ﰡ
٢ - وقوله تعالى: ﴿الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾ قال الزهري (٤): هو سكون المرء في صلاته (٥).
وذكرنا أن معنى (٦) الخشوع في اللغة: السكون (٧). وعلى هذا المعنى يدور كلام المفسرين في تفسير الخاشعين في الصلاة.
فقال السدي: متواضعون (٨). وقال مجاهد وإبراهيم: ساكنون (٩).
قال الحاكم بعد إخراجه لهذا الحديث: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه. فتعقبه الذهبي بقوله: قلت: بل ضعيف.
(١) ما بين المعقوفين ساقط من (ع).
(٢) (فيها): ساقطة من (أ).
(٣) رواه عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٤٣، والطبري ١/ ١٨.
(٤) في (ع): (الأزهري)، وهو خطأ.
(٥) رواه عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٤٣، والطبري ١٨/ ٢، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٨٥ وعزاه لعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم.
(٦) معنى): ساقطة من (ع).
(٧) انظر: (خشع) في "تهذيب اللغة" ١/ ١٥٢، "لسان العرب" ٨/ ٧١، "القاموس المحيط" ٣/ ١٨.
(٨) لم أجده عنه، وهذا تفسير مقاتل. انظر: "تفسيره" ٢٩ أ، والثعلبي ٣/ ٥٨ أ.
(٩) رواه ابن المبارك في "الزهد" ص ٥٥، والطبري ١٨/ ٢، عن مجاهد بلفظ: السكون فيها، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٨٥ بلفظ: الخشوع في =
وقال الحسن وقتادة: خائفون (٢).
وهذا معنى؛ لأن (٣) من سكن في صلاته إنما هو لخوفه من الله.
فالخوف معنى للخشوع وليس بتفسير له. وكذلك قول من فسره بغض البصر وخفض الجناح (٤). كل ذلك يؤول إلى السكون، يدل عليه ما روي عن ابن عباس -في هذه الآية- قال: خشع (٥) من خوف الله، فلا يعرف مَنْ على يمينه ولا مَنْ على يساره (٦).
وروي عن ابن سيرين قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا صلى نظر في السماء،
ورواه عن إبراهيم الطبري في "تفسيره" ١٨/ ٢ وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٨٤ بلفظ: ساكتون، وعزاه لابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير.
قال النحاس في "معاني القرآن" ٤/ ٤٤٢: وقول مجاهد وإبراهيم في هذا حسن؛ وإذا سكن الإنسان تذلل ولم يطمح ببصره ولم يحرك يديه.
(١) ذكره الثعلبي في "الكشف والبيان" ٣/ ٥٨ أ.
(٢) ذكره عنهما الثعلبي و"الكشف والبيان" ٣/ ٥٨ أ.
ورواه عبد الرزاق ٢/ ٤٣، والطبري ١٤/ ٣ عن الحسن. وذكر السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٨٤ أن عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر أخرجوا عن قتادة قال: الخشوع في القلب هو الخوف. ولم أر زيادة هو الخوف عند الطبري ١٨/ ٣.
(٣) في (ع): (لا من. وبينهما بياض.
(٤) هذا تفسير الحسن البصري كما عزاه إليه الطبري ١٨/ ٢، وتفسير مجاهد كما عزاه إليه الثعلبي ٣/ ٥٨ أ.
(٥) في (أ): (يخشع).
(٦) ذكره البغوي ٥/ ٤٠٨ بنحوه، وعزاه لسعيد بن جبير.
٣ - قوله: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ﴾ قال ابن عباس في رواية عطاء -وهو قول الضحاك: عن الشرك بالله (٣).
وقال الحسن: عن المعاصي (٤).
وروي عن ابن عباس: عن الحلف الكاذب (٥).
وقال مقاتل: الشتم والأذى إذا سمعوا من كفار مكة (٦).
وقال الزجاج (٧) وغيره (٨): هو كل باطل ولهو وهزل، ومعصية وما لا يحمد (٩) في القول والفعل.
(٢) رواه أبو داود في كتابه "المراسيل" ص ٤١، وعبد الرزاق في "المصنف" ٢/ ٢٥٤، والبيهقي في "السنن الكبرى" ٢/ ٢٨٣ عن ابن سيرين بنحوه.
قال الألباني في "إرواء الغليل" ٢/ ٧١: ضعيف.
(٣) ذكره البغوي ٥/ ٤٠٩ من رواية عطاء عن ابن عباس. وذكره ابن الجوزي ٥/ ٤٦٠ من رواية أبي صالح عن ابن عباس. وذكره عن الضحاك النحاس في "إعراب القرآن" ٣/ ١٠٩، والقرطبي ١٢/ ١٥.
(٤) ذكره الثعلبي ٣/ ٥٨ ب، ورواه عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٤٣، والطبري ١٨/ ٣، وذكره السيوطي في "الدر" ٦/ ٨٧ وعزاه لعبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر.
قال النحاس في "إعراب القرآن" ٣/ ١٠٩: ومن أحسن ما قبل فيه قول الحسن.. ، فهذا قول جامع...
وبمثل قول النحاس قال القرطبي ١٢/ ١٥.
(٥) ذكره عنه الثعلبي ٣/ ٥٨ ب.
(٦) "تفسير مقاتل" ٢/ ٢٩ أ.
(٧) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٦.
(٨) عند الثعلبي (جـ٣ ل ٥٨ ب): (غيرهم: ما لا يحمل في القول والفعل.
(٩) في (ع): (يحمل) مهملة. وعند الثعلبي: يجمل.
وذكرنا الكلام في اللغو عند (٢) قوله: ﴿لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٥].
٤ - قوله: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ﴾ قال ابن عباس: يزكون أموالهم ابتغاء مرضات الله. وقال الكلبي: للصدقة الواجبة مُؤدون (٣).
وقال أبو إسحاق: معنى ﴿فَاعِلُونَ﴾: مؤتون (٤). يعني أن الإيتاء فعلٌ، فعبر الله عنه (٥) بلفظ الفعل كما قال أمية:
المُطْعمُون الطَّعَام في السَّنَة | الأزْمَة والفاعلون للزكوات (٦) |
(٢) في (ع): (في).
(٣) ذكره البغوي ٥/ ٤٠٩ من غير نسبة لأحد.
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٦.
(٥) في (ع): (فعبر عنه).
(٦) البيت في "ديوانه" ص ١٦٥، و"الكشاف" للزمخشري ٣/ ٢٦، و"الجامع" للقرطبي ١٢/ ١٠٥، و"البحر المحيط" لأبي حيان ٦/ ٣٩٦.
والسَّنَة الأزْمَة: الشديدة المجدة. انظر: "لسان العرب" ١٢/ ١٦ (أزم).
(٧) (أ)، (ع): (هو خير منه زكاة)، وهو خطأ.
(٨) "تهذيب اللغة" للأزهري ١٠/ ٣٢٠، (زكا)
ومعنى الفرج في اللغة: الفرجة بين الشيئين (٣). ولهذا سُمي ما بين قوائم الدابة الفروج. ومنه قول الشاعر (٤):
لها ذَنَبٌ مثلُ ذيل العروس | تَسُدُّ به فرجها من دُبُر |
وقال الزجاج: يحفظون فروجهم عن المعاصي (٥).
٦ - قوله: ﴿إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ﴾ قال الفراء: معناه إلا من أزواجهم (٦). وعلى هذا القول ﴿عَلَى﴾ بمعنى: من. وحروف الصفات متعاقبة (٧).
(٢) قول الليث في "تهذيب اللغة" للأزهري ١١/ ٤٤ - ٤٥ (فرج)، وهو في "العين" ٦/ ١٠٩ (فرج).
(٣) انظر (فرج) في: "تهذيب اللغة" للأزهري ١١/ ٤٤، "لسان العرب" ٢/ ٣٤١.
(٤) في (ع): (ومنه قوله:
وقائل هذا البيت هو: امرؤ القيس. وقد تقدم تخريج هذا البيت.
(٥) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٦.
(٦) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٣١.
(٧) حروف الصفات: هي حروف الجر، أو حروف الإضافة كما يسميها البصريون. قال ابن يعيش في "المفصل" ٨/ ٧: (وقد يسميها الكوفيون حروف الصفات، لأنها تقع صفات لما قبلها من المنكرات) أهـ.
وفي تعاقب حروف الصفات أو الجر مذهبان للنحويين:
١ - مذهب الكوفيين: أنها تتعاقب وينوب بعضها عن بعض. وهو الذي ذكره =
وعلى هذا القول ﴿عَلَى﴾ من صلة اللوم المضمر، ودل عليه ذكر اللوم في آخر الآية (٤).
٢ - مذهب البصريين: أن حروف الجر لا ينوب بعضها عن بعض بقياس، وما أوهم ذلك فهو عندهم إما مؤول تأويلا يقبله اللفظ، وإما على تضمين فعل معنى فعل يتعدى بذلك الحرف، وإما على شذوذ إنابة كلمة عن أخرى.
انظر: "مغني اللبيب" لابن هشام ١/ ١٢٩ - ١٣٠، "همع الهوامع" للسيوطي ٢/ ٣٥. وانظر ما كتبه ابن جني في "الخصائص" ٢/ ٣٠٦ - ٣١٥، وابن القيم في "بدائع الفوائد" ٢/ ٢٠ - ٢٢ حول هذا الموضوع فهو مفيد.
(١) في (أ): (معنى).
(٢) في (ع): (لا يلامون).
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٦.
(٤) وهذا الوجه الذي ذكره الزجاج وبينه الواحدي، ذكره الزمخشري في "الكشاف" ٣/ ٢٦ ضمن وجوه منها:
أن (على) متعلقة بمحذوف وقع حالا من ضمير (حافظون) والاستثناء مفرغ من أعم الأحوال، أي حافظون لفرجهم في جميع الأحوال إلا حال كونهم والين وقوامين على أزواجهم. من قولك: كان فلان على فلانة فمات عنها فخلف عليها فلانة. ونظيره كان زياد على البصرة، أي: واليًا عليها.
وقد اعترض أبو حيان ٦/ ٣٩٦ على هذه الوجوه وذكر أنها متكلفة، وقال: والأولى أن يكون من باب التضمين، ضمن (حافظون) معنى: ممسكون أو قاصرون، وكلاهما يتعدى بـ (على) كقوله ﴿أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ﴾ [الأحزاب: ٣٧]. وانظر أيضًا: "الإملاء" للعكبري ٢/ ١٤٦، "الدر المصون" ٨/ ٣١٧ - ٣١٨، "روح المعاني" للألوسي ١٨/ ٦.
وقال أهل المعاني: هذه الآية مخصوصة بالحالة التي تصح (٤) فيها وطء الزوجة والأمة، وهي أن لا تكون حائضًا ولا مُظاهرًا عنها، فلا تكون الأمة مزوجة ولا في عدة زوج. ولم يذكر (٥) هذه الأحوال هاهنا للعلم بها (٦) (٧).
وقيل: المعنى أنهم لا يلامون من جهة وطء زوجة أو ملك يمينه، وإن استحق اللوم من وجه آخر إذا كان وطؤه في إحدى هذه الحالات (٨).
٧ - قوله: ﴿فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ﴾ أي (٩): طلب سوى الأزواج والولائد.
(٢) في (ع): (معنى).
(٣) "تفسير مقاتل" ٢/ ٢٩ أ. وفيه: الحلائل.
(٤) في (ع): (يصح).
(٥) في (ع): (تذكر).
(٦) ذكر هذا المعنى: الطوسي في "التبيان" ٧/ ٣٠٩، والحاكم الجشمي في "التهذيب" ٦/ ١٩٣ أ - ب، ولم ينسباه لأحد.
(٧) هنا ينتهي الخرم. في نسخة (ظ).
(٨) ذكر هذا المعنى: الطوسي في "التبيان" ٧/ ٣٠٩، والحاكم الجشمي في "التهذيب" ٦/ ١٩٣ أ - ب، ولم ينسباه لأحد.
(٩) في (ظ): (وإن).
[وعلى هذا الوراء مفعول الابتغاء. قال أبو إسحاق: فمن طلب ما بعد ذلك (٥)] (٦).
وعلى هذا الوراء ظرف، ومفعول الابتغاء محذوف (٧).
وذكره مقاتل فقال: فمن ابتغى الفواحش بعد الأزواج والولائد (٨).
وذلك إشارة إلى الأزواج والإماء. وذكرنا قديمًا أن (ذلك) يجوز أن (٩) يشار به إلى كل مذكور مؤنثًا كان أو مذكرًا (١٠).
وقوله: ﴿فَأُولَئِكَ﴾ يعني المبتغين ﴿هُمُ الْعَادُونَ﴾ قال الزجاج: الجائرون الظالمون (١١). وقال المبرد: المتجاوزون إلى ما ليس لهم.
يعني: يتعدون الحلال إلى الحرام (١٢). فالأول من عدا أي: جار
(٢) ذكره الأزهري في "تهذيب اللغة" ٥/ ٣٠٥١ من رواية أبي العباس ثعلب، عنه.
(٣) هو قول الطبري ١٨/ ٤، والثعلبى ٣/ ٥٨ أ.
(٤) في (أ): (لقوله).
(٥) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٧.
(٦) ما بين المعقوفين ساقط من (أ)، (ظ).
(٧) انظر: "القرطبى" ١٢/ ١٠٧، "البحر المحيط" ٦/ ٣٩٧.
(٨) "تفسير مقاتل" ٢/ ٢٩ أ - ب.
(٩) في (ع): (إلى).
(١٠) انظر: "البسيط" عند قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ﴾ [البقرة: ٢].
(١١) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٧.
(١٢) ذكر هذا المعنى: الطوسي في "التبيان" ٧/ ٣٠٩، والجشمي في "التهذيب" ٦/ ١٩٣ أ - ب ولم ينسباه لأحد.
وهما يرجعان إلى أصل واحد؛ لأن الظالم مجاوز ما حُدَّ له.
٨ - قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ﴾ فيه قولان:
أحدهما: أنها (٢) أمانات الناس التي ائتمنوا عليها. وهو قول ابن عباس (٣).
والثاني: أنها أمانات بين الله وبين عبده مما لا يطلع عليه إلا الله، كالوضوء والغسل من الجنابة والصيام وغير ذلك. وهو قول الكلبي (٤).
وأكثر المفسرين على القول الأول (٥). وقرأ ابن كثير (لأمانتهم) واحدة (٦)، ووجهه: أنه مصدر واسم جنس فيقع على الكثرة، وإن كان مفردًا في اللفظ، كقوله تعالى: ﴿كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ﴾ (٧)
(٢) (أنها): ساقطة من (ع).
(٣) ذكره الثعلبي ٣/ ٥٨ ب من غير نسبة لأحد.
(٤) ذكر الجشمي في "تهذيبه" ٦/ ١٩٣ هذا القول باختصار ولم ينسبه لأحد.
(٥) انظر: "الطبري" ١٨/ ٥، والثعلبي ٣/ ٥٨ ب، وابن كثير ٣/ ٢٣٩.
قال أبو حيان ٦/ ٣٩٧، والظاهر عموم الأمانات، فيدخل فيها ما ائتمن الله تعالى عليه العبد من قول وفعل واعتقاد، فيدخل في ذلك جميع الواجبات من الأفعال والتروك وما ائتمنه الإنسان قبل، ويحتمل الخصوص في أمانات الناس... قال تعالى ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾ [النساء: ٥٨].
(٦) وقرأ الباقون (لأماناتهم) جماعة. "السبعة" ص ٤٤٤، "التبصرة" ص ٢٦٩، "التيسير" ص ١٥٨.
(٧) في (أ): (وكذلك)، وهو خطأ.
ووجه الجمع قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾ [النساء: ٥٨] (٥). وقد مر. والأمانة مصدر سُمِّي به المفعول.
وقوله: ﴿وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ﴾. وقال الكلبي: يقول وحلفهم الذي يؤخذ
(٢) في (أ): (والصنائع)، والمثبت من (ظ)، (ع) هو الموافق لما في "الحجة"، وعند البغوي: الصنائع.
(٣) (يد): زيادة من "الوسيط" ٣/ ٢٨٤ يستقيم بها المعنى.
(٤) من قوله: (ووجهه... إلى هنا) نقلا عن "الحجة" لأبي علي الفارسي ٥/ ٢٨٧. وليس فيه: (واسم الجنس يقع عليها كلها). وذكر ابن خالويه وابن زنجلة أن وجه الإفراد أن الله قال بعد ذلك (وعهدهم) ولم يقل: وعهودهم. وقال مكي بن أبي طالب: فآثر التوحيد -يعني ابن كثير- لخفته، ولأنه يدل على ما يدل عليه الجمع، ويقوي التوحيد أن بعده (وعهدهم) وهو مصدر.
"إعراب القراءات السبع وعللها" لابن خالويه ٢/ ٨٥، "حجة القراءات" لابن زنجلة ص ٤٨٢ - ٤٨٣، "الكشف" لمكي ٢/ ١٢٥.
(٥) "الحجة" للفارسي ٥/ ٢٨٨. وانظر: "إعراب القراءات السبع وعللها" لابن خالويه ٢/ ٨٥، "حجة القراءات" لابن زنجلة ص ٤٨٣.
وقال مكي بن أبي طالب في "الكشف" ٢/ ١٢٥: فأما من جمع فلأن المصدر إذا اختلفت أجناسه وأنواعه جمع، والأمانات التي تلزم الناس مراعاتها كثيرة، فجمع لكثرتها،... وقد أجمعوا على الجمع في قوله ﴿أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ﴾ [النساء: ٥٨].
قال أبو إسحاق: أصل الرعي (٢) في اللغة: القيام على إصلاح ما يتولاه من كل شيء، تقول: الإمام يرعى رعيته، والقيّم بالغنم يرعى غنمه، وفلان يرعى ما بينه وبين فلان، أي: يقوم على إصلاحه (٣). يقال: رَعَى يَرْعَى رَعْيا وَرعَاية (٤).
٩ - قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ﴾ وقرئ: صلاتهم (٥). فمن أفرد فلأن الصلاة في الأصل مصدر كالعمل والأمانة (٦)، ومن جمع فلأنه قد صار اسمًا شرعيًا لانضمام ما لم يكن في أجل اللغة أن ينضم إليها (٧).
قال إبراهيم: عني الصلوات المكتوبة (٨).
وقوله: ﴿يُحَافِظُونَ﴾ قال ابن عباس: يريد على مواقيتها (٩). وهو قول
(٢) مكان (الرعي) بياض في (ظ).
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ٦/ ٧.
(٤) انظر: "تهذيب اللغة" للأزهري ٣/ ١٦٢ (رعى)، "القاموس المحيط" ٤/ ٣٣٥.
(٥) قرأ حمزة، والكسائي: (صلاتهم) على التوحيد، وقرأ الباقون: (صلواتهم) بالألف على الجمع.
"السبعة" ص ٤٤٤، "التيسير" ص ١٥٨، "الإقناع" ٢/ ٧٠٨.
(٦) في (ظ): (والإعانة).
(٧) "الحجة" لأبي علي الفارسي ٥/ ٢٨٨. وانظر: "حجة القراءات" لابن زنجلة ص ٤٨٣، "الكشف" لمكي ١/ ٥٠٥ - ٥٠٦.
(٨) رواه الطبري ١٨/ ٥.
(٩) لم أجده عن ابن عباس، وهو مروي عن ابن مسعود. انظر: "الدر المنثور" ٦/ ٨٩.
قال أبو إسحاق: المحافظة على الصوات أن تُصلى في أول وقتها (٤)، فأما (٥) الترك فداخل في باب الخروج عن الدين (٦).
١٠ - قوله: ﴿أُولَئِكَ﴾ يعني: المؤمنين الموصوفين بالصفات المذكورة. ﴿هُمُ الْوَارِثُونَ﴾ فيه قولان:
أحدهما: أنهم يرثون منازل أهل النار من الجنة.
روى أبو هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما منكم من أحد إلا له منزلان: منزل في الجنة ومنزل في النار، فإن مات فدخل النار ورث أهل الجنة منزله، قال: فدلك (٧) قوله: ﴿أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ﴾ " (٨). وهذا تفسير
(٢) رواه الطبري ١٨/ ٥.
(٣) انظر: الطبري ١٨/ ٥، و"الدر المنثور" ٦/ ٨٩.
(٤) عند الزجاج: في أوقاتها.
(٥) في (ظ): (وأما).
(٦) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٧.
(٧) في (ع): (وكذلك).
(٨) رواه سعيد بن منصور في "تفسيره" ١٥٦ ب، وابن ماجه في "سننه" أبواب الزهد، صفة الجنة ٢/ ٤٥٨، والطبري ١٨/ ٥ - ٦، وابن أبي حاتم كما في "تفسير ابن كثير" ٣/ ٢٣٩.
وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٩٠ وعزاه لمن تقدم وزاد نسبته لابن المنذر وابن مردويه والبيهقي في "البعث".
قال البوصيري في "مصباح الزجاجة" ٣/ ٣٢٧: هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين. وصحح إسناده الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" ٣/ ٤٤٢.
وذكره الألباني في صحيح الجامع ٢/ ١٠١٠ وقال: صحيح.
القول الثاني: أنهم يرثون بيوتهم ومنازلهم التي بنيت بأسمائهم في الجنة. وهو قول الكلبي ورثوا الجنة دون الكفار خلصت لهم بأعمالهم - واختيار أبي إسحاق (١).
والمعنى: أنهم يؤول أمرهم إلى نعيم الجنة (٢).
قال المبرد: وأصل الميراث: العاقبة وإن لم يكن للأول منها شيء بسبب نسب، وإنما معناه الانتقال عن (٣) هذا إلى هذا كما قال -عز وجل- ﴿وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا﴾ [الأعراف: ١٣٧] الآية. وقد مر.
فعلى (٤) القول الأول: هم وارثون (٥) ورثوا من (٦) أهل النار منازلهم من الجنة. ويجوز أن يُسمى ميراثًا وإن لم يستحقوا ذلك بنسب.
وعلى القول الثاني: صارت عاقبتهم الجنة. فهم وارثون ورثوا منازلهم التي بنيت لهم في الجنة.
فأبو إسحاق اقتصر على هذا القول ولم يحك غيره.
(٢) ذكر هذا المعنى الثعلبي في "الكشف والبيان" ٣/ ٥٨ ب وعزاه لبعضهم.
(٣) في (ع): (من).
(٤) في (ظ): (زيادة (هذا)، بعد قوله (فعلى).
(٥) في (ع): (الوارثون).
(٦) (من): ساقطة من (أ)، (ظ).
ومضى الكلام في تفسير الفردوس في آخر سورة الكهف.
قال ابن عباس: يريد خير الجنان.
﴿هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ يريد خلود (٣) لا موت معه (٤)، ولذة لا انقطاع لها، وملك لا زواله له، وشيء لا يعلمه إلا الله.
١٢ - قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ﴾ السلالة: فعالة من السل، وهو استخراج الشيء من الشيء. يقال: سللت الشعر من العجين فانسل، وسللت السيف من غمده فانسل. ومن هذا يقال للنطفة: سُلَالة، وللولد: سَلِيل (٥) وسلالة (٦).
قالت ينت النعمان بن بشير (٧) لزوجها روح بن زنباع (٨):
(٢) هذا قول عكرمة. ذكره عنه الثعلبي ٣/ ٥٨ به قال الفراء في "معاني القرآن" ٢/ ٢٣١: وهو عربي أيضًا، العرب تُسمى البستان الفردوس.
(٣) في (ظ): (خلودًا، وملكًا).
(٤) في (ظ): (فيه).
(٥) في (ظ): (السليل).
(٦) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٨، "تهذيب اللغة" للأزهري ١٢/ ٢٩٢ (سل) فقد نسب فيه بعض ما ذكر هنا لأبي الهيثم والليث، "الصحاح" للجوهري ٥/ ١٧٣١ (سلل)، "لسان العرب" ١١/ ٣٣٩ (سلل).
(٧) هي: هند بنت النعمان بن بشير الأنصاري -رضي الله عنه- فصيحة، كانت تحت روح بن رنباع ثم تزوجها الحجاج، ثم عبد الملك بن مروان. ولها معهم أخبار. انظر: "وفيات الأعيان" لابن خلكان ٣/ ٩٥، "أعلاء النساء" لكحالة ٥/ ٢٥٦ - ٢٥٩.
(٨) هو: روح بن زنباع بن روح بن سلامة، الجذامي، أبو زرعة، أمير فلسطين وسيد =
وقال آخر (٢):
"سير أعلام النبلاء" ٤/ ٢٥١، "البداية والنهاية" ٩/ ٥٢، ٥٤ - ٥٥، "شذرات الذهب" ١/ ٩٥١، "الأعلام" للزركلي ٣/ ٣٤.
(١) البيت في "مجاز القرآن" لأبي عبيدة ٢/ ٥٥ منسوبًا لبنت النعمان بن بشير الأنصارية، وفيه: سلالة، تَجللها: بالجيم.
وهو منسوب لهند بنت النعمان في "أدب الكاتب" لابن قتيبة ص ٣٥، وروايته فيه:
وهل هذه إلا مهرة عربية... سليلة أفراس تجَلَّلها نَغْل
و"اللآلى في شرح أمالي القالي" لأبي عبيد البكري ص ١٧٩، و"العقد الفريد" لابن عبد ربه الأندلسي ٦/ ١١٥ وروايتها مثل ابن قتيبة لكن عند البكري: بغل، وفي المطبوع من العقد: بعل.
و"نسب الأصبهاني في الأغاني" ٩/ ٢٢٩ هذا البيت لحميدة بنت النعمان تهجو زوجها روحًا. وروايته: وهل أنا.. تجللها بَغْل.
والبيت من غير نسبة في الطبري ١٨/ ٨، "اللسان" ١١/ ٣٣٩ (سلل).
قال البطليوسي في "الاقتضاب" ٣/ ٤٩ عن رواية (بغل): (وأنكر كثير من أصحاب المعاني هذه الرواية، وقالوا: هي تصحيف؛ لأن البغل لا ينسل، والصواب: (نغل) بالنون، وهو الخسيس من الناس والدواب. أهـ.
ونقل هذا أيضًا ابن منظور في "لسان العرب" ١١/ ٣٣٩ عن ابن بري.
قال البطليوسي ٣/ ٥٠: (وهل هند إلا مهرة) مثل ضربته. وذلك أنها انصارية، وكان روح بن زنباع جذاميا، والأنصار أشرف من جذام، فقالت: إنما مثلي ومثل روح: مهرة عربية عتيقة علاها بغل.
(٢) ذكر محقق "مجاز القرآن" لأبي عبيدة ٢/ ٥٥ أنه كتب في حاشية نسخة (س) من المجاز: وقال الشاعر - يعني بني علي بن أبي طالب: سوى أنهم... البيت. وفي المجاز (ألقوا) في موضع (قالوا). ولم أهتد لقائل هذا البيت.
واختلفوا في المعنى بالإنسان في هذه الآية:
فقال ابن عباس -في رواية عطاء- يريد آدم (١).
وهو قول قتادة (٢)، ومقاتل (٣)، واختيار الفراء (٤). قال قتادة: استل (٥) آدم من طين، وخلقت ذريته من ماء مهين.
ونحو هذا قال الفراء: السلالة التي تسل من كل تربة (٦). وكذا روي في خلق آدم -عليه السلام- أن طينه استل من الأرض طيبها وسبخها (٧) وجميع أنواعها (٨).
(٢) رواه عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٤٤، والطبري ١٨/ ٧.
(٣) "تفسير مقاتل" ٢/ ٢٩ ب.
(٤) يظهر أن الواحدي اعتمد في نسبة هذا القول إلى الفراء على الأزهري، فإن
الأزهري في "تهذيب اللغة" ١٢/ ٢٩٣ ذكر قول قتادة: استل آدم... ، ثم قال: وإلى هذا ذهب الفراء.
أما كتاب الفراء "معاني القرآن" ٢/ ٢٣١ فليس فيه ذكر لشيء من ذلك، وإنما فيه: السلالة...
(٥) في (ظ)، (ع): (أسل).
(٦) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٣١.
(٧) سبخها: السبخُ: المكان يسبخ فيبنت الملح، والسبخة - محركة ومسكنة: أرض ذات نَزٍّ وملح.
انظر: "لسان العرب" ٣/ ٢٢٢٤ (سبخ) "تاج العروس" ٧/ ٢٦٩ (سبخ).
(٨) روى أبو داود في "سننه" كتاب: السنة، باب: في القدر ١٢/ ٤٥٥، والترمذي في "جامعه" كتاب: التفسير، سورة البقرة ٨/ ٢٩٠ وغيرهما عن أبي موسى الأشعري =
وعلى هذا أريد بالسلالة ذلك الطين الذي يخرج من الأصابع عند العصر. والوجه قول قتادة والفراء (٣).
وروي عن ابن عباس ما يدل على أن المراد بالإنسان في هذه الآية: ابن آدم، لا آدم، وهو ما رواه أبو يحيى الأعرج (٤) أنه قال: السلالة صفوة (٥) الماء الرقيق الذي يكون منه الولد (٦). وهذا قول مجاهد وعكرمة.
(١) ذكره عنه أبو الليث السمرقندي في "تفسيره" ٢/ ١٣٥، والقرطبي ١٢/ ١٠٩.
(٢) "تفسير مقاتل" ٢/ ٢٩ ب.
(٣) قال ابن كثير ٣/ ٢٤٠ عن هذا الوجه: وهذا أظهر في المعنى وأقرب إلى السياق، فإن آدم خلق من طين لازب.
(٤) هو: مصدع، أبو يحيى الأعرج، المعرقب. مولى عبد الله بن عمرو، ويقال مولى معاذ بن عفراء. روى عن علي وابن عباس وغيرهما. قال عمار الدهني: كان مصدع عالمًا بابن عباس. قال ابن المديني: وهو الذي مر به علي بن أبي طالب وهو يقص فقال له: تعرف الناسخ والمنسوخ قال: لا. قال: هلكت وأهلكت.
قال ابن حبان: كان يخالف الأثبات في الروايات وينفرد بالمناكير. وقال الذهبي في "الكاشف": صدوق. وقال في "المغني": تكلم فيه. وقال ابن حجر: مقبول. "الكاشف" للذهبي ٢/ ٤٧، "المغني في الضعفاء" للذهبي ٢/ ٦٥٩، "تهذيب التهذيب" ١٠/ ١٥٨، "تقريب التهذيب" ٢/ ٢٥١.
(٥) في (أ): (صفو).
(٦) رواه الطبري ١٨/ ٧ عنه من رواية أبي يحيى الأعرج: مقتصرًا على: صفوة الماء.=
وعلى هذا القول أراد بالإنسان: ولد آدم. جعله اسمًا للجنس وهو اختيار الكلبي، لأنه قال في قوله: ﴿خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ﴾ (٥) هو ابن آدم (٦).
وقوله: ﴿مِنْ طِينٍ﴾ أراد تولد السلالة من طين خلق آدم منه كما قال الكلبي: يقول من نطفة، سُلت تلك النطفة من طين والطين آدم (٧).
١٣ - ويدل على أن المراد بالإنسان ابن آدم قوله: ﴿ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ﴾ يعني ابن آدم؛ لأن آدم لم يكن نطفة في رحم.
وعلى القول الأول عادت الكناية إلى ابن آدم لا إلى الإنسان المذكور في الآية الأولى (٨)، وجاز ذلك لأنه (٩) لما ذكر (١٠) الإنسان - والمراد به
(١) في (ع): (بني)، وهو خطأ.
(٢) رواه الطبري ١٨/ ٧، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٩١ وعزاه لعبد بن حميد وابن جرير.
(٣) في (ظ): (الطين).
(٤) ذكره عنه البغوي ٥/ ٤١١.
(٥) في (ظ)، (ع): (خُلق)، وهو خطأ.
(٦) ذكره عنه أبو الليث السمرقندي في "تفسيره" ٢/ ١٣٥.
(٧) ذكره عنه البغوي ٥/ ٤١١.
(٨) في (أ): (الأول).
(٩) لأنه: ساقط من (ظ)، (ع).
(١٠) في (ع): (ذكرنا).
ومثل هذا في القرآن (٣) قوله تعالى: ﴿لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا﴾ [المائدة: ١٠١] فالكناية في (عنها) ليست (٤) تعود على (أشياء) المذكورة في قوله: ﴿عَنْ أَشْيَاءَ﴾ ولكنها تعود على (٥) أشياء أخر (٦) سواها لا هي، وجاز ذلك لأن المذكورة دلت عليها من حيث اجتمعتا في اللفظ. وقد مر.
وقوله: ﴿فِي قَرَارٍ مَكِينٍ﴾ يعني مستقر، وموضع قرار، فسماه بالمصدر.
قوله: ﴿مَّكِينٍ﴾ قال المفضل: مطمئن غير مضطرب (٧). يقال: مكين: بين المكانة (٨).
قال ابن عباس والمفسرون في قوله: ﴿مَّكِين﴾: يريد الرحم، مُكن فيه بأن هُيىء لاستقراره فيه إلى بلوغ أمده الذي جعل له (٩).
١٤ - قوله: ﴿ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ﴾ مفسر في سورة الحج إلى قوله:
(٢) العبارة في (ظ): (على أن له إنسان مثله).
(٣) في (ع) زيادة: (كثير) بعد قوله (القرآن).
(٤) (ليست): ساقطة من (ع).
(٥) في (أ): (إلي).
(٦) (أُخَر): ساقطة من (أ).
(٧) لم أجده.
(٨) قوله: (يقال: مكين) إلى هنا في "تهذيب اللغة" للأزهري ١٠/ ٢٩٢ (مكان) منسوبًا لأبي زيد.
(٩) انظر: "الطبري" ١٨/ ٩.
﴿عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا﴾ وقرئ كلاهما (عظمًا) على الواحد (٢).
قال الزجاج (٣): التوحيد والجمع هاهنا جائزان؛ لأنه يعلم أن الإنسان ذو عظام، وإذا ذكر على التوحيد فلأنه يدل على الجمع، ولأن معه اللحم ولفظه لفظ الواحد فقد علم أن العظم يراد به العظام.
قال: وقد (٤) يجوز من التوحيد إذا (٥) كان في الكلام دليل على الجمع ما هو أشد من هذا. قال الشاعر:
في حلقكم عظم (٦) وقد شجينا (٧)
يريد في حلوقكم عظام (٨).
وقال أبو علي: الجمع أشبه بما جاء في التنزيل في غير هذا الموضع كقوله (٩) ﴿وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا﴾ [الإسراء: ٤٩] ﴿أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا نَخِرَةً﴾
(٢) قرأ ابن عامر، وعاصم في رواية أبي بكر بن عياش: (عظما فكسونا العظم) واحدًا ليس قبل الميم ألف بفتح العين وإسكان الظاء فيهمها.
وقرأ الباقون: (عظاما فكسونا العظام) بالجمع فيهما، بكسر العين وفتح الظاء وألف بعدها. "السبعة" ص ٤٤٤، "التبصرة" ص ٢٦٩، "التيسير" ص ١٥٨، "النشر" ٢/ ٣٢٨.
(٣) قوله: (على الواحد قال الزجاج): (كررت مرتين في (ظ).
(٤) (قد): ساقطة من (ع).
(٥) في جميع النسخ: وإذا. والتصحيح من المعاني.
(٦) في (ع): (عظما).
(٧) تقدم تخريج هذا الشطر.
(٨) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٨ - ٩.
(٩) في (ظ): (في قوله).
والإفراد لأنه اسم (١) جنس، فأفرد كما أفرد (٢) المصادر (٣) وغيرها من الأجناس نحو: الإنسان والدرهم والشاء والبعير (٤).
قوله: ﴿ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا﴾ قال ابن عباس: يعني نفخ الروح فيه (٥).
وهو قول السدي، ومجاهد، والشعبي، وعكرمة، والربيع، وأبي العالية (٦)، وابن زيد (٧). واختيار القتيبي (٨).
وقال قتادة: هو نبات الشعر والأسنان (٩). وهو قول الضحاك (١٠).
(٢) في "الحجة": تفرد.
(٣) في (ع): (الهادر).
(٤) "الحجة" لأبي علي الفارسي ٥/ ٢٨٨ - ٢٨٩. وانظر: "إعراب القراءات السبع وعللها" لابن خالويه ٢/ ٨٥ - ٨٦، "حجة القراءات" لابن زنجلة ص ٤٨٤، "الكشف" لمكي ٢/ ١٢٦.
(٥) رواه الطبري ١٨/ ٩، وذكره السيوطي في "الدر" ٦/ ٩١ وعزاه لابن أبي حاتم.
(٦) في (ظ): (وأبو العالية).
(٧) ذكره الثعلبي ٣/ ٥٨ ب عنهم سوى السدي والربيع. ورواه الطبري ١٨/ ١٠ عنهم سوى السدي. ذكره ابن كثير في "تفسيره" ٣/ ٢٤١ عن هؤلاء جميعاً.
وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٩٢ عن مجاهد وعكرمة وأبي العالية، وعزاه لعبد بن حميد وابن جرير.
(٨) انظر: "غريب القرآن" لابن قتيبة ص ٢٩٦.
(٩) رواه عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٤٤، والطبري ١٨/ ١٠ عنه دون قوله: الأسنان. وذكره بهذا اللفظ البغوي في "تفسره" ٥/ ٤١٢.
(١٠) رواه الطبري ١٨/ ١٠. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٩٢ وعزاه لعبد بن حميد.
وحكى الزجاج قولاً آخر وهو: أن جُعل ذكرًا وأنثى (٥).
واختار صاحب النظم القول الأول، وقال (٦): قوله: ﴿ثُمَّ خَلَقْنَا﴾ إلى قوله: ﴿لَحْمًا﴾ قصة واحدة، ثم قال ﴿ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ﴾ فجاء به على نظم سوى اللفظ الأول الذي درج عليه ما قبله من قوله خلقنا وخلقنا، والإنشاء هو الابتداء، فدل هذا على أنه أراد به نفخ الروح؛ لأنه لا يحتمل أن يكون خلقًا آخر إلا بأن يزول عن كيفيته (٧) الأولى وهي أنه كان لحمًا وعظمًا
(٢) ذكره عنه الثعلبي ٣/ ٥٨ ب.
(٣) (مجاهد): ساقط من (ع).
(٤) ذكره الثعلبي ٣/ ٥٨ ب عنه من رواية ابن أبي نجيح وابن جريج. ورواه الطبري ١٨/ ١٠ - ١١ عنه من الطريقين المتقدمين.
وذكره عن مجاهد السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٩٢ وعزاه لعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.
(٥) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٩. والقول الذي حكاه الزجاج مروي عن الحسن البصري. ذكره النحاس في "معاني القرآن" ٤/ ٤٤٩، والبغوي في "تفسيره " ٥/ ٤١٢.
قال ابن عطية في "المحرر" ١٠/ ٣٣٦ - بعد أن ذكر الأقوال المتقدمة- وغيرها: وهذا التخصيص كله لا وجه له، وإنما هو عام في هذا وغيره من وجوه النطق والإدراك وحسن المحاولة هو بها آخر، وأول رتبة من كونه آخر هو نفخ الروح فيه، والطرف الآخر هو تحصيله المعقولات إلى أن يموت.
وصحح القرطبي ١٢/ ١١٠ ما ذكره ابن عطية.
(٦) في (ع) زيادة (في) بعد (وقال).
(٧) في (أ)، (ظ): (كيفية).
قال: وفي هذا دليل على أن الجنين إذا استوى عظمه ولحمه على العظم فقد صار إنسانًا تكون به الأمة أم ولد، والجنين ولدًا (١) إن شاء الله.
قوله: ﴿فَتَبَارَكَ اللَّهُ﴾ أي استحق التعظيم والثناء بأنه (٢) لم يزل ولا يزال. والكلام في هذا مما قد (٣) سبق (٤).
قوله: ﴿أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾ أي: المصورين والمقدرين.
والخلق في اللغة: التقدير. والعرب تقول: قدرت الأديم وخلقته، إذا قسِته (٥) لتقطع منه مزادة أو قربة أو خُفًا (٦) (٧).
