ﰡ
مكيّة وهى ست وخمسون اية بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ روى الشيخان فى الصحيحين عن يحى بن كثير قال سألت أبا سلمة بن عبد الرحمن عن أول ما نزل من القران قال يايها المدثر قلت يقولون اقرء باسم ربك قال ابو سلمة سالت جابرا عن ذلك وقلت له مثل الذي قلت لى فقال لى لا أحدثك الا ما حدثنا رسول الله ﷺ قال جاورت بحراء شهرا فلما قضيت هبطت فنوديت فنظرت عن يمينى فلم ار شيئا ونظرت عن شمالى فلم ار شيئا ونظرت عن خلف فلم ار شيئا فرفعت راسى فرايت شيئا فاتيت خديجة فقلت دثرونى دثرونى وصبوا على ماء باردا فنزلت يايها المدثر قم فانذر وربك فكبر وثيابك فطهر والرجز فاهجر وذلك قبل ان يفرض الصلاة قلت والمرفوع من الحديث لا يدل على نزول هذه السورة قبل اقرأ والصحيح ان نزول اقرء قبل ذلك كما سنذكر فى شان نزوله فى تلك السورة ان شاء الله تعالى ويدل على هذا ما رواه الشيخان عن جابر ايضا انه سمع رسول الله ﷺ يحدث عن فترة الوحى فبينا انا امشى سمعت صوتا من السماء فرفعت بصرى فاذا الملك الذي جاء فى بحراء قاعد على كرسى بين السماء والأرض فجئت فيه رعبا حتى هويت الأرض فجئت أهلي فقلت زملونى زملونى فانزل الله تعالى يايها المدثر قم فانذر وربك فكبر وثيابك فطهر والرجز فاهجر ثم حمى الوحى وتتابع فان هذه الرواية صريحة فى ان نزول سورة المدثر بعد فترة الوحى وكان روية الملك بحراء قبل ذلك واخرج الطبراني بسند ضعيف عن ابن عباس ان وليد بن مغيرة صنع لقريش طعاما فلما أكلوا قالوا ما تقولون فى هذا الرجل فقال بعضهم ساحر وقال بعضهم ليس بساحر وقال بعضهم كاهن وقال بعضهم ليس بكاهن وقال بعضهم شاعر وقال بعضهم ليس بشاعر وقال بعضهم سحر يوثر فبلغ ذلك النبي ﷺ فحزن ورفع راسه وتدثر فانزل الله تعالى يايها المدثر الى قوله وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ...
يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ من مضجعك او قم قيام عزم وجد فَأَنْذِرْ حذف المفعول ليدل على التعميم يعنى انذر الناس أجمعين بعذاب العالمين لمن أشرك به.
وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ الفاء فيه وفيما بعده لافادة معنى الشرط تقديره اما ربك
وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ قال قتادة ومجاهد نفسك فطهرها من الذنب كنى عن النفس بالثوب وهو قول ابراهيم والضحاك والشعبي والزهري وقال عكرمة سئل عن ابن عباس عن قوله وثيابك فطهر قال لا تلبسها على معصية وعلى عذرة ثم قال سمعت قول غيلان بن سلمة الثقفي وانى بحمد الله لا ثوب فاجر لبست ولا من عذرة أتقنع- وكذا قال ابى بن كعب وروى عن الضحاك معناه عملك فاصلح وقال السدى يقال للرجل إذا كان صالحا انه طاهر الثياب وإذا كان فاجرا انه لخبيث الثياب وقال سعيد بن جبير وقلبك وبيتك فطهر وقال الحسن وخلقك فحسن وقال ابن سيرين وابن زيد امر بتطهير الثياب
وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ قرأ ابو جعفر وحفص عن عاصم ويعقوب الرجز بضم الراء والباقون بكسرها وهما لغتان ومعناهما واحد قال مجاهد وعكرمة وقتادة والزهري وابن زيد وابو سلمة المراد بالرجز الأوثان قال فاهجرها ولا تقربها وروى عن ابن عباس ان معناه اترك الإثم وقال ابو العالية والربيع الرجز بضم الراء الصنم وبالكسر النجاسة والمعصية وقال الضحاك يعنى الشرك وقال الكلبي يعنى العذاب يعنى اهجر ما يوجب العذاب من العقائد والأعمال.
وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ اى لا تعط مالك لتعطى اكثر منه هذا قول اكثر المفسرين قال قتادة لا تعط شيئا طمعا لمجازاة الدنيا بل لوجه الله خالصا وجملة تستكثر حال من فاعل لا تمنن قيل هذا نهى تنزيهى وقال الضحاك ومجاهد كان هذا الحكم فى حق النبي ﷺ خاصة قال الضحاك بهما ربوان حلال وحرام اما الحلال فالهدايا اما الحرام فالربوا وقال الحسن معناه لا تمنن على الله بعملك فتستكثر يعنى مستكثرا عملك وقال لا تستكثرون عملك فى عينك فانه فيما أنعم الله عليك قليل وروى خصيف عن مجاهد ولا تضعف ان تستكثر من الخير عن قولهم جهل منين اى ضعيف وقال ابن زيد معناه لا تمنن بالنبوة على الناس فتاخذ عليها عوضا واجرا من الدنيا وقيل معناه لا تمنن على الفقير
وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ ط تقديره واما لربك فاصبر على طاعاته وأوامره ونواهيه والمصائب لاجل ثواب الله تعالى وابتغاء مرضاته والتقدير واصبر لربك فاصبر كرر للتاكيد او لتنوع انواع الصبر وقال مجاهد فاصبر اليه على ما أوذيت وقال ابن زيد معناه حملت امرا عظيما محاربة العرب والعجم فاصبر عليه لله عز وجل وقيل فاصبر تحت موارد القضاء لاجل الله.
فَإِذا نُقِرَ اى نفخ فِي النَّاقُورِ فى الصور فاعول من النقر بمعنى التصويت وأصله قرع الشيء المفضى الى النقب ومنه المنقار للطائر كذا فى الصحاح قال ابو الشيخ بن حيان فى كتاب العظيمة عن وهب بن منبة قال خلق الله الصور من اللؤلؤ البيضاء فى صفاء الزجاجة ثم قال للعرش خذ الصور فتعلق به ثم قال كن فكان اسرافيل فامره ان يأخذ الصور فاخذه وبه نقب بعد وكل روح مخلوقة ونفس منفوسة لا يخرج روحان من نقب واحد وفى وسط الصور كوة كاستدارة السماء والأرض واسرافيل واضع فيه على تلك الكرة ثم قال له الرب تبارك وتعالى قد وكلتك فانت بالنفخة والصيحة فدخل فى مقدم العرش ادخل رجله اليمنى تحت العرش وقدم اليسرى ولم يطرف قد خلقه الله ينتظر متى يوم مروا اخرج احمد والترمذي والطبراني بسند جيد عن زيد بن أرقم قال قال رسول الله ﷺ كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن وحتى جبهته وأصغى بالسمع متى يومر فشق ذلك على الصحابة فقال قولوا حسبنا الله ونعم الوكيل واخرج احمد والحاكم عن ابن عباس نحوه بزيادة على الله توكلنا والفاء فى فاذا نقر لسببية كانه قال اصبر على اذاهم فبين أيديهم زمان صعب تلقى فيه عاقبة صبرك وإذا ظرف لما دل عليه قوله.
فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ عَلَى الْكافِرِينَ معناه يعسر الأمر على الكافرين يومئذ لتضمن إذا معنى الشرط دخل الفاء فى قوله فذلك وذلك اشارة الى وقت النقر مبتداء خبره يوم عسير ويومئذ بدله فهو فى محل الرفع مبنى الاضافة الى غير متمكن غَيْرُ يَسِيرٍ تأكيد بمنع ان يكون عسيرا من وجه ويسيرا من وجه وفيه اشارة الى كونه يسيرا على المؤمنين ذكر البغوي ان الله تعالى لما انزل على النبي ﷺ حم تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذى الطول لا اله الا الله هو اليه المصير قام النبي صلى الله عليه واله وسلم بالمسجد والوليد بن مغيرة قريب منه يسمع قرأته فلما فطن النبي ﷺ لاستماعه قرأته أعاد قراءة الاية فانطلق الوليد حتى اتى مجلس قومه بنى مخذوم فقال والله لقد سمعت من محمد آنفا كلاما ما هو من كلام الانس ولا هو من كلام الجن ان له لحلاوة وان عليه لعلاوة وان أعلاه لمثمر
ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ واخرج ابن جرير وابن ابى حاتم من طرق اخر نحوه والواو بمعنى مع كما مر فى قوله ذرنى والمكذبين اى ذرنى معه وَحِيداً حال من مفعول ذرنى يعنى لاتهتم به وذرنى وحدي معه فانى أكفيكه او من فاعل خلقت اى خلقته وحيدا لم يشاركنى فى خلقه غيره رد من ضمير مفعول العائد المحذوف اى من خلقته وحيدا فريدا لا مال له ولا ولدا والمعنى خلقته وحيدا فى الشرارة ووحيدا غير منسوب الى اب لانه كان زنيما قال البغوي انه كان يسمى فى قومه وحيدا فسماه الله به تهكما واستهزاء وما على تسمية نفسه وحيدا.
وَجَعَلْتُ لَهُ مالًا مَمْدُوداً مبسوطا كثيرا اى ممدودا بالنماء كالزرع والضرع والتجارة قال مجاهد وسعيد بن جبير الف دينار وقال قتادة اربعة آلاف دينار وقال سفيان الف الف وقال ابن عباس تسعة آلاف مثقال فضة وقال مقاتل كان له بسمتان بالطائف لا ينقطع ثماره شتاء وصيفا وقال عطاء عن ابن عباس كان له بين مكة والطائف ابل وخيل وغنم وكان له عين كثيرة وعبيد وجوارى.
وَبَنِينَ شُهُوداً حضورا بمكة بلقائهم لا يحتاجون الى السفر بطلب المعاش وكانوا عشرة وقال مقاتل كانوا سبعة وهم الوليد بن الوليد وخالد وعمارة وهشام والعاص وقيس وعبد الشمس اسلم منهم خالد وهشام وعمارة.
وَمَهَّدْتُ لَهُ اى بسطت له الرياسة وألحاه العريض حتى يقال ريحانة قريش والتوحد باستحقاق الرياسة والتقدم او مهدت له فى طول العمر تَمْهِيداً بسطا.
كَلَّا ط ردع اى لا افعل ذلك لكفرانه قال البغوي قالوا فما زال الوليد بعد نزول هذه الاية فى نقصان ماله وولده حتى هلك إِنَّهُ كانَ لِآياتِنا عَنِيداً ط معاندا حيث أنكر وقال سحر يوثر تعليل للردع فان الكفران ومعاندة آيات النعم زوال النعمة وبمنع الزيادة.
سَأُرْهِقُهُ ساغشيه صَعُوداً عذابا شاقا يغلبه ويعلوا كل عذاب عن ابى سعيد الخدري عن النبي ﷺ فى قوله تعالى سارهقه صعودا قال هو جبل فى النار من نار يكلف ان يصعده فاذا وضع يده ذابت فاذا رفعها عادت فاذا وضع رجليه ذابت فاذا رفعها عادت رواه البغوي عنه وعن عمر بن الخطاب ورواه احمد والترمذي وابن حبان والحاكم وصححه عن ابى سعيد عن النبي ﷺ انه جبل فى النار يصعد فيه سبعين خريفا ثم يهوى وهو كذلك فيه ابدا وقال الكلبي الصعود صخرة ملساء فى النار يكلف ان يصعدها لا يترك نفس فى صعوده بجذب سلاسل الحديد ويضرب من خلفه بمقامع من حديد فيصعدها فى أربعين عاما فاذا بلغ ذروتها أحد الى أسفلها ثم يكلف ان يصعدها يجذب من امامه ويضرب من خلفه فذلك دابه ابدا.
إِنَّهُ فَكَّرَ فيما تخيل طعنا فى القران وَقَدَّرَ فى تفسير ما يقول هذه الجملة بيان لعناده وتعليل لما يستحقه من العذاب.
