تفسير سورة سورة المؤمنون من كتاب صفوة البيان لمعاني القرآن
.
لمؤلفه
حسنين مخلوف
.
المتوفي سنة 1410 هـ
مكية، وآياتها ثماني عشرة ومائة
ﰡ
بسم الله الرحمان الرحيم
﴿ قد أفلح المؤمنون ﴾ أي تحقق فوزهم بمطلوبهم في الآخرة، ونجاتهم فيها مما يكرهون. والفلاح : الظفر بالمرام وإدراك البغية، أو البقاء في الخير.
وقد وصفهم الله بست صفات في الآيات التالية :
﴿ الذين هم في صلاتهم خاشعون ﴾ أي متذللون لله تعالى بطاعته، والقيام فيها بما أمرهم به ؛ مع خوف القلب وسكون الجوارح.
﴿ والذين هم عن اللغو ﴾ أي عن الباطل أو عن كل قبيح من الكلام. أو عما لا يعتد به من الأقوال والأفعال. ﴿ معرضون ﴾ في جميع أوقاتهم.
﴿ والذين هم للزكاة ﴾ أي لأجل تزكية نفوسهم﴿ فاعلون ﴾ الخير ؛ وهو كما قال تعالى : " قد أفلح من تزكى " .
" قد أفلح من زكاها " .
﴿ والذين هم لفروجهم حافظون ﴾ ممسكون لا يرسلونها على﴿ إلا على أزواجهم ﴾ الحرائر﴿ أو ما ملكت أيمانهم ﴾ من الإماء. وهو وصف لهم بكمال العفة.
﴿ فمن ابتغى وراء ذلك ﴾ أي فمن طلب خلاف ذلك الذي أحللناه لهم﴿ فأولئك هم العادون ﴾ المعتدون المتجاوزون حدود الله تعالى. ويدخل في ذلك الزنا، واللواط، والسحاق، ومواقعة البهائم، والاستمناء باليد ؛ كما ذهب إليه الجمهور. يقال : ابتغيت الشيء وتبغيته وبغيته، إذا طلبته. ويقال : عدا الأمر وعن الأمر يعدوه عدوا، جاوزه وتركه ؛ كتعداه فهو عاد.
﴿ والذين هم لأمانتهم وعهدهم راعون ﴾ أي والذين هم قائمون بحفظ ما ائتمنوا عليه، موفون بما عاقدوا الله والناس عليه ؛ كالتكاليف الشرعية، والأموال المودعة، والأيمان والنذور والعقود ونحوها. والرعى : الحفظ. يقال : رعيته حفظته. ورعى الأمير رعيته رعاية : حفظها. والأمانة والعهد في الأصل مصدران أريد بهما ما ذكر.
﴿ والذين يرثون الفردوس ﴾ أعلى الجنات. أو أفضلها [ آية ١٠٧ الكهف ص ٤٨٦ ].
روي أنه صلى الله عليه وسلم قال :( ما منكم من أحد إلا وله منزلان منزل في الجنة ومنزل في النار فإذا مات فدخل النار ورث أهل الجنة منزله ).
﴿ ولقد خلقنا الإنسان من سلالة... ﴾ في هذه الآية وما بعدها إلى آية ٢٢ أربعة أنواع من الأدلة على قدرته تعالى على البعث : الأول – تقلب الإنسان في أطوار تسعة. والثاني – خلق السموات السبع. والثالث – إنزال الماء الذي به الحياة بقدر. والرابع – خلق الأنعام ومنافعها للإنسان.
والسلالة : ما سل من الشيء واستخرج منه. يقال : سللت الشيء من الشيء، استخرجته منه فانسل.
﴿ من طين ﴾ متعلق ب " سلالة " بمعنى مسلولة منه. و " من " في الموضعين ابتدائية. والمراد : أن نوع الإنسان خلق مما ذكر ؛ باعتبار خلق أصله منه وهو آدم عليه السلام ؛ فيكون كل إنسان مخلوقا من ذلك خلقا إجماليا في ضمن خلقه.
﴿ ثم جعلناه نطفة ﴾ أي ثم خلقنا نوع الإنسان باعتبار أفراده المغايرة لآدم عليه السلام من مني يمنى [ آية الحج ص ٤٧ ]. ﴿ في قرار مكين ﴾ أي في مستقر متمكن وهو الرحم.
