تفسير سورة يوسف

التفسير المظهري
تفسير سورة سورة يوسف من كتاب التفسير المظهري .
لمؤلفه محمد ثناء الله المظهري . المتوفي سنة 1225 هـ

سورة يوسف عليه السّلام
مكيّة مائة واحدى عشرة اية ربّ يسّر وتمّم بالخير «١» بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ (١) اشارة الى آيات القران والاضافة بمعنى من وهو المراد بالكتاب- اى تلك آيات من القران الظاهر فى الاعجاز- او الواضح معانيه بين حلاله وحرامه وحدوده وأحكامه- قال قتادة مبين والله بركته وهداه ورشده وقال الزجاج مبين الحق من الباطل والحرام من الحلال وقيل اشارة الى آيات السورة- وهى المراد بالكتاب- اى تلك الآيات آيات السورة الظاهر أمرها لمن تدبّر انها من عند الله- او مبين لليهود- قال البيضاوي روى ان علماءهم قالوا للمشركين سلوا محمّدا لم انتقل ال يعقوب من الشام الى مصر- وعن قصة يوسف- فنزلت السورة- ولم يذكر هذا صاحب لباب النقول فى اسباب النزول.
إِنَّا أَنْزَلْناهُ اى الكتاب قُرْآناً القران اسم جنس يقع على الكل والبعض وصار علما للكل بالغلبة- فيمكن حمله على الكتاب وان أريد به السورة- ونصبه على الحال وهو فى نفسه اما توطية للحال الّتي هى عَرَبِيًّا او هو حال لكونه مصدرا بمعنى المفعول وعربيا صفة له- او حال من الضمير فيه او حال بعد حال والغرض من إيراد قوله
(١) الخط من الناشر-
عربيا انا أنزلناه بلغتكم لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ «١» (٢) لكى تعلموا معانيه وتستعملوا فيه عقولكم فتدركوا لطائفه واعجازه لفظا ومعنى روى الحاكم وغيره عن سعد بن ابى وقاص رضى الله عنه قال انزل على النبي ﷺ القران فتلا عليهم زمانا فقالوا يا رسول الله لو حدثتنا فنزل اللَّهُ نَزَّلَ «٢» أَحْسَنَ الْحَدِيثِ الاية- زاد ابن ابى حاتم فقالوا يا رسول الله لو ذكرتنا فانزل الله تعالى أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ الاية- واخرج ابن جرير عن ابن عباس رضى الله عنهما وابن مردوية عن ابن مسعود رضى الله عنه مثله قال قالوا يا رسول الله لو قصصت علينا فنزل.
نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ وذكر البغوي عن سعد بن ابى وقاص الفصول الثلاثة لكنه قدم الفصل الثالث على الثاني أَحْسَنَ الْقَصَصِ منصوب على المصدر يعنى احسن الاقتصاص لانه اقتص على أبدع الاساليب ومعناه نبين لك اخبار الأمم السالفة والقرون الماضية احسن البيان او على المفعولية يعنى احسن ما نقص والمراد قصة يوسف عليه السلام سماها احسن القصص لاشتماله على العجائب والعبر والحكم والنكت والفوائد الّتي تصلح امر الدين والدنيا من سير الملوك والمماليك والعلماء ومكر النساء والصبر على أذى الأعداء وحسن التجاوز عنهم بعد التمكن من الانتقام وغير ذلك من الفوائد- والقصص على هذا فعل بمعنى مقعول كالنقض والسلب مشتق من قص اثره إذا اتبعه والقاص يتبع الآثار ويأتى بالأخبار على وجهها- قال خالد بن معدان سورة يوسف وسورة مريم يتفكه بهما اهل الجنة فى الجنة وقال ابن عطاء لا يسمع سوره يوسف محزون الاستراح «٣» إليها بِما أَوْحَيْنا اى بايحائنا
(١) عن خالد بن عرفظة قال كنت جالسا عند عمر إذ اتى برجل من عبد القيس قال عمر أنت فلان العبدى قال نعم فضربه بقناة معه فقال الرجل ما لى يا امير المؤمنين قال اجلس فجلس فقرا عليه بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الر الى قوله لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ فقراها ثلاثا وضربه ثلاثا فقال الرجل ما لى يا امير المؤمنين قال أنت الّذي تستحبّ كتاب دانيال قال مرنى بامرك اتبعه قال انطلق فامحه بالحميم والصوف ثم لا تقراه ولا تقرئه أحدا من الناس- فقال انطلقت انا فنسخت كتابا من اهل الكتاب ثم جئت به فى أديم فقال لى رسول الله ﷺ ما هذا فى يدك يا عمر قلت يا رسول الله كتاب نسخته لنزداد علما انى علمنا فغضب رسول الله ﷺ حتّى احمرت وجنتاه ثم نودى بالصلوة جامعة فقالت الأنصار اغضب نبيكم السلاح السلاح حتّى احدقوا بمنبر رسول الله ﷺ فقال يايها الناس انى قد أوتيت جوامعا لكم وخواتيمه واختصرنى اختصارا ولقد اتيتكم بها بيضاء فقية فلا تتهوكوا ولا يغرنكم المتهكون قال عمر فقمت فقلت رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبك رسولا ثم نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم- وروى عن ابراهيم النخعي عن عمر نحوه- ١٢ ازالة الخفا- منه نور الله مرقده [.....]
(٢) فى الأصل الله الّذي نزّل إلخ-
(٣) فى الأصل استروح-
إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ يعنى السورة ويجوز ان يجعل هذا مفعول نقصّ على ان يكون احسن منصوبا على المصدر وَإِنْ كُنْتَ مخففة اى انه كنت مِنْ قَبْلِهِ اى قبل ايحاءنا إليك لَمِنَ الْغافِلِينَ (٣) عن هذه القصة او عن كلّما اوحى إليك من القصص والشرائع والاحكام-.
إِذْ قالَ يُوسُفُ بدل اشتمال من احسن القصص ان جعل مفعولا به وأريد قصة يوسف عليه السلام- لان الوقت مشتمل عليها- او منصوب بتقدير اذكر ويوسف اسم عبرى ولذا لم ينصرف وهو ابن يعقوب بن إسحاق بن ابراهيم عليهم الصلاة والسلام روى احمد والبخاري عن ابن عمر عن النبي ﷺ قال الكريم بن الكريم بن الكريم بن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن ابراهيم لِأَبِيهِ يعقوب عليه السلام يا أَبَتِ قرا ابن عامر وابو جعفر بفتح التاء فى جميع القران والباقون بكسر التاء- وابن كثير وابن عامر يقفان يابه بالهاء والباقون بالتاء إِنِّي رَأَيْتُ فى المنام من الرؤيا لا من الرؤية بدليل قوله تعالى. لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ وهذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ... أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ روى سعيد بن منصور فى سننه والبزار وابو يعلى فى مسنديهما وابن جرير وابن المنذر وابن ابى حاتم وابو الشيخ وابن مردوية فى تفاسيرهم- والعقيلي وابن حبان فى الضعفاء- والحاكم فى المستدرك وقال صحيح على شرط مسلم- وابو نعيم والبيهقي كلامهما فى دلائل النبوة عن جابر رضى الله عنه واسم «١» اليهودي عند البيهقي بستان وقال يا محمّد أخبرني عن النجوم الّتي راهن يوسف- فسكت فنزل جبرئيل عليه السلام فاخبره بذلك- فقال عليه السلام ان أخبرك هل تسلم- قال نعم قال جرثان والطارق والذيال وقابس وعمودان والفليق والمصبح والضروح والفرغ ووثاب وذو الكتفين- راها يوسف والشمس والقمر نزلن من السماء وسجدن له- فقال اليهودي اى والله انها لاسماؤها رَأَيْتُهُمْ تأكيد لِي ساجِدِينَ (٤) او استيناف ببيان حالها الّتي راها عليها- وأورد صيغة جمع العقلاء وضميرهم لوصفها بصفاتهم- وكان النجوم فى التأويل اخوته وكانوا أحد عشر رجلا يستضاء بهم كما استضاء بالنجوم- والشمس أبوه والقمر امه- وقال السدىّ القمر خالته لان امه راحيل كانت قد ماتت- وقال ابن جريج القمر أبوه والشمس امه لكونها مؤنثة والقمر مذكر-
(١) فى الأصل سمى اليهود عند البيهقي بستان-
قلت تأنيث الشمس لفظى مختص بلغة العرب فلا وجه لجعلها كناية عن امه مع كونها أضوء من القمر- قيل راها ليلة الجمعة ليلة القدر- فلما قصّها على أبيه.
قالَ يا بُنَيَّ تصغير ابن صغّره للشفقة او لصغر السن قال البغوي كان يوسف ابن اثنى عشر سنة- قرا حفص هاهنا وفى الصافات بفتح الياء والباقون بكسرها لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ الرؤيا مختص بما يكون فى النوم او نحو ذلك من الاستغراق فرق بينها وبين الرؤية بحر فى التأنيث كالقرية والقرى- قال البيضاوي الرؤيا انطباع الصورة المنحدرة من أفق المتخيلة الى الحس المشترك- والصادقة منها انما يكون باتصال النفس بالملكوت لما بينهما من التناسب- عند فراغها من تدبير البدن ادنى فراغ فيتصور بما فيها مما لا يليق من المعاني الحاصلة هناك- ثم ان المتخيلة تحاكيه بصورة تناسبه فترسلها الى الحس المشترك فتصير مشاهدة- ثم ان كانت شديدة المناسبة لذلك المعنى بحيث لا يكون التفاوت الا بالكلية والجزئية- استغنت الرؤيا عن التعبير والا احتاجت اليه- قلت الرؤيا هى مطالعة النفس فى الصور المنطبعة فى الحس المشترك من أفق المتخيلة عند غفلتها وفراغها عن مطالعة المحسوسات فى النوم او الإغماء او نحو ذلك- وهى على ثلاثة اقسام قسمان منها باطلان والقسم الثالث منها صحيحة صالحة من حيث الأصل- لكنها قد تفسد بالعوارض ويقع فيها الخطاء بها وقد يقع الخطاء فى تأويلها- اما القسمان الباطلان فالاول منهما ما تراه النفس من صور الأشياء الّتي راتها فى اليقظة- او تفكر واخترعها المتخيلة من غير اصل لها فى الواقع- وتسمى تلك الرؤيا حديث النفس والثاني منهما ما ألقاه الشيطان فى خياله وتمثل له تخويفا او ملاعبة- فان الشيطان يجرى من الإنسان مجرى الدم- وتسمى تلك الرؤيا الرؤيا السوء وتخويف الشيطان والحلم- واما الّتي هى صحيحة فهى الهام واعلام من الله تعالى لعبده على شيء مما فى خزائن الغيب- او على شيء من مكنونات صفاته وأحواله ودرجات القرب له من الله تعالى حتّى تكون له بشارة- عن عبادة بن الصامت قال قال رسول الله ﷺ رؤيا المؤمن كلام يكلم العبد ربه فى المنام رواه الطبراني بسند صحيح والضياء- وحقيقة تلك الرؤيا
137
الصالحة عند الصوفية ان العالم الكبير شخص له نفس وروح وقوى على هيئة الإنسان ولذلك يسمى إنسانا كبيرا- ولمشابهته يسمى الإنسان عالما صغيرا- فكما ان فى العالم الصغير اعنى الإنسان قوة متخيلة فكذلك فى العالم الكبير متخيلة- يتخيل بها المحسوسات والمعقولات والاعراض والجواهر والمجردات والمعاني- فصور الأشياء كلها حتّى الواجب تعالى وصفاته- والممكنات بأسرها المجردات منها والماديات- وما لا صورة لها فى الخارج كالموت والحياة والأيام والسنين والأمراض موجودة فى تلك المتخيلة- بايجاد الله تعالى- ومن أجل ذلك راى رسول الله ﷺ الحمى على صورة امراة سوداء- وعبر يوسف عليه السلام البقرات والسنابل بالسنين- ومن هاهنا يظهر انه لا يشترط فى الصورة كونها من حبس المحكي عنه او مشتملا على جميع خصائصه- بل يكفى فى ذلك نوع من المناسبة- فلاجل تلك المناسبة الظاهرة او الخفية يتمثل فى متخيلة العالم الكبير ذلك الشيء بتلك الصورة ولاجل لك المناسبة الخفية راى يوسف عليه السلام أبويه واخوته فى صورة الشمس والقمر والكواكب- وقال رسول الله ﷺ الرؤيا ستة المرأة خير والبعير حرب واللبن فطرة والخضرة جنة والسفينة نجاة والتمر رزق- رواه ابو يعلى فى معجمه عن رجل من الصحابة بسند ضعيف- وتلك المتخيلة من العالم الكبير تسمى فى اصطلاح الصوفية بعالم المثال ثم تلك الصورة تنطبع لاجل المناسبة والمحاذات من متخيلة العالم الكبير فى متخيلة العالم الصغير اى الإنسان- وتراه النفس حين فراغها «١» عن مطالعة المحسوسات- فالانبياء عليهم الصلوات والتسليمات (لاجل عصمتهم عن الشيطان وعن معارضة الأوهام- ولاجل كون مناماتهم مقتصرة على العيون تنام عيونهم وقلوبهم يقظان- فيميزون مخترعات الخيال عن حقائق الإلهام) انحصرت رؤياهم فى القسم الثالث- ثم عدم العوارض المفسدة للمنامات الموجبة لوقوع الخطاء فيها متيقن فيهم عليهم السلام فرؤيا الأنبياء يكون وحيا قطعيا حتّى تصدى خليل الله عليه السلام لذبح ابنه وقال إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ماذا تَرى - قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ- ورؤيا الصلحاء اعنى الأولياء الذين زكوا أنفسهم بالرياضات- وأزالوا عنها الكدورات الجبلية-
(١) فى الأصل فراعه-
138
وتنزهوا عن ظلمات الذنوب والآثام- وتجلى بواطنهم باقتباس أنوار النبوة صالحة صادقة الا نادرا- وذلك عند عروض كدورة بأكل شيء من المشتبهات- او زائدا على الحاجة بحيث تولدت منه كدورة ما- او لاجل لمم من المعصية فانهم غير معصومين- او لانعكاس من صحبة العوام- فرؤيا الأولياء شبيهة بالوحى- ولذلك قال رسول الله ﷺ رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة- متفق عليه من حديث انس وابى هريرة وعبادة بن الصامت ورواه احمد عنهم وابو داؤد والترمذي عن عبادة وروى البخاري عن ابى سعيد ومسلم عن ابن عمرو ابى هريرة واحمد وابن ماجة عن ابى رزين والطبراني عن ابن مسعود بلفظ الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة- وروى ابن ماجة بسند صحيح عن ابى سعيد رؤيا المسلم الصالح جزء من سبعين جزءا من النبوة- وابن ماجة واحمد بسند صحيح عن ابن عمرو احمد عن ابن عباس الرؤيا الصالحة جزء من سبعين جزءا من النبوة- وفى حديث ابى رزين عند الترمذي رؤيا المؤمن جزء من أربعين جزءا من النبوة- وفى حديث العباس بن عبد المطلب عند الطبراني رؤيا المؤمن الصالح بشرى من الله وهى جزء من خمسين جزءا من النبوة- وفى حديث ابن عمر عند ابن النجار جزء من خمسة وعشرين جزءا من النبوة- فان قيل ما معنى كونها جزءا من ستة وأربعين جزءا من النبوة- وما وجه التطبيق بين الأحاديث فى عدد الاجزاء- قلنا كان مدة الوحى الى رسول الله ﷺ ثلاثا وعشرين سنة- وكان نصف سنة منها الوحى بالرؤيا الصالحة لا يرى شيئا فى المنام الا وجده مثل فلق الصبح- فلذلك قال جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة- واما روايتا الأربعين والخمسين فمبنيتان على جبر الكسر او طرح الكسر وأخذ العقد تقريبا- واما رواية السبعين فالمراد منها الكثرة فانه يطلق السبعين ويراد به الكثرة قال الله تعالى إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ- فالمعنى انها جزء من اجزاء كثيرة من الوحى واما رواية خمسة وعشرين فشاذ- واما رؤيا العوام- فمنا ماتهم وان كانت مستفادة من عالم المثال- لكنها تفسد وتكذب غالبا- لاجل انكدار خيالاتهم بالكدورات الجبلية النفسانية- والكدورات
139
المكتسبة بالذنوب والآثام- ثم قد يقع الخطاء فى تعبير الرؤيا إذا كانت بين الصورة والمحكي عنها من عالم المثال مناسبة خفية- وصحة التعبير اما بالإلهام من الله تعالى وهو المراد فى الاية وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ اى يلهمك تعبير المنامات وذا لا يتصور غالبا الا إذا كان المعبر رجلا صالحا أهلا للالهام- واما بالعقل السليم- روى الترمذي بسند صحيح عن ابى رزين قال قال رسول الله ﷺ رؤيا المؤمن جزء من أربعين جزءا من النبوة- وهى على رجل طائر ما لم يحدث بها- فاذا حدث بها سقطت ولا تحدث بها الا لبيبا او حبيبا- وفى بعض الروايات الا من تحب- ورواه ابو داؤد وابن ماجة بسند صحيح عنه بلفظ الرؤيا على رجل طائر ما لم يعبر- فاذا عبرت وقعت ولا تقصّها الا على وادّا وذى رأى- والمراد بالطائر عندى ما قضى الله وقدر له نظيره قوله تعالى وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ اى عمله وما قدر له- فمعنى هذا الحديث عندى والله تعالى اعلم- ان رؤيا المؤمن مبنى على قضاء الله تعالى- وقدر قدّر له لا يعلم هو ما قدر له ما لم يحدث بها ويعبر عنها معبر فاذا حدث بها وعبر عنها معبر بالهام من الله تعالى او بقوة الرأى والاستنباط الموهوبة منه تعالى- وقعت اى ظهرت واتضح ما هو مقضى له- ولا تحدث بها الا لبيبا ذا رأى او حبيبا وادّ اى رجلا صالحا يحب الله والمؤمنين ويحبه الله والمؤمنون- وهو المعنى بقوله الا من تحب فان المؤمن لا يحب الا مؤمنا صالحا- فاللبيب يعبر بالرأى السليم- والحبيب لله تعالى يعبر بالإلهام- فلا يقع الخطاء فى تأويلهما- وما ذكرت من اقسام الرؤيا مستفاد من الأحاديث- روى ابن ماجة بسند صحيح عن عوف بن مالك قال قال رسول الله ﷺ الرؤيا ثلاثة منها تهاويل الشيطان ليحزن ابن آدم- ومنها ما يهم به
الرجل فى يقظته فيراه فى منامه- ومنها جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة- وروى الترمذي وابن ماجة بسند صحيح عن ابى هريرة قال قال رسول الله ﷺ الرؤيا ثلاث فبشرى من الله وحديث النفس وتخويف الشيطان- فاذا راى أحدكم رؤيا تعجبه فليقصّها ان شاء- وان راى شيئا يكرهه فلا يقصّها على أحد وليقم يصلى- واكره الغل واحبّ القيد القيد ثبات فى الدين-
140
وروى مسلم عن ابى قتادة قال قال رسول الله ﷺ الرؤيا الصالحة من الله والرؤيا السوء من الشيطان- فمن راى رؤيا فكره منها شيئا فلينفث عن يساره وليتعوذ بالله من الشيطان فانها لا تضره ولا يخبر بها أحدا- وان راى رؤيا حسنة فليبشر ولا يخبر بها الا من يحب- وعنه فى الصحيحين وعند ابى داؤد والترمذي بلفظ الرؤيا الصالحة من الله والحلم من الشيطان فاذا راى أحدكم شيئا يكرهه فلينفث حين يستيقظ عن يساره ثلاثا وليتعوذ بالله منها فانها لا تضره- فان قيل ما معنى قوله ﷺ من راى رؤيا فكره فلينفث عن يساره وليتعوذ بالله منها- قلنا معناه والله اعلم ان الرؤيا ان كانت من تخويفات الشيطان وتسويلاته فيذهب وسوسته بالتعوذ- وان كان من عالم المثال فقد يكون حكاية عن قضاء معلق فالتعوذ بالله منها اى من الرؤيا يردّ القضاء المعلق ان شاء الله تعالى فلا تضرّه- ومعنى قوله ﷺ فلا يقصّها على أحد وليقم يصلى انه ان قصّها على أحد يحزنه تعبيرها- فالاولى ان يرجع الى الله تعالى بالصلوة والدعاء حتّى يدفع القضاء المعلق المحكي عنه بالرؤيا- قال رسول الله ﷺ لا يردّ القضاء الا الدعاء الحديث- رواه الشيخان فى الصحيحين عن سلمان وابن حبان والحاكم عن ثوبان- وليس النهى عن التحديث على التحريم او التنزيه الا ترى ان النبي ﷺ قال لاصحابه يوم أحد انى رايت فى المنام سيفى ذا الفقار انكسر وهى مصيبة- ورايت بقرا تذبح وهى مصيبة- وقد مر الحديث فى تفسير قوله تعالى وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ فى سورة ال عمران- وانه ﷺ ارى بنى امية على منبره فساءه ذلك- وقد حدث به وذكرنا الحديث فى تفسير سورة القدر- وراى ابن عباس قتل الحسين عليه السلام فى رؤياه يوم قتل فحدث به- وفى الباب أحاديث كثيرة- قلت وجاز ان يكون النهى عن تحديث الرؤيا المكروهة كيلا يظهر الأعداء الشماتة والفرح- وعن تحديث المبشرات الا عند اللبيب او الحبيب كيلا يحسدوه ولذلك امر يعقوب يوسف عليهما السلام بكتمان رؤياه على اخوته فقال لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً اى فيحتالوا لاهلاكك حيلة حسدا- عدى الكيد
141
باللام وهو متعد بنفسه لتضمينه معنى فعل يعدى به تأكيدا ولذلك أكد بالمصدر وعلل بقوله إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ (٥) ظاهر العداوة فيزيّن له الكيد ويحمله عليه.
وَكَذلِكَ اى كما اجتباك لمثل هذه الرؤيا الدالة على الفضل والكمال يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ للنبوة والملك والأمور العظام- والاجتباء من جببت الشيء إذا حصّته وأخلصته لنفسك- وجبت الماء فى الحوض إذا جمعته وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ اى تعبير الرؤيا لان الرؤيا حديث الملك ان كانت صادقة- وحديث الشيطان ان كانت كاذبة- عبر التعبير بالتأويل لانه ما يؤل اليه عاقبة الأمر ويؤل امره الى ما يرى فى منامه- او من تأويل غوامض كتب الله وسنن الأنبياء- قيل هذا كلام مبتدا خارج عن التشبيه كانه قيل وهو يعلمك- والظاهر انه معطوف على ما سبق فان تعليم التأويلات وإتمام النعمة من انواع الاجتباء فهو من قبيل عطف الخاص على العام وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ بالنبوة وَعَلى آلِ يَعْقُوبَ قيل المراد بهم ابناؤه وكان ابناؤه كلهم أنبياء- علم ذلك استدلالا بضوء الكواكب وقيل المراد بهم أنبياء بنى إسرائيل كَما أَتَمَّها اى النعمة عَلى أَبَوَيْكَ يعنى الجد وأبا الجد مِنْ قَبْلُ إتمامها عليك إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ عطف بيان لابويك إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ بمن يستحق الاجتباء حَكِيمٌ (٦) يفعل الأشياء على ما ينبغى-.
لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ اى قصة يوسف واخوته العلات- وكانوا عشرة ستة من بطن ليا بنت ليان وهى ابنة خال يعقوب عليه السلام- روبيل وهو أكبرهم وشمعون ولادى ويهودا وريان ويشحر وكانت من بطنها بنتا اسمها دينة- واربعة من بطن سريتين له عليه السلام- إحداهما زلفة واخرى يلهمة دان وتفتالى وجاد واشر كذا قال البغوي- وقال لما توفيت ليّا تزوج يعقوب أختها راحيل فولدت له يوسف وبنيامين- فكان أبناء يعقوب عليه السلام اثنا عشر رجلا- قال البيضاوي قيل جمع «١» يعقوب بين الأختين- ولم يكن الجمع محرما حينئذ آياتٌ قرا ابن كثير اية على التوحيد والباقون على الجمع يعنى عبر ودلائل على قدرة الله تعالى وحكمته او علامات لنبوتك لِلسَّائِلِينَ (٧) عن خبرهم
(١) وكذا فى التورية- ابو محمّد عفا الله عنه
قال البغوي وذلك ان اليهود سالوا رسول الله ﷺ عن قصة يوسف- وقيل سالوا عن سبب انتقال ولد يعقوب من كنعان الى مصر- فذكر لهم قصة يوسف فوجدوها موافقة لما فى التورية- وقيل آيات لمن سال ولمن لم يسئل كقوله تعالى سَواءً لِلسَّائِلِينَ- وقيل عبرا للمعتبرين فانها تشتمل على حسد اخوة يوسف وما ال اليه أمرهم من الذل- وعلى رؤياه وما حقق الله منها- وعلى صبر يوسف عليه السلام عن قضاء الشهوة- وعلى الرق وفى السجن وما ال اليه امره من الملك ورضوان الله- وعلى حزن يعقوب وما ال اليه امره من الوصول الى المراد وغير ذلك من الآيات- اذكر.
إِذْ قالُوا يعنى قال بعضهم لبعض لَيُوسُفُ اللام فيه جواب للقسم تقديره والله ليوسف وَأَخُوهُ من أبيه وامه ولذا خصّوه بالاضافة أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنَّا وحّده لانه افعل من يستوى فيه الواحد وما فوقه والمذكر والمؤنث- بخلاف أخويه فان الفرق بين المحلى باللام واجب- وفى المضاف جائز وَنَحْنُ عُصْبَةٌ اى والحال انّا جماعة عشرة- قال الفراء العصبة هى العشرة فما زاد- وقيل العصبة ما بين الواحد الى العشرة- وقيل ما بين الثلاثة الى العشرة- وقال مجاهد ما بين العشرة الى خمسة عشر- وقيل ما بين العشرة الى الأربعين- كذا فى القاموس حيث قال العصبة من الرجال والخيل والطير ما بين العشرة الى الأربعين كالعصابة بالكسر- وكذا قال الجزري فى النهاية ان العصابة الجماعة من الناس من العشرة الى الأربعين- والعصب جمع عصبة كالعصابة- ولا واحد لها من لفظه كالنفر والرهط- وقيل العصبة جماعة متعصبة اى متعاضدة- ومعنى نحن عصبة اى جماعة مجتمعة الكلام متعاضدة إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٨) ليس المراد من الضلال الضلال عن الدين ولو أرادوا ذلك لكفروا به- بل المراد منه الخطاء فى التدبير يعنون به انا انفع له فى امر الدنيا وإصلاح معاشه ورعى مواشيه- فنحن اولى بالمحبة منهما فهو مخطئ خطاء بيّنا فى إيثاره يوسف وأخاه علينا فى صرف محبته إليهما.