فَقُتِلَ لعن وقال الزهري عذب كَيْفَ قَدَّرَ تعجيب من تقدير استهزاء به وفيه انكار وتوبيخ وكيف حال من فاعل قدر والجملة تعليل لقوله قتل وجملة فقتل معترضة دعائية والفاء فيه للاعتراض.
ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ كرر للتاكيد وكلمة ثم للدلالة على ان الثانية ابلغ من الاولى.
ثُمَّ نَظَرَ عطف على فكر وقدر اى فكر وقدر ثم نظر فى أم القران متراخيا مرة بعد اخرى.
ثُمَّ عَبَسَ وجهه لما لم يجد فيه طعنا ولم يدر ما يقول او نظر الى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وعبس وجهه عداوة وَبَسَرَ بمعنى عبس وقهر تأكيد له.
ثُمَّ أَدْبَرَ عن الحق والايمان به او الرسول ﷺ وَاسْتَكْبَرَ عن اتباعه.
فَقالَ الفاء للدلالة على انه لما خطرت هذه الكلمة بباله تقولها من غير تلبث وتفكر إِنْ هذا اى القران إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ يروى عن غيره.
إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ تأكيد للجملة الاولى ولذا لم يعطف.
سَأُصْلِيهِ سَقَرَ بدل اشتمال من سارهقه صعودا وسقر اسم من اسماء جهنم.
وَما أَدْراكَ ما سَقَرُ تفخيم لشانها وجملة ما سقر بتأويل المفرد
لا تُبْقِي شيئا يلقى فيها وَلا تَذَرُ ج اى لا تدع حتى تهلكه قال مجاهد معناه لا تبقى حيا ولا تذر من فيها ميتا كلما احترقوا جددوا قال الضحاك لكل شىء ملال وفطرة الا سقر هذه الجملة والجملتين بعدها مستأنفات لبيان تفخيم شأن سقر واحوال من سقر.
لَوَّاحَةٌ اى هى لواحة لِلْبَشَرِ ج جمع بشرة مغيرة للجلد من البياض الى السواد فقال ابن عباس وزيد بن اسلم محترقة للجلد وقيل معناه لائحة للناس قال الحسن وابن كيسان يلوح لهم حتى يردها عيانا نظيره وبرزت الجحيم للغاوين.
عَلَيْها اى على النار تِسْعَةَ عَشَرَ من الملائكة وهم خزنتها مالك مع ثمانية عشر اخرج ابن المبارك والبيهقي أحدهم عن ابى العوام قال هم تسعة عشر ملكا بين منكبى كل منهم مسيرة كذا وكذا واخرج ابن وهب عن زيد بن اسلم قال قال رسول الله - ﷺ - ما بين منكبى أحدهم مسيرة سنة نزعت عنهم الرحمة برفع أحد منهم سبعين الفا فيرميهم حيث أراد من جهنم قال البغوي قال ابن عباس وقتادة والضحاك وكذا اخرج البيهقي عن ابن اسحق انه لما نزلت هذه الاية قال ابو جهل لقريش ثكلتكم أمهاتكم اسمع ابن ابى كبشة يخبر ان خزنة النار تسعة عشر وأنتم الدهم الشجعان أفيعجز كل عشر منكم ان تبطشوا لواحد من خزنة جهنم قال ابو الأسد بن كلده الجمعى انا أكفيكم منهم سبعة عشر عشرة على ظهرى وسبعة على بطني وكفونى أنتم اثنين واخرج البيهقي عن السدى لما نزلت عليها تسعة عشر قال رجل من قريش يدعى أبا الاسدين يا معشر قريش لا يهولنكم التسعة عشر انا ادفع عنكم بمنكبي الايمن عشرة وبمنكبي الأيسر تسعة فانزل الله تعالى.
وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ يعنى خزنتها إِلَّا مَلائِكَةً ص لا رجالا آدميين حتى يمكن من الكفار تدافعهم وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ اى عددهم فى القلة إِلَّا فِتْنَةً عدو الذي اقتضى فتنتهم اى ضلالتهم وكفرهم لاستقلالهم والاستهزاء بهم واستبعادهم ان يتولى هذا العدد القليل تعذيب جميع الكفار لِلَّذِينَ كَفَرُوا حتى قالوا ما قالوا لِيَسْتَيْقِنَ متعلق بفعل محذوف دل عليه السباق اى نبئناك بعددهم ليستيقن الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ نبوتك وصدق القران حين يوافق ذلك فى التورية والإنجيل وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا بالايمان او بتصديق اهل الكتاب له إِيماناً مصدر او تميز من النسبة وَلا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ فى عددهم تأكيد للاستيقان وزيادة الايمان فعطف لا يرتاب عطف تفسيرى
وَالصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ اى أضاء.
إِنَّها اى سقر لَإِحْدَى الْكُبَرِ اى أحد البلايا الكبرى فانها كثيرة والسقر واحد منها او المعنى انها اى احدى البلايا الكبر جهنم وجهنم ولظى والحطمة والسعيرة والجحيم والهاوية وانما جمع كبرى على كبر الحاقا لها بفعله تنزيلا للالف منزلة التاء كما ألحقت قاصعا بقاصعة فجمعت
نَذِيراً لِلْبَشَرِ تميز عن احدى الكبر انذارا او حال عما دلت عليها الجملة اى كبرت منذرة قال الحسن والله ما انذر بشئ أدهى منها وقال الخليل النذير مصدر كالنكير والمذكر وصف به المؤنث يعنى جعل حالا للمؤنث وقيل نذيرا حال من فاعل وما جعلنا اصحاب النار الا ملائكة منذرا للبشر وقيل معناه يايها المدثر قم نذير البشر فانذر.
لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ بدل من قوله للبشر اى نذيرا للفريقين وحينئذ قوله أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ ط مفعول لشاء اى من شاء ان يتقدم فى الخير والطاعة ومن شاء ان يتاخر فى الشر والمعصية ويحتمل ان يتقدم او يتاخر مبتداء ومن شاء منكم خبرا مقدما عليه والمعنى لان يتقدم من شاء منكم ويتاخر من شاء نظيره قوله تعالى فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر فهو توبيخ وإنذار.
كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ من السيئات رَهِينَةٌ مصدر كالشتيمة بمعنى رهن لا بمعنى المفعول اى مرهون ولو كان صفة لقيل رهين لان الفعيل بمعنى المفعول يستوى فيه المؤنث والمذكر والمعنى كل نفس بما كسبت من السيئات بكفرها محبوسة فى النار ابدا.
إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ اى الذين يعطون كتبهم بايمانهم كذا روى عن ابن عباس اخرج ابن المبارك عن رجل من بنى اسد قال قال عمر لكعب قل من حديث الاخرة قال نعم يا امير المؤمنين إذا كان يوم القيامة وضع اللوح المحفوظ فلم يبق أحد من الخلائق الا هو ينظر الى عمله ثم يوتى بالصحف التي فيها اعمال العباد فتنشر من حول العرش ثم يدعى المؤمن فيعطى كتابه بيمينه فينظر فيه وقال مقاتل هم اهل الجنة الذين كانوا على يمين آدم يوم الميثاق قال لهم الله هؤلاء للجنة ولا أبالي وعن ابن عباس انهم الذين كانوا ميامين على أنفسهم ومال هؤلاء الأقوال واحد يعنى الا المؤمنين فانهم غير محبوسين فى النار ابدا بل ينجون اما بالمغفرة بعد العذاب بقدر ذنوبهم او بلا تعذيب بالشفاعة او بمحض الفضل وقال الحسن هم المسلمون المخلصون وقال القاسم كل نفس ماخوذة بكسبها من خير او شر الا من اعتمد على الفضل فان كل من اعتمد على الكسب رهين ومن اعتمد على الفضل فهو غير ماخوذ وعلى هدين القولين معنى الاية كل نفس مرهونة اى ماخوذة باعمالها واو فى الجملة الا المسلمين الكاملين فانهم غير ماخوذين أصلا لكن اطلاق اصحاب اليمين على هؤلاء المخلصين لا دليل عليه وكذا روى سعد بن منصور وابن ابى حاتم والحكيم فى نوادر الأصول عن علىّ انهم أطفال المسلمين وزاد الحكيم لم يكسبوا فيرتهنوا بكسبهم وما روى
فِي جَنَّاتٍ خبر مبتداء محذوف اى هم فى جنات والجملة فى مقام التعليل للاستثناء ويحتمل ان يكون حالا من اصحاب اليمين او من ضميرهم فى قوله يَتَساءَلُونَ اى يسأل بعضهم بعضا اى يسئل غيرهم والتفاعل لاجل تشاركهم فى السؤال.
