تفسير سورة الأنفال

مجاز القرآن
تفسير سورة سورة الأنفال من كتاب مجاز القرآن .
لمؤلفه أبو عبيدة . المتوفي سنة 210 هـ

﴿ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الأنْفَالِ ﴾ وَمَجازُهَا الغنائم التي نَفلها الله النبيَّ صلى الله عليه وأصحابه، واحدها نَفَلٌ، متحرك بالفتحة، قال لبيد :
إِنَّ تَقْوَى ربِّنا خَيْرُ نَفَلْ ***
﴿ وَجِلتْ قُلُوبُهُمْ ﴾ أي خافت وفزعت، وقال مَعْن بن أَوْس :
لَعَمركَ ما أَدرِي وإِنّي لأوجلُ عَلَى أيّنا تَعْدو المنِيَّة أَوْلُ
﴿ كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ ﴾ مجازها مجاز القَسَم، كقولك : والذي أخرجك ربك لأن ما في موضع الذي وفي آية أخرى ﴿ والسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا ﴾ أي والَّذِي بَنَاهَا، وقال :
دَعِيني إنما خَطَأي وصَوْبي علىَّ وإن ما اهلكتُ مال
أي وإنّ الذي أهلكت مالٌ. وفي آية أخرى ﴿ إِنَّ مَا صِّنَعُوا كَيْدُ سَاحرٍ ﴾ : إنّ الذي فعلوه كيد ساحر فلذلك رفعوه.
﴿ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ ﴾ مجاز الشوكة : الحدُّ، يقال : ما أشدَّ شوكةَ بني فلان أي حدَّهم.
﴿ بِأَلْفٍ مِنَ المَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ ﴾ مجازه : مجاز فاعلين، مِن أَردَفوا أي جاءوا بعد قوم قبلهم وبعضهم يقول : ردَفني أي جاء بعدي وهما لغتان، ومن قرأها بفتح الدال وضعها في موضع مفعولين من أرْدَفهم الله مِن بعد مَن قبلَهم وقدامهم.
﴿ النُّعَاسَ أمَنَةً مِنْهُ ﴾ وهي مصدر بمنزلة أمنت أمَنَةً وأماناً وأمنا، كلهن سواء.
﴿ رجْزَ الشَّيْطَانِ ﴾ أي لَطْخ الشيطان، وما يدعو إليه من الكفر.
﴿ وَيُثَبِّت بِهِ الأَقْدَامَ ﴾ مجازه : يُفرِغ عليهم الصبر وينزله عليهم فيثبتون لعدوهم.
﴿ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ ﴾ مجازه : على الأعناق، يقال ضربته فوق الرأس وضربته على الرأس.
﴿ واضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ ﴾ وهي أطراف الأصابع واحدتها بنانى، قال عباس بن مِرْداس :
ألا ليتنِي قطَّعتُ مني بنانةً ولاقيتُه في البيت يقَظانَ حاذِرا
يعني أبا ضَبٍّ رجلاً من هذيل قتل هُرَيمَ بن مِرْداس وهو نائم وكان جاورهم بالربيع.
﴿ شَاقُّوا اللهَ ﴾ مجازه : خانوا الله وجانبوا أمره ودينه وطاعته.
﴿ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ العِقَابِ ﴾ والعرب إذا جازت ب من يفعل كذا فإنهم يجعلون خبر الجزاء لمن وبعضهم يترك الخبر الذي يُجاز به لمن ويخبرُ عما بعده فيجعل الجزاءَ له كقول شَدَّاد بن معاوية العَبْسيِّ وهو أبو عنترة :
فَمن يك سائلاً عني فإني وجَرْوَة لا تَرود ولا تُعارُ
لا أدعها تجئ وتذهب تعار. ترك الخبر عن نفسه وجعل الخبر لفرسه، والعرب أيضاً إذا خبروا عن اثنين أظهروا الخبر عن أحدهما وكفوا عن خبر الآخر ولم يقولوا : ومن يحارب الصلت وزيداً فإن الصلت وزيداً شجاعان كما فعل ذلك قائل :
فمَن يك سائلاً عني فإني وجَرْوة لا ترود ولا تعار
ولم يقل لا نرود ولا نعار فيدخل نفسه معها في الخبر، وكذلك قول الأعشى :
وإِنّ إمراءً أهدى إليكِ ودونه من الأرْض مَوْماةٌ ويهماءُ خَيْفَقُ
لمحقوقة أن تستجيبي لِصَوته وأن تعلمي أن المُعان مُوفَّقُ
قال أبو عبيدة : كان المحلق اهدى إليه طلباً لمديحه وكانت العرب تحب المدح فقال لناقته يخاطبها :
وإن امراءً أهدى إليكِ ودونَه ***
ترك الخبر عن امرئ وأخبر عن الناقة فخاطبها. وفي آية أخرى :﴿ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فإِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾.