﴿ علقة ﴾ أي دما جامدا. ﴿ مضغة ﴾ قطعة لحم بقدر ما يمضغ. ﴿ ثم أنشأناه خلقا آخر ﴾ مباينا للخلق الأول ينفخ الروح فيه بعد هذه الأطوار التي كان فيها جمادا ؛ فصار إنسانا ذا قوى وحواس﴿ فتبارك الله ﴾ كثر خيره وإحسانه [ آية ٥٤ الأعراف ص ٢٦٤ ]. ﴿ أحسن الخالقين ﴾ أي أتقن الصانعين صنعا. والخلق في الأصل : التقدير المستقيم، ويستعمل في إبداع الشيء من غير أصل ولا احتذاء، وفي إيجاد الشيء من الشيء بطريق الاستحالة. والأول لا يكون إلا لله تعالى، والثاني يسند إلى لله تعالى ويسند إلى الخلق ؛ قال تعالى : " خلقكم من نفس واحدة " ، " وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني " . والمراد به هنا : التقدير وفي معناه تفسيره بالصنع.
﴿ سبع طرائق ﴾ سبع سموات بعضهن فوق بعض. والعرب تسمى كل شيء فوق شيء طريقة، بمعنى مطروقة ؛ من طرق النعل : إذا وضع طاقاته بعضها فوق بعض ؛ وهو كقوله تعالى : " سبع سموات طباقا " .
﴿ ماء بقدر ﴾ أي تقدير لائق ؛ لاستجلاب المنافع ودفع المضار. أو بمقدار ما علمناه من حاجات الناس ومصالحهم ؛ منه : " وما ننزله إلا بقدر معلوم " .
﴿ وشجرة تخرج من طور سيناء ﴾ أي وأنشأنا لكم شجرة تخرج من الجبل المعروف بهذا الاسم وهو جبل المناجاة. ﴿ تنبت بالدهن ﴾ تنبت ملتبسة بالدهن ومصحوبة به ؛ كما تقول : خرج فلان بسلاحه. والدهن : عصارة كل شيء ذي دسم، والمراد له هنا : زيت الزيتون. وقرئ " تنبت " بضم التاء ؛ من أنبت بمعنى نبت. أو من أنبت المتعدى بالهمزة ؛ كأنبت الله الزرع، والتقدير : تنبت جناها مصحوبا بالدهن﴿ وصبغ للآكلين ﴾ أي وبإدام للآكلين. والصبغ والصباغ – بالكسر فيهما - : الإدام لأنه يصبغ الخبز. وأصل الصبغ : ما يلون به الثوب ؛ فكان الزيت إداما يؤتدم به كما كان دهنا يدهن به ويسرج منه. والتغاير بين المعطوف والمعطوف عليه باعتبار الصفات لا باعتبار الذات.
﴿ وإن لكم في الأنعام لعبرة ﴾ العبرة : اسم من الاعتبار، وهو الحالة التي يتوصل بها من معرفة المشاهد على معرفة ما ليس بمشاهد، أي وإن لكم في الأنعام لآية تعتبرون بها فتعرفون أيادي عندكم وقدرته على ما يشاء ؛ وخصها بالذكر لأن العبرة فيها أظهر.
﴿ ولقد أرسلنا نوحا ﴾ في هذه الآية وما بعدها إلى آية ٥٠ خمس قصص : قصتا نوح وهود وقصة أمم أخرى كقوم صالح ولوط وشعيب، وقصة موسى وهارون، وقصة عيسى وأمه عليهم السلام.
﴿ فقال الملأ ﴾ أي أشراف القوم. قد دلّسوا على أتباعهم بخمس شبه : الأولى – قولهم : " ما هذا إلا بشر مثلكم ". والثانية – " ولو شاء الله لأنزل ملائكة ". والثالثة – " ما سمعنا بهذا آبائنا والأولين. والرابعة – " إن هو إلا رجل به جنة ". والخامسة – " فتربصوا به حتى حين ".
ولم يتعرض لردها لظهور فسادها. ﴿ أن يتفضل عليكم ﴾ أي يطلب الفضل والسيادة عليكم فيكون متبوعا وأنتم له تبع ؛ من التفضل بمعنى طلب الفضل.
﴿ به جنة ﴾ أي جنون. أو جن يخبلونه فيقول ما لا يدري. ﴿ فتربصوا به حتى حين ﴾ فانتظروه لعله يفيق مما اعتراه من الجنة، أو على أن يموت
﴿ اصنع الفلك بأعيننا ﴾ بمرأى منا ومنظر. أو بحفظنا لك عن أن يفسدها عليك قومك. ﴿ ووحينا ﴾ أمرنا وتعليمنا إياك صنعتها. ﴿ وفار التنور ﴾ [ آية ٤٠ هود ص ٣٦٤ ].