وقال مجاهد: وتصنعون ويصنع الله، والله خير الصانعين (٨).
قال الليث: رجل خالق، أي: صانع. وهن الخالقات، للنساء (٩).
وقال مقاتل بن سليمان: يقول: هو أحسن خَلْقًا من الذين يخلقون التماثيل وغيرها التي لا يتحرك منها شيء (١٠).
(٢) في (أ): (بالله)، وهو خطأ.
(٣) في (ظ)، (ع): (مما سبق).
(٤) انظر: "البسيط" عند قوله تعالى: ﴿تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ [الأعراف: ٥٤].
(٥) في "تهذيب اللغة": والعرب تقول: خلقت الأديم، إذا قدرته وقسته.
(٦) في (أ): (وخفا).
(٧) هذا كلام الأزهري في "تهذيب اللغة" ٧/ ٢٦ (خلق).
(٨) رواه الطبري ٨/ ١١.
(٩) قول الليث في "تهذيب اللغة" للأزهري ٧/ ٢٧ (خلق). وفي "العين" ٤/ ١٥١ (خلق) والخالق: الصانع. وليس فيه وهن الخالقات للنساء. وإنما فيه. وامرأة خليقة: ذات جسم وخلق.
(١٠) "تفسير مقاتل" ٢/ ٢٩ ب.
١٥ - قوله: ﴿ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ﴾ بعد (١) ما ذكرنا من تمام الخلق. قال مقاتل (٢). ﴿لَمَيِّتُونَ﴾ (٣) عند آجالكم.
١٧ - قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ﴾ قال المفسرون (٤) وأهل اللغة (٥) كلهم: يعني: سبع سموات، كل سماء طريقه. قيل: سميت طريقة لتطارقها، وهو أن بعضها فوق بعض (٦).
قال الليث: السموات السبع والأرضون السبع طرائق بعضها فوق بعض (٧).
يقال: طارق الرجل نعليه، إذا أطبق نعلًا على نعل. وطارق الرجل بين ثوبين، إذا لبس ثوبًا على ثوب، وهو الطِّرَاق (٨).
وقال أبو عبيدة: كل شيء فوقه مثله، فهو طريقة (٩).
(٢) انظر: "تفسير مقاتل" ٢/ ٢٩ ب.
(٣) (لميتون) لم تكتب في (ع) في هذا الموضع. بل كتبت ضمن الآية التي قبلها.
(٤) انظر: الطبري ١٨/ ١٢، والثعلبي ٣/ ٦٠ أ.
(٥) انظر: "تهذيب اللغة" للأزهري، "المستدرك" (ص ٢٢٨ - ٢٢٩)، "لسان العرب" ١٠/ ٢٢٠ (طرق).
(٦) ذكره الثعلبي ٣/ ٦٠ ب وصدره بقوله: قيل. وهو قول أبي عبيدة في "مجاز القرآن"
٢/ ٥٦، والطبري ١٨/ ١٢ وغيرهما.
(٧) "تهذيب اللغة" للأزهري "المستدرك" ص ٢٢٨ - ٢٢٩ (طرق) نقلاً عن الليث. وهو في "العين" ٥/ ٩٧ (طرق).
(٨) "تهذيب اللغة" للأزهري "المستدرك" ص ٢٣٣ (طرق)، مع اختلاف يسير.
(٩) "مجاز القرآن" لأبي عبيدة ٢/ ٥٦ ولفظه: كل شيء فوق شيء، فهو طريقه.
قوله تعالى: ﴿وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ﴾ قال مقاتل: يعني خلق السماء وغيره (٢).
وقال الزجاج: أي لم يكن ليغفل عن حفظهن. كما قال الله -عز وجل-: ﴿وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا﴾ [الأنبياء: ٣٢] (٣).
وهذا معنى قول الفراء: عما خلقنا غافلين: يقول: كنا له حافظين (٤).
وهذا الذي ذكراه (٥) هو ما قاله (٦) المفسرون: وما كنا عن (٧) خلقنا غافلين من أن تسقط السموات عليهم، بل أمسكنا السماء بقدرتنا لكيلا (٨) تسقط على الخلق فتهلكهم (٩).
قال الزجاج: ويجوز أن يكون المعنى: إنا لِحِفْظِنَا إياهم خلقنا السموات (١٠).
(٢) "تفسير مقاتل" ٢/ ٢٩ ب.
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٩.
(٤) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٣٢.
(٥) في (ظ): (ذكرنا).
(٦) في (ظ): (قال).
(٧) في (أ): (عن. والمثبت من (ظ)، (ع) هو الموافق لما عند الثعلبي.
(٨) في (أ): (كيلا).
(٩) هذا كلام الطبري ١٨/ ١٢ والثعلبي ٣/ ٦٠ أ. وذكره الرازي ٢٣/ ٨٧ وعزاه لسفيان بن عيينة.
(١٠) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٩ وفيه: خلقنا هذا الخلق.
١٨ - قوله تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ﴾ أي: بقدر يعلمه الله.
وقال مقاتل: بقدر ما يكفيهم للمعيشة (٤). قال ابن عباس: يريد النيل.
وعلى هذا القول الماء المذكور في الآية مخصوص (٥).
وقال الكلبي: هو المطر.
وعلى هذا معنى ﴿فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ﴾ يريد ما يبقى في الغُدران والمستنقعات والدُّحلان (٦)، أقر الله الماء فيها لينتفع به الناس في الصيف وعند انقطاع الأمطار.
وقال آخرون (٧): هو العيون والينابيع التي يخرج الماء منها، وذلك
(٢) في (أ): (نزل).
(٣) ذكره عنه الثعلبي ٣/ ٦٠ أ.
(٤) "تفسير مقاتل" ٢/ ٢٩ ب.
(٥) ولا وجه لهذا التخصيص، لعدم الدليل.
(٦) في (اْ): (الدجلان)، وفي (ع): (الدخلان)، والصواب ما في (ظ). وهو جمع دحل، والدحل والدُّحل: هوة تكون في الأرض وفي أسافل الأودية، فيها ضيق ثم تتسع. "الصحاح" ٤/ ١٦٩٥ (دحل)، "لسان العرب" ١١/ ٢٣٧ (دحل).
والغُدْران: جمع غدير، وهو القطعة من الماء يغادرها السيل. "الصحاح" ٢/ ٧٦٦ - ٧٦٧ (غدر).
(٧) ذكره البغوي ٥/ ٤١٣ وصدره بقول: قيل.
وهذا معنى قول مقاتل بن سليمان، فقد قال: يعني العيون (١).
وقال أبو إسحاق: هو دجلة والفرات وسيحان وجيحان، فقد روي أن هذه الأنهار الأربعة من الجنة (٢).
ومعنى ﴿فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ﴾ (٣) جعلناه ثابتًا فيها لا يزول (٤).
قوله: ﴿وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ﴾ قال ابن عباس: يريد أنه سيغيض ويذهب. يعني النيل.
وعلى هذا كأن الله تعالى وعد أنه يذهب النيل حتى ينقطع (٥).
(٢) روى مسلم في صحيحه كتاب: الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب: ما في الدنيا من أنهار الجنة ٤/ ٢١٨٣ عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "سيحان وجيحان والفرات والنيل، كل من أنهار الجنة".
وروى النحاس في "معاني القرآن" ٤/ ٤٥٠، وابن عدي في "الكامل" ٦/ ٢٣١٦، والخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد" ١/ ٥٧، والواحدي في "الوسيط" ٣/ ٢٨٦ كلهم من طريق مسلمة بن علي عن مقاتل بن حيان، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "أنزل الله من الجنة إلى الأرض خمسة أنهار: سيحون وهو نهر الهند، وجيحون وهو نهر بلخ، ودجلة والفرات وهما نهرا العراق، والنيل وهو نهر مصر، أنزلها الله من عين واحدة من عيون الجنة من أسفل درجة من درجاتها على جناحي جبريل، فاستودعها الجبال وأجراها في الأرض... فذلك قوله تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ﴾.. " الحديث.
وهذا الحديث قال عنه ابن عدي بعد روايته أنه منكر المتن. وضعف إسناده السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٩٥.
(٣) في (أ): (أسكناه)، وهو خطأ.
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ١٠.
(٥) لا دليل على هذا من كتاب أو سنة صحيحة.
وقال مقاتل: ﴿وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ﴾ فتغور العيون في الأرض فلا يقدر عليه (٢).
٢٠ - قوله تعالى: ﴿وَشَجَرَةً تَخْرُجُ﴾ عطف على (جنات) في قوله: ﴿فَأَنْشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ﴾ (٣).
وأجمع المفسرون كلهم على أن هذه شجرة الزيتون (٤).
وخصت هذه الشجرة بالذكر؛ لأنه لا يتعاهدها أحد بالسقي ولا يراعيها (٥) أحد من العباد. وهي تخرج الثمرة التي يكون منها الدهن الذي (٦) تعظم به الفائدة وتكثر (٧) المنفعة، فذكرت للنعمة (٨) فيها والمن بها (٩).
قوله: ﴿مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ﴾ مضى الكلام في الطور (١٠). واختلفوا في ﴿سَيْنَاءَ﴾ فقال ابن عباس - في رواية عطاء: يريد الجبل الحسن (١١).
(٢) "تفسير مقاتل" ٢/ ٢٩ ب.
(٣) انظر: "إعراب القرآن" للنحاس ٣/ ١١٢، "البيان في غريب إعراب القرآن" للأنباري ٢/ ١٨١.
(٤) انظر: "الطبري" ١٨/ ١٣، الثعلبي ٣/ ٦٠ أ، "الدر المنثور" ٦/ ٩٥.
(٥) في (أ): (ولا يرا عليها).
(٦) في (ظ): (الذي يطعم وتعظم به الفائدة).
(٧) في (ظ): (وتذكر).
(٨) في (ظ): (النعمة).
(٩) ذكر مثل هذا الطوسي في "التبيان" ٧/ ٣١٦، ولم يعزه لأحد.
(١٠) انظر: "البسيط" عند قوله تعالى: ﴿ورفعنا فوقكم﴾ [البقرة: ٦٣].
(١١) ذكره عنه ابن الجوزي ٥/ ٤٦٦ من رواية أبي صالح، وذكره عن عطاء.
وقال الضحاك: وهو بالنبطية (٢) (٣). وقال عكرمة: بالحبشية (٤)
وقال مقاتل: كل جبل يحمل الثمار فهو سيناء، يعني: الحسن] (٥) (٦).
وقال الكلبي: ﴿طُورِ سَيْنَاءَ﴾: الجبل المشتجر (٧).
وقيل: معنى ﴿سَيْنَاءَ﴾ البركة، كأنه قيل: جبل البركة. وهذا قول ابن عباس في رواية عطية (٨).
وقال مجاهد: ﴿سَيْنَاءَ﴾ حجارة (٩). يعني أن سيناء اسم حجارة بعينها أضيف الجبل إليها لوجودها عنده.
والأصح في هذا أن يقال: ﴿سَيْنَاءَ﴾ اسم ذلك المكان الذي به هذا
(٢) في (أ): (بالقبطية)، وهو خطأ.
(٣) رواه الطبري ١٨/ ١٣، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٩٥ وعزاه لابن جرير وابن أبي حاتم.
(٤) رواه عنه الطبري ٣٠/ ٢٤٠ عند قوله ﴿طُورِ سَيْنَاءَ﴾ [التين: ٢]. وذكره عنه السيوطي في كتابه: "المهذب فيما وقع في القرآن من المعرب" ص ١٠٢ من رواية ابن جرير وابن أبي حاتم.
(٥) ما بين المعقوفين ساقط من (ظ).
(٦) "تفسير مقاتل" ٢/ ٢٩ ب.
(٧) رواه عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٤٥ بلفظ: ذو شجر. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٩٦ وعزاه لعبد الرزاق وابن المنذر.
(٨) ذكره الثعلبي ٣/ ٦٠ أمن رواية عطية. ورواه الطبري ١٨/ ٣.
(٩) ذكره عنه السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٩٦ وعزاه لعبد بن حميد. وذكره عنه البغوي ٥/ ٤١٤، وابن الجوزي ٥/ ٤٦٦.
وهذا قول ابن زيد. قال: هو الجبل الذي نودي منه موسى -عليه السلام- وهو بين مصر وأيلة (٢).
ونحو هذا روى الضحاك عن ابن عباس (٣). واختار (٤) الزجاج أنه اسم المكان (٥).
وخُص هذا الجبل بنبات الزيتون فيه، لأن أول ما نبت الزيتون نبت هناك. قاله مقاتل (٦).
واختلف القراء في قوله (٧) ﴿سَيْنَاءَ﴾ فقرئ بفتح السين وكسرها (٨) (٩).
قال أبو إسحاق: من قال (سَيْنَاء)، فهو على وزن صحراء، لا ينصرف، ومن قال (١٠) بكسر السين فليس في الكلام فعلاء نحو:
(٢) ذكره عنه بهذا اللفظ الثعلبي ٣/ ٦٠ أ. ورواه الطبري ١٨/ ١٤ بنحوه.
وأيلة: بلدة على ساحل البحر الأحمر مما يلي الشام. انظر: "معجم البلدان" ١/ ٣٩١، "مراصد الاطلاع" ١/ ١٣٨.
(٣) روى الطبري ١٨/ ١٤ نحوه عن ابن عباس من رواية عطاء الخراساني.
(٤) (واختار): ساقطة من (ع).
(٥) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ١٠.
(٦) "تفسير مقاتل" ٢/ ٢٩ ب. وما ذكره يحتاج إلى دليل. فالله أعلم.
(٧) (قوله): زيادة من (أ).
(٨) في (أ)، (ع): (وكسره).
(٩) قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو: (سيناء) مكسورة السين. وقرأ الباقون بفتحها. "السبعة" ص ٤٤٤ - ٤٤٥، "التبصرة" ص ٢٦٩، "التيسير" ص ١٥٨.
(١٠) في (ظ): (قرأ).
وشرح أبو علي هذا الفصل فقال: من فتح السين لم ينصرف الاسم (٤) عنده في المعرفة ولا النكرة؛ لأن الهمزة في هذا البناء لا تكون إلا للتأنيث ولا تكون للإلحاق، ألا ترى أن فَعْلَالَا (٥) لا يكون إلا في المضاعف نحو: الزَّلزال، والقَلْقَال (٦)، وإذا اختص هذا البناء هذا الضرب (٧) لم يجز أن يُلحق به شيء.
وأمَّا من كسر السين فالهمزة فيه منقلبة عن الياء (٨) كعِلباء وحِرباء، وهي الياء (٩) التي ظهرت في نحو: درحاية (١٠) لما بنيت على التأنيث،
(٢) في (ع): (لا ينصرف).
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ١٠ مع حذف واختصار.
(٤) في (ع): (والاسم).
(٥) في (أ، ع): (فعلال)، وهو خطأ.
(٦) القلقال: يقال: قلقل الشيء قَلْقَله وقِلْقَالا وقَلْقَالا وقُلقَالا، أي حرَّكه فتحرك فاضطرب فإذا كسرته فهو مصدر، وإذا فتحته فهو اسم مثل الزلزال والزُّلزال، والاسم: القُلقال والقَلْقال. ورجل قلقال: صاحب أسفار. "لسان العرب" ١١/ ٥٦٦ (قلل).
(٧) في "الحجة": اختص البناء هذا الضرب.
(٨) في (أ): (التاء) وفي (ظ): (مهملة).
(٩) في (ع): (جرباء)، وهو خطأ.
(١٠) في (أ): (درجاف)، وفي (ع): (درجايه)، وفي (ظ): مهملة. والتصويب من "الحجة".
و (درحَايه): (في "تهذيب اللغة" ٤/ ٤١٦: قال أبو عبيد: إذا كان مع القصر سمن فهو درحاية.
قوله: ﴿تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ﴾ وقرئ: تُنبت (٤). قال الزجاج: يقال: نبت الشجر وأنبت في معنى واحد، قال زهير:
رأيت ذوي الحاجات حول بيوتهم | قطينًا لهم حتى إذا أنبت البَقْل (٥) (٦) |
(٢) في (أ): (فإن).
(٣) "الحجة" للفارسي ٥/ ٢٨٩ - ٢٩٠. وانظر: "الكشف" لمكي بن أبي طالب ٢/ ١٢٧، "الدر المصون" للسمين الحلبي ٨/ ٣٢٦ - ٣٢٨.
(٤) قرأ ابن كثير، وأبو عمرو: (تُنْبُتُ) بضم التاء وكسر الباء، وقرأ الباقون: (تَنْبُتُ) بفتح التاء وضم الباء.
"السبعة" ص ٤٤٥، "التبصرة" ص ٢٦٩، "التيسير" ص ١٥٩.
(٥) هذا البيت أنشده الزجاج لزهير في "معاني القرآن" ٤/ ١٠. وهو في "ديوان زهير" ص ٤١ من قصيدة يمدح بها سنان بن أبي حارثة المُري، وفيه: (بها) مكان (لهم)، و (نبت) مكان (أنبت).
و"المعاني الكبير" لابن قتيبة ١/ ٥٣٩، "جمهرة اللغة" لابن دريد ص ٢٥٧، ١٢٦٢، "مغني اللبيب" لابن هشام ١/ ١٠٢، "لسان العرب" ٢/ ٩٦ (نبت)، و"خزانة الأدب" ١/ ٥٠.
وقبل هذا البيت:
إذا السَّنة الشَّهْباء بالناس أجحفت | ونال كِرامَ المال في السَّنةِ الأُكْلُ |
قال الشنتمري في "شرحه لديوان زهير" ص ٤١: (قوله: (رأيت ذوي الحاجات يعني الفقراء والمحتاجين. والقطين: أهل الرجل وحشمه، والقطين أيضًا: الساكن في الدار النازل فيها، وأراد هنا الساكن. يعني أن الفقراء يلزمون بيوت هؤلاء القوم يعيشون من أموالهم حتى يَخصِب الناس وينبت البقل).
وانظر "شرح ثعلب لديوان زهير" ص ٩٢٠، و"شرح شواهد المغني" ١/ ٣١٥.
(٦) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ١٠.
وأما وجه القراءة (٥)، فمن قرأ ﴿تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ﴾ احتمل وجهين:
أحدهما: أن يجعل الجار زائدًا، يريد: تنبت الدهن (٦). ولحقت الباء كما لحقت في قوله: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ [البقرة: ١٩٥] أي: لا تلقوا أيديكم، يدلك على ذلك قوله: ﴿وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ﴾ [النحل: ٨] (٧) (٨).
وقد زيدت هذه الباء مع الفاعل كما زيدت مع المفعول، وزيادتها مع
(٢) ما بين المعقوفين ساقط من (ع).
(٣) في (ع): (إذا).
(٤) "الحجة" ٥/ ٢٩٢.
(٥) في (ظ): (القراء).
(٦) في (أ): (بالدهن)، وهو خطأ.
(٧) قوله [أن تميد بكم] ساقط من (ظ)، (ع).
(٨) وعلى هذا الوجه تكون حجة من ضم التاء من قوله (تُنبت) أنه جعله رُباعيًا من: أنبت ينبت، وتكون الباء في (بالدهن) زائدة، لأن الفعل يتعدى إذا كان رباعيًا بغير حرف، كأنه قال: تنبت الدهن، لكن دلت بالباء على ملازمة الإنبات للدهن، كما قال تعالى: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ﴾ [العلق: ١] فأتى بالباء، و (اقرأ) يتعدى بغير حرف لكن دلت الباء على الأمر بملازمة القراءة. أهـ من "الكشف" لمكي بن أبي طالب ٢/ ١٢٧.
ألم يأتيك والأنْبَاء تَنْميِ | بما لاقَتْ لَبُون بني زياد |
ألم يأتيك............
وبعده:
ومَحْبَسُها على القُرشي تُشُرى | بأدْراع وأسياف حداد |
والبيت في "ديوانه" ص ٢٩ وروايته فيه: ألم يبلغك: "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٢٣، "شرح أبيات سيبويه" للسيرافي ١/ ٣٤٠، "المقاصد النحوية" للعيني ١/ ٢٣٠، "لسان العرب" ١٤/ ١٤ (أتى)، "شرح شواهد المغني" للسيوطي ١/ ٣٢٨، ٢/ ٨٠٨. "خزانة الأدب" ٨/ ٣٦١.
وهو غير منسوب في "الكتاب" ١/ ٣١٦، "الخصائص" لابن جني ١/ ٣٣٦، "سر صناعة الإعراب" ١/ ٨٧، ٢/ ٦٣١.
قال البغدادي في "الخزانة" ٨/ ٣٦٤: و"الأنباء": جمع نبأ وهو خبرٌ له شأن. و (اللبون): (قال أبو زيد: هي من الشاء، والإبل ذات اللبن.. وقيل: اللبون: الإبل ذوات اللبن. وبنو زيادهم: الربيع، وعمارة، وقيس، وأنس، بنو زياد بن سفيان بن عبد الله العبسي، والمراد لبون الربيع بن زياد فإن القصة معه.
وانظر: "شرح أبيات سيبويه" للسيرافي ١/ ٣٤٠ - ٣٤٣.
(٢) في (ع): (بهذه).
بِوَادٍ يَمَانٍ يُنْبِتُ الشَّثَّ (١) صَدْرُه (٢) | وأسفله بالمرخ والشِّمبُهان (٣) |
ويجوز أن يكون الباء متعلقًا بغير هذا الفعل الظاهر، ويقدر (٥) مفعولاً
(٢) في "الحجة": حوله.
(٣) البيت أنشده أبو علي في "الحجة" ٥/ ٢٩١ من غير نسبة، وعنده: (حوله) مكان (صدره).
ونسبه الأصفهاني في "الأغاني" ١٩/ ١١٢ ليعلى الأحوال اليشكري من قصيد قالها في سِجنه لما سجنه عبد الملك بن مروان وروايته: (السدر).
وليعلى نسبهُ ابن السيد البطليوسي في "الاقتضاب" ٣/ ٣٤١، والبغدادي في "الخزانة" ٥/ ٢٧٦ ضمن قصيدة له. ثم ذكر ٥/ ٢٧٨ أنه يقال: إنها لعمرو بن عمارة الأزدي من بني خنيس، ويقال: إنها لجواس بن حيان من أزد عمان.
ونسبه ابن منظور في "لسان العرب" ١٣/ ٥٠٦ (شبه) لرجل من عبد القيس، ثم قال -بعد روايته للبيت: قال ابن بري: قال أبو عبيدة: البيت للأحول اليشكري واسمه يعلى. وهو من غير نبسة في: "مجاز القرآن" لأبي عبيدة ٢/ ٤٨، " أدب الكاتب" لابن قتيبة ص ٤١٦، "معاني القرآن" للأخفش ٢/ ٦٢٦، الطبري ١٦/ ٧٢ وعندهما- الأخفش والطبري: (السدر) مكان (الشث)، "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٤٢١، وتصحف (الشث) في المطبوع إلى: البث.
قال البطليوسي في "الاقتضاب" ٣/ ٣٩٣ - ٣٩٤: الشثُّ: شجر طيب الريح مر الطعم فيما ذكر الخليل، وقال أبو حنيفة: أخبرني بعض الأعراب قال: الشَّث: مثل شجر التفاح الصغار. والمرخ: شجر خوار خفيف العيدان ليس له ورق ولا شوك، تصنع منه الزناد، وهو من أكثر الشجر نارا. والشبهان: شجر يشبه السمر. كثير الشوك وهو من العضاة. وقال الخليل: الشبهان: الثمام. أهـ.
والشبهان: ضبطه البغدادي ٥/ ٢٧٦ بفتح الشين المعجمة وضم الموحدة وفتحها.
(٤) في "الحجة": حمله على: ويُنْبِتُ أسْفَلهُ المرخَ.
(٥) في (ظ): (ونقدر).
قال أبو الفتح الموصلي في شرح هذا الوجه الثاني: ذهب كثير من الناس إلى أن الباء في قوله: ﴿تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ﴾ زائدة، وأن تقديره: تنبت الدهن. وهذا عند حذاق أصحابنا على غير وجه الزيادة، وتأويله عندهم: تنُبْت ما تنبته والدهن فيه، كما تقول: خرج زيد بثيابه، أي: وثيابه عليه، وركب الأمير بسيفه، أي: وسيفه معه، كما أنشده الأصمعي (٢):
وَمُسْتَنّةٍ كاسْتِنان الخَرُو | ف قَدْ قَطَعَ الحَبْلَ بِالمِرْوَدِ |
(٢) إنشاد الأصمعي لهذا البيت في "سر صناعة الإعراب" لابن جني ١/ ١٣٤، وفي "المحتسب" ٢/ ٨٨ لابن جني أيضًا ولم يذكر قائله.
وقد ذكر الجوهري في "الصحاح" ٤/ ١٣٤٨ (خرف) أن الأصمعي أنشده في كتاب (الفرس) ونسبه لرجل من بني الحارث. وكذا قال ابن منظور في "لسان العرب" ٩/ ٦٦ (خرف).
والبيت بلا نسبة في: "تهذيب اللغة" للأزهري ٧/ ٣٥٠ (خرف)، "المخصص" لابن سيده ٦/ ١٣٧.
قال ابن منظور ٩/ ٦٦ - ٦٧: وقوله: (مستنة): (يعني طعنة فار دَمُها باستنان، والاستنانُ والسنُّ: المَرُّ على وجهه، يريد أن دمها مر على وجهه كما يَمْضي المُهْر.. والمِرْودَ: حديدة توتد في الأرض يُشَدّ فيها حَبْل الدَّابة.
قال الجوهري ٤/ ١٣٤٨: والخروف: الحَمَلُ، وربَّما سُمِّي المُهْرُ إذا بلغ ستَّة أشهر أو سبعة أشهر خروفا، حكاه الأصمعي.
(٣) "سر صناعة الإعراب" ١/ ١٣٤
(٤) (فقال): ليست في (ظ)، (ع).
يَعْثُرْنَ في حَدِّ الظُّبَاتِ (١) كَأنَّما | كُسِيَتْ بُرُودَ بني يَزِيدَ الأذْرُعُ (٢) |
(٢) البيت في "سر صناعة الإعراب" ١/ ١٣٤، و"المحتسب" ٢/ ٨٨ من غير ذكر لإنشاد أبي علي، بل نسب البيت للهذلي.
وهو منسوب لأبي ذؤيب الهذلي في "ديوان الهذليين" ١/ ١٠، "المفضليات" ص ٤٢٥ وفيها: (تزيد) مكان (يزيد)، "اللسان" ٢/ ٩٥ (نبت) وفيه (تزيد)، "خزانة الأدب" (ب ١/ ٢٧٤) وهو من قصيدة له مشهورة أولها:
أمن المنون وريبها..... تتوجع.
وهو في هذا البيت يصف حُمَر وحش أصابتها السهام، فقوله (في حد الظبات) الظُّبات: جمع (ظبة) وهو طرف النصل من أسفل، وبنو يزيد: قوم كانوا تجارًا بمكة نسبت إليهم هذه البرود، وهي برود حمر، فشبه طرائق الدم على أذرع تلك الحُمر بطرائق تلك البرود الحمر.
انظر: "شرح ديوان الهذليين" للسكري ١/ ٢٥ - ٢٦، "شرح ما يقع فيه التصحيف والتحريف" لأبي أحمد العسكري ص ٤٤٦، وفيه الكلام على رواية (يزيد)، و (تزيد). وتصويب ابن دريد تصويب رواية (يزيد) وتخطئة (تزيد)، "خزانة الأدب" للبغدادي ١/ ٢٧٤ - ٢٧٧.
(٣) في (ظ): (والجار).
(٤) في (ع): (والدهن).
(٥) ساقط من (ع).
(٦) لم أقف على قول أبي علي وإنشاده.
أحدهما: أن الآية من باب حذف المضاف، فيكون (٣) معنى ﴿تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ﴾ أي: بذي الدهن أي: تنبت ما فيه دهن.
والوجه الثاني: أن يكون أنبت بمعنى نبت، وتكون الباء للتعدي (٤).
كما أنها لو كانت في (٥) نبت فكان كذلك (٦).
ومن قرأ ﴿تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ﴾ جاز (٧) أن يكون الجار فيه للتعدي أنبته ونبت به (٨)، ويجوز أن يكون الباء في موضح حال كما كان في القراءة الأولى، ولا تكون للتعدي ولكن: تنبت وفيها دهن (٩) (١٠).
(٢) ذكر أبو علي هذين الوجهين في "الحجة" ٥/ ٥٥ عند قوله تعالى: ﴿ينبت﴾ [النحل: ١١].
(٣) في (ظ)، (ع): (ويكون).
(٤) في "الحجة": وإذا ثبت (أنبت) في معنى: نبت، جاز أن تكون الباء للتعدي. وأبو علي يشير بهذا إلى إنكار الأصمعي لهذا كما تقدم.
(٥) في "الحجة": مع.
(٦) وعلى هذا الوجه تكون القراءتان على هذه اللغة بمعنى واحد. وانظر: "علل القراءات" للأزهري ٢/ ٤٣٣ - ٤٣٤، "الكشف" لمكي بن أبي طالب ٢/ ١٢٧.
(٧) في (ع): (أجاز).
(٨) به ساقطة من (أ). وفي (ظ): (ونبته)، والمثبت من (ع) وهو الموافق لما في "الحجة".
(٩) في (ع): (ودهن).
(١٠) من قوله: ومن قرأ.. إلى هنا نقلا عن "الحجة" لأبي علي ٥/ ٢٩٢. وفي الباء في قوله (بالدهن) وجه آخر ذكره ابن كثير ٣/ ٢٤٣ وهو أنها دخلت لأن فعل (ينبت) مضمن لمعنى فعل آخر، قال: وأما على قول من يضمن الفعل، فتقديره: تخرج بالدهن، أو: تأتي بالدهن، ولهذا قال: (وصبغ) أي أدم. قاله قتادة (للآكلين) أي فيها ما ينتفع به من الدهن والاصطباغ.
وقال غيره: الأصل (٢) في الصبغ (٣) والصباغ: هو ما يلون (٤) به الثياب، فشبه به ما يصطبغ به. وذلك أن الخبز (٥) يُلون بالصبغ إذا غمر فيه، والاصطباغ بالزيت الغَمْس فيه للائتدام به (٦).
والمراد بالصبغ: الزيت. في قول ابن عباس. فإنه يُدَّهن به ويؤتدم (٧).
وهو اختيار الفراء (٨). جعل الصبغ الزيت.
وقال مقاتل: جعل الله في هذه الشجرة أدمًا ودهنًا (٩).
وعلى هذا الأدم: الزيتون، والدهن: الزيت. وهو اختيار الزجاج، قال: يعني بالصبغ: الزيتون (١٠).
٢١ - قوله تعالى: ﴿وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهَا﴾
(٢) (الأصل): ساقطة من (ظ).
(٣) في (أ): (والصبغ).
(٤) في (ظ): (يكون)، وهو خطأ.
(٥) في (أ)، (ع): (الحر). مهملة وفي (ظ): (الحبر).
(٦) انظر: "تهذيب اللغة" للأزهري ٨/ ٢٨ - ٢٩ (صبغ)، "لسان العرب" ٨/ ٤٣٧ (صبغ).
(٧) في (ظ): (ويؤتدم به).
(٨) الفراء ساقطة من (ظ)، (ع). وانظر: كلام الفراء في "معاني القرآن" ٢/ ٢٣٣.
(٩) "تفسير مقاتل" ٣٠ أ، وفيها: إدامًا.
(١٠) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ١١. قال الأزهري في "تهذيب اللغة" ٨/ ٢٧ بعد حكاية هذا القول عن الزجاج: وهذا أجود القولين؛ لأنه قد ذكر الدهن قبله.
﴿وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ﴾ في ظهورها، وألبانها، وأوبارها، وأصوافها، وأشعارها.
﴿وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ﴾ قال ابن عباس: من لحومها وأولادها والكسب عليها (٣). قوله: ﴿وَعَلَيْهَا﴾ قال ابن عباس: يريد الإبل خاصة (٤).
﴿وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ﴾ قال الكلبي: أما في البحر فالسفن، وأما في البر فالإبل (٥).
وهذه الآية تدل على أنه يجوز أن يذكر أشياء، ثم يكنى (٦) عن بعضها، فتعود الكناية إلى البعض لا إلى الجميع، وذلك أن الأنعام اسم للإبل والبقر والغنم، ولسنا نحمل على شيء منها إلا الإبل، فعادت الكناية إليها من جملة الأنعام.
والبقر منهي عن ركوبها في الحديث الذي ورد: "أن رجلاً ركب بقرة، فقالت: إنا لم نخلق لهذا، إنما خلقنا للحراثة". والحديث مشهور (٧).
(٢) عند قوله تعالى: ﴿وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ﴾ [النحل: ٦٦].
(٣) و (٤) ذكرهما ابن الجوزي ٥/ ٤٦٨ من غير نسبة لأحد. وانظر: "تنوير المقباس" ص ٢١٢.
(٥) ذكره البغوي ٥/ ٤١٥، وابن الجوزي ٥/ ٤٦٨ من غير نسبة.
(٦) في (ظ): (يعني).
(٧) رواه البخاري في "صحيحه" كتاب: الحرث، باب: استعمال البقر للحراثة ٥/ ٨، ومسلم في "صحيحه" كتاب: فضائل الصحابة، باب: من فضل أبي بكر الصديق ٤/ ١٨٥٥.
٢٣ - قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ﴾ قال ابن عباس: يعزي نبيه -صلى الله عليه وسلم- بأن غير أمته قد كذبوا أنبياءهم وجحدوا بالبعث (١) (٢).
﴿فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ﴾ قال ابن عباس: أطيعوا الله. وقال مقاتل: وحدوا الله (٣).
﴿مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ ما غيره لكم رب ومعبود. ﴿أَفَلَا تَتَّقُونَ﴾ أو لا تتقونه بالطاعة والتوحيد. قال ابن عباس: يريد: أفلا تخافون الله (٤).
٢٤ - قوله: ﴿يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ﴾ قال ابن عباس: يريد أن يرأسكم ويسودكم (٥).
والمعنى: يريد أن يصير له الفضل عليكم فيكون متبوعًا، وأنتم له تبع (٦).
﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ﴾ أن لا نعبد (٧) شيئًا سواه ﴿لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً﴾ لأرسل ملائكة فكانوا (٨) رسله، ولم يرسل بشرًا آدميًّا. ﴿مَا سَمِعْنَا﴾ الذي يدعونا إليه نوح من التوحيد.
(٢) ذكره ابن الجوزي: ٥/ ٤٦٩ بمعناه وعزاه للمفسرين.
(٣) "تفسير مقاتل" ٢/ ٣٠ أ.
(٤) انظر: "الطبري" ١٨/ ١٦، والبغوي ٥/ ٤١٥.
(٥) انظر: "القرطبي" ١٢/ ١١٨.
(٦) هذا قول الطبري ونصه ١٨/ ١٦.
(٧) في (ط): (يعبدوا). وفي (ع): (يعبد). والمثبت من (أ) هو الموافق لما عند الطبري.
(٨) في (ظ)، (ع): (وكانوا).
والباء قوله ﴿بِهَذَا﴾ (٢) زائدة (٣)، و ﴿فِي﴾ ظرف لمحذوف. كأنه قيل: ما سمعنا بهذا سابقًا أو كائنًا في آبائنا الأولين.
٢٥ - قوله: ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ﴾ أي حالة جنون، وهي غمرة تغطي العقل وتستره (٤).
وقال الفراء: ﴿حَتَّى حِينٍ﴾ أي إلى وقت ما. ولم يعنوا بذلك وقتًا معلومًا، وهو كقول القائل: دعه إلى يوم ما (٥).
٢٦ - قوله تعالى: ﴿قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي﴾ قال ابن عباس ومقاتل: انصرني بتحقيق قولي في العذاب أنه نازل بهم في الدنيا على من لم يطعني ولم يسمع رسالتي (٦).
﴿بِمَا كَذَّبُونِ﴾ أي بتكذيبهم إياي. والمعنى: انصرني بإهلاكهم
(٢) في (ع): (هذا).
(٣) هذا القول محل نظر، والأظهر في هذا أن فعل (سمعنا) مُضمن لمعنى فعل آخر فلذا عُدي بالباء.
قال العلامة محمد الطاهر بن عاشور في "التحرير والتنوير" ١٨/ ٤٣: ولما كان السماع المنفي ليست سماعًا بآذانهم لكلام في زمن آبائهم، بل المراد ما بلغ إلينا وقوع مثل هذا في زمن آبائنا، عُدي فعل (سمعنا) بالباء لتضمينه معنى الاتصال. أهـ.
(٤) انظر: "لسان العرب" ١٣/ ٩٢ (جنن).
(٥) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٣٤ مع اختلاف يسير. وهذا كلام الطبري ١٨/ ١٧ بنصه، ولم ينسبه الطبري لأحد.
(٦) "تفسير مقاتل" ٢/ ٣٠ أإلى قوله: نازل بهم في الدنيا. وذكر الرازي ٢٣/ ٩٣ هذا القول، ولم ينسبه لأحد.
قال أهل المعاني: وهذا دعاء عليهم بالإهلاك (١) من أجل التكذيبة (٢)
٢٧، ٢٨ - قوله: ﴿فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ﴾ مفسر في سورة هود إلى قوله. ﴿فَإِذَا اسْتَوَيْتَ﴾ (٣).
قوله: ﴿فَاسْلُكْ فِيهَا﴾ أي ادخل في سفينتك. وذكرنا تفسيره عند قوله: ﴿كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ﴾ [الحجر: ١٢].
٢٩ - قوله تعالى: ﴿وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبَارَكًا﴾ المنزل يجوز أن يكون مصدرًا بمنزلة: أنزلني إنزالاً مباركًا، وعلى هذا يجوز أن يعلى الفعل إلى مفعول آخر. ويجوز أن يكون المنزل موضعًا للإنزال كأنه قيل: أنزلني مكانًا أو موضعًا. وعلى هذا الوجه قد استوفى الإنزال مفعوليه. وقرأ أبو بكر عن عاصم (مَنزِلًا) بفتح الميم وكسر الزاي (٤). ويجوز على هذه القراءة الوجهان، أحدهما: أن يكون موضع نزول. والآخر أن يكون مصدرًا. ودل (أنزلني) على أنزل (٥) فانتصب (منزلًا) على أنه مصدر. وعلى الوجه الأول على أنه محل (٦).
(٢) ذكر الجشمي في "تهذيبه" ٦/ ١٩٧ ب نحو هذا المعنى ولم ينسبه لأحد.
(٣) انظر: "البسيط" سورة هود: ٣٧ - ٣٨.
(٤) وقرأ الباقون: (منزلا) بضم الميم وفتح الزاي. "السبعة" ص ٤٤٥، "التبصرة" ص ٢٦٩،"التيسير" ص ١٥٩.
(٥) في "الحجة": على نزلت.
(٦) هذا كلام أبي علي في "الحجة" ٥/ ٢٩٤ - ٢٩٤ مع تقديم وتأخير وتصرف. وانظر في توجيه القراءتين أيضًا. "علل القراءات" للأزهري ٢/ ٤٣٤، "الكشف" لمكي بن أبي طالب ٢/ ١٢٨.
قال مجاهد (٤): [قال نوح] (٥) حين خرج من السفينة ﴿أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبَارَكًا﴾ (٦). وقال مقاتل: يعني بالبركة أنهم توالدوا وأكثروا (٧) (٨).
وهذا يدل على أن هذا الدعاء كان عند الهبوط. وقال الكلبي: منزلا مباركًا بالماء والشجر.
وقال ابن عباس في قوله: ﴿وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ﴾ يريد من السفينة، مثل قوله: ﴿اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا﴾ [هود: ٤٨] (٩).
وذهب بعض أهل المعاني إلى أن المنزل المبارك هو السفينة؛ لأنها كانت سبب النجاة (١٠).
(٢) في (أ): (فيها).
(٣) انظر: "الطبري" ١٨/ ١٨، و"الدر المنثور" ٦/ ٩٧.
