرب بقاع الأرض إلى السماء / ١٢ منه..
﴿ يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَات١ : الحلالات، ﴿ وَاعْمَلُوا صَالِحًا ﴾ الصلاح : الاستقامة على ما يوجبه الشرع، والمقصود من الخطاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وإعلامه بأن كل رسول في زمانه وصى به ونودي لذلك فهو أمر من لدنه قديم لا يجوز التجاوز عنه بوجه، ﴿ إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ﴾ فأجازيكم به،
١ فيه إيذان بأن ترتيب مبادئ التنعيم لم يكن من خصائصه عليه السلام بل إباحة الطعام شرع قديم جرى عليه جميع الرسل وصوابه / ١٢ فتح. [وأخرج مسلم في (الزكاة)، (٣/٥١) ط الشعب من حديث أبي هريرة: ﴿يا أيها الناس إن الله طيب ولا يقبل إلا طيبا، وأن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: {يأيها الرسل كلوا من الطيبات...﴾ الآية]..
﴿ وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ ﴾ : ملتكم، ﴿ أُمَّةً وَاحِدَةً ﴾ : ملة واحدة هي الدعوة إلى عبادة الله وحده، نصب على الحال، ﴿ وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ ﴾، أي : خافوني، لأن ملتكم واحدة، وأنا ربكم فقوله :﴿ وإن هذه أمتكم ﴾ علة لقوله :﴿ فاتقون ﴾، أو تقديره : واعلموا أن هذه أمتكم إلخ. . ،
﴿ فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم ﴾ : أمر دينهم وتقطع بمعنى قطع، أو نصب أمرهم بنزع الخافض١ بالتمييز٢ لأنه معرفة، ﴿ بَيْنَهُمْ زُبُرًا ﴾ : قطعا حال قيل : ثاني مفعولي تقطع فإنه متضمن معنى جعل أي : جعلوا أمر دينهم قطعا أديانا مختلفة، ﴿ كُلُّ حِزْبٍ ﴾ : من المتحزبين، ﴿ بِمَا لَدَيْهِمْ ﴾ : من أمر دينهم، ﴿ فَرِحُونَ ﴾ : يحسبون أنهم على شيء،
١ أي: في أمرهم / ١٢ وجيز..
٢ تعريض على القاضي /١٢..
﴿ فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ ﴾ : جهالتهم التي غمروا فيها، الغمرة الماء الذي يغمر القامة، شبه جهالتهم لأنهم مغمورون فيها، ﴿ حَتَّى حِينٍ ﴾ : حين الهلاك،
﴿ أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ ﴾ : نعطيهم، ﴿ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ ﴾، بيان لما.
﴿ نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ ﴾ أي : نسارع به لهم فيما فيه خيرهم فضمير اسم مقدر، ﴿ بَل لَّا يَشْعُرُونَ ﴾ : كالبهائم لا شعور ولا فطنة فإنه لو كان لهم فطنة لتأملوا فيعلموا أن المال والبنين استدرج لا معاجلة خير ومسارعة لطف،
﴿ إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ١رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ ﴾ أي : حذرون عن معاصيه من أجل خشية ربهم يعني : خشيتهم علة لاجتناب المعصية، أو معناه حذرون من خوف عذابه،
١ لما فرغ من ذكر الكفرة وتوعدهم شرع في ذكر المؤمنين، ووعدهم فذكرهم بأبلغ صفاتهم، وهو أنهم حذرون من معاصيه من أجل خشية ربهم، وهذا هو تمكن الإيمان في القلب أو حذرون من خوف عذابه /١٢ وجيز..
﴿ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِمْ ﴾ : الكونية والشرعية، ﴿ يُؤْمِنُونَ وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ ﴾
﴿ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ﴾ : يعطون، ﴿ مَا آتَوا١ : ما أعطوه من الصدقات، ﴿ وَّقُلُوبُهُمْ٢ وَجِلَةٌ ﴾ : خائفة من عدم القبول، ﴿ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ ﴾ : مرجعهم إلى الله أو قلوبهم وجلة من أن مرجعهم إليه، وهو يعلم ما لا يعلمون،
١ والمراد مما آتوا النوع، أي: نوع مما آتوه فإنه لا يمكن أن يعطي أحد ما أعطاه ففيه إشارة إلى دوام خوفهم، ويمكن أن يقال المقصود والذين أعطوا ما أعطوه لكن ذكر بصيغة المضارع استحضارا لتلك الصفة الحميدة والفعلية الجميلة /١٢ وجيز..