﴿ منزلا مباركا ﴾ بضم الميم وفتح الزاي ؛ أي إنزالا، أو مكان إنزال مباركا. وقرئ " منزلا " بفتح الميم وكسر الزاي ؛ أي مكان نزول مباركا. والمراد بالبركة هنا : النجاة من الغرق وكثرة النسل، وتتابع الخيرات بعد الإنجاء.
﴿ لمبتلين ﴾ لمختبرين بالنقم والنعم.
﴿ قرنا آخرين ﴾ قوما غيرهم. والقرن : القوم المجتمعون في زمان واحد ؛ وهم عاد على ما رجحه أكثر المفسرين. وقيل ثمود.
﴿ وقال الملأ من قومه ﴾ أثاروا شبهتين : إحداهما قولهم : " ما هذا إلا بشر مثلكم ". والثانية قولهم : " أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون ".
وبنوا عليهما إنكار البعث والطعن في رسالته بقولهم : " إن هو إلا رجل به جنة ".
﴿ وأترفناهم ﴾ نعمناهم بما وسعنا عليهم من نعم الدنيا حتى بطروا [ آية ١١٦ هود ص ٣٧٧ ].
﴿ هيهات هيهات لما توعدون ﴾ اسم فعل ماض معناه ؛ أي بعد بعد ما توعدون به من الخروج من القبور. والثانية تأكيد لفظي لها، واللام زائدة في الفاعل.
﴿ فأخذتهم الصيحة ﴾ صيحة جبريل عليه السلام، صاح بهم مع الريح العاتية فهلكوا عن آخرهم. وقد أهلك الله عادا قوم هود بالصيحة وبالريح العاتية. وذكر أحدهما في الآية للإشارة إلى أنه لو انفرد لكفى في تدميرهم. ﴿ فجعلنهم غثاء ﴾ فصيرناهم هلكى هامدين كغثاء السيل، وهو الرميم الهامد الذي يحمله السيل من ورق الشجر والعيدان اليابسة البالية مخلطا لزبده. يقال : غثا الوادي يغثو غثوا فهو غاث، إذا كثر غثاؤه. ﴿ فبعدا للقوم الظالمين ﴾ فهلاكا لهم [ آية ٤٤ هود ص ٣٦٥ ].
﴿ أرسلنا رسلنا تترى ﴾ متواترين ؛ أي متتابعين واحدا إثر واحد مع فصل ومهلة. وصدر كدعوى، وألفه للتأنيث. وأصله : وترى فقلبت الواو تاء ؛ من المواترة وهي التتابع مع تراخ وفترة. وهو منصوب على الحال من " رسلنا ". ﴿ وجعلناهم أحاديث ﴾ أي جعلنا الأمم المكذبة مثلا يتحدث بهم الناس تعجبا وتلهيا ؛ جمع أحدوثة كأعجوبة، ولا يقال ذلك إلا في الشر. والمراد : أنهم أهلكوا ولم يبق الناس إلا أخبارهم يتلهون بها كالأعاجيب. ﴿ فبعدا لقوم لا يؤمنون ﴾ فهلاكا لهم لعدم إيمانهم.
﴿ وقومها لنا عابدون ﴾ خادمون.
﴿ وآويناهما إلى ربوة ﴾ أسكناهما وأنزلناهما في ربوة ؛ أي أوصلناهما إليها فكانت مسكنهما.
والربوة : المكان المرتفع، وهي دمشق أو بيت المقدس، أو الرملة من فلسطين، أو مصر. ﴿ ذات قرار ﴾ يستقر بها من يأوي إليها لما فيها من الثمار والزروع. ﴿ ومعين ﴾ أي ماء جار ظاهر للعيون. اسم مفعول ؛ من عانه إذا أدركه وأبصره بعينه ؛ فالميم زائدة. وأصله معيون كمبيوع، ثم دخله الإعلال.
﴿ وإن هذه أمتكم أمة واحدة ﴾ جملة مستأنفة. وقرئ بفتح همزة " إن " بتقدير واعلموا [ آية ٩٢ الأنبياء ]. والمراد : أن شريعة الأنبياء جميعا هي شريعة الإسلام، لا تختلف في التوحيد ولا في العقائد المبنية عليه وإن اختلفت في الأحكام الفرعية. ﴿ وأنا ربكم ﴾ لا شريك لي في الربوبية﴿ فاتقون ﴾ فخافوا عقابي في مخالفة أمري.