(٤) في (ع) (مقاتل)، وهو خطأ.
(٥) ما بين المعقوفين في (ع): (يعني...).
(٦) رواه الطبري ١٨/ ١٨ بلفظ: قال نوح حين نزل من السفينة. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٩٧ بمثل لفظ الطبري وعزاه لابن أبي شيبة وعبدين حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم.
(٧) في (أ)، (ظ): (وكثروا)، والمثبت من (ع) هو الموافق لما في "تفسير مقاتل".
(٨) "تفسير مقاتل" ٢/ ٣٠ ب.
(٩) ذكره عنه القرطبي ١٢/ ١٢٠.
(١٠) ذكر الطوسي في "التبيان" ٧/ ٣٢١ هذا القول ونسبه للجبائي، وكذا ذكرِه الجشمي في "التهذيب" ٦/ ١٩٨ أ، وذكر الماوردي ٤/ ٥٣ وابن الجوزي ٥/ ٤٧، والقرطبي ١٢/ ١٢٠ هذا القول من غير نسبة لأحد. =
﴿وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ﴾ وما كنا إلا مختبرين إياهم بإرسال نوح ووعظه وتذكيره (١).
٣١ - ٣٥ - قوله: ﴿ثُمَّ أَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ﴾ يعني عادًا قوم هود، [وأراد (٢) بقوله] (٣): ﴿فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ﴾ هودًا.
والباقي ظاهر إلى قوله: ﴿أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ﴾ الآية.
قال الفراء: أعيدت (أَنَّكُمْ) مرتين ومعناهما واحد، إلا أن ذلك حسن لما فرق بينهما بإذا، وهي في قراءة عبد الله (أيعدكم إذا مُتم وكنتم ترابا وعظامًا أنكم مخرجون) (٤).
وقال أبو إسحاق: ﴿أَنَّكُمْ﴾ موضعها نصبٌ على معنى: أيعدكم بأنكم إذا متم. وموضع (أن) الثانية عند قوم كموضع الأولى، وإنما ذكرت توكيدًا. والمعنى على هذا القول: أيعدكم أنكم مخرجون إذا متم. فلما بعد ما بين (أن) الأولى والثانية بقوله (إذا متم وكنتم تربًا وعظامًا) أعيد ذكر (أن) كما قال -عز وجل-: ﴿أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ﴾ [التوبة: ٦٣] المعنى: فله نار جهنم (٥).
(١) في (أ): (وتنكيره).
(٢) (وأراد): في هامش (أ) وعليها علامة التصحيح.
(٣) ما بين المعقوفين ساقط من (ع).
(٤) "معاني الفراء" للفراء ٢/ ٢٣٤ مع اختلاف يسير.
(٥) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ١١.
(٢) قوله: [سوءا بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح] ساقط من (ع). وفي (أ): (بيان)، وفي (ظ) قوله: (سوءًا بجهالة). ثم سقط ما بعده وهو قوله (ثم تاب من بعده وأصلح). وفي الإغفال الآية كاملة.
(٣) هكذا في (أ)، (ظ)، والإغفال. وفي (ع): (الأول. وقد غيرها محقق الإغفال إلى الأولى. وأشار إلى ذلك في الحاشية ٢/ ١٠٨١.
(٤) هكذا في جميع النسخ وفي الإغفال أيضا، وقد غيرها محقق الإغفال إلى: تكون مكرره. وغير ما بعدها أيضًا. وأشار إلى ذلك في الحاشية ٢/ ١٠٨١.
(٥) في (ظ)، (ع): (غير متعد)، وفي (أ): (غير متعديه)، وانظر: "الإغفال" ٢/ ١٠٨١.
(٦) النساء: ١٥٥، المائدة: ١٣.
(٧) في (أ): (فذهب).
(٨) "الكتاب" ٣/ ١٣٢ - ١٣٣.
(٩) هو: المبرد وانظر قوله في "المقتضب" ٢/ ٣٥٦.
(١٠) هو: الأخفش.
(١١) ذكر الأخفش في "معاني القرآن" ١/ ٢٨٩ في هذه الآية ﴿أَيَعِدُكُمْ﴾ أن الآخرة بدل من الأولى.
قال سيبويه (٢): مما جاء مبدلًا قوله: ﴿أَيَعِدُكُمْ...﴾ الآية، فكأنه (٣) قال: أيعدكم أنكم مخرجون إذا متم. وذلك أريد بها ولكنه إنما قدمت (أن) الأولى. ليعلم بعد أي شيء الإخراج. قال ت وزعم الخليل أن مفعل ذلك قوله: ﴿أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ﴾.
قال أبو على: لا يجوز عندي (٤) أن تكون (أن) الثانية في شيء من الآي بدلاً من الأولى، وذلك لا يخلو من أحد أمرين: إما أن تبدل (أن) من (أن) (٥) وحدها من غير أن تتم بصلتها، وإما أن تبدل منها (٦) بعد تمامها بصلتها. فلا يجوز أن تبدل منها من غير أن تتم بصلتها (٧)؛ لأنها قبل أن تتم بصلتها حرف؛ ولم (٨) نرهم أبدلوا الحرف من الحروف كما أبدلوا (٩) الاسم من الاسم والفعل من الفعل. ولا يجوز أن يكون مبدلًا منها في الآية بعد تمام الصلة؛ لأن صلة الأولى لم تتم، وإنما تتم اسمًا إذا استوفت صلتها تامة. وصلتها يكون اسمًا كان مبتدأ قبل دخولها عليه مع خبره،
(٢) "الكتاب" لسيبويه ٣/ ١٣٢ - ١٣٣.
(٣) في (ع): (وكأنه).
(٤) (عندي): ساقطة من (ع).
(٥) من أن: ساقط من (ظ).
(٦) في (ظ): (منهما).
(٧) في "الإغفال" ٢/ ١٠٨٣، خ ل ١١٢ أ: (من غير أن تتم كل واحدة بصلتها). وأشار محقق الإغفال إلى سقوطها من بعض النسخ.
(٨) في (ع): (ولا). وفي ساقطة من (ظ).
(٩) في جميع النسخ: أبدل. والتصويب من "الإغفال" ٢/ ١٨٣، (خ) ١٢١ أ.
قال (٥): وهذا أحسن الأقاويل عندي في هذه الآية (٦).
قال أبو علي: قول أبي العباس (٧) لا يجوز عندي أيضًا، لأنه لا يخلو من أن يقع التكرير للتأكيد في (أن) وحدها دون صلتها أو مع صلتها. فلا يجوز التكرير (٨) فيها وحدها، كما لا تكرر سائر الموصولات دون
(٢) في (أ): (الجثث). وفي (ظ): (الجثب). والمثبت من (ع)، والإغفال.
(٣) في (ظ)، (ع): (فلذلك).
(٤) في (ظ)، (ع): (لمبتدأ).
(٥) القائل هو: أبو العباس المبرد.
(٦) انظر: "المقتضب" ٣/ ٣٥٦ - ٣٥٧.
(٧) في (أ): (يقول أبو العباس)، وهو خطأ.
(٨) في (أ): (التكرار)، والمثبت من باقي النسخ هو الموافق لما في "الإغفال".
فأما موضع (٥) (إذا) فنصبٌ من حيث انتصب مثل: يومَ الجمعة القتالُ، واليومَ الإخراج. وحكم هذا أن تُضمر للمرفوع خبرًا (٦) يكون إياه في المعنى، أو يكون له (٧) فيه ذكر؛ لأن يوم الجمعة ليس بالقتال ولا له فيه ذكر، وذلك الخبر المُضْمَر: كائن أو حادث أو يحدث، وما أشبه (٨) ذلك. فإذا أضمر هذا لعلما: الذي لابد من إضماره عمل في الظرف. ولا يجوز أن يكون العامل في الظرف الإخراج نفسه من جهة أن الكلام لا
(٢) ما بين المعقوفين ساقط من (ع).
(٣) في (أ): (فكأنه)، والمثبت من باقي النسخ هو الموافق لما في "الإغفال".
(٤) في (ع): (وقوعه).
(٥) في (أ): (مواضع)، وهو خطأ.
(٦) في "الإغفال" أن يضمر له خبر. وقال المحقق: في (ش): (خبرًا).
(٧) في الإغفال: أو يكون له خبر. وأشار المحقق إلى سقوط (خبر) من (ش).
(٨) في (ع): (أو ما أشبه).
وكذلك (إذا) في الآية حكمه حكم قولك: غدًا الرحيل. كأن التقدير في الأصل: إذا متم إخراجكم كائن أو حادث أو يحدث، فـ (إذا) منتصب (٣) بالخبر المقدر انتصاب غد (٤)، وحذف الخبر كما حذف من غد، ثم قام (إذا) مقام الخبر المحذوف فصار فيه ضميره كما صار في سائر الظروف، ثم قام مقام الفعل فرفع (٥) كما رفع قوله غدًا الرحيل. فـ (غدًا) و (إذا)، و (في الدار)، وما أشبه ذلك من الظروف كان أصله ما عرفتك من الانتصاب بالفعل الذي تقدم (٦) أو ما يقوم مقامه، ثم يختزل فتقوم هي مقام المختزل، فتصير مواضعها لذلك (٧) رفعًا نحو: زيد في الدار، ونحو: القتال إذا أتيت زيدًا، فيرفع (٨) الظاهر كما يرفع المضمر (٩)، فإذا قدم الظرف (١٠) لم يكن له موضع من الإعراب، كما أنه ليس لقولك مبتدئًا:
(٢) في (أ، ع): (إضمار)، والمثبت من (ظ) و"الإغفال".
(٣) في (ظ)، (ع): (انتصب).
(٤) في (ظ): (غدا).
(٥) في "الإغفال" ٢/ ١٠٩٥: فرفع أن.
(٦) في "الإغفال" ٢/ ١٠٩٥: (الذي يقدر).
(٧) في (أ): (بذلك)، والمثبت من باقي النسخ و"الإغفال" ٢/ ١٠٩٥.
(٨) في (ط)، (ع): (فرفع).
(٩) في "الإغفال" ص ١٠٩٥ بعد قوله زيدًا: ثم تقدم فترفع الظاهر كما رفع المُضمر.
(١٠) في (ظ)، (ع): (فرفع).
وقال في كتاب "الحجة": من قدر [في] (١٢) (أنَّ) الثانية البدل فإنه
(٢) ما بين المعقوفين ساقط من (أ)، (ظ).
(٣) في جميع النسخ: وكذلك، مقدمه.. له.. للفظه)، والمثبت من "الإغفال".
(٤) نفسه.
(٥) نفسه.
(٦) نفسه.
(٧) في (ظ): (كقولك)، وهو خطأ.
(٨) في (ظ): (لمقامها).
(٩) في (أ): (مقامها)، والمثبت من (ظ)، (ع) هو الموافق لما في "الإغفال".
(١٠) في (أ): (وكتاب).
(١١) "الإغفال" لأبي علي الفارسىِ ٢/ ١٠٨١ - ١٠٩٧ مع تصرف واختصار.
(١٢) (في): زيادة من "الحجة" يستقيم بها المعنى.
قال: فأما (٤) قول أبي إسحاق ﴿أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ﴾ إن موضع (أنَّ) الأولى نصبٌ على معنى: أيعدكم بأنكم فإن (٥) وعدت تتعدى إلى مفعولين، وتعديه إلى المفعول الثاني بغير حرف، ولا حاجة إلى تقدير الباء ألا ترى أن ما جاء في التنزيل من هذا بغير الباء فمن ذلك قوله: ﴿وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ﴾ [الفتح: ٢٠] ﴿وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ﴾ [طه: ٨٠] وجانب مفعول ثان ولا يكون ظرفًا لاختصاصه ﴿وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً﴾ [الأعراف: ١٤٢] و ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً﴾ [الفتح: ٢٩] و ﴿إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ﴾ [التوبة: ١١٤] فلم يتعد وعدت في كل هذا إلى المفعول الثاني بالباء، وكذلك ينبغي أن يكون المفعول الثاني في ﴿أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ﴾ لا
(٢) في (ظ)، (ع): (فإذا).
(٣) "الحجة" ٢/ ٦١.
(٤) في (ظ). (وأما).
(٥) في (أ): (قد).
٣٦ - قوله تعالى: ﴿هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ﴾ معنى (هيهات): بَعُدَ الأمرُ جدًّا حتى امتنع.
وهو صوت بمنزلة صَهْ ومَهْ، إلا أن هذه الأصوات الأغلب عليها الأمر والنهي، وهذا في الخبر، ونظيره شتان، أي: بعد ما بينهما جدًا.
وهذا الذي ذكرنا هو معنى ما ذكره أبو علي في كتاب "الإيضاح". فإنه ذكر فيه باب الأسماء التي سميت بها الأفعال فذكر فيه (رويد) بمعنى: أروِد أي: أمهل، و (إيه) بمعنى: حدث، وصَه ومَهْ بمعنى: أُسكت. وقال: أكثر ما تستعمل هذه الأسماء في الأمر والنهي، وقد جاء شيء من ذلك في الخبر، وذلك قولهم: شتان زيد وعمرو، فهذا بمنزلة: بعد زيد وعمرو، وقالوا: سرعان ذا إهالة (٢)، بمعنى: سَرُع، وقالوا (٣): هيهات زيد،
(٢) سرعان -مثلثة السين- بمعنى: سرع، والإهالة: الودك.
و (سرعان ذا إهالة) مثل أصله: أن رجلا كانت له نعجة عجفاء، ورُغامها يسيل من منخريها لهزالها، فقيل له: ما هذا الذي يسيل؟ فقال: ودكها. فقال السائل ذلك القول.
وقيل إن أصل هذا المثل أن رجلاً كان يُحَمّق، اشترى شاة عجفاء يسيل رُغامها هزالا وسوء حال، فظن أنه ودك فقال: (سرعان ذا إهالة).
و (إهالة) منصوب على الحال، و (ذا) إشارة إلى الرغام، أي: سرع هذا الرغام حال كونه إهالة وهو مثل يضرب لمن يخبر بكينونة الشيء قبل وقته.
انظر: "مجمع الأمثال" للميداني ٢/ ١١ - ١١٢، "لسان العرب" ٨/ ١٥٢ (سرع)، "القاموس المحيط" ٣/ ٣٧، "تاج العروس" للزبيدي ٢١/ ١٨٦ (سرع).
(٣) (قالوا): ساقطة من (أ).
وقد ثبت أن هيهات اسم سمي به الفعل وهو بعد في الخبر لا في الأمر كما عليه أكثر بابه، وتفسير هيهات: بَعُدَ، وليس له اشتقاق؛ لأنه بمنزلة الأصوات، وفيه زيادة معنى ليس في بَعُدَ، وهي أن المكلم بهيهات يخبر عن اعتقاده استبعاد ذلك الشيء الذي يخبر عن بُعْدِه، وكأنه بمنزلة أن تقول: بعد جدًّا وما أبعده، لا على أن يعلم المخاطب مكان ذلك الشيء في البعد فـ[حسب، كما لو قال: بعد زيد، يفهم من هذا أنه يخبر عن مكانه في البعد] (٢). ففي هيهات زيادة معنى على بعد وإن كنا (٣) نفسره ببعد.
قال الفراء - في قوله: ﴿هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ﴾: لو لم تكن اللام في (ما) كان صوابًا. ودخول اللام عربي، ومثله في الكلام: هيهات لك، وهيهات أنت منا، وهيهات لأرضك. وأنشد (٤):
(٢) ما بين المعقوفين ساقط من (ظ).
(٣) في (ظ): (كان).
(٤) البيت أنشده الفراء في "معانيه" ٢/ ٢٣٥ من غير نسبة، وروايته عنده:
فأيهات أيهات العَقيقُ ومَن به | وأيْهات وَصْل بالعقيق نواصله |
و"اللسان" ١٣/ ٥٥٣ (هيه) بمثل رواية الواحدي لكن فيه (نحاوله) مكان (نواصله) قال أبو عبيدة في "النقائض" ٢/ ٦٣٢. والعقيق: وادٍ لبني كلاب بالعالية.
فَهَيْهات هيهات الحقيقُ وأهلُه (١) | وهيهات خِلُّ بالعقيق نُوَاصِلُه |
وقال أبو إسحاق: ﴿هَيْهَاتَ﴾ موضعها الرفع، وتأويلها (٧): البعد لما توعدون.
قال: ويقال: هيهات ما قلت، وهيهات لما قلت، فمن قال: هيهات لما قلت فمعناه البعد لقولك (٨)، ومن نون هيهات جلها نكرة، ويكون المعنى: بُعدًا (٩) لما توعدون (١٠).
قال أبو علي: فيما أصلح (١١) عليه قوله في هيهات [أن موضعه] رفع
(٢) في (ع): (بعد).
(٣) عند الفراء: كأنه قال: بعيد (ما توعدون) وبعيد العقيق...
(٤) في (ظ)، (ع): (ليس).
(٥) ما بين المعقوفين ساقط من (ظ).
(٦) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٣٥ مع اختصار.
(٧) في (ظ): (تأويلها).
(٨) عند الزجاج: فمن قال: هيهات ما قلت، فمعناه: البعد ما قلت، ومن قال: هيهات لما قلت.
(٩) عند الزجاج: بعد.
(١٠) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ١٣.
(١١) في (ظ): (مما يصلح).
(٢) في "الإغفال" ٢/ ١١٢٥: (إياه).
(٣) (لبعد): ساقط من (أ).
(٤) ما بين المعقوفين ساقط من (ع).
(٥) في "الإغفال" ٢/ ١١٢٦: (فليس) وهي ساقطة من (ظ).
(٦) في "الإغفال" ٢/ ١١٢٦: تُسمى.
(٧) في "الإغفال" ٢/ ١١٢٨: (الابتداء).
وأظن الذي حمل أبا إسحاق على أن قال: (هيهات: معناه البعد، وموضعه رفع كما أنك لو قلت: البعد لزيد كان البعد رفعًا). أنه لم ير (٤) في قوله: ﴿هَيْهَاتَ﴾ فاعلا ظاهرًا مرتفعًا فحمله على أن موضعه رفع كالبعد. والقول في هذا أن في (هيهات) ضميرًا مرتفعًا، وذلك الضمير عائد إلى قوله: ﴿أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ﴾ الذي هو بمعنى الإخراج، كأنهم لما قالوا -مستبعدين للوعد بالبعث ومنكرين له- ﴿أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ﴾ فكان قوله: ﴿أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ﴾ بمعنى الإخراج وصار (٥) في (هيهات) ضمير له، والمعنى: هيهات إخراجكم للوعد، أي (٦): بعد إخراجكم للوعد إذ كان الوعد إخراجكم بعد موتكم ونشركم بعد إضمحلالكم، فاستبعد أعداء الله إخراجهم ونشرهم لما كانت العِدة به بعد الموت، إغفالاً منهم للتدبر وإهمالاً (٧) للتفكر في قوله:
(٢) هكذا في (ع) والإغفال. وفي (أ): (يريد)، وهي مهملة في (ظ).
(٣) في "الإغفال" ٢/ ١١٢٩: ولو.
(٤) في "الإغفال" ٢/ ١١٣٠: لم يرد، والصواب ما هنا.
(٥) في "الإغفال" ٢/ ١١٣٠: صار.
(٦) في (ع): (الذي).
(٧) في (ع): (وإمهالا).
فهيهات هيهات العقيق
الاسم الظاهر: وإنما كرر (١) هيهات في الآية والبيت للتأكيد.
وأما (٢) قوله: (ويقال: هيهات ما قلت وهيهات لما قلت، فمن قال هيهات ما قلت فمعناه البعد ما قلت ومن قال لما قلت فمعناه البعد لقولك) فقد ذكرنا أن هيهات لا يجوز أن يكون كالبعد وأنه اسم سمي به الفعل فإجازته في هيهات ما قلت (٣) على أنه البعد ليس بجائز وإنما ما قلت يرتفع بهيهات كما يرتفع ببعد، أما (٤) إجازته هيهات لما قلت فإنما قاسه على قوله (٥) ﴿هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ﴾ وليس قولك مبتدئًا: (هيهات لما قلت) مثل الآية، لأن التي في الآية فيها ضمير كما أعلمتك ولا ضمير فيها مبتدأ (٦). فبان (٧) أن قولك: (هيهات لما قلت) ليس كما قاسه عليه (٨)؛ لأنه
(٢) في "الإغفال" ٢/ ١١٣٢: فأما قوله.
(٣) في "الإغفال" ٢/ ١١٣٢: فإجازته هيهات ما قالت.
(٤) في "الإغفال" ٢/ ١١٣٢: فأما.
(٥) قوله: ساقط من (ع).
(٦) في "الإغفال" ٢/ ١١٣٣: مبتدأ، وفي (أ): (مبتدأه)، وأشار المحقق إلى أنه في نسخة ش: مبتداه.
(٧) في "الإغفال" ٢/ ١١٣٣: (فتبين)، وفي بعض النسخ كما أشار المحقق. فبين.
(٨) في (ع): (عليك).
وقوله: (فأما من نون هيهات فجعلها نكرة ويكون المعنى: بعدًا لما قلت منه اختلاف) (٤). قيل: إنه إذا نُوَّن كان نكرة، ووجه هذا القول أن هذه التنوين (٥) في الأصوات [إنما تُثْبت] (٦) علمًا للتنكير وتحذف علمًا للتعريف، كقولهم: عَاقِ وعاقٍ، وإيه وإيهٍ، ونحو ذلك، فجائز أن يكون المراد بهيهات إذا نون التنكير.
وقيل: إنه إذا نون أيضًا كان معرفة كما كان قبل التنوين كذلك، وذلك أن التنوين في (مسلمات) ونحوه نظير النون في (مسلمين)، فهي إذا ثبتت لم تدل على التنكير كما تدل عليه في (عاق)؛ لأنه بمنزلة ما لا يدل على تنكير (٧) ولا تعريف، فهو على تعريفه الذي كان عليه قبل دخول التنوين، إذ ليس التنوين فيه كالذي في (عاق). قال أبو العباس في هذا الوجه: هو قول قوي. انتهى كلام أبي علي (٨).
وحصل في معنى هيهات ثلاثة أقوال:
(٢) في (ظ)، و"الإغفال": (فكان).
(٣) في "الإغفال" ٢/ ١١٣٣: (فكان في هيهات ضمير كما في الآية....
(٤) في "الإغفال" ٢/ ١١٣٣: (ويكون المعنى: بعدٌ لما قلت ففيه اختلاف.
(٥) في بعض نسخ "الإغفال" كما أشار المحقق ٢/ ١١٣٣: أن التنوين.
(٦) ساقط من (ظ).
(٧) في (ع): (التنكير).
(٨) "الإغفال" للفارسي ٢/ ١١٢٥ - ١١٣٤ بتصرف.
والثاني: أنه بمنزلة البُعد. وهو قول الزجاج وابن الأنباري.
والثالث (٢): أنه بمنزلة بَعُدَ. وهو قول أبي علي وغيره من حذاق النحويين.
فهو إذن على هذه الأقوال تكون بمنزلة الصفة والمصدر (٣) والفعل.
وفيه لغات: فتح التاء بلا تنوين.
قال الفراء: إنهما أداتان (٤) جمعتا فصارتا بمنزلة خمسة عشر (٥).
قال: ويجوز أن يكون نصبها (٦) كنصب قولك: رُبت وتُمت، وأنشد (٧):
(٢) من (ظ): وفي باقي النسخ: (والآخر).
(٣) في (ظ): (والبُعْد).
(٤) في (ع): (أداأتان)، وهو خطأ.
(٥) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٣٥.
(٦) في (ع): (نصبها نصبها).
(٧) قول الفراء وإنشاده نقله عنه الواحدي بواسطة "تهذيب اللغة" للأزهري ٦/ ٤٨٥ (هيه)، وهو مع اختلاف في بعض ألفاظه في "معاني القرآن" ٢/ ٢٣٦.
والبيت أنشده الفراء في "معانيه" ٢/ ٢٣٦ من غير نسبة، وفيه (بل ربتما) مكان (ياربتما). والبيت منسوب لضمرة بن ضَمْرة النَّهشلي في "النوادر" لأبي زيد ص ٢٥٣٢، "المعاني الكبير" لابن قتيبة ٢/ ١٠٠٥، وروايتهما: (بل ربتما)، و"خزانة الأدب" ٩/ ٣٨٤ وفيها (ياربتما).
ومن غير نسبة في: الطبري ١٨/ ٢١، "تهذيب اللغة" للأزهري ٣/ ٦٤ (شعا)، "لسان العرب" ١٤/ ٤٣٥ (شعا).
قال البغدادي في "الخزانة" ٩/ ٣٨٤ - ٣٨٥. ماوي: منادي مرخَّم ماوية. اسم امرأة. و (يا) في قوله (ياريتما) للتنبيه لا للنداء.. (ب). التاء لحقت (رب) للإيذان =
مَاويّ ياربتما غارةٍ | شَعْواءَ كاللَّذْعَةِ بِالميسَمِ |
ويجوز التنوين مع الفتح.
قال ابن الأنباري: من قال هيهاتًا بالتنوين (٤) شبهه بقوله: ﴿فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ﴾ [البقرة: ٨٨] (٥). يعني أن هيهاتًا بمنزلة بعيدًا.
ويجوز هيهات بكسر التاء.
قال الفراء: هو بمنزلة دَرَاكِ ونَظَارِ (٦). يعني أن دراك اسم للأمر بمعنى
قال ابن قتيبة في "المعاني" ٢/ ١٠٠٥: يريد كأنها -يعني الغارة- في سرعتها لذعه بميسم في وَبْر.
(١) في (ع): (كما بنيت هيهات)، كررت هيهات خطأ.
(٢) في (أ): (إيه)، وفي (ع): (ربه). والمثبت من (ظ) وهو الموافق لما في "معاني القرآن" للزجاج.
يقال: كان من الأمر ذَيَّة وذَيَّة بمعنى: كَيْتَ وكيْت. "تاج العروس" للزبيدي ٤/ ٤٢٣ (ذيت).
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ١٢.
(٤) (بالتنوين): ساقطة من (ط)، (ع).
(٥) قول ابن الأنباري في "تهذيب اللغة" ٦/ ٤٨٤ (هيهات) بنصه.
(٦) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٣٥. قال الجوهري: وقولهم: دَرَاكِ أي أدْرِكْ، وهو إسم لفعل الأمر، وكسرت الكاف لاجتماع الساكنين؛ لأن حقها السكون للأمر. وقولهم: نَظَارِ، مثل قَطَامِ، أي: انتظره. "الصحاح" ٢/ ٨٣٠ (انظر)، ٤/ ١٥٨٩ (درك).
قال (١) ابن الأنباري: من نون مع (٢) الكسر شبه بالأصوات كقولهم: غاقٍ وطاقٍ (٣). قال: ويجوز الرفع بغير تنوين وبتنوين (٤)، ومن العرب من يقول: أيْهات في هذه اللغات كلها، ومنهم من يقول: (أيْهان) بالنون، ومنهم من يقول: (أيها) بلا نون، ومن قال (أيها) حذف التاء كما حذف الياء من حاشَى فقيل (٥): حاش لله. وأنشد (٦):
ومن دُونِي الأعْراضُ والقِنْعُ (٧) كلُّه | وكُتْمانُ أيْها ما أشَتَّ وأبْعَدا |
(٢) في "تهذيب اللغة": من قال هيهات لك بالتنوين.
(٣) غاق: حكايته صوت الغراب. "الصحاح" للجوهري ٤/ ١٥٣٩ (غيق).
(٤) في "تهذيب اللغة" ٦/ ٤٨٥، ومن قال هيهات لك بالرفع | ومن رفعها ونون. وليس فيه ويجوز الرفع بغير تنوين وبتنوين. |
(٦) إنشاد ابن الأنباري في "تهذيب اللغة" للأزهري ٦/ ٤٨٥ (هيه) ولم يذكر قائله. وهو أيضًا في "لسان العرب" ١٣/ ٥٥٤. والأعراض: جمع عرض، والأعراض: قرى بين الحجاز واليمن. والقِنْعِ بالكسر. ثم السكون: جبل وماء لبني سعد بن زيد بن مناة بن تميم باليمامة.
انظر: "معجم البلدان" ١/ ٢٨٩ - ٢٩٠، ٧/ ١٧٥.
(٧) في (أ): (والنَّفع)، وفي (ظ): (والقع) وفي (ع): (والعنع)، مهملة.
(٨) في المطبوع من "تهذيب اللغة". عاليًا. وأشار المحقق الحاشية إلى (غالبا).
(٩) كلام ابن الأنباري في "تهذيب اللغة" ٦/ ٤٨٥ (هيهات) مع اختلاف يسير في العبارة. وانظر: "شرح القصائد السبع" لابن الأنباري ص ٤٣٩ - ٤٤٠.
قال أبو عمرو بن العلاء: إذا وصلت [هيهات فدع التاء (١) على] (٢) حالها، وإذا وقفت فقل: هيهاه (٣).
ويدل على هذا ما روي [عن سيبويه أنه قالما هي بمنزلة علقاه (٤). يعني في] (٥) التأنيث (٦).
وإذا كان كذلك كان الوقف [بالهاء. قالما الفراء: كان الكسائي يختار الوقوف على الهاء] (٧) وأنا أختار [التاء في] (٨) الوقوف على [هيهات (٩).
وعنده] (١٠) أن هذه التاء ليست بهاء تأنيث.
وأما (١١) ما ذكره المفسرون في هذا: فقال ابن عباس -في رواية
(٢) ما بين المعقوفين كشد في (ظ).
(٣) "تهذيب اللغة" للأزهري ٦/ ٤٨٤ (هيهات).
(٤) عَلْقَاة: شجرة تدوم خضرتها في القَيْظ، وقضبانها دقاق طوال عَسرٌ رضها، وأورقها لطاف، يتخذ منها المكانس، "لسان العرب" ١٠/ ٢٦٤ (علق)، "القاموس المحيط" ٣/ ٢٦٧.
(٥) ما بين المعقوفين كشط في (ظ).
(٦) روى ذلك عنه الزجاج ٤/ ١٢ وهذا نصه. وانظر: "الكتاب" ٣/ ٢٩١.
(٧) ما بين المعقوفين كشط في (ف).
(٨) ما بين المعقوفين ساقط من (ع).
(٩) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٣٦ مع تصرف في العبارة.
(١٠) ما بين المعقوفين كشط في (ظ).
(١١) في (أ): (أما).
وقال الكلبي: يقول بعيدًا بعيدًا ما يعدكم ليوم البعث.
وروي عن ابن عباس أيضًا أنه قال: هي كلمة بَعُد (٢).
٣٧ - قوله: ﴿إِنْ هِيَ﴾ (هي) كناية عن الحياة، ودل عليها قوله: ﴿إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا﴾ كأنهم قالوا: ما الحياة إلا ما نحن فيه لا الحياة الآخرة التي يَعِدُ بعد البعث. ﴿نَمُوتُ وَنَحْيَا﴾ قال مجاهد: أي نهلك نحن ويبقى أبناؤنا، ويهلك أبناؤنا ويبقى أبناؤهم (٣).
ونحو هذا قال الكلبي (٤) ومقاتل (٥). وقال آخرون: أي يموت قوم منا ويحيا آخرون (٦).
٣٨ - قوله تعالى: ﴿افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا﴾ أي في ذكره البعث.
٣٩ - قوله: ﴿قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ﴾ تقدم تفسيره هاهنا.
(٢) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ٣/ ٦١ أ، والبغوي ٤/ ٣٧ والقرطبي ١٢/ ١٢٢. وقد أخرج الطبري ١٨/ ٢٠ عن ابن عباس أنه قال: بعيد، بعيد، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٩٨ وعزاه لابن جبير وابن المنذر وابن أبي حاتم.
(٣) ذكر النحاس في "معاني القرآن" ٤/ ٤٥٨ هذا المعنى، ولم ينسبه لأحد.
(٤) ذكره عنه الماوردي في "النكت والعيون" ٤/ ٥٣ بنحوه.
(٥) انظر: "تفسير مقاتل" ٢/ ٣٠ ب.
(٦) ذكر الماوردي ٤/ ٥٣ هذا القول ونسبه لابن عيسى. وذكره البغوي ٢/ ٤١٧ ولم ينسبه لأحد. وذكر السمين الحلبي في "الدر المصون" ٨/ ٣٤٢ هذا القول واستظهره.
وفيه وجه ثالث ذكره النحاس ٤/ ٤٥٨ وهو أن في الآية تقديمًا وتأخيرًا، والمعنى: وما هي إلا حياتنا الدنيا نحيا فيها ونموت كما قال تعالى: ﴿وَاسْجُدِي وَارْكَعِي﴾ [آل عمران: ٤٣].
ويجوز أن يحمل على وقت نزول العذاب بهم في الدنيا لأنهم يندمون عند معاينة العذاب.
قوله: ﴿لَيُصْبِحُنَّ﴾ هذه اللام لام القسم على معنى: والله ليصبحن نادمين (١).
قال الكلبي وغيره: على التكذيب والكفر (٢).
٤١ - قوله: ﴿فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ﴾ قال المفسرون: صاح بهم جبريل صيحة واحدة ماتوا عن آخرهم بتصدع قلوبهم (٣).
وقوله: ﴿بِالْحَقِّ﴾ أي باستحقاقهم العذاب بكفرهم (٤). وهو معنى قول ابن عباس: يريد حيث كذبوا. يعني: أن العذاب نزل بهم بتكذيبهم.
وقوله: ﴿فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً﴾ الغثاء: ما جاء به السيل من نبات قد يبس. وقياس جمعه أغثيـ[ـة وأغْثَاء] (٥) قال امرؤ القيس:
من السَّيْلِ والأغْثَاءِ فَلْكَةُ مِغْزَ [ل (٦).
(٢) ذكره البغوي ٥/ ٤١٨ من غير نسبة. وانظر: "الطبري" ١٨/ ٢٢، والثعلبي ٣/ ٦٠ أ.
(٣) انظر: "تفسير مقاتل" ٢/ ٣٠ ب. والله أعلم بصحة ذلك.
(٤) انظر هذا المعنى عند الطبري ١٨/ ٢٢.
(٥) ما بين المعقوفين كشط في (ظ).
(٦) هذا عجز بيت لامرئ القيس، وهو من معلقته، وصدره:
كأن طمية المُجيمر غدوة
وهو في "ديوانه" ص ٢٥ لكن فيه (الغُثَّاء) مكان (الأغثاء) شرح القصائد السبع =
وقال أبو زيد:] (٣) غثاء الماء يَغْثُو [وغُثَاء، إذا كثر فيه البَعَرُ والورق والقصب (٤).
قال المفسرون:] (٥) صيرناهم هلكى (٦).
قال الكلبي: [يبسوا كما يبس الغثاء من نَبْت الأرض فهمدوا.
وقال] (٧) مقاتل: جعلناهم كالشيء البالي من نبت (٨) الأرض يحمل
وذكر ابن الأنباري في "شرحه" ص ١٠٨ أن الفراء رواه: من السيل والأغثاء، قال ابن الأنباري: وهو قليل في جمع المدود.
وذكر محقق "ديوان امرئ القيس" ص ٣٧٥ أن (الأغثاء) وردت في رواية الطوسي والبطليوسي وأبي سهل لديوان امرئ القيس.
قال ابن الأنباري ص ١٠٨: (المُجَيْمر: أرض لبني قزارة، و (طمية): (حبلٌ في بلادهم. فيقول: قد امتلأ المجيمر، فكأن الجبل في الماء فُلكة مِغْزل لما جمع السيل حوله من الغثاء. أهـ.
(١) ما بين المعقوفين كشط في (ظ).
(٢) انظر: "الصحاح" ٦/ ٢٤٣ - ٢٤٤ (غثا)، "لسان العرب" ١٥/ ١١٤ - ١١٥ (غثا).
(٣) ما بين المعقوفين كشط في (ظ).
(٤) قول أبي زيد في "تهذيب اللغة" للأزهري ٨/ ١٧٦ (غثى).
(٥) ما بين المعقوفين كشط في (ظ).
(٦) الطبري ١٨/ ٢٢.
(٧) ما بين المعقوفين كشط في (ظ).
(٨) في (أ): (نبات)، والمثبت من (ظ)، (ع) هو الموافق لما في "تفسير مقاتل".
وقوله: ﴿فَبُعْدًا﴾ أي بُعدًا لهم من الرحمة، وهي كاللعنة التي هى إبعاد من رحمة الله (٢).
والمعنى على: ألزمهم الله (٣) بُعدًا لهم. وقال مقاتل: فبعدًا في الهلاك (٤).
وذكرنا الكلام في هذا عند قوله: ﴿أَلَا بُعْدًا لِمَدْيَنَ﴾ [هود: ٩٥] الآية. قوله: ﴿لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ قال ابن عباس: يعني المكذبين. وقال مقاتل: يعني المشركين (٥).
٤٢ - قوله: ﴿قُرُونًا آخَرِينَ﴾ قال ابن عباس: يريد بني إسرائيل (٦).
وقيل: يعني جماعات مثل قوم صالح ولوط وشعيب وسائر الأنبياء (٧).
٤٣ - ﴿مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ﴾ أي أمة (٨) من هذه القرون.
﴿أَجَلَهَا﴾ الوقت (٩) الذي حدد لهلاكها. ﴿وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ﴾ (١٠) عن
(٢) ذكر الماوردي ٤/ ٥٤ هذا المعنى وعزاه لابن عيسى.
(٣) لفظ الجلالة زيادة من (ع).
(٤) "تفسير مقاتل" ٢/ ٣٠ ب.
(٥) "تفسير مقاتل" ٢/ ٣٠ ب.
(٦) ذكره عنه القرطبي ١٢/ ١٢٥، وأبو حيان ٦/ ٤٠٧. وهو محمول -إن صح عن ابن عباس- على التمثل.
(٧) وهذا القول أظهر، ويدخل فيه الأول.
(٨) أمه، الوقت: ساقطان من (ع).
(٩) نفسه.
(١٠) في (أ): (وما يتأخرون)، وهو خطأ في الآية.
٤٤ - قوله تعالى: ﴿ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى﴾ اختلفوا في تترى، فأكثر القراء على ترك التنوين فيها (٣) (٤)؛ لأنها فَعْلى من المواترة، وفعلى لا يُنون كالتقوى والدعوى.
قال أبو علي: والأقيس أن لا يصرف لأن المصادر تلحق أواخرها ألف التأنث كالدعوى والعدوى والذكرى والشورى (٥).
وقال الفراء: أكثر العرب على ترك التنوين يُنزل بمنزلة تقوى (٦).
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو (تَتْرَا) منونة. وهذا القراءة تحتمل وجهين:
أحدهما: أن تترى بمنزلة فعلا (٧)، والألف فيه بمنزلتها في رأيت زيدًا وعَمرًا. والآخر: أن تكون الألف للإلحاق نحو أرطى (٨) ومعزى.
(٢) انظر: "البسيط" عند قوله تعالى: ﴿مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ﴾ [الحجر: ٥]
(٣) في (ظ): (منها).
(٤) قرأ نافع، وعاصم، وابن عامر، وحمزة، والكسائي: (تترا) بلا تنوين. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو؛ كما سيذكر الواحدي: (تترا) منونة.
"السبعة" ص ٤٤٦، "التبصرة" ص ٢٦٩، "التيسير" ص ١٥٩.
(٥) "الحجة" لأبي علي الفارسي ٢/ ٢٩٥. وانظر: "علل القراءات" للأزهري ٢/ ٤٣٥، "حجة القراءات" لابن زنجلة ص ٤٨٨، "الكشف" لمكي ٢/ ١٢٩.
(٦) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٣٦.
(٧) في (ظ)، (ع): (فعلاء).
(٨) في (أ): (رطى) وأرطى: شجر من شجر الرمل. والواحدة: أرطأة. "الصحاح" للجوهري ٦/ ٢٣٥٨ (رطا).
أما الفراء فإنه يقول: من نون جعل الألف كألف الإعراب (٢). يعني التي في (زيدًا) و (عمرًا).
