تفسير سورة يوسف

معاني القرآن
تفسير سورة سورة يوسف من كتاب معاني القرآن .
لمؤلفه الأخفش . المتوفي سنة 215 هـ

وقال :﴿ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ﴾ ( ٣ )، يقول :﴿ نَقُصُّ عَلَيْكَ ﴾ ( ٣ ) بوحينا، ﴿ إِلَيْكَ هذا الْقُرْآنَ ﴾ ( ٣ )، وجعل ( ما ) اسما للفعل، وجعل ( أَوْحَيْنا ) صلة.
وقال :﴿ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ ﴾ ( ٤ )، فكرر الفعل، وقد يستغني بأحدهما. وهذا على لغة الذين قالوا " ضَرَبْتُ ز َيْداً ضَرَبْتُهُ "، وهو توكيد، مثل :﴿ فَسَجَدَ الْمَلاَئِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ ﴾، وقال بعضهم :( أَحَدَ عْشَرَ )، وأسكن العين، وكذلك ( تِسْعَةَ عْشَرَ )، إلى العشرين لما طال الاسم، وكثرت متحركاته، أسكنوا. ولم يسكنوا في قولهم : " اثْنَيْ عَشَر " ، و " اثْنَتا عَشْرَةَ "، للحرف الساكن الذي قبل العين، وحركة العين في هذا كله هو الأصل.
وأَمَّا قوله :﴿ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ ﴾ ( ٤ )، فإنه لما جعلهم كمن يعقل في السجود والطواعية جعلهم كالإنس في تذكيرهم إذا جمعهم، كما قال :﴿ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ ﴾. وقال الشاعر :[ من الخفيف وهو الشاهد الثالث والثلاثون بعد المئتين ] :
صَدَّها مَنْطِقُ الدَّجاجِ عَنِ القَصْدِ وَضَرْبُ الناقُوسِ فَاجْتُنِبا
وقال :﴿ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُواْ مَسَاكِنَكُمْ ﴾، إذ تكلمت نملة، فصارت كمن يعقل [ ١٣٧ ب ]، وقال :﴿ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ﴾، لما جعلهم يطيعون شبههم بالإنس، مثل ذلك :﴿ قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ ﴾، على هذا القياس، إلا أنه ذكر وليس مذكرا كما يذكر بعض المؤنث. وقال قوم : إنما قال : ﴿ طائِعين ﴾ ؛ لأنهما أتتا وما فيهما، فتوهم بعضهم " مُذَكَّرا "، أَو يكون كما قال :﴿ وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ ﴾، وهو يريد أهلها. وكما تقول : " صَلى المَسْجِدُ "، وأنت تريد : أَهْلَ المَسْجِد، إلاّ أَنَّكَ تحمل الفعل على الآخِر، كما قالوا : " اِجْتَمَعتْ أَهُلُ اليمامَةِ "، وقال :﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لاَ تَسْجُدُواْ لِلشَّمْسِ وَلاَ لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُواْ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ ﴾ ؛ لأن الجماعة من غير الإنس مؤنثة. وقال بعضهم : " لِلَّذِي خَلَقَ الآياتِ "، ولا أراه قال ذلك إلا لِجْهْلِهِ بالعربية. قال الشاعر :[ من البسيط وهو الشاهد الرابع والثلاثون بعد المئتين ] :
إِذْ أَشْرَفَ الديكُ يَدْعُو بَعْضَ أُسْرَتِهِ إِلى الصِياحِ وَهُمْ قُوْمٌ مُعَازِيلٌ
فجعل " الدجاج " قوما في جواز اللغة. وقال الآخر، وهو يغني الذيب :[ من الطويل وهو الشاهد الثاني والثلاثون بعد المئتين ] :
وَأَنْتَ امْرُؤٌ تَعْدُو عَلى كُلِّ غِرَّةٍ فَتُخْطِئ فِيها مَرَّةً وَتَصِيُبُ
وقال الآخر :[ من الرجز وهو الشاهد الخامس والثلاثون بعد المئتين ] :
فَصَبَّحَتْ وَالطَّيْرُ لَمْ تَكَلَّمِ جابِيَةً طُمَّتْ بِسَيْلٍ مُفعَم
وقال :﴿ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْداً ﴾ ( ٥ )، أي : فيتخذوا لك كيدا. وليست مثل :﴿ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ ﴾. أراد أن يوصل الفعل [ ١٣٨ ء ] إليها باللام، كما يوصل ب " إلى "، كما تقول : " قَدَّمْتُ لَهُ طَعاماً "، تريد : " قَدَّمْتُ إِلَيْهِ ". وقال :﴿ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ ﴾، ومثلُه :﴿ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ ﴾، وإِنْ شِئْتَ كان :﴿ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْداً ﴾، في معنى : " فَيَكِيدوك "، وتجعل اللام مثل :﴿ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ ﴾. وقوله :﴿ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ ﴾، إنِّما هو : " لِمَكانِ رَبِّهِمْ يَرْهَبُون ".