﴿ فتقطعوا أمرهم بينهم ﴾ أي قطعوا أمر دينهم وجعلوه أديانا مختلفة مع أنه واحد في الأصل. ﴿ زبرا ﴾ قطعا، فصاروا طوائف وأحزاب شتى. جمع زبرة – كغرفة – بمعنى قطعة ؛ أي طائفة من الناس.
﴿ فذرهم ﴾ الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ؛ أي اترك كفار مكة﴿ في غمرتهم ﴾ أي جهالتهم وضلالتهم. والغمرة في الأصل : الماء الذي يغمر القامة ويسترها، ثم استعير لما ذكر.
﴿ أيحسبون أنما نمدهم به... ﴾ أي أيظنون الذي نعطيهم إياه ونجعله مددا لهم في الدنيا من مال وأولاد، نسارع لهم به فيما فيه خيرهم وإكرامهم ! ؟ والاستفهام إنكاري بمعنى النفي.
﴿ بل لا يشعرون ﴾ أنه استدراج لهم عاقبته الهلاك.
﴿ من خشية ربهم مشفقون ﴾ أي من خشية عقابه حذرون خائفون.
﴿ وقلوبهم وجلة ﴾ خائفة من ألا يقبل منهم ذلك الإيتاء، وألا يقع على الوجه اللائق [ آية الأنفال ص ٢٩٤ ]. ﴿ أنهم إلى ربهم ﴾ أي لأنهم إليه﴿ راجعون ﴾ يوم القيامة ؛ فيؤاخذ كل إنسان بما عمل
﴿ وهم لها ﴾ أي لأجلها﴿ سابقون ﴾ غيرهم. أو وهم إليها سابقون. يقال : سبقت له وإليه بمعنى.
﴿ حتى إذا أخذنا مترفيهم ﴾ أي حتى إذا عاقبنا أهل النعمة والبطر منهم [ آية ١١٦ هود ص ٣٧٧ ].
﴿ بالعذاب ﴾ أي الجدب والقحط الذي أصابهم بمكة سبع سنين حين دعا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم. أو القتل والأسر يوم بدر. ﴿ إذا هم يجئرون ﴾ يصرخون وستغيثون بربهم. والجؤار : الصراخ مطلقا، أو باستغاثة. يقال : جأر الثور يجأر، إذا صاح. وجأر الداعي إلى الله تعالى : ضج ورفع صوته.
وقيل : المراد بالعذاب عذاب الآخرة. وتخصيص المترفين بذلك للإشارة إلى أن ما كانوا فيه من المنعة في الدنيا لم ينفعهم يوم القيامة، وإلا فغيرهم كذلك ؛
فيقال لهم :﴿ لا تجأروا اليوم ﴾ أي يوم العذاب﴿ إنكم منا لا تنصرون ﴾ أي لا ينالكم منا نصرة تنجيكم مما أنتم فيه.
﴿ على أعقابكم تنكصون ﴾ ترجعون وراءكم، مولين عن الآيات معرضين عن سماعها أشد الإعراض ؛ فضلا عن تصديقها والعمل بها [ آية ٤٨ الأنفال ص ٣٠٣ ].
﴿ مستكبرين به ﴾ أي متكبرين على المسلمين بالبيت الحرام أو بالحرم ؛ والباء للسببية. وسوغ هذا الإضمار بالتعاظم بالبيت والحرم، وبقولهم : لا يظهر علينا أحد لأننا أهله. ﴿ سامرا ﴾ أي تسمرون بالليل حول البيت. وكان عامة سمرهم ذكر القرآن والطعن فيه بأنه شعر أو سحر أو أساطير. اسم جمع كحاج. يقال : سمر فلان يسمر، إذا تحدث ليلا. وأصل السمر : ظل القمر ؛ وسمي بذلك لسمرته. وقيل : سواد الليل، ثم أطلق الحديث بالليل. ﴿ تهجرون ﴾ تهذون بالباطل من القول في القرآن. يقال : هجر يهجر وهجرا وهجرا فهو هاجر، إذا هذى وتكلم بغير معقول لمرض أو لغيره.
و " مستكبرين " و " سامرا " و " تهجرون " أحوال ثلاثة مترادفة على الواو في " تنكصون " أو متداخلة.
