تفسير سورة النجم

التفسير المظهري
تفسير سورة سورة النجم من كتاب التفسير المظهري .
لمؤلفه محمد ثناء الله المظهري . المتوفي سنة 1225 هـ

سورة النّجم
مكّيّة وهى اثنان وستّون اية وثلث ركوعات بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
وَالنَّجْمِ إِذا هَوى قال ابن عباس فى رواية الوالبي والعوفى يعنى الثريا إذ أسقطت وهويه مغيبه والعرب يسمى الثريا نجما وجاء فى الحديث عن ابى هريرة مرفوعا ما طلع النجم قط وفى الأرض من العاهة شىء الا رفع وأراد بالنجم الثريا ذكره البغوي ورواه احمد بلفظ ما طلع النجم صباحا قط ويقوم عاهة الا ورفعت عنهم او خفت وسنده ضعيف- وقال مجاهد نجوم السماء كلها حين تغرب واللام للجنس سمى الكواكب نجما بطلوعه وكل طالع نجم يقال نجم السن والقران والسنة وروى عن عكرمة عن ابن عباس انه الرجوم من النجوم يعنى ما يرمى به الشياطين عن استراقهم السمع وقال ابو حمزة الثمالي النجوم إذا انتثرت يوم القيامة وقال ابن عباس فى رواية عطاء المراد بالنجم القران فسمى نجما لانها نزلت نجوما متفرقة فى ثلثة وعشرين سنة يسمى التفريق تنجيما والمفرق منجما وقال الكلبي الهوى النزول من أعلى الى أسفل وقال الأخفش النجم هو النبت الذي لا ساق له ومنه قوله تعالى والنجم والشجر يسجد ان وهويه سقوط على الأرض وقال جعفر الصادق رض يعنى محمدا - ﷺ - إذا نزل من السماء ليلة المعراج والهوى النزول وقيل المراد بالنجم المسلم وبهويه دفنه فى القبر والظرف لا يجوز ان يكون متعلقا بفعل قسم مقدر لان القسم لا يتعدى بذلك الوقت ولا ان يكون الظرف صفة منجم لانه جثة وظرف الزمان لا يكون صفة للجثه بل هو متعلق بحدث مقدر مضاف الى النجم تقديره وتحرك النجم إذا هوى وقيل إذا هاهنا اسم وليس بظرف وهو بدل اشتمال من النجم مقسم به ووجه تعين هذا الوقت للقسم ان وقت الهوى أفضل اوقات النجم لانه ان كان المراد بالنجم الثريا او مطلق النجم فان أريد بهواه سقوط شعلة منه لرجم الشياطين- فلا شك ان رجم الشياطين مقصود من خلقة النجوم وان أريد به انتشاره يوم القيامة فذلك وقت إتمام المقاصد التي قصد بالنجوم وان أريد به غروبه فغروبه أوضح دليل على إمكانه ووجود صانعه ولذا استدل الخليل عليه السلام بالأفول من الكواكب والقمر والشمس حيث قال فلما أفل لا أحب الآفلين وان أريد به نجم القران وبهويه نزوله او بالنجم محمد - ﷺ - وبهويه نزوله من السماء ليلة المعراج فلا شك ان نزول القران لهداية الناس ونزول محمد - ﷺ - بعد عروجه لهداية الخلق نعمة جليلة من الله تعالى لا نطير لهما وان أريد بالنجم المسلم
وبهويه دفنه فى القبر فلا شك ان دفن المسلم مع إيمانه سالما عن تسويلات النفس والشيطان غانما بنعمة الايمان والأعمال الصالحة وقت كماله وزوال حظر زواله والله تعالى اعلم وجواب القسم.
ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ محمد - ﷺ - عن طريق الهدى وَما غَوى ج فى اتباع طريق الباطل قيل الضلال ضد الهداية والغى ضد الرشد يعنى هو مهتد راشد وليس كما تزعمون يا معشر قريش وتنسبونه الى الضلال والغى.
وَما يَنْطِقُ بالقران ولا بغيره عطف على ما ضل عَنِ الْهَوى ط صفة لمصدر محذوف يعنى نطقا ناشيئا عن الهوى يعنى لم يتقول القران من تلقاء نفسه كما يتقول الشعراء وكذا كل ما يتكلم ليس منشاؤه الهوى النفسانية بل مستند الى الوحى جلى او خفى وان كان باجتهاد مامور من الله تعالى مقرر من الله عليه فهو ليس عن الهوى البتة.
إِنْ هُوَ الضمير راجع الى القران المعهود فى الدهن والمدلول فيما سبق من الكلام إِلَّا وَحْيٌ يُوحى فليس فى هذه الاية ما يدل على انه - ﷺ - ما كان يتكلم بالاجتهاد والجملة تعليل بقوله ما ينطق.
عَلَّمَهُ يعنى محمدا - ﷺ - الضمير المنصوب مفعول أول لعلم والقران او ما يوحى اليه عليه السلام مطلقا من حيث انه اسم لكلام تام قايم مقام مفعولية الثاني والثالث وفاعله شَدِيدُ الْقُوى جمع قوة والمراد به الله سبحانه القوى المتين.
ذُو مِرَّةٍ المرة القوة الشدة والاصالة والاحكام كذا فى القاموس والله سبحانه شديد البطش يحكم اصل كل شىء وجملة علمه مع ما عطف عليه حال من الضمير المستكن فى يوحى او صفة بعد صفة فَاسْتَوى عطف على علمه والاستواء من المتشابهات قال السلف فى قوله تعالى الرحمن على العرش استوى ان الاستواء معلوم بلا كيف وقال سهيل بن عبد الله التستري لا يجوز لمومن ان يقول كيف الاستواء لمن خلق الاستواء ولنا عليه الرضا والتسليم وقال مالك بن انس الكيف غير معقول والاستواء غير مجهول والسؤال عنه بدعة وحاصل الاية انه كان لله تعالى إذا علم محمدا - ﷺ - نسبته به عليه السلام مجهول الكيفية كنسبته مع العرش المجيد والكعبة الحسناء وقد تظهر تلك النسبة للصوفية الكرام وتظهر على وجه أكمل منه يوم يرونه كما يرون القمر ليلة البدر.
وَهُوَ يعنى محمدا - ﷺ - بِالْأُفُقِ الْأَعْلى يعنى كان محمد - ﷺ - إذا يوحى اليه فى كمال رفعة استعداده وعلو مرتبته والأفق الناحية على منتهى دايرة الإمكان حيث يكون وراء ذلك دايرة الوجوب التي لا يتصور هناك للسالك سير قدمى والجملة حال من الضمير المنصوب فى علمه.
ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى
بحذف المضافين ان كان مقدار قربه قاب قوسين او ادنى وجملة ثم دنى عطف على علمه قال البغوي روينافى قصة المعراج عن شريك بن عبد الله بن انس ودنى الجبار رب العزة فتدلى حتى كان منه - ﷺ - قاب قوسين او ادنى قال الشيخ محمد حيات السندي فى رسالته هذا حديث غريب ومثله عن ابن عباس رواه ابو سلمة عنه واو هاهنا ليس للشك بل بمعنى بل كما فى قوله تعالى وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ يعنى بل يزيدون قالت الصوفية العلية المراد بقوسين قوس الوجوب وقوس الإمكان فالصوفى فى مرتبة دنوه قاب قوسين يبقى فى نظره مرتبتى الوجوب والإمكان كلتيهما وفى دنوه أدنى من قوسين يستر عن بصيرته قوس الإمكان مطلقا لا يرى نفسه عينا ولا اثرا والقاب والقيبة والقاد والقيد عبارة عن المقدار وهاهنا كناية عن كمال القرب وأصله ان الحليفين من العرب كانا إذا أراد عقد الصفا والعهد خرجا بقوسيهما وألصقا بينهما يريدان بذلك انهما متظاهران يحامى كل واحد منهما عن صاحبه ومراتب الدنو والتدلي وما كنى بقاب قوسين او بما هو ادنى منه درجات قرب للعهد من الله تعالى فى تجلياته سبحانه يدركه الصوفي ومن لم يذق لم يدر وقد ذكروا هذه الدرجات فى كتب التصوف فى كلماتهم اكثر مما تحصى وقال الضحاك معناه دنى محمد من ربه فتدلى يعنى فاهوى للسجود وهذا يستلزم انتشار الضمائر.
فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ
يعنى محمدا - ﷺ - ما أَوْحى
ط من القران وغيره من الوحى الغير المتلو وضمائر اوحى وعبده واوحى راجعة الى شديد القوى وهذا التفسير مروى عن انس وابن عباس وغيرهما من السلف ولا غبار عليه من حيث العربية وقالت عائشة رض واختاره اكثر المفسرين ان المراد بشديد القوى جبرئيل عليه السلام ذو مرة قال ابن عباس فى رواية اى ذو منظر حسن وقال قتادة وخلق طويل حسن فاستوى جبرئيل وهو يعنى محمد ﷺ عطف على الضمير المرفوع المستتر فى استوى على ما اجازه الكوفيون قال البغوي استوى جبرئيل ومحمد عليهما السلام ليلة المعراج وقيل ضمير هو راجع الى جبرئيل كان يأتي رسول الله - ﷺ - فى صورة الآدميين كما كان يأتي النبيين فساله رسول الله - ﷺ - ان يره نفسه على صورة التي خلقها فاراه مرتين فى الأرض ومرة فى السماء فاما فى الأرض ففى الأفق الأعلى والمراد بالأعلى جانب المشرق وذلك ان محمدا - ﷺ - كان بحراء فطلع له جبرئيل من المشرق فسد الأفق الى المغرب فخر رسول الله - ﷺ - مغشيا عليه فنزل جبرئيل فى صورة الآدميين وضمه - ﷺ - الى نفسه وجعل يمسح الغبار عن وجهه واما فى السماء فعند سدرة المنتهى ليلة المعراج ولم يره أحد من
105
الأنبياء على تلك الصورة الا محمد - ﷺ - قوله تعالى ثُمَّ دَنا يعنى جبرئيل بعد استوائه بالأفق الأعلى من الأرض فتدلى فنزل الى محمد - ﷺ - لما خرّ رسول الله - ﷺ - مغشيا عليه فكان منه قاب قوسين او ادنى يعنى بل ادنى والقوس ما يرمى به فى قول مجاهد وعكرمة وعطاء عن ابن عباس فاخبر انه كان بين جبرئيل وبين محمد - ﷺ - مقدار قوسين قال معناه حيث الوتر من القوس وقال ابن مسعود قاب قوسين قدر ذرا عين وهو قول سعيد بن جبير وشفيق بن سلمة والقوس الذراع يقاس بها كل شىء كذا روى البخاري فى تاويل الاية عن عائشة رض وقال البغوي وبه قال ابن عباس والحسن وقتادة قيل فى الكلام تقديم وتأخير تقديره ثم تدلى فدنى لان التدلي سبب الدنو والظاهر ان الدنو أعم مطلقا عن التدلي فان الدنو لا يقتضى وصول الشيء الى منتهى مسافة يريد قطعها الى تحت بخلاف التدلي فانه ماخوذ من الدلو فان التدلي وصول الدلو الى قعر البير وايضا يعتبر فى التدلي الوصول الى المنتهى مع بقاء تعلقه بالمبدأ يتال ادلى رجله من السرير وادلى دلوه والدوالي للثمر المعلق فاوحى جبرئيل الى عبده يعنى عبد الله وما اوحى الله اليه وهذا التأويل يأباه العربية والمعقول بوجوه أحدها ان قصة جبرئيل هذه حكاية حال والكلام فى ان القران ليس شيأ منها مما نطقه محمد - ﷺ - من تلقاء نفسه بل كله مما اوحى اليه من ربه وجملة شديد القوى مع ما عطف عليه من قوله فاستوى وهو بالأفق الأعلى ثم دنى فتدلى فكان قاب قوسين او ادنى حال من الضمير المستكن فى قوله الا وحي يوحى وزمان الحال يتحد مع زمان صاحبه فمقتضى الكلام وقوع تلك القصة فى كل مرة اوحى اليه شىء من القران والا لا يجوز وقوعه حالا او لا يجوز القول بان القران كله كذلك ثانيها انه يلزم حينئذ انتشار الضمائر فى قوله تعالى فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى
ورجوع ضمير عبده الى الله سبحانه قرينة لكونه ضميرا وحي راجعا الى الله تعالى ثالثها ان الدنو او التدلي من جبرئيل عليه السلام وكونه قاب قوسين او ادنى ليس كما لا للنبى - ﷺ - فان النبي - ﷺ - كان أفضل من جبرئيل عليه السلام قال رسول الله - ﷺ - وزير اى فى السماء جبرئيل وميكائيل ووجه القول بالتأويل الثاني انما هو استبعاد الاستواء والدنو والتدلي الى الله تعالى ولما كان القران ناطقا بان منه آيات محكمات هن أم الكتاب واخر متشابهات فلا وجه للقول بهذا التأويل البعيد والاستواء والدنو والتدلي وكونه قاب قوسين او ادنى بلا كيف على ما يليق بالتنزيه مشهود لارباب القلوب كمشاهدة القمر ليلة البدر فالاوجه فى القول ما قالوا والله تعالى اعلم قال سعيد بن جبير فى قوله تعالى فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى
انه اوحى اليه أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى الى قوله ورفعنا لك ذكرك
106
وقيل اوحى اليه ان الجنة لحرمة على الأنبياء حتى تدخلها أنت وعلى
الأمم حتى يدخلها أمتك والظاهر أن ما اوحى عام ولا وجه للتخصيص.
