تفسير سورة الكهف

لطائف الإشارات
تفسير سورة سورة الكهف من كتاب تفسير القشيري المعروف بـلطائف الإشارات .
لمؤلفه القشيري . المتوفي سنة 465 هـ

ويقال «وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ» : بالنهار، «وَلا تُخافِتْ بِها» : بالليل.
قوله جل ذكره:
[سورة الإسراء (١٧) : آية ١١١]
وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً (١١١)
احمده يذكر تقدسه عن الولد، وأنه لا شريك له ولا ولى له من الذلّ إما على أنه لم يذلّ فيحتاج إلى ولى، أو على أنه لم يوال أحدا من أجل مذلة به فيدفعها بموالاته. ويقال اشكره على نعمته العظيمة حيث عرّفك بذلك.
ويقال له الأولياء ولكن لا يعتريهم بذلّهم، إذ يصيرون بعبادته أعزّة.
«وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً» بأن تعلم أنّك تصل إليه به لا بتكبيرك.
السورة التي يذكر فيها الكهف
قوله جل ذكره: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ما سعدت القلوب إلا بسماع اسم الله، وما استنارت الأسرار إلا بوجود الله، وما طربت الأرواح إلا بشهود جلال الله.
سماع «بِسْمِ اللَّهِ» راحة القلوب وضياؤها، وشفاء الأرواح ودواؤها.
«بِسْمِ اللَّهِ» قوت العارفين بها يزول كدّهم وعناؤهم، وبها استقلالهم وبقاؤهم «١».
قوله جل ذكره:
[سورة الكهف (١٨) : آية ١]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً (١)
(١) لاحظ الربط بين تفسير البسملة فى أول هذه السورة وبين قصة أهل الكهف، الذين فنوا عن أنفسهم لبقائهم بالله.
إذا حمل «الْحَمْدُ» هنا على معنى الشكر فإنزال الكتاب من أجلّ نعمه، وكتاب الحبيب لدى الحبيب. أجلّ موقع وأشرف محلّ، وهو من كمال إنعامه عليه، وإن سمّاه- عليه السلام- عبده فهو من جلائل نعمه عليه لأنّ من سمّاه عبده جعله من جملة خواصّه.
وإذا حمل «الْحَمْدُ» فى هذه الآية على معنى المدح كان الأمر فيه بمعنى الثناء عليه- سبحانه، بأنّه الملك الذي له الأمر والنهى والحكم بما يريد، وأنه أعدّ الأحكام التي فى هذا الكتاب للعبيد، وسمّاه ﷺ عبده لمّا كان فانيا عن حظوظه، خالصا لله بقيامه بحقوقه.
قوله جل ذكره:
[سورة الكهف (١٨) : آية ٢]
قَيِّماً لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً (٢)
«قَيِّماً» : أي صانه عن التعارض والتناقض، فهو كتاب عزيز من ربّ عزيز.
«والبأس الشديد» : معجّله الفراق، ومؤجّله الاحتراق.
ويقال هو البقاء عن الله تعالى، والابتلاء بغضب الله.
ومعنى الآية لينذرهم ببأس شديد.
قوله جل ذكره: وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً.
والعمل الصالح ما يصلح للقبول، وهو ما يؤدّى على الوجه الذي أمر به. ويقال العمل الصالح ما كان بنعت الخلوص، وصاحبه صادق فيه.
ويقال هو الذي لا يستعجل عليه صاحبه حظّا فى الدنيا من أخذ عوض، أو قبول جاه، أو انعقاد رياسة.. وما فى هذا المعنى.
وحصلت البشارة بأنّ لهم أجرا حسنا، والأجر الحسن ما لا يجرى مع صاحبه استقصاء فى العمل.
ويقال الأجر الحسن ما يزيد على مقدار العمل.
ويقال الأجر الحسن ما لا يذكّر صاحبه تقصيره، ويستر عنه عيوب عمله.
قوله جل ذكره:
[سورة الكهف (١٨) : آية ٣]
ماكِثِينَ فِيهِ أَبَداً (٣)
البشارة منه أنّ تلك النّعم على الدوام غير منقطعة، وأعظم من البشارة بها قوله «١» :
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ٤ الى ٥]
وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً (٤) ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لِآبائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِباً (٥)
قالتهم القبيحة نتيجة جهلهم بوحدانية الله، ولقد توارثوا ذلك الجهل عن أسلافهم والحيّة لا تلد إلا حيّة! كبرت كلمتهم فى الإثم لمّا خسّت فى المعنى. ومن نطق بما لم يحصل له به إذن لحقه هذا الوصف. ومن تكلّم فى هذا الشأن قبل أوانه فقد دخل فى غمار هؤلاء «٢».
قوله جل ذكره:
[سورة الكهف (١٨) : آية ٦]
فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً (٦)
من فرط شفقته- صلى الله عليه وسلم- داخله الحزن لامتناعهم عن الإيمان، فهوّن الله- سبحانه- عليه الحال، بما يشبه العتاب فى الظاهر كأنه قال له: لم كل هذا؟
ليس فى امتناعهم- فى عدّنا- أثر، ولا فى الدّين من ذلك ضرر.. فلا عليك من ذلك.
ويقال أشهده جريان التقدير، وعرّفه أنه- وإن كان كفرهم منهيّا عنه فى الشرع- فهو فى الحقيقة مراد الحق.
قوله جل ذكره:
[سورة الكهف (١٨) : آية ٧]
إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً (٧)
(١) البشارة بالآية التالية أعظم لأن المؤمن يعلم أن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء.
(٢) فى هذه الإشارة غمزة بمن ينطقون- بدعوى المحو- بما لا يليق. [.....]
ما على الأرض زينة لها تدرك بالأبصار، وممن على الأرض من هو زينة لها يعرف بالأسرار. وإنّ قيمة الأوطان لقطّانها، وزينة المساكن فى سكّانها.
ويقال العبّاد بهم زينة الدنيا، وأهل المعرفة بهم زينة الجنة.
ويقال الأولياء زينة الأرض وهم أمان من فى الأرض.
ويقال إذا تلألأت أنوار التوحيد فى أسرار الموحدين أشرقت جميع الآفاق بضيائهم.
قوله جل ذكره: لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا أحسنهم عملا أصدقهم نيّة، وأخلصهم طوية.
ويقال أحسنهم عملا أكثرهم احتسابا إذ لا ثواب لمن لا حسبة له، وأعلى من هذا بل وأولى من هذا فأحسنهم عملا أشدّهم استصغار لفعله، وأكثرهم استحقارا لطاعته لشدة رؤيته لتقصيره فيما يعمله، ولانتقاصه أفعاله فى جنب ما يستوجبه الحقّ بحقّ أمره.
ويقال أحسن أعمال المرء نظره إلى أعماله بعين الاستحقار والاستصغار، لقول الشاعر:
وأكبر من فعله وأعظمه تصغيره فعله الذي فعله
معناه: أكبر من فعله- الذي هو عطاؤه وبذله- تقليله واستصغاره لما يعطيه ويجود به.
قوله جل ذكره:
[سورة الكهف (١٨) : آية ٨]
وَإِنَّا لَجاعِلُونَ ما عَلَيْها صَعِيداً جُرُزاً (٨)
كون ما على الأرض زينة لها فى الحال سلب قدره بما أخبر أنه سيفنيه فى المآل.
قوله جل ذكره:
[سورة الكهف (١٨) : آية ٩]
أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً (٩)
أزال الأعجوبة عن أوصافهم بما أضافه إلى ربّه بقوله: «مِنْ آياتِنا» فقلب العادة من قبل الله غير مستنكر ولا مبتدع.
ويقال مكثوا فى الكهف مدة فأضافهم إلى مستقرّهم فقال: «أَصْحابَ الْكَهْفِ»، وللنفوس محال، وللقلوب مقارّ، وللهم مجال، وحيثما يعتكف يطلب أبدا صاحبه «١».
ويقال الإشارة فيه ألا تتعجّب من قصتهم فحالك أعجب فى ذهابك إلينا فى شطر من الليل حتى قاب قوسين أو أدنى «٢»، وهم قد بقوا فى الكهف سنين.
قوله جل ذكره:
[سورة الكهف (١٨) : آية ١٠]
إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقالُوا رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً (١٠)
آواهم إلى الكهف بظاهرهم، وفى الباطن فهو مقيلهم فى ظلّ إقباله وعنايته، ثم أخذهم عنهم، وقام عنهم فأجرى عليهم الأحوال وهم غائبون عن شواهدهم «٣».
وأخبر عن ابتداء أمرهم بقوله. «رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً» :
أي أنهم أخذوا فى التبرّى من حولهم وقوّتهم، ورجعوا إلى الله بصدق فاقتهم، فاستجاب لهم دعوتهم، ودفع عنهم ضرورتهم «٤»، وبوّأهم فى كنف الإيواء مقيلا حسنا.
قوله جل ذكره:
[سورة الكهف (١٨) : آية ١١]
فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً (١١)
أخذناهم عن إحساسهم بأنفسهم، واختطفناهم عن شواهدهم بما استغرقناهم فيه من حقائق ما كاشفناهم به من شهود الأحدية، وأطلعناهم عليه من دوام نعت الصمدية.
(١) معنى العبارة يطلب صاحب المكان من حيث المكان الذي يعتكف فيه.
(٢) يشير القشيري بذلك إلى المنزلة الرفيعة التي وصل إليها المصطفى- صلوات الله عليه- ليلة الإسراء والمعراج، وكيف أنه انتهى فى ليلة واحدة إلى ما لم يصل إليه أصحاب الكهف فى سنين.
(٣) واضح أن القشيري يعالج قصة أهل الكهف في ضوء حال الفناء وحال البقاء.. وهذا من النماذج التي يقدمها التصوف لتفسير الظواهر العجيبة التي تقلب فيها العادة، وبحار فيها العقل.
(٤) يقصد من الضرورة هنا ما يلزم الإنسان من طعام وشراب وتخلص من بقاياهما.. ونحو ذلك.
