تفسير سورة فصّلت

معاني القرآن للفراء
تفسير سورة سورة فصلت من كتاب معاني القرآن للفراء المعروف بـمعاني القرآن للفراء .
لمؤلفه الفراء . المتوفي سنة 207 هـ

وفي حرف «١» عَبْد اللَّه «ومنكم من يكون شيوخا» فوحدّ فِعل مَن، ثُمَّ رجع إلى الشيوخ فنوى بمن الجمع، ولو قَالَ: شيخا لتوحيد من في اللفظ كَانَ صوابًا.
وقوله: إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ (٧١).
[ترفع السلاسل والأغلال، ولو نصبت السلاسل وقلت «٢» : يسحبون «٣»، تريد «٤» ] يَسْحَبونَ سَلاسلَهم فِي جهنم.
وذكر الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أنه قال: [وهم] «٥» فِي السلاسل يُسْحَبون، فلا يجوز خفض «٦» السلاسل، والخافض مضمر ولكن لو أنّ متوهما قَالَ: إِنما المعنى إِذ أعناقهم في الأغلال وفي السلاسل يسحبون جاز الخفض فِي السلاسل عَلَى هَذَا المذهب، ومثله مما رُدّ إلى المعنى قول الشَّاعِر:
قَدْ سالم الحياتِ مِنْهُ القدَما الأفعوان والشُّجاعَ الشجعما «٧»
فنصب الشجاع، والحيات قبل ذَلِكَ مرفوعة لَأنَّ المعنى: قَدْ سالمت رجله الحيات وسالمتها، فلما احتاج إلى نصب القافية جعل الفعل من القدم واقعًا عَلَى الحيات.
[١٦٤/ ب]
ومن سورة السجدة
قوله عزَّ وجلَّ: كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا (٣).
تنصب [قرآنا] «٨» عَلَى الفعل، أي: فصلت آياته كذلك، ويكون نصبًا عَلَى القطع لَأن الكلام
(١) فى ب: وفى قراءة.
(٢) فى ب: فقلت.
(٣) أي: لكان صوابا، وانظر فى الاحتجاج لهذه القراءة المحتسب ٢/ ٢٤٤.
(٤) ما بين المعقوفتين ساقط فى كل من ب، ح، ش.
(٥) سقط فى ش.
(٦) سقط فى ش لفظ خفض.
(٧) هو من أرجوزة لأبى حيان الفقعسي، وقيل: لمساور بن هند العبسي. وبه جزم الترمذي والبطليوسي، وقيل: للعجاج... (شرح شواهد المغني ٢/ ٩٧٣)، وانظر تفسير الطبري ٢٤/ ٥٠، واللسان مادة شجع:
(٨) زيادة من ح، ش.
تام عند قوله: (آياته) «١». ولو كَانَ رفعا عَلَى أَنَّهُ من نعت الكتاب كَانَ صَوَابًا. كما قَالَ فِي موضع آخر: «كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ» «٢»، وكذلك قوله: «بَشِيراً وَنَذِيراً «٣» » فيه «٤» ما فِي:
«قُرْآناً عَرَبِيًّا».
وقوله: وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ (٥).
يَقُولُ: بيننا وبينك فُرقة فِي ديننا، فاعمل فِي هلاكنا إننا عاملون فِي ذَلِكَ منك، وَيُقَال:
فاعمل بما تعلم من دينك فإننا عاملون بديننا.
وقوله: لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ (٧).
والزكاة «٥» فِي هَذَا الموضع: أن قريشًا كانت تطعم الحاج وتسقيهم، فحرَمُوا ذَلِكَ من آمن بمحمد صلى الله عليه فنزل هَذَا فيهم، ثُمَّ قَالَ: وفيهم أعظم من هَذَا كفرهم بالآخرة.
وقوله: وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها (١٠) وفى قراءة عَبْد اللَّه: وقسم فيها أقواتها «٦»، جعل فِي هَذِهِ «٧» ما ليس فِي هَذِهِ ليتعايشوا ويتجروا.
وقوله: سَواءً لِلسَّائِلِينَ (١٠) نصبها «٨» عاصم وحمزة، وخفضها الْحَسَن «٩»، فجعلها من نعت الأيام، وإن شئت من نعت
(١) جاء فى تفسير النسفي: نصب: «قرآنا عربيا. على الاختصاص والمدح، أي أريد بهذا الكتاب المفصل قرآنا من صفته: كيت وكيت، أو على الحال أي فصلت آياته فى حال كونه قرآنا عربيا تفسير النسفي ٣/ ٢٦٤، وانظر تفسير الطبري ٢٤/ ٥٣.