ما كَذَبَ الْفُؤادُ اى فواد محمد - ﷺ - ما رَأى قال ابن مسعود راى محمد - ﷺ - جبرئيل له ستمائة جناح وكذا روى عن عائشة رض وأنكرت عائشة روية النبي - ﷺ - وبه روى البخاري عن مسروق قال قلت لعائشة يا أماه هل راى محمد ﷺ ربه فقالت لقد يقف شعرى مما قلت اين أنت من ثلث من حدثكهن فقد كذب من حدثك ان محمد راى ربه فقد كذب ثم قرأت لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار وهو اللطيف الخبير وما كان لبشر ان يكلمه الله الا وحيا او من وراء الحجاب ومن حدثك انه يعلم ما فى غد فقد كذب ثم قرأت ما تدرى نفس ماذا تكسب غدا ومن حدثك انه كتم شيأ من الوحى فقد كذب ثم قرأت يا ايها الرسول بلغ ما انزل إليك من ربك الاية ولكن راى جبرئيل فى صورته مرتين وقال ابن عباس ما كذب الفؤاد ما راى ولقد راه نزلة اخرى ان محمدا - ﷺ - راى ربه جل وعلى بفؤاده مرتين كذا روى مسلم عنه وفى رواية الترمذي قال ابن عباس راى محمد ربه قال عكرمة قلت أليس الله يقول لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار وقال ويحك ذاك إذا تجلى بنوره الذي هو نوره وقد راى محمد ربه مرتين واخرج ابن جرير عن ابن عباس انه - ﷺ - سئل هل رايت ربك قال رايت بفؤادى وقال انس والحسن وعكرمة راى محمد - ﷺ - ربه يعنى بعينه قال البغوي قال عكرمة عن ابن عباس قال ان الله اصطفى ابراهيم بالخلة واصطفى موسى بالكلام واصطفى محمد ﷺ بالروية وروى الترمذي عن الشعبي ان كعب الأحبار قال لابن عباس ان الله قسم رويته وكلامه بين محمد وموسى فكلم موسى مرتين وراى محمد - ﷺ - مرتين قلت المراد بالروية المختلف فيها اما الروية بالبصر واما الروية القلبية المعبر عنها بالمشاهدة فغير مختص بالنبي - ﷺ - بل يتشرف اولياء أمته - ﷺ - ايضا وقد ادعى بعض الأولياء الروية البصرية وذلك خلاف اجماع فى حق غير النبي - ﷺ - وهذا الدعوى مبنى على الاشتباه ووجه الاشتباه ان الصوفي قد يرى ربه بقلبه وهو يقظان ويتعطل حينئذ بصره لكنه يزعم فى غلبة الحال انه يراه ببصره وانما هو يراه بقلبه وبصره معطل وقوله عليه السلام رايته بفؤادى لو ثبت لا يدل على انفى الروية بالبصر الا بالمفهوم قلت وقول ابن مسعود وعائشة شهادة على النفي وشهادة الإثبات أرجح وما احتج به عائشة على نفى رويته - ﷺ - فلا يخفى ضعفه واما قوله تعالى لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ فقد ذكرنا فى تفسير تلك الاية فى سورة الانعام ان الدرك أخص من الروية
107
ونفى الدرك لا يستلزم نفى الروية قال الله تعالى فلما تراء الجمعان قال اصحاب موسى انا لمدركون قال كلا ان معى ربى وايضا مفهوم الاية سلب عموم الدرك لا عموم سلب الدرك واما قوله ما كان لبشر ان يكلمه الله إلا وحيا او من وراء حجاب ترديد بين الوحى من وراء الحجاب والوحى بلا حجاب فلا استدلال به والله تعالى اعلم وروى مسلم عن ابى ذر قال سالت رسول الله - ﷺ - هل رأيت ربك قال نورانى أراه انى بفتح الهمزة للاستفهام يعنى كيف أراه وفى بعض الروايات نورانى منسوب الى النور أراه فعلى الرواية الثانية يثبت الروية وعلى الرواية الاولى ليس الحديث صريحا فى نفى الروية مطلقا قلت وبعد ثبوت روية - ﷺ - ربه بالعين كما يدل عليه حديث ابن عباس وكعب ايضا ان المراد بالروية فى الاية الروية القلبية فانها هى المتصورة عند كل وحي يوحى اليه دون الروية البصرية فانها مختصة بليلة المعراج قرأ ابو جعفر وهشام عن ابى عباس كذب بتشديد الذال من التكذيب يعنى ما كذب قلب محمد - ﷺ - ما راى بعينه او بقلبه بل صدقه وايقنه وهو حققه فان الأمور القدسية تدرك او لا بالقلب ثم ينتقل منه الى البصر والبصيرة فان ابصر مثل ما أدرك بالقلب وان قصر بصره او بصيرته عما أدركه القلب وراى بخلافه كذبه وهذا هو المصداق الفارق بين العلوم الحقة الفائضة من الرحمن وبين الخيالات الوهمية وملتبسات الشيطانية فان الصوفي قد يلتبس عنده العلوم والإلهامات والمكاشفات القدسية المفاضة عليه من الله سبحانه بما يتخيله الوهم والخيال وبما القى
الشيطان فى أمنيته والفارق بينهما ان يرجع الصوفي الى قلبه فان صدقه قلبه واطمأن به ورأى فى قلبه منه برد اليقين علم انه من الله سبحانه وان كذبه قلبه واضطرب عنده وابى عرف انه من النفس او الشيطان قال رسول الله - ﷺ - إذا جاءك فى صدرك شىء فدعه رواه احمد عن ابى امامة او قال عليه السلام استفت قلبك وان أفتاك المفتون وقرأ الجمهور بتخفيف الذال والكذب يجىء متعديا بمعنى كذب له ومجازه ما كذب الفؤاد لمحمد - ﷺ - فيما راى يعنى أخبره على ما فى نفس الأمر فان قيل هذه الاية يقتضى ان تصديق القلب يغاير روية القلب قلنا نعم وتحقيق المقام ان قلب المؤمن يدرك الله سبحانه وصفاته يمعية ذاتية غير متكيفة مترتبة على محبة ذاتية غير متكيفة ولا يراه بل روية مقتصرة على مراتب الظلال بل القلب لا يرى شيئا من ذوات الممكنات ايضا فان حصول الأشياء فى الأذهان انما هى باشباهها وظلالها لا بانفسها وما يرى ذات شىء مما يراه الا يتوسط الباصرة فروية الله سبحانه تيسير للمومنين فى الاخرة بتوسط الحاسة لا فى الدنيا الا ما ذكرنا من الخلاف فى حق النبي - ﷺ - خاصة ودركه تعالى مختص بالقلوب دون الابصار فانه تعالى لا تدركه الابصار
108
لا فى الدنيا ولا فى الاخرة فروية القلب سواء كانت بتوسط البصر او بلا توسط قد يعتبر به الغلط بتخليط الوهم او تلبيس الشيطان او زيغ البصر وطغيانه عما يراه واما دركه البسيط فلا يعتبر به شىء من ذلك ويتفرع عليه الاطمينان بالحق وتصديقه والإباء عن الباطل وتكذيبه والله تعالى اعلم بحقيقة الحال.
أَفَتُمارُونَهُ معطوف على محذوف قرأ حمزة والكسائي أفتمارونه على وزن تدعونه بمعنى تغلبونه فى المرأ يقال ماريته فمريته بمعنى حادلته فغلبته وعلى هذا التقدير الكلام أتمارونه فتمرونه عَلى ما يَرى عدى بعلى لان الفعل بمعنى الغلبة وقيل تمرون تجحدون يقال مريت الرجل حقه يعنى جحدته والمعنى أتجادلون محمدا فتحجدون صدقه على ما يرى والتعدية بعلى حينئذ ايضا لتضمن الفعل مع الغلبة فان المجادل والجاحد يقصدان يفعلهما للغلبة على الخصم وقرأ جمهور القراء أفتمارونه من المراء وهو المجادلة واشتقاقه من مرى الناقة اى استخرج لبنها فان كلا من المتجادلين بمرى ما عند صاحبه يستخرجه وتقدير الكلام حينئذ تنكرون قول محمد فتمارونه عن ما يرى والاستفهام للتوبيخ والإنكار يعنى لا ينبغى....... الإنكار والجدال فيما يدعى محمد - ﷺ - رويته وأورد صيغة المضارع استحضارا للحال الماضي وحكاية عنه وجاز ان يراد به التوبيخ على انكار كل ما أراه محمد - ﷺ - فى الحال او الاستقبال-.
وَلَقَدْ رَآهُ يعنى والله لقد راى محمد - ﷺ - ربه جل وعلا او جبرئيل على صورته التي خلق عليها على اختلاف القولين المذكورين نَزْلَةً فعلة من النزول كجلسة من الجلوس منصوب على الظرفية من راه تقديره وقت نزلة اخرى او على المصدرية تقديره نازلا نزلة اخرى وفى إيراد نزلة اشعار بان الروية فى هذه المرة كانت ايضا بالنزول والدنو فان روية البشر الممكن الواجب جل سلطانه انما يتصور إذا كان البشر الرائي فى الأفق الأعلى والدرجة الانس من درجات الإمكان والله تعالى يتنزل من مراتب التنزيه الى نوع من درجات التشبيه فيرى من وراء حجب الظلال او الصفات ولا يذهب عليك من مقالتى هذا حدوث امر فى جانبه تعالى ذلك علوا كبيرا بل النزول والعروج كلها فى مرتبة العلم يظهر بحدوث صفاء فى مراة قلب المتجلى له وقد مر البحث عن مثله فى سورة البقر فى تفسير قوله تعالى هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ أُخْرى هذا يدل على تعدد الروية ولا يدل على الانحصار فى المرتين فما روى عن ابن عباس وكعب الأحبار انه راى ربه مرتين محمول على بيان ادنى ما يتصور فيه التعدد وهذه الاية حكاية عن روية النبي - ﷺ - ربه ليلة المعراج.
عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى والظاهران ما حكى عن ابن عباس وكعب رويته - ﷺ - ربه بعينه هو هذه الروية وقوله عند سدرة المنتهى ظرف متعلق يراه او اضافة السدر الى المنتهى اضافة موصوف الى صفة نحو جانب الغرب ومسجد الجامع اجازه الكوفيون وتأويله عند البصريين سدرة المكان منتهى وجعل المنتهى صفة لها لانه ينتهى إليها ما يعرج به من الأرض فيقبض منها ويهبط به من فوقها فيقبض منها وينتهى إليها علم الخلائق وما خلقها غيب ويدل عليه ما يورد عليك من حديث ابن مسعود وكعب (قصة المعراج) فى الصحيحين عن انس بن مالك عن مالك بن صعصعة عن النبي - ﷺ - قال بينما انا فى الحطيم مضطجعا إذا تأنى ات فشق بين هذه وهذه يعنى من ثغرة نحره الى شعرته فاستخرج قلبى ثم أتيت بطست من ذهب مملو ايمانا فغسل قلبى ثم حشى ثم أعيد وفى رواية ثم غسل البطن بماء زمزم ثم صلى ايمانا وحكمة ثم أتيت بداية دون البغل وفوق الحمار يقال له البراق ليضع خطوه عند أقصى طرفه فحملت عليه فانطلق بي جبرئيل حتى اتى السماء الدنيا فاستفتح قيل من هذا قال جبرئيل قيل ومن معك قال محمد قيل وقد أرسلت اليه قال نعم قيل مرحبايه فنعم المجيء جاء ففتح فلما خلصت فاذا فيها آدم فقال هذا أبوك وآدم فسلم عليه فسلمت عليه فرد السلام ثم قال مرحبا بالا بن الصالح ثم صعد بي حتى اتى السماء الثانية فاستفتح فذكر نحو ما ذكر فى السماء الدنيا وكذا ذكر كل السماء قال فلما خلصت إذا يحيى وعيسى وهما ابنا خالة قال هذا يحيى وهذا عيسى فسلم فسلمت عليهما فردا ثم قال مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح وذكر فى السماء الثالثة يوسف وفى الرابعة إدريس وفى الخامسة هارون وفى السادسة موسى كل قال مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح قال عليه السلام فلما جاوزت بكى يعنى موسى قيل له ما يبكيك قال ابكى لان غلاما بعث بعدي يدخل الجنة من أمته اكثر ممن يدخلها من أمتي ثم صعد بي الى السماء السابعة فذكر الاستفتاح وغير ذلك نحو ما مرو ذكر هناك ابراهيم قال جبرئيل هذا أبوك ابراهيم فسلم عليه فرد السلام ثم قال مرحبا بالابن الصالح ثم رفعت الى سدرة المنتهى فاذا نبقها مثل قلال هجروا ذا ورقها مثل أذان القيلة قال هذه سدرة المنتهى فاذا اربعة انهار نهران باطنان ونهران ظاهران قلت ما هذا يا جبرئيل قال اما الباطنان فنهران فى الجنة واما الظاهران فالنيل والفرات ثم رفع بي الى البيت المعمور ثم أتيت باناء من خمر واناء من لبن واناء من عسل فاخذت اللبن فقال هى الفطرة أنت عليها وأمتك ثم فرضت علىّ
110
الصلاة خمسين صلوة كل يوم فرجعت ومررت على موسى فقال بما أمرت قلت أمرت بخمسين صلوة كل يوم قال ان أمتك لا تستطيع خمسين صلوة كل يوم وانى والله قد جربت الناس قبلك عالجت بنى إسرائيل أشد المعالجة فارجع الى ربك فاسئله التخفيف لامتك فرجعت فوضع عنى عشرا فرجعت الى موسى فقال مثله فرجعت فوضع عنى عشرا فرجعت الى موسى فقال مثله فامرت بعشر صلوات كل يوم فرجعت الى موسى فقال مثله فرجعت فامرت بخمس صلوات كل يوم فرجعت الى موسى فقال بما أمرت قلت أمرت بخمس صلوات كل يوم قال ان أمتك لا تستطيع خمس صلوات كل يوم وانى قد جربت الناس قبلك وعالجت بنى إسرائيل أشد المعالجة فارجع الى ربك فاسئله التخفيف لامتك قلت سالت ربى حتى استحييت ولكنى ارضى واسلم قال فلما جاوزت نادى منادى أمضيت فريضتى وخففت عن عبادى وروى مسلم عن ثابت البناني عن انس ان رسول الله - ﷺ - قال أتيت بالبراق وهو دابة ابيض طويل فوق الحمار دون البغل يضع حافره عند منتهى طرفه فركبته حتى أتيت بيت المقدس فربطته بالحلقة التي تربط بها الأنبياء وقال ابن جرير عن أبيه قال قال رسول الله - ﷺ - لما انتهينا الى بيت المقدس قال جبرئيل بإصبعه فخرق بها الحجر وشد به البراق قال رسول الله - ﷺ - ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين ثم خرج فجاءنى جبرئيل باناء من خمر واناء من لبن فاخترت اللبن فقال جبرئيل اخترت الفطرة ثم عرج بنا الى السماء وساق مثل معنى ما ذكر من الحديث قال فاذا انا بآدم فرحب بي ودعا بي بخير وقال فى السماء الثالثة فاذا
انا بيوسف إذا هو قد اعطى شطر الحسن فرحب بي ودعا بي بخير ولم يذكر بكاء موسى وقال فى السماء السابعة فاذا انا بإبراهيم مسند أظهره الى البيت المعمور وإذا هو يدخله كل يوم سبعون الف ملك لا يعودون اليه وفى رواية قال جبرئيل هذا البيت المعمور يصلى فيه كل يوم سبعون الف ملك إذا خرجوا لا يعودوا اخر ما عليهم ثم ذهب بي الى السدرة المنتهى فاذا اورقها كاذان القبلة وإذا ثمرها كالقلال فلما غشّها من امر الله ما غشى تغيرت فما أحد من خلق الله يستطيع ان ينعتها من حسنها واوحى الى ما اوحى ففرض علىّ خمسين صلوة فى كل يوم وليلة فنزلت الى موسى قال ما فرض ربك على أمتك قلت خمسين صلوة فى كل يوم وليلة قال ارجع الى ربك فسئله التخفيف فان أمتك لا يطيق ذلك فانى بلوت بنى إسرائيل وخبرتهم قال فرجعت الى ربى فقلت يا رب خفف عن أمتي فحط عنى خمسا فرجعت الى موسى فقلت حط عنى خمسا قال ان أمتك لا تطيق ذلك فارجع الى ربك فسئله التخفيف قال فلم ازل ارجع بين ربى وبين موسى حتى قال يا محمد انهن خمس صلوات كل يوم وليلة لكل صلوة عشر فلذلك خمسون من عمّ بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة فان
111
عمل بها كتبت له عشرا من همّ بسيئه فلم يعملها لم يكتب له بشى فان عملها كتبت سيئة واحدة قال فنزلت حتى انتهيت الى موسى فاخبرته فقال ارجع الى ربك فسئله التخفيف فقال رسول الله - ﷺ - فقلت قد رجعت الى ربى حتى استحييت منه وفى الصحيحين عن ابن عباس عن ابى ذر يحدث عن النبي - ﷺ - فقال ففرج عنى سقف بيتي وانا بمكة فذكر شق الصدر نحو ما ذكر ولم يذكر البراق قال ثم أخذ بيدي فعرج بي الى السماء فلما جئت الى السماء الدنيا فقال جبرئيل لخازن السماء افتح فذكر نحوه فلما فتح علونا السماء الدنيا إذا رجل قاعد على يمينه اسودة وعلى يساره اسودة إذا نظر قبل يمينه ضحك وإذا نظر قبل شماله بكى فقال مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح قلت لجبرئيل من هذا قال هذا آدم وهذه الاسودة عن يمينه وعن شماله نسم بنيه فاهل اليمين منهم اهل الجنة والاسودة التي عن شماله اهل النار فاذا نظر عن يمينه ضحك وإذا نظر عن شماله بكى فذكر انه وجد فى السموات آدم وإدريس وموسى وعيسى وابراهيم ولم يثبت كيف منازلهم غير انه قال وجد آدم فى السماء الدنيا وابراهيم فى السادسة قال ابن شهاب فاخبرنى ابن حزم ان ابن عباس وأبا حبة الأنصاري كانا يقولان قال النبي - ﷺ - ثم عرج بي حتى ظهرت لمستوى اسمع فيه صريف الأقلام وقال ابن حزم وانس ففرض الله على أمتي خمسين صلوة فرجعت بذلك حتى مررت على موسى قال ما فرض الله لك قلت خمسين صلوة قال فارجع الى ربك فان أمتك لا يطيق فراجعنى فوضع شطرها فرجعت الى موسى فقلت وضع الله شطرها فقال ارجع الى ربك فان أمتك لا يطيق فراجعته فقال هى خمس وهى خمسون لا يبدل القول لدىّ فرجعت الى موسى فقال راجع ربك فقلت استحييت من ربى فانطلق بي حتى انتهى بي الى السدرة وغشيها ألوان لا أدرى ما هى ثم ادخلت الجنة فاذا فيها جنابذا اللؤلؤ وإذا ترابها المسك وروى معمر عن قتادة عن انس ان النبي صلى الله عليه واله وسلم اتى البراق ليلة اسرى به مسرجا ملجما فاصعب عليه فقال جبرئيل أبمحمد تفعل هذا فما ركبك أحد أكرم على الله منه فارفض عرقا وروى مسلم عن ابن مسعود قال لما اسرى برسول الله ﷺ انتهى به الى السدرة المنتهى وهى فى السماء السادسة إليها ينتهى ما يعرج بها من الأرض فيفيض منها وإليها ينتهى ما يهبط به من فوقها فيقبض منها وذكر البغوي انه قال هلال بن يسار سال ابن عباس كعبا عن سدرة المنتهى وانا حاضر فقال انها سدرة فى اصل العرش وإليها ينتهى علم الخلائق وما خلقها غيب لا يعلمه الا الله قلت ومعنى قوله إليها ينتهى علم الخلائق يعنى ان بعض المخلوقات اعنى الملائكة يحضرون الى سدرة المنتهى
112
ولا يتجاوزها أحد من الخلائق فما ورائها غيب من كل وجه واما سدرة المنتهى فهى وان كان غيبا بالنسبة الى البشر
فليس يغيب بالنسبة الى بعض الملائكة وروى البغوي بسنده عن اسماء بنت ابى بكر قالت سمعت النبي - ﷺ - يدكر سدرة المنتهى قال يسير الراكب فى ظل الغصن مائة عام ويستظل فى الغصن منها ماية الف راكب فيها فراش من ذهب كان ثمرها القلال وقال مقاتل هى شجرة تحمل الحلي والحلل والثمار وجميع الألوان لوان ورقة منها وضعت فى الأرض أضاءت لاهل الأرض وهى طوبى التي ذكرها الله فى سورة الرعد.
عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى ط واضافة جنة الى المأوى ايضا من قبيل اضافة الموصوف الى الصفة جوزها الكوفيون ويؤله البصريون بجنة المكان المأوى قال عطاء عن ابن عباس معناه جنة يأوي إليها جبرئيل والملائكة وقال مقاتل والكلبي فاوى إليها أرواح الشهداء وجنة المأوى مبتدا او فاعل للظرف والجملة صفة لسدرة ان كانت الاضافة للعهد الذهني فى قوة النكرة والا فهى حال عنها.
إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى الظرف متعلق يراه الموصول مع الصلة فاعل يغشى استعمال الموصول للتفخيم وصيغة المضارع بمعنى الماضي والمعنى غشيها ما لا يستطيع أحد ان ينعبتها لحسنها او لكثرة عددها او لعدم درك كنهها وقد مر فى حديث المعراج عن انس فلما غشيتها من امر الله ما غشى تغيرت فما أحد من خلق يستطيع ان ينعتها من حسنها وروى مسلم عن ابن مسعود قال إذ يغشى السدرة ما يغشى قال فراش من ذهب وكذا ذكر البغوي قول ابن عباس قال البغوي عن الحسن قال غشيتها نور رب العزت فاستنارت قلت لعل نور رب العزة كعزة كنى عنها بفراش من ذهب وقال مقاتل تغشيها الملائكة أمثال الغربان- وقال السدى من الطيور وروى عن ابى العالية عن ابى هريرة رض او غيره قال غشيتها نور الخلائق وغشيها الملائكة من حب الله أمثال الغربان حتى يقعن على الشجر قلت ولا منافات بين تغشية نور رب العزة وتغشية الملائكة فان تغشية الملائكة انما هى لأجل تغشية نور رب العزة كما يدل عليه قوله غشيها من الملائكة من حب الله أمثال الغربان وتغشية النور من قبيل التجليات النورية والله تعالى اعلم قال البغوي يروى فى الحديث رايت على كل ورقة منها ملكا قايما يسبح الله تعالى.
ما زاغَ الْبَصَرُ يعنى ما مال بصر النبي - ﷺ - يمينا ولا شمالا وما أخطى فى النظر بل أثبته اثباتا صحيحا وَما طَغى اى ما جاوز عن الجيوب؟؟؟ الى يثيره اه من العشق وحالاته احرق قلبى بحراراته ما نظر العين الى غيركم اقسم بالله وآياته قيل معناه ما عدل عن روية العجائب التي امر برويتها-.