قوله جل ذكره:
[سورة الكهف (١٨) : آية ١٢]
ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً (١٢)
أي رددناهم إلى حال صحوهم وأوصاف تمييزهم، وأقمناهم بشواهد التفرقة بعد ما محوناهم عن شواهدهم بما أقمناهم بوصف الجمع.
قوله جل ذكره:
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ١٣ الى ١٤]
نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْناهُمْ هُدىً (١٣) وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ إِذْ قامُوا فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً (١٤)
لمّا كانوا مأخوذين عنهم تولّى الحق- سبحانه- أن قصّ عنهم، وفرق بين من كان عن نفسه وأوصافه قاصّا لبقائه فى شاهده وكونه غير منتف بجملته.. وبين من كان موصوفا بواسطة غيره لفنائه عنه وامتحائه منه وقيام غيره عنه.
ويقال لا تسمع قصة الأحباب أعلى وأجلّ مما تسمع من الأحباب، قال عزّ من قائل:
«نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ»، وأنشدوا:
وحدّثتني يا سعد عنها فزدتنى حنينا فزدنى من حديثك يا سعد
قوله: «إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ» : يقال إنهم فتية لأنهم آمنوا- على الوهلة- بربّهم، آمنوا من غير مهلة، لمّا أتتهم دواعى الوصلة «١».
ويقال فتية لأنهم قاموا لله، وما استقروا حتى وصلوا إلى الله.
قوله جل ذكره: وَزِدْناهُمْ هُدىً وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ لاطفهم بإحضارهم، ثم كاشفهم فى أسرارهم، بما زاد من أنوارهم، فلقّاهم أولا التبيين، ثم رقاهم عن ذلك باليقين.
(١) لاحظ أهمية ذلك فى فهم معنى (الفتوة) عند الصوفية.
وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ: بزيادة اليقين حتى متع نهار «١» معارفهم، واستضاءت شموس تقديرهم، ولم يبق للتردد مجال فى خواطرهم، و (... ) «٢» فى التجريد أسرارهم، وتمّت سكينة قلوبهم.
ويقال «رَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ» : بأن أفنيناهم عن الأغيار، وأغنيناهم عن التفكّر بما أوليناهم من أنوار التبصّر.
ويقال ربطنا على قلوبهم بما أسكنّا فيها من شواهد الغيب، فلم تسنح فيها هواجس التخمين ولا وساوس الشياطين.
قوله جل ذكره: إِذْ قامُوا فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قاموا لله بالله، ومن قام بالله فقد عمّا سوى الله.
ويقال من قام لله، لم يقعد حتى يصل إلى الله.
ويقال قعدت عنهم الشهوات فصحّ قيامهم بالله.
قوله جل ذكره: لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً، لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً.
من أحال الشيء على الحوادث فقد أشرك بالله، ومن قال إنّ الحوادث من غير الله فقد اتخذ إلها من دون الله.
قوله جلّ ذكره:
[سورة الكهف (١٨) : آية ١٥]
هؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً (١٥)
(١) متوع النهار اصطلاح يأتى فى مذهب القشيري بعد اللوائح والطوالع واللوامع، وهو يلتقى مع المعنى من حيث اللغة (يقال متع النهار أي بلغ غاية ارتفاعه).
(٢) مشتبهة وهى قريبة فى الرسم من (واتخذوا) ومصوبة فى الهامش (وانحدروا) لأجل هذا لم نستطع أن نحسم فيها برأى، وهى على العموم كلمة تفيد خلوص أسرارهم فى التجريد وإلا لما حدثت سكينة قلوبهم.
لمّا لم يكن لهم حجة اتضح فيما ادعوه كذبهم، فمن اكتفى بنفي القالة دون ما يشهد لقوله من أدلته فهو معلول فى نحلته.
«فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً؟» فمن ذكر فى الدّين قولا لم يؤيّد ببرهان عقلى أو نقلى فهو مفتر، ومن أظهر من نفسه حالا لم يوجبه صدق مجاهدته أو منازلته فهو على الله مفتر. والذي يصدق فى قوله- فى هذه الطريقة- فهو الذي يسمع من الحق بسرّه، ثم ينطق بلفظه «١».
قوله جل ذكره:
[سورة الكهف (١٨) : آية ١٦]
وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَما يَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقاً (١٦)
العزلة عن غير الله توجب الوصلة بالله. بل لا تحصل الوصلة بالله إلا بعد العزلة عن غير الله.
ويقال لما اعتزلوا ما عبد من دون الله آواهم الحقّ إلى كنف رعايته، ومهد لهم مثوى فى كهف عنايته.
ويقال من تبرّأ من اختياره فى احتياله، وصدق رجوعه إلى الله فى أحواله، ولم يستعن- بغير الله- من أشكاله وأمثاله آواه إلى كنف أفضاله، وكفاه جميع أشغاله، وهيّأ له محلّا يتفيؤ فيه فى برد ضلاله، بكمال إقباله.
قوله جل ذكره: وَتَرَى الشَّمْسَ إِذا طَلَعَتْ تَتَزاوَرُ «٢» عَنْ كَهْفِهِمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَإِذا غَرَبَتْ
(١) هذا رأى على جانب كبير من الخطورة فى قضية هامة من قضايا التصوف، كانت لها في بعض الأحيان عواقب جسيمة: وهى هل يفصح الصوفي الواله أم يكتم؟ ونلاحظ أنى القشيري ربط القضية بعنصر أساسى هو الصدق...
(٢) نزاور من الزور وهو الميل، والزور الميل عن الصدق.

[سورة الكهف (١٨) : الآيات ١٧ الى ١٨]

وَتَرَى الشَّمْسَ إِذا طَلَعَتْ تَتَزاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَإِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذاتَ الشِّمالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذلِكَ مِنْ آياتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً (١٧) وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً (١٨)
«١» كانوا فى متّسع من الكهف، ولكن كان شعاع الشمس لا ينبسط عليهم مع هبوب الرياح عليهم.
ويقال أنوار الشمس تتقاصر وتتصاغر بالإضافة إلى أنوارهم «٢».
إن نور الشمس ضياء يستضىء به الخلق، ونور معارفهم أنوار يعرف بها الحق، فهذا نور يظهر فى الصورة، وهذا نور يلوح فى السريرة. وبنور الشمس يدرك الخلق وبنورهم كانوا يعرفون الحق.
وفى قوله- عزّ اسمه: «ذلِكَ مِنْ آياتِ اللَّهِ» فيه دلالة على أن فى الأمر شيئا بخلاف العادة، فيكون من جملة كرامات الأولياء ويحتمل أن يكون شعاع الشمس إذا انتهى إليهم ازورّ عنهم، ومضى دونهم بخلاف «٣» ما يقول أصحاب الهبة، ليكون فعلا ناقضا للعادة فلا يبعد أن يقال إن نور الشمس يستهلك فى النور الذي عليهم.
قوله جل ذكره: مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً فالله يهدى قوما بالأدلة والبراهين، وقوما بكشف اليقين فمعارف الأولين قضية الاستدلال، ومعارف الآخرين حقيقة الوصال، فهؤلاء مع برهان، وهؤلاء على بيان كأنهم أصحاب عيان:
«وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ» : أي من وسمه بسمة الحرمان فلا عرفان ولا علم ولا إيمان.
قوله جل ذكره: وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ
(١) تقرضهم أي تقطعهم أي تتركهم وتعدل عنهم.
(٢) بالإضافة إلى أنوارهم أي إذا قيست بانوارهم.
(٣) أي هذا على لسان أهل التفسير أما على لسان أهل الإشارة. وهذه أول مرة يطلق القشيري (أصحاب الهبة) هذا الوصف عليهم فى «لطائفه»، لهذا نبهنا إليه.
383
هم مساوبون عنهم، مختطفون منهم، مستهلكون فيما كوشفوا به من وجود الحق فظاهرهم- فى رأى الخلق- أنهم بأنفسهم، وفى التحقيق: القائم عنهم غيرهم. وهم محو فيما كوشفوا به من الحقائق.
ثم قال: «وَنُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ» : وهذا إخبار عن حسن إيوائه لهم فلا كشفقة الأمهات بل أتم، ولا كرحمة الآباء بل أعزّ... وبالله التوفيق.
ويقال إن أهل التوحيد صفتهم ما قال الحقّ- سبحانه- فى صفة أصحاب الكهف:
«وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ» فهم بشواهد الفرق فى ظاهرهم، لكنهم بعين الجمع بما كوشفوا به فى سرائرهم، يجرى عليهم أحوالهم وهم غير متكلّفين، بل هم يثبتون- وهم خمود عما هم به- أن تصرفاتهم القائم بها عنهم سواهم، وكذلك فى نطقهم «١».
قوله جل ذكره: وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ. ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً كما ذكرهم ذكر كلبهم، ومن صدق فى محبة أحد أحبّ من انتسب إليه وما ينسب إليه.
ويقال كلب خطا مع أحبائه خطوات فإلى القيامة يقول الصبيان- بل الحق يقول بقوله العزيز-: «وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ....» فهل ترى أنّ مسلما يصحب أولياءه من وقت شبابه إلى وقت مشيبه يردّه يوم القيامة خائبا. ؟ إنه لا يفعل ذلك.
ويقال فى التفاسير إنهم قالوا للراعى الذي تبعهم والكلب معه: اصرف هذا الكلب عنّا... فقال الراعي: لا يمكننى، فإنى أنا دينه.
ويقال أنطق الله سبحانه- الكلب فقال لهم: لم تضربوننى؟
فقالوا: لتنصرف عنّا.
فقال: لا يمكننى أن أنصرف.. لأنه ربّانى.
ويقال كلب بسط يده على وصيد الأولياء فإلى القيامة يقال «وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ»
(١) فنطق العبد الواله وتصرفه يكونان بالله.... تذكر قصة الحلاج.
384
«بِالْوَصِيدِ»... فهل إذا رفعها مسلم إليه خمسين سنة ترى يردّها خائبة؟ هذا لا يكون.
ويقال لما صحبهم الكلب لم تضره نجاسة صفته، ولا خساسة قيمته.
ويقال قال فى صفة أصحاب الكهف إن كانوا «سَيَقُولُونَ: ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ»، أو خمسة سادسهم كلبهم فقد قال فى صفة هذه الأمة: «ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ»..
