ﰡ
وقوله تعالى :﴿ والذين هُمْ عَنِ اللغو مُّعْرِضُونَ ﴾ أي عن الباطل وهو يشمل الشرك كما قاله بعضهم، والمعاصي كما قاله آخرون، وما لا فائدة فيه من الأقوال والأفعال كما قال تعالى :﴿ وَإِذَا مَرُّواْ بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً ﴾ [ الفرقان : ٧٢ ]، قال قتادة : أتاهم والله من أمر الله ما وقفهم عن ذلك، وقوله :﴿ والذين هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ ﴾ الأكثرون على أن المراد بالزكاة هاهنا زكاة الأموال مع أن هذه الآية مكية، وإنما فرضت الزكاة بالمدينة في سنة اثنتين من الهجرة، والظاهر أن أصل الزكاة كان واجباً بمكة، قال تعالى في سورة الأنعام وهي مكية :
وقوله تعالى :﴿ والذين هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ﴾ أي إذا أؤتمنوا لم يخونوا بل يؤدونها إلى أهلها، وإذا عاهدوا أو عاقدوا أوفوا بذلك، لا كصفات المنافقين الذين قال فيهم رسول الله ﷺ :« آية المنافق ثلاث : إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان »، وقوله :﴿ والذين هُمْ على صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ ﴾ أي يواظبون عليها في مواقيتها كما قال ابن مسعود :« سألت رسول الله ﷺ فقلت : يا رسول الله أي العمل أحب إلى الله؟ قال :» الصلاة على وقتها « قلت : ثم أي؟ قال :» بر الوالدين «، قلت : ثم أي؟ قال :» الجهاد في سبيل الله «، وفي » مستدرك « الحاكم قال :» الصلاة في أول وقتها «، وقال ابن مسعود ومسروق في قوله :﴿ والذين هُمْ على صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ ﴾ يعني مواقيت الصلاة، وقال قتادة : على مواقيتها وركوعها وسجودها، وقد افتتح الله ذكر هذه الصفات الحميدة بالصلاة واختتمها بالصلاة، فدل على أفضليتها كما قال رسول الله ﷺ :» استقيموا ولن تحصوا واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة، ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤم «. ولما وصفهم تعالى بالقيام بهذه الصفات الحميدة والأفعال الرشيدة قال :﴿ أولئك هُمُ الوارثون * الذين يَرِثُونَ الفردوس هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾، وثبت في » الصحيحين « :
وقال عبد الله بن مسعود : إن النطفة إذا وقعت في الرحم طارت في كل شعر وظفر، فتمكث أربعين يوماً، ثم تنحدر في الرحم فتكون علقة، وفي الصحيح :« يدخل الملك على النطفة بعدما تستقر في الرحم بأربعين ليلة فيقول يا رب ماذا؟ شقي أم سعيد، أذكر أم أنثى؟ فيقول الله فيكتبان، ويكتب عمله وأثره ومصيبته ورزقه، ثم تطوى الصحيفة فلا يزاد على ما فيها ولا ينقص » وروى الحافظ أبو بكر البزار عن أنس أن رسول الله ﷺ قال :« إن الله وكل بالرحم ملكاً فيقول : أي رب نطفة، أي رب علقة، أي رب مضغة، فإذا أراد الله خلقها قال : أي رب ذكر أو أنثى؟ شقي أو سعيد؟ فما الرزق والأجل؟ قال : فذلك يكتب في بطن أمه » وقوله :﴿ فَتَبَارَكَ الله أَحْسَنُ الخالقين ﴾ : يعني حين ذكر قدرته ولطفه في خلق هذه النطفة من حال إلى حال، ومن شكل لى شكل، حتى تصورت إلى ما صارت إليه من الإنسان السوي الكامل الخلق، قال :﴿ فَتَبَارَكَ الله أَحْسَنُ الخالقين ﴾، وقوله :﴿ ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلك لَمَيِّتُونَ ﴾ يعني بعد هذه النشأة الأولى من العدم تصيرون إلى الموت، ﴿ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ القيامة تُبْعَثُونَ ﴾ يعني النشأة الآخرة، ﴿ ثُمَّ الله يُنشِىءُ النشأة الآخرة ﴾ [ العنكبوت : ٢٠ ] يعني يوم المعاد، وقيام الأرواح إلى الأجساد، فيحاسب الخلائق، ويوفي كل عامل عمله إن خيراً وإن شراً فشر.