وقال :﴿ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ ﴾ ( ٩ )، وليس الأَرْضُ ها هنا بظرف ؛ ولكن حذف منها : " في "، ثم أَعمل فيها الفعل، كما تقول : " تَوَجَّهْتُ مَكَّةَ ".
وقال :﴿ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ ﴾ ( ١٤ )، و " العُصْبَةُ "، و " العِصابَةُ " : جماعة ليس لها واحد، ك " القَوْم "، و " الرَّهْط ".
وقال :﴿ بِدَمٍ كَذِبٍ ﴾ ( ١٨ )، فجعل " الدَّمَ " " كذِباً " ؛ لأنه كُذِبَ فيه، كما تقول : " الليلةُ الهِلالُ "، فترفع، وكما قال :﴿ فَمَا رَبِحَتْ تِّجَارَتُهُمْ ﴾.
وقال :﴿ وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُواْ وَارِدَهُمْ ﴾ ( ١٩ )، فذكّر بعدما أنّث ؛ لأنَّ " السَيَّارة " في المعنى للرجال.
وقال :﴿ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي ﴾ ( ٢٣ )، أي : أَعُوذُ بالله معاذا. جعله بدلا من اللفظ بالفعل ؛ لأنه مصدر، وإن كان غير مستعمل، مثل : " سُبْحانَ ". وبعضهم يقول : " مَعاذَةَ اللهِ "، ويقول : " ما أَحْسَنَ مَعْناةَ هَذا الكلامِ "، يريد : المعنى.
وقال :﴿ وَهَمَّ بِهَا ﴾ ( ٢٤ )، فلم يكن همّ بالفاحشة، ولكن دون ذلك مما لا يقطع الولاية.
وقال :﴿ إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ ( ٢٥ )، يقول : " إلاَّ السِجْنُ أَوْ عَذابٌ أَليمٌ ؛ " لأن " " أنْ " الخفيفة وما عملت فيه اسم بمنزلة [ ١٣٨ ب ] " السّجْن ".
وقال :﴿ وَلَيَكُوناً مِّن الصَّاغِرِينَ ﴾ ( ٣٢ )، فالوقف عليها ( وَلِيَكُونا ) ؛ لأن النون الخفيفة إذا انفتح ما قبلها فوقفت عليها جعلتها ألفا ساكنة بمنزلة قولك : " رَأَيْتُ زيدا "، ومثله :﴿ لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ ﴾، الوقف عليها : " لَنَسْفَعا ".
وقال :﴿ ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ ﴾ ( ٣٥ )، فأدخل النون في هذا الموضع ؛ لأن هذا موضع تقع فيه " أي "، فلما كان حرف الاستفهام يدخل فيه، دخلته النون ؛ لأن النون تكون في الاستفهام، تقول : " بدا لَهُم أَيُّهُم يأخذون "، أي : استبان لهم.
وقال :﴿ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأَحْلاَمِ بِعَالِمِينَ ﴾ ( ٤٤ )، فإحدى الباءين أوصل بها الفعل إلى الاسم، والأخرى دخلت ل " ما "، وهي الآخرة.