وشتّان ما هما! ويقال كل يعامل بما يليق به من حالته ورتبته فالأولياء قال فى صفتهم: «وَنُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ»، والكلب قال فى صفته: «وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ».
ويقال كما كرّر ذكرهم، كرر ذكر كلبهم.
وجاء فى القصة أن الكلب لما لم ينصرف عنهم قالوا: سبيلنا إذا لم يتصرف عنّا أن نحمله حتى لا يستدّل علينا بأثر قدمه فحملوه، فكانوا فى الابتداء (بل إياه) «١» وصاروا فى الانتهاء مطاياه.. كذا من اقتفى أثر الأحباب.
ويقال في القصة إن الله أنطق الكلب معهم، وبنطقه ربط على قلوبهم بأن ازدادوا يقينا بسماع نطقه، فقال: لم تضربونى؟ فقالوا: لتنصرف، فقال: أنتم تخافون بلاء يصيبكم فى المستقبل وأنتم بلائي فى الحال:
ثم إنّ بلاءكم الذي تخافون أن يصيبكم من الأعداء، وبلائي منكم وأنتم الأولياء.
ويقال لما لزم الكلب محلّه ولم يجاوز حدّه فوضع يديه على الوصيد بقي مع الأولياء...
كذا أدب الخدمة يوجب بقاء الوصلة.
قوله جل ذكره: لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً
(١) وردت هكذا ونرجح أنها (بلاياه) بدليل ما سيأتى بعد ذلك:
(وأنتم بلائي فى الحال). [.....]
385
الخطاب له- صلى الله عليه وسلم. والمراد منه غيره.
ويقال لو اطلعت عليهم من حيث أنت لولّيت منهم فرارا، ولو شاهدتهم من حيث شهود تولّى الحق لهم لبقيت على حالك.
ويقال لو اطلعت عليهم وشاهدتهم لولّيت منهم فرارا من أن تردّ عن عالى منزلتك إلى منزلتهم والغنىّ إذا ردّ إلى منزلة الفقير فرّ منه، ولم تطب به نفسه. «وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً» بأن يسلب عظيم ما هو حالك، وتقام فى مثل حالهم النازلة عن حالك.
ويقال: «لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً» لأنك لا تريد أن تشهد غيرنا.
قوله جل ذكره:
[سورة الكهف (١٨) : آية ١٩]
وَكَذلِكَ بَعَثْناهُمْ لِيَتَسائَلُوا بَيْنَهُمْ قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً (١٩)
استقلوا مدة لبثهم وقد لبثوا (طويلا)، ولكنهم كانوا مأخوذين عنهم، ولم يكن لهم علم بتفصيل أحوالهم، قال قائلهم:
لست أدرى أطال ليلى أم لا؟ كيف يدرى بذاك من يتقلّى؟
لو تفرّغت لاستطالة ليلى ورعيت النجوم كنت مخلّا
ويقال أيام الوصال عندهم قليلة- وإن كانت طويلة، ولو كان الحال بالضدّ لكان الأمر بالعكس، وأنشدوا:
صباحك سكر والمساء خمار «١» نعمت وأيام السرور قصار
قوله جل ذكره: قالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ لأنه هو الذي خصّكم بما به أقامكم.
(١) الخمار ما خالط الإنسان من سكر الخمر.
قوله جل ذكره: فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ ما داموا مأخوذين عنهم لم يكن لهم طلب لأكل ولا شرب ولا شىء من صفة النّفس، فلمّا ردّوا إلى التمييز أخذوا فى تدبير الأكل أوّل ما أحسوا بحالهم، وفى هذا دلالة على شدة «١» ابتداء الخلق بالأكل.
قوله جل ذكره: وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً تواصوا فيما بينهم بحسن التّخلق وجميل الترفّق، أي ليتلطف مع من يشترى منه شيئا.
ويقال أوصوا من يشترى لهم الطعام أن يأتيهم بألطف شىء وأطيبه، ومن كان من أهل المعرفة لا يوافقه الخشن من الملبوس ولا المبتذل فى المطعم من المأكول.
ويقال أهل المجاهدات وأصحاب الرياضات طعامهم الخشن ولباسهم كذلك «٢».
والذي بلغ المعرفة لا يوافقه إلا كل لطيف، ولا يستأنس إلا بكل مليح.
قوله جل ذكره:
[سورة الكهف (١٨) : آية ٢٠]
إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً (٢٠)
تواصوا فيما بينهم بكتمان الأسرار عن الأجانب «٣» وأخبر أنهم إن اطلعوا عليهم وعلى أحوالهم بالغوا فى مخالفتهم إمّا بالقتل وإما بالضرب وبما أمكنهم من وجوه الفعل، ولا يرضون
(١) شدة هنا معناها ضرورة.
(٢) معنى هذا أن القشيري يميز بين مطعم وملبس أصحاب الرياضات ومطعم وملبس أهل المعرفة، وربما كان سبب ذلك أن أهل المعرفة الواجب عليهم ستر أحوالهم عن الخلق، بدليل قوله فيما بعد: «تواصوا فيما بينهم بكتمان الأسرار عن الأجانب».
(٣) من هذا نفيم ضرورة أن يكتم أرباب الأحوال أسرارهم، وإلا تعرضوا لأذى الذين لا يدركون حقائق أحوالهم، وقد يصل الأذى إلى حد الضرب والقتل (تذكر قصة الحلاج وغيره).
إلا بردّهم إلى ما منه تخلصوا، فمن احترق كدسه فما لم يحترق كدس غيره لا تطيب نفسه.
ويقال من شأن الأبرار حفظ الأسرار عن الأغيار.
ويقال من أظهر لأعدائه سرّه فقد جلب باختياره ضرّه، وفقد ما سرّه «١».
قوله جل ذكره:
[سورة الكهف (١٨) : آية ٢١]
وَكَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيها إِذْ يَتَنازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْياناً رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً (٢١)
جعل أحوالهم عبرة لمن جاء بعدهم حين كشف لأهل الوقت قصتهم، فعاينهم الناس، وازداد يقين من كان يؤمن بالله حين شاهدوا بالعيان ما كان نقضا للعادة المستمرة.
ثم إن الله تعالى ردّهم إلى ما كانوا عليه من الحالة، كانوا مأخوذين عن التمييز، متقلبين فى القبضة على ما أراده الحق، مستودعين فيما كوشفوا، مستهلكين عنهم فى وجود الحق- سبحانه.
قوله جل ذكره:
[سورة الكهف (١٨) : آية ٢٢]
سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ ما يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ فَلا تُمارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِراءً ظاهِراً وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً (٢٢)
أخبر أنّ علوم الناس متقاصرة عن عددهم فالأحوال التي لا يطلع عليها إلا الله فى أسرارهم وقلوبهم.. متى يكون للخلق عليها إشراف؟
أشكل عليهم عددهم، وعددهم يعلم بالضرورة، وهم لا يدركون بالمشاهدة.
(١) يقول الشبلي واصفا سبب محنة الحلاج: «كنت والحسين بن منصور شيئا واحدا ولكنه أظهر وأنا كتمت».
ويقال سعد الكلب حيث كرّر الحقّ- سبحانه- ذكرهم وذكر الكلب معهم على وجه التكرار، ولمّا ذكرهم عدّ الكلب فى جملتهم.
قوله جل ذكره: قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ ما يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ لما كانوا من أوليائه فلا يعلمهم إلا خواصّ عباده، ومن كان قريبا فى الحال منهم فهم فى كتم الغيرة وإيواء الستر لا يطّلع الأجانب عليهم ولا يعلمهم إلا قليل لأنّ الحق- سبحانه- يستر أولياءه عن الأجانب، فلا يعلمهم إلا أهل الحقيقة فالأجانب لا يعرفون الأقارب، ولا تشكل أحوال الأقارب على الأقارب كذلك قال شيوخ هذه الطائفة:
«الصوفية أهل بيت واحد لا يدخل فيهم غيرهم» «١».
قوله جل ذكره: وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً كما لا يعرفهم من كان بمعزل عن حالتهم، ولا يهتدى إلى أحكامهم من لا يعرفهم..
فلا يصحّ استفتاء من غاب علمهم عنه فى حالهم. ومن لم يكن قلبه محلا لمحبة الأحباب لا يكون لسانه مقرا لذكرهم.
قوله جل ذكره:
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ٢٣ الى ٢٤]
وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً (٢٣) إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ وَقُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَداً (٢٤)
إذا كانت الحوادث صادرة عن مشيئة الله فمن عرف الله لم يعدّ من نفسه ما علم أنه لا يتم إلا بالله.
ويقال من عرف الله سقط اختياره عند مشيئته، واندرجت أحكامه فى شهوده لحكم الله.
ويقال المؤمن يعزم على اعتناق الطاعة فى مستقبله بقلبه، لكنه يتبرأ عن حوله وقوّته
(١) هذا القول للجنيد (ص ١٣٩) الرسالة
بسرّه، والشرع يستدعى منه نهوض قلبه فى طاعته، والحقّ يقف سرّه عند شهود ما منه لمحبوبه تحت جريان قسمته «١».
قوله جل ذكره: وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ وَقُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَداً إن طرأت عليك طوارق النسيان- لا بتعهدك- فجرّد بذكرك قصدك عن أوطان غفلتك.
ويقال «وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ» : فى الحقيقة نفسك تمنعك من استغراقك فى شهود ذكرك.
ويقال واذكر ربك إذا نسيت ذكرك لربّك: فإن العبد إذا كان ملاحظا لذكره كان ذلك آفة فى ذكره «٢».
ويقال واذكر ربك إذا نسيت حظّك منه.
ويقال واذكر ربّك إذا نسيت غير ربّك.