قال: وإن شئت جعلت (٣) كأنها أصلية فتكون بمنزلة المعزى، ويكون الوقف (٤) عليها حينئذ بالياء وإشارة إلى الكسر، وإن جعلتها ألف إعراب لم تُشر إلى الكسر، لأنك لا تشير إلى ألفات الإعراب بالكسر، لأنك لا تقول: رأيت زيدًا (٥) ولا عَمْرا (٦).
وقال أبو علي: من قرأ (تَتْرا) أمكن أن يريد به فعلا (٧) من المواترة فتكون الألف بدلاً من التنوين، وإن (٨) كان في الخط بالياء كان للإلحاق، والإلحاق في غير المصادر ليس بالقليل نحو: أرطى ومعزى، فإن كان في الخط ياء لزم أن يحمل على فعلى دون فعل (٩). ومن قال: تترى وأراد به فعلا فحكمه أن يقف بالألف مفخمًا، ولا يميلها إلا في قول من قال:
(٢) انظر: "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٣٦.
(٣) في "معاني القرآن": جعلت بالياء.
(٤) في (ظ)، (ع): (الوقوف)، أثبت محقق كتابه الفراء: الوقوف وأشار إلى أن في بعض النسخ: الوقف.
(٥) أثبت محقق كتاب الفراء: زيدي ولا عمري. وقال في الحاشية: كتبت الألف فيهما ياء للإمالة كما يكتب الفتى والندى. ورسما في (أ): (وزيدًا وعمرا) وكتب فوق كل منهما. (يقال).
(٦) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٣٦.
(٧) في "الحجة": فعلى.
(٨) في (ظ): (ولو)، في (أ)، (ع) و"الحجة": (وإن).
(٩) في "الحجة": فعلا.
والزجاج وأبو العباس يختاران (٣) أن تكون الألف في قراءة من قرأ بالتنوين ألف الإعراب. قال أبو العباس: من قرأ (تترى) بغير تنوين فهو مثل شكوى غير منونة، ومن قرأ تترًا (٤) مثل شكوت شكوى (٥).
وقال أبو الفتح: من نون جعل ألفها للإلحاق بمنزلة ألف أرطى ومعزى، ومن لم ينون جعل ألفها للتأنيث بمنزلة ألف سكرى وغضبى (٦).
وعلى القراءتين التاء الأولى بدل من الواو وأصلها: (وترى) و (وترا) (٧)، فأبدل التاء من الواو كما قالوا: تولج وأصله وولج من ولج. وأنشد أبو إسحاق (٨):
فإن يَكُنْ أمْسَى البِلَى تَيْقُورِي
أي: وْيقُوري فَيْعُول من الوقار (٩).
(٢) "الحجة" لأبي علي ٥/ ٢٩٦.
(٣) في (أ): (يختار).
(٤) في "تهذيب اللغة" ١٤/ ٣١١: تترى.
(٥) قول أبي العباس في "تهذيب اللغة" للأزهري ١٤/ ٣١١ (تترى) مع تقديم وتأخير.
(٦) "سر صناعة الإعراب" (١٤٦ - ١٤٧).
(٧) في (أ): (موتري).
(٨) أنشد أبو إسحاق الزجاج هذا الشطر من الرجز في "معاني القرآن" ٤/ ١٤ ومن غير نسبة وهو للعجاج كما في "ديوانه" ص ٢٢٤، "الكتاب" ٤/ ٣٢، "تهذيب اللغة" للأزهري ١٤/ ٣١١ (تترى)، "لسان العرب" ٥/ ٢٩٠ (وقر).
(٩) قوله: وعلى القراءتين إلى هنا نقلا عن "معاني" الزجاج ٤/ ١٠٦ مع اختلاف يسير.
قال الأصمعي: واترت الخبر: أتبعت بعضه بعضًا، وبين الخبرين هُنَيْهة (٢). وقال أبو عبيدة: (تترى) بعضها في أثر بعض، يقال: جاءت كتبه تترى (٣).
وقال غيرهما: المواترة: المتابعة. أصل هذا كله من الوِتْر وهو الفرد (٤)، ومعنى واترت: جعلت كل واحد بعد صاحبه فردًا فردًا. حكاه الزجاح (٥) والأزهري (٦).
وقال محمد بن سلّام: سألت يونس عن قوله تعالى: ﴿ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى﴾ فقال (٧): متقطعة (٨) متفاوتة، وجاءت الخيل تترى (٩) إذا جاءت
(٢) قول الأصمعي في "تهذيب اللغة" ١٤/ ٣١١ (تترى). وأصله عند الزجاج في "معانيه" ٤/ ١٤ لكن فيه: هنيفة.
(٣) "مجاز القرآن" لأبي عبيدة ٢/ ٩٥.
(٤) في (أ): (الفر).
(٥) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ١٤.
(٦) "تهذيب اللغة" للأزهري ١٤/ ٣١١ (تترى).
(٧) في (أ): (قال).
(٨) في (أ)، (ع): (منقطعة)، والمثبت من (ظ) وهو الموافق للتهذيب.
(٩) (تترى): ساقطة من (أ).
وقال أبو هريرة: لا بأس بقضاء رمضان تترى (٢)، [أي متقطعًا] (٣). وكلا المعنيين قريب من السواء؛ لأن أصل (٤) المعنى من الإفراد، فإذا جاء الشيء فردًا فردًا (٥) يقال فيه: تترى، سواء اتصل أو انقطع.
وفي الآية المراد إرسال الرسل بعضها في إثر بعض غير متصلين كما قال يونس.
ونحو هذا ذكر المفسرون في تفسير (تَتْرَا). فقال ابن عباس: يريد بعضها خلف بعض (٦). وقال السدي ومقاتل (٧): بعضهم في أثر بعض.
وقال مجاهد: أتبع بعضها بعضًا (٨).
وتترى في القراءتين مصدر أو اسم أقيم مقام الحال؛ لأن المعنى متواترة.
(٢) قول أبي هريرة -رضي الله عنه- في "تهذيب اللغة" ١٤/ ٣١١ (تترى) بهذا اللفظ. وقد رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" ٣/ ٣٢ بلفظ: لا بأس بقضاء رمضان متفرقًا. وبنحو رواية أبي شيبة رواه عبد الرزاق في "مصنفه" ٤/ ٢٤٣، ٢٤٤، والبيهقي في "سننه" ٤/ ٢٥٨.
(٣) ما بين المعقوفين ساقط من (أ)، (ع).
(٤) في (ظ)، (ع): (الأصل).
(٥) (فردا) الثانية: ساقطة من (ظ).
(٦) روى الطبري ١٨/ ٢٣ من طريق علي بن أبي طلحة، عنه قال: يتبع بعضها بعضًا. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٩٩ وعزاه لابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، وقال: وفي لفظ قال: بعضهم على أثر بعض.
(٧) "تفسير مقاتل" ٢/ ٣١ أ.
(٨) رواه الطبري ١٨/ ٢٤، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٩٩ وعزاه لابن جرير وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.
والمعنى: أهلكنا الأمم بعضهم (١) في أثر بعض. وقال مقاتل: فأتبعنا بعضهم بعضًا في العقوبات والإهلاك (٢).
﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ﴾ قال ابن عباس ومقاتل: يريد لمن بعدهم من الناس يتحدثون بأمرهم وشأنهم (٣).
والأحاديث جمع أحدوثة، وهي ما يتحدث به (٤).
والمعنى: أنهم يتحدث بهم على طريق المثل في الشر (٥)، ولا يقال: جعلته (٦) حديثًا في الخير (٧) (٨).
٤٥ - قوله تعالى: ﴿بِآيَاتِنَا﴾ يعني الدلائل التي كانت لها من الجراد والقُمَّل وأخواتهما (٩).
﴿وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ﴾ قال ابن عباس: وحُجَّة بينة (١٠).
(٢) "تفسر مقاتل" ٢/ ٣١ أ.
(٣) ذكره البغوي ٥/ ٤١٨ من غير نسبة، وهو في "تفسير مقاتل" ٢/ ٣١ أ.
(٤) انظر: "حدث" في: "تهذيب اللغة" ٤/ ٤٠٥، "الصحاح" ١/ ٢٧٨ - ٢٧٩.
(٥) في (أ): (النشر)، وفي (ع): (الشيء)، وهما خطأ.
(٦) في (أ): (جعل)، وهي ساقطة من (ظ).
(٧) في (أ)، (ظ): (الخبر)، وهو خطأ.
(٨) هذا قول أبي عبيدة في "مجاز القرآن" ٢/ ٥٩، وعزاه الثعلبي ٣/ ٦١ ب للأخفش، وهو قول الطبري ١٨/ ٢٤. وانظر: "تاج العروس" للزبيدي ٥/ ٢٢١ "حدث" فقد نقل عن بعضهم أنها تقال أيضًا في الخير واستشهد لذلك.
(٩) في (أ): (وأخواتها).
(١٠) ذكره البغوي ٥/ ٤١٨ من غير نسبة.
٤٦ - قوله: ﴿فَاسْتَكْبَرُوا﴾ قال ابن عباس: عن عبادة الله.
وقال الكلبي ومقاتل (٢): تكبروا (٣) عن الإيمان بالله.
﴿وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ﴾ قاهرين للناس بالبغي والتطاول عليهم. وهو معنى قول ابن عباس. علوا (٤) علوًا على بني إسرائيل علوًا كبيرًا.
قال المبرد: يقال: علا فلان، إذا ترفع وطغى وتجاوز، ومنه قوله تعالى: ﴿أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ﴾ [النمل: ٣١] أي لا تطغوا ولا تتكبروا (٥) علي، ومنه قوله: ﴿ظُلْمًا وَعُلُوًّا﴾ [النمل: ١٤] يعني استعلاءً بالباطل وبما لا يجب، وهو من تعدى الحق تجبرًا وتكبرًا (٦).
وقال مقاتل: يعني متكبرين عن توحيد الله (٧).
٤٧ - وذكر تفسير هذا العلوّ فيما (٨) بعد وهو قوله: ﴿فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا﴾ قال ابن عباس ومقاتل: أنصدّق إنسانين مثلنا من لحم ودم ليس (٩) لهما علينا فضل (١٠). ﴿وَقَوْمُهُمَا﴾ يعني بني إسرائيل.
(٢) "تفسير مقاتل" ل ٣١ أ.
(٣) (تكبروا): ساقطة من (أ).
(٤) في (أ): (علا).
(٥) في (ظ): (وتتكبروا)، بدون (لا).
(٦) انظر: (علا) في "تهذيب اللغة" للأزهري ٣/ ١٨٣، "الصحاح" للجوهري ٦/ ٢٤٣٥، "لسان العرب" ١٥/ ٨٣، ٨٥.
(٧) "تفسير مقاتل" ٢/ ٣١ أ.
(٨) في (أ): (فيها).
(٩) في (ز): (وليس).
(١٠) "تفسير مقاتل" ل ٣١ أوليس فيه قوله (من لحم ودم).
قال أبو عبيدة: العرب تسمي كل من دان لملك عابدًا له، ومن ذلك قيل (٣) لأهل الحيرة (٤): العباد؛ لأنَّهم كانوا أهل طاعة لملوك العجم (٥).
وقال المبرد: العابد: المطيع والخاضع، ومنه اشتق العبد. ومنه قوله: ﴿يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ﴾ [مريم: ٤٤] أي: لا تطعه (٦) (٧).
٤٩ - قوله: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ﴾ قال الكلبي ومقاتل (٨): يعني التوراة جملة واحدة.
(٢) ذكره الثعلبي ٣/ ٦١ ب، والبغوي ٥/ ٤١٩، وابن الجوزي ٥/ ٤٧٥، وذكره الماوردي في النكت ٤/ ٥٥ وعزاه لابن عيسى.
(٣) في (ظ)، (ع): (قال).
(٤) الحيرة -بكسر لحاء ثم سكون الياء-: مدينة كانت على ثلاثة أميال من الكوفة. "معجم البلدان" ٣/ ٣٧٦.
(٥) انظر: "مجاز القرآن" ٢/ ٥٨٩. والعبارة فيه: وكل من دان لملك هو عابد له، ومنه سمي أهل الحيرة العباد.
أمّا ما ذكره الواحدي (العرب تسمي...) وكذلك زيادة (لأنهم كانوا أهل طاعة... العجم) فهذه العبارة من قول (والعرب... العجم) ذكرها الطبري في "تفسيره" ١٨/ ٢٥ وكذلك الثعلبي ٣/ ٦١ ب.
فالواحدي نقلها إمّا من الطبري أو من الثعلبي وهو الأقْرب، ثم نسبها إلى أبي عبيدة. والله أعلم.
(٦) في (ظ): (لا تطيعه).
(٧) انظر: (عبد) في "تهذيب اللغة" للأزهري ٢/ ٢٣٤، ٢٣٦، "الصحاح" للجوهري ٢/ ٥٠٣.
(٨) "تفسير مقاتل" ٢/ ٣١ أ.
قال مقاتل: يعني بني إسرائيل؛ لأن التوراة أنزلت بعد هلاك فرعون وقومه (٢).
٥٠ - وقوله: ﴿وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً﴾ أي دلالة على قدرتنا وعبرة يعتبر بها ويتوصل (٣) بها إلى العلم بتوحيدنا وقدرتنا. هذا معنى قول المفسرين (٤).
قال أبو إسحاق: لم يقل آيتين لأن المعنى فيها (٥) آية واحدة (٦).
وهي ولادة من غير أبْ، فكانت الآية فيها واحدة (٧).
قال: ولو قيل آيتين لجاز؛ لأنَّهما قد كان في كل واحد منهما ما لم يكن في ذكر ولا أنثى، من أن مريم ولدت من غير فحل وعيسى كان روحًا من الله ألقاه (٨) إلى مريم ولم يكن هذا في أحد قط (٩).
قوله تعالى: ﴿وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ﴾ أي جعلناهما يأويان إلى ربوة، وهي المكان المرتفع من الأرض (١٠). وقد مر في سورة
(٢) "تفسير مقاتل" ٢/ ٣١ أ.
(٣) في (ع): (فيتوصل).
(٤) انظر: "الطبري" ١٨/ ٢٥، والثعلبي ٣/ ٦١ ب.
(٥) في (ظ)، (ع): (لأن المعنى فيهما معنى آية. بزيادة معنى. وليست هذه الزيادة عند الزجاج.
(٦) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ١٤.
(٧) انظر: "الطبري" ١٨/ ٢٥.
(٨) في (أ): (ألقاها).
(٩) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ١٤.
(١٠) انظر: "الطبري" ١٨/ ٢٥، "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ١٤، "تهذيب اللغة" للأزهري ١٥/ ٢٧٣ (ربو).
فقال عبد الله بن سلام: هي دمشق (٢). وهو قول سعيد بن المسيب (٣)، وسعيد بن جبير (٤)، ومقاتل (٥)، ورواية عكرمة عن ابن عباس (٦).
وقال الحسن والضحاك: هي غُوطَة دمشق (٧).
وقال ابن عباس -في رواية عطاء-: يريد بيت المقدس (٨).
وهو قول قتادة (٩)، وكعب وقال: (١٠) هو أقرب الأرض إلى السماء
(٢) رواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" ١/ ١٩٣، ١٩٤، والثعلبي في "الكشف والبيان" ٣/ ٦١ ب - ٦٢ أ.
(٣) رواه عنه عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٤٥، وابن أبي شيبة في مصنفه ١٢/ ١٩١، والطبري ١٨/ ٢٦، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" ١/ ١٩٤، ١٩٥ وذكره السيوطي في "الدر" ٦/ ١٠١ ونسبه أيضًا لعبد بن حميد، وابن أبي حاتم والطبراني.
(٤) ذكره عنه الماوردي في "النكت والعيون" ٤/ ٥٦.
(٥) "تفسير مقاتل" ٢/ ٣١ أ.
(٦) رواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" ١/ ١٩٢، ١٩٣ وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٠١ وقال: بسند صحيح. وزاد نسبته لوكيع والفريابي، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وتمام الرازي في "فضائل النبوة" بلفظ: أنبئنا أنها دمشق.
وذكره النحاس في "معاني القرآن" ٤/ ٤٦٢ من رواية عكرمة، عن ابن عباس بلفظ: نبئت أنّها دمشق.
(٧) رواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" ١/ ١٩٧ عن الحسن. وذكره الثعلبي ٣/ ٦٢ أعن الضحّاك.
(٨) ذكره عنه من رواية عطاء: البغوي ٥/ ٤١٩، وابن الجوزي ٥/ ٤٧٦.
(٩) رواه عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٤٥، والطبري ١٨/ ٢٧، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" ١/ ٢٠١، وذكره السيوطي في "الدر" ٦/ ١٠٠ وعزاه أيضًا لعبد بن حميد.
(١٠) في (ظ)، (ع): (قال: وهو أقرب).
وهذا القول يروى أيضًا عن سعيد بن جبير (٢)، وعكرمة (٣)، والحسن (٤).
وروي عن أبي هريرة أنّه قال: هي الرَّمْلة (٥).
وقال السدي عن أصحابه: أنها أرض فلسطين من الشام (٦)
قوله: ﴿ذَاتِ قَرَارٍ﴾ أي مستوية يستقر عليها.
قال ابن عباس: هي أرض مستوية مرتفعة منبسطة (٧).
(٢) ذكره عنه السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٠٠ وعزاه لعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن عساكر. ولم أره عند ابن جرير.
(٣) لم أجد من ذكره عنه.
(٤) ذكره عنه ابن الجوزي ٥/ ٤٧٦.
(٥) رواه عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٤٦، والطبري (ب ١٨/ ٢٦)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" ١/ ٢٥١. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٠٠ وعزاه أيضًا لعبد بن حميد وأبي نعيم وابن أبي حاتم.
وإسناده ضعيف، لأنَّ بشر بن رافع قال عنه الذهبي في "المغني" ١/ ١٠٥: قال أحمد وغيره: ضعيف. وقال ابن حجر في "التقريب" ١/ ٩٩: ضعيف الحديث. وفيه أيضًا أبو عبد الله الدوسي ابن عم أبي هريرة قال الذهبي في "المغني" ٢/ ٧٩٥: لا يعرف.
وتعقب الطبري هذا القول بأن الرملة لا ماء بها معين. انظر: الطبري ١٨/ ٢٧. والرَّملة: مدينة بفلسطين، وكانت قصبتها. "معجم البلدان" لياقوت ٤/ ٢٨٦.
(٦) ذكره البغوي ٥/ ٤١٩ عن السدي.
قال الطبري ١٨/ ٢٧ - بعد حكايته للأقوال في المكان الذي وصفه الله بهذه الصفة-: وأولى الأقوال بتأويل ذنك. أنَّها مكان مرتفع ذو استواء وماء ظاهر. وصَوَّب النحاس في "معاني القرآن" ٤/ ٤٦٣ هذا القول.
(٧) ذكره عنه السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٠٠ بنحوه وعزاه لابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم.
و"قرار": مصدر يراد به موضع قرار كقوله: ﴿مِنْ قَرَارٍ﴾ [إبراهيم: ٢٦] وقد مر.
قوله: ﴿وَمَعِينٍ﴾ قال ابن عباس -في رواية عكرمة-: يعني أنها دمشق (٣).
وروى ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: المعين: الماء (٤).
وروى جابر (٥)، عنه أنه: الماء البخاري (٦)، وهو قول مقاتل (٧).
وروى سفيان، عنه أنه قال: المعين: الماء الظاهر (٨) (٩).
(٢) هذا قول الطبري. انظر تفسيره ١٨/ ٢٨.
(٣) رواه ابن عساكر ١/ ١٩٢ - ١٩٣، وانظر تخريج الأثر عن ابن عباس ص ٦٦ فهذا بقيته.
(٤) رواه الطبري ١٨/ ٢٧ من طريق ابن أبي نجيح.
(٥) هو: جابر بن يزيد بن الحارث الجعفي، روى عن مجاهد وآخرين. واختلف فيه فوثقه شعبة والثوري، وضعفه الإمام أحمد وآخرون، وكدّبه بعضهم، وكان يؤمن بالرجعة. قال ابن حجر: ضعيف، رافضي.
توفي سنة ١٢٧ هـ، وقيل: ١٢٨ هـ، وقيل: ١٣٢ هـ.
انظر: "تهذيب الكمال" للمزي ٤/ ٤٥٦ - ٤٧٢، "المغني" للذهبي ١/ ١٢٦، "تهذيب التهذيب" ٢/ ٤٦ - ٥١ و"تقريب التهذيب" ١/ ١٢٣ كلاهما لابن حجر.
(٦) ذكره عن مجاهد بهذا اللفظ -السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٠٠ وعزاه لعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم. ولم أره عند ابن جرير الطبري.
(٧) انظر "تفسير مقاتل" ٢/ ٣١ أ.
(٨) في (ظ)، (ع): (الطاهر)، بالمهملة، وهو خطأ لأن المراد أنه ظاهر تراه العيون.
(٩) ذكر السيوطي في "الدر المنثور" ٨/ ٣٢٩ عند قوله: ﴿فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ﴾ =
واختلفوا في اشتقاق معين:
فقال الفَرَّاء: لك (٢) أن تجعل المعين مفعولًا من العين (٣)، وأن تجعله فعيلًا من الماعون، يكون أصله المَعْن، والمعن: الاستقامة (٤).
واختار الزَّجَّاج وابن قتيبة القول الأول. واستبعد (٥) الزَّجَّاج أن يكون فعيلًا من المعن وقال: هذا بعيد؛ لأنَّ المعن في اللغة: الشيء القليل، ومعين: ماء جار من العيون (٦).
وقال ابن قتيبة: ﴿وَمَعِينٍ﴾ ظاهر من الماء، وهو مفعول من العين، كأنَّ أصله معيون، كما يقال: ثوبٌ مخيط، وبرٌ مكيل (٧).
واختار أبو علي القول الثاني، وزيف القول الأول، وقال: ليس المعن في اللغة الشيء القليل، ولكنَّه السهل الذي ينقاد ولا يعتاص (٨)،
ثم قال السيوطي: وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد وعكرمة مثله.
(١) في (أ): (سعيد وعكرمة).
وروى هذا القول عن سعيد: الطبري ١٨/ ٢٧ وابن عساكر في "تاريخ دمشق" ١/ ١٩٨ ووقع فيه: "الظاهر" بالمهملة.
وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٠٠ وعزاه أيضًا لعبد بن حميد وابن المنذر.
(٢) (لك): ساقطة من (أ).
(٣) في (أ): (المعين)، وهو خطأ.
(٤) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٣٧.
(٥) في (أ): (فاستبعد).
(٦) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ١٥ مع تقديم وتأخير.
(٧) "غريب القرآن" لابن قتيبة ص ٢٩٧.
(٨) في (ظ)، (ع): (ولا يعتاض)، وهو خطأ. ويعتاص: يصعب استخراجه. انظر: "لسان العرب" ٧/ ٥٨ (عوص).
وروى أحمد بن يحيى، عن ابن الأعرابي: معن الماء يمعن إذا جرى.
[وأمعن أيضًا] (٣)، وأمعنته أنا، ومياه معنان (٤).
ومعنان (٥): جمع معين، كقضيب وقضبان (٦).
قال (٧): ويدلك على (٨) أن الميم فيه فاء [وليس من العين (٩)] (١٠) أن أبا الحسن قال (١١): قد حكي في قوله: ﴿وَمَعِينٍ﴾: معن يمعن معانة.
(٢) "الإغفال" لأبي علي الفارسي ٢/ ١١٣٥ - ١١٣٧، وما نقله الواحدي عن أبي علي من قوله: ومن هذا يقال: أمعن... ماعونا لهذا. هو في الإغفال منسوبًا لابن الأعرابي من رواية أحمد بن يحيى.
(٣) ما بين المعقوفين ساقط من (أ).
(٤) قول ابن الأعرابي في "تهذيب اللغة" ٣/ ١٦ من رواية ثعلب -أحمد بن يحيى- عنه.
ورواه النحاس في "معاني القرآن" ٤/ ٤٦٥ بإسناده عن ابن الأعرابي من طريق أحمد بن يحيى "ثعلب".
(٥) (ومعنان): ساقط من (أ).
(٦) انظر: "لسان العرب" ١٣/ ٤١٠ - ٤١١ "معن".
(٧) يعني أبا علي الفارسي.
(٨) في (ظ): (أن).
(٩) (من العين): ساقط من (ظ).
(١٠) ما بين المعقوفين ساقط من (أ).
(١١) "العبارة في الإغفال" ٢/ ١١٣٧: أن أبا الحسن قد حكى في قوله... وأبو الحسن هو الأخفش، ولم أجد كلامه في معاني القرآن.
وحكى أبو زيد أيضًا أنهم يقولون: مُدَرْهَمٌ (٤) ولم (٥) يقولوا دُرْهِمَ، فيجوز على قياس هذا الذي حكاه أبو زيد أن يكون معين مفعولاً، وإن لم يقل: عين. والقياس على هذا الشَّاذ النادر لا يراه سيبويه (٦)، وليس ينبغي أن يؤخذ بهذا لضعفه، مع (٧) فُشوّ (٨) الأول وكثرته وظهور المعنى الذي وصفناه (٩).
ثم ذكر (١٠) بإسناد له (١١) عن سالم الأفطس، عن سعيد بن جبير في
(٢) في (أ): (وجه).
(٣) في الإغفال ٢/ ١١٣٨: قال: ولا فعل له.
(٤) مُدَرْهَم: -بفتح الهاء-: كثير الدوام. "لسان العرب" ١٢/ ٦٩٩ "درهم"، "القاموس المحيط" ٤/ ١١١.
(٥) في (ع): (ولا).
(٦) انظر: "الكتاب" ٢/ ٤٠٢، ٤/ ٨.
(٧) (مع): ساقطة من (ظ).
(٨) في (ظ): (فشؤه).
(٩) في (أ): (وصفت)، وفي (ظ)، (ع) والإغفال. (وصفاه).
(١٠) يعني أبا علي الفارسي.
(١١) في (أ): (بإسناده).
وذكر بعض أصحاب المعاني أن معينًا فعيل من أمعن إذا أسرع. فهو فعيل بمعْنى مفعل (٢).
٥١ - قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا﴾ اختلفوا في هذا الخطاب:
فذهب قوم إلى أنه خطاب لجميع الرسل، كأنَّه إخبار عمل قيل لهم. وهذا قول الضحاك، ومعنى قول ابن عباس- في رواية عطاء (٣).
ويدل على هذا حديث أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- "وإنّ الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال ﴿يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ﴾ وقال ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ﴾ [البقرة: ١٧٢] الحديث (٤).
(٢) لم أقف عليه. وانظر: "لسان العرب" ١٣/ ٤٠٩ (معن).
(٣) ذكر البغوي ٥/ ٤٢٠، والرازي ٢٣/ ١٠٤، والقرطبي ١٢/ ١٢٨ هذا القول من غير نسبة لأحد.
وهذا القول هو أقرب الأقوال، لأنَّه أوفق للفظ الآية. قاله الرازي ٢٣/ ١٠٤ ولدلالة الحديث الذي ساقه الواحدي.
وهو نداء خطاب لجميع الرسل باعتبار زمان كل واحد منهم، فدخل فيه محمد -صلى الله عليه وسلم- وهو القول الثاني- وعيسى -صلى الله عليه وسلم- وهو قول ابن جرير- دخولاً أوّليًّا.
وإنَّما ذكر أن الرسل نودوا بذلك ووصُّوا به، ليعتقد السامع أن أمرًا نودي له جميع الرسل ووصُّوا به حقيقٌ أن يؤخذ به ويعمل عليه. قاله الزمخشري ٣/ ٣٤.
(٤) رواه الإمام أحمد في "مسنده" ٢/ ٣٢٨، ومسلم في "صحيحه" كتاب الزكاة - باب قبول الصدقة من الكسب الطيب وتربيتها ٢/ ٧٠٣، والترمذي في "جامعه" (كتاب التفسير- باب: ومن سورة البقرة ٨/ ٣٣٣ - ٣٣٤.
وقال الحسن، ومجاهد، وقتادة، والسدي، والكلبي (١)، ومقاتل (٢): يعني: محمدًا -صلى الله عليه وسلم- وحده. واختاره الفراء، والقتيبي، والزَّجَّاج.
قال الفراء: أراد النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- فجمع كما يقال في الكلام للرجل الواحد: أيها القوم كُفُّوا عنا أذاكم. قال: ومثله ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ﴾ (٣) وهو (٤) نعيم بن مسعود، كان رجلاً من أشجع (٥).
(٢) انظر: "تفسير مقاتل" ٢/ ٣١ أ.
(٣) آل عمران: ١٧٣.
(٤) في (أ): (وهم).
(٥) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٣٧.
وما ذكره الفراء من أن المراد بالناس في قوله (الذين قال لهم الناس) هو نعيم بن مسعود قول حكاه القرطبي ١٢/ ٢٧٩ عن مجاهد وعكرمة ومقاتل والكلبي. وأنَّ أبا سفيان بعد وقعة أحد جعل لنعيم بن مسعود جُعْلا على أنْ يأتي النبي -صلى الله عليه وسلم- فيخبره أن قريشًا قد اجتمعت وأقبلت لحربه هي ومن انضاف إليها.
ثم حكى القرطبي عن جماعة من أهل العلم: أن المراد بالناس: ركب عبد القيس، مرُّوا بأبي سفيان فدَسَّهم إلى المسلمين ليثبطوهم. وقيل: الناس هنا: المنافقون. وقيل: هم ناس من هذيل سألهم أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن أبي سفيان فقالوا: "قد جمعوا لكم".
قال القرطبي ١٢/ ٢٨٠: فالناس على هذه الأقوال على بابه من الجمع.
وقد صوَّب ابن عطية ٣/ ٢٩٨ - ٢٩٩ القول بأن الناس هم ركب عبد القيس. وعزاه للجمهور. وضعف القول بأن لفظة "الناس" تطلق على رجل واحدإن هذه الآية، ووصف القول بأن الناس هو نعيم بن مسعود بالشذوذ.
وانظر: الطبري ٧/ ٤٠٥ - ٤١٣، وابن كثير ١/ ٤٢٨ - ٤٣٠.
وقال ابن قتيبة: خوطب به النبي -صلى الله عليه وسلم- وحده على مذهب العرب في مخاطبة الواحد مخاطبة الجميع (٢).
وذهب أخرون إلى أن هذا إخبار عما قيل لعيسى -عليه السلام- وهذا الخطاب له (٣).
واختار محمد بن جرير هذا القول، واحتج بحديث أبي إسحاق السبيعي (٤)، عن عمرو (٥) بن شرحبيل في هذه الآية قال: كان عيسى يأكل من غزل أمّه (٦).
(٢) "غريب القرآن" لابن قتيبة ٣/ ٢٩٧.
(٣) هذا قول الطبري ١٨/ ٢٨، والثعلبي ٣/ ٦٢ أ.
(٤) هو: عمرو بن عبد الله، الهمداني، السبيعي، الكوفي، أبو إسحاق. شيخ الكوفة، وعلامها، ومحدثها. كان من العلماء العاملي، وقال علي بن المدينة: حفظ العلم على هذه الأمة ستة: ذكر منهم أبا إسحاق. قال الذهبي ثقة، حجة بلا نزاع، كبر وتغير حفظه تغير السن ولم يختلط. وقال ابن حجر: ثقة، عابد، اختلط بآخرة. توفي سنة ١٢٧ هـ، وقيل: ١٢٨ هـ.
"طبقات ابن سعد" ٩/ ٣١٣، "سير أعلام النبلاء" ٥/ ٣٩٢، "غاية النهاية" ١/ ٦٠٢، "تهذيب التهذيب" ٨/ ٦٣، "تقريب التهذيب" ٢/ ٧٣، "طبقات الحفاظ" للسيوطي ص ٤٣.
(٥) في (أ): (عمرة)، وهو نصحيف.
(٦) رواه الطبري في "تفسيره" ١٨/ ٢٨ عن عمرو، به.
وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٠٠ وعزاه أيضًا لعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.
وقد تعقَّب ابن عطية في "المحرر" ١٠/ ٣٦٥ هذه الرواية بقوله: والمشهور أنه كان يأكل من بقل البرية.
قوله: ﴿كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ﴾ قال الضحّاك: أمرهم أن لا يأكلوا إلا حلالاً طيبًا (٢)، كلهم أمرهم بذلك (٣).
والمعنى: كلوا من الحلال. قاله ابن عباس.
قال الزَّخَّاج: وكل مأكول حلال مستطاب (٤).
ويقول قوم: إذا قلنا إنَّ هذا خطاب لمحمد -صلى الله عليه وسلم- فالمراد بالطيبات الغنائم وأنها ما أحلت إلا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- (٥).
قال الزَّجَّاج: وأطيب الطيبات الغنائم (٦).
ومضى الكلام في الطيبات عند قوله: ﴿كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾ (٧).
قوله: ﴿وَاعْمَلُوا صَالِحًا﴾ أي اعملوا (٨) بما أمركم الله به، وأطيعوه في أمره ونهيه.
﴿إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾ لا يخفى عليَّ شيء من أعمالكم.
(٢) (طيبا): ساقطة من (ظ).
(٣) رواه عنه سعيد بن منصور في "تفسيره" (ل ١٥٧ أ) دون قوله: كلهم أمرهم بذلك.
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ١٥ وتتمته: فهو داخل في هذا.
(٥) لم أجده.
(٦) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ١٥.
(٧) البقرة: ٥٧، ١٧٢.
(٨) (اعملوا): ساقطة من (أ).
قال الفراء: الفتح على قوله: ﴿إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾ وبأن هذه (٣) أمتكم، فموضعها خفض لأنها مردودة على (ما). قال: وإن شئت كان منصوبًا بفعل مُضْمرَ كأنك قلت: واعلمْ هذا. هذا (٤) كلامه (٥).
والوجه في هذه القراءة ما ذكره أبو إسحاق وشرحه (٦) أبو علي.
قال أبو إسحاق -في قوله: ﴿وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ﴾ -: أي فاتقون لهذا (٧).
قال أبو علي: المعنى في هذه القراءة في قول الخليل وسيبويه (٨) أنّه محمول على الجار، التقدير: ولأن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون. أي اتقون (٩) لهذا. ومثل ذلك عندهم قوله: ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا﴾ [الجن: ١٨] أي لأن المساجد لله لا تدعوا معه غيره.
(٢) أي: "وأنَّ هذه". وبها قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو.
"السبعة" ص ٤٤٦، "المبسوط" لابن مهران ص ٢٦٢، "التبصرة" ص ٢٧٠، "التيسير" ص ١٥٩.
(٣) عند الفراء: وعليم بأن هذه.
(٤) (هذا): الثانية ساقطة من (ظ).
(٥) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٣٧.
(٦) في (أ): (شرحه)، بدون واو.
(٧) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ١٥.
(٨) "الكتاب" ٣/ ١٢٦ - ١٢٧.
(٩) في "الحجة": اعبدوني.
الوجه الثاني من القراءة: فتح الألف مع تخفيف "أن" (٣).
ومعنى هذه القراءة على تقدير الأولى. ألا ترى أنّ "أنَّ" إذا خُفِّفت اقتضت ما يتعلق به (٤) اقتضائها وهي غير مخفّفة (٥).
قال أبو علي: والتخفيف حسن في هذا؛ لأنَّه لا فعل بعدها ولا شيء مما يلي (٦) أن، وإذا كان كذلك كان تخفيفها حسنًا، ولو (٧) كان بعدها فعل
(٢) "الحجة" لأبي علي الفارسي ٥/ ٢٩٧. ويتحصل في نقل الواحدي عن الفراء والزجاج وأبي علي أن في قراءة من قرأ "أنَّ هذه" ثلاثة أوجه:
أحدها: أنَّها على حذف اللام، أي: ولأنّ هذه، وهذه اللام تتعلق بـ"اتقون".
الثاني: أنها معطوفة على ما قبلها وهو قوله "بما تعملون" أي: إني عليم بما تعملون وبأنَّ هذه.
الثالث: أن في الكلام حذفًا، تقديره واعلموا أنَّ هذه أمتكم.
"حجة القراءات" لابن زنجلة ص ٤٨٨، "الكشف" لمكي ٤/ ١٢٩، "إملاء ما من به الرحمن" للعكبري ٢/ ١٥٠، "الدر المصون" للسمين الحلبي ٨/ ٣٤٩.
(٣) أي: "وأنْ هذه" بفتح الألف وسكون النون، وهي قراءة ابن عامر.
"السبعة" ص ٤٤٦، "المبسوط" لابن مهران ص ٢٦٢، "التبصرة" ص ٢٧٠، "التيسير" ص ١٥٩.
(٤) في (ظ)، (ع): (بها)، والمثبت من (أ) و"الحجة".
(٥) هذا كلام أبي علي في "الحجة" ٥/ ٢٩٧. وانظرت "علل القراءات" للأزهري ٢/ ٤٣٦، "الكشف" لمكي بن أبي طالب ٢/ ١٢٩.
(٦) في "الحجة": ما لا يلي.
(٧) في (ظ): (وإن).
الوجه الثالث: كسر الألف مع التشديد (٣)، على الاستئناف (٤).
ومعنى الآية: أنتم أهل دعوة واحدة ونصرة؛ فلا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا (٥).
قال مقاتل: يقول: هذه ملتكم التي أنتم عليها يعني ملة الإسلام ملة واحدة. عليها كانت الأنبياء والمؤمنون الذين نجوا من العذاب الذين ذكرهم الله في هذه السورة (٦).
ومضى الكلام في تفسير هذه الآية في سورة الأنبياء [آية: ٩٢].
وأعلم الله (٧) أن قومًا جعلوا دينهم أديانًا فقال (٨):
٥٣ - ﴿فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ﴾ قال مجاهد: هؤلاء أهل الكتاب (٩).
(٢) "الحجة" للفارسي ٥/ ٢٩٧. وانظر: "أوضح المسالك" لابن هشام ٢/ ٢٦٥.
(٣) أي: "وأنَّ هذه"، وهي قراءة عاصم، وحمزة، والكسائي.
"السبعة" ص ٤٤٦، "المبسوط" لابن مهران ٢٦٢، "التَّبصرة" ص ٢٧٠، "التيسير" ص ١٥٩.
(٤) "الحجة للفارسي" ٥/ ٢٩٧.
وانظر: "علل القراءات" للأزهري ٢/ ٤٣٦، "حجة القراءات" لابن زنجلة ص ٤٨٨.
(٥) هذا كلام أبي علي في "الحجة" ٥/ ٢٩٧ بنصِّه.
(٦) "تفسير مقاتل" ٢/ ٣١ أ.
(٧) في (ظ): (والله أعلم).
(٨) من قوله: وأعلم الله إلى هنا. هذا قول الزجاج في "معانيه" ٤/ ١٥.
(٩) رواه الطبري ١٨/ ٣٠.
والكلام في هذا قد سبق في نظيرتها (٣) في سورة الأنبياء [آية: ٩٣].
قوله: ﴿زُبُرًا﴾ قال مجاهد وقتادة: كتبًا (٤).
قال أبو إسحاق: وتأويله جعلوا دينهم كتبًا مختلفة جمع زبور (٥).
وهي كتب أحدثوها- يحتجون فيها لمذاهبهم (٦).
وقرئ (زبرًا) بفتح الباء (٧). ومعناه: قطعًا. جمع زُبْرة كقوله: ﴿زُبَرَ الْحَدِيدِ﴾ [الكهف: ٩٦] (٨). قال ابن عباس: يريد فِرقًا (٩).
وقال السدي ومقاتل: قِطعًا فرقًا، فصاروا أديانًا: يهودًا ونصارى وصابئين ومجوسًا وأصنافًا شتى كثيرة (١٠).
(٢) ذكره عنه ابن الجوزي ٥/ ٤٧٨، والرازي ٢٣/ ١٠٥.
(٣) في (ظ): (نظيرها).
(٤) رواه عن مجاهد الطبري في "تفسيره" ١٨/ ٣٠، وذكره السيوي في "الدر المنثور" ٦/ ١٠٣ وزاد نسبته لعبد بن حميد وابن أبي حاتم وابن المنذر في تفاسيرهم.