لَقَدْ رَأى
113
اى لقد راى محمد - ﷺ - مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى مفعول لراى ومن ايت ربه حال منه مقدم عليه ومن للتبعيض يعنى والله لقد راى محمد الكبرى من آيات ربه وجاز ان يكون من زائدة وآيات ربه مفعول به الكبرى صفة لها وجاز ان يكون المفعول محذوفا تقديره لقد راى شيئا من آيات ربه الكبرى والمراد بالآيات العجائب الملكوتية التي راى ها فى ليلة المعراج فى مسيره وعوده من البراق والسموات والأنبياء والملائكة والسدرة المنتهى وجنة المأوى- روى مسلم عن عبد الله بن مسعود قال لقد راى من آيات ربه الكبرى قال راى جبرئيل فى صورته له ستمائة جناح وروى البخاري عنه لقد راى من آيات ربه الكبرى قال راى رفر فاخضر اسد الأفق وانما وصف تلك الآيات بالكبرى لتجليات مخصوصة فى تلك الآيات وكونها مهبط الرحمة والبركة والأفكل ممكن اية كبرى على وجود صانعه ودليل واضح مكتفى لا يحقر منها شىء قال الله تعالى ان الذين يدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له فان قيل هذه الاية تؤيد قول من قال ان النبي - ﷺ - انما راى مرتين جبرئيل عليه السلام دون الله سبحانه لان روية الآيات غير روية الذات قلنا روية الآيات لا ينافى روية الذات بل الآيات قد ينجلى فيه الذات كما ان الشمس يتجلى فى المرآة فان قيل قد ذكرت فى تفسير قوله تعالى ما طَغى يعنى ما جاوز بصره عن المحبوب الى غيره فكيف يتصور روية الآيات قلنا المقصود من روية الآيات انما هى الذات ومن ثم تكون الآيات مرأة للذات فحين راى الآيات جاوز نظره عنها الى الذات وحين راى الذات لم يتجاوز عنه الى غيره أصلا- (مسئلة) اجمع المؤمنون من اهل السنة والجماعة ان معراجه - ﷺ - فى اليقظة حق فقيل مسراه - ﷺ - من المسجد الحرام الى الأقصى قطعى ثابت بقوله تعالى سبحانه الذي اسرى بعبده الاية فيكفر جاحده واما معراجه الى السماء السابعة وما فوقها فثبت بأحاديث صحاح فيفسق جاحده ولا يكفر والصحيح ان معراجه - ﷺ - الى السدرة المنتهى قطعى ثابت بهذه الاية يكفر جاحده فان قيل ما رواه الشيخان فى الصحيحين عن شريك بن عبد الله قال سمعت انس بن مالك يقول ليلة اسرى برسول الله - ﷺ - من مسجد الكعبة انه جاء ثلثة نفر قبل ان يوحى اليه وهو نائم فى المسجد الحرام وساق حديث المعراج بقصته قال فاذا هو فى السماء الدنيا بنهرين يطروان قال هذا النيل والفرات ثم مضى به فى السماء فاذا هو بنهر أخر عليه قصر من لؤلؤ وزبرجد فضرب بيده فاذا هو مسك ازفر قال ما هذا يا جبرئيل قال هذا الكوثر الذي هيّا لك ربك وساق الحديث
114
وقال ثم عرج بي الى السماء السابعة وقال قال موسى رب لم أظن ان يرفع على أحد ثم علابه فوق ذلك بمالا يعلمه الا الله حتى جاء سدرة المنتهى ودنا الجبار رب العزة فتدلى حتى كان منه قاب قوسين او ادنى فاوحى اليه ما اوحى اوحى الله خمسين صلوة كل يوم وليلة قال فلم يزل يردده موسى الى ربه حتى صارت الى خمس صلوات ثم أجبته موسى عند الخمس فقال يا محمد والله لقد راودت بنى إسرائيل قومى على ادنى من هذا فضعفوا عنه وتركوه فامتك أضعف أجساد او قلوبا وأبدانا وابصارا وسماعا فارجع فليخفف عنك ربك كل ذلك يلتقت النبي - ﷺ - الى جبرئيل ليشير عليه ولا يكره ذلك جبرئيل فرفعه عند الخامسة فقال يا رب ان أمتي ضعفاء أجسادهم وقلوبهم وأسماعهم وأبصارهم فخفف عنا فقال الجبار يا محمد فقال لبيك وسعديك قال انه لا يبدل القول لدى كما فرضت عليك فى أم الكتب فكل حسنة بعشر أمثالها فهى خمسون فى أم الكتاب وهى خمس عليك فقال موسى ارجع الى ربك فسئله فليخفف عنك ايضا قال رسول الله - ﷺ - قد والله استحييت من ربى مما اختلف اليه قال فاهبط باسم الله فاستيقظ وهو فى المسجد الحرام هذا لفظ البخاري ورواه مسلم مختصرا يدل على كون المعراج فى المنام قلنا طعن بعض اهل الحديث على هذا الحديث وقالوا وجدنا لمحمد بن اسمعيل ولمسلم فى كتابيهما شيئا لا يحتمل مخرجا الا هذا وأحال الآفة فيه الى شريك بن عبد الله وذلك انه ذكر فيه ان ذلك قبل ان يوحى اليه واتفق اهل العلم على
ان المعراج كان بعد الوحى بنحو من اثنى عشر سنة قبل الهجرة بسنة وقال بعض اهل الحديث ان هذا كان رويا فى المنام أراه عز وجل قبل الوحى وهو فى المسجد الحرام ثم عرج به فى اليقظة بعد الوحى قبل الهجرة تحقيقا لرؤياه من قبل كما انه راى فتح مكة فى المنام عام الحديبية سنة ست من الهجرة ثم كان تحقيقه سنة ثمان ونزل قوله تعالى لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق والله تعالى اعلم ولما ذكر الله سبحانه روية النبي - ﷺ - ربه وآيات ربه وتعلمه - ﷺ - منه تعالى وتصديق قلبه اردفه بذلك تقبيح الكفار بقصر نظرهم على مجازه لا حقيقة لها فقال.
أَفَرَأَيْتُمُ الاستفهام للانكار والتوبيخ والفاء للعطف على محذوف تقديره انظر تم ما تعبدونه فرايتم اللَّاتَ وَالْعُزَّى هذه اسماء أصنام اتخذوها الهة يعبدونها ويزعمون الملائكة بنات الله ويزعمون الأصنام هياكل الملائكة ويقولون الأصنام استوطنها جنيات هن بنات الله واشتقوا لها اسماء من اسماء الله تعالى فاشتقوا من الله اللات ومن العزيز العزى تأنيث الأعز وقيل اللات أصله لوية على وزن فعلة
من لوى يلوى لانهم كانوا يلوون عليها اى يطوفون حولها قلبت الواو الفا وحذفت الياء على خلاف قياس ووضعت تاء التأنيث مكانها فكتبت طويلا قرأ ابن عباس ومجاهد وابو صالح ورويس بتشديد التاء على انه سمى به لانه صورة رجل كان يلت السويق بالسمن ويطعم الحاج فلما مات كانوا عكرنا على قبره ثم كانوا يعبدونه وقال قتادة كانت اللات صنما لثقيف بالطائف وقال ابن زيد كانت بيت بنخلة تعبده قريش واما العزى قال مجاهد هى شجرة بغطفان كانوا يعبدونها وقال ابن إسحاق كانت بيتا بنخلة وكانت سدنتها وحجابها بنى شيبان حلفاء بنى هاشم كانت أعظم أصنام قريش وجميع كنانة كان عمرو بن لحى قد أخبرهم ان الرب يشتى بالطائف عند اللات ويصيف بالعزى فعظموهما وبنوالهما بيتا وكانوا يهدون اليه كما يهدون الى الكعبة وروى البيهقي عن ابى الطفيل بعث رسول الله - ﷺ - يوم فتح مكة خالد بن وليد فاتاها خالد فقطع السمرات وهدمها ثم رجع الى رسول الله - ﷺ - فقال هل رايت شيئا قال لا قال فانك لم تهدمها فرجع خالد وهو مستيقظ فلما رات السدنة خالدا انبعثوا فى الحيل وهم يقولون يا عزى خليه يا عزى عوربه والا فموتى برغم فخرجت اليه سوداء عريانة ناشرة الراس تحثوا لتراب على راسها ووجهها فجرد سيفه وهو يقول كفرانك لا سبحانك انى رايت الله قد أهانك فضربها بالسيف فخبر بها باثنين ثم رجع الى رسول الله - ﷺ - فاخبره قال نعم تلك العزى قد يئست ان تعبد ببلدكم ابدا وقال الضحاك هى صنم بغطفان وضعها سعد بن ظالم الغطفاني وذلك انه قدم مكة فراى صفا والمروة وراى اهل مكة يطوفون بينهما فعاد الى بطن نخلة وقال لقومه ان لاهل مكة الصفا والمروة وليست لكم ولهم اله يعبدونه وليس لكم قالوا فما تأمرنا قال انا اصنع لكم كذلك فاخذ حجرا من الصفا وحجرا من المروة نقلها الى النخلة فوضع الذي أخذ من الصفا فقال هذا الصفا ثم وضع الذي أخذ من المروة فقال هذه المروة ثم أخذ ثلثة أحجار فاسندها الى شجرة فقال هذا ربكم فجعلوا يطوفون بين الحجرين ويعبدون الحجارة حتى افتتح رسول الله - ﷺ - مكة فامر برفع الحجارة وبعث خالد بن الوليد الى العزى فقطعها.
وَمَناةَ قرأ ابن كثير بمد وهمزة على انه مفعلة من النوع كانهم يستمطرون الأنواع عندها تبركا بها أصله منواة قلبت الواو الفا بعد نقل حركتها الى ما قبلها والباقون بلا مد وهمزة فهى فعلة من مناة إذا قطعه فانهم كانوا يذبحون عندها القرابين قال قتادة هى لخزاعة كانت بقديد وقالت عائشة رض فى الأنصار كانوا يهلون لمناة
وكانت حذو؟؟؟ قديد وقال ابن زيد بيت كان ما لمشلل تعبده بنو كعب وقال الضحاك صنم لهذيل وخزاعة يعبدها اهل مكة وقال بعضهم اللات والعزى ومناة كانت فى جوف الكعبة يعبدونها ذكر محمد بن يوسف الصالحي فى سبيل الرشاد انه بعث رسول الله - ﷺ - حين فتح مكة سعد بن زيد الأشهلي الى مناة وهو بالمشلل وهو الجبل الذي يهبط منه الى قديد لست بقين من رمضان فى فتح مكة وكانت مناة للاوس والخزرج وغسان فخرج سعد فى عشرين فارسا حتى انتهى إليها وعليها سادن فقال السادن ما تريد قال هدم مناة قال وأنت ذاك فاقبل سعد يمشى إليها ويخرج امراة عريانة سوداء ثائرة الراس تدعوا بالويل وتضرب صدرها فقال السادن مناة دونك بعض غضبانك ويضربها سعد بن زيد الاشهيلى فقتلها ويقبل الى الصنم معه أصحابه فهدموه اختلف القراء فى الوقف على اللات ومناة فوقف بعضهم عليهما بالهاء وبعضهم بالتاء وقال بعضهم ما كتب فى المصحف بالتاء يعنى اللات يوقف بالتاء وما كتب بالهاء يعنى مناة يوقف عليه بالهاء الثَّالِثَةَ صفة لمناة اى الثالثة للصنمين المذكورين الْأُخْرى صفة لمناة بعد صفة للتاكيد او الاخرى من التأخير فى الرتبة واللات والعزى ومناة منصوبان على انها مفعول أول لرأيتم ومفعوله الثاني محذوف تقديره انظر تم ما تعبدونه فرأيتم اللات والعزى ومناة بنات الله تعالى البتة مستحقة للعبادة يعنى ليس كذلك والله تعالى اعلم قال الكلبي كان المشركون بمكة يقولون الأصنام والملائكة بنات الله وكان الرجل منهم إذا بشر بالأنثى كره فقال الله تعالى منكرا عليهم.
أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى قال ابن عباس وقتادة اى قسمة جايرة حيث جعلتم لربكم ما تكرهون لانفسكم وقال مجاهد ومقاتل اى قسمة عوجا وقال الحسن غير معتدل قرأ ابن كثير ضئزى بالهمزة من ضئزة إذا ظلمه على انه مصدر لعت به مبالغة يعنى قسمة ظالمة والباقون بالياء قال الكسائي يقال ضاز يضيز ضازا وضاز يضوز ضوزا وضاز يضاز ضازا إذا ظلم ونقض قلت ليس هذا ضاز ويضوز بل هو يائي من ضاز يضير على وزن باع يبيع او ضاز يضاز على وزن نال ينال واصل ضيزى فعلى بضم الفاء لانها صفة والصفات لا تكون الأعلى فعلى بضم الفاء كحبلى وأنثى او فعلى بفتح الفاء نحو غضبى وسكرى وعطشى وليس فى كلام العرب فعلى بكسر الفاء فى النعوت وانما يكون فى الأسماء كذكرى وشعرى وانما كسر الضاد هاهنا لئلا يتقلب الياء واوا فيلتبس بناءه كذا قالوا فى جمع الأبيض بيض والأصل بضم الفاء مثل حمر وصفر.
إِنْ هِيَ الضمير للاصنام فان كان المراد بالأصنام اجرام الحجارة فالمعنى ما تلك الحجارة باعتبار الالوهية شيئا مستحقا للالوهية إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ ط جملة سميتموها إلخ وجملة ما انزل الله صفتان لاسماء والضمير للاصنام مبتداء والمستثنى المفرغ خبره والمعنى ما تلك الحجارة الهة الا الهة اسمية باصطلاحكم من غير داع اليه وما جعل الله على الوهيتها واستحقاقها للعبادة حجة وجاز ان يكون الضمير للاصنام باعتبار ما يدعى الكفار انها حقائق ملكيته او غير ذلك حالة فتلك الأصنام وهى بنات الله وشفعاء فالمعنى ما هى شيئا فى الواقع الا اسماء بلا مسمى تخيلتم وجودها وسميتموها بأسماء مثل اللات والعزى وبنات الله وشفعاء وحالة فى الأصنام ما انزل الله على وجودها برهانا وجاز ان يكون الضمير راجعا الى الأسماء المذكورة والمعنى ليست الأسماء المذكورة من اللات والعزى شيا الا اسماء مجعولة لكم من غير استحقاق ومنشأ انتزاع فانهم يطلقون اللات باعتبار استحقاقها الالوهية والعكوف عليها والعزى بعزتها ومناة لاستحقاقها التقرب إليها بالقرابين وجاز ان الضمير راجعا الى الصفة التي يصفونها بها من كونها الهة وبنات الله وشفعاء يعنى ليست تلك الصفات التي تصفونها بها الا اسماء من غير حقيقة وصدق فى نفس الأمر إِنْ يَتَّبِعُونَ اى الكفار فى تسميتها إِلَّا الظَّنَّ الحاصل بتقليد الآباء من غير دليل صحيح او المعنى الا توهما بإطلاق وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ ج يعنى فاتشتهيه أنفسهم الجملة بيان او بدل من قول ما انزل الله بها من سلطن فيه التفات من الخطاب الى الغيبة واشارة الى ترك مخاطبة هولاء السفهاء كما يصرح فيما بعد بقوله فاعرض عمن تولى وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى اى ما يهتدى به الى الحق القطعي يعنى الرسول والكتاب فلم يتبعوه وتركوه والجملة معترضة.