(٢) سورة ص: آية ٢٩.
(٣) قرأ زيد بن على: «بشير ونذير»
برفعهما على الصفة لكتاب، أو على خبر مبتدأ محذوف (البحر المحيط ٧/ ٤٨٣) وانظر تفسير الطبري ٢٤/ ٥٣.
(٤) سقط (فيه) فى ح، ش.
(٥) سقط فى ح، ش لفظ (الزكاة).
(٦) انظر الطبري ٢٤/ ٥٧. [.....]
(٧) زاد فى ب بعد هذه الأولى كلمة البلدة بين السطور.
(٨) فى كل من ب، ح، ش نصبا العوام عاصم وحمزة.
(٩) قرأ الجمهور «سواء» بالنصب على الحال، وأبو جعفر بالرفع أي: هو سواء، وزيد بن على والحسن وابن أبى اسحق وعمرو بن عبيد، وعيسى، ويعقوب بالخفض نعتا لأربعة أيام (البحر المحيط ٧/ ٤٨٦، وانظر الإتحاف: ٣٨٠)
الأربعة، ومن نصبها جعلها متصلة بالَأقوات، وَقَدْ ترفع كأنه ابتداء، كأنه قَالَ: ذَلِكَ سواء للسائلين، يَقُولُ لمن أراد علمه.
وقوله: فَقَضاهُنَّ (١٢).
يقول: خلقهن، وأحكمهن.
وقوله: قالَتا أَتَيْنا (١١).
جعل السموات والَأرضين كالثَّنتين كقوله: «وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما» «١» ولم يقل: [وما] «٢» بينهن، ولو كَانَ كان «٣» صوابا.
وقوله: أَتَيْنا طائِعِينَ (١١).
ولم يقل: طائعتين، ولا طائعاتٍ. ذُهب «٤» بِهِ إلى السموات ومن فيهن، وَقَدْ يجوز: أن تقولا، وإن كانتا اثنَتين: أتينا طائعين، فيكونان كالرجال لمّا تكلمتا.
وقوله: وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها (١٢).
يَقُولُ: جعل فِي كل سماء ملائكة فذلك أمرها.
وقوله: إِذْ جاءَتْهُمُ [١٦٥/ ١] الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ (١٤).
أَتَت الرسل آباءهم، ومن كَانَ قبلهم ومن خلفهم يَقُولُ: وجاءتهم أنفسهم رسل من بعد أولئك الرسل، فتكون الهاء والميم فِي (خلفهم) للرسل، وتكون لهم تجعل من خلفهم لما معهم.
وقوله: رِيحاً صَرْصَراً (١٦).
باردة تُحْرق [كما تحرق] «٥» النار.
وقوله: فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ (١٦).
(١) سورة الحجر الآية ٨٥، وسورة الأنبياء الآية ١٦.
(٢) زيادة من ب.
(٣) سقط فى ح لفظ كان
(٤) فى ش ذهب.
(٥) ما بين المعقوفتين ساقط فى ح.
13
العوام عَلَى تثقيلها لكسر الحاء، وَقَدْ خفف بعض أهل المدينة: (نحسات) «١».
قال: [وقد سمعت بعض العرب ينشد:
أبلغْ جذاما ولخما أن إخوتهم طيا وبهراء قوم نصرهم نِحس] «٢».
وهذا «٣» لمن ثقلَ، ومن خفّف بناه علِي قوله: «فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ» «٤».
وقوله: وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ (١٧).
القراءة برفع ثمود، قرأ بذلك عاصم، وأهل المدينة والأعمش. إلا أن الْأَعْمَش كَانَ «٥» يجري ثمود فِي كل القرآن إلا قوله: «وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ»، فإنه كَانَ لا ينون، لَأنّ كتابه بغير ألف. ومن أجراها جعلها اسمًا لرجل أَوْ لجبل، ومن لم يجرها جعلها اسمًا للُأمة التي هِيَ منها قَالَ: وسمعت بعض العرب يَقُولُ: تترك بني أسد وهم فصحاء، فلم يُجْر أسدَ، وما أردت بِهِ القبيلة من الأسماء التي تجرى فلا تحرها، وإجراؤها أجود فِي العربية مثلَ قولك: جاءتك تميمٌ بأسرها، وقيس بأسرها، فهذا مما يُجْرَى، ولا يُجْرى مثل التفسير فِي ثمود وأسد.