ورواه عن قتادة: عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٤٦، والطبري ١٨/ ٢٩، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٠٣ وزاد نسبته لعبد بن حميد وابن أبي حاتم وابن المنذر.
(٥) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ١٦.
(٦) هذا كلام الطبري ١٨/ ٣٠، والثعلبي ٢/ ٦٢ أ.
(٧) وهي قراءة الأعمش وأبي عمرو في رواية. انظر: "الشواذ" لابن خالويه ص ٩٩، "البحر المحيط" ٦/ ٣٣٨، القرطبي ١٢/ ١٣٠.
(٨) انظر: "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٣٨ و"معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٤٦.
(٩) ذكره البغوي ٥/ ٤٢ ولم ينسبه لأحد.
(١٠) ذكر الماوردي ٤/ ٥٧ أوَّله عن السدّي. وقول مقاتل في "تفسيره" ٢/ ٣١ أ.
يعني أن الزُبْرة بمعنى القطعة تجمع على زُبُر وزُبَر، وعلى هذا ليس للكتب في الآية معنى، ويدل على هذا أنّ الذين قالوا من المفسرين في الآية فرقًا وقطعًا لم يقولوه في قراءة من قرأ بفتح الباء، وإنَّما فسروه على قراءة العوام.
وقد قال المبرد: ﴿زُبَرًا﴾ أي فرقًا مختلفة وأحدها زَبُور. والزُّبَر واحدها زُبْرة وهي القطعة (٢). وعلى هذا الزبور الفرقة والطائفة.
وقوله: ﴿كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾ قال ابن عباس: يريد بما عندهم من خلاف النبي -صلى الله عليه وسلم- مسرورون.
وقال مقاتل: يقول: كل أهل ملة بما عندهم من الدين راضون (٣).
ومضى الكلام في الفرح عند قوله: ﴿فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾ [آل عمران: ١٧٠].
وقال الفراء: يقول معجبون بدينهم يرون أنهم على الحق (٤).
٥٤ - قوله تعالى: ﴿فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ﴾ قال مقاتل: يعني كفار مكة، يقول: خل عنهم في غفلتهم (٥).
وقال ابن عباس: يريد في ضلالتهم (٦). وهو قول قتادة (٧).
(٢) لم أجده.
(٣) "تفسير مقاتل" ٢/ ٣١ أ.
(٤) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٣٨.
(٥) "تفسير مقاتل" ٢/ ٣١ ب.
(٦) ذكره عنه الثعلبي ٣/ ٦٢ أ.
(٧) رواه عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٤٦.
وقال الزَّجَّاج: في عمايتهم وحيرتهم (٣).
ومعنى الغمرة في اللغة: هي ما يغمرك ويعلوك ويغطي عليك. يقال: ما أشد غمرة هذا النهر، أي: يغطي على من دخله (٤).
ثم الجهالة والضلالة والحيرة مما يغطي على قلب الإنسان وعقله، فيقال لها: غمرة. وذكرنا (٥) الكلام فيها عند قوله: ﴿فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ﴾ [الأنعام: ٩٣].
وقوله: ﴿حَتَّى حِينٍ﴾ قال ابن عباس: يريد نزول العذاب بالسيف أو بالموت (٦).
٥٥، ٥٦ - قوله: ﴿أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ (٥٥) نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ﴾ قال الفراء: (ما) في موضع الذي، وليست بحرف واحد: يقول: أيحسبون أنَّ ما نعطيهم في هذه الدنيا من الأموال والبنين أنّا جعلناه لهم ثوابًا (٧).
(٢) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٣٨.
(٣) "معاني القرآن" اللزجاج ٤/ ١٦.
قال الشنقيطي في أضواء "البيان" ٥/ ٧٩٥: وأقوال أهل العلم في معنى غمرتهم راجع إلى شيء واحد.. وهو أنَّه أمره أن يتركهم فيما هم فيه من الكفر والضلال والغي والمعاصي.
(٤) انظر: (غمر) في "تهذيب اللغة" للأزهري ٨/ ١٢٨ - ١٢٩، "الصحاح" للجوهري ٢/ ٧٧٢، "لسان العرب" ٥/ ٢٩.
(٥) في (أ): (ذكرنا).
(٦) ذكره الرازي ٢٣/ ١٠٥ بمعناه من غير نسبة.
(٧) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٣٨.
ومثل هذا ذكر صاحب النظم فقال: انتظام الآيتين بإضمار الباء على تأويل: نسارع لهم به في الخيرات (٥) كما قال -عز وجل-: ﴿وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ (٦)
(٢) (به): ساقطة من (ظ).
(٣) عند الزجاج: نسارع لهم به.
(٤) "معاني القرآن" للزجَّاج ٤/ ١٦، وفي "ما" وجهان آخران:
أحدهما: أن تكون مصدرية، والتقدير: أيحسبون أن إمدادنا لهم من كذا مسارعةٌ منا لهم في الخيرات.
الثاني: أنَّها مهيئة كافَّة. وبه قال الكسائي، وحينئذ يجوز الوقف على "زبنين". انظر: "القرطبي" ١٢/ ١٣١، "البحر المحيط" ٦/ ٤٠٩، "الدر المصون" ٨/ ٣٥١.
(٥) مراد صاحب النظم أن "ما" بمعنى الذي وهي اسم "أنّ"، وصلتها ما بعدها، وخبر "أنَّ" هو الجملة من قوله "نسارع لهم في الخيرات" والرابط لهذه الجملة ضمير محذوف لفهم المعنى تقديره: نسارع لهم في الخيرات. قال أبو حيان وحسَّن حذفه استطالة الكلام مع أمْن اللَّبس.
وقيل: الرابط بين هذه الجملة واسم "أنَّ" هو الظاهر الذي قام مقام الضمير من قوله "من الخيرات" إذْ الأصل: نسارع لهم فيه، ثم أظهْر فأوقع "الخيرات" موقعه تعظيمًا وتنبيها على كونه من الخيرات، ولا حذف على هذا التقْدير.
انظر: "القرطبي" ١٢/ ١٣٠، "البحر المحيط" ٦/ ٤٠٩، "الدر المصون" ٨/ ٣٥١.
(٦) النحل: ٥٠، التحريم: ٦.
قال ابن قتيبة: ﴿نُسَارِعُ﴾ بمعنى (٣): نُسرع (٤).
والمعنى: [أيحسبون أنَّا تقدم لهم ثواب أعمالهم لرضانا عنهم.
وقال ابن عباس] (٥): أيحسبون أن الذي بسطت لهم في الرزق فأغنيتهم وأكثرت أموالهم (٦) وأولادهم إن ذلك خير لهم بل هو شر لهم ﴿لَا يَشْعُرُونَ﴾ لا يعلمون غيبي (٧).
وقال مقاتل: يقول: لا يشعرون أن الذي أعطاهم من المال والبنين هو شر لهم كقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا﴾ [آل عمران: ١٧٨] (٨).
(٢) في (أ): (فكما).
(٣) (بمعنى): ساقطة من (ظ).
(٤) "غريب القرآن" لابن قتيبة ص ٢٩٨.
(٥) ما بين المعقوفين ساقط من (ظ).
(٦) (أموالهم): ساقطة من (أ، ظ)، وفيهما: وأكثرت أولادهم.
(٧) في (أ): (غبني).
(٨) "تفسير مقاتل" ٢/ ٣١ ب.
وزارة التعليم العالي
جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
عمادة البحث العلمي
سلسلة الرسائل الجامعية
- ١١٠، ١١١ -
التَّفْسِيرُ البَسِيْط
لأبي الحسن على بن أحمد بن محمد الواحدي
(ت ٤٦٨ هـ)
من آية (٥٧) من سورة المؤمنون إلى آخر سورة النور
سورة الفرقان
تحقيق
د. سليمان بن إبراهيم الحصين
أشرف على طباعته وإخراجه
د. عبد العزيز بن سطام آل سعود | أ. د. تركي بن سهو العتيبي |
لأبي الحسن على بن أحمد بن محمد الواحدي
(ت ٤٦٨ هـ)
[١٦]
فهرسة مكتبة الملك فهد الوطنية أثناء النشر
الواحدي، علي بن أحمد
التفسير البسيط لأبي الحسن علي بن أحمد بن محمد
الواحدي (ت ٤٦٨ هـ)./ عبد الله بن عبد العزيز بن محمد
المديميغ؛ سليمان بن إبراهيم الحصين، الرياض ١٤٣٠ هـ
٢٥ مج. (سلسلة الرسائل الجامعية)
ردمك: ٤ - ٨٥٧ - ٠٤ - ٩٩٦٠ - ٩٧٨ (مجموعة)
٤ - ٨٧٣ - ٠٤ - ٩٩٦٠ - ٩٧٨ (ج ١٦)
١ - القرآن تفسير... ٢ - الواحدي، علي بن أحمد
أ- العنوان... ب- السلسلة
ديوي ٢٢٧. ٣... ٨٦٨/ ١٤٣٠
رقم الإيداع: ٨٦٨/ ١٤٣٠ هـ
ردمك: ٤ - ٨٥٧ - ٠٤ - ٩٩٦٠ - ٩٧٨ (مجموعة)
٤ - ٨٧٣ - ٠٤ - ٩٩٦٠ - ٩٧٨ (ج ١٦)
وزارة التعليم العالي
جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
عمادة البحث العلمي
سلسلة الرسائل الجامعية
- ١١٠، ١١١ -
التَّفْسِيرُ البَسِيْط
لأبي الحسن على بن أحمد بن محمد الواحدي
(ت ٤٦٨ هـ)
من آية (٥٧) من سورة المؤمنون إلى آخر سورة النور
سورة الفرقان
تحقيق
د. سليمان بن إبراهيم الحصين
أشرف على طباعته وإخراجه
د. عبد العزيز بن سطام آل سعود | أ. د. تركي بن سهو العتيبي |
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
لأبي الحسن علي بن أحمد أحمد بن محمد الواحدي
(ت ٤٦٨ هـ)
من آية (٥٧) من سورة المؤمنون إلى آخر سورة النور
تحقيق
د. عبد الله بن عبد العزيز بن محمد المديميغ
قال ابن عباس: يريد أشفقوا (٦) من (٧) عذابي، ولم يأمنوا مكري.
وقال الكلبي: خائفون من عذابنا (٨). وهذه صفة أهل طاعته في الدنيا.
وقال مقاتل: مشفقون من عذابه (٩).
هذا قول المفسرين، وقد ذكروا ما يشفقون منه وهو العذاب، وحذف ذكره للإحاطة به والمعنى: والذين هم لما هم عليه من خشية الله مشفقون من عذابه (١٠). ولا يصح نظم الآية إلا بإضمار ما أشفقوا منه؛ لأنّه لا يقال: خشي من خشية الله إلا بإضمار مفعول لخشي. فإن جعلت من خشية الله مفعول خشي لم يحسن، لأنَّه لا يُخشى من الخشية، كذلك هؤلاء لم يشفقوا من الخشية إنما أشفقوا من العذاب لما انطووا عليه من خشية الله وحذر عذابه.
(٢) في (ظ)، (ع): (عقابه).
(٣) في (ع): (مشفوق)، وفي (ظ): (مشفقون).
(٤) في (ظ): (خائفون).
(٥) هذا القول في "تهذيب اللغة" للأزهري ٨/ ٣٣٢ "شفق" منسوبًا إلى الليث. وانظر: "لسان العرب" ١٠/ ١٧٩ - ١٨٠ "شفق".
(٦) في (أ): (شفقوا).
(٧) (من): ساقطة من (أ)، (ع).
(٨) ذكره عنه الرازي ٢٣/ ١٠٦، وأبو حيان ٦/ ٤١٠.
(٩) "تفسير مقاتل" ٢/ ٣١ ب.
(١٠) في (ظ)، (ع): (عقابه).
٥٩ - ﴿وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ﴾ الأوثان في العبادة، ولا يعبدون معه غيره، لكنهم يوحدون ربهم. قاله الكلبي ومقاتل (٢).
وقال أهل المعاني: هذا بيان بأن (٣) خصال الإيمان لا تصلح إلا بترك الإشراك، وليس (٤) على ما يقوله أهل الجاهلية: إنا مؤمنون بالله، وهم يعبدون معه غيره (٥).
٦٠ - وقوله: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ﴾ قال ابن عباس: يريد يعملون الأعمال الصالحة ويتصدقون (٦) بالصدقة الكثيرة وقلوبهم خائفة من الله -عز وجل- أن لا يقبل ذلك منهم (٧).
وقال الكلبي: قلوبهم خائفة ألا تقبل منهم.
وقال الحسن: يعملون ما عملوا من البر والعمل الصالح (٨) وقلوبهم وجلة أيتقبل منهم أم لا (٩)؟.
(٢) "تفسير مقاتل" ٢/ ٣١ ب.
(٣) في (أ)، (ع): (أن).
(٤) في (أ)، (ع): (ليس).
(٥) ذكر هذا المعنى الطوسي في "التبيان" ٧/ ٣٣٤ ولم ينسبه لأحد.
(٦) في (أ): (ويصدّقون).
(٧) روى الطبري ١٨/ ٣٣ عن ابن عباس قال: يعملون خائفين.
(٨) في (ظ): (من العمل الصالح. سقط فيها البر).
(٩) روى وكيع في "الزهد" ١/ ٣٩٠، وأحمد في "الزهد" ص ٢٨٦، والطبري ١٨/ ٣٢ عن الحسن الشطر الأول مه، ولفظ باقيه عندهم: وهم مشفقون -وعند الطبري: يخافون- أن لا ينجيهم ذلك من عذاب ربَّهم.
وقال قتادة والسدي: يُعطون ما أعطوا ويعملون ما عملوا من خير وقلوبهم خائفة من الله (٢).
وهذا المعنى الذي ذكره المفسرون هو ما ذكره النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديث عائشة قالت: قلت: يا رسول الله ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ﴾ أهو الذي يزني ويشرب الخمر ويسرق (٣)؟ قال: "لا كما ابنة الصديق! ولكنّه الرجل يصوم ويصلي ويتصدق ويخاف ألا يقبل منه" (٤).
وكانت عائشة تقرأ: (يأتون ما أتوا) (٥) أي يعملون ما عملوا. يقال:
_________
(١) رواه الطبري ١٨/ ٣٢، وذكره السيوطي في الدر المنثور" ٦/ ١٠٦، وزاد نسبته إلى عبد بن حميد.
(٢) رواه عن قتادة: عبد الرزاق في تفسيره ٢/ ٤٦، والطبري ١٨/ ٣٣، وذكره السيوطي في الدر المنثور ٦/ ١٠٦ وزاد نسبته لعبد بن حميد. ولم أجد من ذكره عن السدي.
(٣) (ويسرق): ساقطة من (ظ)، (ع).
(٤) رواه الإمام أحمد في "مسنده" ٦/ ١٥٩، والترمذي في (كتاب التفسير -ومن سورة المؤمنين ٩/ ٩، ٢٠، وابن ماجه في أبواب الزهد- باب التوقي على العمل ٢/ ٤٢٥، والطبري في "تفسيره" ١٨/ ٣٤، والحاكم في "مستدركه" ٢/ ٣٩٣ - ٣٩٤، والبغوي في "معالم التنزيل" ٥/ ٤٢١.
وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٠٥ وعزاه لمن تقدم سوى البغوي، وزاد نسبته إلى الفريابي وعبد بن حميد وابن أبي الدنيا في نعت الخائفين. وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان.
والحديث صححه الحاكم ووافقه الذهبي، وصححه الألباني كما في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" ١/ ٩٥ - ٩٧.
(٥) بفتح الياء، وألف بعدها، و"ما أتوا" مقصور.
انظر: "الشواذ" لابن خالويه ص ٩٨، "المحتسب" لابن جني ٢/ ٨٩٥، "تعليل القراءات الشواذ" للعكبري ص ٢٧٥.
وسألها عبيد بن عيير عن قراءتها فقالت: أشهد لكذلك (٤) كان رسول الله يقرؤها، وكذلك أنزلت (٥).
والقراء اليوم مجمعون على ﴿يُؤْتُونَ مَا آتَوْا﴾.
قال ابن عمر: يؤدون الزكاة (٦).
وإنّما خَصَّ إيتاء الزكاة من بين الطاعات؛ لأن من أدّى الزكاة وأطاع الله فيها فهو في غيرها أطوع، وكأنَّ إيتاء الزكاة عبارة عن الأعمال
(٢) وهمها: أي ظنها. انظر: "الصحاح" للجوهري ٥/ ٢٠٥٤ (وهم).
(٣) ويشرب: ساقط من (أ).
(٤) في (أ): (كذلك).
(٥) رواه سعيد بن منصور في "تفسيره" (ل ١٥٧ أ)، والإمام أحمد في مسنده ٦/ ٩٥، ١٤٤. والبخاري في كتابه "الكنى" ص ٢٨.
قال ابن كثير في "تفسيره" ٣/ ٢٤٨: فيه إسماعيل بن مسلم المكي، وهو ضعيف. قال ابن كثير ٣/ ٢٤٨: والمعنى على القراءة الأولى -يعني يؤتون- وهي قراءة السبعة وغيرهم أظهر، لأنَّه قال "أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون" فجعلهم من السابقين، ولو كان المعنى على القراءة الأخرى -يعني: يأتون ما أتوا- لأوشك أن لا يكونوا من السابقين بل من المقتصدين أو المقصرين. والله أعلم. اهـ.
(٦) رواه الطبري ١٨/ ٣٢ من رواية ابن أبجر، عن ابن عمر.
وفي سنده جهالة. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٠٦ وزاد نسبته للفريابي. وذكر ابن عطية ١٠/ ٣٧٠ عن ابن عباس وابن جبير أنهما قالا: هو عام في جميع أنواع البرّ. ثم قال ابن عطية: وهذا حسن، كأنَّه قال: والذين يعطون من أنفسهم في طاعه الله ما بلغه جهدهم.
قال الحسن في هذه الآية: المؤمن جمع إحْسانًا وشفقة (١).
فأما نظم الآية فقد ذكر الفراء وجهًا، وذكر الزَّجَّاج وجها آخر، وجمعها صاحب النظم وشرحهما.
قال الفراء: ﴿وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ﴾ أنّهم (٢) من أنَّهم فإذا ألقيت (مِنْ) نصبت (٣).
وقال الزَّجَّاج: قلوبهم خائفة؛ لأنهم إلى ربهم راجعون، أي لأنهم يوقنون بأنّهم يرجعون إلى الله يخافون (٤).
وقال صاحب النظم: في هذه الآية قولان:
أحدهما: أن يكون قوله: ﴿وَجِلَةٌ﴾ واقعًا على قوله: ﴿أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ﴾ وهو على تأويل: خائفون (٥) رجوعهم. أي يخافون رجوعهم إلى ربِّهم. [فيكون الخوف منهم واقعًا على البعث والحساب وما يكون فيهما. وهذا معنى قول الفراء.
والقول الآخر: أن يكون الخوف واقعًا على مضمر، وقوله: ﴿أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ﴾ سببًا له على تأويل: وقلوبهم وجلةٌ أنَّها لا تقبل منهم لعلمهم أنهم إلى ربهم] (٦) راجعون. والخوف واقع (٧) على أنه لا يقبل منهم نفقاتهم.
(٢) عند الفراء: وجلةٌ من أنّهم.
(٣) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٣٨.
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ١٧.
(٥) في (أ)، (ع): (خائفة).
(٦) ما بين المعقوفين ساقط من (أ).
(٧) في (أ): (واقع عليه على أنّه) بزيادة عليه.
وهذا معنى قول أبي إسحاق وأكثر المفسرين لأنهم جعلوا الخوف واقعا على أن لا يقبل (٣) منهم (٤).
٦١ - وقوله: ﴿أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ﴾ يبادرون في الأعمال الصالحة التي ذكر الله لهم قبل هذه الآية.
قال الزَّجَّاج: يقال: أسرعت وسارعت في معنى واحد إلا أن سارعت أبلغ من أسرعت (٥).
وهذا كقوله: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ﴾ [الأنبياء: ٩٠] وقد مرّ.
وقوله: ﴿وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ﴾ قال أبو إسحاق: فيه وجهان:
أحدهما: هم إليها سابقون (٦).
وهذا قول الفراء (٧)، ومعنى قول ابن عباس: ينافسون فيها أمثالهم من أهل البر والتقوى (٨).
(٢) والمعنى على هذا: سبب الوجل الرجوع إلى ربهم. انظر: "الدر المصون" ٨/ ٣٥٣.
(٣) في (ظ)، (ع): (يتقبّل).
(٤) انظر: "الطبري" ١٨/ ٣٢، القرطبي ١٢/ ١٣٢.
(٥) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ١٧.
قال السمين الحلبي في "الدر المصون" ٨/ ٣٥٣ - مبينا قول الزجاج-: يعني من حيث إنّ المفاعلة تدل على قوة الفعل لأجل المغالبة.
(٦) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ١٧.
(٧) انظر: "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٣٨.
(٨) ذكره عنه الماوردي ٤/ ٥٩، والبغوي ٥/ ٤٢٢.
والوجه الآخر: هم من أجلها، أي من أجل اكتسابها، كما تقول: أنا أكوم فلانا لك، أي: من أجلك (١) (٢).
والمعنى على هذا القول: وهم لأجل الخيرات سابقون غيرهم، أي إنما يسبقون غيرهم لأجل اكتسابها.
وذكر صاحب النظم على هذا الوجه معنى آخر لقوله: ﴿سَابِقُونَ﴾ فقال: تأويل الآية: وهم من أجلها، أي: من أجل مسارعتهم في الخيرات سابقون يوم القيامة إلى الجنَّة يسبقون (٣) غيرهم ممن لا يسارع في الخيرات (٤).
وعلى هذا، الكناية في لها تعود [إلى المسارعة ودل عليها قوله: ﴿يُسَارِعُونَ﴾، وعلى ما قال أبو إسحاق يعود] (٥) إلى الخيرات (٦).
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ١٧.
(٣) في (ظ)، (ع): (أي يسبقون).
(٤) ذكر مكي في "الهداية إلى بلوغ النهاية" ٣/ ١١٦ هذا القول ولم ينسبه لأحد. وانظر: "الكشاف" ٣/ ٣٥، "الدر المصون" ٨/ ٣٥٤.
(٥) ما بين المعقوفين ساقط من (ع).
(٦) قال الطبري ١٨/ ٣٤ - بعد أن ذكر أن بعضهم تأوّل ذلك بمعنى: وهم إليها سابقون، وبعضهم بمعنى: وهم من أجلها سابقون-: وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب القول الذي قاله ابن عباس من أنَّه سبقت لهم من الله السعادة قبل مسارعتهم في الخيرات، ولما سبق لهم من ذلك سارعوا فيها. قال: وإنَّما قلت ذلك أولى التأويلين بالكلام؛ لأنَّ ذلك أظهر معنييه، وأنَّه لا حاجة بنا إذا وجهنا =
وهذا مما سبق الكلام فيه في سورة البقرة (٣).
ولا تعلق للقدرية بهذه الآية إن احتجوا بها علينا في تكليف الكافر الإيمان مع إرادة الله كفره، لأنّ الآية تحمل على ما (٤) لا يتوهم وجوده في المعقول مثل تكليف الأعمى أن ينظر والزَّمِن أن يمشي. فأمّا إيمان الكافر فذلك جائز في الموهوم أن يكون منه والإرادة مغيبة عنا وعنه. ثم يلزمهم مثل هذا في العلم وذلك أنّ كلّ من سبقت الإرادة له بالكفر فقد سبق العلم بأنه يموت كافرا والعلم لا يتبدل والمعلوم لا يتغير. فإن لزمنا على الإرادة تكليف ما لا يطاق لزم القدرية على العلم تكليف ما لا يطاق.
وقوله: ﴿وَلَدَيْنَا كِتَابٌ﴾ قال ابن عباس ومقاتل: يريد اللوح
وقول ابن عباس الذي أشار إليه رواه هو في "تفسيره" ١٨/ ٣٤ وابن أبي حاتم (كما في "تغليق التعليق" لابن حجر ٥/ ١٩٠، ورواه البخاري في صحيحه (كتاب القدر- باب حق القلم على علم الله ١١/ ٤٩١) معلقا.
قال ابن حجر في "الفتح" ١١/ ٤٩٢: ويجمع بين تفسير ابن عباس وظاهر الآية أن السعادة سابقة وأن أهلها سبقوا إليها، لا أنهم سبقوها.
(١) في (ظ): (قاعدًا).
(٢) ذكر البغوي ٥/ ٤٢٢ هذا المعنى ولم ينسبه لأحد.
(٣) انظر: "البسيط" عند قوله تعالى: ﴿لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [البقرة: ٢٨٦].
(٤) في (أ): (عليها).
﴿يَنْطِقُ بِالْحَقِّ﴾ يبين بالصدق (٢). والنطق مستعارٌ للكتاب يراد به التبيين.
ومعنى الآية: أنا لا نكلّف نفسًا إلا ما أطاقت من العمل، ونعلم إيش يعمل (٣)؛ لأنا قد أثبتنا عمله في اللوح المحفوظ، فهو ينطق به ويبينه.
قوله: ﴿وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ قال ابن عباس: لا ينقصون من ثواب أعمالهم مثقال ذرَّة (٤).
٦٣ - قوله تعالى: ﴿بَلْ قُلُوبُهُمْ﴾ قال مقاتل: يعني الكفار ﴿فِي غَمْرَةٍ﴾ في غفلة (٥).
وقال الكلبي: في جهالة (٦). وقد مَرَّ قبيل (٧).
وقوله: ﴿بَلْ قُلُوبُهُمْ﴾ قال مجاهد: يعني القرآن (٨). وهو قول مقاتل
(٢) الطبري ١٨/ ٣٥.
(٣) في (أ): (استعمل).
(٤) ذكر ابن الجوزي ٥/ ٤٨١ هذا المعنى ولم ينسبه لأحد.
(٥) "تفسير مقاتل" ٢/ ٣١ ب.
(٦) ذكره عنه الماوردي في "النكت والعيون" ٤/ ٥٨ عند قوله "في غمرتهم حتى حين".
(٧) عند قوله تعالى ﴿فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ﴾.
(٨) رواه الطبري ١٨/ ٣٥، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٠٦ وزاد نسبته لابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن أبي حاتم وابن المنذر.
وذكر أبو إسحاق وجهين آخرين:
أحدهما: أن يكون هذا إشارة إلى [ما وصف من أعمال البر في الآيات المتقدمة.
والثاني: أن يكون إشارة إلى] (٢) الكتاب الذي ينطق بالحق وأعمالهم محصاة فيه (٣).
قوله: ﴿وَلَهُمْ أَعْمَالٌ﴾ قال ابن عباس: يريد مما سبق في علمي وكان في اللوح المحفوظ.
وقوله: ﴿مِنْ دُونِ ذَلِكَ﴾ قال الكلبي: ولهم أعمال خبيثة من دون أعمال المؤمنين التي ذكرها الله في الآيات (٤) السابقة (٥).
وقال مقاتل: يعني غير الأعمال الصالحة التي ذكرت عن المؤمنين (٦).
وعلى هذا الإشارة بقوله ذلك تعود إلى ما ذكر من أعمال البر على المؤمنين.
وقال السدي: ﴿مِنْ دُونِ ذَلِكَ﴾ قبل أن يقع بهم العذاب، وذلك يوم بدر.
وعلى هذا الإشارة تعود إلى قوله: ﴿حَتَّى حِينٍ﴾ يعني يوم بدر. يقول:
(٢) ما بين المعقوفين ساقط من (ظ).
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ١٧ - ١٨ مع اختلاف يسير.
(٤) في (أ): (الإيمان)، وهو خطأ.
(٥) ذكره البغوي ٥/ ٤٢٢ هذا المعنى ولم ينسبه لأحد.
(٦) "تفسير مقاتل" ٢/ ٣١ ب.
وقال صاحب النظم: ﴿مِنْ دُونِ ذَلِكَ﴾ من غير ذلك كما قال: ﴿وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ (٢) أي لهم أعمال سوى ما في قلوبهم من الغمرة التي غمرتها وغلبت عليها.
قوله: ﴿هُمْ لَهَا عَامِلُونَ﴾ [قال ابن عباس: يريد لا بد أن يعملوها (٣).
وقال مقاتل: يقول وهم لتلك الأعمال الخبيثة عاملون،] (٤) أي أنهم سيعملونها لا بد لهم من أن يعملوها (٥).
وقال مجاهد: أعمال لا بد لهم من أن يعملوها (٦).
وقال حميد (٧): سألت الحسن عن قوله: ﴿هُمْ لَهَا عَامِلُونَ﴾ قال: أعمال لم يعملوها سيعملون بها (٨).
وقال أبو إسحاق: أخبر الله -عز وجل- بما سيكون منهم، فأعلم أنهم سيعملون أعمالاً تباعد (٩) من الله غير الأعمال التي ذكروا بها (١٠).
(٢) يونس: ٣٨، هود: ١٣.
(٣) ذكره عنه السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٠٧ وعزاه لعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.
(٤) ما بين المعقوفبن ساقط من (ع).
(٥) "تفسير مقاتل" ٢/ ٣١ ب.
(٦) رواه الطبري ١٨/ ٣٦، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٠٧ وزاد نسبته لابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.
(٧) هو: حميد الطويل.
(٨) رواه الطبري ١٨/ ٣٦ عن حميد، به. وفيه: سيعملونها.
(٩) في (ع): (لا تباعد)، وهو خطأ.
(١٠) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ١٨.
قال صاحب النظم: ﴿لَهَا عَامِلُونَ﴾ أي بها فتقوم اللام مقام الباء، وقد تكون بمنزلة قوله: ﴿وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ﴾ [الأعراف: ١٥٤] وقوله: ﴿إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ﴾ [يوسف: ٤٣] وقد يكون بمنزلة من أجل أي: ولهم أعمال سواها هم (٢) من أجل الغمرة التي على قلوبهم عاملون إياها. وفيه دليل على ثبوت القدر لإيجابه -عز وجل- إتيانهم (٣) أعمالاً يعملونها قبل كونها هذا كلامه.
وقد ترى إجماع المفسرين وأصحاب المعاني على أنَّ هذا إخبار عمّا سيعملونه من أعمالهم (٤) الخبيثة التي كتبت عليهم لا بد لهم أن يعملوها. ففي هذا دليل على أن كلا ميسر لما خلق له وأن هؤلاء كتب عليهم ما هم عاملون.
٦٤ - قوله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ﴾ قال ابن عباس، والكلبي، ومقاتل، والسدي: جبابرتهم وأغنياءهم ورؤوسهم (٥).
قال المبرّد: المترف: المتقلب في لين العيش (٦). ومنه قوله -عز وجل-
(٢) (هم): ساقطة من (أ).
(٣) في (أ): (إيتنافهم) وفي (ظ)، (ع): (إيتنامهم) ولعل الصواب: إتيانهم.
(٤) في (أ): (أعمال).
(٥) "تفسر مقاتل" ٢/ ٣١ ب. وذكر الماوردي ٤/ ٦ عن الكلبي أنه قال: الموسع عليهم بالمال والولد. وذكر الثعلبي ٣/ ٦٢ عن بعضه من غير نسبة الأحد.
(٦) (العيش): ساقطة من (ظ)، (ع).
وقوله: ﴿بِآلْعَذَابِ﴾ يعني بالسيوف يوم بدر. وهو قول ابن عباس (٢)، ومجاهد (٣)، وقتادة (٤)، ومقاتل (٥)، والسدي.
وقال الكلبي (٦)، والضحاك (٧): يعني بالجوع سبع سنين، حين دعا عليهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (٨).
والقول هو الأول. وهو اختيار أبي إسحاق قال: العذاب الذي أخذوا به السيف (٩).
(٢) ذكره عنه الثعلبي ٣/ ٦٢ ب.
(٣) رواه الطبري ١٨/ ٣٧، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٠٧ وزاد نسبته لابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.
(٤) رواه عبد الرزاق ٢/ ٤٧، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٠٧ وزاد نسبته لعبد بن حميد وابن أبي حاتم.
(٥) "تفسير مقاتل" ٢/ ٣١ ب.
(٦) ذكره عنه ابن الجوزي ٥/ ٤٨٢.
(٧) ذكره عنه الثعلبي ٣/ ٦٢ ب. وذكره ابن الجوزي ٥/ ٤٨٢. مع القائلين بالقول الأول.
(٨) روى البخاري في الدعوات -باب الدعاء على المشركين ١١/ ١٩٤ - ١٩٥، ومسلم في المساجد- باب استحباب القنوت في جميع الصلاة إذا نزلت بالمسلمين نازلة ١/ ٤٦٦ - ٤٦٧ من حديث أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا قال سمع الله لمن حمده في الركعة الآخرة من صلاة العشاء قنت: "اللهم اشدد وطأتك على مضر، اللهم اجعلها عليهم كسني يوسف".
(٩) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ١٨. والأولى عدم تقييده بعذاب معين. قال ابن كثير ٣/ ٢٤٩: أي إذا جاء مترفيهم وهم المنعمون في الدنيا، عذاب الله وبأسه ونقمته بهم.
وقال السدي ومقاتل: يصيحون إلى الله (٢).
وقال الزجاج: يضجون (٣). قال المبرد: هو الضجيج الشديد.
وأنشد أبو عبيدة (٤):
إنَّنِي والله (٥) فاقْبَلْ حَلِفي (٦) | بأبِيلٍ (٧) كلَّما صَلَّى جَأرْ (٨) |
(٢) ذكره الأزهري في "تهذيب اللغة" ١١/ ١٧٧ "جأر" عن السدّي. وانظر: "تفسير مقاتل" ٣١٢ ب وفيه: يضجون.
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ١٨.
(٤) في (أ): (أبو عبيد)، وهو خطأ.
(٥) في (ظ)، (ع): (واه).
(٦) في (ع): (خلفي) ومهملة في (ظ).
(٧) في جميع النسخ: (بابيل) مهملة. والمثبت من مجاز القرآن وغيره.
(٨) البيت أنشده أبو عبيدة في "مجاز القرآن" ٢/ ٦٠ عند هذه الآية من سورة "المؤمنون" ونسبه لعدي بن زيد، وروايته "فاسمع" مكان "فأقبل".
وأنشد قبل ذلك ١/ ٣٦١ عند قوله ﴿فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ﴾ [النحل: ٥٣] منسوبًا لعدي وروايته هناك: (فاقبل).
وهو في "ديوان عدي بن زيد العبادي" ص ٦١، "المعاني الكبير" لابن قتيبة ٢/ ٨٣٧، "الأغاني" للأصفهاني ٢/ ١١٣، "مقاييس اللغة" ١/ ٤٢ والصاحبي في "فقه اللغة" (ص ١٠٧) كلاهما لابن فارس، "الصحاح" للجوهري ٤/ ١٦١٩ "أبل"، "لسان العرب" ١١/ ٧: (أبل)، "خزانة الأدب" ١/ ٦٥.
ورواية "الديوان" و"الأغاني": (لأبيل) مكان (بأبيل).
ورواية "الديوان" و"الصاحبي": "حلفتي" مكان (حلفي).
وهذا البيت من قصيدة ذكر "صاحب الأغاني" ٢/ ١١٣ أنه قالها عندما سجنه =
قال ابن عباس: يريد لا تتضرعوا] (١) عندما أتاكم العذاب.
﴿إِنَّكُمْ مِنَّا لَا تُنْصَرُونَ﴾ قال مقاتل: يقول: لا تمنعون منا (٢).
والمعنى: لا تُحفظون من أمر يريده الله بكم. يعني القتل ببدر.
قال قتادة: نزلت في الذين قتلوا يوم بدر (٣).
ثم ذكر أن إعراضهم عن القرآن أوجب أخذهم بالعذاب بقوله:
٦٦ - ﴿قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ﴾ قال ابن عباس والمفسرون: يريد القرآن (٤).
أبلغ النعمان مني مَألكا
قال ابن منظور ١١/ ٧: الأبيل -بوزنه الأمير- الراهب. سُمّي به لتأبّله عن النساء وترك غشيانهن... ، وقيل: هو راهب النَّصارى.
والباء في قوله (بأبيل) تحتمل وجهين:
الأول: أن تكون بمعنى الكاف، وهذا ما ذكره ابن فارس في الصاحبي، وقال: قالوا: معناه: كأبابيل، وهو...
الثاني: أن تكون باء القسم، فهو يريد استحلاف النعمان بالله أن يقبل حلفه بالأبيل.
وهذا ما أشار إليه ابن منظور ١١/ ٧ بعد إنشاده للبيت، حيث قال: وكانوا يعظمون الأبيل فيحلفون به كما يحلفون بالله.
(١) ما بين المعقوفين ساقط من (ظ).
(٢) "تفسير مقاتل" ٢/ ٣١ ب.
(٣) رواه عبد الرزاق ٢/ ٤٧، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٠٧ وزاد نسبته لعبد بن حميد وابن أبي حاتم.
(٤) انظر: "الطبرني" ١٨/ ٣٨، والثعلبي ٣/ ٦٣ أ.
ومضى الكلام في النكوص (٢) عند قوله: ﴿نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ﴾ [الأنفال: ٤٨]
٦٧ - قوله: ﴿مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ﴾ أكثر المفسرين على أن الكناية في قوله: ﴿بِهِ﴾ (٣) تعود إلى الحرم، أو إلى البيت، أو إلى البلد مكة.
قال مجاهد: ﴿مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ﴾ بالبلد مكة (٤).
وقال أبو صالح: بالبيت (٥).
وهو قول ابن عباس في رواية سعيد بن جبير (٦).
قال قتادة: مستكبرين بالحرم، يقولون: نحن أهل الحرم فلا نخاف (٧).
(٢) في (ع): (النكص).
(٣) (به): ساقطة من (ظ).
(٤) رواه الطبري ٨/ ٣٨، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٠٨ وزاد نسبته لعبد ابن حميد وابن أبي حاتم.
(٥) لم أجد من ذكر عنه هذا القول. وقد روى عبد بن حميد وابن أبي حاتم كما في "الدر المنثور" ٦/ ١٠٨ عن أبي صالح قال: بالقرآن.
(٦) رواه النسائي في "تفسيره" ٢/ ٩٨، والحاكم في "مستدركه" ٢/ ٣٩٤ من رواية سعيد بن جبير، عنه.
وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٠٩ وزاد نسبته لابن أبي حاتم وابن مردويه.
(٧) رواه عبد الرزاق ٢/ ٤٧، والطبري ١٨/ ٣٩، ٤٠، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٠٨ وزاد نسبه لعبد بن حميد وابن أبي حاتم.
قال الفراء: ﴿بِهِ﴾ بالبيت العتيق، يقولون: نحن أهله (٢).
وقال الزجاج: ﴿بِهِ﴾ بالبيت الحرام (٣).
وقال ابن قتيبة] (٤): ﴿مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ﴾ أي بالبيت العتيق، يفخرون ويقولون: نحن ولاته (٥).
وقال أبو علي: مستكبرين بالبيت والحرم لأمنكم فيه، مع خوف سائر الناس في مواطنهم (٦) (٧).
وعلى هذا فالكناية عن غير مذكور.
وقال ابن عباس -في رواية عطاء-: ﴿مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ﴾ يريد بالقرآن (٨).
وذكر أبو إسحاق هذا الوجه فقال: ويجوز أن تكون الهاء للكتاب، فيكون المعنى: فكنتم على أعقابكم تنكصون مستكبرين بالكتاب، أي: يحدث لكم بتلاوته عليكم استكبارًا (٩).
(٢) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٣٩.
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ١٨.
(٤) ما بين المعقوفين ساقط من (أ).
(٥) "غريب القرآن" لابن قتيبة ص ٢٩٨.
(٦) في (أ): (مواصلتهم).
(٧) "الحجة" لأبي علي ٥/ ٢٩٨.
(٨) تقدّم أن هذا القول قال به أبو صالح.
(٩) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ١٨ - ١٩. وجوَّد ابن عطية ١٠/ ٣٧٨ هذا الوجه.