٢ أخرج الترمذي والحاكم وصححه عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت: يا رسول الله قول الله: ﴿والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة﴾ أهو الرجل يسرق ويزني ويشرب الخمر، وهو مع ذلك يخاف الله ؟ قال: لا ولكنه الرجل يصوم ويتصدق ويصلي وهو مع ذلك يخاف الله أن لا يتقبل منه) /١٢ فتح. [صحيح، وانظر سنن الترمذي (٢٥٣٧)]..
﴿ أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ ﴾ أي : أولئك يسارعون في نيل خيرات الدارين بمزاولة الأعمال الصالحة فيعطيهم خير الدنيا والآخرة، قيل : معناه أولئك يبادرون الطاعات، ويرغبون فيها أشد رغبة، ﴿ وَهُمْ لَهَا ﴾، أي : إلى الخيرات ﴿ سَابِقُونَ ﴾، أو لأجلها فعلون السبق،
﴿ وَلَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا١ وُسْعَهَا ﴾ : قدر طاقتها لا يريد الله بكم العسر، ﴿ وَلَدَيْنَا كِتَابٌ ﴾ : اللوح المحفوظ أو صحيفة الأعمال، ﴿ يَنطِقُ بِالْحَقِّ ﴾ : بالصدق وليس فيه إلا ما فعلوا، ﴿ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ : بنقص ثواب وعقاب على ما لم يفعلوا،
١ إشارة إلى أن حصول المسابقة ليس بأمر شاق /١٢ وجيز..
﴿ بَلْ قُلُوبُهُمْ ﴾ : قلوب الكفرة، ﴿ فِي غَمْرَةٍ ﴾ : غفلة، ﴿ مِّنْ هَذَا ﴾ : الكتاب الذي هو عندنا، أو من هذا الذي عليه المؤمنون، أو من القرآن، ﴿ وَلَهُمْ أَعْمَالٌ ﴾ : خبيثة، ﴿ مِن دُونِ ذَلِكَ ﴾ : الذي وصفنا في شأنهم، أو متجاوز لما وصف به المؤمنون، { هُمْ لَهَا عَامِلُونَ
﴿ حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِم ﴾ : متنعميهم، ﴿ بِالْعَذَابِ ﴾ : القحط الحادث فيهم حتى أكلوا الجياف، والقتل يوم بدر، ﴿ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ ﴾ : فاجئوا الصراخ بالتضرع هو جواب الشرط،
﴿ لَا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ ﴾ أي : يقال لهم ذلك، ﴿ إِنَّكُم مِّنَّا لَا تُنصَرُونَ ﴾ : لأنكم لا تمنعون منا فلا ينفعكم الجؤار،
﴿ قَدْ كَانَتْ آيَاتِي ﴾ : القرآن، ﴿ تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَ ﴾ : تعرضون عنها، والنكوص الرجوع قهقرى،
﴿ مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ ﴾ : بالبيت١ والحرم تفتخرون بأنكم ولاته، والقائمون به وشهرتهم بأن تعظمهم بهذا البيت أغنت عن سبق ذكره، أو معناه مكذبين بالآيات استكبارا ففيه تضمين ٢معنى التكذيب، وتذكير الضمير باعتبار أنها قرآن، ﴿ سَامِرًا ﴾ السامر الجماعة الذين يتحدثون ليلا، نصب على الحال قيل : به متعلق به، أي : تستمرون القرآن فإنهم يجتمعون الليالي حول البيت يطعنون في القرآن، ﴿ تَهْجُرُونَ ﴾ من الهجر بمعنى : الهذيان٣ أي : تهذون، أو من الهجرة أي : تعرضون عنه،
١ هذا المعنى منقول عن ابن عباس رضي الله عنه نقله النسائي وهذه عبارته إنما كره السمر حين نزلت ﴿مستكبرين به(*) سامرا تهجرون﴾ فقال: مستكبرين بالبيت يقولون نحن أهله سامرا /١٢ منه..
٢ سقطت من الأصل..
