ﰡ
قوله: ﴿ فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ ﴾ أي في مقر متمكن. وصف بذلك لأنه محفوظ، لا يطرأ عليه اختلال مع كونه ضيقاً. قوله: ﴿ ثُمَّ خَلَقْنَا ٱلنُّطْفَةَ عَلَقَةً ﴾ قيل كلها، وقيل جزء منها، والباقي يوضع نصفه في موضع تربته، والنصف الثاني يوضع في السماء، فإذا أراد الله إحياء الخلق من القبور، أمطرت السماء منياً، فتتلاقى النطف النازلة من السماء، بالنطف الباقية في الأرض، فتوجد الخلائق بينهما، وهذا هو حكمة قوله تعالى:﴿ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ ﴾[الأعراف: ٢٩].
قوله: (وفي قراءة عظماً) أي هي سبعية أيضاً. قوله: ﴿ ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ ﴾ أي من غير توان، والمعنى حولنا النطفة عن صفاتها، إلى صفة لا يحيط بها وصف الواصفين. قوله: (بنفخ الروح فيه) هذا قول ابن عباس والشعبي والضحاك، وقيل الخلق الآخر هو خروجه إلى الدنيا، وقيل خروج أسنانه وشعره، وقيل كمال شبابه، والأتم أنه عام في هذا وغيره من النطق والإدراك وتحصيل المعقولات، وجميع الأمور التي اشتمل عليها بنو آدم، من الكمالات الحسية والمعنوية التي يشير لها قول بعض العارفين: وتحسب أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبرقوله: ﴿ فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ ﴾ أي تعاظم وارتفع قدره. قوله: (المقدرين) أي المصورين، ودفع بذلك ما يقال: إن اسم التفضيل يقتضي المشاركة، مع أنه لا خالق غيره. فأجاب: بأن المراد بالخلق التقدير لا الايجاد والإبداع، والتقدير حاصل من الحوادث. قوله: (للعلم به) أي من قوله الخالقين فإنه يدل عليه.
الثانية: ﴿ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لأَنزَلَ مَلاَئِكَةً ﴾.
الثالثة: ﴿ مَّا سَمِعْنَا بِهَـٰذَا فِيۤ آبَآئِنَا ٱلأَوَّلِينَ ﴾.
الرابعة: ﴿ إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ ﴾.
الخامسة: ﴿ فَتَرَبَّصُواْ بِهِ حَتَّىٰ حِينٍ ﴾.
ولكونها ظاهرة الفساد، لم يتعرض لردها. قوله: (بأن يكون متبوعاً) أي بادعاء الرسالة. قوله: (أن لا يعبد غيره) أشار بذلك إلى أن مفعول المشيئة محذوف. قوله: (بذلك) أي بأن لا يعبد غيره. قوله: (إلا بشراً) أي لأن الملائكة لشدة سطوتهم وعلو شأنهم، ينقاد الخلق اليهم من غير شك، فلما لم يفعل ذلك، علمنا أنه ما أرسل رسولاً. قوله: (حالة جنون) أي ففعلة بالكسر للهيئة. قال ابن مالك: وفعلة لهيئة كجلسة. قوله: (إلى زمن موته) أي فكانوا يقولون لبعضهم: اصبروا فإنه إن كان نبياً حقاً، فالله ينصره ويقوي أمره، وإن كان كاذباً، فالله يخذله ويبطل أمره فنستريح منه، أو المراد بالحين، الزمان الذي تظهر فيه العواقب، فالمعنى انتظروا عاقبة أمره، فإن أفاق وإلا فاقتلوه. قوله: ﴿ قَالَ رَبِّ ٱنصُرْنِي ﴾ أي قال ذلك بعد أن أيس من إيمانهم.
قوله: (استئنافاً) أي فهو إخبار من الله، بأن جميع الشرائع متفقة الأصول، والقراءات الثلاث سبعيات. قوله: ﴿ فَٱتَّقُونِ ﴾ أي افعلوا ما أمرتكم به واتركوا ما نهيتكم عنه.
قوله: ﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ هُم ﴾ ﴿ ٱلَّذِينَ ﴾ اسم ﴿ إِنَّ ﴾، و ﴿ هُم ﴾ مبتدأ، و ﴿ مُّشْفِقُونَ ﴾ خبره و ﴿ مِّنْ خَشْيةِ ﴾ متعلق بمشفقون، وكذا يقال فيما بعده. قوله: ﴿ مُّشْفِقُونَ ﴾ الإشفاق الخوف مع زيادة التعظيم، فهو أعلى من الخشية، وهذه الأوصاف متلازمة من اتصف بواحد منها لزم منه الاتصاف بالباقي. قوله: (القرآن) أي وغيره من باقي الكتب السماوية. قوله: (يعطون) أشار بذلك إلى أن قوله: ﴿ يُؤْتُونَ ﴾ من الإيتاء وهو الإعطاء. قوله: ﴿ وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ ﴾ الجملة حالية من فاعل ﴿ يُؤْتُونَ ﴾ أي والحال أن قلوبهم خائفة من عدم قبول أعمالهم الصالحة، لما قام بقلوبهم من جلال الله وهيبته وعزته واستغنائه، ولذا ورد عن أبي بكر الصديق أنه قال: لا آمن مكر الله ولو كانت إحدى قدمي داخل الجنة والأخرى خارجها، وكان كثير البكاء من خشية الله، حتى أثرت الدموع في خديه. قوله: (يقدر قبله لام الجر) أي فيكون تعليلاً لقوله: ﴿ وَجِلَةٌ ﴾.