وقوله تعالى :﴿ فَأَنشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ ﴾ يعني فأخرجنا لكم بما أنزلنا من السماء جنات أي بساتين وحدائق ﴿ ذَاتَ بَهْجَةٍ ﴾ [ النمل : ٦٠ ] أي ذات منظر حسن، وقوله :﴿ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ ﴾ أي فيها نخيل وأعناب، وهذا ما كان يألف أهل الحجاز ولا فرق بين الشيء وبين نظيره، وكذلك في حق كل أهل إقليم عندهم من الثمار من نعمة الله عليهم ما يعجزون عن القيام بشكره، وقوله :﴿ لَّكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ ﴾ أي من جميع الثمار، كما قال :﴿ يُنبِتُ لَكُمْ بِهِ الزرع والزيتون والنخيل والأعناب وَمِن كُلِّ الثمرات ﴾ [ النحل : ١١ ]، وقوله :﴿ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ ﴾ معطوف على شيء مقدر، تقديره : تنظرون إلى حسنه ونضجه ومنه تأكلون، وقوله :﴿ وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَآءَ ﴾ يعني الزيتونة، والطور هو الجبل، وقال بعضهم : إنما يسمى طوراً إذا كان فيه شجر، فإن عري عنها سمي جبلاً لا طوراً والله أعلم. و ﴿ طُورِ سَيْنَآءَ ﴾ هو طور سنين، وهو الجبل الذي كلم الله عليه موسى بن عمران عليه السلام وما حوله من الجبال التي فيها شجر الزيتون، وقوله :﴿ تَنبُتُ بالدهن ﴾ أي تنبت الدهن، كما في قول العرب : ألقى فلان بيده أي يده، ولهذا قال :﴿ وَصِبْغٍ ﴾ أي أدم قاله قتادة ﴿ لِّلآكِلِيِنَ ﴾ أي فيها ما ينتفع به من الدهن والاصطباغ، قال رسول الله ﷺ :
وقوله تعالى :﴿ أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الخيرات بَل لاَّ يَشْعُرُونَ ﴾ يعني أيظن هؤلاء المغرورون أن ما نعطيهم من الأموال والأولاد، لكرامتهم علينا ومعزتهم عندنا، كلا ليس الأمر كما يزعمون في قولهم ﴿ نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً وَأَوْلاَداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ ﴾ [ سبأ : ٣٥ ] لقد أخطأوا في ذلك وخاب رجاؤهم، بل إنما نفعل بهم ذلك استدراجاً وإنظاراً وإملاء، ولهذا قال :﴿ بَل لاَّ يَشْعُرُونَ ﴾، كما قال تعالى :﴿ فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الحياة الدنيا ﴾
﴿ أولئك يُسَارِعُونَ فِي الخيرات ﴾ » وقد قرأ آخرون هذه الآية ﴿ والذين يُؤْتُونَ مَآ آتَواْ وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ ﴾ : أي يفعلون ما يفعلون وهم خائفون، وروي هذا مرفوعاً إلى النبي ﷺ أنه قرأها كذلك، والمعنى على القراءة الأولى وهي قراءة الجمهور السبعة وغيرهم أظهر؛ لأنه قال :﴿ أولئك يُسَارِعُونَ فِي الخيرات وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ ﴾ فجعلهم من السابقين، ولو كان المعنى على القراءة الأخرى لأوشك أن لا يكونوا من السابقين من المقتصدين أو المقصرين، والله أعلم.