وذكر الزمخشري ٣/ ٣٦ وأبو حيان ٦/ ٤١٢، والسمين الحلبي ٨/ ٣٥٨ وجهًا =
قوله: ﴿سَامِرًا﴾ السَّمر (١): حديث القوم بالليل. يقال: سمر يسمر سمرًا، فهو سأمر (٢). ومنه الحديث: "جدب (٣) عمر السمر بعد العشاء" (٤).
وذكر أبو إسحاق اشتقاق السَّمر فقال: إنما سموا سمارا من السمر وهو (٥) ظل القمر، وكذلك السمرة في الألوان مشتقة من هذا. هذا كلامه (٦).
والسمر عنده ظل القمر.
وقال الفراء: السمر كل ليلة ليس فيها قمر، ومنه قول العرب: لا
(١) في (ع): (السمر: الحديث، حديث).
(٢) انظر: (سمر) في "تهذيب اللغة" للأزهري ١٢/ ٤١٩، "الصحاح" للجوهري ٢/ ٦٨٨، "لسان العرب" ٤/ ٣٧٧.
(٣) في (أ): (جدب)، وفي (ظ): (حدث)، وهي ساقطة من (ع).
(٤) رواه أبو عبيد في "غريب الحديث" ٣/ ٣٠٨، وابن أبي شيبة في "مصنفه" ٢/ ٢٧٩ عن حذيفة -رضي الله عنه-: أن عمر جدب لنا السمر بعد العشاء. وعند أبي عبيد: العتمة.
ورواه ابن أبي شيبة ٣/ ٢٧٩ أيضًا عن سلمان بن ربيعة قال: كان عمر بن الخطاب يتجدب لنا السمر بعد العتمة.
وذكره ابن كثير في "سند عمر بن الخطاب" ١/ ١٩٩ من حديث ابن مسعود: أجدب لنا عمر السمر بعد العشاء.
قال أبو عبيد في "غريب الحديث" ٣/ ٣٠٨: قوله: جدب السمر يعني: عابه وذَمَّه. وانظر: "تهذيب اللغة" ١٠/ ٦٧٣ "جدب" فقد ذكر الحديث وتفسير أبي عبيد له.
(٥) (وهو): ساقطة من (أ)، (ع).
(٦) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ١٨، وليس في المطبوع: في الألوان.
وجعل ابن أحمر السمر ليلاً فقال (٢).
من دونهم إن جئتهم سمرًا... حَيُّ (٣) حلالٌ لملمٌ عكرُ (٤)
أراد إنْ جئتهم ليلاً (٥).
[والحديث بالليل سُمّي سمرًا باسم (٦) الليل] (٧)، أو لأنهم كانوا يتحدثون (٨) بالليلة المقمرة في ظلّ القمر (٩).
(٢) بيت ابن أحمر بهذه الرواية في: "تهذيب اللغة" للأزهري ١٢/ ٤١٩ (سمر)، "لسان العرب" ١٢/ ٥٥٠ (لملم)، "تاج العروس" للزبيدي ١٢/ ٧٣ (سمر).
وهو في "ديوان ابن أحمر" ص ٩٢، و"مجاز القرآن" لأبي عبيدة ٢/ ٦٠، "الذيل والتكملة" للصاغاني ٣/ ٣٥ (سمر) مع اختلاف في المصراع الثاني، فروايته عندهم: عزف القيان ومجلس غمر
وصدر البيت في "غريب القرآن" لابن قتيبة ص ٢٩٨ منسوبًا لابن أحمر.
وقوله "حي حلال" قال الأزهري في "تهذيب اللغة" ٣/ ٤٣٩ "حلل": قال أبو عبيد: الحلال: جماعات بيوت الناس، واحدها حلة، قال: وحي حلال، أي: كثير. اهـ.
و"لملمٌ": مجتمعٌ. "لسان العرب" ١٢/ ٥٥٠ (لملم).
و"عكر": مختلط. "الصحاح" للجوهري ٢/ ٧٥٦ (عكر).
(٣) في (ع): (حتى).
(٤) في (ظ): (عكرا).
(٥) من قوله: وجعل ابن أحمر... إلى هنا. نقلاً عن "تهذيب اللغة" للأزهري ١٢/ ٤١٩ (سمر).
(٦) في (أ): (اسم).
(٧) ما بين المعقوفين ساقط من (ظ).
(٨) في (ع): (يحدثون).
(٩) انظر: "لسان العرب" ٤/ ٣٧٧.
واختلفوا في السمر هاهنا:
فالأكثرون على أن السامر هاهنا: اسم للجماعة الذين يسمرون. وهو معنى قول ابن عباس (٣) وأكثر المفسرين (٤).
قال أبو إسحاق: السامر: الجماعة الذين (٥) يتحدثون ليلاً (٦).
وقال المبرّد (٧): السامر: اسم للجماعة (٨)، ويقال: هو في السَّامر. أي: السُّمّار (٩)، وأنشد لوضَّاح اليمن (١٠):
(٢) انظر: "تهذيب اللغة" للأزهري ٢/ ٤٢٠، "لسان العرب"٤/ ٣٧٧.
(٣) ذكر السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٠٩ عن ابن عباس في قوله: "سامرًا تهجرون" قال: كانت قريش يتحلقون حلقا تحدثون حول البيت. وعزاه لعبد بن حميد وابن أبي حاتم وابن مردويه.
(٤) انظر: "الطبري" ١٨/ ٣٩، "الدر المنثور" للسيوطي ٦/ ١٠٨ - ١٠٩.
(٥) (الذين): موضعها بياض في (ظ).
(٦) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ١٨.
(٧) ذكر النحاس في "معاني القرآن" ٤/ ٤٧٥ عن المبرد أوَّله بمعناه.
(٨) في (ظ): (الجماعة).
(٩) في (أ): (السما).
(١٠) هو: عبد الرحمن- وقيل: عبد الله، وقيل: وضاح- بن إسماعيل بن كلال، من آل حولان، الحميري، شاعر غزل ونسيب. قيل أنه قدم مكة حاجًا في خلافة الوليد بن عبد الملك فرأى "أم البين" بنت عبد العزيز بن مروان زوجة الوليد فغزل بها، فقتله الوليد. "فوات الوفيات" ١/ ٢٥٣، "الأغاني" ٦/ ٣٠ - ٤٤، "النجوم الزاهرة" ١/ ٢٦٦، "الأعلام" ٣/ ٢٩٩.
فَأتِ إذا ما هجع السَّامر (١)
وقال الأزهري: قد جاءت للعرب حروف على لفظ فاعل وهي جمع. فمنها الجامل وهي الإبل تكون فيها المذكور (٢) والإناث، والسَّامر: القوم يسمرون ليلاً، والحاضر: الحي النَّازل على الماء، والباقر: البقر (٣) (٤).
وذهب قوم إلى أن السامر هاهنا واحد في معنى الجمع كما يراد بالواحد الجمع كقوله: ﴿ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا﴾ [الحج: ٥]. وهو مذهب المفضل وأبي عبيدة (٥)، وأنشد (٦):
قالت: لقد أعييتنا حُجَّةَ..... فَأتِ
وفي "ديوان المعاني" لأبي هلال العسكري ١/ ٢٢٦ ورواية صدره:
قالت: فأمَّا كنت أعييتنا
أحد أبيات قصيدة يذكر فيها "روضة" صاحبة، ومطلعها:
قالت: ألا لا تَلِجْن دارنا... إن أبانا رجل غائر
(٢) في (أ): (الذكورة).
(٣) في (ظ)، (ع): (والبقر).
(٤) تهذيب اللغة" ١٢/ ٤١٩ "سمر" مع اختلاف في بعض الألفاظ وتقديم وتأخير.
(٥) انظر: "مجاز القرآن" لأبي عبيدة ٢/ ٦٠. ولم أجد من ذكره عن المفضل، وقد ذكره الثعلبي ٣/ ٦٢ ب - ٦٣ أهذا القول وصدره بقوله: قيل، والثعلبي ينقل عن المفضّل.
(٦) ورد البيت في حاشية نسخة (س) من المجاز من غير نسبة كما ذكر ذلك محققه ٢/ ٦٠. وهو بلا نسبة في "تهذيب اللغة" للأزهري ٤/ ٢٠٠ (حضر)، "المحكم" لابن سيده ٣/ ٨٦، "لسان العرب" ٤/ ١٩٧ (حضر).
وعجزه بلا نسبة في "مقاييس اللغة" لابن فارس ٤/ ١٠٦. =
في حاضر لجب بالليل سامره | فيه الصَّواهلُ والرَّاياتُ والعكر |
وقال الكلبي: يقولون الهُجْرَ من سب النبي -صلى الله عليه وسلم- (٢).
وقال السدي: تهجرون محمدًا بالشتيمة (٣).
وقال إبراهيم: تقولون فيه غير الحق (٤). ونحو هذا قال عكرمة (٥).
وقال الحسن: تهجرون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكتاب الله (٦).
لجب: أي ذو جلبة وكثرة. "الصحاح" ١/ ٢١٨ (لجب).
والصواهل: قال ابن منظور ١١/ ٣٨٦: الصَّواهِل: جمع الصَّاهلة، مصدر على فاعلة بمعنى الصهيل، وهو الصوت كقولك: سمعت رواي الإبل. والصَّهيل للخيل. والرايات: الأعلام، واحدها راية. "القاموس المحيط" ٤/ ٣٣٨ (روى).
والعكرُ: قال ابن فارس في "مقاييس اللغة" ٤/ ١٠٦: العكرُ: القطيع الضَّخْم من الإبل فوق الخمسمائة. ثم أنشد عجز البيت.
(١) رواه الطبري ١٨/ ٤٠، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٠٨ وزاد نسبته إلى عبد بن حميد وابن أبي حاتم.
(٢) روى عبد الرزاق ٢/ ٤٧ عن الكلبي قال: يقولون هجرًا. والهجر: القبيح من الكلام. "القاموس المحيط" ٢/ ١٥٨.
(٣) لم أجد من ذكره عنه.
(٤) روى الطبري ١٩/ ٩، وابن أبي حاتم ٧/ ١٨٠ عن إبراهيم النخعي في قوله تعالى ﴿إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا﴾ [الفرقان: ٣٠] قال: قالوا فيه غير الحق، ألم تر إلى المريض قال غير الحق.
(٥) روى عبيد بن حميد كما في "الدر المنثور" ٦/ ١٠٩ عنه قال: تهجرون الحق. وذكر النحاس عنه في "معاني القرآن" ٤/ ٤٧٦ أنه قال: تشركون.
(٦) رواه عبد الرزاق ٢/ ٤٧، والطبري ١٨/ ٤١، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٠٨ ونسبه أيضًا لعبد بن حميد وابن أبي حاتم وابن المنذر.
وذكر الفراء، والكسائي، والزجاج، القولين جميعًا.
قال الفراء: إذا كان الليل وسمرتم هجرتم القرآن والنبي -صلى الله عليه وسلم-، فهذا من الهجر، أي تتركون ذلك وترفضونه. قال: ويجوز أن تجعله من الهذيان قال: هجر الرجل في منامه، إذا هذى. أي أنكم تقولون فيه ما ليس فيه ولا يضره فهو كالهذيان (٢).
ونحو هذا ذكر الكسائي (٣)، والزجاج (٤).
واختار (٥) المفضل، وأبو علي القول الثاني.
فقال المفضل: يعني تهجرون القرآن وترفضونه فلا تلتفتون إليه.
وقال أبو علي: المعنى أنكم كنتم (٦) تهجرون آياتي وما يتلى عليكم من كتابي، فلا تنقادون له وتكذبون به، كقوله: ﴿قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنْكِصُونَ﴾ (٧).
وقرأ نافع ﴿تُهجِرون﴾ بضم التاء (٨)، وهو قراءة ابن عباس ومجاهد (٩)،
(٢) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٣٩ مع اختلاف يسير.
(٣) ذكر النحاس في "إعراب القرآن" ٣/ ١١٨ عنه أنه قال: تهجرون: تهذون.
(٤) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ١٨.
(٥) في (أ): (واختيار).
(٦) (كنتم): ساقطة من (أ).
(٧) "الحجة" لأبي علي الفارسي ٥/ ٢٩٨.
(٨) وكسر الجيم. وقراءة الباقين بفتح التاء وضم الجيم. "السبعة" ص ٤٤٦، "التيسير" ص ١٥٩، "النشر" ٢/ ٣٢٩.
(٩) قراءة ابن عباس في "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٣٩، "معاني القرآن" للنحاس ٤/ ٤٧٦. وقد روى الأزهري في "علل القرآن" ٢/ ٤٣٧ من طريق مجاهد، عن ابن عباس هذه القراءة.
يقال: هجر يهجر هجرًا وهجرانا (٢)، إذا صرم (٣) وتباعد ونأى. وهجر يهجر هجرا، إذا قال غير الحق (٤)، ومنه قول أبي سعيد الخدري لبنيه: إذا طفتم (٥) بالليل فلا تلغوا ولا تهجروا (٦). أي: لا تهذوا (٧).
قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" ٧/ ٧٣: وفيه يحيى بن سلمة بن كهيل وهو ضعيف. اهـ.
ورواه الحاكم في "مستدركه" ٢/ ٢٤٦ مرفوعًا من طريق يحيى به، عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يقرأ... الحديث.
قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. فتعقّبه الذهبي بقوله: قلت: بل يحيى متروك، قال النسائي.
وقد ذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٠٩ بمثل رواية الحاكم، ونسبه إليه وإلى ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه.
(٢) بالكسر قاله الفيروزآبادي ٢/ ١٥٧.
(٣) صرم: قطع. "لسان العرب" ١٢/ ٣١٣ (صرم).
(٤) انظر: (هجر) في "الصحاح" للجوهري ٢/ ٨٥١، "لسان العرب" ٥/ ٢٥١ - ٢٥٤.
(٥) في (أ): (حلفتم).
(٦) ذكره الأزهري في "تهذيب اللغة" ٦/ ٤٢ عن أبي سعيد. ورواه أبو عبيد في "غريب الحديث" ٢/ ٦٣ - ٦٤.
(٧) "تهذيب اللغة" ٦/ ٤٢ منسوبًا لأبي عبيد، وهو في "غريب الحديث" ٢/ ٦٤.
كما جدة الأعراق قال ابنُ (٣) ضَرَّةٍ عليها كلامًا جار فيه وأهْجَرا (٤).
والاختيار القراءة الأولى؛ لأنها تجمع (٥) المعنيين (٦).
(٢) رواه أبو عبيد في "غريب الحديث" ٢/ ٦٣، والإمام أحمد في "مسنده" ٥/ ٣٦١، والنسائي في "سننه" (كتاب الجنائز- باب زيارة القبور ٤/ ٨٩) من حديث بريدة. قال الألباني في "الصحيحة" ٣/ ٥٧٦ عن رواية النسائي: بسند صحيح.
(٣) في (أ): (لضرة)، وفي (د)، (ع): (لي ضرة)، والتصويب من غريب الحديث والتهذيب وغيرهما.
(٤) بيت الشمَّاخ في "غريب الحديث" لأبي عبيد ٢/ ٦٣، "تهذيب اللغة" للأزهري ٦/ ٤٢ "هجر"، "المحتسب" لابن جني ٢/ ٩٦ - ٩٧ وفيه: الأعراف، وهو تصحيف، "الصحاح" للجوهري ٢/ ٨٥١ (هجر)، "لسان العرب" ٥/ ٢٥٣ "هجر". كلهم بمثل الرواية هنا. والبيت في "ديوانه" ص ١٣٥ وروايته فيه: مَمجّدة الأعراق.
وقال عبد الله بن بَرَّي في كتابه "التنبيه والإيضاح عما وقع في الصحاح" ٢/ ٢٣٥: المشهور في رواية البيت عبد أكثر الرواة "مبرأة الأخلاق" عوضًا من قوله: كما جدة الأعراق، وهو صفة لمخفوض في بيت قبله، وهو:
كأن ذراعيها ذراعا مدلة | بعيد السباب حاولت أن تَعَذَّرا |
(٥) في (أ): (جمع).
(٦) انظر في توجيه القراءتين: "علل القراءات" للأزهري ٢/ ٤٣٧، "إعراب القراءات السبع وعللها" لابن خالويه ٢/ ٩٢ - ٩٣، "حجة القراءات" لابن زنجلة ص ٤٨٩.
واختلفوا في موضع الوقف في هذه الآية:
فالأكثرون على أن الوقف في آخرها؛ لأنّه منتهى ذكر الأحوال، ولا يحسن الوقف في أثنائها (٤) (٥).
وقال أبو حاتم (٦): يحسن الوقف على قوله: ﴿مُسْتَكْبِرِينَ﴾ ثم يبتدئ ﴿بِهِ سَامِرًا﴾ (٧) وهذا مذهب النحاس وابن الأنباري.
قال النحاس: ﴿بِهِ﴾ أي بالبيت ﴿سَامِرًا تَهْجُرُونَ﴾ آياتي أو تهذون (٨).
وقال ابن الأنباري: ﴿مُسْتَكْبِرِينَ﴾ وقف حسن، ثم تبتدئ ﴿بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ﴾ على معنى: بالبيت العتيق تهجرون النبي -صلى الله عليه وسلم- والقرآن في وقت سمركم. قال: ويجوز أن يكون معنى ﴿تَهْجُرُونَ﴾ تهذون (٩).
(٢) في (أ): (من احسن).
(٣) ما بين المعقوفين ساقط من (ع).
(٤) في (أ): (أبنائها).
(٥) انظر: "القطع والائتناف" للنحاس ص ٥٠٣، "منار الهدى" للأشموني ص ٢٦٣.
(٦) هو: أبو حاتم السجستاني.
(٧) ذكره عنه النحاس في "القطع والائتناف" ص ٥٠٣، "الداني في المكتفى" ص ٤٠٢، الأشموني في "منار الهدى" ص ٢٦٣.
(٨) "القطع والائتناف" ص ٥٠٣. ووقع في المطبوع: إبنيائي أو تهزؤن.
(٩) "إيضاح الوقف والابتداء" ٢/ ٧٩٢ - ٧٩٣.
وعلى هذا يكون قوله: (سامرًا) حالا مؤخرة في التقدير، أي: تهجرون سامرين بالليل.
٦٨ - قوله تعالى: ﴿أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ﴾ أي: أفلم يتدبروا القرآن فيعرفوا ما فيه من العبر والآيات الدالة على صدق محمد -صلى الله عليه وسلم-.
وذكرنا معنى التدبّر عند قوله: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ﴾ [النساء: ٨٢].
وقوله: ﴿أَمْ جَاءَهُمْ﴾ الآية. قال ابن عباس: يريد: أليس قد أرسلنا نوحًا وإبراهيم والنبيين إلى قومهم؟ فكذلك بعثنا محمدًا -صلى الله عليه وسلم- (٣).
وهذا استفهام يتضمن الإنكار. وكذلك ما بعده من قوله:
٦٩ - ﴿أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ﴾ قال ابن عباس: أليس هو محمد بن عبد الله؟ يعرفونه صغيرًا وكبيرًا، صادق اللسان يفي بالعهد ويؤدي الأمانة (٤).
وفي هذا توبيخ لهم وإنكار عليهم بالإعراض عنه بعد ما عرفوا نسبه وصدقه وأمانته.
"معرفة القراءة" للذهبي ١/ ٢٣٦، "غاية النهاية" لابن الجزري ١/ ٣٥٢ - ٣٥٣.
(٢) ذكر قوله النحاس في "القطع والائتناف" ص ٥٠٣، و"الدّاني في المكتفى" (ص ٤٠٢).
(٣) ذكر هذا المعنى البغوي ٥/ ٤٢٣ وابن الجوزي ٥/ ٤٨٤ من غير نسبة لأحد.
(٤) ذكره عنه البغوى ٥/ ٤٢٣.
٧٠ - قوله: ﴿أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ﴾ قال ابن عباس: يريد: وأيّ جنون يرون به؟.
﴿بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ﴾ بالتنزيل الذي هو الحق. يعني القرآن في قول ابن عباس (٣). وقال مقاتل: يعني بالتوحيد (٤).
﴿وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ﴾ للقرآن أو التوحيد (٥) ﴿كَارِهُونَ﴾.
٧١ - قوله تعالى: ﴿وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ﴾ قال أبو صالح (٦)، وابن جريج (٧)، ومقاتل (٨)، والسدي (٩)، والكلبي (١٠): الحق هو الله. والمعنى: لو جعل مع نفسه كما يحبون شريكًا لفسدت السموات والأرض.
(٢) ذكره القرطبي ١٢/ ١٤٠ عن سفيان. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١١٠ عن أبي صالح، وعزاه لابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم.
ولم أره في المطبوع من الطبري.
(٣) ذكر ابن الجوزي ٥/ ٤٨٤ هذا المعنى من غير نسبة لأحد.
(٤) "تفسير مقاتل" ٢/ ٣٢ أ.
(٥) في (ع): (للتوحيد).
(٦) رواه الطبري ١٨/ ٤٢، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١١٠ وزاد نبته لعبد ابن حميد وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم.
(٧) رواه عنه الطبري ١٨/ ٤٣.
(٨) "تفسير مقاتل" ٢/ ٣٢ أ.
(٩) ذكره عنه البغوي ٥/ ٤٢٤، وابن الجوزي ٥/ ٤٨٤.
(١٠) رواه عنه عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٤٧.
﴿لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ﴾ كقوله تعالى: ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا﴾ [الأنبياء: ٢٢]. وقد مرَّ.
وقال بعض أهل المعاني: الحقّ لما كان يدعو إلى المحاسن والأهواء تدعو إلى المقابح؛ فلو أَتبع الحق داعي الهوى لدعى إلى المقابح التي فيها الفساد والاختلال (٥)، فكان يوجد بطلان الأدلة وامتناع الثقة بالمدلول عليه، فكان (٦) ينقلب الأمر ويكثر الفساد (٧).
قوله: ﴿بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ﴾ أي: جاء فيه فخرهم وشرفهم.
قال ابن عباس: هو كقوله: ﴿لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا﴾ [الأنبياء: ١٠]: وقوله: ﴿وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ﴾ [الزخرف: ٤٤] (٨).
(٢) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٣٩، و"معاني القرآن" للزجاج ٤/ ١٩.
(٣) (يعني): ساقطة من (أ).
(٤) في (ظ): (فعل).
(٥) في "التبيان" ٧/ ٣٣٨: والاختلاط.
(٦) في (أ): (وكان).
(٧) ذكره الطوسي في "التبيان" ٧/ ٣٣٨ ولم ينسبه لأحد.
(٨) ذكره عنه البغوي ٥/ ٤٢٤.
٧٢ - قوله تعالى: ﴿أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجًا﴾. قال ابن عباس: يريد مالا يعطونك.
وقال مقاتل: يعني لم يسألهم محمدٌ أجرًا على الإيمان بالقرآن (٢).
وقال أبو إسحاق: أي لم تسألهم على ما أتيتهم به أجرا (٣).
قوله: ﴿فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ﴾ قال ابن عباس: فعطاء ربك خير (٤).
وقال مقاتل: فأجر ربك أفضل من خراجهم (٥).
والمعنى: أنّ أجر ربك وثوابه خير لك.
﴿وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾ أفضل من أعطى وأجزل (٦) وآجر.
وقال أهل المعاني: قد دلت الآية على أن غير الله يرزق، ولولا ذلك لم يجز ﴿وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾ (٧).
ويقال: رزق الأمير جنده فارتزقوا ارتزاقا (٨).
٧٣ - ﴿وَإِنَّكَ﴾ يا محمد ﴿لَتَدْعُوهُمْ﴾ يعني كفار قريش {إِلَى صِرَاطٍ
(٢) "تفسير مقاتل" ٢/ ٣٢ أ.
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ١٩.
(٤) ذكر البغوي ٥/ ٤٢٤ وابن الجوزي ٥/ ٤٨٥ هذا المعنى من غير نسبة لأحد. وذكره أبو حيان ٦/ ٤١٥ نحو هذا المعنى عن الكلبي.
(٥) "تفسير مقاتل" ٢/ ٣٢ أ.
(٦) (وأجزل): ساقطة من (أ)، (ظ).
(٧) ذكر الرازي ٢٣/ ١١٢ هذا القول وعزاه للجبَّائي.
(٨) "تهذيب اللغة" للأزهري ٨/ ٤٢٩ (رزق) منسوبًا إلى الليث.
٧٤ - قوله: ﴿وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ﴾ قال ابن عباس، ومقاتل: بالبعث والثواب والعقاب ﴿عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ﴾ عن الدين لعادلون (١).
وقال الفراء: لمعرضون عن الدين (٢).
يقال: نكب فلان عن الطريق تنكب نكوبًا، إذا عدل عنه، والنعت منه: ناكب. ويقال: نكَّبَ عن الصَّواب تنكيبًا، ونكَّب غيره، يتعدّى ولا يتعدّى (٣). وفي الحديث (٤): "نكَّبْ عنا ابن (٥) أم عبد" أي: نَحِّه عنا.
ويقال: تنكب عنا فلان تنكبا، أي: مال عنا (٦).
وينشد قول سعد بن ناشب (٧):
(٢) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٤٠.
(٣) انظر: (نكب) في "تهذيب اللغة" ١٠/ ٢٨٦، "الصحاح" ١/ ٢٢٨، "لسان العرب" ١/ ٧٧٠، "القاموس المحيط" ١/ ١٣٤، "تحفة العروس" ٤/ ٣٠٤ - ٣٠٥.
(٤) هذا من كلام عمر -رضي الله عنه- أنه قال لهني مولاه: نكّب...
وهذا الأثر ذكره الأزهري في "تهذيب اللغة" ١٠/ ٢٨٦، وابن منظور في "لسان العرب" ١/ ٧٧٠، والزبيدي في "تاج العروس" ٤/ ٣٠٥. ولم أقف عليه مسندًا.
(٥) في (أ): (إبر).
(٦) "تهذيب اللغة" للأزهري ١٠/ ٢٨٦، وانظر: "تحفة العروس" ٤/ ٣٠٥ (نكب).
(٧) في (أ): (ناسب)، وفي (ظ): (نابت)، وفي (ع): (نائب)، والتصويب من مصادر ترجمته.
وهو سعد بن ناشب بن معاذ بن جعدة المارني، التميمي، من بني العنبر. شاعر فاتك من مردة العرب، من أهل البصرة، وهو شاعر إسلامي في الدولة المروانية. "الشعر والشعراء" لابن قتيبة ص ٤٦٤، "خزانة الأدب" ٨/ ١٤٥، "الأعلام" ٣/ ٨٨.
[على اللزوم] (٢).
وقال الطُّهَوي (٣):
إذا هم ألقى بين عينيه عزمه
وهو من أبيات قالها سعد وكان أصاب دمًا، فهدم بلال بن أبي بردة داره بالبصرة وحرَّقها، وقيل: إن الحجاج هو الذي هدم داره. ويقال: إن سعدًا قُتل له حميم، وإنَّه أوْعَده بلال بهدم داره إن طالب بثأره، فقال:
سَأغْسلُ عَنِّي العارَ بالسَّيف جالبا | عليَّ قضاء الله ما كان جالبا |
وأذهل عن داري وأجعل هدمها | لعرضي من باقي المذَمَّة حاجبا |
والبيت في "الشعر والشعراء" لابن قتيبة ص ٤٦٤، "الزهرة" لابن داود ٢/ ٢١١ "الحماسة" لأبي تمام ١/ ٧٠، "الكامل" للمبرد ١/ ٢٠٦ وفيه "فأعرض" عوضًا من "فنكّب".
قال المرزوقي في "شرح الحماسة" ١/ ٧٣: قوله: "ألقى بين عينيه عزمه" أي جعله بمرأى منه لا يغفل عنه، وقد طابق في المعنى لما قابله قوله: "ألقى بين عينيه عزمه" بقوله: "نكّب عن ذكر العواقب جانبا"...
وانتصب "جانبًا" على أنه ظرف، ونكَّب يكون بمعنى: تنكّب، والمعنى: أنه إذا هَمَّ بالشيء جعله نَصْب عينيه إلى أن ينفذ فيه ويخرج منه، ويصير في جانب من الفكر في العواقب.
ويجوز أن ينتصب "جانبًا" على المفعول، ويكون "نكّب" بمعنى: حَرَّف، والمراد انحرف عن ذكر العواقب وطوى كشحه دونه. اهـ
(٢) ساقط من (ظ)، (ع).
(٣) هو: أبو الغُول الطُّهَويّ، وهو من قوم من بني طُهَيَّة يقال لهم: بنو عبد شمس بن أبي سود، وأبو سود هو ابن مالك بن حنظلة التميمي، وأمّ أبي سود: طُهَيَّة بنت =
يُروى بالوجهين (٢).
وذكر التبريزي أنه شاعر إسلامي، وأمَّا البغدادي فذكر أنَّه لم يقف على كونه جاهليا أو إسلاميا.
"المؤتلف والمختلف" للآمدي ص ١٦٣، "شرح الحماسة" للتبريزي ١/ ١٤، "خزانة الأدب" للبغدادي ٦/ ٤٣٨.
(١) هذا صدر بيت لأبي الغُول، وعجزه:
وداوَوْا بالجُنون من الجُنون
وقبله:
هُمُ مَنَعُوا حِمَى الوَقْبَى بِضَرْبٍ | يؤلِّف بين أشتات المنُونِ |
وهو في "الحماسة" لأبي تمام ١/ ٦٢، "الحيوان" للجاحظ ٣/ ١٠٧، "أمالي القالي" ٢/ ٢٦١، "بهجة المجالس" لابن عبد البر ١/ ٥١٦ وفيه "ظلم" عوضًا من "درأ"، "خزانة الأدب" للبغدادي ٦/ ٤٣٤.
قال التبريزي في "شرح ديوان الحماسة" ١/ ١٧: نكَّب قد جاء متعديًا إلى مفعولين،... ، والأكثر نكبته عن كذا،... معناه: أن الضَّرْب حَرَّف عن هؤلاء القوم اعوجاج الأعداء وخلافهم، والدرء: أصله الدفع، ثم استعمل في الخلاف؛ لأن المختلفين يتدافعان.
"وداوَوْا بالجنوب من المجنون" أي داوَوْا الشر بالشر، كما قالوا: الحديد بالحديد يفلح، والجنون هاهنا مثل ومعناه: اللجاج في الشر وركوب الرأس فيه. اهـ.
(٢) يعني على التعدي واللزوم. فعلى رواية التعدّي: نكّبَ عنهم درأ الأعادي. يكون المعى: أن الضرب حَرَّف وأمال عن هؤلاء القوم درأ الأعادى. كما ذكر التبريزي. وعلى رواية اللزوم: فنكب عنهم درأ الأعادي. يكون نكَّب بمعنى تنكّب، والمعنى أن درأ الأعادي عَدَل وتنحّى عنهم.
٧٥ - ﴿وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ﴾ قال المفسرون: يعني الجوع الذي أصابهم بمكة سبع سنين (٤).
قوله: ﴿لَلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ لتمادوا في ضلالتهم يترددون.
يقال: لجَّ فلان يلج ويلج لغتان (٥). قال:
لججنا ولجت هذه في التغضّب (٦)
قال الفراء: يقال: لَجَجْت -بالفتح والكسر- لَجاجَة ولَجَجَا (٧).
٧٦ - قوله: ﴿أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ﴾ قال ابن عباس: يريد بالأمراض والحاجة (٨).
(٢) في (ظ): (نكب).
(٣) انظر: (نكب) في "تهذيب اللغة" ١٠/ ٢٨٥، "الصحاح" ١/ ٢٢٨، "أساس البلاغة" للزمخشري ٢/ ٤٧٤.
(٤) ذكره ابن الجوزي ٥/ ٤٨٥ عن ابن عباس، وهو معنى قول الطبري ١٨/ ٤٤ ورواه عن ابن جريج باختصار.
(٥) "تهذيب اللغة" للأزهري ١٠/ ٤٩٢ (لج) نقلاً عن الليث.
(٦) لم أجده.
(٧) قول الفراء في "تهذيب اللغة" للأزهري ١٠/ ٤٩٣ (لج). وليس في كتابه معاني القرآن. وفي التهذيب. لَجِجْتُ ولجَجْت
(٨) ذكر القرطبي ١٢/ ١٤٣ هذا القول ولم ينسبه لأحد.
وقد روى النسائي في "تفسيره" ٢/ ٩٨ - ٩٩، وابن حبان في صحيحه "الإحسان" ٢/ ٢٥٢)، والطبراني في "الكبير" ١١/ ٣٧٠ كلهم من طريق علي بن الحسين بن واقد، عن أبيه، عن يزيد النحوي عن عكرمة، عن ابن عباس قال: جاء أبو سفيان إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال يا محمد: أنشدك الله والرحم، فقد أكلنا العِلْهِز -يعني الوبر والدم- فأنزل الله -عز وجل- "ولقد أخذناهم بالعذاب... " الآية. =
قال أبو إسحاق: والذي أُخذوا به الجوع (٢).
﴿فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ﴾ أي ما تواضعوا. يقال: أكانه يكينه إكانة إذا أخضعه (٣) حتى استكان وأدخل عليه من الذل ما أكانه (٤).
وقال ابن عباس: يريد ما رجعوا عن معاصي الله.
وقال الكلبي: لم يذلوا ولم تذل قلوبهم.
وقال مقاتل: يقول: فما استسلموا، يعني الخضوع (٥) ﴿وَمَا يَتَضَرَّعُونَ﴾ يقول: وما يرغبون إلى الله في الدعاء (٦).
٧٧ - قوله: ﴿حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ﴾ قال ابن عباس -في رواية الوالبي-: ذاك يوم بدر (٧).
لكن رواه الحاكم في "مستدركه" ٢/ ٣٩٤ من طريق علي بن الحسين بن شقيق، عن الحسين بن واقد، عن يزيد، عن عكرمة، عن ابن عباس، به.
وعلي هذا ثقة حافظ روى عن الحسين بن واقد وغيره وروى عنه البخاري وغيره. قاله ابن حجر في "تهذيب التهذيب" ٧/ ٢٩٨، "تقريب التهذيب" ٢/ ٣٤.
فهذه الطريق تقوي الأولى. وقد رواه إبراهيم الحربي في "غريب الحديث" ٢/ ٧٢٧ من طريق آخر عن يزيد، عن عكرمة، عن ابن عباس، لكن ليس فيه ذكر لآية.
(١) "تفسير مقاتل" ٢/ ٣٢ أ.
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ١٩.
(٣) في (ظ): (خضعه).
(٤) "تهذيب اللغة" للأزهري ١٠/ ٣٧٤ "كان" منسوبًا إلى أبي سعيد البغدادي الضرير.
(٥) "تفسير مقاتل" ٢/ ٣٢ أ.
(٦) "تفسير مقاتل" ٢/ ٣٢ أ.
(٧) رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" ١٤/ ٣٥٧، والطبري ١٨/ ٤٥ من رواية الوالبي.=
وقال -في رواية عطاء- يريد الموت (٣).
وقال مقاتل وغيره: يعني الجوع (٤).
وقال السدي: هو فتح مكة (٥). ﴿إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ﴾ قال: أُبلسوا يومئذ تغيرت ألوانهم حين نظروا إلى أصنامهم تُنكّس على وجوهها.
ومعنى ﴿مُبْلِسُونَ﴾ آيسون من كل خير. وتقدم [لكلام في] (٦) معنى المبلس في سورة الأنعام (٧).
(١) ذكره عنه البغوي ٥/ ٤٢٥. وقد روى عنه الطبري ١٨/ ٤٦ أنّه الجوع، وذكر عنه الثعلبي ٣/ ٦٣ ب أنه القحط.
(٢) انظر: "معاني القرآن" ٤/ ١٩ وقد صدره بقوله: قيل، ثم قال: السيف والقتل. قال ابن عطية ١٠/ ٣٨٨ وهذا القول يردّه بأن الجدب الذي أصابهم كان بعد وقعة بدر.
(٣) ذكره البغوي ٥/ ٤٢٥: هذا القول وصدَّره بقول: قيل.
(٤) "تفسير مقاتل" ٢/ ٣٢ أ. وهو اختيار الطبري ١٨/ ٤٦.
واستشهد على ذلك بخبر ابن عباس في المجاعة التي أصابت قريش واستظهره أبو حيان ٦/ ٤١٥.
وقيل: هو يوم القيامة. والمعنى: حتى إذا عذّبوا بنار جهنم أبلسوا، كقوله تعالى ﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ﴾ [الروم: ١٢] وقوله ﴿إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ (٧٤) لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ﴾ [الزخرف: ٧٤، ٧٥].
ذكر هذا القول أبو حيان ٦/ ٤١٦ - ٤١٧.
وقيل: هو توعّد بعذاب غير معين. وصوّب هذا القول ابن عطية ١٠/ ٣٨٩.
(٥) ذكر القرطبي ١٢/ ١٤٣ هذا القول عن عكرمة.
(٦) ما بين المعقوفين ساقط من (أ).
(٧) عند قوله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ﴾ [الأنعام: ٤٤].
﴿قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ﴾ قال مقاتل: يعني أنهم لا يشكرون رب هذه النعم فيوحدونه (١). وذكر نا الكلام في مثل هذا عند قوله: ﴿فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ﴾. [البقرة: ٨٨].
٨٠ - قوله: ﴿وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ﴾ قال ابن عباس: يولد المولود حيًا ثم يمته ثم يبعثه.
﴿وَلَهُ اخْتِلَافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ﴾ قال الفراء: هو الذي جعلهما مختلفين، كما تقول في الكلام: لك الأجر والصلة، أي أنك تصل وتؤجر (٢).
وفسرنا اختلاف الليل والنهار في سورة البقرة (٣).
قوله: ﴿أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ [قال ابن عباس: حيث تجعلون لي شريكًا من خلقي.
وقال مقاتل: ﴿أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾] (٤) توحيد ربكم فيما ترون من صنعه فتعتبرون (٥).
ثم عَيَّرهم بقولهم وأخبر عنهم أنهم قالوا مثل من كان قبلهم فقال:
﴿بَلْ قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ الْأَوَّلُونَ﴾ قال الكلبي: بل كذبت قريش
(٢) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٤٠.
(٣) انظر: "البسيط" عند قوله تعالى: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ﴾ [البقرة: ١٦٤].
(٤) ما بين المعقوفين ساقط من (أ)، (ع).
(٥) "تفسير مقاتل" ٢/ ٣٢ ب.
٨٤ - ﴿قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ﴾ قال الكلبي: لما كذبوه أتاه جبريل فقال: يا محمد قل لأهل مكة: ﴿إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ من خلق (٣) ﴿إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ من خالقها ومالكها (٤).
٨٥ - ﴿سَيَقُولُونَ لِلَّهِ﴾ (٥) قال ابن عباس: يريد إقرارهم له بالربوبية، ﴿قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾ قال: يريد: أفلا تتعظون حيث تجعلون لإله السماء والأرض شريكًا.
المعنى: أنكم لو تذكرتم وتفكرتم لعلمتم أن من قدر على خلق ذلك ابتداءً فهو قادرٌ على إحيائهم بعد موتهم (٦).
٨٦ - قوله تعالى: ﴿قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (٨٦) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ﴾ وقرئ (الله) (٧)، وكذلك ما بعده.
فمن قرأ (الله) فهو على ما يقتضيه اللفظ من جواب السؤال لأنّك إذا قلت: من رب السموات؟ فالجواب: الله. ومن قرأ (لله) فعلى المعنى (٨)،
(٢) في (ع): (أخبرهم).
(٣) ذكره الماوردي ٤/ ٦٢ عن الكلبي في قوله ﴿لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ﴾ قال: ما بينهم من خلق.
(٤) ذكر البغوي ٥/ ٤٢٦ هذا المعنى من قوله: يا محمد إلى هنا. ولم ينسبه لأحد.
(٥) في (ط): (الله)، وهو خطأ.
(٦) انظر هذا المعنى عند الطبري ١٨/ ٤٧، والثعلبي ٣/ ٦٣ ب.
(٧) قرأ أبو عمرو وحده: ﴿سيقولون لله﴾ بالألف في هذه الآية والتي بعدها.