وقال :﴿ وَاذَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ ﴾ ( ٤٥ )، وإنما هي : " اِفْتَعَل "، من " ذكَرْتُ "، فأصلها : " اِذْتَكَر "، ولكن اجتمعا في كلمة واحدة ومخرجاهما متقاربان، وأرادوا أن يدغموا والأول حرف مجهور، وإنما يدخل الأول في الآخر والآخر مهموس، فكرهوا أن يذهب منه الجهر، فجعلوا في موضع التاء حرفا من موضعها مجهورا وهو الدال ؛ لأن الحرف الذي قبلها مجهور. ولم يجعلوا الطاء ؛ لأن الطاء مع الجهر مطبقة. وقد قال بعضهم :( مُذّكِر )، فأبدل التاء ذالا، ثم أدخل الذال فيها. وقد قرئت هذه الآية :﴿ أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً ﴾، وهي [ ١٣٩ ء ]، " أَنْ يَفْتَعِلا "، من " الصُلْح "، فكانت التاء بعد الصاد، فلم تدخل الصاد فيها للجهر والإطباق. فأبدلوا التاء صادا. وقال بعضهم :( يَصْطَلِحا )، وهي الجيدة. لما لم يُقْدَر على إدغام الصاد في التاء حُوِّلَ في موضع التاء حرفٌ مطبق.
قال :﴿ إِذْ رَاوَدتُنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ ﴾ ( ٥١ ). وقال بعض أهل العِلم : " إنهن راودنه لا امرأة الملك ". وقد يجوز وإن كانت واحدة أن تقول : " راوَدْتُنَّ "، كما [ ١٣٧ ء ] تقول :( إِنَّ الناسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُم )، وهذا ها هنا واحد، يعنى : بقوله لَكُمْ النبيَّ صلى الله عليه و( الناسَ ) " أَبا سُفْيان " ، فيما ذكروا.
وقال ﴿ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِن وِعَاءِ أَخِيهِ ﴾ ( ٧٦ ) فأنث وقال ﴿ وَلِمَن جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ ﴾ لأنَّهُ عنى ثَمَّ " الصُّواع " و " الصُّواع " مذكّر، ومنهم من يؤنثّ " الصّواع " و " عنى " ها هنا " السِّقَايَةَ " وهي مؤنثة. وهما اسمان لواحد مثل " الثَّوْبُ " و " المِلْحَفَةُ " مذكّر ومؤنّث لشيء واحد.
وقال ﴿ خَلَصُواْ نَجِيّاً ﴾ ( ٨٠ ) فجعل " النَجِيَّ " للجماعة مثل قولك : " هُمْ لِي صديق ".
وقال ﴿ قَالَ كَبِيرُهُمْ ﴾ ( ٨٠ ) فزعموا أنه أكبرهم في العقل لا في السن.
وإنما قال ﴿ عَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً ﴾ ( ٨٣ ) لأنه عنى الذي تخلف عنهم معهما وهو كبيرهم في العقل [ ١٣٩ ب ].
وقال ﴿ يَا أَسَفَا عَلَى يُوسُفَ ﴾ ( ٨٤ ) فإذا سكت أَلْحقت في آخره الهاء لأنها مثل أَلف الندبة.
وقال ﴿ تَاالله تَفْتَؤُاْ تَذْكُرُ يُوسُفَ ﴾ ( ٨٥ ) فزعموا أَنَّ ( تَفْتَأُ ) " تَزَالُ " فلذلك وقعت عليهِ اليمين كأنهم قالوا : " وَاللهِ ما تَزالُ تَذْكُرُ يُوسُفَ ".
وقال ﴿ لاَ تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ ﴾ ( ٩٢ ) ( اليومَ ) وقَفٌ ثم استأنف فقال ﴿ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ ﴾ ( ٩٢ ) فدعا لهم بالمغفرة مستأنفا.
Icon