أَمْ لِلْإِنْسانِ ما تَمَنَّى أم منقطعة ومعنى بل فيه للابتداء ومعنى الهمزة للانكار يعنى ليس للانسان كل ما يتمناه والمراد نفى طمعهم فى شفاعة الأصنام وقولهم لئن رجعت الى ربى ان لى عنده للحسنى وقولهم لولا نزل هذا القران على رجل من القريتين عظيم ونحوها.
فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولى ع الفاء للسببية والجملة تعليل للنفى المفهوم مما سبق يعنى ليس للانسان كل ما يتمناه بان الدار الاخرة والدار الاولى كل واحدة منهما مملوكة لله مختص به يعطيهما من يشاء ويمنعهما ممن يشاء لادخل فى منعه وإعطائه لتمنى متمن ولا لشىء اخر
غير إرادته تعالى.
وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ كاين فِي السَّماواتِ لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً من الغناء ولا ينفع فى حين من الأحيان إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ فى الشفاعة لِمَنْ يَشاءُ من الملائكة ان يشفع او من الناس ان يشفع له وَيَرْضى بشفاعة له مع كونهم عباد الله المكرمين المقربين فكيف يرجون هؤلاء شفاعة الأصنام والاية رد لقولهم هؤلاء شفعاءنا عند الله وقال البغوي معناه كم من ملك فى السموات ممن يعبدهم هؤلاء الكفار ويرجون شفاعتهم عند الله يعنى شفاعتهم.
إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يعنى كفار مكة والتعبير بالموصول لبيان جهلهم لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ اى كل واحد منهم تَسْمِيَةَ الْأُنْثى حيث يقولون انها بنات الله لما كان هذا القول فى غاية الاستبعاد وجريا بالإنكار أورد الكلام بالاستيناف والتأكيد بان واللام جريا للسامع مجرى المنكر.
وَما لَهُمْ بِهِ اى بهذا القول مِنْ عِلْمٍ ط الجملة حال من فاعل يسمون إِنْ يَتَّبِعُونَ اى لهؤلاء الكفار الجهال إِلَّا الظَّنَّ ج الحاصل بالتقليد او التوهم الباطل من غير دليل وهذه الجملة بيان وتأكيد لقوله ومالهم به من علم وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً ج اما منصوب على المصدرية ومن الحق ظرف لغو متعلق بلا يغنى واما منصوب على المفعولية ومن الحق حال منه والمراد بالحق العلم لانه عبارة عن الاعتقاد الجازم الثابت المطابق للواقع والواقع هو الحق والمعنى ان الظن لا يغنى من العلم شيئا من الغناء او لا يفيد شيئا من العلم يعنى لا يقوم الظن الحاصل بالتقليد ونحوه مقام العلم الحاصل بدليل قطعى سمعى او عقلى فلا يجوز للعاقل اتباع الظن بل يجب طلب اليقين والجملة معترضة لتقبيح الكفار فى اتباع الظن ولما كان صلابتهم فى اتباع الظن والتقليد امارة انكارهم لهذه الجملة أورد هذه الجملة بالتاكيد فان قيل جاز فى الشرع اتباع الظن فى العمليات وغالبا مسائل الفقه مستنبطة من الادلة الظنية وايضا ثبت بأحاديث الآحاد ونحو ذلك كثير من القصص الماضية وتفاصيل نعم الجنة وعذاب جهنم وتفاصيل اخبار يوم المعاد فلو كان الظن لا يفيد شيئا من العلم لكان تعليمها عبثا ولا يجوز القول بها ولا العمل بالفقه والاعتقاد بها- قلنا معنى هذه الاية انه لا يجوز اتباع الظن فيما يعارضه العلم الحاصل بدليل قطعى وان الظن لا يفيد فائدة العلم إذ لا شك ان الأضعف لا يصادم الا قوى فمقتضى هذه الاية ان العقائد الحقة الثابتة بالادلة القطعية العقلية او الآيات المحكمات والاخبار المتواترات السمعية لا يجوز تركها باتباع الظن
ويجب ما أمكن تحصيل العلم من الادلة القطعية والعمل بها وفيما لا يوجد دليل قطعى فالعقل يحكم الجزم والاحتياط يوجب العمل بدليل ظنى اى ما يفيد غلبة الظن بطريق صحيح مثلا إذا ثبت بدليل ظنى ان الوتر واجب وان صلوة الضحى سنة وان البنج حرام وان البيع بشرط فاسد ممنوع وليس هاهنا دليل قطعى يعارض هذا الظن فالعقل يحكم ان لا يترك الوتر ولا يشرب البنج ولا يباع بالشرط الفاسد مخافة العذاب وان يصلى الضحى رجاء للثواب لان احتمال جلب المنفعة عند تيقن عدم المضرة كان للاتيان واحتمال المضرة كاف للاجتناب كما ان احتمال الحية فى الحجر كاف للاجتناب عن وضع الأصابع هناك وايضا ثبت بالادلة القطعية من الأحاديث المتواترة بالمعنى بإجماع الامة وبقوله تعالى فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا فى الدين وقوله تعالى فاعتبروا يا اولى الابصار وجوب اتباع أحاديث الآحاد والقياس عند عدم معارضة ما هو أقوى منه فالظن فى المسائل الفقهية انما هى فى الطريق وبعد ثبوت الظن الصحيح وجوب العمل بها ثابت بدليل قطعى واخبار المبتدا والمعاد الثابتة بالنصوص الظنية قطعيات فى القدر المشترك منها موجبة للعلم واما تفاصيلها فغير معارضة بدليل أقوى منه فيجوز استفادة الترغيب او الترهيب منها والله تعالى اعلم وقيل المراد بالحق فى الاية العذاب واللام فى الظن للعهد ومعنى الاية ان ظن الكفار الحاصل بتقليد الآباء او التوهم لا يدفع شيئا من العذاب او لا يدفع العذاب شيئا من الدفع.
فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا يعنى القران او الايمان او عن الاشتغال بذكر الله وَلَمْ يُرِدْ شيئا إِلَّا شهوات الْحَياةَ الدُّنْيا ط اتهمك فيها بحيث كان منتهى همته مبلغ علمه الدنيا فحسب الفاء للسببية والموصول وضع موضع المضمر لتاكيد سببية الاعراض يعنى إذا علمت جهلهم وسفاهتهم وسخافت عقلهم انهم يتبعون الظن ويتركون ما جاءهم من ربهم الهدى ويختارون عبادة حجارة لا تضر ولا تنفع ويتولون عن الاشتغال بالرحمن الواحد القهار فاعرض عنهم حيث لا تفيد دعوتك فيهم فانهم كالانعام بل هم أضل ولما كان بعض حركاتهم وسكناتهم مفيدة فى الدنيا دالة على ادراكاتهم موهمة لهم نصيبا من العقل قال الله تعالى لدفع ذلك الوهم قوله.
ذلِكَ يعنى امر الدنيا وكونها شبهة مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ ط يعنى لا يتجاوز علمهم وعقلهم من العلم بالأمور المعاشية والتعقل بها وذلك غير معته به عند الله اعلم ان العلم والعقل كل منهما مخلوقة لله تعالى على حسب ما أراد وليست الأسباب الا أسبابا عادية وليست الأسباب أسبابا حقيقة كما زعمته الفلاسفة فالله تعالى انشأ يخلق العلم
بعد ما أراد الآيات والا فلا إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدى فيجازى كلا على حسب الضلالة واهتدائه هذه الجملة وعد ووعيد تعليل لما سبق من الأمر بالاعراض يعنى لا تهتم بهم نحن نكفيهم للجزاء.
وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ لا ملكا وخلقا عطف على الجملة السابقة يعنى هو الا علم بهم وهو إلهكم وخالقهم يفعل بهم ما يشاء وما يقتضيه الحكمة لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى اللام متعلق بمضمون الجملتين السابقتين يعنى خلق العالم وميز الضال من المهتدى وحفظ أحوالهم ليجزى الذين أساءوا بالشرك والعصيان بسبب أعمالهم من الإشراك والمعاصي يجزى الذين أحسنوا أعمالهم بالإخلاص بالحسنى اى بالمثوبة الحسنى يعنى الجنة او بالأحسن من أعمالهم وهى الإخلاص او لسبب الأعمال الحسنى.
الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ بدل من الذين أحسنوا او خبر لمبتداء محذوف اى هم الذين يجتنبون كَبائِرَ الْإِثْمِ قرأ حمزة والكسائي وخلف كبير الإثم على صيغة الاخر او على ارادة الجنس فهو اضافة صفة الى موصوفها نحو اخلاق ثياب والمراد بكبير الإثم الشرك فان الشرك لظلم عظيم وقرأ الباقون كبائر بصيغة الجمع اصناف افراد الكبائر الى جنسه على طريقة كرام البشر وجياد الدرهم وقد ذكرنا تحقيق الكبائر من الذنوب فى سورة النساء فى تفسير قوله تعالى إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ... وَالْفَواحِشَ اما عطف تفسيرى او المراد ما فحش من الكبائر خصوصا قيل أريد به ما شرع فيه الحد إِلَّا اللَّمَمَ يعنى ما صدر من العبد بلا اصرار ثم تاب عنه ولا يكون له عادة واقامة عليه بل حينا بعد حين يقال فلان يفعل كذا اى حينا بعد حين كذا قال الجوهري قال البغوي وهو قول ابى هريرة ومجاهد والحسن ورواية عن عطاء عن ابن عباس قال السدى قال ابو صالح سئلت عن قول الله عز وجل الا اللمم فقلت هو الرجل يلم بالذنب اى يقربه ثم لا يعاوده فذكرت ذلك لابن عباس فقال لقد اعانك عليها الملك الكريم قال البغوي وروينا عن عطاء عن ابن عباس فى قوله تعالى الا اللمم قال قال رسول الله - ﷺ - ان تغفر اللهم تغفر جما واى عبد لك لا الما فالاستثناء متصل كما هو الأصل وقيل اللمم الصغار من الذنوب كذا فى القاموس فهو كالنظرة والغمزة والقبلة وما كان دون الزنا قال البغوي وهو قول ابن مسعود وابى هريرة ومسروق والشعبي ورواته طاؤس عن ابن عباس روى البخاري عن ابن عباس قال ما رايت أشبه باللمم بما قال ابو هريرة
121
عن النبي - ﷺ - ان الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدركه ذلك لا محالة فزنا العين النظر وزنا اللسان المنطق والنفس تمنى وتشتهى والفرج يصدق ذلك ويكذبه ورواه سهل بن ابى صالح عن أبيه عن ابى هريرة عن النبي - ﷺ - وزاد والعينان زناهما النظر والأذنان زناهما الاستماع واللسان زناه الكلام واليد زناها البطش والرجل زناها الخطا وقال الحسن بن الفضل اللمم النظرة من غير تعمد فهو مغفور فان عاد النظرة فليس بلمم وعلى هذا اللمم أخص من صغاير الذنوب وقال سعيد بن المسيب ما لم على القلب اى خطر وهذا يناسب ما قال الجوهري من قولك ألممت بكذا اى أنزلت به وقاربته من غير مواقعة وعلى هذه الأقوال الاستثناء منقطع وقال الكلبي اللمم على وجهين كل ذنب لم يذكر الله عليه حدا فى الدنيا ولا عذابا فى الاخرة فذلك الذي تكفره الصلاة ما لم تبلغ الكبائر والفواحش والوجه الاخر هو الذنب العظيم الذي يلم به المسلم مرة فيتوب منه قلت وقول الكلبي هذا ليس قولا مغايرا للاقوال والا يلزم عموم المشترك او الجمع بين الحقيقة والمجاز بل هو اختيار للقولين الأولين على وجه الاحتمال كما روى القولين المذكورين عن ابى ابى هريرة وابن عباس رض والله تعالى اعلم إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ يغفر لمن يشاء ما يشاء من الذنوب صغائرها وكبائرها بتوبة وبلا توبة عقب الله تعالى وعيد المسيئين ووعد المحسنين بهذه الاية لئلا ييئس صاحب الكبيرة من رحمته ولا يتوهم وجوب العقاب على الله تعالى كما قال به اهل الهواء من المعتزلة اخرج ابو نعيم عن على رض قال قال رسول الله - ﷺ - ان الله تبارك وتعالى اوحى الى بنى من أنبياء بنى إسرائيل قل لاهل طاعتى من أمتك ان لا يتكلوا على أعمالهم فانى لا اناصب عند الحساب يوم القيامة ما شاء ان أعذبه إلا عذبته وقل لاهل معصبتى من أمتك لا تلقوا بايديهم فانى اغفر الذنوب العظيمة ولا أبالي والله تعالى اعلم ثم عقب ذلك قوله هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ اى بصنيعكم وسعادتكم وشقائكم وما يصير اليه أموركم وافعل هاهنا بمعنى الفعيل إذ لا اعلم لاحد غير الله تعالى بما يصدر من الإنسان قبل وجوده كما يدل عليه قوله تعالى إِذْ أَنْشَأَكُمْ اى انشأ أباكم آدم مِنَ الْأَرْضِ فان علمه تعالى بالأشياء قديم وقد قال رسول الله - ﷺ - كتب الله تقادير الخلائق قبل ان يخلق السموات والأرض بخمسين الف سنة قال وعرشه على الماء رواه مسلم من حديث عبد الله
بن عمرو قال رسول الله - ﷺ - ان أول ما خلق الله القلم فقال له اكتب قال ما اكتب قال اكتب القدر فكتب ما كان وما هو كاين الى الابد رواه الترمذي من حديث عبادة بن الصامت وقال هذا حديث غريب اسناده وقال رسول الله - ﷺ -
122
ان الله خلق آدم ثم مسح ظهره بيمينه فاستخرج منه ذرية فقال خلقت هؤلاء للجنة وبعمل اهل الجنة يعملون ثم مسح ظهره واستخرج منه ذرية فقال خلقت هؤلاء للنار وبعمل اهل النار فقال رجل ففيم العمل يا رسول الله فقال رسول الله - ﷺ - ان الله إذا خلق العبد للجنة استعمله بعمل اهل الجنة حتى يموت على عمل من اعمال اهل الجنة فيدخله به الجنة وإذا خلق العبد للنار استعمله بعمل اهل النار حتى يموت على عمل من اعمال اهل النار فيدخله به النار رواه مالك والترمذي وابو داود من حديث عمر بن الخطاب وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ ج معطوف على إذا نشاكم وكلا الظرفين متعلق بأعلم عن ابن مسعود قال حدثنا رسول الله - ﷺ - وهو الصادق المصدوق ان خلق أحدكم يجمع فى بطن امه أربعين يوما نطفة ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضفة مثل ذلك ثم يبعث الله ملكا بأربع كلمات فيكتب عمله واجله ورزقه وشقى او سعيد ثم ينفخ فيه الروح فوالذى لا اله غيره ان أحدكم ليعمل بعمل اهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها الا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل اهل النار فيدخلها وان أحدكم ليعمل بعمل اهل النار حتى ما يكون بينه وبينها الا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل اهل الجنة فيدخلها متفق عليه فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ اى لا تثنوا عليها بزكاء العمل وزيادة الخير او بالطهارة عن المعاصي والرذائل إذ لا علم لكم بعواقب أموركم- قال الحسن علم الله من كل نفس ما هى صانعة والى ما هى صائرة فلا تزكوا أنفسكم فلا تبروها عن الآثام ولا تمدحوها بحسن أعمالها وكذا قال ابن عباس قال الكلبي ومقاتل كان الناس يعملون أعمالا حسنة ثم يقولون صلوتنا وصيامنا وحجنا فانزل الله تعالى هذه الاية واخرج الواحدي والطبراني وابن المنذر وابن ابى حاتم عن ثابت بن الحارث الأنصاري قال كانت اليهود تقول إذا هلك لهم صبى صغير هو صديق فبلغ ذلك النبي - ﷺ - فقال كذبت يهود ما من نسمة يخلقها الله فى بطن امه الا انه شقى او سعيد فانزل الله تعالى عند ذلك هذه الاية هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ الاية هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى فانه يعلم من يختم له منكم على التقوى واخلاص العمل قبل ان يخرجكم من صلب آدم عليه السلام.