﴿ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ ولكِنَّ اللهَ رَمى ﴾ مجازه : ما ظفرت ولا أصبت ولكن الله أيّدك واظفرك وأصاب بك ونصرك ويقال : رمى الله لك، أي نصرك الله وصنع لك.
﴿ إنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الفَتْحُ ﴾ مجازه : إن تستنصروا فقد جاءكم النصر.
﴿ فِئَتِكُمْ شَيْئاً ﴾ مجازهَا : جماعتكم، قال العَجّاج :
كما يحُوز الفِئةَ الكمِىُّ ***
﴿ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وأنْتُمْ تَسْمَعُونَ ﴾ مجازه : ولا تدبروا عنه ولا تُعرِضوا عنه فتدعوا أمره.
﴿ اسْتَجِيبُوا لله ﴾ مجازه : أجيبوا الله ؛ ويقال استجبت له واستجبته، وقال كعبُ بن سَعْد الغَنَوِيّ :
وداعٍ دَعا يا مَن يُجيب إلى النَّدَى فلم يتجبع عند ذاك مُجيبُ
﴿ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيَكُمْ ﴾ مجازه : للذي يهديكم ويُصلحكم ويُنجيكم من الكفر والعذاب.
﴿ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ ﴾ مجازه أن كل شئ من العذاب فهو أمطرت بالألف وإن كان من الرحمة فهو مَطِرت.
مُكَاءً وتَصْدِيَةً } المُكاء الصفير قال رجل يعني امرأته :
ومَكابها فكأنما يمكو بأعْصم عاقلِ
﴿ وَتَصْدِيَهً ﴾ أي تصفيق بالأكف، قال : تصدية بالكف أي تصفيق، التصفيق والتصفيح والتصدية شئ واحد.
﴿ فَذُوقُوا ﴾ مجازه : فجرّبوا وليس من ذوق الفم.
﴿ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً ﴾ مجازه : فيجمعه بعضه فوق بعض أجمع.
﴿ بِالعِدْوَةِ الدُّنْيَا ﴾ مكسورة، وبعضهم يضمها، ومجازه من : عَدَى الوادِي أي مِلطاط شفيره والمِلطاط والعَدَى حافتا الوادي من جانبيه، بمنزلة رَجا البئر من أسفَل، ويقال : أَلزمْ هذا المِلطاطَ.
﴿ إذْ يُرِيكَهُمُ اللهُ في مَنَامِكَ ﴾ مجازه : في نومك ويدلّ على ذلك قوله في آيةٍ أخرى :﴿ إذّ يُغَشِيكُمْ النُّعَاسَ ﴾ وللمنام موضع آخر في عينك التي تنام بها ويدل على ذلك قوله ﴿ وَنُقَلِّلكُمْ في أَعْيُنِهِمْ ﴾.
﴿ وَتذْهَبَ ريحُكُمْ ﴾ مجازه : وتنقطع دولتكم.
﴿ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ ﴾ مجازه : رجع من حيث جاء.
﴿ وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الذِينَ كَفَرُوا المَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأْدبَارَهُمْ وَذُوقُوا عذَابَ الحَرْيقِ ﴾ مجازه مجاز المختصر المضمر فيه وهو بمعنى ويقولون ذوقوا عذاب الحريق، والعرب تفعل ذلك، قال النَّابغة :
كأنّك مِن جِمال بني أقَيْشِ يُقَعْقَع خَلْفَ رجليه بِشَنِّ
معناه : كأنك جملٌ والعرب نقدِّم المفعول قبل الفاعل.