﴿ أفلم يدبروا القول ﴾ أي أفعلوا ما فعلوا مما سبق ؛ فلم يتدبروا القرآن ويعلموا أنه معجز ودليل على صدق الرسالة فيؤمنوا به ! ؟ ﴿ أم جاءهم ما لم يأت آباءهم الأولين ﴾ أي بل جاءهم من الكتاب ما لم يأت أسلافهم حتى استبعدوه وخاضوا فيه بما خاضوا من الكفار والضلال ! مع أن مجئ الرسل بالكتب مما لا مساغ لجحوده !
﴿ أم لم يعرفوا رسولهم ﴾ بل ألم يعرفوه صلى الله عليه وسلم بالأمانة والصدق وحسن الخلق ! وقد كانوا قبل مبعثه يسمونه الصادق الأمين ؛ فكيف يكذبونه في رسالته ! ؟
﴿ أم يقولون به جنة ﴾ أي بل أيقولون به جنون، وقد كانوا يعرفون أنه أرجح الناس عقلا، وأثقبهم رأيا ! ﴿ بل جاءهم بالحق ﴾ أي ليس الأمر كما زعموا في حق القرآن والرسول، بل جاءهم بالصدق الثابت الذي لا محيد عنه، وهو التوحيد ودين الإسلام تضمنه القرآن.
﴿ بل أتيناهم بذكرهم ﴾ أي بالقرآن الذي فيه ذكرهم وشرفهم.
﴿ أم تسألهم خرجا ﴾ أم يزعمون أنك تسألهم
على تبليغ الرسالة أجرا وجعلا ؛ فتنكصوا على أعقابهم مستكبرين ! ؟ والخرج والخراج : الإتاوة. وجمع الخرج : أخراج. وجمع الخراج : أخرجة وأخاريج.
﴿ عن الصراط لناكبون ﴾ لعادلون عن هذا الصراط المستقيم، وهو الإسلام والتوحيد. يقال : نكب عن كذا ينكب نكبا ونكوبا، ونكب ينكب نكبا، إذا عدل ؛ كنكّب عنه وتنكب.
﴿ للجوا في طغيانهم يعمهون ﴾ لتمادوا في عتوهم وجرأتهم على الله تعالى عامهين مترددين في الضلال ؛ من اللجاج، وهو التمادي والعناد في تعاطي الفعل المزجور عنه. يقال : لج في الأمر يلج ويلج لججا ولجاجا ولجاجة، إذا لازمه وواظبه ؛ ومنه اللجة – بالفتح – لكثرة الأصوات. ولجة البحر – بالضم – لتردد أمواجه. والعمه : التردد في الأمر تحيرا.
﴿ فما استكانوا لربهم ﴾ فما خضعوا لربهم وانقادوا له وأطاعوه. واستكان : أي انتقل من كون إلى كون، ثم غلب استعماله في الانتقال من كون الكبر إلى كون الخضوع.
﴿ إذا هم فيه مبلسون ﴾ ساكتون من شدة الحيرة. أو آيسون من كل خير. يقال : أبلس الرجل إبلاسا، سكت وأبلس : أيس [ آية ٤٤ الأنعام ص ٢٢٣ ].
﴿ ذرأكم ﴾ خلقكم وبثكم﴿ في الأرض ﴾ بالتناسل.
﴿ أساطير الأولين ﴾ ما سطروه في كتبهم من الأحاديث الملففة والأخبار الكاذبة. جمع أسطورة كأحدوثة.
﴿ قل لمن الأرض... ﴾ أي قل لهم إلزاما للحجة على أنه تعالى قادر على البعث، وأنه هو الذي يستحق أن يعبد وحده ؛ وقد ألزمهم بثلاث حجج.
﴿ ملكوت كل شيء ﴾ ملك كل شيء، أو خزائنه. ﴿ وهو يجير ولا يجار عليه ﴾ يغيث من يشاء ويمنعه مما يشاء ؛ ولا يغيث أحد منه أحدا ولا يمنعه منه فيدفع عنه عذابه وعقابه. يقال : أجرت فلانا على فلان، إذا أغثته منه ومنعته ؛ وعدي بعلى لتضمينه معنى النصر.
﴿ فأنى تسحرون ﴾ فكيف تخدعون وتصرفون عن الرشد والحق مع علمكم به، إلى ما أنتم عليه من الغي ؛ فإن من لا يكون مسحورا مختل العقل لا يكون كذلك ! من سحر – كمنع – بمعنى خدع أو أتى عمل السحر. والمسحور : المخدوع أو من تأثر بعمل السحر.