ففي هذا كله تبيين عجز العباد واختلاف آرائهم وأهوائهم، وأنه تعالى هو الكامل في جميع صفاته وأقواله وأفعاله وتدبيره لخلقه تعالى وتقدس، ولهذا قال :﴿ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ ﴾ أي القرآن ﴿ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِمْ مُّعْرِضُونَ ﴾، وقوله :﴿ أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً ﴾ قال الحسن : أجراً، وقال قتادة : جُعْلا ﴿ فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ ﴾ أي أنت لا تسألهم أجرة ولا جعلاً ولا شيئاً على دعوتك إياهم إلى الهدى، بل أنت في ذلك تحتسب عند الله جزيل ثوابه، كما قال ﴿ قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّن أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الله ﴾ [ سبأ : ٤٧ ]، وقال :﴿ قُلْ مَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَآ أَنَآ مِنَ المتكلفين ﴾ [ ص : ٨٦ ]، وقال :﴿ اتبعوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْراً ﴾ [ يس : ٢١ ]، وقوله :﴿ وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إلى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ * وَإِنَّ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة عَنِ الصراط لَنَاكِبُونَ ﴾. عن ابن عباس أن رسول الله ﷺ أتاه فيما يرى النائم، ملكان، فقعد أحدهما عند رجليه، والآخر عند رأسه، فقال الذي عند رجليه للذي عند رأسه : اضرب مَثَل هذا ومثل أمته، فقال : إن مثل هذا ومثل أمته كمثل قوم سفر انتهوا إلى رأس مفازة، فلم يكن معهم من الزاد ما يقطعون به المفازة ولا ما يرجعون به، فبينما هم كذلك إذ أتاهم رجل في حلة حبرة، فقال : أرأيتم إن أوردتكم رياضاً معشبة وحياضاً رواء تتبعوني؟ فقالوا : نعم، قال : فانطلق بهم وأوردهم رياضاً معشبة وحياضاً رواء، فأكلوا وشربوا وسمنوا، فقال لهم : ألم ألفَكم على تلك الحال، فجعلتم لي إن وردت بكم رياضاً معشبة وحياضاً رواء أن تتبعوني؟ قالوا : بلى، قال : فإن بين أيديكم رياضاً أعشب من هذه، وحياضاً هي أروى من هذه، فاتبعوني، قال : فقالت طائفة : صدق الله ولنتبعنه، وقالت طائفة : قد رضينا بهذا نقيم عليه. وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال، قال رسول الله ﷺ :« إني ممسك بحجزكم هلمَّ عن النار، هلمَّ عن النار وتغلونني، تتقاحمون فيها تقاحم الفراش والجنادب، فأوشك أن أرسل حجزكم وأنا فرطكم على الحوض، فتردون عليّ معاً وأشتاتاً، أعرفكم بسيماكم وأسمائكم كما يعرف الرجل الغريب من الإبل في إبله، فيذهب بكم ذات اليمين وذات الشمال، فأناشد فيكم رب العالمين أي رب قومي، أي رب أمتي، فيقال : يا محمد إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، إنهم كانوا يمشون بعدك القهقرى على أعقابهم » وقوله :﴿ وَإِنَّ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة عَنِ الصراط لَنَاكِبُونَ ﴾ أي لعادلون جائرون منحرفون، تقول العرب : نكب فلان عن الطريق إذا زاغ عنها، وقوله :﴿ وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِّن ضُرٍّ لَّلَجُّواْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾ يخبر تعالى عن غلظهم في كفرهم، بأنه لو أزاح عنهم الضر وأفهمهم القرآن لما انقادوا له، ولاستمروا على كفرهم وعنادهم وطغيانهم، كما قال تعالى :﴿ وَلَوْ عَلِمَ الله فِيهِمْ خَيْراً لأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُمْ مُّعْرِضُونَ ﴾ [ الأنفال : ٢٣ ] فهذا من باب علمه تعالى بما لا يكون لو كان كيف يكون، قال ابن عباس : كل ما فيه ( لو ) فهو مما لا يكون أبداً.