وكان الحسن يقرأ: «وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ» بنصب «٦»، وهو وجه، والرفع أجود مِنْهُ، لأنَّ أمّا تطلب الأسماء، وتمتنع من الأَفعال، فهي بمنزلة الصلة للاسم، ولو كانت أمّا حرفا يلي الاسم إِذَا شئت، والفعل إِذَا شئت كَانَ الرفع والنصب معتدلين مثل قوله: «وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ» «٧»، ألا ترى أنّ الواو تكون مع الفعل، ومع الاسم؟ فتقول: عَبْدُ اللَّه ضربته وزيدًا تركته لأنك تَقُولُ: وتركتُ زيدًا، فتصلح فِي الفعل الواو كما صلحت فِي الاسم، ولا تَقُولُ: أمّا ضربتَ فعبد اللَّه «٨»، كما تَقُولُ: أمّا عَبْد اللَّه فضربت، ومن أجاز النصب وهو يرى هذه العلة [١٦٥/ ب] فإنه يقول:
(١) جاء فى تفسير الطبري: قرأ عامة قراء الأمصار غير نافع وأبى عمر وفى أيام نحسات بكسر الحاء، وقرأ نافع وأبو عمر ونحسات بسكون الحاء، وكان أبو عمرو فيما ذكر لنا عنه يحتج لتسكينه الحاء بقبوله «يوم نحس مستمر» تفسير الطبري ٢٤/ ٦٠.
(٢) ما بين المعقوفتين سقط فى ش. وفى تفسير الطبري ورد البيت: طيا وبهزا (وهو تصحيف) وانظر البحر المحيط ٧/ ٤٨١.
(٣) فى ب، ش فهذا.
(٤) سورة القمر الآية: ١٩.
(٥) ساقط فى ح: «إلا أن الأعمش كان.
(٦) وهى قراءة ابن اسحق أيضا (انظر تفسير الطبري ح ٢٤/ ٦١). [.....]
(٧) سورة يس الآية ٣٩.
(٨) ضبط (ب) أما ضربت فعبد الله.
14
خِلْقَةُ ما نصب الأسماءَ أن يسبقها لا أن تسبقه «١». وكل صواب.
وقوله: فَهَدَيْناهُمْ (١٧).
يَقُولُ: دللناهم عَلَى مذهب الخير، ومذهب الشر، كقوله: «وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ» «٢».
الخير، والشر «٣».
[حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ، حَدَّثَنَا «٤» مُحَمَّدٌ قَالَ] حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنِي قَيْسٌ عنْ زِيَادِ بْن عِلاقَةَ عنْ أَبِي عمارة عنْ عليّ بْن أَبِي طَالِب أنه قال فى قوله: «وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ» : الخير، والشر.
قَالَ أَبُو زكريا: وكذلك قوله: «إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً» «٥».
والهدى عَلَى وجه آخر الَّذِي هُوَ الإرشاد بمنزلة قولك: أسعدناه، من ذَلِكَ.
قوله: «أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ» «٦» فِي كَثِير من القرآن.
وقوله: فَهُمْ يُوزَعُونَ (١٩).
فهي من وزعتَ، ومعنى وزعتُه: حبسته وكففته، وجاء فِي التفسير: يحبس أولهم عَلَى آخرهم حَتَّى يدخلوا النار.
قَالَ: وسمعت بعض العرب يَقُولُ: لأبعثن عليكم «٧» من يزَعُكُم ويُحْكِمُكُم من الْحَكمَة التي للدابة «٨». قَالَ: وأنشدني أَبوْ ثَرْوان الْعُكْلِيُّ:
فإنكما «٩» إن تحكمِاني وترسلا عليّ غُواة الناس إيب وتضلعا «١٠»
(١) فى الأصل: لا أن يسبقه، تحريف وفى (ش) لأن أن تسبقه وهو خطأ.
(٢) سورة البلد الآية ١٠.
(٣) سقط فى ح، ش: الخير والشر.
(٤) ما بين المعقوفتين زيادة فى ح، ش.
(٥) سورة الإنسان الآية ٣.
(٦) سورة الأنعام الآية ٩٠.
(٧) في ب، ش إليكم.