﴿ إما تريني... ﴾ أي إن تريني ما يوعدون به من العذاب، فلا تجعلني قرينا لهم فيه فأهلك مثلهم.
﴿ ادفع بالتي هي أحسن السيئة ﴾ إرشاد له صلى الله عليه وسلم إلى ما يليق بمنصبه الرفيع من حسن الخلق والمكارم. وكان من دأبه صلى الله عليه وسلم مقابلة السيئة بالحسنة، والعفو عمن أساء إليه.
﴿ أعوذ بك... ﴾ أستجير بك من وساوس الشياطين وما يخطرونه بالقلب، مما يغرى بالمعاصي والشرور، وألجأ إليك في دفعها. يقال : عاذ به واستعاذ، لجأ إليه. وهو عياذه : أي ملجؤه. ﴿ همزات ﴾ جمع همزو، وهي النخسة والغمزة والدفعة بيد أو غيرها. يقال : همزه يهمزه ويهمزه، إذا نخسه ودفعه وغمزه ؛ ومنه المهماز وهو حديدة في مؤخر خف الرائض يحث بها الدابة على المشي.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٩٧:﴿ أعوذ بك... ﴾ أستجير بك من وساوس الشياطين وما يخطرونه بالقلب، مما يغرى بالمعاصي والشرور، وألجأ إليك في دفعها. يقال : عاذ به واستعاذ، لجأ إليه. وهو عياذه : أي ملجؤه. ﴿ همزات ﴾ جمع همزو، وهي النخسة والغمزة والدفعة بيد أو غيرها. يقال : همزه يهمزه ويهمزه، إذا نخسه ودفعه وغمزه ؛ ومنه المهماز وهو حديدة في مؤخر خف الرائض يحث بها الدابة على المشي.
﴿ كلا ﴾ كلمة ردع وزجر عن طلب الرجعة. إلى الدنيا. ﴿ برزخ إلى يوم يبعثون ﴾ أي حاجز بينهم وبين الرجعة إلى الدنيا إلى يوم البعث. وهو إقناط لهم من الرجعة، وتهديد لهم بعذاب القبر إلى يوم البعث. وأصله الحاجز والحاجب بين الشيئين أن يصل أحدهما إلى الآخر.
﴿ نفخ في الصور ﴾ هو القرن الذي ينفخ فيه نفخة الصعق ونفخة البعث. والمراد هنا : النفخة الثانية. أي إذا نفخ في الصور نفخة النشور فلا تنفعهم أنسابهم شيئا ؛ لعظم الهول واشتغال كل بنفسه، ولا يسأل أحد أحدا كما هو الشأن في الدنيا. وقيل : المراد النفخة الأولى.
﴿ تلفح وجوههم النار ﴾ يحرقها لهب النار. يقال : لفحته النار والسموم بحرها تلفحه لفحا ولفحانا، أحرقته. ﴿ وهم فيها كالحون ﴾ متقلصو الشفاه عن الأسنان من أثر ذلك اللقح ؛ من الكلوح
وهو أن تتقلص الشفتان وتتشمرا عن الأسنان. يقال : كلح يكلح كلوحا وكلاحا، كتكلح. وقولهم : ما أقبح كلحته ؛ يراد به الفم وما حواليه.
﴿ غلبت علينا شقوتنا ﴾ ملكتنا لذاتنا وأهواؤنا التي بها شقاؤنا. والشقوة والشقاوة : ضد السعادة. مصدر شقي ؛ كرضي.
﴿ اخسئوا فيها ﴾ انزجروا إنزجار الكلاب إذا زجرت. أو امكثوا فيها صاغرين أذلاء. [ آية ٦٥ البقرة ص ٣٢ ].
﴿ فاتخذتموهم سخريا ﴾ هزاءا ؛ ومنهم بلال وعمار وأضرابهما من الضعفاء. مصدر بكسر السين وضمها، كعصي وعصي ؛ من سخر – كفرح – زيدت فيه ياء النسب للمبالغة في قوة الفعل. وفي المختار : سخر منه وبه، وهزئ منه وبه معنى. والاسم السخرية والسخري – بضم السين وكسرها – وبهما قرئ.
﴿ فاسأل العادين ﴾ الحاسبين الذين يحصون أعداد الأشياء ؛ وهم الملائكة. والله أعلم.