٣ وبخهم على إعراضهم وهذيانهم بوجوه، الأول: إنهم لم يدبروا القرآن والعاقل يدبر شيئا فإن لم يجده حقيقا بالتوجه إليه يعرض عنه، والالتفات إلى الغيبة لعدم الالتفات إليهم، والثاني: إن سبب إعراضهم أنه ما جاء إلى آبائهم الأقدمين مثل ما جاء إليهم، والمقصود أنه قد جاء الكتب والرسل إلى الأقدمين من آبائهم.
الثالث: إن سبب إعراضهم عدم عرفان رسولهم والحال أنهم معترفون بحسبه ونسبه وصدقه وأمانته.
والرابع: إن سبب إعراضهم اعتقاد جنونه، والحال أنهم يقولون بلسانهم ما ليس في قلوبهم، بل ليس لإعراضهم سبب إلا أنه جاء بالحق، والحق لا يوافق مشتهاهم / ١٢ وجيز..

﴿ أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا١ الْقَوْلَ ﴾، أي : القرآن، ليعلموا حقيّته، ﴿ أَمْ جَاءهُم مَّا لَمْ يَأْتِ آبَاءهُمُ الْأَوَّلِينَ ﴾ : من الرسول والكتاب، يعني إرسال هذا الرسول إليهم ليس ببدع، فإنه مثل ما أرسلنا إلى آبائهم الأقدمين، وأم منقطعة، أي : بل جاءهم ما لم يأت آباءهم فلذلك أنكروا،
١ هو قول ابن عباس رضي الله عنه وكثير من السلف/١٢ منه..
﴿ أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ ﴾ : بالحسب والنسب والصدق والأمانة، ﴿ فَهُمْ لَهُ مُنكِرُون ﴾
﴿ أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ ﴾ : والمجنون لا يصلح للنبوة، ﴿ بَلْ جَاءهُم بِالْحَقِّ ﴾ : من عند الله لا بالمهمل من الجنون، ﴿ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ ﴾، فعدم الإتباع لأنه لا يوافق مشتهاهم، قيد الحكم بالأكثر لأن فيهم من لم يؤمن لتوبيخ قومه أو لقلة فطنته وعدم تدبره،
﴿ وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ ﴾ أي : الله أو القرآن، ﴿ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنّ ﴾ : فإن أهواءهم أن تكون له شريك وولد، منهم من يريد عظمة نفسه وحقارة غيره، ومنهم من يريد عكسه فيفضي إلى نساء العالم، فإنه يلزم النقيضين وهو محال، ﴿ بَلْ أَتَيْنَاهُم بِذِكْرِهِمْ ﴾ : بكتاب هو وعظهم، أو هو صيتهم وشرفهم، ﴿ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِم مُّعْرِضُونَ ﴾
﴿ أَمْ تَسْأَلُهُمْ ﴾ : على التبليغ، ﴿ خَرْجًا ﴾ : أجرا أو جعلا، ﴿ فَخَرَاجُ رَبِّكَ ﴾ : عطاؤه وأجره، ﴿ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ﴾ " أم " ١ هذه قسيم " أم يقولون به جنة " فهذا إلزام لهم به للسبب، والتقسيم في أنه كإبراهيم وغيره رسول معروف الحال عندكم تام العقل له طمع في خسائس أموالكم، فما هو إلا أنه يريد هدايتكم.
١ يعني في قوله: ﴿أم تسألهم﴾ /١٢ منه..
﴿ وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾ أي : الإسلام،
﴿ وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ ﴾ : الذي تدعوهم إليه، ﴿ لَنَاكِبُونَ ﴾ : عادلون،
﴿ وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِم مِّن ضُرٍّ ﴾ : من القحط والشدائد، ﴿ لَّلَجُّوا ﴾ : أثبتوا، ﴿ فِي طُغْيَانِهِمْ ﴾ : إفراطهم في المعاصي، ﴿ يَعْمَهُونَ ﴾ : متحيرين،
﴿ وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ ﴾ : بالمصائب والشدائد من الموت ونقص الثمار والأموال، ﴿ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ ﴾ : ما انتقلوا من كون إلى كون١واستمروا على ما هم عليه، ﴿ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ ﴾ أي : وليس من عادتهم٢أن يتضرعوا وهم كذلك،
١ كاستحال إذا انتقل من حال إلى حال /١٢ منه..