قوله جل ذكره:
[سورة الكهف (١٨) : آية ٢٥]
وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً (٢٥)
كانوا مأخوذين عنهم فى إحساسهم بأنفسهم فلم يقفوا على تطاول مدتهم، وفى المثل:
«أيام السرور قصار»، والدهور فى السرور شهور، والشهور فى المحن دهور، وفى معناه:
أعدّ الليالى ليلة بعد ليلة وقد كنت قبلا لا أعد اللياليا
قوله جل ذكره:
[سورة الكهف (١٨) : آية ٢٦]
قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ ما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً (٢٦)
(١) معنى هذه الفقرة انه قد يبدو فى الظاهر ان للعبد إرادة فى الامتثال للطاعة وفي إجراء أحكام الشريعة، ولكن فى الحقيقة أن الحق سبحانه يتولى تبرئته من حوله وإرادته، وتهيئة سره للتجرد عن كل غير وسوى.
(٢) لأن أعلى درجات الذكر أن يفنى الذاكر فى المذكور.
من لم يعد أيامه لاشتغاله بالله أحصى الله أنفاسه التي لله، قال تعالى: «أَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً».
قوله جل ذكره:
[سورة الكهف (١٨) : آية ٢٧]
وَاتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً (٢٧)
تسلّ- حينما تتنوع عليك الأحوال- بما نطلعك عليه من الأخبار وإنّ كتب الأحباب فيها شفاء لأنها خطاب الأحباب للأحباب.
قوله جل ذكره: لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً أي لا تغيير لحكمه فمن أقصاه فلا قبول له، ومن أدناه فلا وصول له، ومن قبله فلا ردّ له، ومن قرّ به فلا صدّ له.
قوله جل ذكره:
[سورة الكهف (١٨) : آية ٢٨]
وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً (٢٨)
قال: «وَاصْبِرْ نَفْسَكَ» ولم يقل: «قلبك» لأن قلبه كان مع الحقّ، فأمره بصحته جهرا يجهر، واستخلص قلبه لنفسه سرّا بسرّ.
ويقال «يُرِيدُونَ وَجْهَهُ» : معناها مريدين وجهه أي فى معنى الحال، وذلك يشير إلى دوام دعائهم ربهم بالغداة والعشىّ وكون الإرادة على الدوام.
ويقال «يُرِيدُونَ وَجْهَهُ» : فآويناهم فى دنياهم بعظائمنا، وفي عقباهم بكرائمنا.
ويقال «يُرِيدُونَ وَجْهَهُ» : فكشف قناعهم، وأظهر صفتهم، وشهرهم بعد ما كان قد سترهم، وأنشدوا:
391
وكشفنا لك القناع وقلنا نعم وهتكنا لك المستورا
ويقال لما زالت التّهم سلمت لهم هذه الإرادة، وتحرروا عن إرادة كلّ مخلوق وعن محبة كل مخلوق.
ويقال لمّا تقاصر لسانهم عن سؤال هذه الجملة مراعاة منهم لهيبة الرسول صلى الله عليه وسلم، وحرمة باب الحقّ- سبحانه- أمره بقوله: «وَاصْبِرْ نَفْسَكَ» وبقوله:
وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا أي لا ترفع بصرك عنهم، ولا تقلع «١» عنهم نظرك.
ويقال لما نظروا بقلوبهم إلى الله أمر رسوله- عليه السلام- بألا يرفع بصره عنهم، وهذا جزاء فى العاجل.
والإشارة فيه كأنه قال: جعلنا نظرك اليوم إليهم ذريعة لهم إلينا، وخلفا عما يفوتهم اليوم من نظرهم إلينا، فلا تقطع اليوم عنهم نظرك فإنا لا نمنع غدا نظرهم عنّا «٢».
قوله جل ذكره: وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً هم الذين سألوا منه- صلى الله عليه وسلم- أن يخلى لهم مجلسه من الفقراء، وأن يطردهم يوم حضورهم من مجلسه- ﷺ وعلى آله.
ومعنى قوله: «أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا» : أي شغلناهم بما لا يعنيهم.
ويقال «أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا» أي شغلناهم حتى اشتغلوا بالنعمة عن شهود المنعم.
ويقال هم الذين طوّح قلوبهم فى التفرقة، فهم فى الخواطر الرّديّة مثبتون، وعن شهود مولاهم محجوبون.
(١) لا تقلع عنهم نظرك أي لا تكف وتبعد.
(٢) تهم هذه الإشارة فى تقدير مدى تصور الصوفية لشخصية محمد (ص).
392
ويقال أغفلنا عن ذكرنا الذين ابتلوا بنسيان الحقيقة ولا يتأسّفون «١» على ما منوا به ولا على ما فاتهم.
ويقال الغفلة تزجبة الوقت فى غير قضاء فرض أو أداء نفل.
قوله جل ذكره:
[سورة الكهف (١٨) : آية ٢٩]
وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرابُ وَساءَتْ مُرْتَفَقاً (٢٩)
قل يا محمد: ما يأتيكم من ربّكم فهو حقّ، وقوله صدق.. فمن شاء فليومن، ومن شاء فليكفر.. هذا غاية التهديد، أي إن آمنتم ففوائد إيمانكم عليكم مقصورة، وإن أبيتم فعذاب الجحود موقوف عليكم، والحقّ- سبحانه- عزيز لا يعود إليه بايمان الكافة- إذا وحّدوا- زين، ولا من كفر الجميع- إن جحدوا- شين.
قوله جلّ ذكره: إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرابُ وَساءَتْ مُرْتَفَقاً العقوبة الكبرى لهم أن يشغلهم بالألم حتى لا يتفرغوا عنه إلى الحسرة على مافاتهم من الحقّ، ولو علموا ذلك لعلّه كان يرحمهم. والحقّ- سبحانه- أكرم من أن يعذب أحدا يتّهم لأجله.
ويقال لو علموا من الذي يقول: «وَساءَتْ مُرْتَفَقاً» لعله كان لهم تسل ساعة، ولكنهم لا يعرفون قدر من يقول هذا، وإلا فهذا شبه مرتبة لهم، والعبارة عن هذا تدق.
قوله جل ذكره:
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ٣٠ الى ٣١]
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً (٣٠) أُولئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ نِعْمَ الثَّوابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً (٣١)
(١) وردت (ولا ينافسون) والمعنى يرفضها مما يرجح خطأ الناسخ فى نقلها.
393
أهل الجنة طابت لهم حدائقها، وأهل النار أحاط بهم سرادقها.
والحقّ- سبحانه- منزّه عن أن يعود إليه من تعذيب هؤلاء عائدة ولا من تنعيم هؤلاء فائدة... جلّت الأحدية، وتقدّست الصمدية! ومن وقعت عليه غبرة فى طريقنا لم تقع عليه قترة فراقنا، ومن خطا خطوة إلينا وجد حظوة لدينا، ومن نقل قدمه نحونا غفرنا له ما قدّمه، ومن رفع إلينا يدا أجزلنا له رغدا، ومن التجأ إلى سدّة «١» كرمنا آويناه فى ظلّ نعمنا، ومن شكا فينا غليلا «٢» مهّدنا له- فى دار فضلنا- مقيلا.
«أجر من أحسن عملا» : العمل أحسنه ما كان مضبوطا بشرائط الإخلاص.
ويقال «مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا» بأن غاب عن رؤية إحسانه.
ويقال من جرّد قصده عن كلّ حظّ ونصيب.
ويقال الإحسان فى العمل ألا ترى قضاء حاجتك إلا فى فضله، فإذا أخلصت فى توسلك إليه بفضله، وتوصّلك إلى ما موّلك من طوله بتبرّيك عن حولك وقوّتك استوجبت حسن إقباله، وجزيل نواله.
قوله أُولئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ أولئك هم أصحاب الجنان، فى رغد العيش وسعادة الجدّ «٣» وكمال الرّفد «٤»، يلبسون حلل الوصلة، ويتوّجون بتاج القربة،
(١) وردت (سيده).
(٢) وردت (عليلا) بالعين.
(٣) الجد- الحظ. [.....]
(٤) الرفد- العطاء والصلة.
394
ويحملون على المباسط، ويتّكئون على الأرائك، ويشمون رياحين الأنس، ويقيمون فى مجال الزّلفة، ويسقون شراب المحبة، ويأخذون بيد الزلفة ما يتحفهم الحقّ به من غير واسطة، ويسقيهم شرابا طهورا يطهّر قلوبهم عن محبة كلّ مخلوق.
«نِعْمَ الثَّوابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً» : نعم الثواب ثوابهم، ونعم الربّ ربّهم، ونعم الدار دارهم، ونعم الجار جارهم، ونعم الحال حالهم.
قوله جل ذكره:
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ٣٢ الى ٤١]
وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً رَجُلَيْنِ جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنابٍ وَحَفَفْناهُما بِنَخْلٍ وَجَعَلْنا بَيْنَهُما زَرْعاً (٣٢) كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً وَفَجَّرْنا خِلالَهُما نَهَراً (٣٣) وَكانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقالَ لِصاحِبِهِ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً وَأَعَزُّ نَفَراً (٣٤) وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ قالَ ما أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَداً (٣٥) وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً (٣٦)
قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً (٣٧) لكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً (٣٨) وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ ما شاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مالاً وَوَلَداً (٣٩) فَعَسى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْها حُسْباناً مِنَ السَّماءِ فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً (٤٠) أَوْ يُصْبِحَ ماؤُها غَوْراً فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً (٤١)
أخبر أنه خلق رجلين جعل لهما جنتين على الوصف الذي ذكره، فشكر أحدهما لخالقه وكفر الآخر برازقه، فأصبح الكافر وجنّته أصابتها جائحة، وندم على ما ضيّعه من الشكر، وتوجّه عليه اللوم.
وفى الإشارة يخلق عبدين يطيّب لهما الوقت، ويمهّد لهما بساط اللطف، ويمكّن لهما من البسط.. فيستقيم أحدهما فى الترقي إلى النهاية من مقامات البداية بحسن المنازلة وصدق المعاملة، فتميز له المجاهدة ثمرات أحسن الأخلاق فيعالجها بحسن الاستقامة، ثم يتحقق بخصائص الأحوال الصافية، ثم يختطف عنها بما يكاشف به من حقائق التوحيد، ويصبح منتفى عن جملته باستهلاكه فى وجود ما بان له من الحقائق.