أَفَرَأَيْتَ الاستفهام للتعجب والفاء للعطف على محذوف يعنى أنظرت يا محمد الَّذِي تَوَلَّى عن اتباع الحق والثبات عليه يعنى الوليد بن المغيرة كان قد اتبع النبي - ﷺ - على دينه فعيره بعض المشركين وقال لم تركت دين الأشياخ وضللتهم قال انى خشيت عذاب الله فضمن الذي عاتبه ان هو أعطاه كذا من ماله ورجع الى شركه ان يتحمل عنه عذاب الله فرجع الوليد الى الشرك.
وَأَعْطى الذي غيره بعض ذلك
المال الذي ضمنه ومنعه فانزل الله تعالى أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى ادبرا عن الايمان واعطى صاحبه قَلِيلًا وَأَكْدى اى بخل بالباقي كذا قال البغوي واخرج ابن جرير عن ابن زيد نحوه قال ان رجلا اسلم فلقيه بعض من يعيره فقال تركت دين الأشياخ وضللتهم وزعمت انهم فى النار قال انى خشيت عذاب الله قال أعطني شيئا وانا احمل كل عذاب كان عليك فاعطاه شيئا فقال زدنى فتفا سر حتى أعطاه شيئا وكتب له كتابا واشهد له ففيه نزلت أفرأيت الذي تولى الاية وقال مقاتل اعطى الوليد قليلا من الخير بلسانه ثم أكدى قطعه وامسك ولم يتم على العطية وقال السدى نزلت فى العاص بن وائل السهمي وذلك انه ربما يوافق النبي - ﷺ - فى بعض الأمور وقال محمد بن كعب القرظي نزلت فى ابى جهل وذلك انه قال ما يأمرنا محمد إلا مكارم الأخلاق فذلك قوله تعالى وَأَعْطى قَلِيلًا من الإقرار بالحق وَأَكْدى اى لم يؤمن ومعنى أكدى قطع وأصله من الكدية وهى حجر صلب يظهر فى البير يمنع من الحفر يقول العرب أكدى الحافر واجبل إذا بلغ فى الحفر الكدية والجبل.
أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ استفهام للانكار فَهُوَ يَرى الفاء للسببية يعنى ان كان عنده علم الغيب فهو يعلم ان صاحبه يتحمل عنه إذا اشركه لما أخذ من ماله-.
أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ اى لم يخبر بِما فِي صُحُفِ مُوسى يعنى اسفار التوراة.
وَصحف إِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى ما امره الله به وإثمه حتى قام يذبح ابنه وبلغ رسالات ربه واحتمل من الخلق أذى حتى صبر على نار نمرود وابتلاه ربه بكلمات فاتمهن والتوصية الإتمام وروى البغوي بسنده عن ابى امامة عن النبي - ﷺ - قال وابراهيم الذي وفى قال صلى اربع ركعات أول النهار واخرج ابن جرير وابن ابى حاتم عن معاذ بن انس عن رسول الله - ﷺ - قال الا أخبركم لم سمى ابراهيم خليل الله الذي وفى انه كان يقول كلما أصبح وامسى فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون حتى ختم الاية وروى الترمذي عن ابى الدرداء وابى ذر عن رسول الله - ﷺ - عن الله تبارك وتعالى انه قال يا ابن آدم اركع لى اربع ركعات أول النهار أكفك آخره ورواه ابو داود والدارمي عن نعيم الفطفانى واحمد عنهم وقدم موسى لان صحفه يعنى التوراة كان أشهر وأم قيل منقطعة لان من شرط المتصلة ان يليه أحد المتساويين والاخر الهمزة وهاهنا ليس كذلك قلت جاز ان يقال فى تاويل الاية أعنده علم الغيب بتوسط الانباء او بلا توسط بانه يتحمل عنه غيره أم ليس عنده علم الغيب الحاصل بتوسط الانباء والكتب ايضا بانه لا بتحمل أحد عن غيره والاستفهام للانكار يعنى ليس عنده علم الغيب يتحصل أحد عن غيره وعنده علم حصل بالتواتر والشهرة
بما فى الكتب السماوية بعدم التحمل.
أَلَّا تَزِرُ اى لا تحمل نفس وازِرَةٌ نفس حاملة وِزْرَ نفس أُخْرى يعنى لا يوخذ نفس يأثم غيره ان مخففة من الثقيلة اسمها ضمير الشان محذوف والجملة خبره وهى مع اسمها وخبرها فى محل الجر بدلا مما فى صحف موسى او الرفع على انه خبر مبتدا محذوف اى هو كانه قيل ما فى صحفها فاجاب به قال البغوي روى عكرمة عن ابن عباس قال كانوا قبل ابراهيم يأخذون الرجل بذنب غيره وكان الرجل يقتل بقتل أبيه وابنه وأخيه وامرأته وعبده حتى جاء ابراهيم فنهاهم عن ذلك وبلغهم عن الله ان لا تزر وازرة وزر اخرى قلت لم يكن ذلك حكما شرعيا بل حكما جاهليا كما كان قبل مبعث النبي - ﷺ - ايضا فى الأوس والخزرج كان أحد الحيين شريفا ذا ثروة من الاخرى فكانوا يقتلون بامرأة من الشريف رجلا من الاخر وبعبد حرا وبواحد اثنين حتى نزلت الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى وقد ذكرنا القصة فى سورة البقرة- وهذه الاية لا يخالف قوله تعالى وكتبنا على بنى إسرائيل انه من قتل نفسا بغير نفس او فساد فى الأرض فكانما قتل الناس جميعا وقوله - ﷺ - من سن سنة سيئة فله وزرها ووزر من عمل بها الى يوم القيامة أخرجه احمد ومسلم من حديث جرير بن عبد الله رض فان ذلك للدلالة والتسبب الذي هو وزره ولذا ورد فى الحديث من غير ان ينقص من أوزارهم شيئا وكذا قوله تعالى واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة وقوله - ﷺ - إذا انزل الله بقوم عذابا أصاب العذاب من كان فيهم ثم بعثوا على أعمالهم متفق عليه من حديث ابن عمر محمول على ترك الأمر بالمعروف نحو قوله - ﷺ - ان الناس إذا رد الظالم فلم يأخذوه على يديه او شك ان يعمهم الله بعقاب رواه اصحاب السنن الاربعة من حديث ابى بكر الصديق (مسئلة) اختلف اقوال السلف فى تعذيب الميت ببكاء اهله عليه وقد ورد فى الصحيحين عن عبد الله بن مليكة قال توفيت بنت لعثمان بن عفان بمكة فجئنا لنشهدها وحضر ابن عمرو ابن عباس فقال ابن عمر لعمر بن عثمان وهو مواجهه الا تلتهى عن البكاء فان رسول الله - ﷺ - قال ان الميت ليعذب ببكاء اهله عليه فقال ابن عباس قد كان يقول بعض ذلك ثم حدث وقال لما ان أصيب عمر دخل صهيب يبكى يقول وا أخاه وا صاحباه فقال عمر يا صهيب أتبكي على وقد قال رسول الله - ﷺ - ان الميت ليعذب ببعض بكاء اهله عليه فقال ابن عباس فلما مات عمر ذكرت ذلك لعائشة فقالت يرحم الله عمر لا والله ما حدث رسول الله ﷺ ان الميت ليعذب ببكاء اهله عليه ولكن ان الله يزيد الكافر عذابا ببكاء اهله عليه وقالت عائشة حسبكم القران ولا تزر
وازرة وزر اخرى قال ابن عباس عند ذلك والله اضحك وابكى قال ابن ابى مليكة فما قال ابن عمر شيئا قلت وتخطية عائشة عمر رض ضعيف وقد كان عمرا فقه من عائشة وكان شهادته شهادة الإثبات وتايدت حديث عمر بأحاديث اخر منها حديث المغيرة بن شعبة قال سمعت رسول الله - ﷺ - يقول من نيح عليه فانه يعذب بما نيح عليه- منها حديث ابى بكر الصديق عن النبي - ﷺ - أخرجه ابو يعلى بلفظ الميت ينضج عليه الحميم ببكاء الحي ومنها حديث انس وعمر ان بن حصين عن ابن حبان فى صحيحه وحديث سمرة بن جندب عند الطبراني فى الكبير وحديث ابى هريرة عند ابى يعلى فظهران الحديث صحيح بتى الكلام فى تعارض الحديث بقوله تعالى لا تزر وازرة وزر اخرى فقال بعض العلماء ان التعذيب بالبقاء مختص بالكافر او بمن اوصى به لا بسبب البكاء والباء للحال اى يعذب حال بكائهم عليه والقولان عن عائشة لا يصحان لان القول باختصاص التعذيب بالكافر لا يدفع التعارض لان قوله تعالى أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى يعم المؤمن والكافر وألفاظ الحديث ببعض طرقها يابى عن كون الباء للحال الا ترى ان قوله ينضج الحميم ببكاء الحي صريح فى التعذيب فى الاخرة فان الحميم انما هو فى الجحيم لا فى الغير فكيف يتحد زمان التعذيب زمان بكاء الحي فلا يتصور كونه حالا وقيل المراد بالتعذيب توبيخ الملائكة له بما يندب به اهله الحديث الترمذي والحاكم وابن ماجة مرفوعا ما من ميت
يموت فتقوم نادية فتقول واجبلاه واسيداه وشبه ذلك من القول الا وكل به ملكان ينهرانه وهكذا كنت قلت وهذا التأويل ايضا لا يدفع التعارض فان التوبيخ بفعل غيره ايضا مما يمنعه لا تزر وازرة وزر اخرى وقيل المراد بالتعذيب تألم الميت بما يقع من اهله الحديث الطبراني وابن ابى شيبة عن قيلة بنت محترمة انها ذكرت عند رسول الله - ﷺ - ولدا لها مات ثم بكت فقال رسول الله - ﷺ - أيغلب أحدكم ان يصاحب صويحية فيا عباد الله لا تعذبوا امواتكم وهذا القول عليه ابن جرير واختاره الائمة آخرهم ابن تيمية واخرج سعيد ابن منصور عن ابن مسعود انه راى نسوة فى جنازة فقال ارجعن ما زورات غير ما جورات انكن لا تفتن الاحياء وتوذين الأموات والقول الصحيح فى دفع التعارض ان الحديث فيمن كان النوح من سنته او فيمن اوصى به او فيمن لم يوص بتركه إذا علم ان من شان اهله انهم يفعلون فيكون التعذيب على وزره دون وزر غيره واختار البخاري هذا القول.
وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى اى الا سعيه يعنى كما لا يوخذ أحد بذنب غيره لا يثاب بفعل غيره ايضا عطف على ان لا تزر كلا الحكمين كانا فى صحف ابراهيم وموسى ومستدلا بهذه الاية قال الشافعي لا يثاب أحد بعمل غيره وقال ابو حنيفة
126
ومالك واحمد وجمهور الخلف والسلف بخلاف ذلك فقال ابن عباس الاية منسوخة بقوله تعالى الَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وقال عكرمة انها خاصة بقوم ابراهيم وموسى فاما هذه الامة فلها ما سعت وما سعى لها- وقال الربيع بن انس المراد بالإنسان هاهنا الكافر وهذا ليس بشىء فان الكافر لا يثاب بعمل نفسه ايضا حيث قال الله تعالى حبطت أعمالهم وقيل اللام هاهنا بمعنى على اى ليس على الإنسان الا ما سعى وعلى هذا بكون عطف لا تزر وازرة وزر اخرى عطفا تفسير يا احتج الجمهور على وصول الثواب من غيره بالأحاديث والإجماع اما الأحاديث فمنها حديث ابى سعيد سمعت رسول الله - ﷺ - يقول إذا قبض الله روح عبده المؤمن صعد ملكان الى السماء قالا ربنا وكلتنا بعهدك المؤمن نكتب عمله وقد قبضته إليك فاذن لنا ان نسكن الأرض فيقول ارضى مملوة من خلقى يسبحون ولكن قوما على قبر عبدى فسبحانى وهللانى وكبرانى الى يوم القيامة واكتباه لعبدى أخرجه ابو نعيم- وحديث ابى هريرة قال قال رسول الله - ﷺ - إذا مات الإنسان انقطع عمله الا من ثلث صدقة جارية او علم ينتفع به او ولد صالح يدعو له رواه مسلم وكذا اخرج احمد عن ابى امامة وجه الاحتجاج بهذا الحديث ان الصدقة الجارية وعلم ينتفع به وان كانا من سعيه ولكن دعاء الولد ليس من عمله وهو ينفعه وحديث ابى هريرة قال قال رسول الله - ﷺ - ان الله ليرفع الدرجة للعبد الصالح فى الجنة فيقول يا رب انى لى هذه فيقول باستغفار ولدك لك رواه الطبراني وروى نحوه عن ابى سعيد مرفوعا وحديث ابن عباس قال قال النبي - ﷺ - ما الميت فى قبره الا شبه الغريق المتفوت ينتظر دعوة ملحقة من اب وأم او ولد او صديق ثقة فاذا ألحقته كانت أحب اليه من الدنيا وما فيها وان الله ليدخل على القبور من دعاء اهل الأرض أمثال الجبال وان هدية الاحياء الى الأموات الاستغفار لهم رواه البيهقي والديلمي وحديث مرفوعا أمتي امة مرحومة تدخل قبورها بذنوبها وتخرج من قبورها لا ذنوب عليها يمحض عنها باستغفار المؤمنين لها رواه الطبراني فى الأوسط قال السيوطي وقد نقل غير واحد الإجماع على ان الدعاء ينفع الميت ودليله من القران قوله تعالى وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ
قلت والظاهران انتفاع الأموات والاحياء بدعاء الاحياء غير مختصة بهذه الامة وقد قال نوح عليه السلام رب اغفر لى ولوالدى ولمن دخل بيتي مومنا وللمؤمنين والمؤمنات وقال ابراهيم عليه السلام ساستغفر لك ربى انه كان بي حفيا وقال يوسف لاخوته لا تثريب عليكم اليوم ليغفر الله لكم
127
قال اخوة يوسف لابيهم يا أبت استغفر لنا ذنوبنا انا كنا خاطئين قال سوف استغفر لكم ربى انه هو الغفور رّحيم وقال موسى رب اغفر لى ولاخى وأدخلنا فى رحمتك فالظ ان المراد بقوله تعالى وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى المذكور فى صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى انه لا يصل لاحد ثواب حسنات غيره من الصلاة والصوم والصدقة والحج ونحو ذلك ويكون من خصوصيات هذه الامة المرحومة نسخ ذلك الحكم بقوله الحقنا بهم ذريتهم من الأحاديث حديث عائشة ان رجلا قال يا رسول الله ان أمي افتلتت نفسها لم توص وأظنها لو تكلمت تصدقت فهل لها أجران تصدقت عنها قال نعم متفق عليه وحديث ابن عباس ان سعد بن عبادة توفيت امه وهو غائب فاتى رسول الله - ﷺ - فقال يا رسول الله ان أمي ماتت وانا غائب فهل ينفعها ان تصدقت عنها قال نعم قال فانى أشهدك ان حايطى صدقة عنها رواه البخاري واخرج احمد واربعة عن سعد بن عبادة انه قال يا رسول الله ان أمي ماتت فاى صدقة أفضل قال الماء فحفر بيرا وقال هذه لام سعد واخرج الطبراني بسند صحيح عن انس نحوه وحديث ابن عمر قال قال رسول الله - ﷺ - إذا
تصدق أحدكم بصدقة تطوعا فليجعلها عن أبويه فيكون لهما أجرها ولا ينقص من اجره شيئا واخرج الديلمي نحوه من حديث معاوية بن جندة وحديث انس سمعت رسول الله - ﷺ - يقول ما من اهل بيت يموت منهم فيتصدقون عنه بعد موته الا اهدا له جبرئيل على طبق من نور ثم يقف على شفير القبر فيقول يا صاحب القبر العميق هذه هدية أهداها إليك أهلك فاقبلها فيدخل عليه فيفرح بها ويستبشر ويحزن جيرانه الذين لا يهدى إليهم شىء رواه الطبراني فى الأوسط وحديث ابن عمر قال قال رسول الله - ﷺ - من حج عن والديه بعد وفاتهما كتب الله لهما عتقا من النار وكان للمحجوج عنهما اجر حجة تامة من غير ان ينقص من اجورهما شىء وقال - ﷺ - ما وصل ذو رحم رحمه بأفضل من حجة يدخلها عليه بعد موته فى قبره رواه البيهقي والاصبهانى بسند فيه مجهولان وعن زيد بن أرقم عن النبي - ﷺ - من حج عن أبويه ولم يحجا فيرى عنهما وبشرت أرواحهما فى السماء وكتب عند الله بزا أخرجه ابو عبد الله الثقفي وحديث عقبة بن عامر ان امرأة جاءت الى رسول الله - ﷺ - فقالت أحج عن أمي وقد ماتت قال ارايت لو كان على أمك دين فقضيته قالت بلى فامرها ان تحج رواه الطبراني وحديث انس قال جاء الى النبي - ﷺ - قال ان ابى مات ولم يحج حجة الإسلام فقال ارايت لو كان على أبيك دين كنت تقضيه عنه قال نعم قال فانه دين عليه فاقضبه رواه البزاز والطبراني بسند حسن وحديث ابى هريرة قال قال
128
رسول الله - ﷺ - من حج عن ميت فللذى حج عنه مثل اجره رواه الطبراني فى الأوسط وحديث عطاء وزيد ابن اسلم مرسلا قال جاء رجل الى النبي - ﷺ - فقال يا رسول الله أعتق عن ابى وقد مات قال نعم رواهما ابن ابى شيبة وحديث ابن عباس انه - ﷺ - سمع رجلا يقول لبيك عن شبرمة قال النبي - ﷺ - ومن شبرمة قال أخ لى او قريب قال أحججت عن نفسك قال لا قال حج عن نفسك ثم من شبرمة رواه ابو داود وابن ماجة والدارقطني والبيهقي وقال البيهقي اسناده صحيح وحديث عمرو بن العاص انه قال يا رسول الله ان العاص اوصى ان يعتق عنه بامه نسمة فاعتق هشام منها خمسين قال لا انما يتصدق ويحج ويعتق عن المسلم وكان مسلما بلغه رواه ابو الشيخ وحديث الحجاج بن دينار قال قال رسول الله - ﷺ - ان من البر بعد البر ان تصلى عنهما مع صلوتك وتصوم عنهما مع صيامك وتصدق عنهما مع صدقتك رواه ابن ابى شيبة وقد مر حديث بريدة ان امرأة قالت يا رسول الله ان كان على أمي صوم شهرين أفيجزى ان أصوم عنها قال نعم قالت فان أمي لم تحج قط أفيجزى ان أحج عنها قال نعم رواه مسلم وحديث عائشة قالت قال رسول الله - ﷺ - من مات وعليه صيام صام عنه وليه متفق عليه وحديث على رض مرفوعا من مر على المقابر وقرأ قل هو الله أحد أحد عشر مرة ووهب اجره للاموات اعطى من الاجر بعدد الأموات رواه ابو محمد السمرقندي وحديث ابى هريرة قال قال رسول الله - ﷺ - من دخل المقابر ثم قرأ فاتحة الكتاب وقل هو الله أحد وإلهكم التكاثر ثم قال انى جعلت ثواب ما قرأت من كلامك لاهل المقابر من المؤمنين والمؤمنات كانوا شفعاء له الى الله رواه ابو القاسم سعد بن على وحديث انس ان رسول الله - ﷺ - قال من دخل المقبر فقرأ سورة يسين خفف الله عنهم وكان له بعدد من فيها حسنات أخرجه عبد العزيز صاحب الخلال بسنده وقال السيوطي قد ورد قرائة الفاتحة عند راس الميت وخواتيم البقر عند رجله من حديث ابن عمر مرفوعا وقت الدفن وفواتح البقرة وخواتمها عن حديث العلاء بن اللجلاج مرفوعا وقال القرطبي فى حديث اقرءوا على موتاكم يس فقال الجمهور فى حال موته قال ابن عبد الواحد المقدسي عند القبور وقال المحب الطبري فى الحالتين واخرج ابن ابى شيبة عن عطاء قال يتبع بعد موته العتق والحج والصدقة واخرج عن ابى جعفر ان الحسن والحسين كان يعتقان عن على بعد موته واخرج ابن سعد عن القاسم بن محمد عن عائشة اعتقت عن أخيها عبد
الرحمن رقيقا من تلاده ترجوا ان ينفعه بذلك بعد موته وقال الحافظ شمس الدين ابن عبد الواحد ما زالوا فى كل مصر يجتمعون ويقرؤن لموتاهم من غير نكير فكان ذلك اجماعا واخرج
129
واخرج الخلالى عن الشعبي كانت الأنصار إذا مات لهم الميت اختلفوا الى قبره يقرؤن القران وفى الاحياء عن احمد بن حنبل قال إذا دخلتم المقابر فاقرأوا بفاتحة الكتاب والمعوذتين وقل هو الله أحد واجعلوا ذلك لاهل المقابر فانه يصل إليهم وقال البيضاوي فى توجيه الاية انه ما جاء فى الاخبار من ان الصدقة والحج ينفعان الميت فلان التاوي له كالتائب عنه وقال بعض العلماء فى توجيهها ان انتفاع المؤمن بسعى غيره مبنى على إيمانه وهو سعى نفسه فكان سعى غيره تابعا لسعى نفسه قايما بقيامه والله تعالى اعلم.
وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى فى ميزانه يوم القيامة ان كان مؤمنا واما الكافر فيحبط أعمالهم بفوات شرطها وهى النية الخاصة لله تعالى او يقال الكافر يثاب عليه فى الدنيا من أريته الشيء قلت والاولى ان يقال السعى هاهنا بمعنى القصد قال فى القاموس سعى يسعى سعيا كرعى قصد وعمل ومشى وعدى وتم وكسب وقال بعض المحققين السعى المشي السريع ويستعمل للحمد فى العمل ومعنى الاية ليس للانسان الا ما قصد وأراد بفعله فهذه الاية تفيد ما يفيد قوله - ﷺ - انما الأعمال بالنيات وان لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته الى الله ورسوله فهجرته الى الله ورسوله ومن كانت هجرته الى الدنيا يصيبها او المرأة نكحها فهجرته الى ما هاجر اليه متفق عليه من حديث عمر ابن خطاب رض فلا تدل هذه الاية على ان عمل أحد لا يفيد غيره كيف وصلوة الجنازة والصلاة على النبي - ﷺ - امورتان واجبتان وضعتا لانتفاع غير الفاعل والله تعالى اعلم.
ثُمَّ يُجْزاهُ اى المؤمن الْجَزاءَ الْأَوْفى الأتم والأكمل.
وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى هذا وما عطف عليه كله فى صحف ابراهيم وموسى والمنتهى مصدر بمعنى الانتهاء روى البغوي بسنده عن ابى بن كعب عن النبي - ﷺ - فى قوله تعالى وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى قال لا فكرة فى الرب يعنى الفكرة تنتهى الى الله ويتلاشى هناك قال البغوي وهذا مثل ما روى عن ابى هريرة مرفوعا تفكروا فى الخلق ولا تفكروا فى الخالق فانه لا تحيط به الفكرة كذا ذكر البغوي وروى ابو الشيخ فى العظمة عن ابن عباس تفكروا فى كل شىء ولا تفكروا فى ذات الله فان بين السماء السابعة الى كرسيه سبعة آلاف نور وهو فوق ذلك قلت يعنى الفكرة لا يصل الى كرسيه فكيف الى ذاته وهو أجل وارفع وفى رواية له عنه تفكروا فى الخلق ولا تفكروا فى الخالق فانكم لا تقدرون قدره وروى ابو نعيم فى الحلية عنه تفكروا فى خلق الله ولا تفكروا فى الله وروى ابو الشيخ عن ابى ذر تفكروا فى خلق الله ولا تفكروا فى الله قلت الفكر عبارة عن ترتيب مقدمات لتحصيل مطلوب فترتيب المقدمات لا يتصور الّا فى آلاء الله وآياته واثاره والمطلوب ذاته وهناك تنتهى الفكرة فانه ليس وراء العباد ان
قربه وذاته هو الصمد الذي لا يتعمق فيه النظر ونفى الفكرة فى ذاته تعالى لا ينافى الوصول اليه بلا كيف بل قوله تعالى وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ المنتهى يقتضى نهاية السير الى الذات البحت فى الله فى اصطلاح الصوفية انما هو السير فى الصفات والشيون والاعتبارات دون الذات البحت المعبر باللاتعين لكن هاهنا سير نظرى على ما حققه المجدد وقال اكثر المفسرين معنى الاية ان منتهى الخلق ومصيرهم الى الله تعالى وقيل منه ابتداء المنة واليه انتهاء الآمال والله تعالى اعلم.
وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى يعنى خلق كل ما يعمله العباد حتى الضحك والبكاء قال عطاء بن ابى مسلم يعنى افرح واحزن وقال مجاهد اضحك اهل الجنة فى الجنة وابكى اهل النار فى النار وقال الضحاك اضحك الأرض بالنبات وابكى السماء بالمطر روى البغوي بسنده عن جابر بن سمرة قال كان اصحاب النبي - ﷺ - يحلون فيتناشدون الشعر ويذكرون أشياء من امر الجاهلية فيضحكون ويتبسم معهم إذا ضحكوا يعنى النبي - ﷺ - ورواه مسلم بلفظ كانوا يتحدثون فياخذون فى امر الجاهلية فيضحكون ويتبسم - ﷺ - وفى رواية الترمذي يتناشدون الشعر روى البغوي فى شرح السنة عن قتادة قال سئل ابن عمر هل كان اصحاب رسول الله - ﷺ - يضحكون قال نعم والايمان فى قلوبهم أعظم من الجبل وقال بلال بن سعد يشتدون بين الأغراض ويضحك بعضهم الى بعض فاذا كان الليل كانوا رهبانا- وروى البخاري عن عائشة ما رايت النبي - ﷺ - مستجمعا ضاحكا حتى ارى منه لهواته انما كان يتبسم وفى الصحيحين عن جرير قال ما حجبنى النبي - ﷺ - منذ أسلمت ولارانى الا تبسم وروى الترمذي عن عبد الله بن الحارث بن جزء قال ما رايت أحدا اكثر تبسما من رسول الله - ﷺ - وروى البخاري عن ابى هريرة قال قال ابو القاسم - ﷺ - والذي نفسى بيده لو تعلمون ما اعلم لبكيتم كثيرا ولضحكتم قليلا وكذا روى احمد والترمذي وابن ماجة عن ابى ذر وزادوا ما تلذذتم بالنساء على الفرشات ولخرجتم الى الصعدات تحادون الى الله.
وَأَنَّهُ هُوَ أَماتَ وَأَحْيا ما لا روح فيه كالنقطة لنطفة جعله حيوانا والبذر جعله شجرا وقيل أمات الآباء وأحيا الأبناء وقيل أمات الكافر بالنكرة واحياء المؤمن بالمعرفة.
وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى من كل حيوان.
مِنْ نُطْفَةٍ إِذا تُمْنى ص اى تصب فى الرحم يقال منى الرجل وامنى قاله الضحاك وعطاء بن ابى رباح وقال آخرون إذا يقدر قال منيت الشيء إذا قدرته.
وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرى قرأ ابن كثير وابو عمرو النشاة بالمد والباقون بسكون الشين بلا مدوهما مصدران
من نشأ ينشأ يعنى الخلق الثاني البعث بعد الموت يوم القيامة أورد كلمة على وهى للوجوب على المجاز لتاكيد الوعد.
وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنى الناس بالأموال وما يدخرونه بعد الكفاية قال فى القاموس تغنى اكتفى بنفقته وفضلت فضله فادخرها والظاهران التقدير اغنى وَأَقْنى أفقر فحذف أفقر استغناء منه بدلالة الحال وقال الضحاك اغنى بالذهب والفضة وصنوف الأموال واقنى بالإبل والبقر والغنم وقال قتادة والحسن اقنى اخدم وقال ابن عباس اغنى واقنى يعنى اعطى فاوصى وقال مجاهد ومقاتل اقنى ارضى بما اعطى وقنع قال ابن زيدا غنى أكثروا قنى اقل وقرأ يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر وقال الأخفش اقنى أفقر.
وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرى وهو كوكب خلف الجوزاء وهما شعر بان يقال لاحدهما العبور وللاخرى القميصا سميت بذلك لانها احقر من الاخرى والمختبرة بينهما وأراد لههنا الشعرى العبور وكانت خزاعة تعبدها وأول من سن لهم ذلك رجل من اشرافهم يقال له ابو كبشة عبدها وخالف قريشا فى عبادة أوثان ولما خالف رسول الله العرب فى الدين سموه ابن ابى كبشة لمناسبة مخالفة القوم وتخصيصها فى الذكر هاهنا للاشعار بانها مخلوقة لله تعالى لا يستحق العبادة مثل اللات والعزى ولعل قوما عبدوها فى زمن ابراهيم عليه السلام ايضا ولذلك ورد التخصيص بذكرها فى صحف ابراهيم وموسى.
وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عاداً الْأُولى وهو قوم هود اولى الأمم هلاكا بعد قوم نوح عليه السلام اهلكوا بريح صرصر وكان لهم عقب كانوا عاد الاخرى قرأ نافع وابو عمرو عاد لولى بحذف الهمزة وابقاء ضمتها على اللام وادغام التنوين فيها واتى قالون بعد ضمة اللام بهمزة ساكنة فى موضع الواو والباقون يكسرون التنوين ويسكنون اللام ويخففون الهمزة بعدها ويجوز فى الابتداء بقوله عز وجل الاولى على مذهب ابى عمرو ثلثة أوجه الاولى بإثبات همزة الوصل وضم اللام بعدها والثاني لولى بضم اللام وحذف همزة الوصل قبلها استغناء عنها بتلك الحركة وهذان وجهان جائزان فى مذهب ورش فى مثل هذه الكلمة والثالث الاولى كقراءة الجمهور بإثبات همزة الوصل واسكان اللام وتحقيق همزة فاء الفعل وكذلك يجوز فى الابتداء بهذه الكلمة على مذهب قالون ثلثة أوجه ايضا الاول بإثبات همزة الوصل وضم اللام وهمزة ساكنة عوض الواو والولي بضم اللام وحذف همزة الوصل وهمزة الواو كوجه ابى عمرو الثالث قال الداني وهو عندى احسن الوجوه واقتبسها بمذهبنا.
وَثَمُودَ قرأ عاصم وحمزة بغير تنوين ويقفان بغير الف والباقون بالتنوين ويقفون بالألف وهم قوم صالح اهلكهم الله بالصيحة فَما أَبْقى منهم أحدا.
وَقَوْمَ نُوحٍ اهلكهم-
مِنْ قَبْلُ ط عاد وثمود إِنَّهُمْ كانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغى ط من الفريقين لطول دعوة نوح إياهم وعتوهم على الله المعصية والتكذيب وإيذائهم نوحا عليه السلام يضربه حتى لا يكون به حراك ويتنفر الناس عنه.
وَالْمُؤْتَفِكَةَ اى القرى التي ايتفكت اى انقلبت باهلها وهى قرى قوم لوط أَهْوى اى أسقط أهواها جبرئيل عليه السلام بعد رفعها الى السماء.
فَغَشَّاها ما غَشَّى ج يعنى الحجارة المنضودة المسومة فيه تهويل وتعظيم لما أصابهم.
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمارى اى تشكك وتجادل وقال ابن عباس تكذب خطاب لكل أحد يعنى لا يجوز الشك والمجادلة فى آلاء ربك الباهرة والنعماء الظاهرة والقدرة القاهرة بعد ما سمعت احوال الأمم السابقة قيل أراد بالخطاب الوليد بن مغيرة.
هذا يعنى محمد - ﷺ - او القران نَذِيرٌ مبين مِنَ جنس النُّذُرِ الْأُولى اى المنذرين الأولين وقال الاولى على تاويل الجماعة اى من جنس النذرات الاولى قرأ حمزة والكسائي اواخر...
هذه السورة من قوله تعالى إِذا هَوى الى النُّذُرِ الْأُولى بالامالة واما ابو عمرو من ذلك ما كان فيه راء كاخرى وشعرى وتتمارى وما عدى ذلك بين بين وورش جميع ذلك بين بين والباقون بإخلاص الفتح.
أَزِفَتِ الْآزِفَةُ ج يعنى دنت الساعة الموصوفة بالدنو فى قوله تعالى اقتربت الساعة-.
لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللَّهِ الجملة حال من الآزفة كاشِفَةٌ ط اى مظهرة نظيره قوله تعالى لا يجليها لوقتها الا هو صفة موصوف محذوف اى نفس كاشفة وجاز ان يكون التاء فيه للمبالغة ويجوز ان يكون الكاشفة مصدرا كالباقية والعافية والمعنى ليس لها من دون الله كشف لا يكشفها ولا يظهرها غيره وقال عطاء وقتادة والضحاك ليس لها نفس قادرة على كشف أهوالها وشدايدها إذ غشيت الا الله تعالى يكشف عمن شاء من المؤمنين.
أَفَمِنْ هذَا الْحَدِيثِ اى القران عطف على محذوف تقديره أتسمعون فمن هذا الحديث تَعْجَبُونَ إنكارا واستفهام للتوبيخ.
وَتَضْحَكُونَ استهزاء وَلا تَبْكُونَ خشوعا او تضحكون بما تفرحون من اللذات الدنيوية ولا تبكون تحزنا على ما قصرتم فى الطاعة او أفرطتم فى المعصية.
وَأَنْتُمْ سامِدُونَ اى لاهون غافلون والسمود الغفلة عن الشيء واللهو يقال دع منا سمودك اى لهوك هذا رواية الوالبي والعوفى عن ابن عباس وقال عكرمة السمود عنه الضلو؟؟؟ بلغة اهل اليمن كانوا إذا سمعوا القران تغنوا ولعبوا وقال الضحاك اشرون بطرون وقال مجاهد غضاب معرضون وقيل معناه
مستكبرون من سمد البعير فى مسيرة إذا رفع راسه كذا اخرج ابن ابى حاتم عن ابن عباس قال كانوا يمرون على رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وهو يصلى شامخين فنزلت وأنتم سامدون قال فى النهاية شمخ بانفه اى ارتفع تكبرا.
فَاسْجُدُوا لِلَّهِ خشوعا وتواضعا لله وتصديقا بوعده ووعيده واعتبارا وَاعْبُدُوا ع اى اعبدوه دون غيره- الفاء للسببية عطف على ازفت الآزفة عن ابن عباس قال سجد النبي صلى الله عليه واله وسلم بالنجم وسجد معه المسلمون والمشركون والجن والانس رواه البخاري وعن ابن مسعود ان النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم قرأ والنجم فسجد فيها وسجد من كان معه غير ان شيخا من قريش أخذ كفا من حصى او تراب فرفعه الى جبهه وقال يكفينى هذا قال عبد الله فلقد رايته بعد قتل كافرا متفق عليه وزاد البخاري فى رواية وهو امية بن خلف وفى لفظ البخاري أول سورة نزلت فيها سجدة النجم فسجد رسول الله صلى الله تعالى عليه واله وسلم الحديث وعن زيد بن ثابت قال قرأت على رسول الله صلى الله عليه واله والنجم فلم يسجد فيها متفق عليه احتج بهذا الحديث من قال ان سجود التلاوة غير واجب وأجيب بانه صلى الله تعالى عليه وعلى اله وأصحابه وسلم لعله لم يكن حينئذ على وضوء او يكون حينئذ مانع من السجدة ولا يدل الحديث على نفى السجود مطلقا لكن هذا تاويل بعيد ولو كان تأخير السجود لعذر لببينه النبي صلى الله عليه واله وسلم ويدل على عدم وجوب السجدة وقول عمر بن الخطاب رض ان الله لم يكتبها علينا الا ان نشاء وقد ذكرنا مسائل سجود التلاوة واختلاف الائمة فيه فى سورة الانشقاق والله تعالى اعلم-.
Icon