٢ فيه إشارة إلى سبب العدول من الظاهر في الإتيان بلفظ المضارع، فإن المناسب وما تضرعوا بحسب الظاهر /١٢ منه..
﴿ حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا ذَا عَذَابٍ١ شَدِيدٍ ﴾، هو عذاب الآخرة، ﴿ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ ﴾، آيسون من كل خير واعلم أن كثيرا من المفسرين فسروا العذاب بيوم بدر، والعذاب الشديد بالجزع، ونقلوا٢ أن أبا سفيان قال : قتلت الآباء بالسيف والأبناء بالجوع، وأنت تزعم أنك رحمة للعالمين، فادع الله أن يكشف عنا القحط فدعا، وكشف فنزلت الآية، وليت شعري كيف يصح هذا واتفقوا على أن السورة كلها مكية من غير استثناء فأين٣ القتال حينئذ وقضية البدر والله أعلم.
١ نقل محيي السنة عن ابن عباس رضي الله عنه ومجاهد، أنهما فسرا العذاب الشديد بالقتل يوم بدر /١٢ منه..
٢ وفي الوجيز: وأما أن سبب نزوله أن أبا سفيان الخ فمحل بحث بل لا يصح للاتفاق على أن السورة مكية انتهى.
والقصة أخرجها البيهقي وغيره عن ابن عباس على ما نقله صاحب الفتح/١٢..

٣ والشيخ ابن كثير ما تعرض لسبب النزول، وليس في تفسيره شيء مما نقل، هذا ما في المنهية، وفي الفتح، أخرج النسائي والطبراني والحاكم وصححه وغيرهم عن ابن عباس رضي الله عنه قال: جاء أبو سفيان إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد أنشدك الله الرحم فقد أكلنا العلهز يعني: الوبر بالدم فأنزل الله: ﴿ولقد أخذناهم بالعذاب﴾ إلى آخر الآية..
﴿ وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ﴾ : لتحسوا آياته وتدبروا فيها، ﴿ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ ﴾، ما مزيدة للتأكيد، أي : تشكرون شكرا قليلا كأنه قال : قليلا ما تستعملون السمع والبصر والفؤاد فيما خلقناها له،
﴿ وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ ﴾ : بثكم بالتناسل، ﴿ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴾ : تجمعون بعد التفرق في القيامة،
﴿ وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلَافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ﴾ : هو متولي الاختلاف لا يقدر على تعاقبهما غيره، أو لأمره الاختلاف، وانتقاص أحدهما وازدياد الآخر، ﴿ أَفَلَا تَعْقِلُون ﴾ : أليس لكم عقول تدلكم على شمول قدرتنا الممكنات التي منها البعث،
﴿ بَلْ قَالُوا ﴾ : أهل مكة، ﴿ مِثْلَ مَا قَالَ الْأَوَّلُونَ ﴾
﴿ قَالُوا أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ ﴾ استفهام الثاني تأكيد للأول واستبعاد بعد استبعاد،
﴿ لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا هَذَا ﴾ أي : البعث، ﴿ مِن قَبْلُ ﴾ : بلسان من يدعي أنه رسولهم، ﴿ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ ﴾ : أكاذيبهم التي كتبوها،
﴿ قُل لِّمَنِ الْأَرْضُ وَمَن فِيهَا إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ : من أهل العلم،
﴿ سَيَقُولُونَ١ لِلَّهِ ﴾ فإنهم معترفون بأنه خالق الكل، ﴿ قُلْ ﴾ : بعد ما قالوه، ﴿ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ﴾ : فتعلموا أن فاطر الأرض ومن فيها قادر على الإعادة حقيق٢ على أن لا يشرك به شيء،
١ اعلم أن الله لم يبعث رسله ولم يتزل كتبه لتعريف خلقه بـأنه الخالق لهم والرزاق لهم ونحو ذلك، فإن هذا يقره كل مشرك قبل بعثة الرسل كما أخبر الله تعالى عنهم في هذه الآية وغيرها، ولهذا تجد كل ما ورد في الكتاب العزيز في شأن خالق الخلق ونحوه في مخاطبة الكفار مصحوبة باستفهام لتقرير هل من خالق غير الله ﴿أفي الله شك فاطر السموات والأرض﴾ [إبراهيم: ١٠] بل بعث الله رسله وأنزل كتبه لإخلاص توحيده وإفراده بالعبادة ﴿يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره﴾ [الأعراف: ٥٩] أن لا تعبدوا إلا الله} [هود: ٢]، ﴿أن اعبدوا الله واتقوه وأطيعون﴾ [النحل: ٣٢]، ﴿قالوا أجئتنا لنعبد الله وحده ونذر ما كان يعبد آباؤنا﴾ [الأعراف: ٧٠]، ﴿أن اعبدوا الله مالكم من إليه غيره﴾ [المؤمنون: ٣٢]، ﴿وإياي فاعبدون﴾ [العنكبوت: ٥٦] وإخلاص التوحيد لا يتم إلا بأن يكون الدعاء كله لله والاستغاثة والرجاء واستجلاب الخير واستدفاع الشر له ومنه لا لغيره، ولا من غيره ﴿فلا تدعو مع الله أحدا﴾[الجن: ١٨] ﴿له دعوة الحق والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء وعلى الله فليتوكل المؤمنون﴾ [المائدة: ١١]، ﴿وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين﴾ [المائدة: ٢٣] قاله الشوكاني /١٢..
