تفسير سورة المؤمنون

تفسير غريب القرآن للكواري
تفسير سورة سورة المؤمنون من كتاب تفسير غريب القرآن - الكواري المعروف بـتفسير غريب القرآن للكواري .
لمؤلفه كَامِلَة بنت محمد الكَوارِي .

(١٠، ١١) ﴿هُمُ الْوَارِثُونَ (١٠) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ﴾ الَّذِي هُوَ أَعْلَى الجَنَّةِ وَوَسَطُهَا وَأَفْضَلُهَا؛ لأنهم حَلُّوا من صِفَاتِ الخيرِ أَعْلَاهَا وَذُرْوَتَهَا، أو المرادُ بذلك جميعُ الجَنَّةِ؛ لِيَدْخُلَ بذلك عمومُ المؤمنين عَلَى درجاتهم في مراتبهم، كُلّ بحسب حاله.
﴿سُلَالَةٍ﴾ خُلَاصَةٍ، وَالسَّلُّ: اسْتِخْرَاجُ الشَّيْءِ مِنَ الشَّيْءِ.
﴿ثُمَّ جَعَلْنَاهُ﴾ أي: جِنْسَ الآدَمِيِّينَ.
﴿نُطْفَةً﴾ تَخْرُجُ مِنْ بَيْنَ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ فَتَسْتَقِرُّ.
﴿فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ﴾ وهو: الرَّحِمُ مَحْفُوظٌ من الفسادِ والريحِ وَغَيْرِهِ.
﴿ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ﴾ النُّطْفَةُ: قَطْرَةُ المَاءِ، أي: المنيُّ الَّذِي يُفْرِزُهُ الفَحْلُ.
﴿عَلَقَةً﴾ أي: الدَّمُ المُتَجَمِّدُ الَّذِي يَعْلَقُ بالأصبعِ لو حَاوَلَ أَحَدٌ أن يَرْفَعَهُ بأصبعه كَمُحِّ البَيْضِ.
﴿فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً﴾ أي: قِطْعَةَ لَحْمٍ صَغِيرَةً، بِقَدْرِ مَا يُمْضَغُ من صِغَرِهَا.
﴿فَخَلَقْنَا المُضْغَةَ عِظَامًا﴾ عِظَامًا صُلْبَةٌ، قد تَخَلَّلَتِ اللَّحْمَ، بحسبِ حَاجَةِ البَدَنِ إليها.
﴿فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لحْمًا﴾ أي: جَعَلْنَا اللَّحْمَ كِسْوَةً للْعِظَامِ، كما جعلنا العظامَ عِمَادًا لِلَّحْمِ.
﴿ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ﴾: أي غيرَ تلك المُضْغَةِ؛ إِذْ بعدَ نَفْخِ الروحِ فيها صَارَتْ إِنْسَانًا.
﴿فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الخَالِقِينَ﴾ أي: تَعَاظَمَ وَكَثُرَ خَيْرُهُ، فَخَلْقُهُ كُلُّهُ حَسَنٌ، والإنسانُ مِنْ أَحْسَنِ مَخْلُوقَاتِهِ، بل هُوَ أَحْسَنُهَا عَلَى الإطلاقِ كما قال تعالى: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾، ولهذا كانت خَوَاصُّهُ أفضلَ المخلوقاتِ وَأَكْمَلَهَا.
﴿سَبْعَ طَرَائِقَ﴾ أي: سبعَ سَمَاوَاتٍ، وإنما سَمَّاهَا طَرَائِقَ لأنَّ بَعْضَهَا فوقَ بَعْضٍ، والعربُ تُسَمِّي كُلَّ شيء فَوْقَ شَيْءٍ طَرِيقَةً.
﴿طُورِ سَيْنَاء﴾ الجَبَلُ الَّذِي كَلَّمَ اللهُ مُوسَى عليه.
﴿تَنبُتُ بِالدُّهْنِ﴾ أي: ومعها الدُّهْنُ وهو زَيْتُ الزَّيْتُونُ.
﴿إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ﴾ أي: مَجْنُونٌ.
﴿فَتَرَبَّصُوا﴾ أي: انْتَظِرُوا به.
﴿حَتَّى حِينٍ﴾ إلى أن يأتيَ الموتُ.
﴿فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاء﴾ أي: هَشِيمًا يَابِسًا بمنزلةِ غثاءِ السَّيْلِ المُلْقَى في جنباتِ الوادِي.
