تفسير سورة ق

تفسير القاسمي
تفسير سورة سورة ق من كتاب محاسن التأويل المعروف بـتفسير القاسمي .
لمؤلفه جمال الدين القاسمي . المتوفي سنة 1332 هـ

بسم الله الرحمن الرحيم

٥٠ – سورة ق
وتسمى سورة ( الباسقات ). وهي مكية بالإجماع. وآيها خمس وأربعون آية.
قال ابن كثير : وهذه السورة هي أول الحزب المفصل على الصحيح، وقيل : من الحجرات. وأما ما يقوله العوام أنه من ( عمّ ) فلا أصل له، ولم يقله أحد من العلماء المعتبرين فيما نعلم. والدليل على ما رواه أوس بن حذيفة قال : سألت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يحزبون القرآن ؟ فقالوا : ثلاث، وخمس، وسبع، وتسع، وإحدى عشرة، وثلاث عشرة، وحزب المفصل وحده. فإذا عددت ثمانيا وأربعين سورة فالتي بعدهن سورة ( ق ) بيانه :
ثلاث : البقرة وآل عمران والنساء.
وخمس : المائدة والأنعام والأعراف والأنفال وبراءة.
وسبع : يونس وهود ويوسف والرعد وإبراهيم والحجر والنحل.
وتسع : سبحان والكهف ومريم وطه والأنبياء والحج والمؤمنون والنور والفرقان.
وإحدى عشرة : الشعراء والنمل والقصص والعنكبوت والروم ولقمان وألم السجدة وسبأ وفاطر ويس.
وثلاث عشرة : الصافات وص والزمر وغافر وحم السجدة وحم عسق والزخرف والدخان والجاثية والأحقاف والقتال والفتح والحجرات.
ثم بعد ذلك الحزب المفصل، كما قاله الصحابة رضي الله عنهم، فتعيّن أن أوّله سورة ( ق ).
وروى الإمام أحمد١ ومسلم٢ وأهل ( السنن ) ( أن عمر بن الخطاب سأل أبا واقد الليثيّ : ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في العيد ؟ قال : ب ( ق ) و ( اقتربت ) ).
وروى مسلم٣ وغيره، عن أم هشام بنت حارثة بن النعمان قالت :( ما حفظت ( ق ) إلا من رسول الله صلى الله عليه وسلم. كان يخطب بها كل جمعة. وفي رواية : كان يقرؤها كل يوم جمعة على المنبر إذا خطب الناس ). والقصد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بهذه السورة في المجامع الكبار، كالعيد والجمع، لاشتمالها على ابتداء الخلق والبعث والنشور والمعاد والقيام والحساب والجنة والنار والثواب والعقاب والترغيب والترهيب. انتهى.
١ أخرجه في المسند بالصفحة رقم ٢١٧ من الجزء الخامس (طبعة الحلبي).
٢ أخرجه مسلم في: ٨- كتاب الصلاة، حديث رقم ١٤ و١٥ (طبعتنا)..
٣ أخرجه مسلم في: ٧- كتاب الجمعة، حديث ٥١ و٥٢ (طبعتنا)..

القول في تأويل قوله تعالى: [سورة ق (٥٠) : آية ١]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ (١)
ق هو حرف من حروف التهجي المفتتح بها أوائل السور، مثل: ص، ون، والم، وحم، ونحوها. علم على السورة، على الصحيح من أقوال، كما تقدم مرارا.
تنبيه:
قال ابن كثير: روي عن بعض السلف أنهم قالوا: ق جبل محيط بجميع الأرض يقال له (جبل قاف). وكأن هذا- والله أعلم- من خرافات بني إسرائيل التي أخذها عنهم بعض الناس، لما رأى من جواز الرواية عنهم، مما لا يصدّق ولا يكذب.
وعندي أن هذا وأمثاله من اختلاق بعض زنادقتهم، يلبسون به على الناس أمر دينهم، كما افتري في هذه الأمة، مع جلالة قدر علمائها وحفاظها وأئمتها، أحاديث عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، وما بالعهد من قدم. فكيف بأمة بني إسرائيل، مع طول المدى، وقلة الحفّاظ والنقاد فيهم، وشربهم الخمور، وتحريف علمائهم الكلم عن مواضعه، وتبديل كتب الله وآياته؟ وإنما أباح الشارع الرواية عنهم في قوله: «١» (وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج) فيما قد يجوّزه العقل. فأما فيما تحيله العقول، ويحكم فيه البطلان، ويغلب على الظنون كذبه، فليس من هذا القبيل.
وقد أكثر كثير من السلف المفسرين، وكذا طائفة كثيرة من الخلف، من الحكاية عن كتب أهل الكتاب، تفسير القرآن المجيد، وليس بهم احتياج إلى أخبارهم، ولله الحمد والمنة.
ثم ردّ ابن كثير، رحمه الله، ما قيل من أن المراد من ق قضي الأمر والله! كقول الشاعر:
قلت لها قفي فقالت قاف
(١) أخرجه البخاري في: الأنبياء، ٥٠- باب ما ذكر عن بني إسرائيل، حديث رقم ١٦٢٤، عن ابن عمرو.
أي: إني واقفة، بأن في هذا نظرا، لأن الحذف في الكلام إنما يكون إذا دل دليل عليه ومن أين يفهم هذا من ذكر هذا الحرف. انتهى.
وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ أي: ذي المجد والشرف على غيره من الكتب.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة ق (٥٠) : آية ٢]
بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقالَ الْكافِرُونَ هذا شَيْءٌ عَجِيبٌ (٢)
بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ أي: لأن جاءهم منذر من جنسهم، لا من جنس الملك، أو من جلدتهم. وهو كما قال أبو السعود- إضراب عما ينبئ عنه جواب القسم المحذوف، كأنه قيل: والقرآن المجيد، أنزلناه إليك، لتنذر به الناس.
حسبما ورد في صدر سورة الأعراف، كأنه قيل بعد ذلك: لم يؤمنوا به، جعلوا كلا من المنذر والمنذر به عرضة للنكير والتعجب، مع كونهما أوفق شيء لقضية العقول، وأقربه إلى التلقي بالقبول.
وقيل: التقدير: والقرآن المجيد، إنك لمنذر. ثم قيل بعده إنهم شكوا فيه، ثم أضرب عنه. وقيل: بل عجبوا، أي لم يكتفوا بالشك والرد، بل جزموا بالخلاف، حتى جعلوا ذلك من الأمور العجيبة. وقيل: هو إضراب عما يفهم من وصف القرآن بالمجيد، كأنه قيل: ليس سبب اقتناعهم من الإيمان بالقرآن أنه لا مجد له، ولكن لجهلهم.
فَقالَ الْكافِرُونَ هذا شَيْءٌ عَجِيبٌ تفسير لتعجبهم، وبيان لكونه مقارنا لغاية الإنكار، مع زيادة تفصيل لمحل التعجب. وهذا إشارة إلى كونه عليه الصلاة والسلام منذرا بالقرآن. وإضمارهم أولا، للإشعار بتعينهم بما أسند إليهم. وإظهارهم ثانيا، للتسجيل عليهم بالكفر بموجبه. أو عطف لتعجبهم من البعث، على تعجبهم، من البعثة. على أن هذا إشارة إلى مبهم، يفسره ما بعده من الجملة الإنكارية.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة ق (٥٠) : آية ٣]
أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ (٣)
أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً تقرير للتعجيب، وتأكيد للإنكار. والعامل في (إذا) مضمر غنيّ عن البيان، لغاية شهرته، مع دلالة ما بعده عليه. أي: أحين نموت ونصير ترابا نرجع، كما ينطق به النذير والمنذر به. مع كمال التباين بيننا وبين الحياة،
حينئذ ذلِكَ إشارة إلى محل النزاع رَجْعٌ بَعِيدٌ أي: عن الأوهام أو العادة أو الإمكان.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة ق (٥٠) : آية ٤]
قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ (٤)
قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ أي: ما تأكل من أجسامهم بعد مماتهم.
وهو ردّ لاستبعادهم، وإزاحة له. فإن من عمّ علمه ولطف حتى انتهى إلى حيث علم ما تنقص الأرض من أجساد الموتى. وتأكل من لحومهم وعظامهم، كيف يستبعد رجعه إياهم أحياء كما كانوا. وقيل: المعنى ما يموت فيدفن في الأرض منهم.
وَعِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ قال أبو السعود: أي حافظ لتفاصيل الأشياء كلها، أو محفوظ من التغير. والمراد: إما تمثيل علمه تعالى بكليات الأشياء وجزئياتها، بعلم من عنده كتاب محيط، يتلقى منه كل شيء. أو تأكيد لعلمه تعالى بها، بثبوتها في اللوح المحفوظ عنده.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة ق (٥٠) : آية ٥]
بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ (٥)
بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ وهو القرآن، لَمَّا جاءَهُمْ أي من غير تأمّل وتفكّر.