٢ فإن بدء الخلق ليس أهون من إعادته /١٢ منه..
﴿ قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ ﴾ : عقابه فتنتهوا عن نسبة العجز إليه وتسويته بجماد،
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٨٦:﴿ قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ ﴾ : عقابه فتنتهوا عن نسبة العجز إليه وتسويته بجماد،
﴿ قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ ﴾ : ملك وخزائن، ﴿ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ ﴾ : يغيث من يشاء ويحفظ، ﴿ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ ﴾ : لا يغيث أحد منه أحدا، ﴿ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ : ذلك،
﴿ سَيَقُولُونَ١ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ ﴾ : تخدعون فتصرفون عن الرشد مع تظاهر الأدلة،
١ قرأ من القراء السبعة أبو عمرو في الثاني والثالث سيقولون لله مرفوعا كذا في مصاحف أهل الحرمين والكوفة، وهذا هو المطابق لفظا ومعنى، أما قراءة لله لباقي السبعة جاءت على المعنى، لأن قولك من ربك ولمن أنت في معنى واحد ولم يختلف في الأولى أنه باللام جواب مطابق لقوله ﴿لمن الأرض﴾/١٢ وجيز..
﴿ بَلْ أَتَيْنَاهُم بِالْحَقِّ ﴾، من بيان التوحيد والبعث، ﴿ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ﴾ : حيث أنكروا ذلك،
﴿ مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ١ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ ﴾ أي : لو كان معه آلهة لتفرد كل إله بمخلوقاته متميزا ملكه عن ملك الباقين٢ ولغلب بعضهم بعضا كالعادة بين الملوك فلم يكن بيده ملكوت كل شيء واللازم باطل، ﴿ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ ﴾ : من الولد والشريك،
١ يعني أن {إذا جواب لمحاجتهم وجزاء شرط محذوف /١٢ منه..
٢ ومحسوس أن العالم العلوي والسفلي مرتبط بعضه ببعض في غابة الكمال ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت /١٢ منه..
﴿ عَالِمِ الْغَيْبِ ﴾، بالرفع خبر محذوف وبالجر صفة، ﴿ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ من له علم كل شيء لا يحتاج إلى شريك مع أنهم معترفون بأنه المتفرد بإحاطة العلم.
﴿ قُل١ رَّبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ رَبِّ فَلَا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ أي : إن كان لابد من أن تريني ما تعدهم من العذاب فلا تجعلني معهم ولا فيهم ومن دعائه عليه السلام٢ ( وإذا أردت بقوم فتنة فتوفني إليك غير مفتون ) وما والنون للتأكيد، وتكرار رب حث على فضل تضرع وتواضع وإظهار عبودية وافتقار وعجز،
١ ولما أعلم الله نبيه أنه ينتقم ممن ادعى الولد والشريك له ولم يبين أن ذلك منى يكون قريبا أو بعيدا في حياة نبيه أو بعده، أمره أن يدعوا بهذا الدعاء ﴿قل رب﴾ الآية /١٢ منه..