قوله: ﴿ أُوْلَـٰئِكَ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْخَيْرَاتِ ﴾ هذه الجملة خبر عن قوله: ﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيةِ رَبِّهِمْ ﴾ وما عطف عليه، فاسم ﴿ إِنَّ ﴾ أربع موصولات، وخبرها جملة ﴿ أُوْلَـٰئِكَ ﴾ الخ. قوله: ﴿ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ ﴾ الضمير قيل للخيرات وقيل للجنة وقيل للسعادة، وقوله: (في علم الله) أي كتبوا سابقين في علم الله، فظهر فيهم مقتضى سابقية العلم.
﴿ تَهْجُرُونَ ﴾.
قوله: (أي جماعة) أشار بذلك إلى أن ﴿ سَامِراً ﴾ اسم جمع واحده مسامر. قوله: (من الثلاثي) أي مأخوذ من الهجران وهو الترك، أو من هجر هجراً بالتحريك هذى وتكلم بما لا يعقله. قوله: (ومن الرباعي) أي مأخوذ من الإهجار، وهو الفحش في الكلام. قوله: ﴿ أَفَلَمْ يَدَّبَّرُواْ ٱلْقَوْلَ ﴾ الهمزة داخلة على محذوف، والفاء عاطفة عليه، والتقدير أعموا فلم يدبروا، وهذا شروع في بيان أقدامهم على هذه الضلالات، لا بد أن يكون لأحد أمور أربعة أحدها أن لا يتأملوا في دليل نبوته وهو القرآن المعجز، مع أنهم تأملوا وظهرت لهم حقيقته. ثانيها: أن يعتقدوا أن بعثة الرسول أمر غريب، لم تسمع ولم ترد عن الأمم السابقة، وليس كذلك، لأنهم عرفوا أن الرسل كانت ترسل إلى الأمم. ثالثها: أن لا يكونوا عالمين بأمانته وصدقه قبل ادعاء النبوة، وليس كذلك، بل سبقت لهم معرفة كونه في غاية الأمانة والصدق. رابعها: أن يعتقدوا فيه الجنون، وليس كذلك، لأنهم كانوا يعلمون أنه أعقل الناس. وسيأتي خامس في قوله:﴿ أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً ﴾[المؤمنون: ٧٢] وأم في المواضع الأربعة مقدرة ببل الانتقالية، وهمزة الاستفهام التقريري، وهو حمل المخاطب على الإقرار بما يعرفه. قوله: (من صدق النبي) الخ، بيان للحق على طبق الآية، على سبيل اللف والنشر المرتب. قوله: ﴿ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ ﴾ أي القرآن وغيره فهو أعم من الحق الأول، ولذا أظهر في مقام الإضمار وأشار بقوله: ﴿ وَأَكْثَرُهُمْ ﴾ إلى أن الأقل لم يدم على كراهة الحق، بل رجع عن كفره وآمن.
قوله: (وفي قراءة الله بلام الجر) أي وهو لمعظم السبعة. قوله: (في الموضعين) أي الأخيرين، وأما جواب السؤال الأول فهو باللام باتفاق السبعة، ولم يقرأ بدونها أحد. قوله: (نظراً إلى أن المعنى) أي فلام الجر مقدرة في السؤال، فظهرت في الجواب نظراً للمعنى، وأما على قراءة إسقاطها فباعتبار مراعاة لفظ السؤال، لأنه لا فرق بين قوله: من رب السماوات، وبين لمن السماوات، كقولك: من رب هذه الدار؟ فيقال: زيد، وإن شئت قلت لزيد، لأن السؤال لا فرق فيه، بين أن يقال لمن هذه الدار، أو من ربها. قوله: ﴿ قُلْ فَأَنَّىٰ ﴾ أي فكيف ﴿ تُسْحَرُونَ ﴾.
قوله: (عبادة الله) بدل من الحق فهو بالجر قوله: (أي كيف يخيل لكم) أشار بذلك إلى أن المراد بالسحر، التخيل والوهم لا حقيقته. قوله: (في نفيه) أي الحق. قوله: ﴿ مِن وَلَدٍ ﴾ ﴿ مِن ﴾ زائدة في المفعول، وقوله: ﴿ مِنْ إِلَـهٍ ﴾ ﴿ مِنْ ﴾ زائدة في أسم ﴿ كَانَ ﴾.
قوله: (أي لو كان معه إله) أشار بذلك إلى أن قوله: ﴿ إِذاً لَّذَهَبَ ﴾ جواب لشرط محذوف وهو لو الامتناعية، علم من قوله: ﴿ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَـهٍ ﴾، وتقدم تحقيق الكلام في هذا البرهان في سورة الأنبياء. قول: (كفعل ملوك الدنيا) كلامه يقتضي أن هذا أمر عادي لا إلزام قطعي، وهو خلاف التحقيق، بل التحقيق أنه دليل عقلي قطعي.