قال الزمخشري: إضراب أتبع الإضراب الأول، للدلالة على أنهم جاءوا بما هو أفظع من تعجبهم، وهو التكذيب بالحق، الذي هو النبوّة الثابتة بالمعجزات، في أول وهلة من غير تفكّر ولا تدبّر. وكونه أفظع، للتصريح بالتكذيب من غير تدبر بعد التعجب منه. فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ أي مضطرب. يعني. اختلاف مقالتهم فيه، من ادعاء أنه شعر أو سحر ونحوه، تعنتا وكبرا.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة ق (٥٠) : آية ٦]
أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْناها وَزَيَّنَّاها وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ (٦)
أَفَلَمْ يَنْظُرُوا أي هؤلاء المكذّبون بالبعث، المنكرون قدرتنا على إحيائهم بعد فنائهم، إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْناها أي رفعناها بغير عمد، وَزَيَّنَّاها أي بالنجوم، وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ. قال ابن جرير: يعني وما لها من صدوع وفتوق. كقوله تعالى: الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً، ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ،
فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ
[الملك: ٣- ٤]، أي كليل عن أن ترى عيبا أو نقصا.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة ق (٥٠) : آية ٧]
وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (٧)
وَالْأَرْضَ مَدَدْناها أي بسطناها. وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ أي جبالا ثوابت، حفظا لها من الاضطراب، لقوة الجيشان في جوفها، وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ أي صنف، بَهِيجٍ أي حسن المنظر، يبتهج به لحسنه.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة ق (٥٠) : آية ٨]
تَبْصِرَةً وَذِكْرى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (٨)
تَبْصِرَةً وَذِكْرى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ أي لتبصر وتذكّر كل عبد منيب راجع إلى ربه، مفكّر في بدائع صنعه. وتَبْصِرَةً وذِكْرى منصوبات بالفعل الأخير على أنهما مفعولان له، وإن كانتا علتين للأفعال المذكورة معنى. أو بفعل مقدر. أي فعلنا ما فعلنا تبصيرا وتذكيرا.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة ق (٥٠) : الآيات ٩ الى ١١]
وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (٩) وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ (١٠) رِزْقاً لِلْعِبادِ وَأَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ الْخُرُوجُ (١١)
وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ أي المزن ماءً مُبارَكاً أي كثير المنافع، فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنَّاتٍ أي أشجارا ذوات أثمار، وَحَبَّ الْحَصِيدِ أي الزرع المحصود من البرّ والشعير وسائر أنواع الحبوب. وتخصيص إنبات حبه بالذكر، لأنه المقصود بالذات.
وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ أي وأنبتنا بالماء الذي أنزلناه من السماء، النخل طوالا، أو حوامل. من (أبسقت الشاة) إذا حملت، فيكون من (أفعل) فهو (فاعل). والقياس (مفعل) فهو من النوادر كالطوائح واللواقح، في أخوات لها شاذة. وإفرادها بالذكر مع دخولها في جَنَّاتٍ لبيان فضلها بكثرة منافعها. وتوسيط الحب بينهما لتأكيد استقلالها وامتيازها عن البقية، مع ما فيه من مراعاة الفواصل. لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ أي متراكم بعضه فوق بعض. رِزْقاً لِلْعِبادِ أي لرزقهم. قال أبو السعود: علة لقوله تعالى: فَأَنْبَتْنا. وفي تعليله بذلك، بعد تعليل أنبتنا الأول بالتبصرة والتذكير،
تنبيه على أن الواجب على العبد أن يكون انتفاعه بذلك من حيث التذكر والاستبصار، أهم من تمتعه به من حيث الرزق. وقيل: رِزْقاً مصدر من معنى أَنْبَتْنا، لأن الإنبات رزق. وَأَحْيَيْنا بِهِ أي بذلك الماء بَلْدَةً مَيْتاً أي أرضا جدبة، فأنبتت أنواع النبات والأزهار. كَذلِكَ الْخُرُوجُ أي خروجهم أحياء من القبور. شبه بعث الأموات ونشرهم، بقدرته تعالى بإخراج النبات من الأرض، بعد وقوع المطر عليها، ف كَذلِكَ خبر الْخُرُوجُ. أو مبتدأ فالكاف بمعنى (مثل).
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة ق (٥٠) : الآيات ١٢ الى ١٤]
كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ (١٢) وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوانُ لُوطٍ (١٣) وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ (١٤)
كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ أي قبل قريش قَوْمُ نُوحٍ قال أبو السعود: استئناف وارد لتقرير حقية البعث، ببيان اتفاق كافة الرسل عليهم السلام عليها، وتعذيب منكريها.
وَأَصْحابُ الرَّسِّ وهو بئر كانوا عنده. يقال إنهم قوم شعيب عليه السلام. ويقال غير ذلك، كما تقدم في سورة الفرقان. وَثَمُودُ وهم الذين جادلوا صالحا، وقتلوا الناقة. وَعادٌ وهم الذين جادلوا هودا في أصنامهم. وَفِرْعَوْنُ وهو الذي جادل موسى فيما أرسل به. قال الرازي: ولم يقل (وقوم فرعون) لأن فرعون كان هو المغترّ المستخف بقومه، والمستبد بأمره. وَإِخْوانُ لُوطٍ وهم الذين جادلوا في إتيان الرجال. وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ أي الغيضة من الشجر، المجادلون شعيبا في الكيل والوزن. وَقَوْمُ تُبَّعٍ قال المهايمي: المجادلون إمامهم وعلماءهم في الدين. ومضى الكلام على ذلك في الحجر والدخان. كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ أي كل من هذه الأمم، وهؤلاء القرون، كذبوا رسولهم، ومن كذب رسولا، فكأنما كذب جميع الرسل، كقوله تعالى: كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ [الشعراء: ١٠٥]، وإنما جاءهم رسول واحد، فهم في نفس الأمر، لو جاءهم جميع الرسل كذبوهم- أفاده ابن كثير- وهو توجيه لجمع الرسل. وإفراد ضمير كَذَّبَ مراعاة للفظ كُلٌّ فإنه مفرد وإن كان جمعا معنى. فَحَقَّ وَعِيدِ أي فوجب لهم الوعيد الذي وعد به من كفر، وهو العذاب والنقمة.
قال ابن جرير: إنما وصف تعالى في هذه الآية ما وصف من إحلاله عقوبته بهؤلاء المكذبين الرسل، ترهيبا منه بذلك مشركي قريش، وإعلاما منه لهم أنهم إن
لم ينيبوا من تكذيبهم رسوله محمدا ﷺ أنه محلّ بهم من العذاب مثل الذي أحل بهم. أي فهو تسلية للرسول صلوات الله عليه، وتهديد لهم.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة ق (٥٠) : آية ١٥]
أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ (١٥)
أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ أي: أفعجزنا عن الإبداء، حتى نعجز عن الإعادة، فالهمزة للإنكار. قال الشهاب: العي هنا بمعنى العجز، لا التعب. قال الكسائي:
تقول (أعييت) من التعب و (عييت) من انقطاع الحيلة، والعجز عن الأمر. وهذا هو المعروف والأفصح، وإن لم يفرق بينهما كثير. و (الخلق الأول) هو الإبداء على ما ذكر، ويحتمل أن يراد به خلق السماوات والأرض، لأن خلق الإنسان متأخر عنه.
ويدل له آية أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ... [الأحقاف: ٣٣] الآية.
وقوله: بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ عطف على مقدر، يدل عليه ما قبله، كأنه قيل: هم معترفون بالخلق الأول، فلا وجه لإنكارهم للثاني، بل هم اختلط عليهم الأمر والتبس، لعدم فهمهم إعادة ما مات وتفرق أجزاؤه وإعراضهم عن سلطان القدرة الإلهية، وسهولة ذلك في المقدورات الربانية.
لطيفة:
قال الناصر: في الآية أسئلة ثلاثة: لم عرّف الخلق الأول، ونكّر اللبس، والخلق الجديد؟
فاعلم: أن التعريف لا غرض منه إلا تفخيم ما قصد تعريفه وتعظيمه، ومنه تعريف الذكور في قوله وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ [الشورى: ٤٩]، ولهذا المقصد عرف الخلق الأول، لأن الغرض جعله دليلا على إمكان الخلق الثاني بطريق الأولى. أي إذا لم يعي تعالى بالخلق الأول، على عظمته، فالخلق الآخر أولى أن لا يعيى به. فهذا سر تعريف الخلق الأول.
وأما التنكير فأمره منقسم: فمرة يقصد به تفخيم المنكر، من حيث ما فيه من الإبهام، كأنه أفخم من أن يخاطبه معرفة. ومرة يقصد به التقليل من المنكر، والوضع منه. وعلى الأول سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ [يس: ٨٥]، وقوله: لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ [المائدة: ٩] و [الحجرات: ٣]، وإِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ
[الطور: ١٧]، وهو أكثر من أن يحصى. والثاني: هو الأصل في التنكير، فلا يحتاج إلى تمثيله. فتنكير (اللبس) من التعظيم والتفخيم، كأنه قال: في لبس أيّ لبس.
وتنكير (الخلق الجديد) للتقليل منه، والتهوين لأمره، بالنسبة إلى الخلق الأول.