﴿فِي غَمْرَتِهِمْ﴾ في حَيْرَتِهِمْ وَضَلَالِهمْ، فَهُمْ بمنزلةِ مَنْ تَقَدَّمَ، ولَا يَضِقْ صدرُك بتأخيرِ العذابِ عنهم، والغمرةُ في اللّغَةِ: ما يَغْمُرُ الشيءَ وَيَعْلُوهُ وَيَسْتُرُهُ.
﴿يَجْأَرُونَ﴾ يَجْزَعُونَ وَيَصِيحُونَ وَيَسْتَغِيثُونَ، وأصلُ الجُؤَارِ رَفْعُ الصوتِ بالتضرعِ.
﴿تَنكِصُونَ﴾ تَرْجِعُونَ إلى وراء؛ وهي أَقْبَحُ مِشْيَةٍ؛ لأن صَاحِبَهَا لا يَرَى ما وَرَاءَهُ.
﴿سَامِرًا﴾ السَّامِرُ: اسْمٌ مُفْرَدٌ بِمَعْنَى الجَمْعِ، أي: سُمَّارًا، وهم الجماعةُ يَتَحَدَّثُونَ بالليلِ، مأخوذٌ من السَّمَرِ، وهو ظِلُّ القَمَرِ، وقد كان أهلُ مَكَّةَ يتحدثون حَوْلَ الكعبةِ في سَمَرِ القَمَرِ، وكان جُلّ حَدِيثِهِمْ ذِكْرَ القُرْآنِ، والتَّوَاصِي بِهَجْرِهِ.
﴿خَرْجًا﴾ أُجْرَةً.
﴿لَلَجُّوا﴾ لَجَّ فِي الأَمْرِ: تَمَادَى فيه، وَاللَّجَاجُ بفتحِ اللامِ: الِاسْتِمْرَارُ عَلَى الخِصَامِ وَعَدَمُ الإِقْلَاعِ عَنْ ذَلِكَ.
﴿فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ﴾ أي: خَضَعُوا وَذَلُّوا.
﴿مُبْلِسُونَ﴾ آيِسُونَ.
﴿يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ﴾ يَغِيثُ مَنْ يَشَاءُ، ولا يُغِيثُ أَحَدٌ مِنْهُ أَحَدًا.
(٩٧، ٩٨) ﴿وَقُل رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ﴾ أي: أَعُوذُ بِكَ من الشرِّ الَّذِي يُصِيبُنِي بسببِ مُبَاشَرَتِهِمْ، وَهَمْزِهِمْ وَمَسِّهِمْ، ومن الشرِّ الَّذِي بسببِ حُضُورِهِمْ وَوَسْوَسَتِهِمْ، وهذه استعاذةٌ من مادةِ الشرِّ كُلِّهِ وَأَصْلِهِ، ويدخل فيها الاستعاذةُ من جميع نَزَغَاتِ الشَّيْطَانِ، وَمِنْ مَسِّهِ وَوَسْوَسَتِهِ، فإذا أعاذَ اللهُ عبدَه من هذا الشرِّ وَأَجَابَ دُعَاءَهُ سَلِمَ مِنْ كُلِّ شَرٍّ، وَوُفِّقَ لِكُلِّ خَيْرٍ.
﴿وَمِن وَرَاءِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ أي: مِنْ أَمَامِهِمْ وَبَيْنَ أيدِيهم بَرْزَخٌ، وهو الحَاجِزُ بَيْنَ الشيئين، فهو هنا: الحَاجِزُ بَيْنَ الدنيا والآخِرَةِ، وفي هذا البَرْزَخِ يَتَنَعَّمُ المُطِيعُونَ، وَيُعَذَّبُ العَاصُونَ من ابتداءِ مَوْتِهِمْ، واستقرارِهم في قُبُورِهِمْ إلى يومِ يُبْعَثُونَ.
﴿تَلْفَحُ﴾ تَحْرِقُ.
﴿كَالِحُونَ﴾ عَابِسُونَ، قال أهلُ اللغةِ: الكُلُوحُ: تَكَشُّرٌ في عُبُوسٍ، وَالْكَالِحُ الَّذِي تَشَمَّرَتْ شَفَتَاهُ، وَبَدَتْ أَسْنَانُهُ.
﴿سِخْرِيًّا﴾ سُخْرِيَةً وَاسْتِهْزَاءً.
﴿فَاسْأَلْ الْعَادِّينَ﴾ الملائكةَ الَّذِينَ يعدُّون أعمالَ العبادِ.
﴿عَبَثًا﴾ أي: سُدًى وَبَاطِلًا.
115
سُورة النُّورِ
Icon