اقْتُلُوا يُوسُفَ قال وهب قاله شمعون وقال كعب دان وقال مقاتل روبيل- هذه الجملة المحكي بعد قوله إذ قالوا- وانما أسند هذا القول الى جميعهم مع ان القائل به كان واحدا منهم- لان الباقون رضوا به الا من قال لا تقتلوا فاسند الفعل الى الكل مجاز الصحة اسناده الى أكثرهم لاجل
رضائهم به أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً اى بأرض منكورة بعيدة من العمران- بحيث يبعد عن أبيه- وهو معنى تنكيرها وابهامها- ولذلك نصب كالظروف المبهمة يَخْلُ لَكُمْ جواب الأمر والمعنى يصف لكم وَجْهُ أَبِيكُمْ اى توجهه إليكم عن شغله بيوسف حتّى لا يلتفت عنكم الى غيركم- ولا ينازعكم فى محبته أحد وَتَكُونُوا جزم بالعطف على يخل مِنْ بَعْدِهِ اى بعد يوسف او بعد الفراغ من امره بالقتل او الطرح- او قتله او طرحه قَوْماً صالِحِينَ (٩) تائبين الى الله عمّا جنيتم فيعف الله عنكم- او صالحين مع أبيكم يصلح ما بينكم وبينه بعذر تمهدونه كذا قال مقاتل- او صالحين امر دنياكم فانه ينتظم لكم بعده لخلو وجه أبيكم-.
قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ وهو يهودا وقال قتادة روبيل- قال البغوي والاول أصح لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ فان القتل كبيرة عظيمة وَأَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ اى فى قعره والغيابة كل موضع ستر عنك الشيء وغيّبه- سمى القعر بها لستره ما فيه عن عين الناظر- كذا قرا الجمهور- وقرا ابو جعفر ونافع فى غيبت الجبّ على الجمع كانه كان لذلك الجب غيابات- قال البغوي والجب البئر الغير المطوية لانه جب اى قطع ولم يطو- وفى القاموس الجب بالضم البئر او الكثيرة الماء البعيدة القعر او الجيّدة الموضع من الكلاء او الّتي لم تطوا ومما وجد لا مما حفره الناس يَلْتَقِطْهُ اى يأخذه والالتقاط أخذ الشيء من حيث لا يحس به بَعْضُ السَّيَّارَةِ الذين يسيرون فى الأرض إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ (١٠) بمشورتى فافعلوا هذا- او ان كنتم على ان تفعلوا ما يفرق بينه وبين أبيه فاكتفوا به- قال محمّد بن إسحاق اشتمل فعلهم على جرائم من قطيعة الرحم وعقوق الوالد وقلة الرأفة بالصغير الّذي لا ذنب له والغدر بالامانة وترك العهد والكذب مع أبيهم- وعفا الله عنهم ذلك كله حتّى لا ييئس من رحمة الله أحد- قلت لعل وجه مغفرة الله إياهم تلك الجرائم كلها لشدة حبهم بأبيهم يعقوب عليه السلام- فانه انما أوقعهم فى تلك الجرائم ذلك الحب- حيث أرادوا ان يخلوا لهم وجه أبيهم ويندفع ما يخلّ بهم فى محبتهم- وقال بعض اهل العلم انهم عزموا على قتله وعصمهم الله رحمة لهم ولو فعلوا لهلكوا أجمعون-
وكان ذلك قبل ان صاروا أنبياء كذا قال ابو عمرو بن العلاء- فمن قال بكونهم أنبياء جوز صدور المعصية من النبي قبل النبوة- وقال أكثرهم انهم ما كانوا أنبياء والمراد بالأسباط الوارد فى القران فى عد الأنبياء أنبياء بنى إسرائيل من نسلهم والله اعلم- فلما اجمعوا على التفريق بينه وبين والده عليهما السلام بضرب من الحيل.
قالُوا ليعقوب عليه السلام يا أَبانا ما لَكَ لا تَأْمَنَّا قرأ ابو جعفر بترك الإشمام والروم والباقون اما بالاشمام اعنى بالاشارة بالشفتين الى الضمة نحو قبلة المحبوب- او بالروم اى بحركة النون الاول بعض الحركة- اى لا تسكن رأسا بل تضعف الصوت بها فيفصل فيه بين المدغم والمدغم فيه- يعنون لم تخافنا عَلى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَناصِحُونَ (١١) أرادوا به استنزاله عن رأيه فى حفظه منهم لما أحس منهم الحسد- قال مقاتل فى الكلام تقديم وتأخير وذلك انهم قالوا.
أَرْسِلْهُ مَعَنا الاية- فقال أبوهم إِنِّي لَيَحْزُنُنِي الاية فحينئذ قالوا ما لَكَ لا تَأْمَنَّا- والنصح القيام بالمصلحة وارادة الخير- وقيل البرّ والعطف يعنى نحن قائمون بمصلحته نريد له الخير نحفظه حتّى نرده إليك.
أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً الى الصحراء يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ قرا ابو عمرو وابن عامر بالنون فيهما على التكلم وجزم العين فى نرتع من رتع يرتع رتعا- وهو الخصب يعنون نتسع فى أكل الفواكه ونلعب بالسباق والصيد والرمي مما يباح إتيانه- وقرا ابن كثير بالنون فيهما وكسر العين أصله نرتعى وهو نفتعل من الرعي- فروى ابو ربيعة وابن الصباح عن قنبل بإثبات الباء وصلا ووقفا- وروى غيرهما عنه حذفها فى الحالين- والبزي بحذفها فى الحالين- والمعنى نتحارس ونحفظ أنفسنا يعنى يحفظ بعضنا بعضا- وقرا نافع وعاصم وحمزة والكسائي وابو جعفر بالياء فيهما على الغيبة على اسناد الفعلين الى يوسف- «١» غير ان نافعا وأبا جعفر يكسران العين من يرتع ويحذفان الياء لام الكلمة من ارتعى يرتعى يعنون يرعى يوسف الماشية كما نرعى نحن- والباقون يجزمون العين من يرتع ومعناه يأكل ويلهو وقرا يعقوب «٢» نرتع بالنون وجزم العين مثل ابى عمرو ويلعب بالياء مثل الكوفيين وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (١٢) ان يناله مكروه.
قالَ لهم يعقوب إِنِّي لَيَحْزُنُنِي فتح الياء نافع وابن كثير وأسكنها الباقون أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ
(١) هذا ليس بشيء لان يعقوب فى كلتا الكلمتين مع الكوفين- ابو محمّد
(٢) فى الأصل غير ان نافع وابو جعفر
اى ذهابكم به- والحزن هاهنا الم القلب بفراق المحبوب وعدم الصبر عنه- واللام لام الابتداء وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ لان الأرض كانت مذابة- وقال البغوي وذلك ان يعقوب راى فى المنام ان ذئبا شد على يوسف فكان يخاف من ذلك- وهذا عندى ليس بشيء فان رؤيا الأنبياء وحي قطعى الوجود- ولو كان قد راى ذاك لتحقق البتة ولا ينفعه الحذر لكنه لم يتحقق- قرا ورش والكسائي وابو عمرو الذيب بغير همز بالياء إذا وقف «١» والباقون بالهمزة فى الحالين وحمزة على أصله إذا وقف فان الهمزة المتوسطة عنده تبدل حرفا خالصا فى الوقف وَأَنْتُمْ عَنْهُ غافِلُونَ (١٣) يعنى لا أخاف كيدكم ولكن أخاف ان يناله مكروه عند غفلتكم لاشتغالكم بالرتع واللعب او لقلة اهتمامكم بحفظه.
قالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ المراد به الجنس وَنَحْنُ عُصْبَةٌ اى عشرة متعاضدة لا يتصور الغفلة من جميعنا واللام موطئة للقسم وجوابه إِنَّا إِذاً اى إذا أكله الذئب ونحن عصبة لَخاسِرُونَ (١٤) هو مجزى عن جزاء الشرط- يعنون ان لم نقدر على حفظ بعضنا فقد هلكت مواشينا وكنا ضعفاء مغبونون- او مستحقون ان تدعى علينا بالخسارة- والواو فى ونحن للحال- اعتذر يعقوب فى عدم الإرسال بامرين الحزن بفراقه والخوف عليه بأكل الذئب- وأجابوا عن عذره الثاني دون الاول- لعدم قدرتهم على دفع الحزن ولان ذلك كان يغيظهم-.
فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا اى عزموا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ وجواب لما محذوف يعنى فعلوا به ما أرادوا- وقال البغوي جوابه وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ الاية على ان الواو زائدة كما فى قوله تعالى فَلَمَّا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنادَيْناهُ- اى لمّا أسلما ناديناه قال البغوي قال وهب وغيره أخذوا يوسف بغاية الإكرام- وجعلوا يحملونه فلما برزوا الى البرية القوه- وجعلوا يضربونه فاذا ضربه أحد استغاث باخر فضربه الاخر- فجعل لا يرى منهم أحدا رحيما- فضربوه حتّى كادوا يقتلونه- وهو يصيح يا أبتاه لو تعلم ما يصنع بابنك بنوا الإماء- فلما كادوا ان يقتلوه قال لهم يهودا أليس قد أعطيتموني موثقا ان لا تقتلوه فانطلقوا به الى الجب ليطرحوه فيه وكان ابن اثنى عشر سنة وقيل ثمان عشر سنة- فجاءوا به على غير طريق الى بئر واسع الأسفل ضيّق الرأس- قال مقاتل على ثلاث فراسخ من منزل
(١) هكذا فى الأصل لكن لا فائدة لهذا القيد لورش ولمن معه لان مذهبهم فى الوصل والوقف سواء- ابو محمّد
146
يعقوب- وقال كعب بين مدين ومصر- وقال وهب بأرض الأردن- وقال قتادة هى بئر بيت المقدس- فجعلوا يدلونه فى البئر فيتعلق بشفير البئر فربطوا يديه ونزعوا قميصه- فقال يا إخوتاه ردوا علىّ القميص اتوارى به فى الجب- فقالوا ادع الشمس والقمر والكواكب تؤنسك فقال انى لم أر شيئا فالقوه فيها- وقيل جعلوه فى دلو وأرسلوه فيها حتّى إذا بلغ نصفها القوه ارادة ان يموت فكان فى البئر ماء فسقط فيه- ثم أوى الى صخرة فيها فقام عليها- وقيل انهم لما القوه فيها جعل يبكى فنادوه فظن انها رحمة أدركتهم فاجابهم- فارادوا ان يرضحوا بصخرة فيقتلوه فمنعهم يهودا- واخرج ابن جرير وابن ابى حاتم عن السدى مطولا ان ال يعقوب كانوا نازلين بالشام- وكان ليس له هم الا يوسف واخوه بنيامين- فحسده اخوته الى ان قال فلما برزوا الى البرية فذكر نحوه- قيل جعلوه فى دلو وأرسلوه فيها حتّى إذا بلغ نصفها القوه ارادة ان يموت- فكان فى البئر ماء فسقط فيه ثم أوى الى صخرة فيها فقام عليها يبكى- فجاءه جبرئيل بالوحى كما قال وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ لاطمينان قلبه والظاهر ان هذا الوحى ليس للاستنباء والإرسال والتبليغ بل هو كما اوحى إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ الاية وما هو للتبليغ فهو بعد ذلك حيث قال الله تعالى وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً- واخرج ابن جرير وابن المنذر وابن ابى حاتم وابو الشيخ عن مجاهد فى قوله تعالى وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ قال اوحى الى يوسف يعنى وحي الاستنباء وهو فى الجب لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا يعنى لتخبرن إخوتك بما صنعوا بك وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (١٥) بذلك الوحى والإيناس واعلام الله إياه ذلك- وقيل معناه وهم لا يشعرون يوم تخبرهم انك يوسف لعلو شأنك وبعده عن اوهامهم وطول العهد المغير للحلى والهيئات- وذلك حين دخلوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ- قال البغوي كان يهودا يأتيه بالطعام وبقي فيها ثلاث ليال واوحى اليه هذه الاية- وبعث اليه جبرئيل ليؤنسه ويبشره بالخروج- ويخبره انه ينبئهم بما فعلوا ويجازيهم عليه وهم لا يشعرون- اخرج ابن ابى شيبة واحمد فى الزهد وابن عبد الحكم فى فتوح مصر وابن جرير وابن المنذر وابن ابى حاتم وابو الشيخ والحاكم وابن مردوية عن الحسن ان يوسف عليه السلام كان حينئذ ابن سبع عشره سنة- وقيل كان مراهقا اوحى اليه فى صغره كما اوحى الى يحيى وعيسى عليهما السلام- وفى القصص ان ابراهيم
147
حين القى فى النار جرد عن ثيابه- فاتاه جبرئيل بقميص من حرير الجنة فالبسه إياه فدفعه ابراهيم الى إسحاق وإسحاق الى يعقوب فجعله فى تميمة علقها بيوسف فاخرجه جبرئيل والبسه إياه- قال البغوي قال ابن عباس رضى الله عنهما ثم انهم ذبحوا سخلة وجعلوا دمها على قميص يوسف.
وَجاؤُ أَباهُمْ عِشاءً يَبْكُونَ (١٦) قال اهل المعاني جاءوا فى ظلمة العشاء لتكون اجرا على الاعتذار بالكذب- فروى ان يعقوب عليه السلام سمع صياحهم- فخرج فقال ما لكم يا بنى هل أصابكم فى غنمكم شيء- قالوا لا قال فما أصابكم واين يوسف.
قالُوا يا أَبانا إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ اى نتسابق فى العدو كذا قال السدى او نترامى وننتصل ويشترك الافتعال والتفاعل كالانتصال والتناصل وَتَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا ثيابنا فمضينا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ اى بمصدق لَنا لسوء ظنك بنا وفرط محبتك بيوسف وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ (١٧) عندك لاتّهمتنا فى هذه القصة لمحبة يوسف فكيف وأنت سىء الظن بنا- وقيل معناه لست بمصدق لسوء ظنك بنا- او لانه لا دليل لنا على صدقنا وان كنا صادقين عند الله.
وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ اى ذى كذب او مكذوب فيه- ويجوز ان يكون وصفا بالمصدر للمبالغة- وعلى قميصه فى موضع النصب على الظرف اى فوق قميصه- او على الحال من الدم ان جوز تقديمها على المجرور- اخرج ابن جرير وابن المنذر وابو الشيخ عن الحسن انه لما سمع يعقوب بخبر يوسف صاح وسال قميصه- فلما جيء بقميص يوسف جعل يقلّبه فراى اثر الدم ولا يرى فيه شقا ولا خرقا- فقال يا بنى والله ما اعهد الذئب حليما إذا كل ابني وأبقى قميصه فلمّا علم كذبهم بذلك قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً اى سهّلت لكم وهوّنت فى أعينكم أنفسكم امرا عظيما- ماخوذ من السول وهو الاسترخاء- فى القاموس الاسول من فى أسفله استرخاء والسولة استرخاء البطن وغيره- وقيل معناه زيّنت كذا فى القاموس وسوّل له الشيطان اغواه وقيل السول الحاجة الّتي تحرص عليها النفس- والتسويل تزيين النفس لما تحرص عليه وتصوير القبيح بصورة الحسن فَصَبْرٌ جَمِيلٌ اى فامرى صبر جميل- وقيل فصبر جميل
اختاره- قال البغوي الصبر الجميل الّذي لا شكوى فيه اى الى الخلق ولا جزع- اخرج ابن جرير عن حبان ابن حمية مرسلا الصبر الجميل الّذي لا شكوى فيه وَاللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ (١٨) اى على احتمال ما تصفونه من هلاك يوسف والصبر على تلك المصيبة- قال البغوي وفى القصة انهم جاءوا بذئب وقالوا هذا الّذي أكله- فقال له يعقوب يا ذئب ءانت أكلت ولدي وثمرة فوادى- فانطقه الله عز وجل فقال تالله ما رايت وجه ابنك قط- قال كيف وقعت بأرض كنعان- قال جئت لصلة قرابة فصادنى هؤلاء- فمكث يوسف فى البئر ثلاثة ايام-.
وَجاءَتْ سَيَّارَةٌ رفقة يسيرون من مدين الى مصر أخطئوا الطريق فنزلوا قريبا من الجب- وكان الجب فى قفر بعيد من العمران للرعاة والمارة- وكان ماؤه ملحا فعذب حين القى يوسف فيه فَأَرْسَلُوا حين نزلوا هناك وارِدَهُمْ رجلا من اهل مدين يقال له مالك بن وعر لطلب الماء- والوارد الّذي يتقدم الرفقة الى الماء ليستقى لهم فَأَدْلى دَلْوَهُ يقال أدليت الدلو إذا أرسلتها فيه- ودلوتها أخرجتها- فتعلق يوسف عليه السلام بالحبل- فلما خرج إذا هو بغلام احسن ما يكون- قال النبي ﷺ اعطى يوسف شطر الحسن رواه ابن ابى شيبة واحمد وابو يعلى والحاكم عن انس- قال البغوي يقال انه ورث ذلك الجمال من جدته سارة- وكانت قد أعطيت سدس الحسن- قال ابن إسحاق ذهب يوسف وامه بثلثي الحسن- فلما راه مالك بن وعر قالَ يا بُشْرى قرا الكوفيون بالألف المقصورة على وزن فعلى وامال حمزة والكسائي- نادى البشرى بشارة لنفسه او لقومه كانه قال يا بشرى تعالى فهذا او انك- وقيل هو اسم لصاحبه ناداه باسمه ليعينه على إخراجه- وقرا الباقون يبشرى بالألف بعد الراء وبعدها ياء المتكلم مفتوحة بالاضافة- قرا ورش الراء بين بين والباقون بإخلاص فتحها هذا غُلامٌ روى مجاهد عن أبيه ان البئر كانت تبكى على يوسف حين اخرج منها وَأَسَرُّوهُ يعنى أخفاه الوارد وأصحابه من سائر الرفقة مخافة ان يطلبوا منهم فيه المشاركة- وقيل اخفوا امره وقالوا دفعه إلينا اهل الماء لنبيعه لهم بمصر- وقيل الضمير لاخوة يوسف- وذلك ان يهودا كان يأتيه كل يوم بالطعام وأتاه يومئذ فلم يجده فيها- فاخبر اخوته فطلبوه فاذاهم
بمالك وأصحابه نزول- فاتوهم فاذاهم بيوسف- فاسروا شأن يوسف وقالوا هو عبد لنا ابق ويقال انهم هددوا يوسف حتّى لم يعرّف حاله فسكت يوسف مخافة ان يقتلوه بِضاعَةً نصب على الحال اى اخفوه متاعا للتجارة- اشتقاقه من البضع فانه «١» هو ما يضع من المال للتجارة وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِما يَعْمَلُونَ (١٩) لم يخف عليه أسرارهم- او صنيع اخوة يوسف بأبيهم وأخيهم.
وَشَرَوْهُ يعنى باع «٢» اخوة يوسف إياه بعد ما قالوا انه عبد لنا ابق- وقيل شروه بمعنى اشتروه يعنى اشترى الوارد وأصحابه يوسف من اخوته بِثَمَنٍ بَخْسٍ قال الضحاك ومقاتل والسدى اى حرام- لان ثمن الحر حرام- وسمى الحرام بخسا لانه مبخوس من البركة اى منقوص- وعن ابن عباس وابن مسعود رضى الله عنهما اى زيوف وقال عكرمة والشعبي قليل دَراهِمَ بدل من الثمن مَعْدُودَةٍ قليلة فانهم كانوا يزنون ما بلغ الاوقية ويعدون ما دونها- قال ابن عباس وابن مسعود وقتادة رضى الله عنهم كان عشرين درهما فاقتسموا درهمين درهمين- وقال مجاهد اثنين وعشرين درهما وقال عكرمة كان أربعين درهما وَكانُوا اى اخوة يوسف او الذين اشتروه فِيهِ اى فى يوسف مِنَ الزَّاهِدِينَ (٢٠) الراغبين عنه لانهم لم يعلموا منزلته عند الله عز وجل- وقيل كانوا فى الثمن من الزاهدين لانه لم يكن قصدهم تحصيل الثمن انما كان قصدهم تبعيد يوسف عن أبيه- قال البيضاوي ان كان ضمير كانوا للرفقة وكانوا بائعين فزهدهم لانهم التقطوه- والملتقط للشيء متهاون به خائف عن انتزاعه مستعجل فى بيعه- وان كانوا مبتاعين فلانهم اعتقدوا انه ابق- وفيه متعلق بالزاهدين إذا جعل اللام للتعريف- وان جعل بمعنى الّذي فهو متعلق بمحذوف يبينه الزاهدين- لان متعلق الصلة لا يتقدم على الموصول- ثم انطلق مالك بن وعر وأصحابه بيوسف وتبعهم اخوته يقولون استوثقوا منه لا يأبق- فذهبوا به حتّى قدموا مصر- وعرضه مالك على البيع فاشتراه قطفير قاله ابن عباس- وقيل اطفير صاحب امر الملك- وكان على خزائن مصر يسمى العزيز- وكان الملك يومئذ بمصر ونواحيها ديان بن الوليد بن ثروان من العمالقة- وقيل ان هذا الملك لم يمت حتّى أمن واتبع يوسف على دينه ثم مات ويوسف حى- قال ابن عباس رضى الله
(١) فى الأصل فانه ما يضع
(٢) فى الأصل باعوا-
عنهما لما دخل مصر تلقى قطفير مالك بن وعر- فابتاع منه يوسف بعشرين دينارا وزوج نعل وثوبين أبيضين- وقال وهب بن منبه قدمت «١» السيارة بيوسف مصر فدخلوا به السوق يعرضونه للبيع- فترافع الناس فى ثمنه حتّى بلغ ثمنه وزنه ذهبا ووزنه فضة ووزنه مسكا وحريرا- وكان وزنه اربعمائة رطل وهو ابن ثلاث عشر سنة فابتاعه قطفير من مالك بهذا الثمن-.
وَقالَ الَّذِي اشْتَراهُ مِنْ مِصْرَ يعنى قطفير لِامْرَأَتِهِ اسمها راعيل وقيل زليخا أَكْرِمِي مَثْواهُ المثوى موضع الاقامة- والمراد به منزلته كذا قال قتادة وابن جريج- وقيل معناه أكرميه فى المطعم والملبس والمقام عَسى أَنْ يَنْفَعَنا اى نبيعه بالربح ان أردنا البيع او يكفينا فى ضياعنا وأموالنا ونستظهر به فى مصالحنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً ان تبنّيناه لما تفرس به من الرشد وكان عقيما وَكَذلِكَ اى كما انجيناه من القتل وأخرجناه من الجب وعطفنا عليه العزيز مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ اى فى ارض مصر فجعلناه على خزائنها وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ عطف على مضمر تقديره ليحكم بالعدل ولنعلمه- اى كان القصد من انجائه وتمكينه الى ان يقيم العدل ويدبر امور الناس- ويعلّم معانى كتب الله وأحكامه فينفذها- او تعبير المنامات المنبهة عن الحوادث الكائنة ليستعد لها- ويشتغل بتدبيرها قبل ان يحل- وقيل الواو زائدة وَاللَّهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ الضمير راجع الى الله تعالى اى يفعل ما يشاء لا يرد امره شيء- ولا ينازعه فيما يشاء أحد- وقيل الضمير راجع الى يوسف اى أراد به اخوة يوسف شيئا- وأراد الله غيره فلم يكن الا ما أراد الله وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٢١) لطائف صنعه وخفايا لطفه- او لا يعلمون ما الله يريد ويصنع.
وَلَمَّا بَلَغَ يوسف أَشُدَّهُ اى منتهى شبابه وقوته قال مجاهد ثلاثا وثلاثين سنة- وقال السدى ثلاثين سنة وهو سن الوقوف- وقال الضحاك عشرين سنة- وقال الكلبي الأشد ما بين ثمانية عشر الى ثلاثين سنة- وسئل مالك عن الأشد قال هو الحلم آتَيْناهُ حُكْماً اى نبوة وقيل إصابة القول وَعِلْماً اى فقها فى الدين او علما بتأويل الرؤيا قيل الفرق بين الحكيم والعالم ان العالم هو الّذي يعلم الأشياء والحكيم هو الّذي يعمل
(١) فى الأصل قدمت السيار
بما يوجب العلم وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٢٢) قال ابن عباس رضى الله عنهما اى المؤمنين وعنه ايضا المهتدين- وقال الضحاك الصابرين على النوائب- قال البيضاوي فيه تنبيه على انه تعالى انما أتاه ذلك جزاء على إحسانه فى عمله واتقائه فى عنفوان امره-.