ويحتمل أن يكون للتفخيم، كأنه أمر أعظم من أن يرضى الإنسان بكونه ملتبسا عليه، مع أنه أول ما تبصر فيه صحته. انتهى.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة ق (٥٠) : آية ١٦]
وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (١٦)
وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ أي تحدّث به نفسه، وهو ما يخطر بالبال. وقوله تعالى: وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ تمثيل للقرب المعنوي، بالصورة الحسية المشاهدة. وقد جعل ذاك القرب أتم من غاية القرب الصوريّ، الذي لا اتصال أشد منه في الأجسام، إذ لا مسافة بين الجزء المتصل به وبينه.
قال الشهاب: تجوّز بقرب الذات عن قرب العلم، لتنزّهه عن القرب المكاني، إما تمثيلا، وإما من إطلاق السبب وإرادة المسبب، لأن القرب من الشيء سبب للعلم به وبأحواله في العادة. والمعنى: أنه تعالى أعلم بأحواله، خفيّها وظاهرها، من كل عالم. وقد ضرب المثل في القرب بحبل الوريد، لأن أعضاء المرء وعروقه متصلة على طريق الجزئية، فهي أشد من اتصال ما اتصل به من الخارج. وخص هذا لأن به حياته، وهو بحيث يشاهده كل أحد. والحبل: العرق. شبه بواحد الحبال. فإضافته للبيان أو لامية، من إضافة العام للخاص. فإن أبقى الحبل على حقيقته، فإضافته كلجين الماء.
تنبيه:
تأول ابن كثير الآية على غير ما تقدم، بجعل (نحن) كناية عن الملائكة، وعبارته: يعني ملائكته تعالى أقرب إلى الإنسان من حبل وريده إليه. قال: ومن تأوله على العلم، فإنما فرّ لئلا يلزم حلول أو اتحاد، وهما منفيان بالإجماع، تعالى الله وتقدس، ولكن اللفظ لا يقتضيه، فإنه يقل (وأنا أقرب إليه) وإنما قال وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ كما قال في المحتضر وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلكِنْ لا تُبْصِرُونَ [الواقعة:
٨٥]، يعني: ملائكته. وكما قال تبارك وتعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ [الحجر: ٩]، فالملائكة نزلت بالذكر وهو القرآن، بإذن الله عزّ وجلّ.
11
وكذلك الملائكة أقرب إلى الإنسان من حبل وريده، بإقدار الله، جل وعلا، لهم على ذلك. فللملك لمّة من الإنسان، كما أن للشيطان لمة. ولذلك الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم. ثم أيد ابن كثير رحمه الله ما ذكره، بما ورد في الآية بعدها.
والوجه الأول أدق وأقرب، وفيه من الترهيب وتناهي سعة العلم، مع التعريف بجلالة المقام الربانيّ، ما لا يخفى حسنه. وليس تأويل من تأول بالعلم للفرار من الحلول والاتحاد فقط، بل له ولما تقدم أولا. كما أن إيثار (نحن) على (أنا) لا يحسم ما نفاه، لاحتمال إرادة التعظيم ب (نحن) كما هو شائع، فلا يتم له ذلك. نعم! اللفظ الكريم يحتمل ما ذكره بأن يكون ورد ذلك تعظيما للملك، لأنه بأمره تعالى وبإذنه، ولكن لا ضرورة تدعو إليه، مع ما عرف من أن الأصل الحقيقة. وقد عنى رحمه الله بمن فهم الحلول والاتحاد، من قال في تفسير الآية كالقاشاني- ما مثاله: وإنما كان أقرب مع عدم المسافة بين الجزء المتصل به وبينه، لأن اتصال الجزء بالشيء يشهد بالبينونة والاثنينية الراجعة للاتحاد الحقيقيّ. ومعيته وقربه من عبده ليس كذلك، فإن هويته وحقيقته المندرجة في هويته وتحققه ليست غيره، بل إن وجوده المخصوص المعين إنما هو بعين حقيقته التي هي الوجود، من حيث هو وجود، ولولاه لكان عدما صرفا ولا شيئا محضا. انتهى كلام القاشاني. ولا يفهم من ذلك حلول ولا اتحاد بالمعنى المتعارف، لأن لهؤلاء اصطلاحا معروفا، وهم أول من يتبرأ من الحلول والاتحاد، كما أوضحت ذلك مع برهان استحالتهما، في كتاب (دلائل التوحيد) الذي طبع بحمد الله من أمد قريب. فارجع إليه، واستغفر لمصنفه.
أقول: رأيت ابن كثير بعد، مسبوقا بما ذكره شيخه الإمام ابن تيمية، فقد أوضح ذلك رحمه الله في كتابه (شرح حديث النزول) : ليس في القرآن وصف الرب تعالى بالقرب من كل شيء أصلا، بل قربه الذي في القرآن خاص لا عام، كقوله تعالى:
وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ [البقرة: ١٨٦].
فهو سبحانه قريب ممن دعاه. وكذلك ما في الصحيحين «١» عن أبي موسى الأشعري أنهم كانوا مع النبيّ ﷺ في سفر، فكانوا يرفعون أصواتهم بالتكبير، فقال: (أيها الناس! اربعوا على أنفسكم، فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا، وإنما تدعون سميعا قريبا. إن الذين تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته). فقال: إن الذي تدعونه
(١) أخرجه البخاري في الجهاد، ١٣١- باب ما يكره من رفع الصوت في التكبير، حديث رقم ١٤٢٣.
وأخرجه مسلم في: الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، حديث ٤٤- ٤٧.
12
أقرب إلى أحدكم، لم يقل: إنه قريب إلى كل موجود. وكذلك قول صالح عليه السلام فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ، إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ [هود: ٦١]، ومعلوم أنه قوله: قَرِيبٌ مُجِيبٌ مقرون بالتوبة والاستغفار. أراد به، قريب مجيب لاستغفار المستغفرين التائبين إليه، كما أنه رحيم ودود. وقد قرن القريب بالمجيب. ومعلوم أنه لا يقال مجيب لكل موجود، وإنما الإجابة لمن سأله ودعاه، فكذلك قربه سبحانه وتعالى، وأسماء الله المطلقة كاسمه السميع والبصير والغفور والشكور والمجيب والقريب، لا يجب أن تتعلق بكل موجود، بل يتعلق كل اسم بما يناسبه. واسمه العليم، لما كان كل شيء يصلح أن يكون معلوما تعلق بكل شيء. وأما قوله تعالى:
وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ فالمراد به قربه إليه بالملائكة. وهذا هو المعروف عن المفسرين المتقدمين من السلف. قالوا: ملك الموت أدنى إليه من أهله، ولكن لا تبصرون الملائكة. وقد قال طائفة وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ بالعلم. وقال بعضهم:
بالعلم والقدرة والرؤية. وهذه الأقوال ضعيفة، فإنه ليس في الكتاب والسنة وصفه بقرب عام من كل موجود، حتى يحتاجوا أن يقولوا بالعلم والقدرة، ولكن بعض الناس، لما ظنوا أنه يوصف بالقرب من كل شيء، تأولوا ذلك بأنه عالم بكل شيء قادر على كل شيء، وكأنهم ظنوا أن لفظ القرب، مثل لفظ المعية. وقد ثبت عن السلف أنهم قالوا: في آية وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ [الحديد: ٤]، هو معهم بعلمه، مع علوّه على عرشه. وقد ذكر ابن عبد البر وغيره أن هذا إجماع من الصحابة والتابعين، لم يخالفهم فيه أحد.
ثم قال: ولم يأت في لفظ القرب مثل ذلك أنه قال: هو فوق عرشه، وهو قريب من كل شيء، بل قال: إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ [الأعراف: ٥٦]، وقال: وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ [البقرة:
١٨٦].
وقد روى ابن أبي حاتم بسنده أن رجلا جاء إلى رسول الله ﷺ فقال: يا رسول الله! أقريب ربنا فنناجيه، أم بعيد فنناديه؟ فسكت النبيّ صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي... الآية.
ولا يقال في هذا قريب بعلمه وقدرته، فإنه عالم بكل شيء، قادر على كل شيء، وهم لم يشكّوا في ذلك، ولم يسألوا عنه، وإنما عن قربه إلى من يدعوه ويناجيه، فأخبر أنه قريب مجيب.
وطائفة من أهل السنة تفسر القرب في الآية والحديث بالعلم، لكونه هو
13
المقصود، فإنه إذا كان يعلم ويسمع دعاء الداعي حصل مقصوده. وهذا هو الذي اقتضى أن يقول من يقول، بأنه قريب من كل شيء، بمعنى العلم والقدرة، فإن هذا قد قاله بعض السلف، وكثير من الخلف، لكن لم يقل أحد منهم إن نفس ذاته قريب من كل موجود. وهذا المعنى يقرّ به جميع المسلمين، من يقول إنه فوق العرش، ومن يقول إنه ليس فوق العرش.