والثاني لا يقدّر قدر ما أهّل له من حسن البداية فيرجع إلى مألوفاته، فينتكس أمره، بانحطاطه إلى ذميم عاداته، وفيرتدّ عن سلوك الطريقة ويتردّى «١» فى ظلمة الغفلة فيصير وقته ليلا مظلما، ويتطوح فى أودية التفرقة، ويوسم الطرد، ويسقى شراب الإهانة، وينخرط فى سلك الهجر.. وذلك جزاء من لم يرهم الحقّ لوصلته أهلا، ولم يجعل لولائهم فى التحقيق والقبول أصلا:
تبدّلت وتبدلنا يا حسرة لمن ابتغى عوضا لسلمى فلم يجد
قوله جل ذكره:
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ٤٢ الى ٤٣]
وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلى ما أَنْفَقَ فِيها وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها وَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً (٤٢) وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَما كانَ مُنْتَصِراً (٤٣)
(١) وردت (ويرتدى) وهى خطأ فى النسخ كما هو واضح من السياق.
إذا ظهر خسران من آثر حظّه على حقّ الله، قرع باب ندامته، ثم لا ينفعه.
ولو قرع باب كرمه فى الدنيا- حين وقعت له الفترة- لأشكاه «١» عند ضرورته، أنجاه من ورطته.. ولكنه ربط بالخذلان، ولبّس عليه الأمر بحكم الاستدراج.
قوله: «وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ» : من اشتهر أمره بسخط السلطان عليه لم ينظر إليه أحد من الجند والرعية، كذلك من وسمه الحقّ بكىّ الهجر لم يرث له ملك ولا نبىّ، ولم يحمه صديق ولا ولىّ.
قوله جل ذكره:
[سورة الكهف (١٨) : آية ٤٤]
هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَواباً وَخَيْرٌ عُقْباً (٤٤)
هو الحقّ المتفرّد بنعت ملكوته، لا يشرك فى جلال سلطانه من الحدثان أحدا، وإذا بدا من سلطان الحقيقة شظية فلا دعوى ولا معنى لبشر، ولا وزن فيما هنا لك لحدثان ولا خطر، كلّا.. بل هو الله الخلّاق الواحد القهار.
هنا لك الولاية لله أي القدرة- والواو هنا بالكسر، وهنا لك الولاية لله أي النصرة- والواو هنا بالفتح «٢».
قوله جل ذكره:
[سورة الكهف (١٨) : آية ٤٥]
وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً (٤٥).
(١) أشكاه: أزال سبب شكواه، وأعانه.
(٢) الولاية (بالكسر) بمعنى القدرة أي: السلطان والملك كله لله، ويتولى الله كل مضطر فيكون قوله: «لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً» كلمة ألجئ إليها فقالها جزعا من شؤم كفره- ولولا ذلك لم يقلها.
أو على الولاية (بالفتح) بمعنى النصرة تقريرا لقوله: «وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ»
من وطّن النّفس على الدنيا وبهجتها غرته بأمانيها، وخدعته بالأطماع فيها. ثم إنها تخفى الصّاب فى شرابها، والحنظل فى عسلها، والسراب فى مآربها تعد ولا تفى بعداتها، وتوفى آفاتها على خيراتها.. نعمها مشوبة بنقمها، وبؤسها مصحوب بمأنوسها، وبلاؤها فى ضمن عطائها. المغرور من اغترّ بها، والمغبون من انخدع فيها.
قوله جل ذكره:
[سورة الكهف (١٨) : آية ٤٦]
الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ أَمَلاً (٤٦)
من اعتضد بعتاده، واغترّ بأولاده، ونسى مولاه فى أوان غفلاته.. خسر فى حاله، وندم على ما فاته فى مآله.
ويقال زينة أهل الغفلة فى الدنيا بالمال والبنين، وزينة أهل الوصلة بالأعمال واليقين..
فهؤلاء رتّبهم لظواهرهم.. وهؤلاء زينتهم لعبوديته، وافتخارهم بمعرفة ربوبيته.
ويقال ما كان للنّفس فيه حظّ فهو من زينة الحياة الدنيا، ويدخل فى ذلك الجاه وقبول المدح، وكذلك تدخل فيه جميع المألوفات والمعهودات على اختلافها وتفاوتها.
ويقال ما كان للإنسان فيه شرب ونصيب فهو معلول: إن شئت فى عاجله وإن شئت فى آجله.
قوله جل ذكره: وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ أَمَلًا.
وهى الأعمال التي بشواهد الإخلاص والصدق.
ويقال «الْباقِياتُ الصَّالِحاتُ» : ما كان خالصا لله تعالى غير مشوب بطمع، ولا مصحوب بغرض.
ويقال «الْباقِياتُ الصَّالِحاتُ» : ما يلوح فى السرائر من تحلية العبد بالنعوت، ويفوح نشره فى سماء الملكوت.
ويقال هى التي سقت من الغيب لهم بالقربة وشريف الزلفة.
ويقال هى ضياء شموس التوحيد المستكنّ (فى السرائر مما لا يتعرّض لكسوف الحجبة) «١» قوله جل ذكره:
[سورة الكهف (١٨) : آية ٤٧]
وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً وَحَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً (٤٧)
كما تسيّر جبال الأرض «٢» يوم القيامة فإنها تقتلع بموت الأبدال الذين يديم بهم الحقّ- اليوم- إمساك الأرض، فهؤلاء السادة- فى الحقيقة- أوتاد العالم.
قوله: «فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً» : الإشارة منه أنه ما من أحد إلا ويسقى كأس المنية، ولا يغادر الحقّ أحدا اليوم على البسيطة إلا وينخرط عن نظامه. وإنّ شرفهم فى الدرجات فى توقّيهم عن مساكنة الدنيا.
قوله جل ذكره:
[سورة الكهف (١٨) : آية ٤٨]
وَعُرِضُوا عَلى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونا كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً (٤٨)
يقيم كلّ واحد يوم العرض فى شاهد مخصوص، ويلبس كلّا ما يؤهّله له فمن لباس تقوى، ومن قميص هوى، ومن صدار وجد، ومن صدرة محبة، ومن رداء شوق، ومن حلّة وصلة.
ويقال يجرّدهم عن كل صفة إلا ما عليه نظرهم يوم القيامة. وينادى المنادى على أجسادهم:
هذا الذي أتى ووجد، وهذا الذي أبى وجحد. وهذا الذي خالف فأصرّ، وهذا الذي أنعمنا عليه فشكر، وهذا الذي أحسنّا إليه فذكر. وهذا الذي أسقيناه شرابنا، ورزقناه محابّتا، وشوّقناه إلى لقائنا، ولقّيناه خصائص رعائنا».
وهذا الذي وسمناه بحجبتنا، وحرمناه وجوه قربتنا. وألبسناه نطاق فراقنا، ومنعناه، توفيق وفاقنا، وهذا، وهذا...
(١) تكملة فى أسفل الصفحة موضحة فى المتن بالعلامة.
(٢) نلاحظ كثيرا أن القشيري يتحدث عن الأوتاد والأبدال والقطب كلما ورد فى القرآن ذكر للجبال، فكما أن الله يمسك بها الأرض ويثبتها كذلك يقوم هؤلاء بحفظ الخلق، وبكرامتهم يندفع البلاء عنهم.
(٣) الرعاء: المراعاة والمحافظة.
وا خجلتي من وقوفي وسط دارهم! وقال لى مغضبا: من أنت يا رجل؟
وقوله جل ذكره: قَدْ جِئْتُمُونا كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً
جئتمونا بلا شفيع ولا ناصر، ولا معين ولا مظاهر.
قوم يقال لهم: سلام عليكم... كيف أنتم؟ وكيف وجدتم مقيلكم؟ وكم إلى لقائنا اشتقتم! وقوم يقال لهم: ما صنعتم، وما ضيّعتم؟ ما قدّمتم، وما أخرتم؟ ما أعلنتم، وما أسررتم؟
قل لى بألسنة التنفّس «١»... كيف أنت وكيف حالك؟
ويقال يجيب بعضهم عند السؤال فيفصحون عن مكنون قلوبهم، ويشرحون ما هم به من أحوال مع محبوبهم وآخرون تملكهم الحيرة وتسكتهم الدهشة، فلا لهم بيان، ولا ينطق عنهم لسان. وآخرون كما قيل:
قالت سكينة من هذا فقلت لها:... أنا الذي أنت من أعدائه زعموا
قوله جل ذكره:
[سورة الكهف (١٨) : آية ٤٩]
وَوُضِعَ الْكِتابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يا وَيْلَتَنا مالِ هذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصاها وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً (٤٩)
إنما يصيبهم ما كتب فى الكتاب الأول وهو المحفوظ، لا ما فى الكتاب الذي هو كتاب أعمالهم نسخه ما فى اللوح المحفوظ.
ويقال إن عامل عبدا بما فى الكتاب الذي أثبته الملك عليه فكثير من عباده يعاملهم بما فى كتاب الملك- سبحانه، وفرق بين من يعامل بما فى كتاب الحقّ من الرحمة «٢» والشفقة وبين من يحاسبه بما كتب عليه الملك من الزّلة «٣»
(١) التنفس: الاستراحة من الكد والتعب
(٢) يشير بذلك إلى قوله تعالى «كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ» (آية ١٢ سورة الأنعام) وإلى قوله تعالى:
«فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ» (آية ٥٤ سورة الأنعام).
(٣) يشير بذلك إلى قوله تعالى: «بَلى وَرُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ» (آية ٨٠ سورة الزخرف).
ويقال إذا حاسبهم فى القيامة يتصور لهم كأنهم فى الحال ما فارقوا الزّلة، وإن كانت مباشرة الزّلة قد مضت عليها سنون كثيرة.
قوله جل ذكره: وَيَقُولُونَ يا وَيْلَتَنا مالِ هذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً يملك الحزن قلبه لأنه يعلم أنه يرى فى عمله سيئة فهو فى موضع الخجل لتقصيره. وإن رأى حسنة فهو فى موضع الخجل أيضا لقلة توقيره فخجلة أهل الصدق عند شهود حسناتهم توفى وتزيد على خجلة أهل الغفلة إذا عثروا على زلّاتهم.