(٨) حكمة اللجام: ما أحاط بحنكي الدابة، وفى الصحاح: بالحنك، سميّت بذلك لأنها تمنعه من الجري الشديد، وفى الحديث: وأنا آخذ بحكمة فرسه. أي بلجامه (اللسان مادة حكم).
(٩) فى (ح) بحد كما.
(١٠) في (ش) وتضلفها وهو خطأ من الكاتب.
فهذا من ذَلِكَ، إيب: من أبَيْتُ وآبى.
وقوله: سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ (٢٠).
الجلد هاهنا- والله أعلم- الذَّكر، وهو ما كنى عَنْهُ «١» كما قال: «وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا «٢» »، يريد: النكاح. وكما قَالَ: «أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ» «٣»، والغائط: الصحراء، والمراد من ذَلِكَ: أَوْ قضى أحد منكم حاجةً.
وقوله: وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ (٢٢).
يَقُولُ: لم تكونوا تخافون أن تشهد عليكم جوارحكم فتستتروا منها، ولم تكونوا لتقدروا عَلَى الاستتار «٤»، ويكون عَلَى التعبير: أي لم تكونوا تستترون منها.
وقوله: وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ (٢٢).
فِي «٥» قراءة عَبْد اللَّه مكان (وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ)، ولكن زعمتم «٦»، والزعم، والظن فِي معنى واحد، وَقَدْ يختلفان.
وقوله: وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ (٢٣).
«ذلكم» فِي موضع رفع «٧» بالظن، وجعلت «أرداكم» فِي موضع نصب، كأنك قلت: ذلكم ظنكم مرديا لكم. وَقَدْ يجوز أن تجعل الإرداءَ هُوَ الرافع فِي قول من قَالَ: هَذَا عَبْد اللَّه قائم [١٦٦/ ١] يريد: عَبْد اللَّه هَذَا قائم، وهو مستكره، ويكون أرداكم مستأنفا لو ظهر اسما لكان رفعا مثل قوله فِي لقمان: «الم، تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ، هُدىً وَرَحْمَةً» «٨»، قد قرأها حمزة كذلك «٩»،
(١) فى ب، ح ما كنى الله عنه.
(٢) البقرة آية ٢٣٥. [.....]
(٣) المائدة آية ٦.
(٤) زاد فى ب، ح، ش: منها.
(٥) في ب، ش: وفى.
(٦) كذا في المصاحف للسجستانى ص: ٨٥.
(٧) في ب، ح: رفع رفعته.
(٨) الآيات: ١، ٢، ٣.
(٩) وهى أيضا قراءة: الأعمش، وطلحة، وقنبل خبر مبتدأ محذوف، أو خبر بعد خبر (البحر المحيط ٧/ ١٨٣).
وفي قراءة عَبْد اللَّه «١» :«أَأَلِدُ وأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخٌ «٢» »، وفي قَ: «هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ» «٣» كل هَذَا عَلَى الاستئناف ولو نويت الوصل كَانَ نصبا، قَالَ: وأنشدني بعضهم:
مَنْ يك ذا بتّ فهذا بتّى مقيّظ مصيّف مُشَتِّي
جمعته من نعجات ست «٤»
وقوله: وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ (٢٥).
من أمر الآخرة، فقالوا: لا جنة، وَلا نار، ولا بعث، ولا حساب، وما خلفهم من أمر الدنيا فزينوا لهم اللذات، وجمع الأموال، وترك النفقات فِي وجوه البر، فهذا ما خلفهم، وبذلك جاء التفسير «٥»، وَقَدْ يكون ما بين أيديهم ما هُمْ فِيهِ من أمر الدنيا، وما خلفهم من أمر الآخرة.
وقوله: وَالْغَوْا فِيهِ (٢٦).
قاله كفّار قريش، قَالَ لهم أَبُو جهل: إذا تلا محمد صلى الله عليه القرآن فالغوا فِيهِ الغَطوا، لعله يبدّل أَوْ ينسى فتغلبوه.
وقوله: ذلِكَ جَزاءُ أَعْداءِ اللَّهِ النَّارُ، ثم قال: لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ (٢٨).
وهي النار بعينها، وذلك صواب لو قلت: لأهل الكوفة منها دار صالحة، والدار هي الكوفة، وحسن حين قلت [بالدار] «٦» والكوفة هِيَ «٧» والدار فاختلف لفظاهما، وهي فِي قراءة عَبْد اللَّه:
«ذَلِكَ جزاء أعداءِ اللَّه «٨» النار دار الخلد» «٩» فهذا بيّن لا شيء فِيهِ، لأن الدار هِيَ النار.