ثم قال: وهؤلاء كلهم مقصودهم أنه ليس المراد أن ذات البارئ جل وعلا قريبة من وريد العبد، ومن الميت. ولما ظنوا أن المراد قربه وحده دون الملائكة، فسروا ذلك بالعلم والقدرة، كما في لفظ المعية. ولا حاجة إلى هذا، فإن المراد بقوله وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ أي بملائكتنا، في الآيتين: وهذا بخلاف المعية، فإنه لم يقل: ونحن معه، بل جعل نفسه هو الذي مع العباد، وأخبر أنه ينبئهم يوم القيامة بما عملوا، وهو نفسه الذي خلق السماوات والأرض، وهو نفسه الذي استوى على العرش، فلا يجعل لفظ مثل لفظ، مع تفريق القرآن بينهما.
ثم قال: وقوله تعالى: وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ لا يجوز أن يراد به مجرد العلم، فإن من كان بالشيء أعلم من غيره، لا يقال إنه أقرب إليه من غيره، بمجرد علمه به، ولا بمجرد قدرته عليه. ثم إنه سبحانه عالم بما يسرّ من القول، وما يجهر به، وعالم بأعماله، فلا معنى لتخصيصه حبل الوريد بمعنى أنه أقرب إلى العبد منه، فإنه حبل الوريد قريب إلى القلب، ليس قريبا إلى قوله الظاهر، وهو يعلم ظاهر الإنسان وباطنه. قال تعالى يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى [طه: ٧]، ومما يدل على أن القرب ليس المراد به العلم، سياق الآية، فإنه قال وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ، فأخبر أنه يعلم وسواس نفسه.
ثم قال: وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ فأثبت العلم، وأثبت القرب، وجعلهما شيئين، فلا يجعل أحدهما هو الآخر، وقيد القرب بقوله إِذْ يَتَلَقَّى...
الآية.
وأما من ظن أن المراد بذلك قرب ذات الرب من حبل الوريد، وأن ذاته أقرب إلى الميت من أهله، فهذا في غاية الضعف. وذلك أن الذين يقولون إنه في كل مكان، وإنه قريب من كل شيء بذاته، لا يخصون بذلك شيئا دون شيء، ولا يمكن مسلما أن يقول إن الله قريب من الميت دون أهله، ولا أنه قريب من حبل الوريد دون
14
سائر الأعضاء. وكيف يصح هذا الكلام على أصلهم، وهو عندهم في جميع بدن الإنسان، وهو في أهل الميت، كما هو في الميت، فكيف يكون أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ إذا كان معه ومعهم على وجه واحد؟ وهل يكون أقرب إلى نفسه من نفسه، وسياق الآيتين يدل على أن المراد الملائكة، فإنه قال وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ. إِذْ يَتَلَقَّى... الآيتين. فقيد القرب بهذا الزمان، وهو زمان تلقي المتلقيين، وهما الملكان الحافظان اللذان يكتبان، كما قال ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ... [ق: ١٨] الآية. ومعلوم أنه لو كان قرب ذات لم يخص ذلك بهذا الحال، ولم يكن لذكر القعيدين الرقيب والعتيد معنى مناسب. وكذلك قوله في الآية الأخرى فَلَوْلا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلكِنْ لا تُبْصِرُونَ [الواقعة: ٨٣- ٨٤]، فإن هذا إما يقال إذا كان هناك من يجوز أن يبصر في بعض الأحوال، لكن نحن لا نبصره، والرب تعالى في هذا الحال لا يراه الملائكة، ولا البشر. وأيضا فإنه قال وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ فأخبر عمن هو أقرب إلى المحتضر من الناس الذين عنده في هذه الحال. وذات الرب سبحانه وتعالى إذا قيل هي في مكان، أو قيل قريبة من كل موجود، لا يختص بهذا الزمان والمكان والأحوال، فلا يكون أقرب إلى شيء من شيء، ولا يجوز أن يراد قرب الرب الخاص، كما في قوله وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ فإن ذاك إنما هو قربه إلى من دعاه أو عبده.
وهذا المحتضر قد يكون كافرا وفاجرا، أو مؤمنا ومقربا. ولهذا قال تعالى: فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ [الواقعة: ٨٨- ٩٤]. ومعلوم أن مثل هذا المكذب لا يخصه الرب بقرب منه، دون من حوله، وقد يكون حوله قوله مؤمنون. وإنما هم الملائكة الذين يحضرون عند المؤمن والكافر، كما قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ [النساء: ٩٧]، وقال تعالى: وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ [الأنفال: ٥٠]، وقال وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ، الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ [الأنعام: ٩٣]، وقال تعالى:
حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ [الأنعام: ٦١]، وقال تعالى: قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ [السجدة: ١١]. ومما يدل على ذلك أنه ذكره بصيغة الجمع فقال: وَنَحْنُ أَقْرَبُ
15
إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ
وهذا كقوله سبحانه: نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [القصص: ٣]، وقال نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ [يوسف: ٣]، وقال: إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ
[القيامة: ١٧- ١٩]، فإن مثل هذا اللفظ إذا ذكره الله تعالى في كتابه، دل على أن المراد أنه سبحانه بجنوده وأعوانه من الملائكة. فإن صيغة (نحن) يقولها المتبوع المطاع المعظم الذي له جنود يتبعون أمره، وليس لأحد جند يطيعونه كطاعة الملائكة ربهم، وهو خالقهم وربهم، فهو سبحانه العالم بما توسوس به نفسه، وملائكته تعلم، فكان لفظ (نحن) هنا هو المناسب. وكذلك قوله:
وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ فإنه سبحانه يعلم ذلك، وملائكته يعلمون ذلك، كما
ثبت في الصحيحين «١» عن النبيّ ﷺ أنه قال: إذا هم العبد بحسنة كتبت له حسنة، فإن عملها كتبت له عشر حسنات. وإذا هم بسيئة لم تكتب عليه، فإن عملها كتبت سيئة واحدة، وإن تركها لله كتبت له حسنة.
فالملك يعلم ما يهم به العبد من حسنة وسيئة، وليس ذلك من علمهم الغيب الذي اختص الله به.
ثم قال: وقوله: وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ، يقتضي أنه سبحانه وجنده الموكلين بذلك، يعلمون ما توسوس به للعبد نفسه، كما قال أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ بَلى وَرُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ [الزخرف: ٨٠]، فهو يسمع، ومن يشاء من ملائكته. وأما الكتابة، فرسله يكتبون كما قال هاهنا: ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق: ١٨]، وقال تعالى:
إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ [يس: ١٢]، وأخبر بالكتابة (نحن) لأن جنده يكتبون بأمره، وفصّل في تلك الآية بين السماع والكتابة، لأنه يسمع بنفسه، وأما كتابه الأعمال فتكون بأمره، والملائكة يكتبون. فقوله: وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مثل قوله: نَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ لما كانت ملائكته متقربين إلى العبد بأمره، كما كانوا كاتبين عمله بأمره، فإن ذلك قربه من كل أحد بتوسط الملائكة، كتكليمه عبده بتوسط الرسل، كما قال تعالى وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ [الشورى:
٥١]، فهذا تكليمه لجميع عباده بواسطة الرسل، وذاك قربه إليهم عند الاحتضار، وعند الأقوال الباطنة في النفس والظاهرة. انتهى كلامه رحمه الله. وقوله تعالى:
(١) أخرجه البخاري في: الرقاق، ٣١- باب من همّ بحسنة أو بسيئة. حديث ٢٤٣٥، عن ابن عباس.
وأخرجه مسلم في: الإيمان، حديث ٢٠٧.
16
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة ق (٥٠) : آية ١٧]
إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ (١٧)
إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ أي ونحن أقرب إلى الإنسان من وريد حلقه حين يتلقى الملكان الحفيظان ما يتلفظ به. ف (إذ) ظرف (لأقرب) وفيه إيذان بأنه غني عن استحفاظ الملكين، فإنه أعلم منهما، ومطلع على ما يخفى عليهما، لكنه لحكمة اقتضته، وهي إلزام الحجة في الأخرى، والتقدم إلى ما يرغبه ويرهبه في الأولى.
وقال القاشاني: بين تعالى بهذه الآية أقربيّته لينتفي القرب بمعنى الاتصال والمقارنة، كما
قال أمير المؤمنين عليه السلام: هو مع كل شيء، لا بمقارنة، إذ الشيء به ذلك الشيء، وبدونه ليس شيئا حتى يقارنه
. أي: يعلم حديث نفسه الذي توسوس به نفسه وقت تلقي المتلقيين، مع كونه أقرب إليه منهما. وإنما تلقيهما للحجة عليه، وإثبات الأقوال والأعمال في الصحائف النورية، للجزاء.