﴿ كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ ﴾ مجازه : كعادة آل فرعون وحالهم وسنتهم والدَّأب والدَّيْدن والدِّين واحد، قال المُثقِّب العَبديُّ :
تقول إذا درأتُ لها وَضِينِي أهذا دِينُه أبدا ودِينِي
أكلّ الدهرِ حَلٌّ وارتحالٌ أما يُبقِى عَلَىَّ ولا يَتِينِي
وقوله : درأت أي بَسطت ويقال يا فلانة ادرئ لفلان الوِسادة، وقال خِداش بن زُهَير العامريّ في يوم الفِجار، كانت النصرة فيه لكنانة وقُرَيش على قَيْس :
وما زال ذاك الدَّأب حتى تخاذلت هَوازِنُ وارفضّت سُلَيْم وعامرُ
﴿ إنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الّذِينَ كَفَرُوا ﴾ مجاز الدواب انه يقع على الناس وعلى البهائم، وفي آية أخرى :﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ في الأَرْضِ إلاَّ عَلَى اللهِ رِزْقُهَا ﴾.
﴿ فَإمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الحَرْبِ ﴾ مجازه مجازُ فإن تثقفنّهم.
﴿ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ ﴾ مجازه فأخِف واطرُدْ بهؤلاء الذين تثقفنهم الذين بعدهم، وفرّقْ بينهم.
﴿ وإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَومٍ خِيانَةً فانْبِذ إلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءِ ﴾ مجاز وإما وإن، ومعناها وإما توقننَّ منهم خيانة أي غدراً، وخلافاً وغشّاً، ونحو ذلك.
﴿ فَانْبِذْ إلَيْهِمْ ﴾ مجازه : فأَلقِ إليهم وأظهر لهم أَنهم حَربٌ وعدوٌ وأنك ناصب لهم حتى يعلموا ذلك فتصيروا على سواء وقد أعلمتَهم ما علمت منهم، يقال : نابذتُك على سواءٍ.
﴿ وَلا يَحْسَبَنَّ الذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا ﴾ مجازه : فاتوا.
﴿ إنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ ﴾ لا يفوتون.
﴿ تُرْهِبُونَ بِه عَدُوَّ اللهِ ﴾ أي تُخِيفون وتُرعِبون أَرَهبته ورَهَبته سواء، والرَّهَب والرُّهْب واحد. قال طُفَيل بن عَوْف الغَنَوِيّ.
ويْلُ أمَّ حَيٍّ دَفعتم في نحورِهمِ بَنِي كِلابٍ غداةَ الرُّعب والرَّهَبِ
﴿ وَإِن جَنَحُوا لِلسِّلْمِ ﴾ أي رجعوا إلى المسالمة، وطلبوا الصلح وهو السلم مكسورة ومفتوحة ومتحركة الحروف بالفتحة واحد، قال رجل من أهل اليَمنَ جاهلي :
أناثلُ إنني سلمٌ *** لأهلِك فاقبلِي سلمِي
فيها ثلاث لغات، وكذلك السلام أيضاً، وقد فرغنا منه في موضع قبل هذا ويقال للدلو سلم مفتوحة ساكنة اللام، ويقال : أخذته سلماً أي أسرته ولم أقتله ولكن استسلم لي، متحرك الحروف بالفتحة وكذلك السلم الذي تسلم فيه وهو السلف الذي تسلف فيه وهو متحرك الحروف والسلم شجر واحدته سلمة متحركة بالفتحة.
﴿ حَتّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ ﴾ مجازه : حتى يغلب ويغالب ويبالغ.
﴿ عَرَضَ الدُّنْيَا ﴾ طمعها ومتاعها والعرض في موضع آخر من أعراض البلايا.
﴿ وَهَاجَرُوا ﴾ مجازه : هاجروا قومهم وبلادهم وأخرجوا منها.
﴿ مِنْ وَلاَيَتِهِمْ ﴾ إذا فتحتها فهي مصدر المولى وإذا كسرتها فهي مصدر الوالي الذي يلي الأمر والمَوْلَى والمُوْلَى واحد.
﴿ وَأُولُوا الأَرْحَامِ ﴾ ذووا، ألا ترى أن واحدها ذو.
Icon