٢ كما ذكره الإمام أحمد وصححه الترمذي..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٩٣:﴿ قُل١ رَّبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ رَبِّ فَلَا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ أي : إن كان لابد من أن تريني ما تعدهم من العذاب فلا تجعلني معهم ولا فيهم ومن دعائه عليه السلام٢ ( وإذا أردت بقوم فتنة فتوفني إليك غير مفتون ) وما والنون للتأكيد، وتكرار رب حث على فضل تضرع وتواضع وإظهار عبودية وافتقار وعجز،
١ ولما أعلم الله نبيه أنه ينتقم ممن ادعى الولد والشريك له ولم يبين أن ذلك منى يكون قريبا أو بعيدا في حياة نبيه أو بعده، أمره أن يدعوا بهذا الدعاء ﴿قل رب﴾ الآية /١٢ منه..
٢ كما ذكره الإمام أحمد وصححه الترمذي..

﴿ وَإِنَّا عَلَى أَن نُّرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ ﴾ : من العذاب، ﴿ لَقَادِرُونَ ﴾ : لكنا لحلمنا وحكمتنا لا نستعجل في عذابهم،
﴿ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ ﴾ أي : ادفع من أذاك وطعنهم في الله بالشرك بالخصلة التي هي أحسن الخصال الحلم والصفح والإلزام بطريق بيان الدليل نحو :﴿ وجادلهم بالتي هي أحسن ﴾ [ النحل : ١٢٥ ] قيل : هي منسوخة بآية السيف، ﴿ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ ﴾ : فكل إلينا أمرهم،
﴿ وَقُل١ رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ ﴾ : وساوسهم ونزغاتهم٢،
١ أخرج أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه والنسائي والبيهقي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا كلمات نقولهن عند النوم من الفزع: بسم الله أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه وعقابه وشر عباده ومن همزات الشيطان وأن يحضرون) قال فكان ابن عمرو يعلمها من بلغ من أولاده أن يقولها عند نومه، ومن كان منهم صغيرا لا يعقل أن يحفظها كتبها له فعقلها في عنقه وفي إسناده محمد بن إسحاق وفيه مقال معروف.
وأخرج أحمد عن الوليد بن الوليد أنه قال: يا رسول الله إني أجد وحشة قال: (إذا أخذت مضجعك فقل: أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه وعقابه وشر عباده ومن همزات الشياطين وأن يحضرون فإنه لا يحضرك وبالحرى لا يضرك) /١٢ فتح..

٢ ومن دعاء بعض السلف: أعوذ بك من النزغ عند النزع /١٢ منه..
﴿ وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ ﴾ : فيحوموا حولي،
﴿ حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ ﴾ متعلق ب ( يصفون ) وما بينهما اعتراض لا يزالون على سوء١ الذكر حتى الآية، ﴿ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ ﴾، خاطب الله بلفظ الجمع أو الملائكة، وقيل : لتكرير الفعل أي : ارْجعني ارجعني،
١ وقيل قبلها جملة محذوفة وهذا غاية لها تدل عليها ما قبلها، أي: فلا أكون لمن يهمزهم الشياطين، يعني مدة عمرهم، حتى إذا جاء وشبه ذلك بقول الشاعر:
فيا عجبا حتى كليب يسبني
فدل ما بعد (حتى) في هذا على المحذوف، أي: يسبني الناس حتى كليب /١٢ وجيز..