ثم قال: والمتلقي القاعد عن اليمين، هو القوة العاقلة العملية المنتقشة بصور الأعمال الخيرية المرتسمة بالأقوال الحسنة الصائبة. وإنما قعد عن يمينه، لأن اليمين هي الجهة القوية الشريفة المباركة، وهي جهة النفس التي تلي الحق. والمتلقي القاعد عن الشمال هو القوة المتخيلة التي تنتقش بصور الأعمال البشرية البهيمية والسبعية، والآراء الشيطانية والوهمية، والأقوال الخبيثة الفاسدة. وإنما قعد عن الشمال، لأن الشمال هي الجهة الضعيفة الخسيسة المشؤومة، وهي التي تلي البدن، ولأن الفطرة الإنسانية خيّرة بالذات، لكونها من عالم الأنوار، مقتضية بذاتها، وغريزتها الخيرات. والشرور إنما هي أمور عرضت لها من جهة البدن وآلاته وهيئاته، يستولي صاحب اليمين على صاحب الشمال، فكلما صدرت منه حسنة كتبها له في الحال، وإن صدرت منه سيئة منع صاحب الشمال من كتابتها في الحال انتظارا للتسبيح، أي التنزيه عن الغواشي البدنية، والهيئات الطبيعية، بالرجوع إلى مقره الأصليّ، وسنخه الحقيقيّ، وحاله الغريزي، لينمحي أثر ذلك الأمر العارضيّ، بالنور الأصليّ والاستغفار، أي التنوّر بالأنوار الروحية والتوجه إلى الحضرة الإلهية، لينمحي أثر تلك الظلمة العرضية، بالنور الوارد كما روي أن كاتب الحسنات على يمين الرجل، وكاتب السيئات على يساره، وكاتب الحسنات أمين على كاتب السيئات، فإذا عمل حسنة كتبها ملك اليمين عشرا، وإذا عمل سيئة قال صاحب اليمين
لصاحب اليسار: دعه سبع ساعات، لعله يسبح أو يستغفر! انتهى.
وقد كثر في كلام القاشانيّ رحمه الله تأويل الملك بالقوة الحاثة على الخير، والشيطان بالمغوية على الشر. وسبقه إليه الحكماء. قال بعض الحكماء: هذا الشيء الذي أودع فينا ونسميه قوة وفكرا، وهو في الحقيقة معنى لا يدرك كنهه، وروح لا تكتنه حقيقتها، لا يبعد أن يسميه الله تعالى ملكا، ويسمي أسبابه ملائكة، أو ما شاء من الأسماء، فإن التسمية لا حجر فيها على الناس، فكيف يحجر فيها على صاحب الإرادة المطلقة، والسلطان النافذ، والعلم الواسع.
وقد سبق الغزاليّ إلى هذا المعنى، وعبّر عنه بالسبب وقال: إنه يسمى ملكا، فإنه، في شرح عجائب القلب من كتاب (الإحياء)، بعد ما قسم الخواطر إلى محمود ومذموم، قال: وكذلك لأنوار القلب وظلمته سببان مختلفان: فسبب الخاطر الداعي إلى الخير يسمى ملكا، وسببا لخاطر الداعي إلى الشر يسمى شيطانا.. إلخ. والبحث كله غرر، تجدر مراجعته.
لطيفة:
قَعِيدٌ كجليس، بمعنى مجالس، لفظا ومعنى. وإنما أفرد رعاية للفواصل، فحذف الأول لدلالة الثاني عليه، كقوله:
فإني وقيّار بها لغريب
وقيل: يطلق (فعيل) للواحد والمتعدد، كقوله: وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ [التحريم: ٤]، وضعف بأنه ليس على إطلاقه، بل إذا كان (فعيل) بمعنى (مفعول) بشروطه، وهذا بمعنى (فاعل)، فلا يصح فيه ذلك إلا بطريق الحمل على (فعيل) بمعنى (مفعول).
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة ق (٥٠) : آية ١٨]
ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (١٨)
ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ أي ملك يرقب عمله، عَتِيدٌ أي حاضر.
ولما ذكر استبعادهم للبعث، وأزاح ذلك بتحقيق قدرته وعلمه، أعلمهم بأنهم يلاقون ذلك عن قريب، ونبه على اقترابه بلفظ الماضي، فقال سبحانه:
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة ق (٥٠) : آية ١٩]
وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (١٩)
وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ أي شدّته المحيّرة الشاغلة للحواس، المذهلة للعقل بِالْحَقِّ أي بالموعود الحق، والأمر المحقق، وهو الموت، فالباء للملابسة. أو بالموعود الحق من أمر الآخرة، والثواب والعقاب الذي غفل عنه، فالباء للتعدية. أي أحضرت سكرة الموت حقيقة الأمر، وهي أحوالها الباطنة، وأظهرتها عليه.
قال الشهاب: السكرة استعيرت للشدة، ووجه الشبه بينهما أن كلّا منهما مذهب للعقل، فالاستعارة تصريحية تحقيقية. ويجوز أن يشبه الموت بالشراب على طريق الاستعارة المكنية. وإثبات السكرة لها، تخييل. ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ أي تفرّ. والجملة على تقدير القول. أي يقال له في وقت الموت: ذلك الأمر الذي رأيته هو الذي كنت منه تحيد في حياتك، فلم ينفعك الهرب والفرار. وهل المشار إليه بذلك، الحق أو الموت؟ قال الطيبي: إن اتصل قوله: وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ.. إلخ بقوله فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ وما معه، فالمشار إليه بذلك الحق، والخطاب للفاجر. أي جاءك أيها الفاجر الحق الذي أنكرته. وإن اتصل بقوله وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ... إلخ، فالمشار إليه الموت. والالتفات لا يفارق الوجهين. والثاني هو المناسب، لقوله: وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ بعده، وتفصيله أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ [ق: ٢٤]، وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ [ق: ٣١] انتهى.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة ق (٥٠) : الآيات ٢٠ الى ٢١]
وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ (٢٠) وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ (٢١)
وَنُفِخَ فِي الصُّورِ يعني: نفخة البعث ذلِكَ أي النفخ يَوْمُ الْوَعِيدِ أي وقت تحقق الوعيد، بشهود ما قدم من الأعمال وما أخر وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ قال ابن جرير: أي سائق يسوقها إلى الله، وشاهد يشهد عليها بما عملت في الدنيا من خير أو شر. وهل هما ملكان، أو ملك جامع للوصفين، أو الأول ملك، والثاني الإنسان نفسه يشهد على نفسه، أو سائق من أعمالها، إلى مكان جزائها، وشهيد من أجزائها؟ أقوال:
وقال القاشاني: أي سائق من علمه، وشهيد من عمله، لأن كل أحد ينجذب إلى محل نظره، وما اختاره بعلمه. والميل الذي يسوقه إلى ذلك الشيء إنما نشأ من شعوره بذلك الشيء، وحكمه بملاءمته له، سواء كان أمرا سفليا جسمانيا بعثه عليه هواه، وأغراه عليه وهمه وقوّاه أو أمرا علويّا روحانيّا بعثه عليه عقله، ومحبته الروحانية، وحرّضه عليه قلبه وفطرته الأصلية. فالعلم الغالب عليه سائقه إلى معلومه، وشاهده بالميل الغالب عليه، والحب الراسخ فيه.
والعمل المكتوب في صحيفته يشهد عليه بظهوره على صور أعضائه وجوارحه، وينطق عليه كتابه بالحق، وجوارحه بهيئات أعضائه المتشكلة بأعماله.
انتهى.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة ق (٥٠) : آية ٢٢]
لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (٢٢)
لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ في المخاطب بهذا، أقوال ثلاثة:
أحدها- أنه النبيّ صلى الله عليه وسلم، أتى بهذه الجملة معترضة في خلال أمر النبأ الأخروي، تنويها بمنة الإعلام بذلك، والتعريف به، ثم شدة نفوذ البصر به، والوقوف على غوامضه، بعد خلوّ الذهن عنه رأسا. والمعنى: لقد كنت في غفلة من هذا القرآن قبل أن يوحى إليك، فكشفنا عنك غطاءك بإنزاله إليك، فبصرك اليوم حديد، نافذ قويّ، ترى ما لا يرون، وتعلم ما لا يعلمون. ومثله آية ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ [الشورى: ٥٢].
وثانيها- أنه الكافر، وأن الكلام على تقدير القول. أي: يقال له لقد كنت في غفلة من هذا الذي عاينت اليوم من الأهوال، فكشفنا عنك غطاءك، بأن جلينا لك، ذلك، وأظهرناه لعينيك، حتى رأيته وعاينته، فزالت الغفلة عنك. ومثله عن الكفار آية أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنا [مريم: ٣٨]، وآية وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا [السجدة: ١٢].
وثالثها- أنه الإنسان مطلقا، لقوله وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ، والمقصود أنه كشف الغطاء عن البرّ والفاجر، ورأى كل ما يصير إليه.
وعوّل ابن جرير في الأولوية على الثالث.
قال الزمخشري: جعلت الغفلة كأنها غطاء غطى به جسده كله، أو غشاوة غطى بها عينيه، فهو لا يبصر شيئا. فإذا كان يوم القيامة تيقظ، وزالت الغفلة عنه وغطاؤها، فيبصر ما لم يبصره من الحق.
