ﰡ
قال أبو بكر : الخشوع ينتظم هذه المعاني كلها من السكون في الصلاة والتذلّل وتَرْك الالتفات والحركة والخوف من الله تعالى، وقد رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :" اسْكُنُوا في الصَّلاةِ وكُفُّوا أَيْدِيَكُمْ في الصَّلاةِ " وقال :" أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ على سَبْعَةِ أَعْضَاءٍ وأَنْ لا أَكُفَّ شَعَراً ولا ثَوْباً " ؛ وأنه نهى عن مسّ الحصى في الصلاة وقال :" إِذَا قَامَ الرَّجُلُ يُصَلِّي فإنّ الرَّحْمَةَ تُوَاجِهُهُ فإذَا الْتَفَتَ انْصَرَفَتْ عَنْهُ ". ورَوَى الزهري عن سعيد بن المسيب :" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يلمح في الصلاة ولا يلتفت ". وحدثنا محمد بن بكر قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا أبو توبة قال : حدثنا معاوية بن سلام عن زيد بن سلام أنه سمع أبا سلام قال : حدثني السَّلُولي أنه حدثه سهل ابن الحنظلية أنهم ساروا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين، وذكر الحديث إلى قوله :" مَنْ يَحْرُسُنَا اللَّيْلَةَ ؟ " قال أنس بن أبي مرثد الغنوي : أنا يا رسول الله، قال :" فَارْكَبْ ! " فركب فرساً له، فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم :" اسْتَقْبِلْ هذا الشِّعْبَ حَتَّى تَكُونَ في أَعْلاهُ ولا يُغِرْنَ منْ قِبَلِكَ اللَّيْلَةَ " ؛ فلما أصبحنا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مُصَلاّه فركع ركعتين ثم قال :" هَلْ أَحْسَسْتُمْ فَارِسَكُمْ ؟ " قالوا : يا رسول الله ما أحسسناه ؛ فثُوِّبَ بالصلاة، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلّي وهو يلتفت إلى الشِّعْبِ حتى إذا قَضَى صلاته وسلَّم قال :" أَبْشِرُوا فَقَدْ جَاءَكُمْ فَارِسُكُمْ ". فأخبر في هذا الحديث أنه كان يلتفت إلى الشعب وهو في الصلاة، وهذا عندنا كان عذراً من وجهين، أحدهما : أنه لم يأمن من مجيء العدو من تلك الناحية، والثاني : اشتغال قلبه بالفارس إلى أن طلع. ورُوي عن إبراهيم النخعي أنه كان يلحظ في الصلاة يميناً وشمالاً. ورَوَى حمّاد بن سلمة عن حميد عن معاوية بن قُرَّةَ قال : قيل لابن عمر : إن ابن الزبير إذا صلى لم يقل هكذا ولا هكذا ! قال : لكنا نقول هكذا وهكذا ونكون مثل الناس. ورُوي عن ابن عمر أنه كان لا يلتفت في الصلاة ؛ فعلمنا أن الالتفات المنهيَّ عنه أن يولي وجهه يمنةً ويسرةً، فأما أن يلحظ يمنة ويسرة فإنه غير منهيّ عنه. وروى سفيان عن الأعمش قال :" كان ابن مسعود إذا قام إلى الصلاة كأنه ثَوْبٌ مُلْقًى ". وروى أبو مجلز عن أبي عبيدة قال :" كان ابن مسعود إذا قام إلى الصلاة خفض فيها صوته وبدنه وبصره ". ورَوَى علي بن صالح عن زبير الياميّ قال :" كان إذا أراد أن يصلّي كأنه خشبة ".
فإن قيل : لو كان ذلك عموماً في إباحة وطئهن لوجب أن يجوز وَطْؤُهنَّ في حال الحيض وَوَطْءُ الأمَةِ ذات الزوجة والمعتدَّةِ من وَطْءٍ بشبهة ونحو ذلك. قيل له : قد اقتضى عموم اللفظ إباحة وطئهن في سائر الأحوال، إلا أن الدلالة قد قامت على نخصيص من ذكرت كسائر العموم إذا خُصَّ منه شيء لم يمنع ذلك بقاء حكم العموم فيما لم يخص، وملك اليمين متى أُطلق عُقِلَ به الأَمَةُ والعبد المملوكان، ولا يكاد يُطلق ملك اليمين في غير بني آدم، لا يقال للدار والدابة ملك اليمين ؛ وذلك لأن ملك العبد والأَمَةِ أَخَصُّ من ملك غيرهما، ألا ترى أنه يملك التصرف في الدار بالنقض والبناء ولا يملك ذلك في بني آدم ويجوز عارية الدار وغيرهما من العروض ولا يجوز عارية الفروج ؟
مطلب : في السمر
وقد اختلف في السَّمَرِ، فرَوَى شعبة عن أبي المنهال عن أبي بَرْزَة الأسلميّ عن النبي صلى الله عليه وسلم :" أنه كان يكره النوم قبلها والحديث بعدها ". ورَوَى شعبة عن منصور عن خيثمة عن عبدالله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" لا سَمَرَ إِلاّ لرَجُلَيْنِ : مُصَلٍّ أَوْ مُسَافِرٍ ".
وعن ابن عمر أنه كان ينهى عن السمر بعد العشاء. وأما الرخصة فيه فما رَوَى الأعمش عن إبراهيم عن علقمة قال : قال عمر :" كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يزال يسمر الليلة عند أبي بكر في الأَمْرِ من أمور المسلمين "، وكان ابن عباس يسمر بعد العشاء، وكذلك عمرو بن دينار وأيوب السختياني إلى نصف الليل.