قوله :﴿ قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ ﴾ أي بيده الملك ﴿ مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَآ ﴾ [ هود : ٥٦ ] أي متصرف فيها، وكان رسول الله ﷺ يقول :« لا والذي نفسي بيده »، وكان إذا اجتهد في اليمين قال :« لا ومقلب القلوب »، فهو سبحانه الخالق المالك المتصرف، ﴿ وَهُوَ يُجْيِرُ وَلاَ يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ كانت العرب إذا كان السيد فيهم أجار أحداً لا يخفر في جواره، وليس لمن دونه أن يجير عليه لئلا يفتات عليه، ولهذا قال الله :﴿ وَهُوَ يُجْيِرُ وَلاَ يُجَارُ عَلَيْهِ ﴾ أي وهو السيد العظيم الذي لا أعظم منه، الذي له الخلق والأمر ولا معقب لحكمه، ﴿ لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ﴾ [ الأنبياء : ٢٣ ]، ﴿ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ ﴾ أي سيعترفون أن السيد العظيم الذي يجير ولا يجار عليه هو الله تعالى وحده لا شريك له ﴿ قُلْ فأنى تُسْحَرُونَ ﴾ أي فكيف تذهب عقولكم في عبادتكم معه غيره مع اعترافكم وعلمكم بذلك؟ ثم قال تعالى :﴿ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بالحق ﴾ وهو الإعلام بأنه لا إله إلا الله وأقمنا الأدلة الصحيحة الواضحة القاطعة على ذلك، ﴿ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ﴾ أي في عبادتهم مع الله غيره ولا دليل لهم على ذلك، كما قال في آخر السورة ﴿ وَمَن يَدْعُ مَعَ الله إِلَهَا آخَرَ لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ ﴾ [ المؤمنون : ١١٧ ] فالمشركون إنما يفعلون ذلك اتباعاً لآبائهم وأسلافهم الحيارى الجهال كما قال عنهم ﴿ إِنَّا وَجَدْنَآ آبَآءَنَا على أُمَّةٍ وَإِنَّا على آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ ﴾ [ الزخرف : ٢٣ ].
وقوله تعالى :﴿ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فأولئك هُمُ المفلحون ﴾ أي من رجحت حسناته على سيئاته ولو بواحدة قال ابن عباس :﴿ فأولئك هُمُ المفلحون ﴾ أي الذين فازوا فنجوا من النار وأدخلوا الجنة ﴿ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ ﴾ أي ثقلت سيئاته على حسناته ﴿ فأولئك الذين خسروا أَنفُسَهُمْ ﴾ أي خابوا وهلكوا وباءوا بالصفقة الخاسرة عن أنس بن مالك يرفعه قال : إن لله ملكاً موكلاً بالميزان فيؤتى بابن آدم فيوقف بين كفتي الميزان، فإن ثقل ميزانه نادى ملك بصوت يسمعه الخلائق : سعد فلان سعادة لا يشقى بعدها أبداً، وإن خفّ ميزانه نادى ملك بصوت يسمع الخلائق : شقي فلان شفاوة لا يسعدها بعدها أبداً. قال تعالى :﴿ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ ﴾ أي ماكثون فيها دائمون مقيمون فلا يظعنون ﴿ تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النار ﴾، كما قال تعالى :
وكان آخر خطبة خطبها ( عمر بن عبد العزيز ) أن حمد الله وأثنى عليه ثم قال : أما بعد أيها الناس إنكم لم تخلقا عبثاً، ولن تتركوا سدى، وإن لكم معاداً ينزل الله فيه للحكم بينكم والفصل بينكم، فخاب وخسر وشقي عبد أخرجه الله من رحمته، وحرم جنة عرضها السماوات والأرض ألم تعلموا أنه لا يؤمن عذاب الله غداً إلا من حذر هذا اليوم وخافه، وباع نافداً بباق، وقليلاً بكثير، وخوفاً بأمان، ألا ترون أنكم من أصلاب الهالكين وسيكون من بعدكم الباقين، حتى تردون إلى خير الوراثين؟ ثم إنكم في كل يوم تشيعون غادياً ورائحاً إلى الله عزَّ وجلّ قد قضى نحبه، وانقضى أجله، حتى تغيبوه في صدع من الأرض، في بطن صدع غير ممهد ولا موسد، فد فارق الأحباب وباشر التراب، وواجه الحساب، مرتهن بعمله، غني عما ترك، فقير إلى ما قدم، فاتقوا الله عباد الله قبل انقضاء مواثيقه ونزول الموت بكم؛ ثم جعل طرف ردائه على وجهه فبكى وأبكى من حوله.