وقال القاشانيّ في تأويل الآية: لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا لاحتجابك بالحس والمحسوسات، وذهولك عنه، لاشتغالك بالظاهر عن الباطن فَكَشَفْنا عَنْكَ بالموت غِطاءَكَ المادّي الجسمانيّ، الذي احتجبت به فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ أي إدراكك لما ذهلت عنه، ولم تصدق بوجوده، قويّ تعاينه. انتهى.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة ق (٥٠) : آية ٢٣]
وَقالَ قَرِينُهُ هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ (٢٣)
وَقالَ قَرِينُهُ أي قرين هذا الإنسان الذي جيء به يوم القيامة معه سائق وشهيد، وهو إما الملك الموكل عليه في الدنيا لكتابة أعماله، وهو الرقيب المتقدم، أو الشيطان الذي قيض له مقارنا له يغويه، وهو الأظهر- كما اعتمده الزمخشري- لآية نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ [الزخرف: ٣٦]، ويشهد له قوله تعالى: قالَ قَرِينُهُ رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ [ق: ٢٧]، هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ أي هذا شيء لديّ حاضر معدّ محفوظ. والإشارة على الأول لما في صحفه، وعلى الثاني للشخص نفسه. أي هذا ما لديّ عتيد لجهنم هيأته بإغوائي لها.
وقال القاشاني: وَقالَ قَرِينُهُ أي من شيطان الوهم الذي غرّه بالظواهر، وحجبه عن البواطن. هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ مهيأ لجهنم. أي ظهر تسخير الوهم إياه في التوجه إلى الجهة السفلية، وأنه ملكه، واستعبده في طلب اللذات البدنية، حتى هيأه لجهنم في قعر الطبيعة. انتهى.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة ق (٥٠) : آية ٢٤]
أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (٢٤)
أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ خطاب من الله تعالى للسائق والشهيد، على أنهما ملكان، لا ملك جامع للوصفين، أو لملكين من خزنة النار، أو لواحد، وتثنية الفاعل منزل منزلة تثنية الفعل، وتكريره على أنه أصله: ألق، ألق، ثم حذف الفعل الثاني، وأبقى ضميره مع الفعل الأول، فثنى الضمير للدلالة على ما ذكر. أو الألف
بدل من نون التأكيد، لأنها تبدل ألفا في الوقف، فأجرى الوصل مجراه- أوجه ذكروها-.
وقال ابن جرير: أخرج الأمر للقرين، وهو بلفظ واحد، مخرج خطاب الاثنين.
وفي ذلك وجهان من التأويل:
أحدهما- أن يكون القرين بمعنى الاثنين، كالرسول، والاسم الذي يكون بلفظ الواحد في الواحد والتثنية والجمع. فردّ قوله: أَلْقِيا إلى المعنى.
والثاني- أن يكون كما كان بعض أهل العربية يقول. وهي أن العرب تأمر الواحد والجماعة بما تأمر به الاثنين، فتقول للرجل: ويلك! ارحلاها، وازجراها، كما قال:
فقلت لصاحبي لا تحبسانا بنزع أصوله واجترّ شيحا
وقال أبو ثروان:
فإن تزجراني يا ابن عفان أنزجر وإن تدعاني أحم عرضا ممنّعا
وسبب ذلك منهم، أن الرجل أدنى أعوانه في إبله وغنمه، اثنان. وكذلك الرفقة أدنى ما تكون ثلاثة. فجرى كلام الواحد على صاحبيه. ألا ترى الشعراء أكثر شيء قيلا: يا صاحبيّ، يا خليليّ. انتهى.
و (الكفّار) المبالغ في جحده وحدانية الله تعالى، وما جاء به رسوله صلوات الله عليه.
و (العنيد) المعاند للحق، وسبيل الهدى، لا يسمع دليلا في مقابلة كفره. وقد زاد على العناد بوصف:
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة ق (٥٠) : آية ٢٥]
مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ (٢٥)
مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ أي الكليّ، وهو الإسلام. أو المال. واستصوب ابن جرير أنه هنا كل حق وجب لله أو لآدميّ في ماله، لأنه لم يخصص منه شيء، فدل على أنه كل خير يمكن منعه طالبه مُعْتَدٍ أي متجاوز الحد في الاعتداء على الناس، بالبذاء والفحش في المنطق، وبيده بالسطوة والبطش ظلما، كما قال قتادة: معتد في منطقه وسيرته وأمره.
مُرِيبٍ أي شاكّ في الحق، أو موقع صاحبه في الريب مع كثرة الدلائل.
وقال القاشانيّ: الخطاب في أَلْقِيا للسائق والشهيد اللّذين يوبقانه ويلقيانه ويهلكانه في أسفل غياهب مهواة الهيولى الجسمانية، وغيابة جب الطبيعة الظلمانية، في نيران الحرمان. أو لمالك. والمراد بتثنية الفاعل تكرار الفعل، كأنما قال: ألق، ألق، لاستيلائه عليهم في الإبعاد والإلقاء إلى الجهة السفلية. ويقوّي الأول:
أنه عدد الرذائل الموبقة، التي أوجبت استحقاقهم لعذاب جهنم، ووقوعهم في نيران الجحيم، وبيّن أنها من باب العلم والعمل. والكفران ومنع الخير، كلاهما من إفراط القوة البهيمية الشهوانية، لانهماكها في لذاتها، واستعمالها نعم الله تعالى في غير مواضعها من المعاصي والاحتجاب عن المنعم بها، ومن حقها أن تذكره، وتبعث على شكره، ومكالبتها عليها، لفرط ولوعها بها، فتمنعها عن مستحقيها. وذكرهما على بناء المبالغة، ليدل على رسوخ الرذيلتين فيه، وغلبتهما عليه، وتعمقه فيهما، الموجب للسقوط عن رتبة الفطرة في قعر بئر الطبيعة. والعنود والاعتداء، كلاهما من إفراط القوة الغضبية، واستيلائها، لفرط الشيطنة، والخروج عن حد العدالة. والأربعة من باب فساد العمل. والريب والشرك. كلاهما من نقصان القوة النطقية، وسقوطها عن الفطرة، بتفريطها في جنب الله، وتصورها عن حد القوة العاقلة. وذلك من باب فساد العلم. انتهى.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة ق (٥٠) : آية ٢٦]
الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَأَلْقِياهُ فِي الْعَذابِ الشَّدِيدِ (٢٦)
الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ أي: عبد معه معبودا آخر من خلقه فَأَلْقِياهُ فِي الْعَذابِ الشَّدِيدِ أي عذاب جهنم.
لطيفة:
الموصول إما مبتدأ مضمن معنى الشرط، وخبره فَأَلْقِياهُ أو مفعول لمضمر يفسره فَأَلْقِياهُ أو بدل من (كل كفار) فيكون (فألقياه) تكريرا للتوكيد. قيل على الأخير: إنه مخالف لما ذكره أهل المعاني من أن بين المؤكد والمؤكد شدة اتصال تمنع من العطف. وأجيب: بأنه من باب (وحقك ثم حقك) نزل التغاير بين المؤكد والمؤكد، والمفسّر والمفسّر منزلة التغاير بين الذاتين بوجه خطابي. ولو جعل (العذاب الشديد) نوعا من عذاب جهنم ومن أهواله، على أنه من باب
وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ [البقرة: ٩٨]، كان حسنا.
قال الشهاب (بعد نقله ما ذكر) : قال ابن مالك في (التسهيل) : فصل الجملتين في التأكيد ب (ثم) إن أمن اللبس، أجود من وصلهما. وذكر بعض النحاة الفاء. وذكر الزمخشريّ في (الجاثية) الواو أيضا. واتفق النحاة على أنه تأكيد اصطلاحيّ، وكلام أهل المعاني في إطلاق منعه غير سديد. انتهى.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة ق (٥٠) : آية ٢٧]
قالَ قَرِينُهُ رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ وَلكِنْ كانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (٢٧)
قالَ قَرِينُهُ أي قرين هذا الإنسان الكفار المناع للخير، وهو شيطانه الذي كان موكلا به في الدنيا، متبرئا منه رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ أي بالإرابة ومنع الإسلام، وجعل إله آخر معك وَلكِنْ كانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ أي في طريق جائر عن سبيل الهدى، جورا بعيدا بنفسه.
قال القاشاني: وقول الشيطان ما أَطْغَيْتُهُ... إلخ كقوله إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ [إبراهيم: ٢٢]، لأنه لو لم يكن في ضلال عن طريق التوحيد، بعيد عن الفطرة الأصلية بالتوجه إلى الجهة السفلية، والتغشي بالغواشي المظلمة الطبيعية، لم يقبل وسوسة الشيطان، وقبل إلهام الملك.
فالذنب إنما يكون عليه بالاحتجاب من نور الفطرة، واكتساب الجنسية مع الشيطان في الظلمة. انتهى.
وقال ابن جرير: وإنما أخبر تعالى عن قول قرين الكافر له يوم القيامة، إعلاما منه عباده، تبرّأ بعضهم من بعض يوم القيامة.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة ق (٥٠) : آية ٢٨]
قالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (٢٨)
قالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ أي لا تختصموا اليوم في دار الجزاء، وموقف الحساب، فلا فائدة في اختصامكم، وقد قدمت إليكم في الدنيا بالوعيد لمن كفر بي وعصاني، وخالف أمري ونهيي في كتبي، وعلى ألسن رسلي.