وَراوَدَتْهُ المراودة من راد يرود إذا جاء وذهب لطلب شيء ومنه الرائد- وقيل طلب الشيء برفق ومنه رويد بمعنى أمهل لمعنى الرفق والمهلة فيه- والمراد هاهنا طلبته منه بالحيل الَّتِي هُوَ يعنى يوسف فِي بَيْتِها يعنى زليخا امراة العزيز عَنْ نَفْسِهِ اى احتالت ليواقعها وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ اى اطقتها وكانت سبعة والتشديد للتكثير او للمبالغة فى الاستيناف وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ قرا نافع وابن «١» ذكوان بكسر الهاء من غير همز وفتح التاء- وهشام كذلك الا انه يهمز- وقد روى عنه ضم التاء- وابن كثير بفتح الهاء وضم التاء والباقون بفتحهما- وقرا قتادة والسلمى بكسر الهاء وضم التاء كما روى عن هشام- ومعناه تهيّئت لك نفسى واللام حينئذ للصلة- وأنكره ابو عمرو والكسائي قالا لم يحك هذا عن العرب والاول هو المعروف عند العرب- قال ابن مسعود رضى الله عنه أقرأني النبي ﷺ هيت لك بفتح الهاء والتاء- قال ابو عبيدة كان الكسائي يقول هى لغة لاهل حوران وقعت الى الحجاز ومعناه تعال- وقال عكرمة ايضا هى بالحورانية هلم- قال مجاهد وغيره هى لغة عربية وهى كلمة حث واقبال على الشيء- فهو اسم فعل مبنى على الفتح كاين- واللام للتبئين كالتى فى سقيا لك- ومن قراءه بضم التاء قراءه تشبيها له بحيث- وهى لا تثنّى ولا تجمع ولا تؤنث كذا قال ابو عبيدة- قال فى القاموس هيت مثلثة الاخر وقد يكسر اوله بمعنى هلم قالَ لها يوسف عند ذلك مَعاذَ اللَّهِ اى أعوذ بالله معاذا واعتصم به ممّا دعوتنى اليه إِنَّهُ رَبِّي قرا نافع وابن كثير وابو عمرو بفتح الياء والباقون بسكونها أَحْسَنَ مَثْوايَ الضمير للشأن يعنى ان الشان ان سيدى قطفير احسن منزلى وتعهّدى- حيث قال لك أكرمي مثواه فما جزاؤه ان اخونه فى اهله- وجاز ان يكون الضمير راجعا الى قطفير يعنى ان زوجك قطفير سيدى احسن مثواى- وقيل الضمير لله تعالى يعنى انه تعالى خالقى واحسن منزلتى حيث عطف علىّ قلب فطفير فلا أعصيه إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (٢٣) المحازون الحسن بالسيئ- وقيل يعنى الزناة فان الزنى ظلم على نفسه وعلى المزني باهله-
(١) وفى الأصل نافع وابن كثير وهو سياق قلم او تحريف من الناسخ كما يدل عليه سياق البيان- ابو محمّد
قال السدى وابن إسحاق لما أرادت امراة العزيز مراودة يوسف عن نفسه جعلت تذكر له محاسن نفسه وشوّقته «١» الى نفسها- فقالت يا يوسف ما احسن شعرك قال هى أول ما ينتثر من جسدى- قالت ما احسن عينك قال هما أول ما يسيل على وجهى- قالت ما احسن وجهك قال هو للتراب تأكله- وقيل انها قالت ان فراش الحرير مبسوط فقم فاقض حاجتى- قال إذا يذهب نصيبى من الجنة- فلم تزل تطمعه وتدعوه الى اللذة وهو شابّ يجد شبق الشباب ما يجد الرجل عند مراودة امراة حسناء جميلة فذلك قوله تعالى.
وَلَقَدْ هَمَّتْ زليخا بِهِ اى بيوسف يعنى قصدت ان يواقعها وَهَمَّ يوسف بِها اى مال طبعه إليها واشتهاها مع كفه نفسه عنها كما يدل عليه قوله مَعاذَ اللَّهِ إلخ وليس المراد القصد الاختياري وذلك الميلان الطبعي وشهوة النفس مما لا يدخل تحت التكليف- بل الحقيق بالمدح والاجر الجزيل فان السبب لا فضلية البشر على الملائكة كف النفس عن الفعل عند قيام هذا الهمّ- قال الشيخ ابو منصور الماتريدى همّ يوسف بها همّ خطرة ولا صنع للعبد فيما يخطر بالقلب ولا مؤاخذة عليه- ولو كان همّه كهمنا لما مدحه الله تعالى بانّه مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ- وقال بعض اهل الحقائق الهمّ همان همّ ثابت وهو ما إذا كان معه عزم وعقد ورضى مثل همّ امراة العزيز فالعبد مأخوذ به- وهمّ عارض مثل الخطرة وحديث النفس من غير اختيار ولا عزم مثل همّ يوسف عليه السلام والعبد غير ماخوذ به ما لم يتكلم او يعمل قال رسول الله ﷺ قال الله تعالى إذا تحدث عبدى بان يعمل حسنة فانا اكتبها له حسنة ما لم يعملها- فاذا عملها فانا اكتبها له بعشرة أمثالها- وإذا تحدث بان يعمل سيئة فانا اغفرها ما لم يعملها فاذا عملها فانا اكتبها له بمثلها- رواه البغوي من حديث ابى هريرة وفى الصحيحين وجامع الترمذي عنه بلفظ إذا همّ عبدى بحسنة ولم يعملها كتبتها له حسنة- فان عملها كتبتها عشر حسنات الى سبعمائة ضعف- وإذا هم بسيئة ولم يعملها لم اكتبها عليه فان عملها كتبتها سيئة واحدة- وجاز ان يكون معنى هم بها شارف على الهم- وما قيل فى تفسير قوله تعالى همّ بها انه حل الهميان وجلس منها مقعد الرجل من المرأة وما قيل انه حل سراويله وجعل يعالج ثيابه- وأسند هذا القول الى سعيد بن جبير وغيره
(١) فى الأصل شوّقه
153
من المتقدمين يأبى عنه سياق كلام الله تعالى فانه تعالى قال لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ- لان السوء هو الصغيرة وما ذكر فهو من الصغائر البتة- ولو كان كذلك لذكرت توبته واستغفاره (كما ذكر لام ونوح وذى النون وداود عليهم السلام مع كون كل ما صدر منهم عليهم السلام من غير قصد منهم بالمعصية- كما ذكر كل ذلك فى موضعه) ولم يذكر بل ذكر تبرية نفسه حيث قال هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي- وقال ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وقال إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ- وقال الله تعالى إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ- لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ جواب لولا محذوف تقديره لجامعها- وقيل جواب لولا مقدم عليه تقديره لولا ان رّاى برهان ربّه لهمّ بها- لكنه راى البرهان فلم يهم وأنكره النحاة لان لولا فى حكم أدوات الشرط فلا يتقدم عليها جوابها- وجاز ان يكون همّ بها المذكور قبلها دليلا على جوابها يعنى لهمّ بها- ومعنى الهم المذكور على هذا شارف الهم- فهو كقوله قتلته لو لم أخف الله- تقديره شارفت على قتله لو لم أخف الله لقتلته- واختلفوا فى ذلك البرهان فقال جعفر بن محمّد الصادق رضى الله عنهما البرهان النبوة الّتي أودع الله فى صدره حالت بينه «١» وبين ما يسخط الله عز وجل- وهذا أصوب الأقوال عندى- وقال قتادة واكثر المفسرين انه راى صورة يعقوب وهو يقول له يا يوسف تعمل عمل السفهاء وأنت مكتوب فى الأنبياء- وقال الحسن وسعيد بن جبير ومجاهد وعكرمة والضحاك انفرج له سقف البيت فراى يعقوب عليه السلام عاضّا على إصبعه- وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس مثل يعقوب فضرب بيده فى صدره فخرجت شهوته من أنامله- واخرج ابن جرير وابن ابى حاتم وابو الشيخ عن محمّد بن سيرين قال مثل له يعقوب عاضّا على إصبعه يقول يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن ابراهيم خليل الرّحمن اسمك فى الأنبياء وتعمل عمل السفهاء- وقال السدى نودى يا يوسف تواقعها انما مثلك ما لم تواقعها مثل الطير فى جو السماء لا يطاق- ومثلك إذا واقعتها مثله إذا مات ووقع فى الأرض لا يستطيع ان يدفع عن نفسه شيئا- ومثلك ما لم تواقعها مثل الثور الصعب الّذي لا يطاق- ومثلك ان واقعتها مثل الثور يموت فيدخل النمل فى اصل قرنية لا يستطيع ان يدفع عن نفسه- واخرج ابن جرير عن القاسم بن ابى نزة قال نودى
(١) فى الأصل بينه وما يسخط [.....]
154
يا ابن يعقوب لا تكونن كالطير له ريش فاذا زنى فغدا ليس له ريش فلم يعرض للنداء- فرفع رأسه فراى وجه يعقوب عاضّا على إصبعه- فقام مرعوبا استحياء من أبيه- وفى رواية عن مجاهد عن ابن عباس انه انحط جبرئيل عاضّا على إصبعه يقول يا يوسف تعمل عمل السفهاء وأنت مكتوب عند الله فى الأنبياء- وروى انه مسحه بجناحه فخرجت شهوته من أنامله- وقال محمّد بن كعب القرظي رفع يوسف عليه السلام راسه الى سقف البيت حين همّ فراى كتابا فى حائط البيت لا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلًا- وروى عطية عن ابن عباس رضى الله عنهما فى البرهان انه راى مثال الملك- وعن على بن الحسين رضى الله عنهما قال كان فى البيت صنم فقامت المرأة وسترته بثوب- فقال لها يوسف لم فعلت هذا قالت استحييت منه ان يرانى على المعصية فقال أتستحيين ممّن لا يسمع ولا يبصر ولا يفقه فانا أحق ان استحيى من ربى وهرب كَذلِكَ اى الأمر مثل ذلك او فعلنا كذلك لِنَصْرِفَ عَنْهُ اى عن يوسف السُّوءَ اى المعصية الصغيرة وَالْفَحْشاءَ اى الكبيرة يعنى الزنى إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ (٢٤) قرا نافع والكوفيون بفتح اللام حيث وقع معرفا باللام يعنى مختارين للنبوة أخلصهم الله تعالى لنفسه والباقون بكسر اللام اى مخلصين لله الطاعة والعبادة-.
وَاسْتَبَقَا الْبابَ اى الى الباب على حذف الجار وإيصال الفعل- او على تضمين استبقا معنى ابتدرا يعنى تسابق يوسف وزليخا الى الباب- لما فرّ يوسف منها ليخرج من عندها أسرعت وراءه لتمنعه عن الخروج- فتعلقت بقميصه من خلفه فجذبته إليها حتّى لا يخرج- ووحّد الباب وان كان جمعه فى قوله وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ لانه أراد الباب الّذي هو المخرج من الدار- ولما هرب يوسف جعل فراش القفل تتناثر وتسقط وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ اى شقّته من ورائه- والقد الشق طولا والقط الشنق عرضا وَلمّا خرجا أَلْفَيا صادفا سَيِّدَها اى زوجها قطفير لَدَى الْبابِ قال البغوي وجداه جالسا مع ابن عم لزليخا- وقيل صادفاه مقبلا يريد الدخول فلما راته هابته قالَتْ سابقة بالقول لزوجها تبرية لنفسها عند زوجها- وتعييرا على يوسف وإغراء به انتقاما
منه ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً تعنى الزنى وما نافية او استفهامية بمعنى اىّ شيء جزاؤه ليس جزاؤه إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ اى يحبس أَوْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٢٥) اى ضرب بالسياط- فلما سمع يوسف مقالتها.
قالَ هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي اى طلبت منى الفاحشة انما قال ذلك دفعا لما عرض له من السجن والعذاب ولو لم تكذب عليه لما قاله وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها قيل ابن عم وقيل ابن خال لها- فقال سعيد بن جبير والضحاك كان صبيّا فى المهد أنطقه الله- قال البغوي وهو رواية العوفى عن ابن عباس عن النبي ﷺ انه قال تكلم اربعة وهم صغار- ابن ماشطة ابنة فرعون- وشاهد يوسف- وصاحب جريح- وعيسى بن مريم- قال محمّد بن محمّد السعاف فى تخريج البيضاوي اخرج ذلك الحديث احمد فى مسنده وابن حبان فى صحيحه والحاكم فى المستدرك وصححه- ورواه الحاكم ايضا من حديث ابى هريرة وقال صحيح على شرط الشيخين- ولم يطلع عليه الطيبي فقال يردّه ما فى حديث الصحيحين عن ابى هريرة حيث قال لم يتكلم فى المهد الا ثلاثة عيسى بن مريم وصاحب جريح- وصبى كان ترضعه امه فمر راكب حسن الهيئة فقالت امه اللهم اجعل ابني مثل فلان فقال الصبى اللهم لا تجعلنى مثله- فصاروا باضافة الصبى المذكور إليهم خمسة- قال السيوطي وهم اكثر من ذلك ففى صحيح مسلم تكلم الطفل فى قصة اصحاب الأخدود- قال وقد جمعت من تكلم فى المهد فبلغوا أحد عشر تضمينا فقلت قطعة تكلم فى المهد النبي محمّد ويحيى وعيسى والخليل ومريم ومبرى جريح ثم شاهد يوسف وطفل لدى الأخدود يرويه مسلم وطفل عليه مبرّيا لامه الّتي يقال لها تزنى ولا تتكلم وماشطة فى عهد فرعون طفلها وفى زمن الهادي المبارك يختم فقال الشاهد إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ من قدام فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكاذِبِينَ (٢٦) لانه يدل على انها قدت من قدامه لما أرادها بالدفع عن نفسها- او انه اسرع عن خلفها فتعثر بذيله فانقد جيبه.
وَإِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٢٧) لانه يدل على انها تبعته فاجتذبت ثوبه فقدته من خلفه- والشرطية
محكية على ارادة القول او على ان فعل الشهادة من القول وتسميتها شهادة لانها أدت موداها- وانما جمع بين ان الّذي هو للاستقبال وبين كان لان المعنى ان تعلم انه كان قميصه كذا- نظيره قولك ان أحسنت الىّ فقد أحسنت إليك من قبل فان معناه ان تمنّ علىّ بإحسانك امنّ عليك بإحساني السابق.
فَلَمَّا رَأى قطفير قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ عرف خيانة امرأته وبراءة يوسف عليه السلام قالَ لها إِنَّهُ اى ان السوء او ان هذا الأمر او ان قولك ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً... مِنْ كَيْدِكُنَّ من حيلتكن والخطاب لها ولامثالها او لسائر النساء إِنَّ كَيْدَكُنَّ اى النساء عَظِيمٌ (٢٨) فان ظاهرهن ضعيف يشهد لهن بالصدق وباطنهن خبيث اعوج- فانها خلقت من ضلع آدم وعقولهن قاصرة وديانتهن ناقصة لا تمنعهن عما يمنع العقول السليمة والدين القويم- ومعهن شيطان يواجهن الرجال بالكيد والشيطان يوسوس به مسارقة قال رسول الله ﷺ النساء حبالة الشيطان وقال رسول الله ﷺ ما رايت من ناقصات عقل ودين اذهب للب الرجل الحازم من أحد أكن رواه «١» عن بعض العلماء انه قال انا أخاف من النساء اكثر مما أخاف من الشيطان لان الله تعالى قال إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً وقال لهن إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ يُوسُفُ اى يا يوسف أَعْرِضْ عَنْ هذا الحديث فلا تذكره لاحد حتّى لا يشيع وَاسْتَغْفِرِي يا زليخا لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخاطِئِينَ (٢٩) اى من القوم المذنبين من خطئ إذا أذنب متعمدا- لم يقل من الخاطئات لانه لم يقصد به الخبر عن النساء- بل قصد الخبر عن من فعل ذلك رجلا كان او امراة- فذكر بصيغة المذكرين تغليبا ونظيره قوله تعالى وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ وانّها كانَتْ مِنْ قَوْمٍ كافِرِينَ- وكان العزيز رجلا حليما قليل الغيرة فاقتصر على هذا القول-.
وَقالَ نِسْوَةٌ اسم لجمع امراة وتأنيثه بهذا الاعتبار غير حقيقى ولذلك جرد فعله فِي الْمَدِينَةِ ظرف لقال او صفة لنسوة- اى لما شاع حديث يوسف ومراودة زليخا عن نفسه فى المصر قلن- وقال مقاتل كن خمسا زوجة الحاجب والساقي والخباز والسبحان وصاحب الدواب امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُراوِدُ فَتاها اى عبدها الكنعانى عَنْ نَفْسِهِ اى تطلب منه الفاحشة قَدْ شَغَفَها حُبًّا يعنى شق يوسف شغاف قلبها فدخل فيه حبّا- وهو
(١) هكذا بياض فى الأصل-
تميز عن النسبة اى دخل حبه قلبها- قال السدى الشغاف جلدة رقيقة على القلب- وقال الكلبي حجب حبه قلبها حتّى لا تعقل سواه إِنَّا لَنَراها فِي ضَلالٍ عن الرشد وبعد من الصواب مُبِينٍ (٣٠) ظاهر الضلال حيث تركت ما يكون على أمثالها من العفاف والستر.
فَلَمَّا سَمِعَتْ زليخا بِمَكْرِهِنَّ اى باغتيابهن وانما سمى مكرا لانهن اخفين هذا القول كما يخفى الماكر مكره- وقال ابن إسحاق انما قلن لها ذلك مكرا بها لتريهن يوسف وكانت «١» توصف لهن حسنه وجماله وقيل انها أفشت إليهن سرها واستكتمهن فافشين ذلك فلذلك سماه مكرا أَرْسَلَتْ رسولا إِلَيْهِنَّ تدعوهن قال وهب اتخذت مأدبة ودعت أربعين امراة منهن هؤلاء اللاتي عيرنها وَأَعْتَدَتْ اى أعدت لَهُنَّ مُتَّكَأً قال ابن عباس رضى الله عنهما وسعيد بن جبير والحسن وقتادة ومجاهد متكأ اى طعاما- سماه متكأ لان اهل الطعام إذا جلسوا يتكؤن على الوسائد- فسمى الطعام معا على الاستعارة- يقال اتكأنا عند فلان اى طعمنا- ولما كان ذلك عادة المترفين نهى رسول الله ﷺ ان يأكل الرجل بشماله وان يأكل متكأ- رواه ابن ابى شيبة فى مصنفه عن جابر- وقيل المتكأ الطعام الّذي يجزّ جزّا كانّ القاطع يتكى عليه بالسكين- قال ابن عباس هو الأترج وقد روى عن مجاهد مثله- وقيل هو الأترج بالحبشية- وقال عكرمة وابو زيد الأنصاري كل ما يجزّ بالسكين فهو عند العرب متك- والمتك والبتك القطع بالميم والباء- قال البغوي زينت امراة العزيز بيتا بألوان الفواكه والاطعمة ووضعت الوسائد ودعت النسوة وَآتَتْ اى اعطت كُلَّ واحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً وهن يأكلن اللحم جزّا بالسكين وَقالَتِ قرا ابو عمرو وعاصم وحمزة بكسر التاء وصلا وغيرهم بضمها وصلا اخْرُجْ يا يوسف عَلَيْهِنَّ وكانت أجلست يوسف فى مجلس اخر فخرج عليهن يوسف- قال عكرمة وكان فضل يوسف على الناس فى الحسن كفضل ليلة البدر على سائر الكواكب- واخرج ابن جرير والحاكم وابن مردوية من حديث ابى سعيد الخدري قال قال رسول الله ﷺ رايت ليلة اسرى بي الى السماء يوسف كالقمر ليلة البدر- واخرج ابو الشيخ فى تفسيره عن إسحاق بن عبد الله ابى فروة قال كان إذا سار فى ازقة المصر يرى تلألأ وجهه على الجدران كما يرى تلألأ الماء والشمس على
(١) فى الأصل كان-
الجدران فَلَمَّا رَأَيْنَهُ نسوة مصر أَكْبَرْنَهُ عظّمته قال ابو العالية هالهن امره وبهتن- وقيل أكبرنه اى حضن من أكبرت المرأة إذا حاضت- لانها تدخل فى الكبر بالحيض والهاء ضمير المصدر او ليوسف على حذف المضاف اى حضن لاجله من شدة الشبق وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ بالسكاكين الّتي كانت معهن وهن يحسبن انهن تقطعن الأترج ولم يجدن الألم لشغل قلوبهن بيوسف- قال مجاهد فما احسسن الا بالدم- قال قتادة أبنّ أيديهن حتّى القينها- والأصح انه كان قطعا بلا ابانة وقال وهب»
ماتت جماعة منهن وَقُلْنَ حاشَ لِلَّهِ تنزيها له تعالى من صفات العجز وتعجبا على كمال قدرته على الخلق- أصله حاشا لله كذا قرا ابو عمرو فى الموضعين وصلا- وإذا وقف حذف الالف اتباعا للخط- روى ذلك عن اليزيدي منصوصا والباقون يحذفون الالف فى الحالين تخفيفا وهو حرف يفيد معنى التنزيه فى باب الاستثناء فوضع موضع التنزيه واللام للبيان كما فى قولك سقيا لك ما هذا بَشَراً وهو على لغة اهل الحجاز فى اعمال ما عمل ليس لمشاركتهما فى نفى الحال- وقال البغوي منصوب بنزع حرف الصفة اى ليس هذا ببشر إِنْ هذا اى ما هذا إِلَّا مَلَكٌ من الملائكة كَرِيمٌ (٣١) على الله تعالى لان هذا الجمال لم يعهد فى لبشر وليس فوق البشر الا الملك- او لان الجمع بين الجمال الرائق والكمال الفائق والعصمة البالغة من خواص الملائكة-.
قالَتْ زليخا فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ تعنى هو ذلك العبد الكنعانى الّذي صورتنّ فى انفسكن ثم لمتننى فيه- تعنى انكن لم تتصورنّه حق تصوره والا لعذرتنّنى فى الافتتان به- او فهذا اهو الّذي لمتننى فيه فوضع ذلك موضع هذا رفعا لمنزلة المشار اليه وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ فامتنع طالبا للعصمة- أقرّت لهن حين عرفت انهن يعذرنها كى يعاونّها على إلانة عريكته فقلن له أطع مولاتك وَقالت زليخا لَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ به أو أمري إياه تعنى موجب امرى والضمير ليوسف او المعنى ما امر به فحذف الجار والضمير للموصول لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً بنون التأكيد الخفيفة تنقلب الفا وقفا لشبهها بالتنوين نظيره لنسفعا مِنَ الصَّاغِرِينَ (٣٢) اى من الأذلاء من صغر يصغر من باب سمع يسمع صغر او صغارا.
قالَ يوسف رَبِّ اى يا رب السِّجْنُ قرا يعقوب بفتح
(١) فى الأصل مات-
السين والباقون بكسرها أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ من الزنى اختار السجن على المعصية حين توعّدته المرأة- أسند الدعاء إليهن وكان الدعاء من زليخا خاصة الى نفسها خروجا من التصريح الى التعريض- او لانهن خوفنه عن مخالفتها وزيّنّ له مطاوعتها- وقيل انهن جميعا دعونه الى انفسهن- قيل لو لم يسئل يوسف السجن ولم يقل السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ لم يبتل بالسجن- والاولى ان يسئل المرء العافية ولذلك رد رسول الله ﷺ على من كان يسئل الصبر- روى الترمذي عن معاذ قال سمع رسول الله ﷺ رجلا وهو يقول اللهم انى أسئلك الصبر- قال سالت البلاء فاسئله العافية وروى الطبراني عن العباس بن عبد المطلب قال قلت يا رسول الله علمنى شيئا ادع الله به فقال عليه السلام سل ربك العافية- فمكثت أياما ثم جئت فقلت يا رسول الله علمنى شيئا اسئله ربى عز وجل فقال يا عم سل الله العافية فى الدنيا والاخرة وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ فى تحسين الفاحشة الىّ بالتثبيت على العصمة أَصْبُ إِلَيْهِنَّ امل الى اجابتهن او الى انفسهن بطبعي ومقتضى شهوتى- والصبوة الميل الى الهوى وَأَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ (٣٣) من السفهاء بارتكاب الفاحشة فان الحكيم لا يفعل القبيح- او من الذين لا يعلمون بما يعلمون فانهم من الجهال حكما- قال البغوي فيه دليل على ان المؤمن إذا ارتكب ذنبا يرتكب عن جهالة.
فَاسْتَجابَ لَهُ رَبُّهُ فاجابه الله دعاءه الّذي تضمنه قوله وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي الاية فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ فثبته بالعصمة حتّى اثر مشقة السجن على اللذة المتضمنة للمعصية إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ لدعاء الملتجئين اليه الْعَلِيمُ (٣٤) بأحوالهم وما يصلحهم.
ثُمَّ بَدا لَهُمْ اى ظهر للعزيز وأصحابه فى الرأى مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ الدالة على براءة يوسف من كلام الطفل وفد القميص من دبر وقطع النساء أيديهن واستعصامه عنهن- وفاعل بدا ضمير مبهم يفسره قوله لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (٣٥) اى مدة يرون فيها رأيهم وذلك باستهزال المرأة لزوجها وكان زوجها مطواعا لها ذلولا ذمامه فى يدها- وقد طمعت ان يذلل السجن يوسف ويسخره لها- او خافت عليه العيون وظنت منه الظنون فالجاها له الخجل من الناس والوجل من اليأس الى ان رضيت بالحجاب مكان خوف الذهاب- لتشتفى بخبره إذا منعت من نظره وقضاء حاجتها
منه- وقالت لزوجها ان هذا العبد العبراني قد فضحنى فى الناس يخبرهم انى راودته عن نفسه فاما ان تأذن لى فى الخروج فاخرج فاعتذر الى الناس- واما ان تحبسه الى ان تنقطع مقالة الناس ويحسب الناس انه المجرم- قال البغوي قال ابن عباس رضى الله عنهما عثر يوسف ثلاث عثرات حين همّ بها فسجن- وحين قال اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ... فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ- وحين قال للاخوة إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ فقالوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ....
وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيانِ وهما غلامان كانا للوليد بن ثروان العمليقى ملك المصر الأكبر أحدهما خبازه صاحب طعامه- والاخر ساقيه صاحب شرابه- غضب الملك عليهما فحبسهما- واتفق دخولهما فى السجن وقت دخول يوسف عليه السلام فيه كما يدل عليه كلمة مع- قال البغوي وكان السبب فى حبس الفتيين ان جماعة أرادوا المكر بالملك واغتياله- فضمنوا لهذين مالا ليسما الملك فى طعامه وشرابه- فاجاباهم ثم ان الساقي نكل عنه وقبل الخباز الرشوة فسم الطعام- فلما حضروا الطعام قال الساقي لا تأكل ايها الملك فان الطعام مسموم- وقال الخباز لا تشرب فان الشراب مسموم- فقال الملك للساقى اشرب فشربه فلم يضره- وقال للخباز كل من طعامك فابى- فجرب ذلك الطعام على دابّة فاكلته فهلكت- فامر الملك بحبسهما- وكان يوسف حين دخل السجن جعل ينشر علمه ويقول انى أعبّر الأحلام- فقال أحد الفتيين لصاحبه هلم فلنجرب هذا العبد العبراني نترايا له- فسالاه من غير ان يكونا رايا شيئا- قال ابن مسعود رضى الله عنه ما رايا شيئا انما تحالما ليجربا يوسف- وقال قوم بل كانا رايا حقيقة- فراهما يوسف وهما مهمومان فسالهما عن شأنهما قذكرا انهما صاحبا الملك وقد رأيا رؤيا غمهما ذلك- فقال يوسف قصّا علىّ ما رايتما فقصّا عليه قالَ أَحَدُهُما وهو صاحب الشراب إِنِّي قرا نافع وابو عمرو بفتح الياء والباقون بإسكانها أَرانِي قرا نافع وابن كثير وابو عمرو بفتح الياء والباقون بإسكانها أَعْصِرُ خَمْراً يعنى ارى نفسى فى المنام اعصر خمرا اى عنبا سماه خمرا باعتبار ما يؤل اليه- يقال فلان يطبخ الاجر اى يطبخ اللبن للاجر- وقيل الخمر العنب بلغة عمان- وهى حكاية حال ماضية وذلك انه قال- انى رايت كانى فى بستان فاذا انا بأصل حبلة عليها ثلاثة عناقيد من عنب فجئتها- وكان كأس الملك بيدي فعصرتها فيه وسقت الملك فشربه
وَقالَ الْآخَرُ اى الخباز إِنِّي قرا نافع وابو عمرو بفتح الياء والباقون بإسكانها أَرانِي قرا نافع وابن كثير وابو عمرو بفتح الياء والباقون بإسكانها أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ وذلك انه قال انى رايت كان فوق رأسى ثلاث سلال فيها الخبز وألوان الاطعمة وسباع الطير تنهش منه نَبِّئْنا بِتَأْوِيلِهِ اى أخبرنا بتفسيره وتعبيره وما يؤل اليه امر هذا الرؤيا إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٣٦) اى من الذين يحسنون تأويل الرؤيا- او من العالمين والإحسان بمعنى العلم- وانما قالا ذلك لانهما راياه فى السجن يذكّر الناس ويعبر رؤياهم- او من المحسنين الى اهل السجن فاحسن إلينا بتأويل ما راينا ان كنت تعرفه- روى ان الضحاك بن مزاحم سئل عن قوله إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ما كان إحسانه- قال كان إذا مرض انسان فى السجن عاده وقام عليه- وإذا ضاق عليه المجلس وسّع له- وإذا احتاج جمع له شيئا- وكان مع هذا يجتهد فى العبادة ويقوم الليل كله للصلوة- وقيل انه لما دخل السجن وجد فيه قوما اشتد بلاؤهم وانقطع رجاؤهم وطال حزنهم- فجعل يسلّيهم ويقول ابشروا واصبروا تؤجروا- فيقولون بارك الله فيك يا فتى ما احسن وجهك وخلقك وحديثك لقد بورك لنا فى جوارك فمن أنت يا فتى- قال انا يوسف بن صفى الله يعقوب بن ذبيح الله إسحاق بن ابراهيم خليل الله- فقال له عامل السجن بافتى والله لو استطعت لخليت سبيلك ولكن ساحسن جوارك تمكّن فى اى بيوت السجن شئت- وروى ان الفتيين «١» لما رايا يوسف قالا له لقد احببناك حين رايناك- فقال لهما يوسف أنشدكما بالله ان لا تحبانى- فو الله ما أحبني أحد قط الا دخل علىّ من حبه بلاء- فقد احبّتنى عمتى فدخل علىّ بلاء- ثم احبّنى ابى فالقيت فى الجب- واحبّتنى امراة العزيز فحبست- فلما قصّا عليه الرؤيا كره يوسف ان يعبر لهما ما سالاه لما علم فى ذلك من المكروه على أحدهما- فاعرض عن سوالهما وأخذ فى غيره من اظهار المعجزة والدعاء الى التوحيد.
قالَ لا يَأْتِيكُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ «٢» قيل أراد به ترزقانه فى النوم يقول لا يأتيكما طعام ترزقانه فى نومكما إِلَّا نَبَّأْتُكُما بِتَأْوِيلِهِ فى اليقظة قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُما تأويله- وقيل أراد انه لا يأتيكما طعام من منازلكما ترزقانه فى اليقظة اى تطعمانه
(١) فى الأصل ان الفتيان
(٢) فى الأصل فقال يكن الفاء ليست من القران بل هى من التفسير ١٢ ابو محمّد
وتأكلانه- الا نبأتكما بتأويله بقدره ولونه والوقت الّذي يصل اليكما قبل ان يصل اليكما- واىّ طعام أكلتم ومتى أكلتم- وهذا معجزة مثل معجزة عيسى عليه السلام حيث قال وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ- فقالا هذا فعل العرافين والكهنة فمن اين لك هذا العلم فقال ما انا بكاهن وانما ذلِكُما مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي قرا نافع وابو عمرو بفتح الياء والباقون بإسكانها- يعنى علّمنى ربى بالوحى القطعي المنزل من السماء- وقيل معنى الاية لا يأتيكما طعام يعنى من منازلكما الا نبأتكما بتأويل ما قصصتما علىّ من الرؤيا ذلكما اى التأويل مما علمنى ربى بالإلهام والوحى- وليس من قبيل التكهن والتنجم قال البيضاوي أراد يوسف عليه السلام ان يدعوهما الى التوحيد ويرشدهما الطريق القويم قبل ان يجيب ما سالا عنه- كما هو طريقة الأنبياء والنازلين منازلهم من العلماء فى الهداية والإرشاد- فقدّم ما يكون معجزة له من الاخبار بالغيب ليدلهما على صدقه فى الدعوة والتعبير إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ (٣٧) تعليل لما قبله اى علّمنى ذلك لانى تركت ملة المبطلين وتكرار كلمة هم للدلالة على اختصاصهم وتأكيد كفرهم بالاخرة.
وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وجاز ان يكون قوله إِنِّي تَرَكْتُ الى آخره كلاما مبتدا- لتمهيد الدعوة واظهار انه من بيت النبوة ليقوى رغبتهما فى الاستماع اليه والوثوق عليه- ومن هاهنا يظهران العالم إذا جهلت منزلته فى العلم فاراد ان ينشر علمه جاز له ان بصف نفسه حتّى يعرف الناس قدره فيقتبسون منه- وليس هذا من باب تزكية النفس انما الأعمال بالنيات والأنبياء كانوا مأمورين بذلك- قال الله تعالى وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ- فويل للذين يطعنون على اولياء الله تعالى (مثل المجدد للالف الثاني رضى الله عنه حيث ذكروا ترقياتهم ومدارج قربهم من الله تعالى وما أفضل الله تعالى عليهم) حسدا وجهلا ما كانَ لَنا معشر الأنبياء اى ما صح ولا أمكن لنا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ اىّ شيء كان فان الله تعالى قد خلقنا على جبلة التوحيد وعصمنا من الشرك ذلِكَ التوحيد والعلم مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنا بالوحى وَعَلَى سائر النَّاسِ ببعثتنا لارشادهم وتثبيتهم عليه وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ المبعوث إليهم لا يَشْكُرُونَ (٣٨) على هذه النعمة
ويعرضون عنه ولا ينتبهون- او من فضل الله علينا وعليهم بنصب الدلائل وإنزال الآيات ولكن أكثرهم لا ينظرون إليها ولا يستدلون بها- فيلغونها كمن يكفر النعمة ولا يشكرها- ثم دعاهم الى الإسلام فقال.
يا صاحِبَيِ السِّجْنِ اى ساكنى السجن او صاحبىّ فيه فاضافتهما اليه مجاز مثل يا سارق الليلة أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ شتى متعددة متساوية الاقدام فى الإمكان والعجز سواء كانت أصناما من ذهب او فضة او حديد او حجر- او غيرها من الملائكة والبشر خَيْرٌ من الله أَمِ اللَّهُ الْواحِدُ المتوحد فى جلال ذاته وكمال صفاته لا يماثله شيء فى الذات ولا فى الصفات ولا فى الافعال الْقَهَّارُ (٣٩) الغالب الّذي لا يعاد له ولا يقاومه غيره خير من غيره ثم بين بطلان الأصنام وغيرها فقال.
ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ اى من دون الله خاطب الاثنين بلفظ الجمع لانه أراد كل من كان مثلهما فى الشرك إِلَّا أَسْماءً اى مسميات خالية عن معنى الالوهية سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ الهة وأربابا- او المعنى ما تعبدون شيئا الا اسماء سميتوها لا تحقق لها فى الواقع تزعمونها حالّة فى الأصنام او مجردة ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ اى لم يجعل الله سبحانه دليلا على وجودها- او حجة وبرهانا على استحقاقها للعبادة- كما نصب الله تعالى دلائل على وجود نفسه وبراهين على استحقاقه للعبادة وآيات انزل على رسله وأنبيائه إِنِ الْحُكْمُ فى العبادة إِلَّا لِلَّهِ لانه المستحق لها بالذات من حيث انه الواجب لذاته الموجد لغيره المنعم على الإطلاق المالك القاهر الضار النافع فلو جاز عبادة غيره لجاز بامره وقد أَمَرَ على لسان أنبيائه أَلَّا تَعْبُدُوا شيئا إِلَّا إِيَّاهُ حيث دلت عليه الحجج والبينات ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ اى الثابت الّذي دلت عليه البراهين وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٤٠) لا يميّزون الحق من الباطل فيخبطون فى جهالتهم- قال البيضاوي هذا من التدرج فى الدعوة والزام الحجة- بيّن لهم اولا رجحان التوحيد على اتخاذ الالهة على طريق الخطاب- ثم برهن على ان ما يسمونها الهة ويعبدونها لا تستحق العبادة فان استحقاق العبادة اما بالذات واما بالغير وكلا القسمين منتف عنها- ثم نص على ما هو الحق القويم والدين المستقيم الّذي لا يقتضى العقل غيره
ولا يرتضى العلم دونه- ثم فسر رؤياهما بقوله.
يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُما وهو صاحب الشراب فَيَسْقِي رَبَّهُ يعنى الملك خَمْراً والعناقيد الثلاثة ثلاثة ايام يبقى فى السجن ثم يدعوه الملك بعد ثلاثة ايام ويرده الى منزلته الّتي كان عليها وَأَمَّا الْآخَرُ يعنى الخباز فَيُصْلَبُ بعد ثلاثة ايام والسلال الثلاث ثلاثة ايام يبقى فى السجن ثم يخرجه فيصلبه فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قلت ولعل ذلك لاجل ما راى وجرب ان الخبّاز جعل الطعام مسموما دون الساقي كما مر فى القصة- قال ابن مسعود رضى الله عنه لما سمعا قول يوسف عليه السلام قالا ما راينا شيئا انما كنا نلعب- فقال يوسف عليه السلام قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ (٤١) يعنى جرى قضاء الله سبحانه فى الأمر الّذي تستفتيان فيه- يعنى فى ما يؤل اليه امر كما- كما قلت وأخبرتكما به رايتما او لم تريا- وحد الضمير لانهما وان استفتيا فى أمرين لكنهما أرادا ظهور عاقبة ما ينزل بهما-.
وَقالَ يوسف عند ذلك لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ ناجٍ مِنْهُمَا المراد بالظن اليقين ان كان الضمير راجعا الى يوسف عليه السلام- لكونه على اليقين يدل عليه قوله قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ- وجاز ان يكون الضمير راجعا الى الموصول وهو الساقي اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ يعنى عند الملك وقل له ان فى السجن غلاما محبوسا ظلما وصفه كذا كى يخلصنى فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ اى انسى الشيطان الساقىّ ان يذكر حال يوسف لربه اى للملك- أضاف اليه المصدر للملابسة له- او على تقدير ذكر اخبار ربه- وقال ابن عباس واكثر المفسرين معنى الاية انسى الشيطان يوسف ذكر ربه- حتّى ابتغى الفرج من غيره واستعان بمخلوق- وتلك غفلة عرضت ليوسف من الشيطان- قال رسول الله ﷺ رحم الله أخي يوسف لو لم يقل اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ ما لبث فى السجن طول ما لبث- رواه ابن المنذر وابن ابى حاتم وابن مردوية فَلَبِثَ مكث يوسف فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ (٤٢) قال قتادة هو ما بين الثلاث الى التسع من البضع وهو القطع- وقال مجاهد ما بين الثلاث الى السبع- واكثر المفسرين على انه لبث فى السجن سبع سنين- قال وهب أصاب أيوب البلاء سبع سنين وترك يوسف فى السجن سبع سنين- قال الكلبي لبث
خمس سنين قبل ذلك وسبعا بعد قوله اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فكل ذلك اثنتا عشرة سنة- قلت قوله تعالى دَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيانِ تدل على معية دخولهما دخوله لما ذكرنا- وإذا كان لبث الفتيين فى السجن ثلاثة ايام فلا يتصور لبث يوسف خمس سنة قبل ذلك القول والله اعلم- قال مالك بن دينار لما قال يوسف للساقى اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ- قيل له يا يوسف اتخذت من دونى وكيلا لاطيلن حبسك- فبكى يوسف وقال يا رب انسى قلبى كثرة البلوى فقلت كلمة ولا أعود- وقال الحسن دخل جبرئيل على يوسف فى السجن فلما راه يوسف عرفه فقال له يا أخا المنذرين ما لى أراك بين الخاطئين- فقال له جبرئيل يا طاهر بن الطاهرين يقرا عليك السلام رب العالمين ويقول لك اما استحييت منى ان استشفعت بالآدميين فوعزتى لالبثنّك فى السجن بضع سنين- قال يوسف وهو فى ذلك عنى راض قال نعم قال إذا لا أبالي- وقال كعب قال جبرئيل ليوسف ان الله يقول من خلقك قال الله- قال فمن حببك الى أبيك قال الله- قال فمن انجاك من كرب البئر قال الله- قال فمن علمك تأويل الرؤيا قال الله- قال فمن صرف عنك السوء والفحشاء قال الله- قال فكيف استشفعت بادمى مثلك انتهى- وسيأتى فى حديث ابن عباس عند الطبراني قوله ﷺ ولولا كلمة يعنى من يوسف لما لبث فى السجن حيث يبتغى الفرج من عند غير الله عز وجل- فلما انقضت سبع سنين ودنا فرج يوسف راى ملك مصر الأكبر وهو ديان بن وليد عجيبة هالته وذلك انه راى سبع بقرات خرجن من البحر ثم خرج عقبهن سبع بقرات عجاف فى غاية الهزال فابتعلت العجاف السّمان- فدخلن فى بطونهن ولم ير منهن شيئا ولم يتبين على العجاف منها شيء- ثم راى سبع سنبلات خضر قد انعقد حبها وسبعا اخر يابسات قد استحصدت فالتوت اليابسات على الخضر حتّى غلبن عليها ولم يبق من خضرتها شيء- فجمع السحرة والكهنة والحازة والمعبرين وقصّ عليهم رؤياه كما قال الله تعالى.
وَقالَ الْمَلِكُ إِنِّي قرا نافع وابن كثير وابو عمرو بفتح الياء والباقون بإسكانها أَرى سَبْعَ بَقَراتٍ سِمانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يابِساتٍ استغنى عن بيان حالها بما ذكر من حال البقرات واجرى السمان على التميز دون
المميز لان التميز بها- ووصف السبع الثاني بالعجاف لتعذر التميز بها مجردا عن الموصوف- فانه لبيان الجنس وقياسه عجف لانه جمع عجفاء لكنه حمل على سمان لانه نقيضه يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُءْيايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ (٤٣) اى ان كنتم عالمين بعبارة الرؤيا وهى الانتقال من الصور المثالية الى المعاني النفسانية الّتي هى صورها فى عالم المثال- من العبور وهو المجاوزة- وعبرت الرؤيا عبارة اثبت من عبرتها تعبيرا- واللام للبيان او لتقوية العامل فان الفعل لما اخر عن مفعوله ضعف عمله- فقوى باللام كاسم الفاعل او لتضمين تعبرون معنى فعل تعدى باللام كانه قيل ان كنتم تبذلون لعبارة الرؤيا- او يكون للرؤيا خبر كنتم كقولك فلان لهذا الأمر إذا كان مستقلا به متمكنا منه وتعبرون خبر اخر او حال- ومفعول تعبرون محذوف لدلالة ما قبله عليه.
قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ اى هذه أضغاث أحلام- وهى تخاليطها جمع ضغث وهو فى الأصل الخرمة من انواع حشيش فاستعير للرؤيا الكاذبة- وانما جمعوا للمبالغة فى وصف الحلم بالبطلان كقولهم فلان يركب الخيل- او لتضمنه أشياء مختلفة- والحلم الرؤيا والفعل منه بفتح العين فى الماضي وضمها فى الغابر من باب نصر وَما نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلامِ بِعالِمِينَ (٤٤) أراد بالأحلام المنامات الباطلة خاصة اى ليس لها تأويل عندنا وانما التأويل للمنامات الصادقة كانه مقدمة ثانية للعذر فى جهلهم بتأويله-.
وَقالَ الَّذِي نَجا من السجن والقتل مِنْهُما من صاحبى السجن وهو الساقي وَادَّكَرَ أصله ادتكر أبدلت التاء دالا ثم أدغمت- يعنى تذكر الساقي يوسف وقوله اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ بعد امّة اى بعد جماعة من الزمان اى مدة طويلة وهى سبع سنين والجملة معترضة ومفعول القول أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ قال البغوي ان الساقي جثى بين يدى الملك وقال ان فى السجن رجلا يعبر الرؤيا فَأَرْسِلُونِ (٤٥) اليه فى السجن فارسله الملك الى يوسف- فاتى السجن قال ابن عباس ولم يكن السجن فى المدينة فلما اتى الساقي عند يوسف قال.
يُوسُفُ اى يا يوسف أَيُّهَا الصِّدِّيقُ اى المبالغ فى الصدق وصفه به لما جرّب وعرف صدقه فى تأويل رؤياه ورؤيا صاحبه أَفْتِنا
فِي سَبْعِ بَقَراتٍ سِمانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يابِساتٍ
اى فى ذلك الرؤيا فان الملك راى هذه الرؤيا وأرسلني إليك لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ اى أعود الى الملك ومن عنده بتأويل رؤيا الملك- وانما أورد كلمة لعل ولم يبتّ الكلام فيها لان الناس لما عجزوا عن تأويل الرؤيا (وكان الملك هائلا من تلك الرؤيا) استعظم شأن تأويله عنده ولم يقطع بحصول مقصوده لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ (٤٦) فضلك ومنزلتك فى العلم- أورد كلمة لعلّ لان الناس قد لا يتنبّهون بفضل اهل الفضل لكمال غفلتهم- كما لم يتنبه العزيز بفضل يوسف بعد ما راى من الآيات-.
قالَ له يوسف اما البقرات السمان والسنبلات الخضر فسبع سنين مخاصيب والبقرات العجاف والسنبلات اليابسات فالسنون المجدبة تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً والداب العادة ونصبه على الحال بمعنى دائبين اى على عادتكم- او على المصدرية بإضمار فعله اى تدأبون دأبا- وتكون الجملة حالا وقيل معناه بجد واجتهاد قرا حفص دابا بفتح الهمزة والباقون بإسكانها وهما لغتان- وقيل تزرعون امر أخرجه فى صورة الخبر مبالغة فى النصح لقوله تعالى فَما حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ لئلا تأكله السوس وهذه الجملة على الاول نصيحة خارجة عن العبارة إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ (٤٧) فى تلك السنين.
ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ سَبْعٌ شِدادٌ سمى السنين المجدبة شدادا لشدتها على الناس يَأْكُلْنَ اى يأكل أهلهن أسند الاكل إليهن على المجاز تطبيقا للتعبير بالرؤيا ما قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ اى ما ادخرتم لاجلهن إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ (٤٨) اى تحرزون لبذور الزراعة.
ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عامٌ فِيهِ يُغاثُ النَّاسُ اى يمطرون من الغيث وهو المطر- او يغاثون من القحط من الغوث وَفِيهِ يَعْصِرُونَ (٤٩) قرا حمزة والكسائي بالتاء الفوقانية على الخطاب لان الكلام كله على الخطاب والباقون بالياء التحتانية على ان الضمير راجع الى الناس ومعناه يعصرون العنب والزيتون والسمسم ونحو ذلك أراد به خصب السنة وكثرة نعيمها- قال ابو عبيدة تعصرون اى تنجون من الكرب والجدب- والعصر المنجأ والملجا-
وهذه بشارة بشّرهم بها بعد ان اوّل البقرات السمان والسنبلات الخضر بسنين مخصبة والعجاف واليابسات بسنين مجدبة- وابتلاع العجاف السمان بأكل ما جمع فى السنين المخصبة وانما علم ذلك بعدد السبع العجاف- فانه لولا يأتى بعد ذلك سنة مخصبة لزاد عدد السنين المجدبة على السبع- وقال البيضاوي لعله علم ذلك بالوحى- او بان السّنّة الالهية على ان يوسع على عباده بعد ما يضيق عليهم والله اعلم-.
وَقالَ الْمَلِكُ لما رجع اليه الساقي بتأويل رؤياه وأخبره بما أفتاه يوسف- وعلم الملك فضل يوسف وان الّذي قاله كائن ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جاءَهُ يعنى يوسف الرَّسُولُ للملك وقال له أجب الملك ابى يوسف ان يخرج معه حتّى يظهر براءته من تهمة الفسق وقالَ للرسول ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ يعنى الى الملك فَسْئَلْهُ ان يسئل ما بالُ يعنى اىّ حال النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ فيه دليل على انه ينبغى ان يجتهد الرجل فى نفى التهمة عن نفسه- لا سيما من كان ممن يقتدى به- ولم يصرح بذكر امراة العزيز أدبا واحتراما لها- اخرج إسحاق بن راهويه فى مسنده والطبراني فى معجمه وابن مردوية من حديث ابن عباس عن النبي ﷺ عجبت لصبر أخي يوسف وكرمه والله يغفر له حيث أرسل اليه ليستفتى فى الرؤيا- ولو كنت انا لم افعل حتّى اخرج وعجبت لصبره وكرمه والله يغفر له اتى ليخرج فلم يخرج حتّى أخبرهم بعذره- ولو كنت انا لبادرت الباب- ولولا الكلمة لما لبث فى السجن حيث يبتغى الفرج من عند غير الله عز وجل- ورواه عبد الرزاق وابن جرير فى تفسيرهما من حديث عكرمة مرسلا ان رسول الله ﷺ قال لقد عجبت من يوسف وكرمه وصبره الله يغفر له حين سئل عن البقرات العجاف والسمان- ولو كنت مكانه ما أخبرتهم حتّى اشترطت ان يخرجونّى- ولقد عجبت منه حين أتاه الرسول فقال ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ- ولو كنت مكانه ولبثت فى السجن ما لبث لا سرعت الاجابة وبادرتهم الباب- ولما ابتغيت العذر إن كان لحليما ذا اناءة- واصل الحديث فى الصحيحين مختصرا فائدة تعجبه ﷺ من حال يوسف وقوله ﷺ لا سرعت الاجابة- مبنى على كمال نزوله ﷺ الّذي هو مدار
شيوع دينه وقوة تأثيره فى الناس وتكميله- وقد حقق ذلك المجدد للالف الثاني رضى الله عنه فى مكاتيبه- وهذا امر لا يدركه فهم اكثر اهل الكمال فضلا عن غيرهم إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ (٥٠) حين قلن لى أطع مولاتك او أردن مراودتى عن نفسى لانفسهن- فيه تعظيم لكيدهن واستشهاد بعلم الله تعالى عليه- وعلى انه برئ مما اتهمنه ووعيد لهن فى كيدهن- فرجع الرسول الى الملك من عند يوسف برسالته فدعا الملك النسوة وامراة العزيز.
قالَ لهن ما خَطْبُكُنَّ ما شأنكن والخطب امر يحق ان يخاطب به صاحبه- اما خاطبهن جميعا لانهن راودنه جميعا عن نفسه لهن- او لانهن قلن أطع مولاتك- واما خاطبهن والمراد امراة العزيز فحسب إِذْ راوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ هل وجدتن منه ميلا الى إحداكن قُلْنَ حاشَ لِلَّهِ مر اختلاف القراء فيه فيما سبق- اى تنزيه له تعالى وتعجب من قدرته على خلق عفيف مثله ما عَلِمْنا عَلَيْهِ اى على يوسف مِنْ سُوءٍ من ذنب وخيانة- قيل ان النسوة اقبلن على امراة العزيز فعزرنها- وقيل خافت امراة العزيز ان يشهدن عليها فاقرت على نفسها وقالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ اى ظهر وتبين من حصحص شعره إذا استأصله بحيث يظهر بشرة رأسه- او ثبت واستقر من حصحص البعير إذا القى مباركه ليناخ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (٥١) فى قوله هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي- فلما سمع يوسف ذلك قال.
ذلِكَ الّذي فعلت من رد الرسول الى الملك كان لِيَعْلَمَ العزيز أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ فى زوجته بِالْغَيْبِ اى بظهر الغيب وهو حال من الفاعل او المفعول- اى لم اخنه وانا غائب عنه او هو غائب عنى- او ظرف اى بمكان الغيب وراء الأستار والأبواب المغلقة وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ (٥٢) اى لا ينفذه ولا يسدده بل يظهر الحق ولو بعد حين- او لا يهدى الخائنين بكيدهم- فاوقع الفعل على الكيد مبالغة- وفى هذا القول تعريض بزليخا فى خيانتها زوجها وتأكيد لامانته- ولذلك عقبه بقوله-.
وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي فتح الياء نافع وابو عمرو وابو جعفر- ابو محمّد وأسكنها الباقون- تنبيها على انه لم يرد
170
بذلك تزكية النفس والعجب بحاله- بل اظهار ما أنعم الله عليه من العصمة والتوفيق وترغيب الناس الى الاقتداء به والاقتفاء بآثاره- احرج ابن مردوية من حديث انس مرفوعا انه لما قال يوسف لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ قال له جبرئيل ولا حين هممت- فقال ذلك وذكره البيضاوي عن ابن عباس موقوفا إِنَّ النَّفْسَ يعنى ان النفس الحيواني المنبعث من العناصر الاربعة- الّتي هى مركب للقلب والروح وغيرهما من لطائف عالم الأمر- الّتي مقرها فوق العرش لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ من حيث انها بالطبع مائلة الى الشهوات والرذائل الّتي هى من خصائص العناصر الاربعة- كالغضب والكبر الذين هما مقتضى عنصر النار- والدناءة والخسة مقتضى الأرض- والتلون وقلة الصبر مقتضى الماء- والهزل واللهو مقتضى الهواء إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّي فتح الياء نافع وابو عمرو وأسكنها الباقون يعنى الّا من رحم ربّى فما بمعنى من كما فى قوله تعالى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ فعصمه فلا يطيع نفسه ويجاهدها ولاجل ذلك المجاهدة يدرك افضلية على الملائكة- او المعنى الا وقت رحمة ربى- وما مصدرية يعنى إذا أدرك الإنسان رحمة الرّحمن بالاجتباء او بالانابة الى الأنبياء- فحينئذ يتزكى نفسه بتزكية من الله تعالى قال الله تعالى فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ... بَلِ «١» اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ- وتطمئن بمرضات الله ويخاطب بقوله تعالى ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبادِي الصالحين- وحينئذ يبدل الله سيئاتها حسنات ويجعلها اماما لسائر اللطائف فى الخيرات وتستعد لتجليات الصفات ما لا يستعد لها لطائف عالم الأمر- وقيل الاستثناء منقطع اى لكن رحمة ربى هى الّتي تصرف الاساءة ويبدلها بالاصابة- وقيل الآيتان «٢» حكاية عن قول زليخا والمستثنى نفس يوسف وأمثاله والمعنى ان ذلك الّذي قلت من براءة يوسف ليعلم يوسف أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ اى لم أكذب عليه فى حال الغيبة- وجئت بالصدق فيما سئلت عنه- وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي من الخيانة فانى قد خنسته حين قذفته وقلت ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ وأودعته السجن- تريد الاعتذار مما كان منها بان كل نفس لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ الّا من رحم ربّى
(١) وفى القرآن فى النساء أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ وفى النجم فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى -.
(٢) فى الأصل ايتين-
171
كنفس يوسف وأمثاله- رحمه الله بالعصمة- قرا قالون والبزي بالسّوّ على قلب الهمزة واوا ثم الإدغام فى حال الوصل وتحقيق همزة الّا- وورش وقنبل على أصلهما فى الهمزتين المكسورتين وابو عمرو ايضا على أصله- والباقون على أصولهم إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥٣) يغفر همّ النفس وخطراتها ويرحم من يشاء بالعصمة- او يغفر المستغفر لذنبه المعترف على نفسه ويرحمه ما استغفره واسترحمه-.
وَقالَ الْمَلِكُ لما تبين له عذر يوسف وعرف منزلته من الامانة والعلم ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي اى اجعله خالصا لنفسى- فجاء الرسول يوسف فقال له أجب الملك الان- اخرج عبد الحكم فى فتوح مصر من طريق الكلبي عن ابى صالح عن ابن عباس فاتاه الرسول فقال له الق عنك ثياب السجن والبس ثيابا جددا وقم الى الملك- واخرج ابن ابى شيبة وابن المنذر عن فريد العمى قال لما راى يوسف عزيز مصر قال اللهم انى أسئلك بخيرك من خيره وأعود بعزتك من شره- قال البغوي روى انه قام ودعا لاهل السجن وقال اعطف عليهم قلوب الأخيار ولا تعم عليهم الاخبار- فهم اعلم الناس بالأخبار فى كل بلد- فلما خرج من السجن كتب على باب السجن هذا قبور الاحياء وبيت الأحزان وتجربة الأصدقاء وشماتة الأعداء- وتنظّف من درن السجن ولبس ثيابا حسانا وقصد الملك- قال وهب فلما وقف بباب الملك قال حسبى ربى من دنياى وحسبى ربى من خلقه عز جاره وجل ثناؤه ولا اله غيره- ثم دخل الدار فلما دخل على الملك قال اللهم أسئلك بخيرك من خيره وأعوذ بك من شره وشر غيره- فلما نظر اليه الملك سلم عليه يوسف بالعربية فقال الملك ما هذا اللسان قال لسان عمى إسماعيل عليه السلام- ثم دعا له بالعبرانية فقال ما هذا اللسان قال لسان ابائى ولم يعرف الملك هذين اللسانين قال وهب وكان الملك يتكلم بسبعين لسانا- فكلّما كلم بلسان اجابه يوسف بذلك اللسان وزاد لسان العبرانية والعربية- فاعجب الملك ما راى منه مع حداثة سنه وكان يوسف حينئذ ابن ثلاثين سنة فاجلسه فَلَمَّا كَلَّمَهُ قالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ اى ذو مكانة فى ألحاه والمنزلة أَمِينٌ (٥٤) مؤتمن على كل شيء- قال البغوي روى ان الملك قال له انى أحب ان اسمع رؤياى منك شفاها- فقال يوسف نعم ايها الملك- رايت سبع بقرات شهب غر حسان
كشف لك عنهن النيل- فطلعن عليك من شاطئته لشخب اخلافهن لبنا- فخرج من حماته سبع بقرات عجاف شعث غير مقلّصات البطون ليس لهن ضروع ولا اخلاف- ولهن أنياب واضراس واكف كاكف الكلاب وخراطيم كخراطيم السباع- فافترسن السمان افتراس السباع فاكلن لحومهن ومزقن جلودهن وحطمن عظامهن وتمششن مخهن- فبينا أنت تنظر وتتعجب إذا سبع سنابل خضر وسبع اخر سود فى منبت واحد وعروقهن فى الثرى والماء- فبينا أنت تقول فى نفسك انّى هذا هؤلاء خضر مثمرات وهؤلاء سود يابسات والمنبت واحد وأصولهن فى الماء- إذ هبّت ريح فذرت الأوراق من اليابسات السود على الخضر المثمرات- فاشتعلت فيهن النار فاحرقتهن فصرن سودا- فهذا ما رايت فانتبهت من نومك مذعورا- فقال الملك والله ما شأن هذه الرؤيا (وان كانت عجيبا) بأعجب مما سمعت منك- فما ترى فى رؤياى ايها الصديق فقال يوسف ارى ان تجمع الطعام وتزرع زرعا كثيرا فى هذه السنين المخصبة- وتجعل الطعام فى الخزائن بقصبه وسنبله- ليكون القصب والسنبل علفا للدواب- وتأمر الناس فيرفعون من طعامهم الخمس- فيكفيك من الطعام الّذي جعلته لاهل مصر ومن حولها- ويأتيك الخلق من النواحي للميزة- ويجتمع عندك من الكنوز ما لم «١» يجتمع لاحد قبلك- فقال الملك ومن لى بهذا ومن يجمعه ويبيعه ويكفينى الشغل فيه-.
قالَ يوسف اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ اى خزائن طعام ارض مصر وأموالها إِنِّي حَفِيظٌ للخزائن بما لا يستحقها عَلِيمٌ (٥٥) بوجوه مصالحها- وصف يوسف عليه السلام نفسه بالامانة والكفاية وطلب الولاية- ليتوصل بها الى إمضاء احكام الله واقامة الحق وبسط العدل مما يبعث لاجله الأنبياء الى العباد- لعلمه ان أحدا غيره لا يقوم مقامه فى ذلك- فما كان طلبه الولاية الا لابتغاء وجه الله لا لحب الجاه والدنيا- ومن هذا القبيل اشتغال «٢» الخلفاء الراشدين بامر الخلافة- ومعارضة علىّ رضى الله عنه معاوية فى هذا الأمر- لكونه أحق وأقوى واقدر على نفسه وأقوم على إنفاذ الشرائع- وقال البيضاوي لعل يوسف عليه السلام لمّا راى ان يستعمله الملك فى امر لا محالة اثر ما يعم فوائده ويجل عوائده- وفيه دليل على جواز طلب الولاية والقضاء- واظهار انه مستعد لها
(١) فى الأصل لا يجتمع-
(٢) فى الأصل خلفاء الراشدين
ان كان أمنا على نفسه- وعلى جواز ان يتولى الإنسان عملا من يد سلطان جائر او كافر- إذا علم انه لا سبيل الى اقامة الحق وسياسية الخلق الا بتمكين ذلك الكافر او الجائر- وقد كان السلف من هذه الامة يتولون القضاء من جهة الظلمة- وقيل كان الملك يصدر عن رايه ولا يعترض فى كل ما راى فكان فى حكم التابع له- روى البغوي بسنده عن ابن عباس قال قال رسول الله ﷺ رحم الله أخي يوسف لو لم يقل اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ لاستعمله من ساعته- ولكنه اخر ذلك السنة فاقام فى بيته سنة مع الملك- وبإسناده عن ابن عباس قال لما انصرمت السنة من يوم سال الامارة- دعاه الملك فتوجّه وردّاه بسيفه- ووضع له السرير من ذهب مكلّلا بالدر والياقوت- وضرب عليه كلة من إستبرق- وطول السرير ثلاثون ذراعا وعرضه عشرة اذرع- عليه ثلاثون فراشا وستون مقرمة- ثم امره ان يخرج فخرج متوّجا لونه كالثلج ووجهه كالقمر يرى الناظر وجهه فى صفاء لون وجهه- فانطلق حتّى جلس على السير ودانت له الملوك- ودخل الملك بيته وفوض اليه امر مصر- وعزل قطفير عما كان عليه وجعل يوسف مكانه قاله ابن إسحاق- وقال ابن زيد وكان لملك مصر ريان خزائن كثيرة فسلم سلطانه كله اليه- وجعل امره وقضاءه نافذا- واخرج ابن جرير وابن ابى حاتم عن ابن إسحاق قال ذكروا ان قطفير هلك فى تلك الليالى- فزوج الملك يوسف زليخا امراة قطفير- فلما دخل عليها قال أليس هذا خيرا مما كنت تريدين- فقالت ايها الصديق لا تلمنى فانى كنت امراة كما ترى حسنا وجمالا- ناعمة كما ترى فى ملك ودنيا- وكان صاحبى لا يأتى النساء- وكنت كما جعلك الله فى حسنك وهيئتك- فغلبتنى نفسى على ما رايت- فزعموا انه وجدها يوسف عذراء- فاصابها فولدت له رجلين افرائيم- وميثا- واستوثق ليوسف ملك مصر واقام فيهم وأحبه الرجال والنساء فذلك قوله عز وجل.
وَكَذلِكَ اى مثل ذلك التمكين فى مجلس الملك مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ ارض مصر يَتَبَوَّأُ مِنْها اى ينزل من بلادها حَيْثُ يَشاءُ قرا ابن كثير بالنون على التكلم والباقون بالياء على الغيبة ردّا الى يوسف نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا اى بنعمتنا مَنْ نَشاءُ فى الدنيا
والاخرة وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (٥٦) بل نوفى أجورهم عاجلا وأجلا- قال ابن عباس رضى الله عنهما ووهب يعنى الصابرين- قال مجاهد وغيره فلم يزل يدعو الملك الى الإسلام ويتلطف له حتّى اسلم الملك وكثير من الناس فهذا فى الدنيا.
وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ اى ثوابها خَيْرٌ من نعماء الدنيا لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (٥٧) ولما اطمان يوسف فى ملكه دبّر فى جمع الطعام واحسن التدبير- وبنى الحصون والبيوت الكثيرة وجمع فيها الطعام للسنين المجدبة- وأنفق بالمعروف حتّى خلت السنون المخصبة ودخلت السنون المجدبة بهول لم يعهد مثله- وروى انه كان قد دبر فى طعام الملك وحاشيته كل يوم مرة واحدة نصف النهار- فلما دخلت سنة القحط كان أول من اخذه الجوع هو الملك فى نصف الليل- فنادى يا يوسف الجوع الجوع- قال يوسف هذا أوان القحط- ففى السنة الاولى من سنى الجدب هلك كل شيء أعدوه فى السنين المخصبة- فجعل اهل مصر يبتاعون من يوسف الطعام- فباعهم أول سنة بالنقود حتّى لم يبق بمصر دينار ولا درهم الا قبضه- وباعهم فى السنة الثانية بالحلى والجواهر حتّى لم يبق فى أيد الناس منها شيء- وباعهم فى السنة الثالثة بالمواشي والدواب حتّى احتوى عليها اجمع- وباعهم فى السنة الرابعة بالعبيد والإماء حتّى لم يبق بيد أحد عبد ولا امة- وباعهم فى السنة الخامسة بالضياع والعقار والدور حتّى احتوى عليها- وباعهم فى السنة السادسة باولادهم حتّى استرقهم- وباعهم فى السنة السابعة برقابهم حتّى لم يبق بمصر حر ولا حرة إلا صار عبدا له- (قلت ان صح هذه الرواية لدلت على ان بيع الرجل نفسه وأولاده كان جائزا فى شريعة يوسف عليه السلام- كما كان استرقاق السارق جائزا- وقد افتى بعض العلماء فى القحط ببيع الحر نفسه وولده- ولا اصل لهذا القول فى شريعتنا والله اعلم) فقال الناس ما راينا كاليوم ملكا أجل وأعظم من هذا- ثم قال يوسف للملك كيف رايت صنع ربى فيما خولنى فما ترى- قال الملك الرأى رأيك ونحن لك تبع- قال فانى اشهد الله وأشهدك انى قد اعتقت اهل مصر عن آخرهم- ورددت عليهم املاكهم- وروى ان يوسف عليه السلام كان لا يشبع من الطعام فى تلك الأيام- فقيل له تجوع وبيدك خزائن الأرض- قال أخاف ان
شبعت ان انسى الجائع- وامر يوسف طباخى الملك ان يجعلوا غداه نصف النهار- وأراد بذلك ان يذوق الملك طعم الجوع ولا ينسى الجائعين- فمن ثم جعل الملوك غداهم نصف النهار- قال وقصد الناس مصر من كل أوب يمتارون- فجعل يوسف لا يمكّن أحدا منهم وان كان عظيما اكثر من حمل بعير- تقسيطا بين الناس وتزاحم الناس عليه- وأصاب ارض كنعان وبلاد الشام ما أصاب سائر البلاد من القحط والشدة- ونزل بيعقوب عليه السلام ما نزل بالناس- وكان منزله بالغرمات من ارض فلسطين ثغور الشام وكانوا اهل بادية وابل وشياه فارسل بنيه الى مصر للميرة وقال بلغني ان بمصر ملكا صالحا يبيع الطعام فتجهزوا واذهبوا لتشتروا منه الطعام وامسك عنده بنيامين أخا يوسف شقيقه.
وَجاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ العشرة فَدَخَلُوا عَلَيْهِ اى على يوسف عليه السلام فَعَرَفَهُمْ يوسف قال ابن عباس ومجاهد عرفهم باول ما نظر إليهم- وقال الحسن لم يعرفهم حتّى تعرفوا اليه وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (٥٨) اى لم يعرفوه قال ابن عباس وكان بين ان قذفوه فى البئر وبين ان دخلوا عليه أربعون سنة فلذلك أنكروه- وقال عطاء انما لم يعرفوه لانه كان على سرير الملك وعلى رأسه تاج الملك- وقيل لانه كان بزىّ الملوك عليه ثياب حرير وفى عنقه طوق ذهب- قلت وهذا انما يتصور لو كان لبس الحرير والذهب جائزا فى دين يوسف عليه السلام فلما نظر إليهم يوسف وكلموه بالعبرانية قال أخبروني من أنتم وما أمركم فانى أنكرت شأنكم- قالوا قوم من ارض الشام رعاة أصابنا الجهد فجئنا نمتار الطعام- فقال لعلكم جئتم تنظرون عورة بلادي- قالوا لا والله ما نحن بجواسيس- انما نحن اخوة بنوا اب واحد وهو شيخ صديق يقال له نبى من أنبياء الله عز وجل- قال وكم أنتم قالوا كنا اثنى عشر فذهب أخ لنا- هو أصغرنا الى البرية فهلك فيها- وكان أحبنا الى أبينا- قال فكم أنتم هاهنا قالوا عشرة- قال فاين الاخر- قالوا عند أبينا لانه أخ الّذي هلك من امه فابونا يتسلّى به- قال فمن يعلم ان الّذي تقولون حق وصدق- قالوا ايها الملك اننا ببلاد لا يعرفنا فيها أحد- فحمد يوسف لكل رجل منهم بعيرا بعدتهم وجهز بجهازهم- اى أصلحهم بعدتهم والجهاز ما يعد من الامتعة للنقلة.
وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ قالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ ان كنتم صادقين فانا ارضى
بذلك وأزيدكم حمل بعير لاجل أخيكم وأكرّم منزلتكم أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ اى اتمّه ولا ابخس الناس شيئا وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (٥٩) قال مجاهد اى خير المضيفين وكان قد احسن ضيافتهم.
فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي اى ليس لكم عندى طعام أكيله لكم وَلا تَقْرَبُونِ (٦٠) اى لا تقربونى ولا تدخلوا ديارى- وهو اما نهى واما نفى معطوف على الجزاء.
قالُوا ان أبانا يحزن على فراقه سَنُراوِدُ عَنْهُ أَباهُ اى سنجهد فى طلبه من أبيه ونخادعه عنه وَإِنَّا لَفاعِلُونَ (٦١) ما امرتنا به قال فدعوا بعضكم عندى رهينة حتّى تأتونى بأخيكم فاقترعوا بينهم فاصابت القرعة شمعون وكان أحسنهم رأيا فى يوسف فخلوه عنده.
وَقالَ يوسف لِفِتْيانِهِ كذا قرا حفص وحمزة والكسائي بالألف والنون على جمع الكثرة والباقون فتيته بالتاء من غير الف على وزن جمع القلة وهما لغتان مثل الصبيان والصبية- اى قال لغلمانه الكيّالين اجْعَلُوا بِضاعَتَهُمْ يعنى ثمن طعامهم وكانت دراهم- وقال الضحاك عن ابن عباس كانت النعال والادم وقيل كانت ثمانية جرب من سويق المقل- قال البغوي والاول أصح فِي رِحالِهِمْ اى فى أوعيتهم لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَها اى يعرفون حق ردها وحق التكرم برد البدلين إِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٦٢) الى مصر قيل رد بضاعتهم كرامة وتقدما فى البر والإحسان ليكون ادعى لهم الى العود اى لعلهم يعرفونها اى كرامتهم علينا- وقيل لما راى من اللوم فى أخذ الثمن من أبيه واخوته مع حاجتهم اليه رد عليهم من حيث لا يعلمون تكرما- وقال الكلبي بخوف ان لا يكون عند أبيه من الورق ما يرجعون به مرة اخرى- وقيل جعل ذلك لانه علم ان ديانتهم تحملهم على رد البضاعة نفيا للغلط ولا يستحلون إمساكها-.
فَلَمَّا رَجَعُوا إِلى أَبِيهِمْ قالُوا قدمنا خير رجل أنزلنا وأكرمنا كرامه لو كان رجلا من ال يعقوب ما أكرمنا كرامته- فقال لهم يعقوب عليه السلام إذا أتيتم ملك مصر فاقرءوا منى السلام- وقولوا ان أبانا يصلى عليك ويدعو لك بما أوليتنا- ثم قال اين شمعون قالوا ارتهنه ملك مصر واخبروه بالقصة- فقال لهم ولم اخبرتموه- قالوا انه أخذنا وقال أنتم جواسيس حيث كلمنا بلسان العبرانية- وقصوا عليه القصة وقالوا يا أَبانا مُنِعَ
مِنَّا الْكَيْلُ
اى حكم بمنعه بعد هذا ان لم نذهب ببنيامين كذا قال الحسن- وقيل معناه اعطى باسم كل واحد حملا ومنع منا الكيل لبنيامين- والمراد بالكيل الطعام فَأَرْسِلْ مَعَنا أَخانا بنيامين نَكْتَلْ قرا حمزة والكسائي بالياء على الغيبة اى يكتل بنيامين معنا- وقرا الآخرون بالنون على التكلم اى نكتل نحن وهو الطعام ويذهب المانع- وقيل معناه نكتل له وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (٦٣) على ان يناله مكروه.
قالَ أبوهم هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَما أَمِنْتُكُمْ عَلى أَخِيهِ يوسف مِنْ قَبْلُ هذا اى كيف امنكم عليه وقد قلتم فى يوسف إِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ وفعلتم به ما فعلتم فَاللَّهُ خَيْرٌ منكم ومن كل أحد حافِظاً فاتوكل عليه وأفوض امرى اليه وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (٦٤) فارجو ان يرحمنى بحفظه ولا يجمع علىّ مصيبتين- وانتصاب حفظا على التميز كذا قرا الأكثرون بلفظ المصدر وقرا حفص وحمزة والكسائي حافظا على وزن الفاعل وهو يحتمل الحال والتميز كقولهم لله دره فارسا.
وَلَمَّا فَتَحُوا اى اخوة يوسف مَتاعَهُمْ الّذي حملوه من مصر وَجَدُوا بِضاعَتَهُمْ اى ثمن طعامهم رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قالُوا يا أَبانا ما نَبْغِي اى هل من مزيد على ذلك أكرمنا واحسن مثوانا وباع منا ورد علينا متاعنا- او لا نطلب وراء ذلك إحسانا- او اى شيء نطلب بالكلام فى إحسانه او لا نبغى فى القول ولا نزيد فيما حكينا لك فان من الدليل على صدقنا ما ترى فى العيان او ما نطلب منك بضاعة هذِهِ بِضاعَتُنا رُدَّتْ إِلَيْنا استيناف موضح لقوله ما نبغى وَنَمِيرُ أَهْلَنا معطوف على محذوف ان كانت ما استفهامية- اى ردت إلينا فنستظهر بها ونرجع الى الملك ونمير أهلنا- اى نشترى لهم الطعام فنحمله إليهم- يقال ما راهله يمير ميرا إذا حمل إليهم الطعام من بلد اخر ومثله امتار يمتار امتيارا- ويحتمل ان يكون هذه الجملة مع ما عطف عليه معطوفة على ما نبغى- ان كانت ما نافية اى لا نطلب فيما نقول وَنَمِيرُ أَهْلَنا وَنَحْفَظُ أَخانا عن المخاوف فى الذهاب والمجيء وَنَزْدادُ كَيْلَ بَعِيرٍ اى نزيد حمل بعير على احمالنا يكال لنا من اجله فانه كان يعطى بعدة كل رجل حمل بعير ذلِكَ اى ما حملناه كَيْلٌ يَسِيرٌ (٦٥) قليل لا يكفينا وأهلنا او سهل على الملك لسخائه-.
قالَ لهم يعقوب لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ إذ رايت منكم ما رايت حَتَّى تُؤْتُونِ قرا ابن كثير تؤتونى بإثبات الياء وصلا ووقفا- وابو عمرو أثبتها وصلا فقط
والباقون يحذفونها فى الحالين- اى تعطونى مَوْثِقاً مِنَ اللَّهِ اى عهدا مؤكدا باليمين بالله او باشهاد الله على نفسه اتوثق به لَتَأْتُنَّنِي بِهِ جواب القسم إذ المعنى حتّى تحلفوا بالله لتأتنّنى به إِلَّا أَنْ يُحاطَ بِكُمْ قال مجاهد يعنى الا ان تهلكوا جميعا- وقال قتادة الا ان تغلبوا حتّى لا تطيقوا ذلك- وهو استثناء مفرغ من أعم الأحوال اى لتأتنّنى به على كل حال إلا حال الإحاطة بكم- او من أعم العلل على قوله لتأتنّنى به فى تأويل النفي اى لا تمنعون من الإتيان به لشيء الا للاحاطة بكم- كقوله أقسمت بالله الا فعلت اى ما اطلب الا فعلك فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ اى عهدهم قيل حلفوا بالله رب محمّد وجهدوا أشد الجهد حتّى لم يجد يعقوب بدا من إرسال بنيامين معهم قالَ يعقوب اللَّهُ عَلى ما نَقُولُ من طلب المواثيق وإتيانه وَكِيلٌ (٦٦) شاهد وقيل حافظ- قال كعب لما قال يعقوب فَاللَّهُ خَيْرٌ حافِظاً قال الله عز وجل وعزتى لاردن عليك كليهما «١» بعد ما توكلت علىّ.
وَقالَ يعقوب لما أراد بنوه الخروج من عنده يا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوابٍ مُتَفَرِّقَةٍ لانهم كانوا ذوى جمال وابهة وقوة وامتداد قامة مشتهرين فى المصر بالقربة والكرامة عند الملك- فخاف عليهم العين وقد ورد فى الحديث العين حق وقد ذكرنا ما ورد فى ذلك فى سورة نون فى تفسير قوله تعالى وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ الاية- ولعله لم يوصهم بذلك فى الكرة الاولى لانهم كانوا مجهولين حينئذ وكان الداعي اليه خوفه على بنيامين- وعن ابراهيم النخعي انه قال ذلك لانه كان يرجو ان يروا يوسف فى التفرق والاول أصح وَما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ مما قضى عليكم فان المقدر كائن عن عائشة قالت قال رسول الله ﷺ لا يغنى حذر عن قدر- رواه الحاكم ورواه احمد من حديث معاذ بن جبل ورواه البزار من حديث ابى هريرة إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يصيبكم لا محالة ان قضى عليكم سوءا ولا ينفعكم شيء فوض يعقوب امره الى الله تعالى وقال عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ اعتمدت وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (٦٧) جمع بين حرفى العطف فى عطف الجملة على الجملة- لتقدم الصلة للاختصاص- كانّ الواو للعطف والفاء لافادة السببية فان فعل الأنبياء سبب
(١) فى الأصل كلاهما.
لان يقتدى بهم غيرهم-.
وَلَمَّا دَخَلُوا مصر مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ اى من أبواب متفرقة قيل كانت أبواب المدينة اربعة فدخلوا من ابوابها ما كانَ يُغْنِي اى يدفع عَنْهُمْ رأى يعقوب واتّباعهم له مِنَ اللَّهِ اى من قضائه مِنْ شَيْءٍ اى شيئا مما قضى الله عليهم او شيئا من الإغناء حتّى أخذ بنيامين وتضاعفت المصيبة على يعقوب صدّق الله يعقوب فيما قال إِلَّا حاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ استثناء منقطع اى ولكن حاجة فى نفسه يعنى شفقته عليهم من ان يعاينوا قَضاها اى أظهرها فوصى بها وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِما عَلَّمْناهُ بالوحى او نصب الحجج ولذلك قال وَما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ- او لتعليمنا إياه- وقيل معناه انه لعامل بما علم- قال سفيان من لا يعمل بما يعلم لا يكون عالما- قيل انه لذو حفظ لما علمناه وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٦٨) ما يعلم يعقوب اولا يعلمون القدر وانه لا يغنى عن الحذر او لا يعلمون الهام الله لاوليائه-.
وَلَمَّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ قالوا أخونا الّذي امرتنا ان نأتيك به قد جئناك به فقال أحسنتم وأصبتم وستجدون جزاء ذلك عندى- ثم أنزلهم فاكرم منزلهم- ثم أضافهم فاجلس كل اثنين منهم على مائدة- فبقى بنيامين وحيدا- فبكى وقال لو كان أخي يوسف حيّا لاجلسنى معه- فقال يوسف لقد بقي أخوكم هذا وحيدا فاجلسه مع نفسه على مائدته فجعل يواكله- فلما كان الليل امر لهم بمثل وقال ليم كل أخوين منكم على مثال فبقى بنيامين وحده فقال يوسف عليه السلام هذا ينام معى على فراشى- فبات معه فجعل يوسف يضمه اليه ويشم ريحه حتّى أصبح- وجعل روبيل يقول ما راينا مثل هذا- فلما أصبح قال لهم انى ارى هذا الرجل ليس معه ثان فما ضمّه الىّ فيكون منزله معى- ثم أنزلهم منزلا واجرى عليهم الطعام وآوى إِلَيْهِ اى ضم الى نفسه أَخاهُ لامه بنيامين وأنزله معه- فلما خلا به قال ما اسمك قال بنيامين قال ما بنيامين قال ابن المثكل (وذلك انه لما ولد هلكت امه) قال وما اسم أمك قال راحيل بنت لاوى- قال فهل لك من ولد قال نعم عشرة- قال أتحب ان أكون أخاك بدل أخيك الهالك- قال بنيامين ومن يجد أخا
مثلك ايها الملك ولكن لم يلدك يعقوب ولا راحيل- قال فبكى يوسف وقام اليه وعانقه وقالَ له إِنِّي فتح الياء نافع وابن كثير وابو عمرو وأسكنها الباقون أَنَا أَخُوكَ يوسف فَلا تَبْتَئِسْ اى لا تحزن بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (٦٩) اى بشيء فعلوه بنا فيما مضى فان الله قد احسن إلينا- ولا تعلّمهم شيئا مما أعلمتك- ثم اوفى يوسف لاخوته الكيل وحمل لهم بعيرا بعيرا- ولبنيامين بعيرا باسمه.
فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ جَعَلَ السِّقايَةَ اى المشربة الّتي كان الملك يشرب منها- يعنى امر غلمانه بجعلها- قال ابن عباس كانت من زبرجد- وقال ابن إسحاق كانت من فضة- وقيل من ذهب- وقال عكرمة من فضة مرصعة بالجواهر- جعلها يوسف مكيا لا لعزة الطعام لئلا يكال بغيرها- وكان يشرب فيها والسقاية والصواع واحد- جعلت فى وعاء طعام بنيامين قال السدى جَعَلَ السِّقايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ والأخ لا يشعر- وقال كعب لما قال له يوسف إِنِّي أَنَا أَخُوكَ قال انا لا أفارقك- فقال يوسف قد علمت اغتمام والدي بي- وإذا حبستك ازداد غمه ولا يمكننى هذا الا بعد ان أشهرك بامر فظيع وانسبك الى ما لا يحمد- قال لا أبالي فافعل ما بدا لك فانى لا أفارقك- قال فانى أدس صاعى فى رحلك ثم أنادي عليك بالسرقة ليتهيا لى ردك بعد تسريحك- قال فافعل ففعل ما ذكر ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ اى نادى مناد- وكلمة ثم تدل على التراخي وذلك انهم ارتحلوا وامهلهم يوسف حتّى انطلقوا وذهبوا منزلا- وقيل حتّى خرجوا من العمارة- ثم بعث خلفهم فادركهم ثم مال أَيَّتُهَا الْعِيرُ وهى الإبل الّتي عليها الأحمال لانها تعير اى تردد تذهب وتجيء- فقيل لاصحاب العير مجازا كما قال رسول الله ﷺ يا خيل الله اركبي- كذا روى ابو داود من حديث سمرة بن جندب- وقيل هى جمع عيرو أصلها فعل بضم الفاء كسقف ثم فعل به ما فعل ببيض- ثم تجوز به لقافلة الحمير- ثم استعير لكل قافلة قال مجاهد كانت العير حميرا- وقال الفراء كانوا اصحاب ابل إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ (٧٠) قيل قالوه من غير امر يوسف- وقيل قالوه بامره هفوة منه- وقيل قالوه على تأويل انهم سرقوا يوسف من أبيه- والصحيح عندى انه قال ذلك بامر الله تعالى والله تعالى لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ
يُسْئَلُونَ
- والحكمة فى ذلك ابتلاء يعقوب عليه السلام كما سنذكر فيما بعد-.
قالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ ماذا تَفْقِدُونَ (٧١) اى اىّ شيء ضاع عنكم والفقد غيبة الشيء عن الحسّ بحيث لا يعرف مكانه.
قالُوا اى قال رسول الملك ومن معه نَفْقِدُ صُواعَ الْمَلِكِ ولم نتهم عليها غيركم وَلِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ من الطعام جعلا له وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ (٧٢) كفيل أوميه الى من رده- وفيه دليل على جواز الجعالة وجواز الكفالة- وكفالة الجعل قبل تمام العمل.
قالُوا تَاللَّهِ قسم فيه معنى التعجب لَقَدْ عَلِمْتُمْ ما جِئْنا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ اى لنسرق فى ارض مصر وَما كُنَّا سارِقِينَ (٧٣) استشهدوا بعلمهم على براءة أنفسهم لما عرفوا فى كرتى مجيئهم ما يدل على فرط أمانتهم- كردّ البضاعة الّتي جعلت فى رحالهم- وكعم أفواه دوابهم لئلا يتناول حروث الناس.
قالُوا اى المنادى ومن معه فَما جَزاؤُهُ اى السارق او السرق او الصواع على حذف المضاف إِنْ كُنْتُمْ كاذِبِينَ (٧٤) فى ادعاء البراءة.
قالُوا اى اخوة يوسف جَزاؤُهُ اى جزاء سرقته مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ اى اخذه واسترقاقه هكذا كان فى شريعة يعقوب فَهُوَ جَزاؤُهُ تقرير للحكم السابق او خبر من والفاء لتضمنها معنى الشرط- او جواب لها على انها شرطية- والجملة خبر جزاؤه على اقامة الظاهر مقام الضمير كانه قيل جزاؤه من وجد فى رحله فهو هو كذلك نجزى الظالمين بالسرقة فى تلك الشريعة- كان فى شرع يعقوب ان يسلّم السارق لسرقته المسروق منه فيسارقه فقال الرسول عند ذلك لا بد من تفتيش أمتعتكم فاخذ فى تفتيضها- وروى انه ردهم الى يوسف قامر بتفتيش أوعيتهم بين يديه-.
فَبَدَأَ المنادى او يوسف بِأَوْعِيَتِهِمْ لازالة التهمة واحدا واحدا قَبْلَ وِعاءِ أَخِيهِ بنيامين- قال قتادة وذكر لنا انه كان لا يفتح متاعا ولا ينظر فى وعاء الا استغفر الله تأثّما فيما قذفهم به- حتّى إذا لم يبق إلا رحل بنيامين قال ما أظن ان هذا اخذه فقالت اخوته والله لا نترك حتّى تنظر فى رحله فانه أطيب لنفسك ولا نفسنا
182
ثُمَّ لما فتح رحل بنيامين اسْتَخْرَجَها اى السقاية او الصواع لانه يذكر ويؤنث مِنْ وِعاءِ أَخِيهِ بنيامين- فلما استخرج الصواع من رحله نكس اخوته رءوسهم من الحياء واقبلوا على بنيامين- وقالوا ايش الّذي صنعت فضحتنا وسوّدتّ وجوهنا- يا بنى راحيل ما يزال لنا منكم بلاء متى أخذت هذا الصواع- قال بنيامين بل بنوا راحيل لا يزال لهم منكم بلاء- ذهبتم بأخي فاهلكتموه فى البرية- ووضع هذا الصواع فى رحلى الّذي وضع البضاعة فى رحالكم- قال وأخذ بنيامين رقيقا وقيل ان ذلك الرجل اخذه برقبته ورده الى يوسف كما يردّ السراق كَذلِكَ محله النصب اى مثل ذلك الكيد كِدْنا لِيُوسُفَ بان علّمناه إياه وأوحينا به اليه- ومن هاهنا يعلم ان قول المنادى إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ وما تبعه كان بامر يوسف- وكان بايحاء الله اليه- فلا معصية فى ذلك- قال البغوي الكيد هاهنا جزاء الكيد- يعنى كما فعلوا فى الابتداء بيوسف من الكيد فعلنا بهم- وقد قال يعقوب ليوسف عليهما السلام فيكيدوا لك كيدا- فكدنا ليوسف فى أمرهم- وقال الكيد من الخلق الحيلة ومن الله التدبير بالحق- يعنى صنعنا ذلك ليوسف حتّى أخذ أخاه وضم الى نفسه وحال بينه وبين اخوته ما كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ ويضمه الى نفسه فِي دِينِ الْمَلِكِ قال ابن عباس فى سلطانه وقال قتادة فى حكمه حيث كان حكم الملك ودينه ان يضرب السارق ويغرم ضعفى قيمة المسروق إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ ان يجعل ذلك الحكم حكم الملك فالاستثناء من أعم الأحوال- ويجوز ان تكون منقطعا اى لكن أخذ بمشية الله واذنه ولطفه حيث وجد السبيل الى ذلك بان رد يوسف الحكم الى اخوته واجرى الله على ألسنتهم ان جزاء السارق الاسترقاق فحصل مراد يوسف بمشية الله تعالى نَرْفَعُ دَرَجاتٍ قرا الكوفيون بالتنوين على التميز من النسبة والباقون بالاضافة مَنْ نَشاءُ بالعلم كما رفعنا درجة يوسف على اخوته- قرا يعقوب يرفع ويشاء بالياء فيهما على الغيبة وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ من الخلق عَلِيمٌ (٧٦) وهو الله تعالى إذ معنى العليم لغة الّذي له العلم البالغ- او المعنى فَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ من الخلق عليم منهم وان كان التفوّق من وجه دون وجه- كما قال خضر لموسى عليهما السلام يا موسى
183
انى على علم من علم الله علّمنيه الله لا تعلمه- وأنت على علم من علم الله لا اعلمه- رواه البخاري وغيره فى حديث طويل فى قصة موسى وخضر عن النبي صلى الله عليه وسلم- وقال رسول الله ﷺ أنتم اعلم بامور دنياكم- ولا يجوز كون معنى الاية وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ من الخلق عليم منهم تفوقا من كل وجه والا يلزم التسلسل- وقال ابن عباس فوق كل عالم عالم الى ان ينتهى العلم الى الله تعالى فالله فوق كل عالم-.
قالُوا اى اخوة يوسف إِنْ يَسْرِقْ بنيامين فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ من امه يعنون يوسف عليه السلام مِنْ قَبْلُ هذا- قال سعيد بن جبير وقتادة كان لجده ابى امه صنم يعبده- فاخذه سرّا وكسره وألقاه فى الطريق لئلا يعبده- كذا اخرج ابن مردوية عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم- واخرج ايضا ابن جرير وابن المنذر وابن ابى حاتم وابو الشيخ عن سعيد بن جبير نحوه- وقال البغوي قال مجاهد ان يوسف جاءه سائل يوما فاخذ بيضة من البيت فناولها السائل- وقال سفيان بن عيينة أخذ دجاجة من الطير الّتي كانت فى بيت يعقوب فاعطاها السائل- وقال وهب كان يخبا الطعام من المائدة للفقراء- قلت ولما كان يوسف من اهل بيت الكرم وكان يعقوب عليه السلام راضيا بإعطاء السائلين فلا بأس فى هذا الاخذ والإعطاء وانما سماه الاخوة سرقة حسدا عليه واخرج محمّد بن إسحاق عن مجاهد ان يوسف كان عند عمته ابنة إسحاق بعد موت امه راحيل- فحضنته عمته وأحبته حبّا شديدا- فلما ترعرع وقعت محبة يعقوب عليه السلام عليه- فاتاها وقال يا أختاه سلّمى الىّ يوسف فو الله ما اقدر على ان يغيب عنى ساعة واحدة- قالت لا قال فو الله ما انا بتاركه- فقالت دعه عندى أياما انظر اليه لعل يسلّينى عنه- ففعل ذلك فعمدت الى منطقة إسحاق كانوا يتوارثونها بالكبر فكانت عندها لانها كانت اكبر ولد إسحاق- فشدت المنطقة على يوسف تحت ثيابه وهو صغير ثم قالت لقد فقدتّ منطقة إسحاق اكشفوا اهل البيت فكشفوا فوجدوها مع يوسف- فقالت والله انه لسلم لى فقال يعقوب ان كان فعل ذلك فهو سلم لك- فامسكته حتّى ماتت فذلك الّذي قال اخوة يوسف إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّها اى مقالتهم انه سرق كانه لم يسمعها او نسبتهم
السرقة اليه يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِها لَهُمْ اى لم يظهرها انه سمع ذلك وقيل انها كناية بشريطة التفسير يفسرها قوله قالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً فانه بدل من فَأَسَرَّها يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ- والمعنى قال فى نفسه أنتم شر مكانا اى منزلة من يوسف لسرقتكم أخاكم- او فى سوء الصنيع مما نسبتم اليه وتأنيثها باعتبار الكلمة او الجملة قال البيضاوي وفيه نظر إذ المفسر بالجملة لا يكون الا ضمير الشأن وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما تَصِفُونَ (٧٧) يعنى هو اعلم ان الأمر ليس كما تصفونه- فلما أخذ يوسف أخاه غضبوا غضبا شديدا- وكان بنوا يعقوب إذا غضبوا لم يطاقوا- وكان روبيل إذا غضب لم يقم لغضبه شيء وإذا صاح القت كل امراة حامل سمعت صوته ولدا- وكان مع هذا إذا مسّه أحد من ولد يعقوب سكن غضبه- وقيل كان هذه صفة شمعون من ولد يعقوب- وروى انه قال لاخوته كم عدد الأسواق بمصر- قالوا عشرة فقال اكفوني أنتم الأسواق وانا أكفيكم الملك او اكفوني أنتم الملك وانا أكفيكم الأسواق- فدخلوا على يوسف فقال روبيل لتردّنّ علينا أخانا اولا صيحنّ صيحة لا تبقى بمصر امراة حامل الا القت ولدها- وقامت كل شعرة فى جسد روبيل فخرجت من ثيابه- فقال يوسف لابن له صغير قم الى جنب روبيل فمسه- ويروى خذ بيده فأتنى به- فذهب الغلام فمسه فسكن غضبه فقال روبيل ان هاهنا لبذرا من بذر يعقوب فقال يوسف من يعقوب- وروى انه غضب ثانيا فقام اليه يوسف فركضه برجله وأخذ بتلابيبه فوقع على الأرض- وقال أنتم معشر العبرانيين تظنون ان لا أشد منكم ولما صار أمرهم الى هذا وراوا ان لا سبيل لهم الى تخليصه خضعوا وذلّوا و.
قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فى السن او القدر يحبّه كثيرا- وهو ثكلان على أخيه الهالك يستأنس به- ذكروا له حال أبيهم استعطافا له عليه فَخُذْ أَحَدَنا مَكانَهُ بدله إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٧٨) فى افعالك فلا تغير فى عادتك- او من المحسنين إلينا فى توفية الكيل وحسن الضيافة ورد البضاعة فاتمم إحسانك.
قالَ يوسف مَعاذَ اللَّهِ اى أعوذ بالله معاذا أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ فانّ أخذ غيره ظلم على فتواكم-
ولم يقل الا من سرق تحرزا من الكذب إِنَّا إِذاً لَظالِمُونَ (٧٩) يعنى لو اخذتكم مكانه إذا كنا من الظالمين فى مذهبكم- ومراده ان الله اذن فى أخذ من وجد الصواع فى رحله لمصلحة ولرضائه عليه فلو أخذت غيره لكنت ظالما-.
فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ قرا البزي فلمّا استيأسوا- ولا تيأسوا من روح الله- انّه لا يايس- وحتّى إذا استيأس الرّسل وفى الرعد أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا بالألف موضع الفاء وفتح الياء موضع العين من غيرهم فى الخمسة- والباقون بالهمزة واسكان الياء من غير الف فى اللفظ- وإذا وقف حمزة القى حركة الهمزة على الياء على أصله- يعنى لما يئسوا من يوسف ان يجيبهم الى ما سالوا- وزيادة السين والتاء للمبالغة- وقال ابو عبيدة استيئسوا استيقنوا ان الأخ لا يرد إليهم خَلَصُوا اى انفردوا واعتزلوا نَجِيًّا اى متناجين وانما وحده لانه مصدر او برتبته كما يقال هم صديق وجمعه انجية كندى واندية قالَ كَبِيرُهُمْ فى الفضل والعلم لا فى السن وهو يهودا كذا قال ابن عباس والكلبي- وقيل كبيرهم فى السن وهو روبيل وهو الّذي نهى الاخوة عن قتل يوسف- كذا قال قتادة والسّدىّ والضحاك- وقال مجاهد وهو شمعون وكانت له رياسة على الاخوة أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَباكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقاً عهدا وثيقا مِنَ اللَّهِ جعلوا حلفهم بالله موثقا منه لانه بإذن منه وتأكيد من جهته وَمِنْ قَبْلُ هذا ما فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ اى قصرتم فى شأنه- وما مزيدة ويجوز ان تكون مصدرية فى محل النصب بالعطف على مفعول تعلموا- ولا بأس بالفصل بين العاطف والمعطوف بالظرف- او على اسم انّ وخبره فِي يُوسُفَ او مِنْ قَبْلُ- او الرفع بالابتداء والخبر من قبل- قال البيضاوي فيه نظر لان قبل إذا كان خبرا او صلة لا تقطع عن الاضافة حتّى لا ينقض وان تكون موصولة اى ما فرطتموه بمعنى ما قدمتموه فى حقه من الخيانة- ومحله الرفع او النصب كما تقدم فى المصدرية فَلَنْ أَبْرَحَ اى لن أفارق الْأَرْضَ اى ارض مصر حَتَّى يَأْذَنَ لِي فتح الياء نافع وابو عمرو وأسكنها الباقون أَبِي فتح الياء نافع وابن كثير وابو عمرو وأسكنها الباقون- يعنى يأذن لى أبيّ فى الرجوع
أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي على لسان يعقوب عليه السلام بالخروج منها وترك أخي او بالموت او بخلاص أخي منهم او بالمقاتلة معهم لتخليصه وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ (٨٠) لا يكون حكمه الا بالحق ارْجِعُوا إِلى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يا أَبانا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ على ما شاهدنا من ظاهر الأمر- وقرا ابن عباس والضحاك سرّق على البناء للمفعول من التفعيل يعنى نسب الى السرقة كما يقال خوّنته اى نسبته الى الخيانة.
وَما شَهِدْنا عليه بالسرقة إِلَّا بِما عَلِمْنا اى بسبب ما تيقنّا وراينا ان الصواع استخرج من وعائه- وقيل معناه ما شهدنا قطّ على شيء الا بما علمنا وليست هذه شهادة منا انما هو خبر عن صنيع ابنك بزعمهم- وقيل قال لهم يعقوب ما يدرى هذا الرجل ان السارق يسترقّ بسرقته الا بقولكم فقالوا ما شهدنا عند يوسف ان السارق يسترقّ الا بما علمنا وكان الحكم ذلك عند الأنبياء يعقوب وبنيه وَما كُنَّا لِلْغَيْبِ اى لباطن الحال حافِظِينَ (٨١) عن ابن عباس يعنى ما كنا لليله ونهاره ومجيئه وذهابه حافظين فلعلّها دسّت بالليل فى رحله- وقال مجاهد وقتادة ما كنا نعلم حين أعطيناك الموثق ان ابنك سيسترق- ويصير أمرنا الى هذا وانك تصاب كما أصبت بيوسف وانما قلنا ونحفظ أخانا مما لنا الى حفظه منه سبيل.
وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها يعنون مصر وقال ابن عباس هى قرية من قرى مصر لحقهم المنادى فيها وارتحلوا منها الى مصر وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها اى القافلة الّتي كنا فيها- وكان صحبهم قوم من كنعان من جيران يعقوب عليه السلام- قال ابن إسحاق عرف الأخ المحتبس بمصران اخوته كانوا متهمين عند أبيهم لما صنعوا فى امر يوسف فامرهم ان يقولوا هذا لابيهم وَإِنَّا لَصادِقُونَ (٨٢) فان قيل قال البغوي كيف استجاز يوسف ان يعمل مثل هذا بابيه- ولم يخبره بمكانه- وحبس أخاه مع علمه بشدة وجد أبيه- ففيه معنى العقوق وقطيعة الرحم وقلة الشفقة قلنا اكثر الناس فيه والصحيح انه عمل ذلك بامر الله تعالى امره ليزيد فى بلاء يعقوب فيضاعف له الاجر- ويلحقه فى درجة ابائه الكرام- وقيل انه لم يظهر نفسه له ولاخوته لانه لم يأمن من ان يتدبروا فى امره تدبيرا فيكتموه عن أبيه والاول أصح قلت بل هو الصحيح لا غير-
فرجع اخوة يوسف غير كبيرهم الى أبيهم وذكروا لابيهم ما قال كبيرهم.
قالَ يعقوب ليس الأمر كما قلتم بَلْ سَوَّلَتْ اى زيّنت وسهلت لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً أردتموه فقدرتموه فما أدرى الملك ان السارق يؤخذ بسرقته انما أردتم فى حمل أخيكم الى مصر طلب نفع عاجل فَصَبْرٌ جَمِيلٌ فامرى صبر جميل او فصبرى صبر جميل لا شكوى فيه الى الناس عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً يعنى يوسف وبنيامين وأخاهم المقيم بمصر إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ بحالي وحالهم الْحَكِيمُ (٨٣) فى تدبير خلقه الّذي لم يبتلينى الا لحكمته- ولما بلغه خبر بنيامين تتام حزنه وبلغ جهده وهيج حزنه على يوسف اعرض.