وقوله: رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ (٢٩).
(١) جاء فى البحر المحيط (٥/ ٢٤٤) : قرأ ابن مسعود، وهو فى مصحفه، والأعمش: «شيخ» بالرفع، وجوزوا فيه، وفى «بعلى» أن يكونا خبرين، كقولهم: هذا حلو حامض، وأن يكون بعلى خبرا، وشيخ خبر مبتدأ محذوف.
(٢) سورة هود الآية ٧٢.
(٣) الآية ٢٣.
(٤) ينسب لرؤبة بن العجاج، وهو من شواهد سيبويه ١/ ٢٥٨ وانظر شرح ابن عقيل ١/ ٢٢٣.
(٥) كذا فى تفسير الطبري: ٢٤/ ٦٤.
(٦) زيادة من ب.
(٧) سقط فى ش لفظ (هى). [.....]
(٨) لم يثبت فى ح، ش: (ذلك جزاء أعداء الله النار).
(٩) انظر الطبري ٢٤/ ٦٥.
يُقال: إن الَّذِي أضلهم من الجن إبليس [و] «١» من الإنس قابيل الَّذِي قتل أخاه يَقُولُ:
هُوَ أول من سنّ الضلالة من الإنس.
وقوله: تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ (٣٠).
عند الممات يبشرونهم بالجنة، وفي قراءتنا «ألّا تخافوا» «٢»، وفي قراءة عَبْد اللَّه: «لا تخافوا» «٣» بغير أَنْ عَلَى مذهب الحكاية.
وقوله: وَما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا (٣٥).
يريد ما يلّقى دفع السيئة بالحسنة «٤» إلّا مَن هُوَ صابر، أَوْ ذو حظ عظيم، فأنَّثها «٥» لتأنيث الكلمة، ولو أراد الكلام [فذكر] «٦» كَانَ صوابًا.
وقوله: وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ (٣٦).
يَقُولُ: يصدنّك عنْ أمرنا إياك يدفع بالحسنة السيئة «٧» فاستعذ بالله تعّوذ بِهِ.
وقوله: لا تَسْجُدُوا «٨» لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ (٣٧).
خَلَقَ الشمس والقمر والليل والنهار، وتأنيثهن فِي قوله: «خلقهن» [١٦٦/ ب] لأن كل ذكر من غير النَّاس وشبههم فهو فِي جمعه مؤنث تَقُولُ: مرّ بي أثواب فابتعتهن، وكانت لي مساجد فهدمتهن وبنيتهن يبنى «٩» [على] «١٠» هذا.
وقوله: اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ (٣٩).
زاد ريعْها، وربَت، أي: أنها تنتفخ، ثُمَّ تصدّع عن النبات.
(١) زيادة من ب، ح، ش.
(٢) وهى قراءة الجمهور.
(٣) بمعنى نتنزل عليهم قائلة: لا تخافوا ولا تحزنوا (تفسير الطبري ٢٤/ ٦٧).
(٤) فى ح: دفع السيئة الحسنة.
(٥) فى (ا) فا؟؟؟، والتصويب من ب، ح.
(٦) زيادة من ب، ح.
(٧) كذا فى ب: وفى الأصل: بدفع الحسنة السيئة.
(٨) فى (ا) ألا تسجدوا وهو خطأ من الناسخ.
(٩) فى ش بيتا وهو خطأ.
(١٠) الزيادة من ب، ح.
وقوله: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جاءَهُمْ (٤١).
يُقال: أَيْنَ جواب إِنَّ؟ فإن شئت جعلته «أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ». وإن شئت كان فى قوله: «وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ» (٤١) «لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ (٤٢) »، فيكون جوابه معلومًا فيترك، وكأنه أعربُ الوجهين [وأشبهه بما جاء فِي القرآن.
وقوله: لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ (٤٢)، يَقُولُ: التوراة والإنجيل لا تكذبه وهي [من] «١» بين يديه «ولا من خلفه»، يَقُولُ: لا ينزل بعده كتاب بكذبه] «٢».
وقوله: مَا يُقالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ (٤٣).
جزع (صلى الله عليه) من تكذيبهم إياه، فأنزل اللَّه جل وعز عَلَيْهِ «٣» : ما يُقال لَكَ من التكذيب إلا كما كذب الرسل من «٤» قبلك:
قَرَأَ الْأَعْمَش وعاصم «٥» :«أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ» (٤٤).