قال القاشاني: النهي عن الاختصام ليس المراد به انتهاءه، بل عدم فائدته،
والاستماع إليه. كأنه قال: لا اختصام مسموع عندي. وقد ثبت وصح تقديم الوعيد، حيث أمكن انتفاعكم به، لسلامة الآلات، وبقاء الاستعداد، فلم تنتفعوا به، ولم ترفعوا لذلك رأسا، حتى ترسخت الهيئات المظلمة في نفوسكم، ورانت على قلوبكم، وتحقق الحجاب، وحق القول بالعذاب. انتهى.
وعن ابن عباس: أنهم اعتذروا بغير عذر، فأبطل الله حجتهم، ورد عليهم قولهم.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة ق (٥٠) : آية ٢٩]
ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَما أَنَا بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (٢٩)
ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ قال ابن جرير: ما يغير القول الذي قلته لكم في الدنيا وهو قوله: لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، ولا قضائي الذي قضيته فيهم فيها.
وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ أي فلا أعذب أحدا بذنب غيره، ولكن بذنبه بعد قيام الحجة عليه.
وقال القاشاني: وَما أَنَا بِظَلَّامٍ حيث وهبت الاستعداد، وأنبأت على الكمال المناسب له وهديتكم إلى طريق اكتسابه، بل أنتم الظلامون أنفسكم باكتساب ما ينافيه، وإضاعة الاستعداد بوضع النور في الظلمة، واستبدال ما يفنى بما يبقى.
تنبيهات:
الأول- ظاهر الآيات أن هذا التقاول على حقيقته، إذ لا مانع منها. وذهب بعض المفسرين إلى أنها مجاز.
قال القاشانيّ: هذه المقاولات كلها معنوية، مثلت على سبيل التخييل والتصوير، لاستحكام المعنى في القلب، عند ارتسام مثاله في الخيال. فادعاء الكافر الإطغاء على الشيطان. وإنكار الشيطان إياه، عبارة عن التنازع والتجاذب الواقع بين قوتيه: الوهمية والعقلية، بل بين كل اثنتين متضادتين من قواه: كالغضبية والشهوية مثلا. ولهذا قال: لا تَخْتَصِمُوا ولما كان الأمران في وجوده هما العقلية والوهمية، كان أصل التخاصم بينهما. وكذا يقع التخاصم بين كل متحاورين متخاوضين في أمر، لتوقع نفع أو لذة، يتوقفان ما دام مطلوبهما حاصلا، فإذا حرما أوقعا بسعيهما في خسران وعذاب، تدارءا، أو نسب كل منهما التسبب في ذلك إلى
25
الآخر، لاحتجابهما عن التوحيد، وتبرؤ كل منهما عن ذنبه، لمحبة نفسه. ولذلك قال حارثة رضي الله عنه للنبيّ عليه السلام: ورأيت أهل النار يتعاورون. وصوّب عليه السلام قوله. انتهى.
الثاني إن قلت: لم طرحت الواو من جملة قالَ قَرِينُهُ وذكرت في الأولى؟
قلت: لأنها استؤنفت كما تستأنف الجمل الواقعة في حكاية التقاول، كما رأيت في حكاية المقاولة بين موسى وفرعون.
فإن قلت: أين المقاولة؟ قلت: لما قال قرينه هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ وتبعه قوله: قالَ قَرِينُهُ رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ وتلاه لا تَخْتَصِمُوا علم أن ثمّ مقاولة من الكافر، لكنها طرحت للدلالة عليها من السياق كأنه لما قال القرين: هذا ما لديّ عتيد، قال الكافر: ربّ هو أطغاني، فلما قال الكافر ذلك، قال القرين: ما أطغيته، فلما حكى قول القرين والكافر كأن قائلا يقول: فماذا قال الله تعالى؟ فقيل: قال لا تختصموا لديّ. وذكر الواو في الجملة الأولى لأنها أول المقاولة، ولا بد من عطفها للدلالة على الجمع بين معناها ومعنى ما قبلها في الحصول، أعني مجيء كل نفس مع الملكين، وقول قرينه ما قاله له- هذا ملخص ما في الكشاف-.
الثالث- جوز قوله تعالى: بِالْوَعِيدِ أن تكون الباء زائدة في المفعول، وأن يكون حالا من الفاعل أو المفعول، والباء للملابسة، أو المعية، والمعنى: قدمت هذا القول موعدا لكم به، أو حال كون القول ملتبسا بالوعيد، أو من لا تَخْتَصِمُوا على تأويل تقديم الوعيد بالعلم به. أي: لا تختصموا عالمين به. وذلك لتصح الحالية، ويكون بينها وبين عاملها مقارنة على اصطلاحهم.
الرابع- دل قوله تعالى: ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ على أنه لا خلف في إيعاد الله تعالى، كما لا إخلاف في ميعاد الله. وهذا يرد على المرجئة، حيث قالوا: ما ورد في القرآن من الوعيد فهو تخويف، لا يحقق الله شيئا منه، وقالوا: الكريم إذا وعد أنجز ووفّى، وإذا أوعد أخلف وعفا- أفاده الرازيّ-.
ووجه الاستدلال أنه لو صح ما ذكروه للزم تبديل قوله تعالى، والخلف في أخباره- تقدس عن ذلك- مع أن طبيعة الذنب تقتضي العقوبة، إلا أن يتاب منه، أو يشاء تعالى العفو عنه.
الخامس- ذكروا في سر المبالغة في بِظَلَّامٍ وجوها:
26
منها- أن (فعّالا) قد ورد بمعنى (فاعل)، فهذا منه.
ومنها اعتبار كثرة الخلق.
ومنها- أن المنسوب في المعتاد إلى الملوك من الظلم تحت ظلمهم، إن عظيما فعظيم، وإن قليلا فقليل. فما كان ملك الله تعالى على كل شيء ملكه، قدس ذاته عما يتوهم مخذول، والعياذ بالله، أنه منسوب إليه من ظلم تحت شمول كل موجود.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة ق (٥٠) : آية ٣٠]
يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (٣٠)
يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ قال ابن جرير: فيه لأهل التأويل قولان:
الأول- أن معناه: ما من مزيد. فعن مجاهد قال: وعدها الله ليملأنها فقال:
هلا وفّيتك؟ قالت: وهل من مسلك؟!.
الثاني- معناه: زدني أي: فالاستفهام على الأول إنكاريّ. معناه النفي، وأيد بآية لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ [هود: ١١٩] و [السجدة: ١٣]، والقرآن يفسر بعضه بعضا.
وعلى الثاني تقريريّ، دلالة على سعتها. بحيث يدخلها من يدخلها، وفيها فراغ وخلوّ. كأنه يطلب الزيادة.
فإن قيل: الوجه الثاني، وهو كونها فيها فراغ، مناف لصريح النظم من قوله لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ.. الآية، قلت لا منافاة بينهما كما توهم، لأن الامتلاء قد يراد به أنه لا يخلو طبقة منها عمن يسكنها، وإن كان فيها فراغ كثير. كما يقال: إن البلدة ممتلئة بأهلها، ليس فيها دار خالية، مع ما بينها من الأبنية والأفضية. أو هذا باعتبار حالين.
فالفراغ في أول دخول أهلها فيها، ثم يساق إليها الشياطين ونحوهم فتمتلئ.
تنبيه:
ذهب جماعة إلى أن المقاولة في الآية مجاز على طريق الاستعارة التمثيلية، وأن جهنم لشدة توقدها وزفيرها. وتهافت الكفرة والعصاة، وقذفهم فيها كأنها طالبة للزيادة.
وآخرون إلى أن ذلك حقيقة.
قال الناصر في (الانتصاف) : إنا نعتقد أن سؤال جهنم وجوابها حقيقة، وأن الله تعالى يخلق فيها الإدراك بذلك بشرطه. وكيف نفرض، وقد وردت الأخبار وتظاهرت على ذلك؟ منها هذا، ومنها لجاج الجنة والنار، ومنها اشتكاؤها إلى ربها، فأذن لها في نفسين. وهذه وإن لم تكن نصوصا، فظواهر يجب حملها على حقائقها، لأنا متعبدون باعتقاد الظاهر، ما لم يمنع مانع، ولا مانع هاهنا، فإن القدرة صالحة، والعقل يجوّز، والظواهر قاضية بوقوع ما جوّزه العقل. وقد وقع مثل هذا قطعا في الدنيا، كتسليم الشجر، وتسبيح الحصى في كف النبيّ ﷺ وفي يد أصحابه. ولو فتح باب المجاز والعدول عن الظاهر في تفاصيل المقالة، لا تسع الخرق، وضل كثير من الخلق عن الحق. وليس هذا كالظواهر الواردة في الإلهيات مما لم يجوز العقل اعتقاد ظاهرها، فإن العدول فيها عن ظاهر الكلام بضرورة الانقياد إلى أدلة العقل المرشدة إلى المعتقد الحق. انتهى.
قال الشهاب: وهو كلام حسن، وأمور الآخرة لا ينبغي أن تقاس على أمور الدنيا. انتهى.