وقرأ الباقون: ﴿سيقولون الله﴾ وكذلك ما بعده.
"السبعة" ص ٤٤٧، "التبصرة" ص ٢٧٠، "التيسير" ص ١٦٠.
(٨) في (أ): (الوجهين)، وهو خطأ.
وهذا الذي ذكرنا هو معنى كلام الفراء (٣) والزَّجَّاج (٤) وأبي علي (٥).
وأنشد الفراء فقال:
أعْلم أنني سأكون رَمْسًا | إذا سار النَّواجعُ لا يسير |
(٢) في (ظ): (لمن).
(٣) انظر: "معانى القرآن" للفراء ٢/ ٢٤٠.
(٤) (والزجاج): ساقطة من (أ). وانظر: قوله في "معاني القرآن" له ٤/ ٢٠.
(٥) انظر: كلام أبي علي في "الحجة" ٥/ ٣٠١.
وانظر في توجيه القراعتين أيضًا: "علل القراءات" للأزهري ٢/ ٤٣٩ - ٤٤٠، "إعراب القراءات السبع وعللها" لابن خالويه ٢/ ٩٣ - ٩٤، "الحجة" لابن زنجلة ٤٩٠ - ٤٩١، "الكشف" لمكي ٢/ ١٣٠.
(٦) البيتان أنشدهما الفراء عن بعض بني عامر في كتابه "معاني القرآن" ٢/ ٢٤٠. ونسبهما الجاحظ في "البيان والتبيين" ٣/ ١٨٤ للوزيريّ، وروايتهما عنده:
واعلم أنَّني سأصير ميتًا | إذا سار النَّواجع لا أسيرُ |
وذكر البيتين أيضًا ابن خالويه في كتابه "إعراب القراءات السبع وعللها" ٢/ ٩٣ وصدرهما بقوله: أنشدني ابن مجاهد. =
قال أبو علي: والجواب على اللفظ هو الوجه (٤).
قوله: ﴿أَفَلَا تَتَّقُونَ﴾ قال ابن عباس: أفلا تخافون حيث جعلتم لي ما تكرهون لأنفسكم، زعمتم أن الملائكة بناتي وكرهتم لأنفسكم البنات (٥).
وقال الكلبي: أفلا تتقون عبادة غير الله (٦).
٨٨ - قوله: ﴿قُلْ﴾ لهم كما محمد ﴿مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ قال ابن عباس: يريد السموات وما فوقها وما بينها (٧) والأرضين وما تحتها وما بينها وما لا يعلمه أحدٌ غيره (٨).
النواجع: الذين يخرجون إلى البادية من المرْتع. انتهى كلامه رحمه الله.
والرَّمْسُ: تراب القبر، والقبر نفسه. "لسان العرب" ٦/ ١٠٢ (رمس).
(١) في (ظ): (المحفوظ)، وهو خطأ.
(٢) في (ظ): (بالمرفوع).
(٣) من قوله: (فأجاب... إلى هنا) هذا كلام الثعلبي ٣/ ٦٣ ب بنصِّه. وكذلك الطبري ٨/ ٤٨.
(٤) "الحجة" لأبي علي الفارسي ٥/ ٣٠١.
(٥) ذكر القرطبي ١٢/ ١٤٥ هذا القول ولم ينسبه لأحد.
(٦) ذكر ابن الجوزي ٥/ ٤٨٧ هذا القول ولم ينسبه لأحد.
(٧) في (أ): (وما بينهما).
(٨) ذكره هذا القول القرطبي ١٢/ ١٤٥ ولم ينسبه لأحد.
والذي ذكره [ابن عباس] (٤) في تفسير الملكوت موافق لهذا المعنى لأنّه أخبر عن عظيم (٥) ملكه.
وقال مجاهد: ﴿مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ خزائن كل شيء (٦).
وهذا أيضًا راجع إلى المعنى الذي ذكرنا.
قوله: ﴿وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ يقال أجرت فلانًا إذا استغاث بك فحميته. وأجرت عليه، إذا حميت عنه من يَرُومه (٧).
ومعنى الآية: أنّه يمنع من السوء من يشاء، ولا يمكن منع من أراده بسوء (٨) منه (٩). قال مقاتل: يُؤَمِّن ولا يؤمِّن عليه أحد (١٠).
(٢) في (ظ)، (ع): (ورهبوت ورحموت).
(٣) انظر: (ملك) في "الصحاح" ٤/ ١٦٠، "لسان العرب" ١٠/ ٤٩٢، "القاموس المحيط" ٣/ ٣٢٠.
(٤) ما بين المعقوفين ساقط من (أ).
(٥) في (ع): (عظم).
(٦) رواه الطبري ١٨/ ٤٨، ٤٩، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١١٣ وزاد نسبته لابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.
(٧) انظر: (جور) في "تهذيب اللغة" ١١/ ١٧٥ - ١٧٦، "المحكم" لابن سيده ٧/ ٣٧٦ - ٣٧٧، "لسان العرب" ٤/ ١٥٤ - ١٥٥.
(٨) في (أ): (بشيء).
(٩) انظر: "الطبري" ١٨/ ٤٩٠.
(١٠) "تفسير مقاتل" ٢/ ٣٢ ب
٨٩ - قوله: ﴿فَأَنَّى تُسْحَرُونَ﴾ قال الفراء (٣) والزجاج (٤) وابن قتيبة (٥): تصرفون عن الحق وتخدعون.
والمعنى: كيف يخيل لكم الحق باطلا والصحيح فاسدًا (٦).
٩٠ - قوله تعالى: ﴿بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ قال الكلبي: فقال لهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذلك الذي أمره الله به في هذه الآية فكذبوه (٧)، وقالوا: بل الملائكة بنات الله والأصنام شركاؤه، فنزل فيهم ﴿بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِالْحَقِّ﴾ يعني بالقرآن (٨).
وقال مقاتل: بالتوحيد (٩).
﴿وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ فيما يضيفون إلى الله من الولد والشريك (١٠).
ثم نفى الولد والشريك عن نفسه فقال:
﴿مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ﴾ قال مقاتل: يعني الملائكة (١١).
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٢٠.
(٣) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٤١.
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٢٠.
(٥) "غريب القرآن" لابن قتيبة ص ٢٢٩.
(٦) انظر: "الطبري" ١٨/ ٤٩.
(٧) في (أ): (فكذبوا).
(٨) لم أجد من ذكره عن الكلبي. ولا يعتمد على الكلبي فيما يرويه فهو متهم بالكذب.
(٩) "تفسير مقاتل" ٢/ ٣٢ ب.
(١٠) انظر: الطبري ١٨/ ٤٩.
(١١) "تفسير مقاتل" ٢/ ٣٢ ب.
﴿إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ﴾ هذا جواب لكلام مضمر (٢) التقدير: لو كانت معه آلهة إذن لذهب كل إله بما خلق، أي لاعتزل وانفرد بخلقه (٣)، فلا يرضى أن يضاف خلقه وإنعامه إلى غيره، ومنع (٤) الإله الآخر عن (٥) الاستيلاء على ما خلق (٦).
قوله: ﴿وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ دليل آخر على (٧) نفي الشريك معطوف على الأول. قال الفراء: بغى بعضهم على بعض (٨).
وقال الزجاج: طلب بعضهم مغالبة بعض (٩).
وهذا معنى قول ابن عباس والمفسرين: لقاتل بعضهم بعضًا كما يفعل الملوك في الدنيا يقاتل هذا هذا (١٠).
(٢) في (ظ): (الكلام مضمرًا).
(٣) من قوله: هذا جواب إلى هنا. هذا كلام الطبري رحمه الله في "تفسيره" ١٨/ ٤٩ مع اختلاف يسير جدًّا وتقديم وتأخير. و"أصل الكلام" للفراء ٢/ ٢٤١.
(٤) في جميع النسخ: (ومنع)، وفي المطبوع من "البسيط" ٣/ ٢٩٦: ولمنع. وأشار المحقق في الحاشية إلى أنه في بعض النسخ: منع. وعند ابن الجوزي ٥/ ٤٨٨: ولمنع. وعند البغوي ٥/ ٤٢٧: ومنع.
(٥) في (ظ): (من)، وفي باقي النسخ والوسيط والبغوي وابن الجوزي: عن.
(٦) في (ع): (في).
(٧) من قوله: "فلا في.. " إلى هنا ذكره الطوسي في "التبيان" ٧/ ٣٤٥ - ٣٤٦ من غير نسبة لأحد.
(٨) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٤١.
(٩) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٢٠.
(١٠) ذكر البغوي ٥/ ٤٢٧ هذا المعنى ولم ينسبه لأحد.
ثم نزّه عما وصفوه به فقال: ﴿سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ﴾.
٩٢ - قوله تعالى: ﴿عَالِمِ الْغَيْبِ﴾ قرئ (عَالِمُ الْغَيْبِ) (٣) رفعًا وجرًا (٤).
قال الأخفش: الجر أجود ليكون الكلام من وجه واحد، وأما الرفع فعلى أن يكون خبر ابتداء محذوف. قال: ويقوي (٥) ذلك (٦) أن الكلام الأول قد انقطع (٧).
واختار الفراء الرفع، فقال: وجه الكلام الرفع بالاستئناف، الدليل (٨) على ذلك دخول الفاء في قوله: ﴿فَتَعَالَى اللهُ﴾ ولو خفضت لكان وجه الكلم
(٢) ذكر القرطبي ١٢/ ١٤٦ هذا المعنى باختصار ولم ينسبه لأحد.
(٣) (الغيب) ليست في (ع).
(٤) قرأ نافع، وعاصم في رواية أبي بكر، وحمزة، والكسائي: "عالمُ" رفعًا. وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وحفص عن عاصم، وابن عامر: "عالمِ" جرًا.
"السبعة" ص ٤٤٧، "التبصرة" ص ٢٧١، "التيسير" ص ١٦٠.
(٥) في (ظ): (ويقول)، وهو خطأ.
(٦) في (أ): (ذاك).
(٧) كلام الأخفش في "الحجة" للفارسي ٥/ ٣٠٢ بنصِّه. ولم أجده في كتابه المعاني.
(٨) في (ظ): (والدليل). والمثبت من (أ)، (ع): وهو الموافق لما عند الفرّاء.
فلو رفعت "المحسنُ" لم يكن بالواو لأنك تريد: هو المحسنُ فأحسنت إليه.
قال: وقد (٢) يكون الخفض في ﴿عَالِمِ﴾ تتبعه ما قبله وإن كان بالفاء؛ لأن العرب قد (٣) تستأنف بالفاء كما يستأنفون بالواو (٤).
﴿قُلْ رَبِّ إِمَّا﴾ قال صاحب النظم: "ما" قد تكون شرطًا كقوله: ﴿مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ﴾ [البقرة: ١٠٦] و"إمَّا" إنَّما هو [إنْ ما، فـ] (٥) "إنْ" شرط و"ما" (٦) أيضًا شرط؛ فجمع بين الشرطين توكيدًا، فلما وكّد الشرط أدخل النون الثقيلة في الفعل توكيدًا، لأن النون الثقيلة تجيء (٧) توكيدًا للأفعال (٨).
(٢) (وقد): ساقطة من (ع).
(٣) (قد): ساقطة من (ظ).
(٤) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٤١. وانظر: "علل القراءات" للأزهري ٢/ ٤٤٠، "الكشف" لمكي ٢/ ١٣١.
(٥) زيادة من القرطبي ١٢/ ١٤٧ بها يستقيم المعنى.
(٦) في (أ): (وأما)، وهو خطأ.
(٧) في (ع): (تجيء في افعل)، ويظهر أن تكرار.
(٨) ذكر القرطبي ١٢/ ١٤٧ هذا المعنى باختصار إلى قوله بين الشرطين توكيدًا. ولم ينسبه لأحد.
وقال مقاتل: يعني القتل ببدر (١).
٩٤ - ﴿رَبِّ فَلَا تَجْعَلْنِي﴾ قال الفراء: هذه الفاء جواب لقوله: ﴿إِمَّا تُرِيَنِّي﴾ اعترض النداء بينهما كما تقول: إن تأتني كما زيد فعجّل (٢)، ولو لم يكن قبله جزاء لم يجز أن تقول: يا زيد فقم، ولا أن تقول: يا رب فاغفر لي؛ لأن النداء مستأنف، [وكذلك الأمر بعده مستأنف] (٣) لا تدخله الفاء ولا الواو (٤).
قوله تعالى: ﴿فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ قال الكلبي: يعني مع (٥) الفئة الباغية (٦). قال أبو إسحاق: أي إن أنزلت بهم النقمة كما رب فاجعلني خارجًا عنهم (٧).
قال مقاتل: وذلك أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- أراد أن يدعو على كفار مكة (٨).
٩٥ - فعلّمه الله كيف يدعو، وأخبر أنه قادر على إنزال العذاب بهم بقوله: ﴿وَإِنَّا عَلَى أَنْ نُرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ﴾.
ثم أمره بالصبر إلى أن ينقضي الأجل المضروب للعذاب فقال: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ قال المفسرون: يعني الإعراض والصفح
(٢) في (أ)، (ظ): (فجعل).
(٣) ما بين المعقوفين ساقط من (ع).
(٤) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٤١.
(٥) في (ع): (في).
(٦) ذكر الرازي ٢٣/ ١١٨ نحو هذا القول ولم ينسبه لأحد.
(٧) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٢١.
(٨) "تفسير مقاتل" ٢/ ٣٣ أ.
والمعنى: ادفع بالخلّة التي هي أحسن -وهي الصبر والصفح- أذاهم وجفاهم (٣).
وهذا قبل أن يؤمر بقتالهم (٤).
وقال أهل المعاني: إذا ذكروا المنكر فاذكر الحجَّة في فساده والموعظة التي تصرف عنه إلى ضدّه من الحق بتلطّف في الدعاء إليه والحث عليه (٥).
(٢) الطبري ١٨/ ٥١ مع اختلاف يسير.
(٣) الثعلبي ٣/ ٦٤ أ.
(٤) ذكر هذا الطبري ١٨/ ٥١، والثعلبي ٣/ ٦٤ أ.
وانظر: "الناسخ والمنسوخ" لهبة الله بن سلامة ص ٦٧، "الناسخ والمنسوخ" لابن حزم ص ٤٦، "ناسخ القرآن العزيز ومنسوخه" لابن البارزي ص ٤٢.
وهي على قول هؤلاء منسوخة بآية الأمر بالقتال، والصواب أنَّها محكمة غير منسوخة، ولا تعارض بينها وبين آيات الأمر بالقتال، ولذا نقل ابن الجوزي في "ناسخ القرآن ومنسوخه" ص ٤٦٧ عن بعض المحققين من العلماء أنَّه قال: لا حاجة بنا إلى القول بالنسخ، لأن المداراة محمودة ما لم تضر بالدين، ولم تؤد إلى إبطال حق وإثبات باطل. اهـ.
وقال ابن كثير ٣/ ٢٥٤: قال تعالى مرشدًا له -يعني للنبي -صلى الله عليه وسلم- إلى الترياق النافع في مخالطة الناس وهو الإحسان إلى من يُسيء إليه ليستجلب خاطره فتعود عداوته صداقة وبغضه محبة.. وهذا كما قال: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾ [فصلت: ٣٤].
وانظر: "البحر المحيط" ٦/ ٤٢٢، "أضواء البيان" ٥/ ٨١٨.
(٥) ذكر الماوردي في "النكت والعيون" ٤/ ٦٦ هذا المعنى باخصار. وقال: حكاه ابن عيسى.
ولا أدري هل كان يسلم على المشركين أم لا؟ فإنَّه -صلى الله عليه وسلم- نهانا أن نبدأهم بالسلام (٢).
قوله: ﴿نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ﴾ قال ابن عباس: يريد بما يقولون من الشرك (٣). وقال مقاتل: بما يقولون من الكذب (٤).
ومعنى ﴿نَحْنُ أَعْلَمُ﴾ إنَّا (٥) نجازيهم بما يستحقون (٦) من الجزاء في الوقت الذي يصلح للأخذ بالعقوبة.
أي (٧): فليس يخفى علينا ما يقولون، ولسنا نغفل عن مجازاتهم.
(٢) روى البخاري في الاستئذان -باب التسليم في مجلس فيه أخلاط من المسلمين والمشركين ١١/ ٣٨، ومسلم في الجهاد- باب في دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- وصبره على المنافقين ٣/ ١٤٢٢ - ١٤٢٣، من حديث أسامة -رضي الله عنه-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- مر بمجلس فيه أخلاطٌ من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان واليهود... فسلم عليهم النبي -صلى الله عليه وسلم-" الحديث وروى مسلم في السلام - باب في السلام على أهل الذمة ١٤/ ١١١، والترمذي في السير- باب ما جاء في التسليم على أهل الكتاب ٥/ ٢٢٧، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال "لا تبدؤا اليهود والنَّصّارى بالسلام" الحديث.
(٣) ذكر ابن الجوزي ٥/ ٤٨٩، والقرطبي ١٢/ ١٤٧ هذا القول ولم ينسبه لأحد.
(٤) "تفسير مقاتل" ٢/ ٣٣ أ.
(٥) في (ع): (بما). والمثبت من باقي النسخ والوسيط.
(٦) في (ظ)، (ع): (بما يستحقون به).
(٧) (أي): ساقطة من (أ).
٩٧ - ﴿وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ﴾ أي اطلب الاعتصام بك ﴿مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ﴾ الهمزات جمع همزة كقوله: تمرات (١) وتمرة. ومعنى الهمز في اللغة: الدفع (٢).
روى أبو عبيد عن الكسائي: همزته ولمزته ولهزته (٣) ونهرته إذا دفعته (٤).
وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "اللهمَّ إني أعوذ بك من هَمزْ الشيطان ونَفثه ونفخه" فقيل: كما رسول الله ما همزه ونفثه ونفخه؟ قال: "أما همزه فالموتة، وأما نفثه فالشِّعْرُ، وأما نفخه فالكبر" (٥).
(٢) انظر: "لسان العرب" ٥/ ٤٢٦ (همز)، "القاموس المحيط" ٢/ ١٩٦.
(٣) (ولهزته): ساقطة من (أ).
(٤) "تهذيب اللغة" للأزهري ٦/ ١٦٤ (همز) من رواية أبي عبيد عن الكسائي.
(٥) ذكره بهذا اللفظ أبو عبيد في "غريب الحديث" ٣/ ٧٧ ولم يذكر له إسنادًا، وكذا ذكره الأزهري في "تهذيب اللغة" ٦/ ١٦٥.
وقد رواه الإمام أحمد في "مسنده" ١/ ٤٠٣، وابن ماجه في "سننه" (أبواب إقامة الصلاة- باب الاستعاذة في الصلاة ١/ ١٤٥، وابن خزيمة في "صحيحه" ١/ ٢٤٠، وأبو يعلى الموصلي في مسنده ٩/ ٢٥٨، والحاكم في "مستدركه" ١/ ٢٠٧، من حديث عبد الله بن مسعود، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يتعوذ من الشيطان من همزه ونفثه ونفخه، قال: وهمزه: المُوتة، ونفثه: الشعر، ونفخه: الكبر.
وهذا الحديث ضعف إسناده البوصيري في "مصباح الزجاجة" ١/ ٢٨٥.
وحسَّن إسناده الحلامة أحمد شاكر في تعليقه على "المسند" ٥/ ٣١٨.
وله شاهدان مرسلان يتقوى بهما:
أولهما: ما رواه أحمد في "مسنده" ٥/ ١٥٦ من حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن=
وعلى هذا معنى (٤) ﴿هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ﴾ دفعهم بالإغواء إلى المعاصي. وهو معنى قول ابن عباس والحسن: نزغات الشياطين ووساوسهم (٥).
وذلك أنّه إنما يدفع الناس إلى (٦) المعاصي بما يوسوس إليهم من التسويل والتَّمنية (٧).
والثاني: ما رواه عبد الرزاق في مصنفه ٢/ ٨٤ عن الحسن: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقول: اللهم إني أعوذ بك من الشيطان من همزه ونفثه ونفخه، فقالوا: ما أكثر ما نستعيذ من هذا! لمن هذا؟ قال: أمّا همزه فهو المجنون، وأما نفخه فالكبر، وأما نفثه فالشعر. وبمرسل أبي سلمة صحّحه الألباني في "صحيح ابن ماجه" ١/ ١٣٥.
وانظر: "إرواء الغليل" للألباني ٢/ ٥٣ - ٥٧.
والموتة: بضم الميم وفتح التاء بدون همز.
(١) في جميع النسخ: (أبو عبيدة)، وهو خطأ، والمثبت هو الصواب.
(٢) في (ظ): (رفعته)، وهو خطأ.
(٣) "تهذيب اللغة" للأزهري ٦/ ١٦٥ (همز) نقلاً عن أبي عبيد. وكلام أبي عبيد في كتابه "غريب الحديث" ٣/ ٧٨.
(٤) (معنى): ساقطة من (ع).
(٥) ذكره عنهما الثَّعلبي في "الكشف والبيان" ٣/ ٦٤ أ.
(٦) (إلى): ساقطة من (ظ).
(٧) كما قال تعالى: ﴿يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا﴾ [النساء: ١٢٠].
قال المبرد: والهمز في كلام العرب: إنما هو أن (٥) يهمز الرجل بقول قبح من حيث لا يسمع، وسميت مكايدة (٦) الشيطان همزًا؛ لأن مكايدته خفيّة بالنزغة والوسوسة (٧).
ومن هذا قول مجاهد في تفسير الهمزات: نفخهم ونفثهم (٨).
وذلك أن الشطان ينفخ في الإنسان عند الغضب وغيره، وينفث فيه من حيث لا يشعر به.
وقد يكون الهمز في اللغة بمعنى: العصر. يقال: همزت رأسه،
(٢) في (١): (خلف)، وفي (ع): (خلقه).
(٣) في (أ): (إلي).
(٤) قوله: (الذي يهمز.. خلفه). في "تهذيب اللغة" للأزهري ٦/ ١٦٤ - ١٦٥ (همز) منسوبًا إلى الليث.
(٥) في (ع): (لمن).
(٦) في (ظ): (مكايد).
(٧) لم أجده.
(٨) ذكره عنه الثعلبي في "الكشف والبيان" ٣/ ٦٤ أ.
قال الإمام ابن القيم في "إغاثة اللهفان" ١/ ١٥٥: وظاهر الحديث -يعني استعاذة النبي -صلى الله عليه وسلم- من همز الشيطان ونفخه ونفثه- أن الهمز نوع غير النفخ والنفث، وقد يقال -وهو الأظهر- إن همزات الشياطين إذا أفردت دخل فيها جميع إصاباتهم لابن آدم وإذا قرنت بالنفخ والنفث كانت نوعًا خاصا، كنظائر ذلك.
ومن همزنا رأسه تهشَّما (١)
وهذا معنى قول ابن زيد في هذه الآية ﴿مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ﴾ قال: خنقهم الناس (٢).
ومعنى قول (٣) أبي إسحاق في تفسير الهمزات أنها مس الشيطان (٤).
وذكرنا معنى مسّ الشيطان عند قوله: ﴿الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ﴾ [البقرة: ٢٧٥].
٩٨ - قوله تعالى: ﴿وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ﴾ قال ابن زيد: يحضروني (٥) في أموري (٦) (٧). وقال الكلبي: عند تلاوة القرآن (٨).
وقال عكرمة: عند النزع والسياق (٩).
وهذا الشطر من الرجز لم ينسبه الأزهري. وهو لرؤبة في "ديوانه" (١٨٤٣)، "التنبيه والإيضاح" لا بن بزي ٢/ ٢٥٣، "اللسان" ٥/ ٤٢٥ (همز)، "تاج العروس" للزبيدي ١٥/ ٣٨٨ (همز).
(٢) ذكره عنه الثعلبي ٣/ ٦٣ أ. ورواه الطبري ١٨/ ٥١.
(٣) في (ع): (تفسير).
(٤) "معاني القرآن" للزجَّاج ٤/ ٢١.
(٥) (يحضروني): ساقطة من (أ).
(٦) في (ع): (أمري).
(٧) رواه الطبري ١٨/ ٥١، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١١٤ وعزاه لابن جرير وابن أبي حاتم.
(٨) ذكره عنه ابن القيم في "إغاثة اللهفان" ١/ ١٥٥. وذكر الزمخشري ٣/ ٤٢ هذا القول ونسبه لابن عباس.
(٩) ذكره عنه الزمخشري ٣/ ٤٢، وابن القيم في "إغاثة اللهفان" ١/ ١٥٥.
والصحيح أن يقال: المعنى: وأعوذ بك ربِّ (٥) أن يحضرون بسوء، بحذف ذكر السوء اختصارًا على أنه مفهوم المعنى، وذلك قولهم اللبن محتضر (٦) فغط إناك، يعنون: تحتضره الدابة وغير ذلك من أهل الأرض (٧)، والكُنُف تحتضره الشياطين والجن، وقوله: ﴿كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ﴾ باحتضار صاحبه.
وهذا معنى ما ذكره صاحب النظم من قوله: أن يصيبوني بسوء؛ لأنهم إذا حضروه بسوء أصابوه به (٨). وحذف ذكر السوء؛ لأن الشيطان لا يحضر
(٢) في (أ): (وكذا).
(٣) الحُشُوش: جمع: حُش -بضم الحاء وفتحها- وهو المخرج والمتوضأ. "لسان العرب" ٩/ ٢٨٦ (حشش).
والكنف: جمع كَنِيف وهو المرحاض. "القاموس المحيط" ٣/ ١٩٢.
(٤) (الناس): ساقطة من (ظ). والعبارة في (ظ): (أي يصاب منه أي يصاب فيها).
(٥) (ربِّ) ليست في (أ).
(٦) (محتضر): ساقطة من (ع).
(٧) قولى: (قولهم اللبن محتضر... إلى هنا). هذا كلام الأصمعي كما في "تهذيب اللغة" للأزهري ٤/ ٢٠١ (حضر).
(٨) (به): ساقطة من (أ).
٩٩ - ثم أعلم -تعالى ذكره- أن هؤلاء الذين ذكروا قبل هذا الموضع ودفعوا البعث يسألون المرجع إلى الدنيا عند معاينة الموت فقال: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ﴾ قال مقاتل: يعني (٣) الكفار (٤).
﴿الْمَوْتُ﴾ قال الكلبي ومقاتل (٥): يعني ملك الموت.
وقال غيرهما: يعني (٦) أسباب الموت ومقدماته كقوله: ﴿وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ﴾ (٧) [إبراهيم: ١٧]. وقد مرّ.
﴿قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ﴾ قال ابن عباس والمفسرون: يريد إلى الدنيا (٨).
قال الفراء، والزجاج، وجميع أصحاب العربية: قوله: ﴿ارْجِعُونِ﴾ وهو يريد الله -عز وجل- وحده (٩)، فجاء الخطاب في المسألة على لفظ الإخبار، لأن الله -عز وجل- قال: ﴿إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ﴾ [ق: ٤٣] وهو وحده يحيي، وهذا لفظ تعرفه العرب للجليل الشأن يخبر عن نفسه بما يخبر به (١٠) الجماعة، فكذلك جاء الخطاب في ﴿ارْجِعُونِ﴾ (١١).
(٢) في جميع النسخ: (فإذا). وما أثبتناه هو الصواب.
(٣) (يعني): لست في (أ).
(٤) "تفسير مقاتل" ٢/ ٣٣ أ.
(٥) "تفسير مقاتل" ٢/ ٣٣ أ.
(٦) (يعني): ساقطة من (أ).
(٧) في (ظ): (فيأتيه).
(٨) انظر: "الطبري" ١٨/ ٥٢.
(٩) في (أ). (الله وحده -عز وجل-).
(١٠) في (ع): (عن الجماعة).
(١١) هذا كلاء الزجاج بنصِّه في "معاني القرآن" ٤/ ٢١ - ٢٢. وانظر: "معاني القرآن" =
واختار المبرد هذا الوجه فقال: ﴿ارْجِعُونِ﴾ خطاب للملائكة بعد أن قال: رب، مستغيثا. ومثل هذا يكثر (٤) في الكلام عن العرب أن يخاطبوا أحدًا ثم يصرف المخاطبة إلى غيره، لأنَّ المعنى مشتمل على ذلك. وأنشد
وقد جَوَّد هذا الوجه السمين الحلبي ٨/ ٣٦٦، واستظهره الشنقيطي في "تفسيره" ٥/ ٨٢١.
(١) في (أ): (استعانوا)، ومهملة في (ظ).
(٢) في (ظ): (المرجع).
(٣) ذكره القرطبي ١٢/ ١٤٩ وأبو حيان ٦/ ٤٢١ عن ابن جريج. وذكر البغوي ٥/ ٤٢٨ هذا القول وصدَّره بقيل.
وفي نسبة هذا القول إلى ابن جريج نظر؛ والأظهر أن هذا قول الطبري، وبيان ذلك: أنَّ الطبري روى في "تفسيره" ١٨/ ٥٢ عن ابن جريج قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لعائشة: "إذا عاين المؤمن الملائكة قالوا: نرجعك إلى الدنيا؟ فيقول: إلى دار الهموم والأحزان! فيقول: بل قدَّماني إلى الله. وأما الكافر فيقال: نرجعك؟ فيقول: لعلّي أعمل صالحا فيما تركت... " الآية.
ثم قال الطبري بعد ذلك: وقيل "ربِّ ارجعون" فابتدأ الكلام بخطاب الله تعالى، ثم قيل "ارجعون" فصار إلى خطاب الجماعة، والله تعالى ذكره واحد.
وإنما فعل ذلك كذلك؛ لأن مسألة القوم الرّد إلى الدنيا إنّما كانت منهم للملائكة الذين يقبضون روحهم كما ذكر ابن جريج أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قاله. وإنما ابتدئ الكلام بخطاب الله جل ثناؤه لأنَّهم استغاثوا به ثم رجعوا إلى مسألة الملائكة الرجوع والرد إلى الدنيا. اهـ.
فظاهر العبارة أن قائل "وإنما ابتدىء... الدنيا" هو الطبري. والله أعلم.
(٤) في (ظ): (كثر).
يا دارُ غَيَّرها البلى تغييرا (٢) | وسفت (٣) عليها الريح بعدك مورا (٤) |
قال: وذلك قول (٦) النابغة (٧):
(٢) في (ظ): (تغيَّرا).
(٣) في (أ): (وسقت)، وفي (ظ) مهملة.
(٤) البيت في "ديوان الأحْوص" ص ١٣٠، "الكتاب" ٢/ ٢٠١، "تحصيل عين الذهب" للشنتمري ١/ ٣١٢ وعندهم: "حسَّرها البلى تحسيرا" عوضًا من "غيرها البلى تغييرًا".
ونسبه الأصبهاني في "الأغاني" ٣/ ٣٣٦، والسيرافي في "شرح أبيات سيبويه" ١/ ٥٢٣ للحارث بن خالد المخزومي. وروايتهما مثل رواية الديوان إلا أنَّه وقع في الأغاني: "بورا" عوضًا من "مورا".
والبيت بمثل رواية الواحدي في "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٣٧٦ من غير نسبة.
قال الشنتمري ١/ ٣١٢: البلى: القدم، ومعنى "سفت": طيرت، والمور: ما تطيره الريح من التراب.
(٥) انظر: "شرح أبيات سيبويه" للسيرافي ١/ ٥٢٣.
(٦) (قول): ساقطة من (أ).
(٧) بيت النابغة هذا أول أبيات قصيدته المشهورة التي يعذر فيها للنعمان بن المنذر من وشاية بلغته عنه، ويمدحه فيها.
وهو في "ديوانه" ص ١٤، "شرح القصائد التسع" للنَّحَّاس ٢/ ٧٣٣، "شرح القصائد العشر" للتبريزي ص ٥١٢.
قال أبو جعفر النحاس في شرحه ٢/ ٧٣٣: قوله: "يا دار ميَّة" داء مضاف، و"ميَّه" معرفة، فذلك لم يصرفها. قال الأصمعي: "العلياء": مرتفع من الأرض.
و"السَّند": سند الوادي في الجبل، وهو ارتفاعه حيث يُسند فيه، أي يُصعد.
و"أقوت" خلت من أهلها.. السالف: الماضي.. و"الأبد": الدَّهْر. اهـ.
يا دار ميَّة بالعلياء فالسند (١) | أقوت (٢) وطال عليها سالف الأبد |
١٠٠ - قوله تعالى: ﴿لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا﴾ قال ابن عباس: يريد أشهد أن لا إله إلا الله (٣). وقال مقاتل: يعني الإيمان (٤).
وقال قتادة: إما والله ما تمنى أن يرجع إلى أهل ولا عشيرة، ولكنه تمنى أن يرجع فيعمل بطاعة الله، فانظروا أمنية الكافر فاعملوا فيها (٥).
قوله تعالى: ﴿فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا﴾ قال ابن عباس: فيما مضى من عمري (٦).
وقال الكلبي: فيما كذّبت. وقال غيره: فيما ضيعت (٧).
قال الله تعالى ﴿كَلَّا﴾ قال ابن عباس: يقول لا ترجع إلى الدنيا ﴿إِنَّهَا﴾ إن مسألته الرجعة ﴿إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا﴾ يريد لابد أن يقولها عند الموت حين (٨) يعاين عذاب الله (٩). ونحو هذا ابن زيد (١٠).
(٢) في (أ)، (ظ): (أموت).
(٣) رواه البيهقي في "الأسماء والصفات" ص ١٠٨، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١١٥ وعزاه للبيهقي.
(٤) "تفسير مقاتل" ٢/ ٣٣ أ.
(٥) ذكره عنه البغوي ٥/ ٤٢٨، وابن كثير ٣/ ٢٥٥.
(٦) ذكره عنه ابن الجوزي ٥/ ٤٩٠.
(٧) هذا قول الطبري في "تفسيره" ١٨/ ٥٢، والثعلبي ٣/ ٦٤ ب.
(٨) (حين): ساقطة من (ع).
(٩) ذكر ابن الجوزي ٥/ ٤٩٠ هذا القول إلى قوله: الرجعة. ولم ينسبه لأحد.
(١٠) روى الطبري ١٨/ ٥٣ عنه قال: لابد أن يقولها.
وقوله: ﴿وَمِنْ وَرَائِهِمْ﴾ قال أبو عبيدة: ومن أمامهم (٤).
وهذا مما يجوز أن يكون المراد به: ومن بين أيديهم، كما قال أبو عبيدة، ويجوز أن يكون المراد به (٥): ومن خلفهم، كما ذكرنا في قوله: ﴿مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ﴾ (٦) [إبراهيم: ١٦]. وقد مرّ.
قوله تعالى: ﴿بَرْزَخٌ﴾ معنى البرزخ في اللغة: الحاجز بين الشيئين كيفما (٧) كان من عين أو معنى، نحو المسافة والجدار والأيام والعداوة وغير ذلك (٨).
وهذا معنى قول الفراء، قال: البرزخ والحاجز والمهلة (٩) متقاربات في المعنى وذلك أنك تقول: بينهما حاجز أن يتزاورا، فتنوي بالحاجز (١٠)
(٢) في (ع): (هو يقوله).
(٣) ما بين المعقوفين ساقط من (ع).
(٤) "مجاز القرآن" لأبي عبيدة ٢/ ٦٢.
(٥) (به): ساقطة من (أ).
(٦) في (أ)، (ظ): (ورائهم)، وهو خطأ.
(٧) في (ظ): (كيف).
(٨) انظر: (برزخ) في "تهذيب اللغة" ٧/ ٦٧١، "الصحاح" ١/ ٤١٩، "اللسان" ٣/ ٨.
(٩) في (ظ): (وأنهله).
(١٠) في (ع): (بالحاجة)، وهو خطأ.
ومنه حديث علي -رضي الله عنه- أنه صلى بقوم فأسْوى (٣) برزخا (٤). أي أسقط، وأراد بالبرزخ ما بين الموضع الذي [أسقط منه إلى الموضع الذي] (٥) انتهى إليه. قاله أبو عبيد (٦) (٧).
وبرازخ الإيمان ما بين اليقين والشك. والبرزخ: ما بين كل شيئين. ومنه قيل للميت: هو في البرزخ؛ لأنّه بين الدنيا والآخرة (٨).
وقال أبو إسحاق: البرزخ في اللغة: الحاجز، وهو هاهنا ما بين موت الميت وبعثه (٩).
(٢) كلام الفراء بنصَّه في "تهذيب اللغة" للأزهري ٧/ ٦٧١ (برزخ). وهو في "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٤٢ مع اختلاف يسير.
(٣) في (أ)، (ع): (بما سوى). وفي (ظ): (فاستوى).
(٤) ذكره بهذا اللفظ الأزهري في "تهذيب اللغة" ٧/ ٦٧١. وذكره أبو عبيد في غريب الحديث ٣/ ٤٤٨ بهذا اللفظ، ثم رواه من حديث أبي عبد الرحمن السلمي قال: ما رأيت أحدًا أقرأ من علي، صلينا خلفه فقرأ برزخًا فأسقط حرفًا فرجع فقرأه ثم عاد إلى مكانه.
(٥) ما بين المعقوفين ساقط من (ظ).
(٦) في جميع النسخ: (أبو عبيدة)، وهو خطأ.
(٧) كلام أبي عبيد في "تهذيب اللغة" للأزهري ٧/ ٦٧١ (برزخ). وهو في كتاب "غريب الحديث" لأبي عبيد ٤٤٩/ ٣.
(٨) من قوله: (وبرازخ إلى... إلى هنا) في "تهذيب اللغة" للأزهري ٧/ ٦٧١ منسوبًا إلى أبي عبيد. وهو في "غريب الحديث" لأبي عبيد ٣/ ٤٤٨ - ٤٤٩.
(٩) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٥٢.
وروي عن ابن عباس: ([بَرْزَخٌ]: حجاب (٣).
وقال السدي ومقاتل: أجل (٤). وقال مجاهد: حجاب بينهم وبين (٥) الرجوع إلى الدنيا وهم فيه إلى يوم يبعثون (٦).
وقال قتادة: بقية الدنيا (٧).
يعني (٨) أنهم يكونون في البرزخ إلى أنْ تفنى الدنيا فيبعثوا.
والكناية (٩) في قوله: ﴿وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ﴾ كالكناية في قوله: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ﴾.
وقوله: ﴿إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ قال أبو إسحاق: ﴿يَوْمِ﴾ مضاف إلى (يُبْعَثُونَ) لأن أسماء الزمان تضاف إلى الأفعال (١٠).
١٠١ - ﴿فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ﴾ قال ابن عباس- فيما روى عنه سعيد بن
(٢) ذكره عنهما بهذا اللفظ الثعلبي ٣/ ٦٤ ب. ورواه عنهما الطبري ١٨/ ٥٣ بنحوه.
(٣) ذكره عنه الثعلبي ٣/ ٦٤ ب.
(٤) ذكره الثعلبي ٣/ ٦٤ ب عن السدي. وهو في "تفسير مقاتل" ٢/ ٣٣ أ.
(٥) في (أ): (وعن).
(٦) ذكره عنه الثعلبي ٣/ ٦٤ ب. ورواه هنّاد بن السري في "الزهد" ١/ ١٩٥، والطبري ١٨/ ٥٣، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١١٥ ونسبه أيضًا لابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وأبي نعيم في الحلية.
(٧) ذكره الثعلبي ٣/ ٦٤ ب، ورواه عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٤٨، والطبري ١٨/ ٥٣، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١١٥ ونسبه أيضًا لحبد بن حميد.
(٨) (يعني): ساقطة من (ع).
(٩) في (ع): (فالكناية).
(١٠) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٢٢.
قوله: ﴿فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ﴾ أي لا يتناسبون (٣) في ذلك الوقت ليعرف (٤) بعضهم بعضًا لاشتغال كل أحد بنفسه عن غيره، ولا يسأل بعضهم بعضًا عن حاله أو لا يتعاطفون بالإنساب (٥).