ويقال أصحاب الطاعة إذا وجدوا ما قدّموا من العبادات فمآلهم السرور والبهجة وحياة القلب والراحة، وأمّا أصحاب المخالفات فإنما يجدون فيما قدّموا مجاوزة الحدّ ونقض العهد، وما فى هذا الباب من الزّلة وسوء القصد.
قوله جل ذكره:
[سورة الكهف (١٨) : آية ٥٠]
وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً (٥٠)
أظهر للملائكة شظيّة مما استخلص به آدم فسجدوا بتيسير من الله- سبحانه، وسكّر بصر اللعين فما شهد منه غير العين «١» فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ، ولا صدق فى قوله:
«أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ» لمّا فسق عن الأمر، ولكن أدركته الشقاوة الأصيلة فلم تنفعه الوسيلة بالحيلة.
قوله جل ذكره: أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ
(١) أي نظر إبليس إلى الجسد المادي لآدم فقال: خلقتنى من نار وخلقته من طين، ولم ينظر إلى الجوهر، والسبب فى ذلك في رأى القشيري أن الله أغلق عليه.
دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا فى الآية إشارة إلى أنّ من يفرده بالولاية فلا يقتفى غيره ولا يخاف غيره.
قوله جل ذكره:
[سورة الكهف (١٨) : آية ٥١]
ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً (٥١)
أكذب المنجمين والأطباء الذين يتكلمون فى الهيئات والطبائع بقوله: «ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ» : وبيّن أن ما يقولونه من إيجاب الطبائع لهذه الكائنات لا أصل له فى التحقيق.
«وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً» : أي لم أجعل للذين يضلّون الناس عن دينهم بشبههم فى القول بالطبائع حجة، ولم أعطهم لتصحيح ما يقولونه برهانا.
ويقال إذا تقاصرت علوم الخلق عن العلم بأنفسهم فكيف تحيط علومهم بحقائق الصمدية، واستحقاقه لنعونه إلا بمقدار ما يخصّهم به من التعريف على ما يليق برتبة كل أحد بما جعله له أهلا؟
ويقال أخبر أنّ علومهم تتقاصر عن الإحاطة بجميع أوصافهم وجميع أحوالهم وعن كلّ ما فى الكون، ولا سبيل لهم إلى ذلك ولا حاجة بهم إلى الوقوف على ما قصرت علومهم عنه، إذ لا يتعلّق بذلك شىء من الأمور الدينية. فالإشارة فى هذا أن يصرفوا عنايتهم إلى طلب العلم بالله وبصفاته وبأحكامه، فإنه لا بدّ لهم- بحكم الديانة- من التحقق بها إذ الواجب على العابد معرفة معبوده بما يزيل التردد عن قلبه فى تفاصيل مسائل الصفات والأحكام «١».
قوله جل ذكره:
[سورة الكهف (١٨) : آية ٥٢]
وَيَوْمَ يَقُولُ نادُوا شُرَكائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ مَوْبِقاً (٥٢)
(١) فى هذا أبلغ رد على من يتهمون الصوفية بمجافاتهم للعلوم، وكيف يجافونها وطلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة؟
علم الحقّ- سبحانه- أنّ الأصنام لا تغنى ولا تنفع ولا تضر، ولكن يعرّفهم فى العاقبة بما يصيّر معارفهم ضرورية «١» حسما لأوهام القوم حيث توهموا أنّ عبادتهم للأصنام فيها نوع تقرب إلى الله على وجه التعظيم له كما قالوا: «ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى» «٢».
فإذا تحققوا بذلك صدقوا فى الندم، وكان استيلاء الحسرة عليهم، وذلك من أشد العقوبات لهم.
قوله جل ذكره:
[سورة الكهف (١٨) : آية ٥٣]
وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها وَلَمْ يَجِدُوا عَنْها مَصْرِفاً (٥٣)
إذا صارت الأوهام منقطعة، والمعارف ضرورية، والنار معاينة استيقنوا أنهم واقعون فى النار، فلا يسمع لهم عذر، ولا تنفع لهم حيلة، ولا تقبل فيهم شفاعة، ولا يؤخذ منهم فداء ولا عدل.. لقد استمكنت الخيبة، وغلب اليأس، وحصل القنوط، وهذا هو العذاب الأكبر.
قوله جل ذكره:
[سورة الكهف (١٨) : آية ٥٤]
وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً (٥٤)
أوضح للكافة الحجج، ولكن لبّس على قوم النهج فوقعوا فى العوج.
«وَكانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا» الجدل فى الله محمود مع أعدائه، والجدل مع الله شرك لأنه صرف إلى مخالفة توهم أن أحدا يعارض التقدير، وتجويز ذلك انسلاخ
(١) المعارف إما ضرورية أو كسبية، والضرورية من الحق، والكسبية من الخلق.
(٢) آية ٣ سورة الزمر. [.....]
عن الدّين. ومن أمارات السعادة للمؤمن فتح باب العمل عليه، وإغلاق باب الجدل دونه.
قوله جل ذكره:
[سورة الكهف (١٨) : آية ٥٥]
وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ قُبُلاً (٥٥)
لا عذر لهم إذا لجأوا إلى ما تعاطوه من العصيان وترك المبادرة إلى المأمور، ولا توفيق يساعدهم فيخرجهم عن حوار الداعي إلى عزم الفعل، فهم- وإن لم يكونوا بنعت الاستطاعة على ما ليسوا يفعلونه- ليسوا عاجزين عن ذلك ولكنهم بحيث لو أن العبد منهم أراد ما أمر به لتأبّى منه ذلك، وتعذّر عليه ففى الحال ليس بقادر على ما ليس يفعله ولا هو عاجز عنه، وهذا يسميه القوم حال التخلية وهى واسطة بين القدرة والعجز.
قوله جل ذكره:
[سورة الكهف (١٨) : آية ٥٦]
وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آياتِي وَما أُنْذِرُوا هُزُواً (٥٦)
أرسل الرسل- عليهم السلام- تترى، وأيّدهم بالحجج والبراهين، وأمرهم بالإنذار والتخويف، والتشريف فى عين التكليف، وتضمين ذلك بالتحقيق، ولكن سعد قوم باتباعهم، وشقى آخرون بخلافهم.
قوله جل ذكره:
[سورة الكهف (١٨) : آية ٥٧]
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْها وَنَسِيَ ما قَدَّمَتْ يَداهُ إِنَّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً (٥٧)
لا أحد أظلم ممّن ذكّر ووعظ بما لوّح له من الآيات، وبما شاهده وعرفه من أمر أصلح أو شغل كفى أو دعاء أجيب له، أو سوء أدب حصل منه، فأدّب بما يكون تنبيها له، أو حصلت منه طاعة وكوفىء فى العاجل إمّا بمعني وجده فى قلبه من بسط أو حلاوة أو أنس، وإمّا بكفاية شغل أو إصلاح أمر.. ثم إذا استقبله أمر نسى ما عومل به، أو أعرض عن تذكّره، ونسى ما قدّمت يداه من خيره وشرّه، فوجد فى الوقت موجبه..
ومن كانت هذه صفته جعل على قلبه سترا وغفلة وقسوة حتى تنقطع عنه بركات ما وهبه.
ويقال من أظلم ممن يستقبله أمر مجازاة لما أسلفه من ترك أربه فيتّهم ربّه، ويشكو مما يلاقيه، وينسى حرمة الذي بسببه أصابه ما أصابه؟ وكما قيل:
وعاجز الرأى مضياع لفرصته حتى إذا فات أمر عاتب القدرا
قوله جلّ ذكره:
[سورة الكهف (١٨) : آية ٥٨]
وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤاخِذُهُمْ بِما كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلاً (٥٨)
«غفور» : لأنه ذو الرحمة، ورحمته الأزلية أوجبت المغفرة لهم.
ويقال «الْغَفُورُ» : للعاصين من عباده، و «ذُو الرَّحْمَةِ» بجميعهم فيصلح أحوال كافتهم.
«لَوْ يُؤاخِذُهُمْ بِما كَسَبُوا» : لعجّل لهم العذاب أي عاملهم بما استوجبوه من عصيانهم، فعجّل لهم العقوبة، لكنه يؤخرها لمقتضى حكمته، ثم فى العاقبة يفعل ما يفعل على قضية إرادته وحكمه.
قوله جل ذكره:
[سورة الكهف (١٨) : آية ٥٩]
وَتِلْكَ الْقُرى أَهْلَكْناهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً (٥٩)
لمّا لم يشكروا النّعم ولم يصبروا فى المحن عجّلنا لهم العقوبة.
ويقال لمّا غفلوا عن شهود التقدير، وحرموا روح الرضا وكّلناهم إلى ظلمات تدبيرهم، فطاحوا فى أودية غفلاتهم.
قوله جل ذكره:
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ٦٠ الى ٦١]
وَإِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً (٦٠) فَلَمَّا بَلَغا مَجْمَعَ بَيْنِهِما نَسِيا حُوتَهُما فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً (٦١)
لما صحّت صحبة يوشع مع موسى عليهما السلام استحقّ اسم الفتوة، ولذا قال:
«وَإِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ» وهو اسم كرامة لا اسم علامة.
جعل دخول السمك الماء علامة لوجود الخضر هنالك «١»، ثم أدخل النسيان عليهما ليكون أبلغ فى الآية، وأبعد من اختيار البشر.
قوله جل ذكره:
[سورة الكهف (١٨) : آية ٦٢]
فَلَمَّا جاوَزا قالَ لِفَتاهُ آتِنا غَداءَنا لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً (٦٢)
كان موسى فى هذا السّفر متحمّلا، فقد كان سفر تأديب واحتمال مشقة، لأنه ذهب لاستكثار العلم. وحال طلب العلم حال تأديب ووقت تحمّل المشقة، ولهذا لحقه الجوع، فقال: «لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً».
وحين صام فى مدة انتظار سماع الكلام من الله صبر ثلاثين يوما، ولم يلحقه الجوع ولا المشقة، لأن ذهابه فى هذا السفر كان إلى الله، فكان محمولا.