استفهما، وسكنا العين، وجاء التفسير: أيكون «٦» هَذَا الرَّسُول عربيًا والكتاب أعجمي؟
«٧» وقرأ «٨» الْحَسَن بغير استفهام «٩» : أعجمي وعربي، كأنه جعله من قيلهم، يعني الكفَرة «١٠»، أي: هلَّا فصلت آياته منها عربي يعرفه العربي، وعجمي يفهمه العجمي، فأنزل اللَّه عزَّ وجلَّ: «قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ» (٤٤).
وقرأها بعضهم «١١» :«أَعَجَمِيٌّ وعربي» يستفهم وينسبه إلى العجم.
(١) زيادة من ب.
(٢) ما بين المعقوفتين مطموس فى (ا) ونقل من النسخة ش لوحة ١٧١ وب لوحة ١٧. [.....]
(٣) سقط فى ب لفظ عليه.
(٤) سقط في ب لفظ من.
(٥) وهى قراءة قالون وأبى عمرو وأبى جعفر بهمزتين على الاستفهام (انظر الاتحاف ٣٨١).
(٦) فى (ا) ان يكون.
(٧) فى ب، ح: قال وقرأ.
(٨) فى ش وقال الحسن.
(٩) وهى رواية قنبل وهشام ورويس (انظر النشر ١/ ٣٦٦) وهى أيضا قراءة أبى الأسود وآخرين (انظر المحتسب ٢/ ٢٤٧).
(١٠) العبارة فى ح، ش من قيل الكفرة.
(١١) هو عمرو بن ميمون (المحتسب ٢/ ٢٤٨).
وقوله: وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى (٤٤).
حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ «١» قَالَ: وَحَدَّثَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ [أبو الأحوص و] «٢» مندل عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنَ قَتَّةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَرَأَ: عَمٍ «٣».
وقوله: أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ (٤٤).
تَقُولُ للرجل الَّذِي لا يفهم قولك: أنت تنادى من بعيد، تقول للفَهِم: إنك لتأخذ الشيء من قريب. وجاء فِي التفسير: كأنما «٤» ينادون [من السماء] «٥» فلا يسمعون «٦».
وقوله: وَما تَخْرُجُ مِنْ ثمرة «٧» من أكمامها (٤٧).
قشر الكفرّاة «٨» كِمّ، وقرأها أهل الحجاز «٩» :«وَما تَخْرُجُ مِنْ ثَمَراتٍ» «١٠».
وقوله: قالُوا آذَنَّاكَ (٤٧).
هَذَا من قول الآلهة التي كانوا يعبدونها فِي الدنيا. قَالُوا: أعلمناك ما منا من شهيد بما قَالُوا.
وقوله: لا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ (٤٩).
وفى «١١» قراءة عبد الله: «من دعاء بالخير» «١٢».
وقوله: فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ (٥١) يَقُولُ: ذو دعاء كَثِير إن وصفته بالطول والعرض فصواب:
(١) فى ب: حدثنا محمد قال.
(٢) ما بين المعقوفتين زيادة من ب، ح، ش.
(٣) انظر تفسير الطبري ٢٤/ ٧٣، وهى أيضا قراءة ابن الزبير، ومعاوية بن أبى سفيان وعمرو بن العاص (البحر المحيط ٧/ ٥٠٢).
(٤) فى (ا) كانوا.
(٥) ما بين المعقوفتين زيادة فى ب. [.....]
(٦) انظر اللسان مادة بعد. وانظر تفسير النسفي ٣/ ٢٧٩.
(٧) كذا فى كل النسخ، وفى قراءة حفص «من ثمرات».
(٨) الكفراة بالضم وتشديد الراء وفتح الفاء وضمها: وعاء الطلع وقشره الأعلى (اللسان مادة كفر).
(٩) أبو جعفر ونافع، وقرأها كذلك ابن عامر وابن مقسم انظر المحيط ٧/ ٥٠٤.
(١٠) وقرأته قراء الكوفة «من ثمرة» على لفظ الواحدة (تفسير الطبري ٢٥/ ٢).
(١١) كذا فى ب، ش، وفى الأصل: فى قراءة.
(١٢) فى البحر المحيط ٧/ ٥٠٤: قرأ عبد الله: «من دعاء بالخير» بباء داخلة على الخير.
Icon