وقال -في رواية عطاء-: هي (٦) النفخة الثانية ﴿فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ﴾ قال: يريد لا تفاخر بينهم كما كانوا يتفاخرون في الدنيا ﴿وَلَا يَتَسَاءَلُونَ﴾ كما تسأل العرب في الدنيا من أي قبيلة أنت؟ (٧).
(٢) رواه الثعلبي ٣/ ٦٤ ب بإسناده من طريق سعيد بن جبير، عن ابن عباس، به، إلا أن فيه "ونفخ" كالآية.
ورواه البخاري في "صحيحه" (كتاب التفسير- سورة حم السجدة ٨/ ٥٥٥ - ٥٥٦) عن سعيد قال: قال رجلٌ لابن عباس: إني أجد في القرآن أشياء تختلف علي قال: "فلا أنساب بينهم"... الحديث مطولاً، وفيه قال ابن عباس:
في النفخة الأولى، ثم ينفخ في الصور | ورواه الطبري ١٨/ ٥٤ عن سعيد عن ابن عباس بنحوه. |
(٤) في (أ): (لنعرض).
(٥) ذكر الطوسي في "التبيان" ٧/ ٣٤٩ هذا المعنى وصدَّره بقوله: وقيل وذكر عن الحسن أنه قال: معناه: لا أنساب بينهم يتعاطفون بها.
(٦) في (أ): (في).
(٧) ذكره عنه البغوي ٥/ ٤٢٩ من رواية عطاء.
وذكر ابن الجوزي ٥/ ٤٩٠ عنه أوله من رواية عطاء.
وذكر الثعلبي ٣/ ٦٤ ب عنه قوله: يريد فلا تفاخر بينهم كما كانوا يتفاخرون في الدنيا. ولم يذكر من رواه عنه.
قال ابن مسعود: الخلق يومئذ أشد تعلقًا بعضهم ببعض منهم في الدنيا، الأب بابنه والابن بأبيه والأخ بأخته والأخت بأخيها والزوج بامرأته والمرأة بزوجها. وتلا هذه الآية (٢).
ولابد من تقدير محذوف في الآية على تأويل: فلا أنساب يومئذٍ يتفاخرون بها ويتعاطفون بها؛ لأن الأنساب لا تنقطع يومئذ إنما يرتفع التواصل والتعاطف والتفاخر بها والتَّساؤل.
وهذه الآية لا تنافي قوله: ﴿وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ﴾ [الصافات: ٢٧] لأن للقيامة أحوالًا، ومواطن، منها ما يشغلهم عظم الأمر الذي ورد عليهم عن المسألة، ومنها حال يفيقون فيها فيتساءلون.
وهذا معنى قول ابن عباس -في رواية المنهال بن عمرو- لما سئُل عن
(٢) لم أجده بهذا اللفظ.
وقد رواه الطبري في "تفسيره" ٨/ ٣٦٢ - ٣٦٥ (شاكر) مطولاً، ١٨/ ٥٤ مختصرًا)، وابن أبي حاتم في "تفسيره" (كما في تفسير ابن كثير ٢/ ٤٩٧)، والثعلبي في "تفسيره" ٣/ ٦٤ ب - ٦٥ أ، وأبو نعيم في "الحلية" ٤/ ٢٠٢، كلهم من طريق زاذان عن ابن مسعود -رضي الله عنه-، ولفظه: فتفرح المرأة أن يكون لها الحق على أبيها أو ابنها أو على أخيها أو على زوجها، ثم قرأ ابن مسعود: "فلا أنساب بينهم يومئذٍ ولا يتساءلون".
وقد صحح العلامة أحمد شاكر إسناد ابن أبي حاتم كما في "تعليقه على الطبري" ٨/ ٣٦٤.
وأجاب في رواية سعيد بن جبير يحمل آية التساؤل على أن ذلك في الجنة فقال: إنهم لما دخلوا الجنة أقبل بعضهم على بعض يتساءلون (٣).
قال أبو علي: لا يجوز أن يكون "إذا" نصبا بـ"نُفِخَ" ولا بقوله: ﴿فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ﴾ لأن ما بعد "لا" لا يعمل فيما قبلها، فإذا لم يجز نصبه على هذين انتصب بفعل مضمر يُفسره ويدل عليه قوله: ﴿فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ﴾، على تقدير: تنقطع الأنساب إذا نفخ في الصور، أو لا تنفع الأنساب وما أشبه ذلك. وشرح هذه المسألة أن يذكر عند قوله: ﴿إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ﴾ [سبأ: ٧] الآية.
(٢) لم أجده بهذا اللفظ، وقد روى البخاري في "صحيحه" (كتاب التفسير- سورة حم، السجدة ٨/ ٥٥٥ - ٥٥٦)، والطبري في الكبير ١٠/ ٣٠١ - ٣٠٢ من طريق المنهال بن عمرو عن سعيد قال: قال رجل لابن عباس: إني أجد في القرآن أشياء تختلف عليّ، قال: ﴿فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ﴾، ﴿وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ﴾... فقال ابن عباس: ﴿فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ﴾ في النفخة الأولى، ثم ينفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله فلا أنساب بينهم عند ذلك ولا يتساءلون، ثم في النفخة الآخرة أقبل بعضهم على بعض يتساءلون.
وروى سعيد بن منصور في "تفسيره" (ل ١٥٧ أ) من طريق أبي إسحاق الأشجعي عن ابن عباس أنه سُئل عن الآيتين فقال: إنها مواقف، فأما الموقف الذي لا أنساب بينهم ولا يتساءلون عند الصعقة الأولى لا أنساب بينهم فيها إذا صعقوا، فإذا كانت النفخة الآخرة فإذا هم قيام يتساءلون.
ورواه الطبري ١٨/ ٥٤ من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: بمعناه.
(٣) رواه الطبري ١٨/ ٥٤، والحاكم في "مستدركه" ٢/ ٣٩٥ من رواية المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، به.
١٠٤ - قوله تعالى. ﴿تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ﴾ معنى اللفح: الإحراق. يقال: لفحته (٣) النار والسموم، إذا أحرقته (٤).
وقال الزجاج: تلفح وتنفح بمعنى واحد، إلا أن اللفح أنهم تأثيرًا (٥) من النفح (٦).
قوله تعالى: ﴿وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ﴾ الكلوح: بدو الأسنان (٧) عند العبوس.
يقال: كلح كلوحًا، وأكلحه (٨) كذا (٩). ويقال: دَهْرٌ كالح وبردٌ كالح. إذا كان شديدًا (١٠) (١١).
(٢) انظر: "البسيط" [الأعراف: ٨ - ٩].
(٣) في (أ): (ألفمه).
(٤) انظر: "لفح" في "تهذيب اللغة" ٥/ ٧٣، "الصحاح" ١/ ٤٠١، "لسان العرب" ٢/ ٥٧٨.
(٥) في (أ): (تأخيرًا)، وهو خطأ.
(٦) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٢٣. وانظر: "تهذيب اللغة" للأزهري ٥/ ٧٣.
(٧) في (أ): (الإنسان).
(٨) في (أ)، (ع): (وكلمه). وفي (ظ): (إذا كلمه). والتصويب من "تهذيب اللغة" للأزهري ٤/ ١٠٢.
(٩) "تهذيب اللغة" للأزهري ٤/ ١٠٢ (كلح) منسوبًا إلى الليث.
(١٠) في (ظ)، (ع): (شديد)، وهو خطأ.
(١١) هذا قول الأزهري في "تهذيب اللغة" ٤/ ١٠٢ (كلح) دون قول: وبرد كالح.
وانظر: "الصحاح" للجوهري ١/ ٣٩٩ (كلح)، "المحكم" لابن سيده ٣/ ٣١ (كلح)، "لسان العرب" ٢/ ٥٧٤ (كلح).
قال ابن مسعود -في هذه الآية-: ألم تر إلى الرأس المشيَّط (٣) بالنار، وقد (٤) بدت أسنانه وقلصت (٥) شفتاه (٦).
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٢٣.
(٣) المشيط: يقال: شيطت رأس الغنم... إذا أحرقت صوفه. "الصحاح" للجوهري ٣/ ١١٣٩ (شيط).
(٤) في (ظ): (قد).
(٥) قلصت: أي انزوت. "لسان العرب" ٧/ ٧٩ (قلص).
(٦) رواه سفيان في "تفسيره" ص ٢١٨، وابن المبارك في "الزهد" (زوائد الزهد لأبي نعيم ص ٨٤)، وعبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٤٨ - ٤٩، وهناد في "الزهد" ١/ ١٩٠، والطبري ١٨/ ٥٩ من طريق أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله بمثله.
ورواه من هذا الوجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" ١٣/ ١٧٤ - ١٧٥، والحاكم في "مستدركه" ٢/ ٣٩٥، والبيهقي في "البعث والنشور" ص ٢٧٦ بنحوه مختصرًا.
وفي إسناده عند هؤلاء أبو إسحاق السبيعي قال ابن حجر في "التقريب" ٢/ ٧٣ ثقة عابد، من الثالثة، اختلط بآخرة.
لكن الرواي عنه هو سفيان الثوري وهو من قدماء أصحابه الذين سمعوا منه قبل الاختلاط انظر: "هدى الساري" لابن حجر ص ٤٣٠. قال ابن الكيال في كتابه "الكواكب النيرات في معرفة ص اختلط من الروا"الثقات" ص ٣٥١: (وقد أخرج الشيخان في الصحيحين لجماعة من روايهم عن أبي إسحاق، وهم... وسفيان الثوري. اهـ.
ولهذا قال الحاكم ٢/ ٣٩٥: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه. =
وقد رواه الطبراني في "المعجم" ٩/ ٢٦١ من طريق شعبة، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عبد الله بنحوه.
قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" ٧/ ٧٣: ورجاله ثقات إلا أن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه. اهـ. لكن يعضده ما تقدم. والله أعلم.
(١) في (أ): (فتلصق).
(٢) رواه ابن المبارك في "مسنده" ص ٧٦، و"زوائد الزهد" لأبي نعيم ص ٨٤، والإمام أحمد في "مسنده" ٣/ ٨٨، والترمذي في "جامعه" (كتاب التفسير- ومن سورة المؤمنين ٩/ ٢٠)، وأبو يعلى في "مسنده" ٢/ ٥١٦، والحاكم في "مستدركه" ٢/ ٢٤٦، ٣٩٥، والبيهقي في "البعث والنشور" ص ٢٧٥، والثعلبي في "الكشف والبيان" ٣/ ٦٥ أ، والواحدي في "الوسيط" ٣/ ٢٩٨، وأبو نعيم في "الحلية" ٨/ ١٨٢ كلهم من طريق أبي السمح -درَّاج بن سمعان- عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد الخدري، به.
وقد اختلف العلماء في هذا الطريق:
فقال الإمام أحمد: أحاديث درَّاج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد فيها ضعف.
وقال أبو داود عن درَّاج: أحاديثه مستقيمة إلا ما كان عن أبي الهيثم عن أبي سعيد.
وقال أبو حاتم: في حديثه ضعف. وضعفه النسائي والدارقطني وغيرهما.
ووثقه ابن معين، وقال -لما سئل عن أحاديث دراج، عن أبي الهيثم عن أبي سعيد-: هذا إسناد صحيح. ووثقه ابن حبان وابن شاهين.
واختار ابن حجر قول أبي داود فقال في "التقريب" ١/ ٢٣٥: صدوق، في حديثه عن أبي الهيثم ضعف.
انظر: "الكامل في ضعفاء الرجال" لابن عدي ٣/ ٩٧٩، "تهذيب التهذيب" لابن حجر ٣/ ٢٠٨ - ٢٠٩، "مستدرك الحاكم" ٢/ ٢٤٦.
وعلى هذا فإسناد هذا الحديث ضعيف، وقد ضعَّف إسناده الألباني في تخريج أحاديث المشكاة ٣/ ١٥٨٢.
﴿تُتْلَى عَلَيْكُمْ﴾ قال ابن عباس: يريد: ألم تخوفوا بها (٢).
﴿فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ﴾ فكنتم في الدنيا تكذبون القرآن ومحمدًا -عليه السلام- بالنار وعذابها.
١٠٦ - ﴿قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا﴾ وتقرأ "شقاوتنا" (٣) ومعناها واحد، وهما مصدران. فالشقاوة (٤) كالسعادة، والشقوة كالردة والفطنة (٥).
قال الكلبي: غلبت علينا شقاوتنا في الدنيا فلم نهتد (٦).
وقال القرظي (٧)، ومجاهد (٨)، ومقاتل (٩): غلبت علينا شقاوتنا التي كتبت علينا.
١٠٧ - ﴿رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا﴾ قال الكلبي: من النار (١٠).
(٢) ذكر البغوي ٥/ ٤٣٠ هذا المعنى لوم ينسبه لأحد.
(٣) قرأ حمزة، والكسائي: "شقاوتنا" بالألف مع فتح الشين والقاف. وقرأ الباقون: "شقوتنا" بكسر الشين مع إسكان القاف. "السبعة" ص ٤٤٨، "التبصرة" ص ٢٧١، "التيسير" ص ١٦٠.
(٤) في (ظ). (والشقاوة).
(٥) من قوله: فالشقاوة إلى هنا. هذا كلام أبي علي في الحجة ٥/ ٣٠٢. وانظر: "حجة القراءات" لابن زنجلة ص ٤٩١، "الكشف" لمكي ٢/ ١٣١.
(٦) ذكر البغوي ٥/ ٤٣٠ هذا المعنى ولم ينسبه لأحد.
(٧) رواه الطبري ١٨/ ٥٧ - ٥٨.
(٨) رواه الطبري ١٨/ ٥٧، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ٧/ ١ أ. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١١٨ وعزاه أيضًا لعبد بن حميد.
(٩) "تفسير مقاتل" ٢/ ٣٣ ب.
(١٠) ذكره البغوي ٥/ ٤٣٠، وابن الجوزي ٥/ ٤٩٢ ولم ينسباه لأحد.
﴿فَإِنْ عُدْنَا﴾ إلى الكفر والتكذيب والمعاصي ﴿فَإِنَّا ظَالِمُونَ﴾.
١٠٨ - قوله تعالى: ﴿قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ﴾.
قال عبد الله بن عمرو (٢): إنهم لا يجابون إلا بعد مُضي مثل عُمر الدنيا ثم يجابون بقوله: ﴿اخْسَئُوا فِيهَا﴾ (٣).
وقال مقاتل: يرد عليهم بعد مقدار الدنيا منذ يوم (٤) خلقت إلى أن تفنى سبع مرات (٥).
﴿اخْسَئُوا فِيهَا﴾ قال الكلبي ومقاتل: اصغوا في النار (٦) (٧).
قال المبرد: الخسأ: إبعاد بمكروه (٨).
وقال الزجاج: تباعدوا تباعد سخط. وقال: ابعدوا بعد الكلب (٩).
(٢) في (ع): (عمر)، وهو خطأ.
(٣) رواه ابن أبي شيبة في "مصنّفه" ١٣/ ١٥٢ - ١٥٣، وهنّاد في "الزهد" ١/ ١٥٨، والطبري في "تفسيره" ٢٥/ ٩٩ عند قوله تعالى: ﴿وَنَادَوْا يَا مَالِكُ﴾ [الزخرف: ٧٧]، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ٧/ ١ أ - ب، والبيهقي في "البعث والنشور" ص ٣١٢، والبغوي في "شرح السنَّة" ١٥/ ١٥٤ كلهم من طريق سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أبي أيوب، عن عبد الله بن عمرو.
وفي سنده قتادة وهو ثقة لكنه مدلس، وقد عنعنه.
(٤) (يوم): ساقطة من (ع).
(٥) "تفسير مقاتل" ٢/ ٣٣ ب. وقوله يحتاج إلى دليل. فالله أعلم.
(٦) في (ع): (الدنيا)، وهو خطأ.
(٧) "تفسير مقاتل" ٢/ ٣٣ ب.
(٨) في (أ): (الخساو).
(٩) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٢٤ وليس في المطبوع قوله: أبعدوا بعد الكلب. =
وقوله تعالى: ﴿وَلَا تُكَلِّمُونِ﴾ قال الكلبي: لا تسألون (١) الخروج منها.
وقيل: لا تكلمون في رفع العذاب عنكم (٢).
والمفسرون على أن هذا نهيٌ لهم عن جميع أجناس الكلام (٣).
قال عبد الله بن عمرو: فلم ينبس (٤) القوم بعد ذلك بكلمة، إنْ كان إلا الزَّفير والشهيق (٥).
وقال مقاتل: فلا يتكلم أهل النار بعد هذا غير أن لهم فيها زفيرًا وشهيقا (٦).
وقال قتادة: صوت الكافر في النار مثل صوت الحمار، أوله زفير وآخره شهيق (٧) (٨).
(١) في (ظ): (تسألوني).
(٢) ذكره الثعلبي ٣/ ٦٥ أولم ينسبه لأحد.
(٣) انظر: "الطبري" ١٨/ ٥٩، الثعلبي ٣/ ٦٥ أ، "الدر المنثور" ٦/ ١٢٠.
(٤) في (أ): (ييس)، وفي (ظ)، (ع): (ييس) مهملة. والتصويب من سائر الروايات ومعنى ينبس: ينطق. انظر: "الفائق في غريب الحديث" للزمخشري ٣/ ٤٠٣.
(٥) هذا بقية الأثر السابق، فانظر تخريجه فيما تقدم.
(٦) "تفسير مقاتل" ٢/ ٣٣ ب.
(٧) في (أ): (نهيق)، والمثبت من باقي النسخ وتفسير عبد الرزاق والطبري.
(٨) رواه عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٤٩، والطبري ١٨/ ٦٠.
وقال القرظي: إذا (٢) قيل لهم: ﴿قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ﴾ انقطع عند ذلك رجاؤهم ودعاؤهم، وأقبل بعضهم ينبح في وجه بعض، وأطبقت عليهم (٣).
قوله تعالى: ﴿إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي﴾ الآية. يعني المؤمنين.
وقال ابن عباس: يريد المهاجرين (٤).
١١٠ - ﴿فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا﴾ وقرئ بكسر السين هاهنا وفي سورة "ص". وأجمعوا على الضم في سورة الزخرف (٥).
قال الليث: السُّخْرِيّ والسُّخْرِيَّة مصدران. يقال: سخر منه وبه سُخْرِيَّة وسُخْرِيّا (٦). وزاد أبو زيد: سَخرَا (٧). ومنه قوله:
(٢)) إذا): ساقطة من (أ).
(٣) رواه الطبري ١٨/ ٥٧ - ٥٨.
(٤) ذكره عنه ابن الجوزي ٥/ ٤٩٢.
(٥) قرأ نافع، وحمزة، والكسائي: "سُخريا" بضمّ السين هنا، وفي قوله: ﴿أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ﴾ [ص: ٦٣].
وقرأ الباقون: "سخريا" بكسر السين في السورتين.
وأجمعوا على الضم في قوله: ﴿وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا﴾ [الزخرف: ٣٢].
"السبعة" ص ٤٤٨، "التبصرة" ص ٢٧١، "التيسير" ص ١٦٠.
(٦) "تهذيب اللغة" للأزهري ٧/ ١٦٧ "سخر". وهو في "العين" ٤/ ١٩٦ "سخر" بنحوه.
(٧) انظر: "الحجة" ٥/ ٣٠٣، و"النوادر" ص ٢٨٨.
قال: ويكون نعتًا كقولك: هم لك سخري وسخرية (٢).
قال القراءة الضم أجود (٣).
وقال الزجاج: كلاهما جيد (٤).
وحكى الكسائي اللغتين جميعًا، قال: وسمعت العرب تقول: بَحْرٌ لُجّي ولجي، ودري ودري، وكرسي وكرسي (٥).
وذهب قوم إلى الفرق (٦) بينهما. قال يونس (٧): سُخريا من السُّخْرة مضموم، ومن الهُزء سُخري (٨).
إني أتاني شيء لا أسربه | من علُ لا عجيب فيه ولا سخرُ |
قال البغدادي في "الخزانة" ١/ ١٩١ - ١٩٢: وقوله "لا عجب" أي لا أعجب منها وإن كانت مصيبة عظيمة، لأن مصائب الدنيا كثيرة، "ولا سخر" بالموت، وقيل لا أقول ذلك سخرية، وهو بفتخين وضمتين.
(٢) انظر: "الحجة" ٥/ ٣٠٣، و"النوادر" ص ٢٨٨.
(٣) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٤٣.
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٢٤.
(٥) ذكره عن الكسائي: الفراء في "معاني القرآن" ٢/ ٢٤٣، والنحاس في "إعراب القرآن" ٣/ ١٢٤، وذكره عنه أيضًا الأزهري في "علل القراءات" ٢/ ٤٤٢.
(٦) في (أ): (إلى أن الفرق).
(٧) هو يونس بن حبيب.
(٨) قول يونس في "الحجة" للفارسي ٥/ ٣٠٣، وهو أيضًا في "تهذيب اللغة" للأزهري ٧/ ١٦٨.
وهذا قول الحسن وقتادة، قالا: ما كان من العُبُودة (٢) فهو بالضم، وما كان من الهزء فهو بالكسر (٣).
وذكر الزجاج أن الضم والكسر واحد في معنى الهزء (٤). وقال -من عند نفسه-: الكسر أحسن لاتباع الكسر (٥).
قال أبو علي: القراءة بكسر السين أرجح من قراءة من ضَمّ؛ لأنه من الهزء، والأكثر في الهُزء كسر السين فيما حكوه. ونرى (٦) أنَّه إنّما كان أكثر لأنَّ السَّخّر مصدر سَخِرْتُ. حكاه أبو زيد (٧).
وفَعَلٌ وفعلٌ يكونان بمعنى، نحو: المثل والمثل والشَّبَه والشَّبْه، فكذلك السَّخَر والسّخْر إلا أنَّ المكسورة أُلزمت ياء النسب دون المفتوحة كما اتفقوا في القسم على الفتح في: لعمر (٨) الله، ولم يخرج مع إلحاق ياء
(٢) في (أ): (المعبودة)، وهو خطأ. وفي الحجة: العبودية. قال ابن منظور في "لسان العرب" ٣/ ٢٧٠ (عبد): يقال: فلان بين العُبودة والعبودية.
(٣) قولهما في الحجة للفارسي ٥/ ٣٠٣. وذكره عنهما النحاس في "معاني القرآن" ٤/ ٤٨٨ - ٤٨٩، وابن الجوزي ٥/ ٤٩٣.
(٤) قال الزجاج في "معانيه" ٤/ ٢٤ بعد حكايته قول بعض أهل اللغة أن ما كان من الاستهزاء فهو بالكسر وما كان من جهة التسخير فهو بالضم: وكلاهما عند سيبويه والخليل واحد.
(٥) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٢٤.
(٦) في (أ): (وقرئ): وفي الحجة: وترى.
(٧) لم أجده في "النوادر" لأبي زيد، فعل أبا علي نقله من كتاب آخر لأبي زيد.
(٨) في (أ): (لعمرو).
وقال الأخفش: سخري إذا أردت من سخرتُ به ففيه لغتان: الضم والكسر (٦). والتي يراد بها السُّخْرة فالضم لا غير، ومن ثمَّ اتفقوا على الضم في التي في الزخرف. وقولهم (٧): اتخذت فلانا سُخريّا وسُخْرة السُّخري مصدر وسُخْرة (٨) ليست بمصدر في الهزء ولكنه كقولهم: ضُحْكَةٌ وهُزْأةٌ إذا كان يُضْحك منه. وأما وجه الضم إذا كان من الهزء فإن سَخَرًا فَعَل، وفَعَل وفُعْل (٩) يتعاقبان علي الكلمة كالحزن والحزن والبخل والبخل (١٠)، كما كان فَعَلٌ وفِعْلٌ كذلك، إلا أنَ المضموم خُصَّ (١١) بالنسب كما خُصَّ
(٢) في (ع): (فرد).
(٣) في (ع): (بعدها). وفي الحجة: به.
(٤) في الحجة: به.
(٥) في (ع): (ودرار ودراري).
(٦) كلام الأخفش ليس في معاني القرآن، وإنَّما هو في "الحجة" لأبي علي ٥/ ٣٠٥.
(٧) في الحجة: فأما ما حكاه أبو زيد من قوله...
(٨) في (أ): (سخر).
(٩) (وفعل) الثانية: ساقطة من (ظ)، (ع).
(١٠) في (أ)، (ظ): (الحِل والحل). مهملة.
(١١) في (أ): (حض).
قال ابن عباس -في هذه الآية-: يريد يستهزئون بهم.
وقال مقاتل: إنّ رؤوس كفار قريش كانوا يستهزئون من بلال وعمار وخَبَّاب وصهيب وسالم وفقراء العرب، ازْدَرَوْهُم (٢).
قوله: ﴿حَتَّى أَنْسَوْكُمْ﴾ يريد تركتم موعظتي.
وقال مقاتل: ترككم الاستهزاء لا تؤمنون بالقرآن (٣).
قال أبو علي: ﴿أَنْسَوْكُمْ﴾ يجوز (٤) أن يكون منقولًا من الذي بمعنى الترك، ويمكن أن يكون (من) (٥) الذي هو خلاف الذكر، واللفظ على أنهم فعلوا بكم النسيان، والمعنى: أنكم أنها المتخذون عبادي سُخْريا نسيتم ذكري باشتغالكم باتخاذكم إيّاهم سخريا وبالضحك منهم. أي: تركتموه من أجل ذلك، فنسب الإنساء إلى عبادِه المخلصين وإن لم يفعلوه لما كانوا كالسبب لإنسائهم، وهذا كقوله: ﴿رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ﴾ [إبراهيم: ٣٦] فنسب الإضلال إلى الأصنام لما كانت سببًا في الإضلال (٦).
(٢) "تفسير مقاتل" ٢/ ٣٣ ب.
(٣) "تفسير مقاتل" ٢/ ٣٣ ب.
(٤) في (أ): (ويجوز).
(٥) زيادة من الحجة.
(٦) "الحجة" لأبي علي الفارسي ٢/ ١٩١ - ١٩٢ عند كلامه على قوله "أو ننسها" [البقر ة: ١٠٦].
﴿أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ﴾ وقرئ (٢) "إنَّهم" بالكسر (٣).
فمن فتح كان على معنى: جزيتهم لأنَّهم هم الفائزون. ويجوز أن يكون "أنَّهم" (٤) في موضع المفعول الثاني لجزيت؛ لأنَّ جزيت يتعدّى إلى مفعولين، قال الله تعالى ﴿وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا﴾ [الإنسان: ١٢]. والتقدير: جزيتهم اليوم بصبرهم الفوز. ومن كسر استأنف وقطعه (٥) مما قبله، والمعنى: إنِّي جزيتهم اليوم بما صبروا، ثم أخبر فقال: ﴿أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ﴾. ومثل هذا في الكسر والاستئناف والاتباع لما قبله: لبيك إن الحمد والنعمة لك وإن الحمد (٦).
وهذا الذي ذكرنا معنى قول الفراء والزجاج (٧).
(٢) في (ظ): (قرئ).
(٣) قرأ حمزة، والكسائي: "إنَّهم" بكسر الألف. وقرأ الباقون بفتحها. "السبعة" ص ٤٤٨ - ٤٤٩، "التَّبْصرة" ص ٢٧١، "التيسير" ص ١٦٠.
(٤) في (ظ): (أنَّهم هم).
(٥) في (ظ): (فقطعه).
(٦) من قوله: (فمن فتح إلى هنا) هذا كلام أبي علي في الحجة ٥/ ٣٠٦ عدا قوله: "والمعنى: إني جزيتهم... الفائزون". فإنه كلام أبي إسحاق الزجاج في "معاني القرآن" ٤/ ٢٤.
وانظر: "علل القراءات" للأزهري ٢/ ٤٤٢ - ٤٤٣، "حجة القراءات" لابن زنجلة ص ٤٩٢ - ٤٩٣، و"الكشف" لمكي ٢/ ١٣١ - ١٣٢.
(٧) انظر: "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٤٣، و"معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٢٤.
١١٢ - وقوله: ﴿قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ﴾ قال الله تعالى للكفار يوم البعث توبيخًا لهم على إنكار (٢) البعث: ﴿قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ﴾ يعني في القبور ﴿عَدَدَ سِنِينَ﴾.
قال الزجاج: (كم) في موضع نصب بقوله: (لبثتم) و (عَدَدَ سِنِينَ) منصوب بـ (كم) (٣).
وقرئ: (قل كم لبثتم) (٤)، وهذا له معنيان:
أحدهما: قل أيها الكافر المسؤول عن قدر لبثه ﴿كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ﴾ (٥).
(٢) في (ظ): (انكارهم)، وفي (أ): (الإنكار).
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٢٥.
وعلى هذا فـ"كم" ظرف زمان في محل نصب بـ"لبثتم"، و"عدد سنين" بدل من "كم". وذهب أبو حيان ٦/ ٤٢٤ إلى أن "عدد" تمييز لـ"كم". وصحح هذا الوجه السمين الحلبي ٨/ ٣٧٣.
وانظر: "إعراب القرآن" للنحاس ٣/ ١٢٥، "الإملاء" للعكبري ٢/ ١٥٢.
(٤) قرأ ابن كثير، وحمزة، والكسائي: "قل كم لبثتم" بغير ألف على الأمر. وقرأ الباقون: "قال" بألف على الخبر.
"السبعة" ص ٤٤٩، "التَّبصرة" ص ٢٧١، التيسير ص ١٦٠.
(٥) قال أبو زرعة بن زنجلة في حجة القراءات ص ٤٩٣ تتميمًا لهذا الوجه: فإخراج الكلام على وجه الأمر به للواحد والمراد الجماعة، إذْ كان المعى مفهوما، والعرب تخاطب الواحد ومرادهم خطاب جماعة إذا عرف المعنى.
والمعنى: قل أيها السائل عن لبثهم (٣).
١١٣ - قوله تعالى: ﴿قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ﴾ قال ابن عباس: وذلك أن الله أنساهم ما كانوا فيه من العذاب (٤).
وقال مقاتل: استقلوا ذلك، يرون أنهم لم يلبثوا في قبورهم إلا يومًا أو بعض يوم (٥).
قال المفسرون: نسوا لعظم ما هم فيه من العذاب مدة مكثهم في الدنيا (٦).
وقوله: ﴿فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ﴾ قال ابن عباس: يريد العارفين بالحساب (٧).
وقال قتادة ومقاتل: سل الحُسّاب (٨).
قال مجاهد: هم الملائكة (٩).
(٢) في (ظ): (يوم القيامة البعث).
(٣) قوله: (والمعنى: قل أيها السائل عن لبثهم). هذا كلام أبي علي في "الحجة" ٥/ ٣٠٧.
(٤) ذكره عنه الزمخشري ٣/ ٤٥، والرازي ٢٣/ ١٢٦، والقرطبي ١٢/ ١٥٥، وأبو حيان ٦/ ٤٢٤.
(٥) "تفسير مقاتل" ٢/ ٣٣ ب.
(٦) ذكره البغوي ٥/ ٤٣٢، والقرطبي ١٢/ ١٥٥ ولم ينسباه لأحد.
(٧) لم أجده.
(٨) رواه عن قتادة عبد الرزاق ٢/ ٤٩، والطبري ١٨/ ٦٣، وابن أبي حاتم ٧/ ٢ ب، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٢١ ونسبه أيضًا لعبد بن حميد وابن المنذر. وهو في "تفسير مقاتل" ٢/ ٣٣ ب.
(٩) رواه الطبري ١٨/ ٦٣، وابن أبي حاتم ٧/ ٣ أ، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٢٢ ونسبه أيضًا لابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر.
وقال الكلبي: فأسأل الملائكة الذين كانوا معنا في الدنيا (٢).
قوله: (قَالَ) أي قال الله تعالى، أو قال الذي سألهم عن قدر لبثهم.
وقرئ (قل) (٣) وهو أمرٌ للذي سألهم عن قدر لبثهم، ولا يجوز (٤) أمرًا للكافر كما قلنا في قوله: ﴿قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ﴾، ولهذا فصل ابن كثير بينهما، فقرأ الأولى (قل) على الأمر وهاهنا (قال) (٥).
١١٤ - قوله: ﴿قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ أي: ما لبثتم في الأرض إلا قليلاً.
قال الكلبي: لأنَّ كل ما هو آت قريب.
يعني أن مكثهم في القبور وإن طال فإنه قليل لأنه متناه، ويجوز أن يكون قليلاً عند طول مكثهم في عذاب جهنم لأنّه خلود لا يتناهى.
(٢) لم أجده. قال الطبري ١٨/ ٦٣ - بعد ذكره للأقوال-: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال كما قال الله -جل ثناؤه-: "اسأل العادين". وهم الذين يعدّون عدد الشهور والسنين وغير ذلك، وجائز أن يكونوا الملائكة، وجائز أن يكونوا بني آدم وغيرهم، ولا حجَّة بأي ذلك من أيّ ثبتت صحتها، فغير جائز توجيه معنى ذلك إلى بعض العادين دون بعض.
وقال ابن عطية ١٠/ ٤١٠: وظاهر اللفظة أنَّهم أرادوا من يتصف بهذه الصّفه ولم يعينوا ملائكة ولا غيرها.
(٣) قرأ حمزة والكسائي: "قل إن لبثتم... " الآية، على الأمر.
وقرأ الباقون: "قال" على الخبر.
"السبعة" ص ٤٤٩، "التبصرة" ص ٢٧١، "التيسير" ص ١٦٠.
(٤) في (أ): (يجوز).
(٥) انظر: "السبعة" ص ٤٤٩، "التَّبْصرة" ص ٢٧١، "التيسير" ١٦٠.
وقال مقاتل: لو أنكم كنتم تعلمون إذن لعلمتم أنكم لم تلبثوا إلا قليلًا (١).
١١٥ - قوله تعالى: ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا﴾ العبث في اللغة: اللعب. يقال: عبث يعبث عبثا فهو عابث لاعبٌ بما لا يعنيه وليس من باله (٢).
واختلفوا في انتصابه: فمذهب سيبويه وقطرب أنه في موضع الحال (٣).
أي: عابثين. والمعنى أفحسبتم أنّما خلقناكم باطلاً لغير شيء، وهذا استفهام يتضمن الإنكار، أي ما خلقناكم عابثين بل خلقناكم لنثيب المحسن ونعاقب المسيء.
وقال أبو عبيدة: هو نصبٌ على المصدر (٤).
ويكون التقدير: عبثنا (٥) بخلقكم عبثًا. ويكون المعنى كما ذكرنا في الحال.
(٢) "تهذيب اللغة" للأزهري ٢/ ٣٣٢ بنصِّه. وهو في "العين" ٢/ ١١١ مع اختلاف يسير جدًّا. وانظر: "الصحاح" للجوهري ١/ ٢٨٦ (عبث).
(٣) ذكره عنهما الثعلبي ٣/ ٦٥ ب، والحاكم الجشمي في "التهذيب" ٦/ ٢١٠ أ، والقرطبي ١٢/ ١٥٦، ولم أقف عليه في الكتاب.
(٤) ذكره عنه الثعلبي ٦٥٣ ب، والفرطبي ١٢/ ١٥٦، والحاكم الجشمي في "التهذيب" ٦/ ٢١٠ أ، وليس في مجاز القرآن.
(٥) في (أ): (عبثًا).
وقال آخرون: هو مفعولٌ له. أي للعبث (٢).
وهو اختيار الأزهري (٣). وعليه دلّ كلام ابن عباس لأنه قال: يريد كما خلقت البهائم لا ثواب لها ولا عذاب عليها، مثل قوله: ﴿أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى﴾ [القيامة: ٣٦] أي يهمل كما تهمل البهائم (٤).
والمعنى على هذا القول: أفحسبتم أنكم خلقتم للعبث فتعبثوا ولا تعملوا بطاعة الله (٥). وهذا المعنى أراد علي -رضي الله عنه- في قوله: يا أيها الناس اتقوا الله (٦)، فما خلق امرؤ عبثًا فيلهو، ولا أهمل سدى فيلغو (٧).
وهذا الوجه هو الاختيار لقوله: ﴿وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ﴾ (٨) أي: وحسبتم أنكم إلينا لا ترجعون في الآخرة للجزاء.
١١٦ - قوله تعالى: ﴿فَتَعَالَى اللَّهُ﴾ قال مقاتل: ارتفع أن يكون خلق (٩) شيئًا عبثا، ماخلق شيئًا إلا لشيء (١٠).
(٢) ذكره الثعلبي ٣/ ٦٥ ب ونسبه لبعض نحاة البصرة.
وانظر: "الكشاف" ٣/ ٤٥، "الإملاء" للعكبري ٢/ ١٥٢، "البحر المحيط" ٦/ ٤٢٤، "الدر المصون" ٨/ ٣٧٤.
(٣) "تهذيب اللغة" للأزهري ٢/ ٣٣٢ (عبث).
(٤) ذكر هذا القول البغوي ٥/ ٤٣٢، والقرطبي ١٢/ ١٥٦ ولم ينسباه لأحد.
(٥) لفظ الجلالة ليس في (أ).
(٦) في (ظ): (ربَّكم).
(٧) ذكره عنه الثعلبي ٣/ ٦٥ ب.
(٨) في (أ): (أنَّكم).
(٩) (خلق) ساقط من (أ).
(١٠) "تفسير مقاتل" ٢/ ٣٣ ب - ٣٤ أ.
قال أهل المعاني: تعالى الله بأن كل شيء سواه يصغر مقداره عن معنى صفته، ﴿الْمَلِكُ الْحَقُّ﴾ أي الذي يحق له الملك بأنّه ملك غير مُمَلَّك، وكل مُلْك غيره فملكه مستعار لأنه يملّك (٢) ما ملَّكه الله (٣).
ثم وحّد نفسه فقال: ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ﴾ قال الكلبي: هو السرير الحسن (٤).
وذكرنا أن الكريم في صفة الجماد بمعنى الحسن (٥).
وارتفع (٦) قوله: ﴿رَبُّ الْعَرْشِ﴾ لأنه صفة قوله: ﴿الْمَلِكُ الْحَقُّ﴾.
١١٧ - ثم أوعد من أشرك به فقال: ﴿وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ﴾ لا بيّنة ولا حجة ولا شهادة له. قاله ابن عباس، ومجاهد، ومقاتل (٧).
وقوله: ﴿لَا بُرْهَانَ﴾ من صفة النكرة -أي إلهًا لم ينزل بعبادته كتاب،
(٢) في (أ): (بملك).
(٣) ذكر الطوسي في "التبيان" ٧/ ٣٥٥ هذا القول ولم ينسبه لأحد.
(٤) ذكر البغوي ٥/ ٤٣٣، ولم ينسبه لأحد.
قال ابن كثير ٣/ ٢٥٩: ووصفه بأنه كريم أي: حسن المنظر بهيّ الشكل، كما قال تعالى ﴿فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ﴾ [لقمان: ١٠].
(٥) انظر: "البسيط" عند قوله تعالى: ﴿وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ [الأنفال: ٤].
(٦) في (أ): (فارتفع).
(٧) رواه عن مجاهد الطبري ١٨/ ٦٤، وابن أبي حاتم ٧/ ٥ أ. وقول مقاتل في "تفسيره" ٢/ ٣٤ أ.
﴿إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ﴾ قال ابن عباس: لا يسعد من كذب وجحد ما جئت به وكفر نعمتي (٢).
١١٨ - ثم أمر رسوله (٣) أن يستغفر للمؤمنين ويسأل لهم الرحمة فقال: ﴿وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ﴾ قال ابن عباس: يريد لمن صدقني.
﴿وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ﴾ يريد أفضل من رحم.
قال مقاتل: أي هو أفضل رحمة من الذين يرحمون (٤).
(٢) ذكره البغوي ٥/ ٤٣٣ إلى قوله: وجحد. ولم ينسبه لأحد. وذكره القرطبي ١٢/ ١٥٧ ولم ينسبه لأحد.
(٣) في (أ): (رسول الله).
(٤) في تفسير مقاتل ٢/ ٣٤ أ: يعني أفضل رحمة من أولئك الذين لا يرحمون.