﴿ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ﴾ أي : ردوني إلى الدنيا لعلي أعمل صالحا في الإيمان الذي تركته، أو في المال أو في الدنيا، ﴿ كَلَّا ﴾، ردع عن طلب الرجعة واستبعاد، ﴿ إِنَّهَا ﴾ أي : رب ارجعون الخ، ﴿ كَلِمَةٌ ﴾ : طائفة من الكلام المنتظم بعضها ببعض، ﴿ هُوَ قَائِلُهَا ﴾ لا محالة عند استيلاء الحسرة والاضطراب، وعن بعض المفسرين أنها كلمة إلخ علة لردعهم، أي : سؤاله الرجوع للعمل الصالح مجرد عدة وقول لا وفاء ولا حقيقة تحتها نحو ( ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون ) [ الأنعام : ٢٨ ]، ﴿ وَمِن وَرَائِهِم ﴾ : أمامهم، ﴿ بَرْزَخٌ ﴾ حاجز بينهم وبين الدنيا، ﴿ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾ هو إقناط كلي للعلم بأن لا رجعة إلى الدنيا يوم يبعث فلا رجعة أصلا،
﴿ فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ ﴾ : النفخة الأخيرة، ﴿ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ ﴾ : لا تنفع الأنساب، ﴿ يَوْمَئِذٍ ﴾ ويفرح١ المؤمن أن قد وجب له حق على والده وولده فيأخذ منهما، ﴿ وَلَا يَتَسَاءلُونَ ﴾ لا يسأل حميم ولا قريب حميمه وقريبه وهذا في أول يوم٢* القيامة ولما٣ تزوج عمر ابنة علي من فاطمة قال : أما والله ما بي إلا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :( كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سيي ونسبي ) فأصدقها أربعين ألفا إعظاما لها، وروى الحافظ ابن عساكر عن عبد الله ابن عمرو مرفوعا : سألت ٤** ربي أن لا أتزوج إلى أحد من أمتي ولا يتزوج إلى أحد منهم إلا كان معي في الجنة فأعطاني٥ ذلك )،
١ قاله ابن مسعود ورواه ابن أبي حاتم /١٢ منه..
٢ في نسخة (ن): هول..
٣ رواه الطبراني والبيهقي وغيرهما /١٢ وجيز..
٤ أخرجه الحاكم (٣/١٣٧) وصححه وأقره الذهبي، من حديث ابن أبي أوفى مرفوعا..
٥ ونقل الإمام أحمد: (إن فاطمة بضعة منى يبغضني ما يبغضها وينشطني ما ينشطها وإن الأنساب يقطع إلا نسبي وصهري) قال الشيخ ابن كثير: هذا حديث له أصل في الصحيحين..
﴿ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ ﴾ : بأن يكون له عقائد وأعمال صالحة تثقل ميزانه، ﴿ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون ﴾
﴿ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ ﴾ : بأن ليس له عقائد وأعمال صالحة تثقل ميزانه، ﴿ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ ﴾ : حيث بطلوا١استعدادها، ﴿ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ ﴾، خبر ثان وبدل من الصلة،
١ في النسخة (ن): أبطلوا..
﴿ تَلْفَحُ ﴾ : تحرق، ﴿ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ ﴾ : عابسون هو تقلص الشفتين عن الأسنان، وفي الترمذي قال عليه السلام :( تشويه النار فتقلص شفته العليا حتى تبلغ رأسه، ولتسترخي شفته السفلى حتى تضرب سرته )١***،
١ أخرجه أحمد والترمذي وغيرهما بسند ضعيف..
﴿ أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي١ تُتْلَى عَلَيْكُمْ ﴾ أي : يقال لهم ذلك، ﴿ فَكُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ ﴾
١ أي: يقاتل لهم ذلك تقريعا؛ لأن يجتمع لهم العذاب الجسماني والروحاني /١٢..
﴿ قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا ﴾ الشقاوة : سوء العاقبة، ﴿ وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ ﴾ : عن الهدى،
﴿ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا ﴾ : لما تكره، ﴿ فَإِنَّا ظَالِمُونَ ﴾ : لأنفسنا،
﴿ قَالَ اخْسَؤُوا فِيهَا ﴾ أي : ذلوا وانزجروا كما تنزجر الكلاب، ﴿ وَلَا تُكَلِّمُونِ ﴾ : في رفع العذاب أو مطلقا، وعن بعض السلف : إنه لم يكن لهم بعد ذلك إلا شهيق وزفير وعواء كالكلب،
﴿ إِنَّهُ ﴾ : إن الشأن، ﴿ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ ﴾
﴿ فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ١ سِخْرِيًّا ﴾، بكسر السين وضمها لغتان بمعنى الهزء زيدت ياء النسبة للمبالغة، وعند الكوفيين المضموم من السخرة بمعنى الانقياد والعبودية، ﴿ حَتَّى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي ﴾ : لتشاغلكم باستهزائهم، ﴿ وَكُنتُم مِّنْهُمْ تَضْحَكُون ﴾
١ بضم السين وكسرها القراءتان بمعنى: الهزء وزيدت ياء النسبة للمبالغة، قال يونس، إذا أريد التخديم فالضم لا غير، وإذا أريد الهزء فالضم والكسر، والآية بمعنى الهزء، ألا ترى إلى قوله: ﴿وكنتم منهم تضحكون﴾ / ١٢ وجيز..