ولا تنس ما قلناه مرارا من أن اللغة لا تنحصر في الحقيقة، وأن أكثر اللغة مجاز لا حقيقة، كما أوضحه السيوطي في (المزهر) والجرجاني في (أسرار البلاغة). وفي شواهد العرب الكثيرة ما يؤيد المجاز، ولا محذور فيه، عدا عن كونه أبلغ، كما قرروه. وبالجملة فالنظم الكريم يحتملها- والله أعلم-.
و (يوم) منصوب ب (ظلّام) أو بمضمر، نحو: اذكر وأنذر. و (المزيد) إما مصدر كالمحيد، أو اسم مفعول كالمبيع.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة ق (٥٠) : آية ٣١]
وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (٣١)
وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ أي قربت وأدنيت لِلْمُتَّقِينَ أي للذين اتقوا ربهم فخافوا عقوبته، بأداء فرائضه. واجتناب معاصيه غَيْرَ بَعِيدٍ أي مكانا غير بعيد. فهو صفة للظرف قام مقامه، أو حال من الجنة. وتذكيره لأنه صفة مذكر. أي: شيئا غير بعيد.
أو تأويل الجنة بالبستان. أو لكونها على زنة المصدر الذي من شأنه أن يستوي فيه المذكر والمؤنث، فعومل معاملته، وأجري مجراه. وعلى كل فهو للتأكيد، ودفع التجوز، فلا يقال بعد ذكر كونها قربت، لا يحتاج إلى كونها غير بعيدة.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة ق (٥٠) : آية ٣٢]
هذا ما تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (٣٢)
هذا أي الثواب أو الإزلاف ما تُوعَدُونَ أيها المتقون لِكُلِّ أَوَّابٍ أي راجع عن معصية الله إلى طاعته، تائب من ذنوبه حَفِيظٍ أي حافظ على فرائض الله وما ائتمنه عليه.
وقال القاشانيّ: أي محافظ على صفاء فطرته ونوره الأصلي، كي لا يتكدر بظلمة النفس و (لكل) بدل من (للمتقين) بإعادة الجار.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة ق (٥٠) : آية ٣٣]
مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ وَجاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (٣٣)
مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ أي خاف الله في سره. وقال القاشانيّ: أي من اتصف بالخشية، وصارت الخشية مقامه. و (من) بدل بعد بدل، أو خبر لمحذوف.
أي هم من خشي. أو مبتدأ خبره ما بعده بتأويل (يقال لهم ادخلوها.. إلخ) وَجاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ أي جاء ربه بقلب تائب من ذنوبه، راجع مما يكرهه تعالى إلى ما يرضيه.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة ق (٥٠) : الآيات ٣٤ الى ٣٥]
ادْخُلُوها بِسَلامٍ ذلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (٣٤) لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها وَلَدَيْنا مَزِيدٌ (٣٥)
ادْخُلُوها بِسَلامٍ أي يقال لهم ادخلوا هذه الجنة بأمان من الهم والحزن والخوف. ذلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها أي مما تشتهيه نفوسهم، وتلذه أعينهم وَلَدَيْنا مَزِيدٌ أي مما لا يخطر على بالهم، مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة ق (٥٠) : آية ٣٦]
وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ (٣٦)
وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ أي قبل هؤلاء المشركين من قريش مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً أي قوة، كعاد وفرعون وثمود فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ أي فضربوا فيها وساروا وطافوا أقاصيها. قال امرؤ القيس:
لقد نقّبت في الآفاق حتى رضيت من الغنيمة بالإياب
هَلْ مِنْ مَحِيصٍ أي هل كان لهم، بتنقيبهم في البلاد، من معدل عن الهلاك الذي وعدوا به لتكذيبهم الحق. والضمير على هذا في (نقبوا) للقرن الذين هم أشد بطشا. وجوز عوده لهؤلاء المشركين. أي ساورا في أسفارهم في بلاد القرون، فهل رأوا لهم محيصا حتى يتوقعوا مثله لأنفسهم؟.
قال ابن جرير: وقرأت القراء قوله فَنَقَّبُوا بالتشديد وفتح القاف، على وجه الخبر عنهم. وذكر عن يحيى بن يعمر أنه كان يقرأ فَنَقَّبُوا بكسر القاف، على وجه التهديد والوعيد. أي طوفوا في البلاد وترددوا فيها، فإنكم لن تفوتونا بأنفسكم.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة ق (٥٠) : آية ٣٧]
إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (٣٧)
إِنَّ فِي ذلِكَ أي في إهلاك القرون التي أهلكت من قبل قريش لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أي لتذكرة يتذكر بها من كان له عقل من هذه الآمة، فينتهي عن الفعل الذي كانوا يفعلونه من كفرهم بربهم، خوفا من أن يحل بهم مثل الذي حلّ بهم من العذاب.
أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ أي أصغى للأخبار، عن هذه القرون التي أهلكت، بسمعه.
وَهُوَ شَهِيدٌ أي حاضر القلب، متفهم لما يخبر به عنهم، غير غافل ولا ساه.
على أن (شهيد) من الشهود، وهو الحضور. والمراد: المتفطن، لأن غير المتفطن كالغائب، فهو استعارة أو مجاز مرسل. أو (شهيد) بمعنى شاهد، وفيه مضاف مقدر. أي: شاهد ذهنه. أو هو من الشهادة، والمراد: شاهد بصدقه، أي: مصدق له، لأنه المؤمن الذي ينتفع به. أو هو كناية عن المؤمن- نقله الشهاب-.
لطيفة:
قيل: (أو) لتقسيم المتذكر إلى تال وسامع، أو إلى فقيه ومتعلم، أو إلى عالم كامل الاستعداد لا يحتاج لغير التأمل فيما عنده، وقاصر محتاج للتعلم فيتذكر إذا أقبل بكليته، وأزال الموانع بأسرها. وفي تنكير (القلب) وإبهامه، تفخيم وإشعار بأن كل قلب لا يتفكر ولا يتدبر، كلا قلب.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة ق (٥٠) : آية ٣٨]
وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ (٣٨)
وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ أي إعياء.
قال قتادة: أكذب الله اليهود وأهل الفري على الله، وذلك أنهم قالوا إن الله خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استراح يوم السابع، وذلك عندهم يوم السبت وهم يسمونه يوم الراحة.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة ق (٥٠) : الآيات ٣٩ الى ٤٠]
فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ (٣٩) وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبارَ السُّجُودِ (٤٠)
فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ يعني: المشركين من إنكار البعث والتوحيد والنبوة وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبارَ السُّجُودِ أي أعقاب الصلوات. والمراد بالتسبيح إما ظاهره، وهو قرين التحميد، أو هو الصلاة، من إطلاق الجزء، أو اللازم على الكل، أو الملزوم. فالصلاة قبل الطلوع، الصبح.
وقبل الغروب، الظهر والعصر. ومن الليل، العشاآن والتهجد. وأدبار السجود. النوافل بعد المكتوبات.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة ق (٥٠) : الآيات ٤١ الى ٤٢]
وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ (٤١) يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ (٤٢)
وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ أي استمع، أي لما أخبرك به من أهوال القيامة. يوم ينادي مناديها من كل مكان قريب، بحيث يصل نداؤه إلى الكل على سواء.
قال القاضي: ولعله في الإعادة نظير (كن) في الإبداء، أي فهو تمثيل لإحياء الموتى بمجرد الإرادة، وإن لم يكن نداء وصوت.
وفي ورود الأمر مطلقا، ثم تبيينه بما بعده، تهويل وتعظيم للمخبر به، لما في الإبهام ثم التفسير، من التهويل والتفخيم لشأن المحدث عنه.
يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ أي صيحة البعث من القبور، والحشر للجزاء بِالْحَقِّ قال ابن جرير: يعني بالأمر بالإجابة لله إلى موقف الحساب.
ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ أي من القبور.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة ق (٥٠) : آية ٤٣]
إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ (٤٣)
إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ أي في الدنيا بإفاضة نور الحياة أو قطعه وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ أي مصير الجميع يوم القيامة.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة ق (٥٠) : آية ٤٤]
يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِراعاً ذلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنا يَسِيرٌ (٤٤)
يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِراعاً أي فيخرجون منها مسرعين ذلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنا يَسِيرٌ أي ذلك الإخراج لهم جمع في موقف الحساب، علينا سهل بلا كلفة.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة ق (٥٠) : آية ٤٥]
نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ (٤٥)
نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ يعني: مشركي مكة، من فريتهم على الله ورسوله، وإنكارهم قدرته تعالى على البعث. وهو تسلية لرسول الله ﷺ وتهديد لهم. وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ أي بمسلط ومسيطر تقهرهم على الإيمان فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ أي بل إنما بعثت مذكرا ومبلغا، فذكر بما أنزل إليك من يخاف الوعيد الذي أوعد به من عصى وطغى، فإنه ينتفع به.
ومن دعاء قتادة: اللهم اجعلنا ممن يخاف وعيدك، ويرجو موعدك، يا بارّ يا رحيم!
Icon