عَنِ الْمُجْرِمِينَ اى عن حال المجرمين الكفار.
ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ هذا الاستفهام مع جوابه حكاية لما جرى بين المسئولين والمجرمين وما أجاب المجرمون به السائلين المسئولين وايضا ان فى الكلام حذف للاختصار تقديره يتساءلون عن المجرمين فيقولون المسئولون ما سلككم فى سقر إلخ وقيل كلمة عن زائدة تقديره يتساءلون المجرمين بقولهم ما سلككم فى سقر.
قالُوا اى المجرمين فى جوابهم لَمْ نَكُ سقطت النون بالجزم لمشابهته بحرف العلة فى امتداد الصوت فان النون غنة فى الخيشوم كما ان حرف العلة مدة فى الحلق مِنَ الْمُصَلِّينَ الصلاة الواجبة.
وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ ما يجب اعطائهم فيه دليل على ان الكفار مخاطبون بفروع الأعمال لاجل المؤاخذة فى الاخرة وانما سقط عنهم الخطاب فى الدنيا لفقد شرط ادائه وهو الايمان ولا وجه بسقوط التكليف فان الكفر موجب للتشديد دون التخفيف لكن حقوق الله تعالى من العبادات والعقوبات تسقط بالإسلام فلا يوخذ من اسلم على ما فات عنه فى حالة الكفر قال رسول الله ﷺ الإسلام يهدم ما كان قبله وقد مر هذا الحديث فيما قبل.
وَكُنَّا نَخُوضُ فى اللهو والباطل ما نهى الله تعالى عنه مَعَ الْخائِضِينَ فيه.
وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ آخره لتعظيمه اى وكنا بعد ذلك كله مكذبين يوم الجزاء.
حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ ط يعنى الموت.
فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ ط ولو شفعوا جميعا هذه الجملة اما متصلة بقوله كل نفس رهينة او بقوله قالوا لم نك من المصلين ومفهوم هذا الاية تقتضى ان المؤمنين وان كانوا فساقا تنفعهم شفاعة الشافعين اخرج اسحق بن راهويه فى مسنده عن أم حبيبة او أم سلمة قالت كنا فى بيت عائشة فدخل رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فقال ما من مسلم يموت له ثلثة من الولد أطفال لم يبلغوا الحلم الا جئ بهم حتى يوقفوا على باب الجنة فيقال لهم ادخلوا الجنة فيقولون ان دخل ابوانا فيقال فى الثانية والثالثة ادخلوا الجنة وآبائكم فذلك قوله تعالى فما تنفعهم شفاعة الشافعين وقال ابن مسعود يشفع الملائكة والنبيون والشهداء
...... قوله صلى الله عليه واله وسلم شفاعتى مباحة الا لمن سب أصحابي رواه ابو نعيم فى الحلية وعن انس قال قال رسول الله ﷺ صنفان من أمتي لا تنالهما شفاعتى يوم القيامة المرجئة والقدرية رواه ابو نعيم (مسئلة:) وقد ورد فى بعض المعاصي انها مانعة للشفاعة عن عثمن بن عفان رضى الله تعالى عنه قال قال رسول الله - ﷺ - من غش العرب لم ينله شفاعتى رواه البيهقي بسند جيد وعن معقل بن يسار قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم رجلان لا تنالهما شفاعتى يوم القيامة اما ظلوم خشوم عسوف واخر غال فى الدنيا مارق منه رواه البيهقي والطبراني بسند جيد وعن الدرداء وغيره قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ذروا المراء فان الممارى لا اشفع له يوم القيامة رواه الطبراني.
فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ يعنى عن القران او ما يعمه من المذكرات مُعْرِضِينَ الفاء للسببية وما استفهامية مبتداء ولهم خبره وعن التذكرة استفهام للانكار عن شفاعة حالهم فى الدنيا المفضى الى العذاب فى الاخرة فان عذاب الاخرة سبب للانكار.
كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ قرأ نافع وابن عامر بفتح الفاء والباقون بكسرها فمن قرأ بالكسر فمعناها نفرة يقال نفر واستنفر كما يقال عجب واستعجب ومن قرأ بالفتح فمعناها منفرة مذعورة.
فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ ط الجملة صفة لحمر وجملة كانهم بعد حال وضمير لهم فى مالهم وكلمة كانهم اغنى عن واو الحال شبههم فى اعراضهم ونفورهم عن استماع الذكر بحمر نافرة من قسورة فعولة من القسر بمعنى القهر قال ابو هريرة هى الأسود وهو قول العطاء والكلبي وقال مجاهد وقتادة والضحاك القسورة الرماة ولا واحد لها من لفظها وهى رواية عن عطاء عن ابن عباس وقال زيد بن اسلم عن رجال أقوياء وكل ضخم شديد عند العرب قسورة وعن ابى المتوكل لغط القوم وأصواتهم وروى عكرمة عن ابن عباس قال هى حيال الصيادين قال سعيد بن جبير هى القناص يعنى الصياد اخرج ابن المنذر عن السدى قال قالوا لئن كان محمد صادقا فليصبح تحت راس كل رجل منا صحيفة فيها براءة وامنة من النار فنزلت.
بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ
بل ابتدائية وليست للاعراض عن التوبيخ بل هو انتقال من شىء اى أمر أهم منه وقال المفسرون ان كفار قريش قالوا لرسول الله صلى الله عليه واله وسلم ليصبح عند راس كل رجل منا كتاب منشور من انك لرسوله تومر فيه باتباعك والمنشرة جمع منشورة.
كَلَّا ط ردع عن اقتراح الآيات بعد وضوح الأمر بَلْ لا يَخافُونَ الْآخِرَةَ فلذلك اعرضوا عن التذكرة واقترحوا الآيات قيل ابتدائية كما سبق وليس إضرابا عن الردع ويحتمل ان يكون إضرابا دل عليه السياق وتقديره انه لو أوتوا صحفا منشرة لا يومنون فان طلبهم ذلك ليس لان يتضح الأمر عندهم بل الأمر عندهم واضح وليس ذلك الاقتراح الا لانهم لا يخافون الاخرة ووضوح الأمر لا يستلزم الخوف والخشية بل هو امر وهبى.
كَلَّا ردع وانكار على عدم الخوف وتأكيد للردع السابق او هو بمعنى حقا إِنَّهُ اى القران تَذْكِرَةٌ ج يذكر الله سبحانه وتعالى بصفاته الجمالية والجلالية والرحمة والعذاب.
فَمَنْ شاءَ التذكر ذَكَرَهُ ط الفاء للسببية وتعليق الذكر بالمشية تخيبر لفظا وتوبيخ معنى.
وَما يَذْكُرُونَ قرأ نافع بالتاء على الخطاب والباقون بالياء على الغيبة فى وقت من الأوقات إِلَّا وقت أَنْ يَشاءَ اللَّهُ ط مشيتهم وذكرهم فيه تصريح بان افعال العباد بمشية الله وإرادته هُوَ أَهْلُ التَّقْوى حقيق بان يتقى عقابه بالتقوى عما نهى عنه وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ ع حقيق بأن يغفر عباده المؤمنين عن انس ان رسول قال فى هذه الاية هو اهل التقوى قال ربكم عز وجل انا اهل ان اتقى الشرك ولا يشرك بي غيرى وانا اهل لمن اتقى ولا يشرك بي ان اغفر له رواه احمد والترمذي والنسائي وابن ماجة والحاكم نحوه- والله تعالى اعلم تمت سورة المدثر.