﴿ إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا ﴾ : بما صبروا١* : بصبرهم على أذاكم، ﴿ أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ ﴾ استئناف، ومن قرأ بفتح إن فثاني مفعولي جزيت أي : جزيتهم الفوز مخصوصين به،
١ في الأصل (صبر)..
﴿ قَالَ ﴾ : الله، ومن قرأ ( قل ) فهو خطاب لأهل النار في أن مجموعهم في حكم شخص أو الخطاب مع كل واحد أو ومع بعض رؤسائهم أو مع الملك الموكل بهم، أي : قل لهم، ﴿ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ ﴾ : أحياء، ﴿ عَدَدَ سِنِينَ ﴾، تمييز لكم،
﴿ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ﴾ استقصروا مدة لبثهم في الدنيا ونسوا لعظم ما هم١ فيه، ﴿ فَاسْأَلْ الْعَادِّينَ ﴾ : القادرين على العد فنحن في شيء لا نقدر معه إعمال الفكر، أو العادين الملائكة الحفظة،
١ من الهول /١٢..
﴿ قَالَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَّوْ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ أي : ما مكثتم فيها إلا زمانا قليلا على فرض أنكم تعلمون مدة لبثها وقد١ ورد ( أن الله إذا أدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار قال : يا أهل الجنة كم لبثتم في الأرض، قالوا : يوما أو بعض يوم قال لنعم ما أتجرتم في يوم أو بعض يوم رحمتي ورضواني وجنتي امكثوا فيها خالدين مخلدين، ثم يسأل أهل النار فيجيبون مثلهم فيقول، بئس ما أتجرتم في يوم أو بعض يوم نادي وسخطي امكثوا خالدين مخلدين )،
١ نقله ابن أبي حاتم وغيره /١٢ وجيز..
﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا ﴾ أي : عابثين بلا فائدة حال أو مفعول له، أي : تلهيا بكم وما زيدت للتأكيد، ﴿ وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ ﴾، عطف على إنما،
﴿ فَتَعَالَى اللَّهُ ﴾ عن أن يخلق عبثا، ﴿ الْمَلِكُ الْحَقُّ ﴾ الذي يحق له الملك أو الثابت الذي لا يزال ملكه، ﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ١ رَبُّ الْعَرْشِ٢ الْكَرِيمِ٣، لأن الرحمة تترل منه أو لأنه منسوب إلى أكرم الأكرمين،
١ أخرج الحكيم الترمذي وأبو يعلي وابن المنذر ابن أبي حاتم وابن السني في عمل اليوم والليلة وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية عن ابن مسعود أنه قرء في أذن مصاب ﴿أفحسبتم﴾ حتى ختم السورة فبرأ فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم-: بماذا قرأت في أذنه ؟ فأخبره فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم-: (والذي نفسي بيده لو أن رجلا موقنا بها على جبل لزال) /١٢ فتح..
٢ فإن الرحمة منه ينزل على الأرض وهو الله سبحانه مستو عليه /١٢ وجيز..
٣ السرير الحسن وقيل المرتفع / ١٢ معالم..
﴿ وَمَن يَدْعُ ﴾ : يعبد، ﴿ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ ﴾، لا برهان صفة أخرى لإلها لازمة له جيء بها التأكيد، أو جملة١ معترضة بين الشرط والجزاء ﴿ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ ﴾ فيجازيه بما يستحقه، ﴿ إِنَّهُ ﴾ : إن الشأن، ﴿ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ ﴾
١ لتنبيهه على أن قبول ما لا دليل عليه في العقائد ممنوع فضلا عما دل نقيضه الدليل / ١٢..
﴿ وَقُل ﴾ : يا محمد، ﴿ رَّبِّ١اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ ﴾.
*والحمد لله حق حمده*
١ أمر نبيه أن يقول مثل قول فريق من عباده الذين يقولون ﴿ربنا آمنا﴾ الآية، افتتح السورة بقوله: ﴿قد أفلح المؤمنون﴾ واختتمها بقوله: ﴿لا يفلح الكافرون﴾ اللهم اجعلنا من الأولين لا من الآخرين في الأولى والآخرة /١٢ وجيز..
Icon