قوله جل ذكره:
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ٦٣ الى ٦٤]
قالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَما أَنْسانِيهُ إِلاَّ الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً (٦٣) قالَ ذلِكَ ما كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلى آثارِهِما قَصَصاً (٦٤)
(١) كان الحوت سمكة مملوحة، فنزلا ليلة على شاطىء عين الحياة ونام موسى، فلما أصاب السكة الماء عاشت ووقعت فى الماء (النسفي).
«١»
طال عليهما السفر لأنهما احتاجا إلى الانصراف إلى مكانهما، ثم قال يوشع:
«وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ» : الله- سبحانه- أدخل عليه النسيان ليكون الصّيد من تكلفه، ثم قال: «ذلِكَ ما كُنَّا نَبْغِ» : يعنى دخول السمك الماء وكان مشويا فصار ذلك معجزة له، فلما انتهيا إلى الموضع الذي دخل السمك فيه الماء لقيا الخضر.
قوله جل ذكره:
[سورة الكهف (١٨) : آية ٦٥]
فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً (٦٥)
إذا سمى الله إنسانا بأنه عبده جعله من جملة الخواص فإذا قال: «عبدى» جعله من خاص الخواص.
«آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا» : أي صار مرحوما من قبلنا بتلك الرحمة التي خصصناه بها من عندنا، فيكون الخضر بتلك الرحمة مرحوما، ويكون بها راحما على عبادنا.
«وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً» : قيل العلم من لدن الله «٢» ما يتحصل بطريق الإلهام دون التكلف بالتّطلّب.
ويقال ما يعرّف به الحقّ- سبحانه- الخواص من عباده.
ويقال ما يعرّف به الحق أولياءه فيما فيه صلاح عباده.
(١) قال الزجاج: القصص اتباع الأثر، فقص قصصا: اتبع الأثر.
(٢) يتخذ الصوفية من قصة الخضر وموسى مصدرا ثريا لاستمداد كثير من أصولهم فيما يتصل بالعلم اللدني وعلم الوراثة، والولاية والنبوة، والعلاقة بين المريد والشيخ، وفكرة الظاهر والباطن، والملامة على ظاهر مستشنع باطنه سليم.. ونحو ذلك.
وقد نجد خلال إشارات القشيري شيئا من ذلك.
وقيل هو ما لا يعود منه نفع إلى صاحبه، بل يكون نفعه لعباده ممّا فيه حقّ الله- سبحانه.
ويقال هو ما لا يجد صاحبه سبيلا إلى جحده، وكان دليلا على صحة ما يجده قطعا، فلو سألته عن برهانه لم يجد عليه دليلا فأقوى العلوم أبعدها من الدليل «١».
قوله جل ذكره:
[سورة الكهف (١٨) : آية ٦٦]
قالَ لَهُ مُوسى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً (٦٦)
تلطف فى الخطاب حيث سلك طريق الاستئذان، ثم صرّح بمقصوده من الصحبة بقوله: «عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً».
ويقال إن الذي خصّ به الخضر من العلم لم يكن تعلمه من أستاذ ولا من شخص، فما لم يكن بتعليم أحد إياه.. متى كان يعلمه غيره؟
قوله جل ذكره:
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ٦٧ الى ٦٩]
قالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً (٦٧) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً (٦٨) قالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ صابِراً وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً (٦٩)
سؤال بذلك العطف وجواب بهذا العطف! ثم تدارك قلبه بقوله: «وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً؟»، فأجابه موسى:
«قالَ سَتَجِدُنِي... » وعد من نفس موسى بشيئين: الصبر، وبأن لا يعصيه فيما يأمر به، فأمّا الصبر فقرنه بالاستثناء بمشيئة الله فقال: «سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ صابِراً» فصبر حتى وجد صابرا، فلم يقبض على يدى الخضر فيما كان منه من الفعل، والثاني قوله: «لا أَعْصِي»
(١) وسر قوة العلم الذي يبعد عن الدليل أنه من الحق، وبقدر ما تختفى الجوانب الإنسانية فى العلم وتبرز المنن الإلهية فيه تكون نصاعة برهانه وقوة بيانه.
«لَكَ أَمْراً» : أطلقه ولم يقرنه بالاستنشاء، فما استنشأ لأجله لم يخالفه فيه، وما أطلقه وقع فيه الخلف «١».
قوله جل ذكره:
[سورة الكهف (١٨) : آية ٧٠]
قالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً (٧٠)
فإنه ليس للمريد أن يقول: «لا» لشيخه، ولا التلميذ لأستاذه، ولا العامىّ، للعالم المفتى فيما يفتى ويحكم.
قوله جل ذكره:
[سورة الكهف (١٨) : آية ٧١]
فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا رَكِبا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَها قالَ أَخَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً (٧١)
لما ركبوا الفلك خرقها وكان ذلك إبقاء على صاحبها لئلا يرغب فى السفينة المخروقة الملك الطامع فى السفن.
وقوله: «لِتُغْرِقَ أَهْلَها» أي لتؤدى عاقبة هذا الأمر إلى غرق أهلها لأنه علم أنه لم يكن قصد إغراق أهل السفينة.
قوله جل ذكره:
[سورة الكهف (١٨) : آية ٧٢]
قالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً (٧٢)
أي أنت تنظر إلى هذا من حيث العلم، وإنّا نجريه من حيث الحكم.
قوله جل ذكره:
[سورة الكهف (١٨) : آية ٧٣]
قالَ لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً (٧٣)
طالبه بما هو شرط العلم حيث قال: «لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ» لأن الناسي لا يدخل تحت التكليف، وأيّد ذلك بما قرن به قوله: «وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً» فالمتمكّن من حقه
(١) الخلف- الإخلاف، فقد خالف موسى الأمر حين كان ينسى ويتساءل عقب كل حادثة فى القصة، وكان الحضر فى كل مرة يقول: «أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً».
التكليف، ومن لا يصحّ منه الفعل والترك لا يتوجه () «١» والناسي «٢» من جملتهم.
قوله جل ذكره:
[سورة الكهف (١٨) : آية ٧٤]
فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا لَقِيا غُلاماً فَقَتَلَهُ قالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً (٧٤)
كان بخلق العلم واجبا على موسى- عليه السلام- قصره حيث يرى فى الظاهر ظلما، ولكن فيما عرف من حال الخضر من حقه التوقف ريثما يعلم أنه ألمّ بمحظور أو مباح، ففى ذلك الوقت كان قلب العادة.
قوله جل ذكره:
[سورة الكهف (١٨) : آية ٧٥]
قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً (٧٥)
كرّر قوله: «إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ... » لأنه واقف بشرط العلم، وأمّا فى محل الكشف فشرط عليه موسى عليه السلام فقال:
[سورة الكهف (١٨) : آية ٧٦]
قالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَها فَلا تُصاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً (٧٦)
بلغ عصيانه ثلاثا والثلاثة آخر حدّ القلّة وأوّل حدّ الكثرة، فلم يجد المسامحة بعد ذلك «٣».
قوله جل ذكره:
[سورة الكهف (١٨) : آية ٧٧]
فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَما أَهْلَها فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُما فَوَجَدا فِيها جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقامَهُ قالَ لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً (٧٧).
(١) بياض فى النسخة، ونرجح أن المفقود (عليه لوم) او مؤاخذة.
(٢) وردت (والناس) والسياق يتطلب (والناسي) بالياء إذ جاء فى الآية (... بما نسيت).
(٣) قد تكشف هذه العبارة عن تصور القشيري لأقصى درجات الذنب القابل للتوبة.
كان واجبا فى ملتهم على أهل القرية إطعامهما، ولم يعلم موسى أنه لا جدوى من النكير عليهم ولو كان أغضى على ذلك منهم لكان أحسن.
فلمّا أقام الخضر جدارهم ولم يطلب عليه أجرا لم يقل موسى إنك قمت بمحظور، ولكنه قال له: «لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً» أي إن لم تأخذ بسببك فلو أخذت بسببنا لكان أخذك خيرا لنا من تركك ذلك، ولئن وجب حقّهم فلم أخللت بحقنا؟
ويقال إنّ سفره ذلك كان سفر تأديب فردّ إلى تحمّل المشقة، وإلّا فهو حين سقى لبنات شعيب فإنّ ما أصابه من التعب وما كان فيه من الجوع كان أكثر «١»، ولكنه كان فى ذلك الوقت محمولا وفى هذا الوقت متحمّلا. فلما قال موسى هذا قال له الخضر:
[سورة الكهف (١٨) : آية ٧٨]
قالَ هذا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً (٧٨)
أي بعد هذا فلا صحبة بيننا.
ويقال قال الخضر إنّك نبيّ.. وإنما أؤاخذك بما قلت، فأنت شرطت هذا الشرط وقلت: إن سألتك عن شىء بعدها فلا تصاحبنى وإنما أعاملك بقولك.
ويقال لمّا لم يصبر موسى معه فى ترك السؤال لم يصبر الخضر أيضا معه فى إدامة الصحبة فاختار الفراق.
ويقال ما دام موسى عليه السلام سأله لأجل الغير- فى أمر السفينة التي كانت للمساكين، وقتل النّفس بغير حق- لم يفارقه الخضر، فلمّا صار فى الثالثة إلى القول فيما كان فيه حظّ لنفسه من طلب الطعام ابتلى بالفرقة، فقال الخضر: «هذا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ».
ويقال كما أن موسى- عليه السلام- كان يحب صحبة الخضر لما له فى ذلك من غرض الاستزادة من العلم فإن الخضر كان يحب ترك صحبة موسى عليه السلام إيثارا للخلوة بالله عن المخلوقين.
(١) ومع ذلك لم يطلب اجرا، ولم يفكر في ذلك البتة.. لأنه كان بحق الله ولكنه فى هذا الموقف كان متكلفا، فهو يفكر بحظ نفسه، ولذا فكر فى الأجر وطلب الطعام.
قوله جل ذكره:
[سورة الكهف (١٨) : آية ٧٩]
أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً (٧٩)
لما فارق الخضر موسى عليه السلام لم يرد أن يبقى فى قلب موسى شبه اعتراض فأزال عن قلبه ذلك بما أوضح له من الحال، وكشف له أنّ السّرّ فى قصده من خرق السفينة سلامتها وبقاؤها لأهلها حيث لن يطمع فيها الملك الغاصب، فبقاء السفينة لأهلها- وهى مصيبة- كان خيرا لهم من سلامتها وهى مغضوبة.
قوله جل ذكره:
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ٨٠ الى ٨١]
وَأَمَّا الْغُلامُ فَكانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَكُفْراً (٨٠) فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَيْراً مِنْهُ زَكاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً (٨١)
بيّن له أن قتل الغلام لمّا سبق به العلم مضى من الله الحكم أنّ فى بقائه فتنة لوالديه، وفى إبدال الخلف عنه سعادة لهما.
قوله جل ذكره:
[سورة الكهف (١٨) : آية ٨٢]
وَأَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما وَيَسْتَخْرِجا كَنزَهُما رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذلِكَ تَأْوِيلُ ما لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً (٨٢)
أما تسوية الجدار فلاستبقاء كنز الغلامين وترك طلب الرفق من الخلق.
قوله جل ذكره:
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ٩٠ الى ٩٢]
حَتَّى إِذا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَطْلُعُ عَلى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً (٩٠) كَذلِكَ وَقَدْ أَحَطْنا بِما لَدَيْهِ خُبْراً (٩١) ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً (٩٢)
أقوام هم أهل مطلع الشمس الغالب عليهم طول نهارهم، وآخرون كانوا من أهل مغرب الشمس الغالب عليهم استتار شمسهم.. كذلك الناس فى طلوع شمس التوحيد: منهم الغالب عليهم طلوع شموسهم، والحضور نعتهم والشهود وصفهم والتوحيد حقّهم، وآخرون لهم من شموس التوحيد النصيب الأقل والقسط الأرذل.
قوله جل ذكره:
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ٩٣ الى ٩٥]
حَتَّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِما قَوْماً لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً (٩٣) قالُوا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (٩٤) قالَ ما مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً (٩٥)
أي ما كانوا يهتدون إلا إلى لسان أنفسهم، وما كانوا يفقهون فقه غيرهم فلجئوا إلى عبراتهم فى شرح قصتهم، ورفعوا إليه- فى باب يأجوج وماجوج- مظلمتهم، وضمنوا له خراجا يدفعونه إليه، فأجابهم إلى سؤلهم، وحقّق لهم بغيتهم، ولم يأخذ منهم ما ضمنوا له من الجباية، لمّا رأى أنّ من الواجب عليه حق الحماية على حسب المكنة.
قوله جل ذكره:
[سورة الكهف (١٨) : آية ٩٦]
آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذا ساوى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذا جَعَلَهُ ناراً قالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً (٩٦)
استعان بهم فى الذي احتاج إليه منهم من الإمداد بما قال: «آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ» فلمّا فعلوا ما أمرهم به، ونفخوا فيه النار جعل السد بين الصدفين أي جانبى الجبل. ثم أخبر أنه إنما يبقى ذلك إلى أن يأذن الله له فى الخروج، وتندفع عن الناس عادية (....) «١» إلى الوقت المضروب لهم فى التقدير.
وبعد ذلك يكون من شأنهم ما يريد الله. وبيّن- سبحانه- أنّ خروجهم من وراء سدّهم من أشراط الساعة.
قوله جل ذكره:
[سورة الكهف (١٨) : آية ١٠١]
الَّذِينَ كانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً (١٠١)
نظروا بأعين رءوسهم لأنهم فقدوا نظر القلب من حيث الاعتبار والاستدلال، ولم يكن لهم سمع الإجابة لما فقدوا من التوفيق، فتوجه عليهم التكليف ولم يساعدهم التعريف.
قوله: «وَكانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً» : لأنهم فقدوا من قبله- سبحانه- الإسماع فلم يستطيعوا لهم القبول.
قوله جل ذكره:
[سورة الكهف (١٨) : آية ١٠٢]
أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبادِي مِنْ دُونِي أَوْلِياءَ إِنَّا أَعْتَدْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ نُزُلاً (١٠٢)
أي توهموا أنه ينفعهم ما فعلوه حسب ظنهم، واعتقدوا فى أصنامهم استحقاق التعظيم، وكانوا يقولون: «ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى» «٢»، وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً» وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون.
(١) مشتبهة.
(٢) آيه ٣ سورة الزمر.
قوله جل ذكره:
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ١٠٣ الى ١٠٤]
قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً (١٠٣) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً (١٠٤)
ضلّ سعيهم لأنهم عملوا لغير الله.. وما كان لغير الله فلا ينفع.
ويقال الذين ضلّ سعيهم هم الذين قرنوا أعمالهم بالرياء، ووصفوا أحوالهم بالإعجاب، وأبطلوا إحسانهم بالملاحظات أو بالمنّ.
ويقال هم الذين يلاحظون أعمالهم وما منهم بعين الاستكثار «١».
قوله جل ذكره: وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً لم يكونوا أصحاب التحقيق، فعملوا من غير علم، ولم يكونوا على وثيقة «٢» قوله جل ذكره:
[سورة الكهف (١٨) : آية ١٠٥]
أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً (١٠٥)
عموا عن شهود الحقيقة فبقوا فى ظلمة الجحد، فتفرقّت بهم الأوهام والظنون، ولم يكونوا على بصيرة، ولم تستقر قلوبهم على عقيدة مقطوع بها فليس لهم فى الآخرة وزن ولا خطر، اليوم هم كالأنعام، وغدا واقعون ساقطون (... ) «٣» الأقدام.
قوله جل ذكره:
[سورة الكهف (١٨) : آية ١٠٦]
ذلِكَ جَزاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِما كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آياتِي وَرُسُلِي هُزُواً (١٠٦)
(١) ملاحظة الأعمال واستكثارها من أخطر دعاوى النفس، كثيرا ما حذّر منهما أهل الملامة فى نيسابور- موطن القشيري.
(٢) الوثيقة ما يضبط به الأمر ويحكم.
(٣) مشتبهة، وقد ضبطنا (الأقدام) بفتح الهمزة مراعاة للانسجام مع (الأنعام) على عادة القشيري فى ضبط الموسيقى الداخلية للجمل والفقرات، ومع ذلك فإنّ صحة ضبطها تتوقف على معرفة الكلمة المشتبهة. [.....]
هم اليوم فى عقوبة الجحد، وغدا فى عقوبه الردّ. اليوم هم فى ذلّ الفراق، وغدا فى أليم الاحتراق.
قوله جل ذكره:
[سورة الكهف (١٨) : آية ١٠٧]
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً (١٠٧)
لهم جنات معجّلة سرا، ولهم جنان مؤجلة جهرا.
اليوم جنان الوصل وغدا جنان الفضل.
اليوم جنان العرفان وغدا جنان الرضوان.
قوله جل ذكره:
[سورة الكهف (١٨) : آية ١٠٨]
خالِدِينَ فِيها لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلاً (١٠٨)
عرّفنا- سبحانه- أن ما يخوّله لهم غدا يكون على الدوام، فهم لا ينفكون عن أفضالهم، ولا يخرجون عن أحوالهم فهم أبدا فى الجنة، ولا إخراج لهم منها. وأبدا لهم الرؤية، ولا حجاب لهم عنها «١».
قوله جل ذكره:
[سورة الكهف (١٨) : آية ١٠٩]
قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً (١٠٩)
أي لا تعدّ معانى كلمات الله لأنه لا نهاية لها فإنّ متعلقات الصفة القديمة لا نهاية لها كمعلومات الحقّ- سبحانه- ومقدوراته وسائر متعلقات صفاته.
والذي هو مخلوق «٢» لا يستوفى ما هو غير متناه- وإن كثر ذلك.
قوله جل ذكره:
[سورة الكهف (١٨) : آية ١١٠]
قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً (١١٠)
(١) القشيري من الباحثين الذين يصرحون بالرؤية بالأبصار فى الآخرة، أما فى الدنيا فيقول: الأقوى فيه أنه لا يجوز، الرسالة ص ١٧٥.
(٢) يفصد (البحر) إذا صار مدادا فالبحر يتناهى. وكلمات الله لا تتناهى.
416
أخبر أنّك لهم من حيث الصورة والجنسية مشاكل، والفرق بينك وبينهم تخصيص الله- سبحانه- إياك بالرسالة، وتركه إياهم فى الجهالة.
ويقال: قل اختصاصى بما لى من (الاصطفاء) «١»، وإن كنا- أنا وأنتم- فى الصورة أكفاء.
قوله جل ذكره: فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً حمل الرجاء فى هذه الآية على خوف العقوبة ورجاء المثوبة حسن، ولكنّ ترك هذا على ظاهره أولى فالمؤمنون قاطبة يرجون لقاء الله.
والعارف بالله- سبحانه- يرجو لقاء الله والنظر إليه والعمل الصالح الذي بوجوده يصل إلى لقائه هو صبره على لواعج اشتياقه، وأن يخلص فى عمله.
«وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ» : أي لا يلاحظ عمله، ولا يستكثر طاعته، ويتبرأ من حوله وقوّته.
ويقال العمل الصالح هنا اعتقاد (وجود الصراط ورؤيته وانتظار وقته) «٢»
(١) هنا كلمة منبهمة فى الخط، فوضعنا كلمة (الاصطفاء) من عندنا فهى أليق بالمعنى والسياق.
(٢) هكذا في ص وليس واضحا عودة الضمير فى (رؤيته) هل هى على الصراط أم على الحق. فنحن تعلم أن القشيري شافعىّ من حيث مذهبة الفقهي، ونعلم كذلك أن الشافعي يقول: لو علم ابن إدريس أنه لا يرى ربّه يوم القيامة ما عبده.
انتهت سورة الكهف بهذا التذييل فى النسخة من.
[تمّ بعون الله تعالى وحسن توفيقه نصف أول از تفسير محقق إمام أبو قاسم القشيري رحمة الله عليه بتاريخ ١٢ شهر شوال سنة ١١٣٤].
417
Icon