وَتَوَلَّى عَنْهُمْ كراهة لما صادف منهم ذلك وَقالَ يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ اى يا أسفي تعال فهذا او انك- والأسف أشد الحزن والحسرة- والالف بدل من ياء المتكلم- روى عبد الرزاق وابن جرير موقوفا عن سعيد بن جبير انه قال لم يعط امة من الأمم إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ عند المصيبة الا امة محمّد صلى الله عليه وسلم- الا ترى الى يعقوب حين أصابه ما أصاب لم يسترجع وقال يا أسفى- وكذا روى البيهقي فى شعب الايمان وقال وقد رفع الضعفاء هذا الحديث الى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم- وأخرجه الثعلبي من طريق سعيد بن جبير مرفوعا الا قوله الا ترى الى يعقوب وَابْيَضَّتْ عَيْناهُ لكثرة بكائه مِنَ الْحُزْنِ محق سوادهما بكثرة البكاء فعمى بصره- قال مقاتل لم يبصر بهما ست سنين وقيل ضعف بصره فَهُوَ كَظِيمٌ (٨٤) الكظم مخرج النفس يقال أخذ بكظمه والكظوم احتباس النفس ويعبر به عن السكوت فالكظيم محتبس النفس يعنى الساكت فهو بمعنى الفاعل والمعنى كاظم غيظه وحزنه فمسك عليه لا يبث حزنه فى الناس ومنه كظم البعير إذا ترك الاجترار وحبس ما أكل فى بطنه وكظم السقاء شده بعد ملئه وقد يطلق الكظيم على المملو نظرا الى ان المملو يشد فمه ويحبس ما فيه- فهو على هذا جاز ان يكون بمعنى المفعول اى المكظوم المملو من الغيظ- قال قتادة معناه تردد حزنه فى جوفه ولم يقل الا خيرا- قال الحسن كان بين خروج يوسف من حجر أبيه الى يوم التلقي معه ثمانون عاما لا تجف عينا يعقوب وما على وجه الأرض يومئذ أكرم على الله منه- وهاهنا إشكال قوى على قاعدة التصوف- حيث قالوا ان الصوفي بعد فناء قلبه لا يشتغل
188
قلبه بغير الله سبحانه ولا يسع فيه محبة أحد من الخلائق- فما بال يعقوب عليه السلام وهو من الأنبياء الكبار والمصطفين الأخيار اولى الأيدي والابصار- قد شغفه حب يوسف عليه السلام الكريم حتّى ابيضت عيناه من البكاء عليه وهو كظيم- وما قيل ان العالم بأسرها مجال ومرايا لله سبحانه- فاشتغال قلبه بيوسف اشتغال به تعالى على الحقيقة- فذلك قول فى غلبة التوحيد لاهل الابتداء او التوسط ويستنكف عنه اهل الانتهاء فكيف الأنبياء عليهم السلام- ولو كان كذلك فلا وجه حينئذ لتخصيص تعلق الحب بيوسف عليه السلام دون غيره- والجواب عن الاشكال ان هذا مختص بالنشأة الدنيوية يعنى لا يمكن اشتغال قلب الصوفي بعد الفناء بشيء من الأشياء الدنيوية واما الأشياء الاخروية فليس هذا شأنها- فان النبي ﷺ قال الدنيا ملعونة وملعون ما فيها الا ذكر الله وما والاه وعالما ومتعلما- رواه ابن ماجة عن ابى هريرة والطبراني عن ابن مسعود بسند صحيح والبزار عن ابن مسعود نحوه والطبراني بسند صحيح عن ابى الدرداء- بخلاف الاخرة فانها مرضية لله تعالى وتعلق القلب بها مرضى لله تعالى قال الله تعالى وَاذْكُرْ عِبادَنا إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصارِ- يعنى اولى القوة فى طاعة الله والبصارة فى معرفة الله تعالى وأحكامه- إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ- اى جعلناهم خالصين بخصلة خالصة لا شوب فيها هى ذكر الدار الاخرة- قال مالك بن دينار نزعنا من قلوبهم حب الدنيا وذكرها وأخلصناهم بحب الاخرة وذكرها- وجعلنا الاخرة مطمح نظرهم فيما يأتون ويذرون- واطلاق الدار على الاخرة للاشعار بانها الدار على الحقيقة والدنيا معبر- هذه الاية صريح فى ان الاخرة مرضية لله تعالى وحبها وما فيها موجب للمدح- وقال رسول الله ﷺ قيل لى يعنى فى المنام سيد بنى دارا وصنع مأدبة وأرسل داعيا- فمن أجاب الداعي دخل الدار وأكل من المأدبة ورضى عنه السيد- ومن لم يجب الداعي لم يدخل الدار ولم يأكل من المأدبة وسخط عليه السيد- قال فالله السيد ومحمّد داعى والدار الإسلام والمأدبة الجنة- رواه الدارمي عن ربيعة الجرشى- وهذا غاية معرفة الأكملين لم يطلع عليها المتوسطون «١» فضلا عن اهل الابتداء والعوام- ولو كانت رابعة البصرية مطلعة على ذلك لما قالت أريد ان احرق الجنة كيلا يعبد الناس الله تعالى لاجلها- الم تسمع قوله تعالى مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ
(١) فى الأصل المتوسطين-
189
يعنى وقت لقائه الاخرة ومحل لقائه الجنة- وقوله ﷺ الجنة طيبة التربة عذبة الماء وانها قيعان وان غراسها هذه يعنى سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر- رواه الترمذي عن ابن مسعود وروى الشيخان فى الصحيحين والحاكم والطبراني بلفظ يغرس لك بكل واحد شجرة فى الجنة- قال سيدى وامامى المجدد للالف الثاني رضى الله عنه المعنى التنزيهي لبس «١» فى دار الدنيا كسوة الحروف والكلمات- وسيلبس فى الجنة كسوة الأشجار والثمرات- فتعلق الحب بها كانه تعلق بالتنزيهات وقس على هذا- وقال رضى الله عنه عندى ان جنة كل واحد عبارة عن ظهور اسم من اسماء الله تعالى الّذي هو مبدأ لتعيّنه- وان ذلك الاسم سيظهر لذلك الشخص بصورة الأشجار والأنهار والحور والقصور والولدان- فتفاوت الجنات للاشخاص على حسب تفاوت الأسماء والصفات من حيث الجامعية وعدمها- وباعتبار قربه من الذات وغير ذلك- وتلك الأشجار ونحوها قد تكون على هيئة الاجرام الزجاجية- فتصير وسيلة لرؤية الذات الغير المتكيفة- ثم تعود كما كانت وهكذا الى ابد الآبدين- فان قيل ان الممكن فى نفسه ليس وعدم ومقتض للشر والنقص- وما فيه من الحسن والجمال والخير والكمال مستعار من الواجب- والمحبة واشتغال القلب انما يتعلق بالحسن والجمال وذلك مستعار فى كل ممكن من الواجب تعالى- فما وجه الفرق بين الأشياء الدنيوية والاخروية وجواز تعلق الحب بإحداهما دون الاخرى- قلنا العالم بأسرها مجال ومظاهر لاسمائه وصفاته وصفاته تعالى ممكنة فى حد ذواتها واجبة بغيرها اى بذات الله تعالى لاحتياجها الى الذات- لكن لا يطلق لفظ الإمكان والوجوب بالغير لئلا يوهم حدوثها وانفكاكها عن الذات- ولما كانت الصفات ممكنة فى حد ذاتها وان كان انعدامها مستحيلا بغيرها- ففيها رائحة الإمكان والعدم- ولاجل ذلك تنكشف الصفات عند الصوفي ذو وجهتين وجهة جانب الوجود المستفاد من مرتبة الذات ووجهة جانب احتمال العدم نظرا الى إمكانها فى ذاتها- فوجهة وجودها حسن وجميل لا محالة- ووجهة عدمها ايضا لا يخلو عن حسن وجمال بمجاورة وجهة الوجود وان كان ذلك الحسن فى مرتبة الوهم فليعلم انه يظهر فى نظر الكشفى ان صفاته تعالى تجلت فى الأشياء الدنيوية بوجهتها الّتي الى الاعدام- فهى من هذه الحيثية مربيات للاشياء الدنيوية- وتجلت فى الأشياء الاخروية
(١) فى الأصل لبست
190
بوجهتها الّتي الى الوجود- وبهذه الحيثية مربيات للاشياء الاخروية- ولذلك صارت الاخرى مرضية لله تعالى مقبولة- وصار تعلق القلب بتلك الأشياء كتعلقه بصاحبها- فالكاملون فى محبة الله تعالى هم الكاملون فى محبة الدار الاخرة- وهذا وجه الفرق بين الأشياء الدنيوية والاخروية وجواز تعلق الحب بإحداهما دون الاخرى- إذا تمهد هذا فنقول ظهر بالنظر الصريح والكشف الصحيح للمجدد للالف الثاني رضى الله عنه ان وجود يوسف عليه السلام وجماله وان كان مخلوقا فى الدار الدنيا لكنه كان على خلاف سائر الأشياء الموجودة فيها- من جنس الموجودات الاخروية وربّتها صفات الله تعالى بوجهتها الّتي الى الوجود كما ربّت الجنة وما فيها من الحور والغلمان- فلا جرم جاز تعلق قلب اهل الكمال وحبهم به عليه السلام كما جاز تعلقها بالجنة وما فيها- كذا ذكر المجدد رضى الله عنه فى المكتوب المائة من المجلد الثالث- بقي هاهنا إشكالان أحدهما ان المجدد رضى الله عنه قال فى مقام اخر ان الممكنات سوى الأنبياء والملائكة مجال ومظاهر لظلال الأسماء والصفات الّتي هى مباد لتعيناتها- دون الأسماء والصفات أنفسها- واما الملائكة والأنبياء فاصول الأسماء والصفات مباد لتعيناتهم- وهم مجال ومظاهر لها- فكيف قال هاهنا ان الممكنات بأسرها مجال لاسمائه وصفاته تعالى- وكيف يتصور حينئذ ان تتجلى الصفات بانفسها فى الأشياء الدنيوية بوجهتها الّتي الى الاعدام- وفى الأشياء الاخروية بوجهتها الّتي الى الوجود- وحله ان كونها مجال لظلال الأسماء لا ينافى كونها ظلالا لاصولها فان ظل ظل الشيء ظل له- فالاسماء والصفات تتجلى فى الأنبياء بلا توسط الظلال وفى غيرهم بتوسطها- ثم هى تتجلى فى الأشياء الدنيوية بتوسط الظلال بوجهتها الى العدم وفى الأشياء الاخروية بوجهتها الّتي الى الذات والوجود الصرف فلا منافاة ثانيهما «١» انه يلزم حينئذ فضل يوسف عليه السلام على سائر الأنبياء بل على أفضلهم عليه وعليهم الصلوات والتسليمات- فان الكلام السابق يشعر ان غير يوسف عليه السلام من الأنبياء فى الدنيا مجال للصفات بوجهتها الّتي الى العدم- وحله ان هذا الاشعار انما هو بمفهوم اللقب ولا عبرة لمفهوم اللقب بل الحق ان الأنبياء كلهم عليهم الصلوات والتسليمات مجال للصفات باعتبار وجهتها الى الوجود الصرف وليس عدم ظهور حسن الاخرة منهم عليهم الصلوات والتسليمات
(١) فى الأصل ثانيها
191
فى الدنيا لكونهم مجال الصفات بوجهتها الّتي الى العدم بل لامر خفى لا يعلمه الا الله تعالى- وقد ذكر المجدد رضى الله عنه فى حسن «١» خاتم الرسل عليه الصلاة والسلام انه قال ربّ محمّد ﷺ ومبدا تعيّنه صفة العلم الإجمالي وهو اقرب الصفات الى الذات الا ترى ان العلم الحضوري يتحد مع العالم ومع المعلوم- واما غيره من الصفات من القدرة والارادة والكلام والسمع والبصر ليست بهذه المثابة- والإجمال أعلى درجة واقرب من الذات من تفاصيلها- فللعلم حسن ذاتى ما ليس لغيرها من الصفات- فالعلم أحب الى الله تعالى من غيره- وللعلم حسن وجمال لا كيفية له فلاجل كمال لطافته وعلو درجته تجلى فى محمّد ﷺ من الحسن والجمال ما لا تدركه الابصار فى هذه النشئة لضعف قوة المبصرة الدنيوية كما لا تدرك الابصار للذات فى هذه النشئة- وسيظهر حسنه وجماله فى الاخرة فيوسف عليه السلام وان سلم له فى الدنيا ثلثى الحسن- لكن فى الاخرة الحسن حسن محمّد ﷺ والجمال جماله- قال رسول الله ﷺ أخي يوسف أصبح وانا أملح والفرق بين الصباحة والملاحة عند المحققين كالفرق بين الشمس والقمر وبين الذهب والفضة شتان ما بينهما- كان حسن يوسف عليه السلام بحيث أحبه يعقوب والخلائق- وكان حسن محمّد ﷺ بحيث أحبه «٢» رب يعقوب والخلائق جل جلاله ما للتراب ورب الأرباب وإذا ثبت هذا علم ان الصوفي بعد فناء قلبه لا يشتغل قلبه بغير الله سبحانه- ولا يسع فى قلبه محبة أحد من الخلائق- لكن لا ينافى ذلك اشتغال قلبه بمحبة الأنبياء فان محبتهم عين محبة الله- عن انس قال قال رسول الله ﷺ لا يؤمن أحدكم حتّى أكون أحب اليه من والده وولده والناس أجمعين- متفق عليه وعنه قال قال رسول الله ﷺ ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الايمان من كان الله ورسوله أحب اليه مما سواهما- متفق عليه فما قالت رابعة البصرية ان قلبى ممتلية من حب الله لا يسع فيه محبة محمّد ﷺ خطأ ناش من غلبة السكر- واما ما قال المجدد رضى الله عنه فى بدو حاله أحب الله سبحانه لانه خلق محمّدا صلى الله عليه وسلم
(١)
يوسف از شمه جمال او خوشه چين شد قسم بحال او
منه رح [.....]
(٢)
دل از عشق محمّد ص ريش دارم رقابت با خدائى خويش دارم
منه رح
192
فهو ايضا ناش من السكر لكنه لا يخلو عن نوع من الاصالة والله اعلم- (مسئلة) فى هذه الاية دليل على جواز التأسف والبكاء عند المصيبة ما لم يكن معه نوحة وأمثال ذلك من ضرب الخدود وشق الجيوب وغيرها- فان التأسف والحزن لا يدخلان تحت التكليف فانه قل من يملك نفسه عند الشدائد- فى الصحيحين من حديث انس ان رسول الله ﷺ دخل على ابنه ابراهيم- وهو يجود بنفسه فجعلت عينا رسول الله ﷺ تذر فان- فقال له عبد الرّحمن بن عوف وأنت يا رسول الله فقال يا ابن عوف انها رحمة ثم اتبعها اخرى- فقال ان العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول الا ما يرضى ربّنا- وانا لفراقك يا ابراهيم لمحزونون- وفيهما من حديث اسامة بن زيد اتى رسول الله ﷺ على ابن بنت له ونفسه يتقعقع ففاضت عيناه فقال سعد يا رسول الله ما هذا- فقال هذه رحمة جعلها الله فى قلوب عباده فانما يرحم الله من عباده الرحماء- وفيهما من حديث ابن عمر قال قال رسول الله ﷺ ان الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب ولكن يعذب بهذا وأشار الى لسانه او يرحم- وان الميت ليعذب ببكاء اهله عليه- وفيهما من حديث ابن مسعود ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية- وفيهما عن ابى بردة قال قال رسول الله ﷺ انا بريء ممن حلق وصلق وخرق.
قالُوا يعنى اخوة يوسف تَاللَّهِ تَفْتَؤُا اى لا تفتأ ولا تزال حذف لا لعدم الالتباس إذ لو كان اثباتا لم يكن بد من اللام والنون تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً اى مشرفا على الهلاك بسبب المرض او الهرم- والحرض فى الأصل محركة الفساد فى البدن وفى المذهب وفى العقل من الحزن او العشق او الهرم- والرجل الفاسد المريض والمشرف على الهلاك كذا فى القاموس- فهو مصدر ولذلك لا يؤنث ولا يجمع- وضع هاهنا موضع الصفة أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهالِكِينَ (٨٥) اى الميّتين.
لَ
يعقوب نَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي
البث أشد الحزن سمى بذلك لان صاحبه لا يصبر عليه غالبا حتّى يبثه اى ينشره وقال الحسن بثي يعنى حالى لَى اللَّهِ
لا الى أحد منكم ومن غيركم فخلونى وشكايتى- قال البغوي روى انه دخل على يعقوب جار له فقال يا يعقوب مالى أراك قد انهشمت وفنيت ولم تبلغ من السن
193
ما بلغ أبوك- فقال هشمنى وأفناني ما ابتلاني الله به من هم يوسف- فاوحى الله اليه يا يعقوب أتشكوني الى خلقى- فقال يا رب خطيئة اخطأتها فاغفرها لى فقال قد غفرتها لك- وكان بعد ذلك إذا سئل الَ إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ
- وروى انه قيل له يا يعقوب ما الّذي اذهب بصرك وقوّس ظهرك- قال اذهب بصرى بكائي على يوسف وقوّس ظهرى حزنى على أخيه- فاوحى الله اليه أتشكوني وعزتى لا اكشف ما بك حتّى تدعونى- فعند ذلك الَ إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ
- فاوحى الله تعالى اليه وعزتى لو كانا ميّتين لاخرجتهما لك- وانما وجدت عليك انكم ذبحتم شاة فقام ببابكم مسكين فلم تطعموه منها شيئا- وان أحب خلقى الىّ الأنبياء ثم المساكين- فاصنع طعاما فادع عليه المساكين- فصنع طعاما ثم قال من كان صائما فليفطر الليلة عند ال يعقوب- وروى انه كان بعد ذلك إذا تغدى امر من ينادى من أراد الغداء فليأت يعقوب- وإذا أفطر امر من ينادى من أراد ان يفطر فليأت يعقوب- فكان يتغدى ويتعشى مع المساكين- وعن وهب بن منبه قال اوحى الله تعالى الى يعقوب تدرى لم عاقبتك وحبست عنك يوسف ثمانين سنة- قال لا يا الهى قال لانك شوّيت عناقا وقترت على جارك وأكلت ولم تطعمه- وروى ان سبب ابتلاء يعقوب انه ذبح عجلا بين يدى امه وهى تخور- وقال وهب والسدى وغيرهما اتى جبرئيل يوسف عليهما السلام فى السجن فقال هل تعرفنى ايها الصديق- قال ارى صورة طاهرة ورائحة طيبة- قال انى رسول رب العالمين وانا الروح الامين قال ما أدخلك مدخل المذنبين وأنت أطيب الطيبين ورأس المقربين وأمين رب العالمين- قال الم تعلم يا يوسف ان الله يطهر البيوت بطهر النبيين وان الأرض الّتي يدخلونها اطهر الأرضين- وان الله قد طهر بك السجن وما حوله يا اطهر الطاهرين وابن الصالحين المخلصين- قال كيف لى باسم الصديقين وتعدنى من المخلصين الطاهرين وقد ادخلت مدخل المذنبين وسميت باسم الفاسقين قال جبرئيل لانه لم تفتتن قلبك ولم تطع سيدتك فى معصية ربك- لذلك سماك الله فى الصديقين وعدّك من المخلصين وألحقك بآبائك الصالحين- فقال هل لك علم بيعقوب ايها الروح الامين قال نعم وهب الله له من الصبر الجميل وابتلاه بالحزن عليك فهو كظيم- قال فما قدر حزنه- قال حزن سبعين ثكلى- قال فماذا له من الاجر يا جبرئيل- قال اجر مائة شهيد- قال أفتراني ملاقيه قال
194
نعم- فطابت نفسه وقال ما أبالي ما لقيت ان رايته أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ
من صنعه ومن رحمته فانه لا يخيّب داعيه ولا يدع الملتجئ اليه او من الله بنوع من الهام الا تَعْلَمُونَ
(٨٦) من حيوة يوسف- روى ان ملك الموت زار يعقوب فقال له ايها الملك الطيب ريحه الحسن صورته هل قبضت روح ولدي فى الأرواح- قال لافسكن يعقوب وطمع فى رؤيته- قيل يعنى اعلم انّ رؤيا يوسف صادقة وانى وأنتم سنسجد له- وقال السدىّ لما أخبره ولده بسير الملك احست نفس يعقوب وطمع وقال لعله يوسف- واخرج ابن ابى حاتم عن النصر بن عربى قال بلغني ان يعقوب عليه السلام مكث اربعة وعشرين عاما لا يدرى أحيّ يوسف أم ميّت- حتّى تمثل له ملك الموت فقال له من أنت قال انا ملك الموت- قال فانشدك باله يعقوب هل قبضت روح يوسف قال لا وعند ذلك قال.
يا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ التحسس تطلّب الاحساس يعنى تفحصوا فتعرفوا- وقال ابن عباس معناه التمسوا وَلا تَيْأَسُوا اى لا تقنطوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ اى من رحمة الله وقيل من فرح الله وتنفيسه إِنَّهُ اى الشأن لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ (٨٧) بالله وصفاته فان العارف لا يقنط من رحمته فى شيء من الأحوال- فخرجوا راجعين الى مصر حتّى وصلوا إليها فدخلوا على يوسف.
فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ شدة الجوع وَجِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ قال ابن عباس كانت دراهم زيوفا ردية لا ينفق- روى عنه ابو عبيد وابن ابى شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن ابى حاتم وابو الشيخ- وكذا اخرج ابن ابى حاتم عن عكرمة- واخرج عن عكرمة سعيد بن منصور وابن المنذر وابو الشيخ اى دراهم قليلة- واخرج ابن جرير وابن المنذر وابن ابى حاتم وابو الشيخ عن عبد الله بن الحارث قال كان متاع الاعراب الصوف والسمن- وقيل من الصوف والأقط- واخرج ابن جرير وابن ابى حاتم وابو الشيخ عن ابى صالح قال كان حبة الخضراء والصنوبر- واخرج ابن النجار عن ابن عباس قال كان «١» سويق المقل- وقيل كانت الادم والنعال- واصل الإزجاء الدفع والسّوق منه قوله تعالى أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحاباً اى يسوق- فيقال للدراهم الردية مزجاة لانها تدفع ولا تؤخذ-
(١) فى الأصل قال سويق المقل
وكذا للدراهم القليلة لانها تدفع ولا تؤخذ فى مقابلة المتاع العزيز- وكذا الغير الدراهم من الأشياء الردية لدفعها وعدم قبولها فى الثمن الا بتجوز من البائع فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ اى أعطنا كيلا كاملا كما كنت تعطينا قبل هذا بالثمن الجياد الوافي وَتَصَدَّقْ عَلَيْنا بما بين الثمنين الجيد والردى ولا تنقصنا- كذا قال اكثر المفسرين- وقال ابن جريج والضحاك تصدّق علينا برد أخينا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ (٨٨) احسن الجزاء فى الدنيا والاخرة- والاجزاء والتصدق التفضل مطلقا- ومنه قوله ﷺ فى قصر الصلاة فى السفر هذه صدقة تصدق الله عليكم فاقبلوا صدقته- رواه البخاري لكنه اختص عرفا بما يبتغى به وجه الله والثواب- ومبنىّ على هذا العرف ما روى ان الحسن سمع رجلا يقول اللهم تصدّق علىّ- فقال ان الله لا يتصدّق انما يتصدق من يبتغى الثواب قل اللهم أعطني وتفضّل علىّ- قال الضحاك لم يقولوا ان الله يجزيك لانهم لم يعلموا انه مؤمن- قلت بل لانهم لم يعلموا انه يتصدق أم لا (فائدة) سئل سفيان بن عيينة هل حرمت الصدقة على نبى من الأنبياء سوى نبينا محمّد ﷺ قال سفيان الم تسمع قوله تعالى وَتَصَدَّقْ عَلَيْنا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ- كذا اخرج ابن جرير قلت استدل سفيان بهذه الاية على حل الصدقة على الأنبياء- ولا يتم الاستدلال الا إذا ثبت نبوة اخوة يوسف عليه السلام- فلما كلم اخوة يوسف بهذا الكلام أدركته الرّقة فارفض دمعه واظهر ما الّذي كان كتم و.
قالَ هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ من الظلم وَأَخِيهِ من افراده من يوسف واذلاله حتّى كان لا يستطيع ان يتكلم بعجز وذلة- اى هل علمتم قبح ما فعلتم فتتوبوا عنه إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ (٨٩) بقبحه فلذلك اقدمتم عليه- او هل علمتم عاقبة ما فعلتم- وانما قال ذلك تحريضا لهم على التوبة وشفقة عليهم لا معاتبة وتثريبا- يدل عليه قوله لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ
كذا قال ابن إسحاق فى السبب الّذي حمل يوسف على هذا القول- وقال الكلبي انما قال ذلك حين حكى لاخوته ان مالك بن وعر قال انى وجدت غلاما فى بئر من حاله كيت وكيت فابتعته بكذا درهما- فقالوا ايها الملك نحن بعنا ذلك الغلام منه- فغاظ يوسف ذلك وامر بقتلهم فذهبوا بهم ليقتلوهم- فولى يهودا وهو يقول كان يعقوب يحزن ويبكى
لفقد واحد منا حتّى كف بصره فكيف إذا أتاه قتل بنيه كلهم- ثم قالوا له ان فعلت ذلك فابعث بامتعتنا الى أبينا فانه بمكان كذا وكذا- فذلك حين رحمهم وبكى وقال ذلك القول- وروى عن عبد الله بن يزيد ابن ابى فروة ان يعقوب لما سمع حبس بنيامين كتب كتابا الى يوسف على يد اخوته حين أرسلهم ثالثا- من يعقوب إسرائيل الله بن إسحاق ذبيح الله بن ابراهيم خليل الله الى ملك مصر- اما بعد فانا اهل بيت وكّل بنا البلاء- اما جدى ابراهيم فشدّت يداه ورجلاه والقى فى النار- فجعلها الله عليه بردا وسلاما- واما ابى فشدّت يداه ورجلاه ووضع السكين على قفاه ففداه الله- واما انا فكان لى ابن وكان أحب أولادي الىّ فذهب به اخوته الى البرية- ثم أتوني بقميصه ملطّخا بالدم وقالوا قد أكله الذئب فذهبت عيناى من البكاء عليه- ثم كان لى ابن وكان أخاه من امه وكنت اتسلّى به- وانك حبسته وزعمت انه سرق- وانّا اهل بيت لا نسرق ولا نلد سارقا- فان رددتّه علىّ والا دعوت عليك دعوة تدرك السابع من ولدك- فلمّا قرا يوسف الكتاب لم يتمالك البكاء- فاظهر نفسه وقال هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ بما يؤل اليه امر يوسف- وقيل مذنبون عاصون وقال الحسن إذ أنتم شبان ومعكم جهل الشباب.
قالُوا اى اخوة يوسف أَإِنَّكَ كذا قرا الجمهور على الاستفهام استفهام تقرير ولذلك حقق بانّ واللام وهم على أصولهم فى الهمزتين المفتوحة والمكسورة وقرا ابن كثير على الخبر انّك لَأَنْتَ يُوسُفُ قال ابن إسحاق كان يوسف يتكلم من وراء الحجاب- فلمّا قال هل علمتم ما فعلتم كشف عنه الغطاء ثم رفع الحجاب فعرفوه- قلت وهذا مستبعد يأتى عنه القصة المذكورة- وقال الضحاك عن ابن عباس لما قال هذا القول تبسم فراوا ثناياه كالدر المنظوم فشبهوه بيوسف- وقال عطاء عن ابن عباس ان اخوة يوسف لم يعرفوه حتّى وضع التاج عن رأسه وكان له فى قرنه علامة- وكان ليعقوب عليه السلام مثلها- ولاسحاق عليه السلام مثلها- ولسارة مثلها شبه الشامة- فعرفوه وقالوا انك لانت يوسف- وقيل قالوه على التوهم حتّى قالَ أَنَا يُوسُفُ وَهذا أَخِي من ابى وأمي بنيامين- انما ذكر أخاه وهم قد سالوه عن نفسه تعريفا لنفسه به وتفخيما لشأنه وادخالا له فى قوله قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا بان جمعنا بالسلامة والكرامة إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ قرأ قنبل يتّقى بإثبات الياء وصلا ووقفا- والباقون بحذفها فى الحالين- يعنى من يتقى الله بأداء
الفرائض واجتناب المعاصي وَيَصْبِرْ على البليات والطاعات وعن المعاصي فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (٩٠) فى الدنيا ولا فى الاخرة- وضع المحسنين موضع الضمير للتنبيه على ان المحسن من جمع بين التقوى والصبر-.
قالُوا معتذرين تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ اختارك الله عَلَيْنا بحسن الصورة وكمال السيرة وسائر الفضائل الدنيوية والاخروية وَإِنْ كُنَّا لَخاطِئِينَ (٩١) والحال ان شأننا انا كنا مذنبين بها فعلنا بك- يقال خطا خطأ إذا تعمد بالذنب وأخطأ إذا كان غير متعمد.
قالَ يوسف بغاية الحلم لا تَثْرِيبَ تفعيل من الثرب وهو الشحم الّذي يغشى الكرش بمعنى ازالة الثرب فاستعير للتقريع الّذي يمزق العرض ويذهب ماء الوجه عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ متعلق بالتثريب او بالمقدر للجار الواقع خبرا للاتثريب- والمعنى لا اثرب اليوم الّذي هو مظنته فما ظنكم بسائر الأيام بعد ذلك- او المعنى غفرت لكم بعد ما اعترفتم يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ ذنوبكم وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (٩٢) يعنى إذا غفرتكم وانا الفقير القتور- فما ظنكم بالغنى الغفور- فانه يغفر الصغائر والكبائر ويتفضل على التائب- قال البيضاوي ومن كرم يوسف انهم لما عرفوه- أرسلوا اليه وقالوا انك تدعونا بالبكرة والعشى الى الطعام ونحن نستحيى منك لما فرّط منافيك- فقال ان اهل مصر كانوا ينظرون الىّ بالعين الاولى ويقولون سبحان من بلّغ عبدا بيع بعشرين درهما ما بلّغ ولقد شرّفت بكم وعظّمت فى عيونهم- حيث علموا انكم إخوتي من حفدة ابراهيم عليه السلام- قال البغوي فلما عرّفهم يوسف نفسه سالهم عن أبيه فقال ما فعل ابى بعدي قالوا ذهبت عيناه فاعطاهم قميصه ودعا أباه وقال.
اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هذا فَأَلْقُوهُ عَلى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً اى يرجع الىّ بصيرا- او المعنى يصير بصيرا- قال الحسن لم يعلم انه يعود بصيرا الا بعد ان اعلمه الله- قال الضحاك كان ذلك القميص من نسيج الجنة وعن مجاهد امره جبرئيل ان يرسل اليه قميصه- وكان ذلك القميص قميص ابراهيم عليه السلام- وذلك انه جرد ثيابه والقى فى النار عريانا- فاتاه جبرئيل بقميص من حرير الجنة فالبسه إياه فكان ذلك عند ابراهيم عليه السلام- فلما مات ورثه إسحاق فلما مات
ورثه يعقوب فلما شبّ يوسف جعل يعقوب ذلك القميص فى قصبة وشد رأسها وعلقها فى عنقه- لما كان يخاف عليه من العين وكان لا يفارقه- فلما القى فى البئر عريانا جاءه جبرئيل عليه السلام وعلى يوسف عليه السلام ذلك التعويذ- فاخرج القميص منه والبسه إياه- ففى هذا الوقت جاء جبرئيل عليه السلام وقال أرسل ذلك القميص- فان فيه ريح الجنة لا يقع على مبتلىّ ولا سقيم إلا عوفي- فدفع يوسف ذلك القميص الى اخوته وقال فَأَلْقُوهُ عَلى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً- قلت وإذا ثبت بكشف المجدد رضى الله عنه ان حسن يوسف ووجوده كان من جنس الأشياء الموجودة فى الجنة- فحينئذ لا حاجة الى ثبوت كون قميصه من نسيج الجنة ولاجل ذلك كان يعافى به المبتلى بل يكفى فى ذلك كون القميص ملبوسا ليوسف فان وجود يوسف كان من جنس أشياء الجنة والله اعلم- وَأْتُونِي أنتم وابى بِأَهْلِكُمْ بنسائكم وذراريكم ومواليكم أَجْمَعِينَ (٩٣).
وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ الّتي فيها قميص يوسف من مصر وخرجت من عمرانها الى كنعان قالَ أَبُوهُمْ يعقوب عليه السلام لمن حضره إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ فيه دليل على ان ريح الجنة كان من يوسف نفسه لا من قميصه- والا لقال ريح قميص يوسف- قال البغوي روى ان ريح الصبا استأذنت ربها فى ان يأتى يعقوب بريح يوسف قبل ان يأتيه البشير- قال مجاهد أصاب يعقوب ريح يوسف من مسيرة ثلاثة ايام- وحكى عن ابن عباس من مسيرة ثمان ليال- وقال الحسن كان بينهما ثمانون فرسخا- وقيل هبت ريح فاحتملت ريح القميص الى يعقوب- فوجد ريح الجنة فعلم ان ليس فى الأرض من ريح الجنة الا ما كان من ذلك القميص- فلذلك قال إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلا أَنْ تُفَنِّدُونِ (٩٤) اى لولا تنسبونى الى الفند وهو نقصان عقل يحدث من هرم- ولذلك لا يقال عجوز مفنّدة لان نقصان عقلها ذاتى- وجواب لولا محذوف تقديره لصدقتمونى او لقلت انه قريب.
قالُوا يعنى من حضره تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ (٩٥) اى فى ذهابك عن الصواب قديما بالإفراط فى محبة يوسف وإكثار ذكره وتوقع لقائه-.
فَلَمَّا ان زائدة جاءَ الْبَشِيرُ من عند يوسف قال ابن مسعود جاء البشير
بين يدى العير- وقال ابن عباس هو يهودا- قال السدىّ قال يهودا انا ذهبت بالقميص ملطّخا بالدم الى يعقوب فاخبرته ان يوسف أكله الذئب- فانا اذهب اليوم بالقميص فاخبره انه حىّ- فافرّحه كما احزنته- قال ابن عباس حمله يهودا وخرج حافيا حاسرا يعدو ومعه سبعة ارغفة لم يستوف أكلها حتّى اتى أباه وكانت المسافة ثمانين فرسخا- وقيل البشير مالك بن وعر أَلْقاهُ القى البشير قميص يوسف عَلى وَجْهِهِ اى وجه يعقوب فَارْتَدَّ بَصِيراً فعاد بصيرا بعد ما كان أعمى وعادت قوته بعد الضعف وشبابه بعد الهرم قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي فتح الياء نافع وابن كثير وابو عمرو وأسكنها الباقون أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ «١» ما لا تَعْلَمُونَ (٩٦) من حيوة يوسف وان الله يجمع بيننا- وقيل إِنِّي أَعْلَمُ كلام مبتدا والقول لا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ- وإِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ- قال البغوي روى انه قال للبشير كيف يوسف قال انه ملك مصر فقال يعقوب ما اصنع بالملك على اى دين تركته قال على الإسلام قال الان تمت النعمة.
قالُوا يا أَبانَا اسْتَغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا إِنَّا كُنَّا خاطِئِينَ (٩٧) اى سل الله مغفرة ما ارتكبنا فى حقك وحق ابنك انا تبنا واعترفنا بخطائنا.
قالَ يعقوب سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي فتح الياء نافع وابو عمرو وأسكنها الباقون- قال اكثر المفسرين اخّر الدعاء الى السحر- فانه ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة الى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الاخر- يقول من يدعونى فاستجيب له من يسئلنى فاعطيه من يستغفرنى فاغفر له متفق عليه من حديث ابى هريرة عنه صلى الله عليه وسلم- فلما انتهى يعقوب الى الموعد قام الى الصلاة بالسحر فلما فرغ منها رفع يديه الى الله عزّ وجلّ ثم قال اللهم اغفر لى جزعى على يوسف وقلة صبرى عنه واغفر لولدى ما أتوا الى أخيهم يوسف فاوحى الله اليه انى قد غفرت لك ولهم أجمعين- وعن عكرمة عن ابن عباس سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ يعنى ليلة الجمعة- وقال وهب كان يستغفر لهم فى كل ليلة جمعة فى نيف وعشرين سنة- وقال طاءوس اخر الدعاء الى السحر من ليلة الجمعة فوافق ليلة عاشوراء- وقال الشعبي قال سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي يعنى اسئل يوسف ان عفا عنكم استغفرت لكم ربى- فانّ عفو المظلوم شرط لمغفرة الله تعالى- وقيل اخر الدعاء الى ان يتعرف حالهم فى صدق التوبة إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٩٨)
(١) ليس فى الأصل من الله
قال النووي روى ان يوسف بعث مع البشير الى يعقوب مائتى راحلة وجهازا كثيرا ليأتوا بيعقوب واهله وولده- فتهيّا للخروج الى مصر فخرجوا وهم اثنان وسبعون بين رجل وامراة- وقال مسروق كانوا ثلاثة وتسعين- فلما دنا من مصر كلم يوسف الملك الّذي فوقه- فخرج يوسف والملك فى اربعة آلاف من الجند وركب اهل مصر معهما يلقون «١» يعقوب وكان يعقوب يمشى وهو يتوكا على يهودا فنظر الى الخيل والناس فقال يا يهودا هذا فرعون مصر قال لا هذا ابنك.
فَلَمَّا دَخَلُوا اى يعقوب واهله عَلى يُوسُفَ قلت لعل يوسف حين خرج من مصر لاستقبال يعقوب عليه السلام نزل فى مضرب او قصر كان له ثمه فدخلوا عليه هناك- وقال البغوي فلما دنا كل واحد منهما صاحبه ذهب يوسف يبدؤه بالسلام فقال جبرئيل لا حتّى يبدا يعقوب بالسلام- قلت لعل هذا لاجل محبوبية الله الّتي ظهرت فى يوسف- فقال يعقوب عليه السلام السلام عليك يا مذهب الأحزان آوى إِلَيْهِ اى ضم اليه أَبَوَيْهِ قال اكثر المفسرين هو أبوه وخالته ليّا- نزّلها منزلة الام تنزيل العم منزلة الأب فى قوله تعالى آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ- او لان يعقوب تزوجها بعد امه والرابّة تدعى امّا- وكانت أم يوسف قد ماتت فى نفاس بنيامين- وقال الحسن هو أبوه وامه وكانت حية- وفى بعض التفاسير ان الله أحيا امه حتّى جاءت مع يعقوب الى مصر- قال البغوي روى ان يوسف ويعقوب نزلا وتعانقا وقال الثوري عانق كل واحد منهما صاحبه وبكيا- فقال يوسف يا أبت بكيت علىّ حتّى ذهب بصرك الم تعلم ان القيامة يجمعنا- قال بلى يا بنى ولكن خشيت ان تسلب دينك فيحال بينى وبينك وَقالَ يوسف بعد ما لقيهم خارج مصر ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ (٩٩) من الجواز لانهم كانوا لا يدخلون مصر قبله الا بجواز من ملوكهم- ومن القحط واصناف المكاره- والمشية متعلقة بالدخول المكيف بالأمن كما فى قوله تعالى لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ- وقيل ان هاهنا بمعنى إذ اى إذ شاء الله كما فى قوله تعالى وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ اى إذ كنتم- وقيل فى الاية تقديم وتأخير والاستثناء يرجع الى الاستغفار وهو قول يعقوب لبنيه سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي ان شاء الله-.
وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ اى أجلسهما على السرير- والرفع هو النقل
(١) فى الأصل ملقون-
201
من السفل الى العلو وَخَرُّوا يعنى أبوي يوسف واخوته لَهُ سُجَّداً لم يرد بالسجود وضع الجباه على الأرض انما هو الانحناء والتواضع يعنى تواضعوا ليوسف- وقيل وضعوا الجباه على الأرض وكان ذلك على طريق التحيّة والتعظيم لا على طريق العبادة- وكانت تحيّة الناس يومئذ السجود- وكان ذلك جائزا فى الأمم السابقة فنسخت فى هذه الشريعة- وروى عن ابن عباس انه قال معناه خروا لله سجدا شكرا بين يدى يوسف والضمير فى له يرجع الى الله- قلت كانّ يوسف جعل قبلة بإذن الله تعالى كالكعبة لنا- وكما جعل آدم قبلة للملائكة حين أمروا بالسجود له- وقيل معناه خَرُّوا لَهُ اى لاجل يوسف ولقائه سجد الله تعالى شكرا والاول أصح والرفع مؤخر عن الخرور وان قدم لفظا للاهتمام بتعظيمه لهما وَقالَ يوسف عند ذلك يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ الّتي رايتها فى ايام الصبا إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ... قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا صدقا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي فتح الياء نافع وابو عمرو وأسكنها الباقون يعنى قد أنعم علىّ إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ ولم يذكر الجب مع كونه أشد من السجن استعمالا للكرم كيلا يخجل اخوته بعد ما قال لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ- ولان نعمة الله فى إخراجه من السجن أعظم لان بعد خروجه من الجب صار الى العبودية والرق وابتلى بمكر النساء- وبعد خروجه من السجن صار ملكا وَجاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ البدو بسيط من الأرض يسكنه اهل المواشي بما شيتهم وكانوا اهل بادية والمواشي مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي فتح الياء ورش وأسكنها الباقون- اى أفسد بيننا بالحسد وجرش من نزغ الرابض الدابة إذا نحنها وحملها على الجري إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ تدبيره لِما يَشاءُ إذ ما من صعب الا وينفذ مشيته به ويتسهل دونها- وقال البغوي ذو لطف- وحقيقة اللطيف الّذي يوصل الإحسان الى غيره بالرفق إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ بوجوه المصالح والتدابير الْحَكِيمُ (١٠٠) الّذي يفعل كل شيء فى وقت وعلى وجه يقتضيهما الحكمة- قال البيضاوي روى ان يوسف طاف بابيه عليهما السلام فى خزائنه- فلما دخل خزينة القرطاس قال يا بنى ما اغفاك عندك هذه القراطيس وما كتبت الىّ على ثمان مراحل
202
قال أمرني جبرئيل عليه السلام قال او ما تسئله قال أنت ابسط منى اليه فساله- فقال جبرئيل عليه السلام الله أمرني بذلك «١» لقولك وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ قال الله فهلا خفتنى- قال البغوي قال اهل التاريخ اقام يعقوب بمصر عند يوسف أربعا وعشرين سنة فى أغبط حال واهنا عيش ثم مات بمصر- فلما حضرته الوفاة اوصى الى يوسف ان يحمل جسده حتّى يدفنه عند أبيه إسحاق- ففعل يوسف ومضى به حتّى دفنه بالشام ثم انصرف الى مصر- اخرج احمد فى الزهد عن مالك ان يعقوب لما ثقل قال لابنه يوسف ادخل يدك تحت صلبى واحلف لى برب يعقوب لتدفننى مع ابائى قد اشتركتهم فى العمل فاشركنى معهم فى قبورهم- فلمّا توفى يعقوب فعل ذلك يوسف حتّى اتى به ارض كنعان فدفنه معهم- قال سعيد بن جبير نقل يعقوب فى تابوت من ساج الى بيت المقدس فوافق ذلك يوم مات عيص فدفنا فى قبر واحد وكانا ولدا فى بطن واحد وكان عمرهما مائة وسبعة وأربعين سنة- فلما جمع الله ليوسف شمله علم ان نعيم الدنيا لا يدوم سال الله حسن العاقبة فقال.
رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ اى بعض الملك وهو ملك مصر والملك اتساع المقدور لمن له السياسة والتدبير وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ اى والرؤيا ومن هذا ايضا للتبعيض لانه لم يؤت كل التأويل وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ... فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ اى خالقهما ومبدعهما وانتصابه على انه صفة المنادى او منادى برأسه أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ يعنى ناصرى ومتولى أموري فيهما- او الّذي يتولانى بالنعمة فيهما ويوصل الملك الفاني بالملك الباقي تَوَفَّنِي اى اقبضنى إليك مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (١٠١) اى بالنبيين فان كمال الصلاح بالعصمة وهى مختصة بالأنبياء- قال قتادة لم يسئل نبى من الأنبياء الموت الا يوسف- وفيه نظر فان النبي ﷺ قال اللهم الرفيق الأعلى- وعن عائشة قالت كنت اسمع انه لا يموت نبى حتّى يخيّر بين الدنيا والاخرة- قالت أصابت رسول الله ﷺ بحّة شديدة فى مرضه فسمعته يقول مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً فظننت انه خيّر- رواه الشيخان فى الصحيحين وابن سعد- وفى القصة
(١) فى الأصل الله أمرني بذلك الله-
203
انه لما جمع الله تعالى ليوسف شمله وأوصل اليه أبويه واهله اشتاق الى ربه فقال هذه المقالة- قال الحسن عاش بعد هذا سنين كثيرة- وقال غيره لما قال هذا لم يمض عليه أسبوع حتّى توفى قال البغوي اختلفوا فى مدة غيبة يوسف عن أبيه قال الكلبي اثنان وعشرون سنة- وقيل أربعون سنة- وقال الحسن القى يوسف فى الجب وهو ابن سبع عشرة- وغاب عن أبيه ثمانين سنة- وعاش بعد لقاء يعقوب ثلاثا وعشرين سنة- ومات وهو ابن عشرين ومائة سنة- وفى التورية مائة وعشر سنين- وولد ليوسف من امراة العزيز ثلاثة أولاد افرائيم وميشار وكان من أولاد افرائيم يوشع بن نون صاحب موسى عليه السلام) ورحمت بنت يوسف امراة أيوب المبتلىّ عليهم السلام- وقيل عاش يوسف بعد أبيه ستين سنة وقيل اكثر- واختلفت الأقاويل فيه وتوفى وهو ابن مائة وعشرين سنة- فدفنوه فى النيل فى صندوق من رخام- وذلك انه لما مات تشاح الناس فيه فطلب اهل كل محلة ان يدفن فى محلتهم رجاء بركته- حتّى هموا بالقتال فراوا ان يدفنوه فى النيل حيث يتفرق الماء بمصر ليجرى الماء عليه ويصل بركته الى جميعهم- وقال عكرمة دفن فى الجانب الايمن من النيل فاخصب ذلك الجانب واجدب الجانب الاخر- فنقل الى الجانب الأيسر فاخصب ذلك الجانب واجدب الجانب الاخر فدفنوه فى وسطه- وقدّروا ذلك سلسلة فاخصب الجانبان الى ان أخرجه موسى فدفنوه بقرب ابائه بالشام- اخرج ابن إسحاق وابن ابى حاتم عن عروة بن الزبير قال ان الله حين امر موسى بالسير ببني إسرائيل امره ان يحتمل معه عظام يوسف- وان لا يخلفها بأرض مصر وان يسير بها معه حتّى يضعها بالأرض المقدسة- فسال موسى عمن يعرف قبره فما وجد الا عجوزا من بنى إسرائيل- فقالت يا نبى الله انى اعرف مكانه ان أنت أخرجتني معك ولم تخلفنى بأرض مصر دللتك عليه- قال افعل وقد كان موسى وعد بنى إسرائيل ان يسير بهم إذا طلع القمر- فدعا ربه ان يؤخر طلوعه حتّى يفرغ من امر يوسف- ففعل فخرجت به العجوز حتّى ارته «١» إياه فى ناحية من النيل فى الماء- فاستخرجه موسى صندوقا من مرمر فاحتمله ولقد توارث الفراعنة من العماليق بعد يوسف مصر ولم يزل بنوا إسرائيل تحت أيديهم على بقايا دين يوسف حتّى بعث الله موسى عليه السلام وأهلك على يده فرعون-
(١) فى الأصل حتّى آراه-
204
ذلِكَ الّذي ذكرت من قصة يوسف مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ يا محمّد وَما كُنْتَ يا محمّد لَدَيْهِمْ عند بنى يعقوب إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ اى عزموا ان يلقوا يوسف فى غيابت الجب وَهُمْ يَمْكُرُونَ (١٠٢) بيوسف- هذا كالدليل على كونه يوحى اليه يعنى لا يخفى على مكذبيك انك ما كنت عند أولاد يعقوب وما لقيت أحدا يعلم ذلك حتّى سمعت القصة منه- انما حذف هذا الشق استغناء بذكره فى غير هذه القصة- كقوله تعالى ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا- قال البغوي روى ان يهود وقريشا سالوا رسول الله ﷺ عن قصة يوسف فلما أخبرهم على موافقة التورية لم يسلموا فحزن النبي ﷺ لذلك فانزل الله تعالى.
وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ يا محمّد على ايمانهم وبالغت فى اظهار الآيات عليهم بِمُؤْمِنِينَ (١٠٣) لما قضى الله تعالى عليهم بالكفر والنار.
وَما تَسْئَلُهُمْ عَلَيْهِ اى على الانباء او القران مِنْ أَجْرٍ جعل إِنْ هُوَ اى القران إِلَّا ذِكْرٌ عظة من الله لِلْعالَمِينَ (١٠٤) عامة حجة على من لم يؤمن وبصيرة ورحمة لمن أمن به-.
وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ وكثير من اية أصله كاىّ عدد شئت من الدلائل الدالة على وجود الصانع وحكمته وكمال قدرته وتوحيده فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ اى الكفار عَلَيْها اى على تلك الآيات ويشاهدونها وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ (١٠٥) اى والحال انهم يعرضون عنها- يعنى انهم يرون اثار الأمم الهالكة وغير ذلك من العبر ولا يتفكرون فيها ولا يعتبرون بها.
وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ اى يقرّون بوجوده وخالقيته إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ (١٠٦) يعنى فى حال من الأحوال الا فى حال اشراكهم فى العبادة غيره تعالى به- فانهم كانوا إذا سئلوا من خلق السموات والأرض قالوا الله- وإذا سئلوا من ينزل من السماء ماء قالوا الله- ومع ذلك كانوا يعبدون الحجارة و «١» يقولون مطرنا بنوء كذا- وعن ابن عباس انه قال انها نزلت فى تلبية المشركين من العرب كانوا يقولون فى تلبيتهم لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك الا شريكا هو لك تملكه وما ملك- وقال عطاء هذا فى الدعاء حيث نسوا ربهم فى الرخاء- فاذا أصابهم البلاء أخلصوا الدعاء فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ
(١) فى الأصل ويقول-
مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ- وفى نحو ذلك من الأحوال- وقيل معناه إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ باتخاذ الأحبار أربابا مطاعا فى خلاف ما امر الله به- او مشركون بنسبة التبني اليه تعالى- او القول بالنور والظلمة- ومن جملة الشرك ما يقوله القدرية من اثبات قدرة الخلق للعبد- وانما التوحيد ما يقوله اهل السنة لا خالق الا الله- بل النظر الى الأسباب مع الغفلة عن المسبب ينافى التوحيد- فالموحدون هم الصوفية.
أَفَأَمِنُوا يعنى انسوا ربهم فامنوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غاشِيَةٌ اى عقوبة تغشاهم وتشملهم كائنة مِنْ عَذابِ اللَّهِ قال قتادة وقيعة وقال الضحاك يعنى الصواعق والقوارع أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ المشتملة على عذاب جهنم بَغْتَةً فجاءة من غير سابقة علم وعلامة على تعين وقته وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (١٠٧) بإتيانها غير مستعدين لها استفهام انكار يعنى لا ينبغى لهم ذلك النسيان والا من- قال ابن عباس يهيج الصيحة بالناس وهم فى أسواقهم وعن ابى هريرة ان رسول الله ﷺ قال ليقومن الساعة وقد نشر الرجلان ثوبا فلا يتبايعانه ولا يطويانه الحديث- وقد مر الحديث وما فى الباب فى سورة الأعراف فى تفسير قوله تعالى يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها الى قوله لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً-.
قُلْ يا محمّد هذِهِ الدعوة الى التوحيد والاعداد للمعاد سَبِيلِي سنتى ومنهاجى- والسبيل يذكر ويؤنث كالطريق ثم فسّر السبيل بقوله أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ اى الى الايمان بوجوده ووحدانيته وتنزيهه عما لا يليق به وابتغاء درجات قربه عَلى بَصِيرَةٍ اى على يقين ومعرفة- اى لست من الخراصين الذين يقولون بأشياء من غير علم- او المعنى على بصيرة اى بيان وحجة واضحة غير عمياء أَنَا تأكيد للمستتر فى ادعوا- او فى على بصيرة لانه حال منه- او مبتدا خبره على بصيرة وَمَنِ اتَّبَعَنِي عطف عليه اى من أمن بي وصدّقنى فهو ايضا يدعوا الى الله- قال الكلبي وابن زيد حق على من تبعه ان يدعو الى ما دعا اليه ويذكر القران- او المعنى انا وكل من تبعني فهو على بصيرة- قال ابن عباس يعنى به اصحاب محمّد ﷺ كانوا على احسن طريقة واقصه
هداية معدن العلم وكنز الايمان وجند الرّحمن- وقال ابن مسعود من كان مستنّا فليستنّ بمن قد مات أولئك اصحاب محمّد ﷺ كانوا خير هذه الامة أبرها قلوبا وأعمقها علما وأقلها تكلفا قوم اختارهم الله لصحبة نبيه ﷺ ونقل دينه فتشبهوا بأخلاقهم وطرائقهم فهم كانوا على الهدى المستقيم وَسُبْحانَ اللَّهِ عطف على ادعوا يعنى ادعوا الى الله وانزّهه تنزيها من الشركاء وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٠٨).
وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ يا محمّد إِلَّا رِجالًا لا ملائكة رد لقولهم لَوْ شاءَ رَبُّنا لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً... نُوحِي إِلَيْهِمْ كما نوحى إليك وبذلك امتازوا عن غيرهم- قرأ حفص هنا وفى النحل والاول من الأنبياء بالنون وكسر الحاء على التكلم والبناء للفاعل والباقون بالياء وفتح الحاء على الغيبة والبناء للمفعول مِنْ أَهْلِ الْقُرى يعنى من اهل الأمصار لكونهم اعقل واعلم واحلم دون اهل البوادي لغلظهم وجفائهم- قال الحسن نظرا الى هذه الاية لم يبعث الله نبيا من بدو ولا من الجن ولا من النساء- قلت لا دليل فى الاية على نفى النبوة من الجن- فانه تعالى قال كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ وايضا الكلام فى بعث الرسل الى الانس- وذلك لا يقتضى عدم إرسال الجن الى الجن- وقد قال الله تعالى قُلْ لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولًا... أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ يعنى هؤلاء المشركون المكذّبون فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ امر الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ من المكذّبين بالرسل والآيات فيعتبروا ويحذروا تكذيبك- او من المستغرقين بالدنيا المتهالكين عليها فينقلعوا عن حبها وَلَدارُ الْآخِرَةِ اى دار الحالة الاخرة او الساعة الاخرة او الحيوة الاخرة خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا الشرك والمعاصي يقول الله تعالى- هذا ما فعلنا باهل ولايتنا وطاعتنا ان ننجيهم عند نزول العذاب فى الدنيا- وما فى الدار الاخرة لهم خير- فترك ما ذكر اكتفاء بدلالة الكلام عليه أَفَلا تَعْقِلُونَ (١٠٩) اى «١» تستعملون عقولكم لتعرفوا انها خير- قرا نافع وابن عامر وعاصم ويعقوب بالتاء على الخطاب والباقون بالياء على الغيبة-
(١) فى الأصل اى يستعملون عقولهم ليعرفوا-
حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ عامة لما دل عليه وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا اى فتراخى نصرهم حتّى إذا استيئسوا- وقال البيضاوي غاية لمحذوف دل عليه الكلام تقديره لا يغررهم تمادى ايّامهم- فان من قبلهم أمهلوا حتّى إذا استيئس الرسل من ايمان قومهم لانهماكهم فى الكفر مترفين متمادين فيه من غير سوء وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا قرا الكوفيون وابو جعفر بتخفيف الذال- وكانت عائشة تنكر هذه القراءة نظرا الى ظاهر معناه انهم ظنوا أخلفوا ما وعدهم الله لكن القراءة متواترة وان لم تسمعها عائشة من النبي ﷺ ولم يبلغها متواترا- والمعنى ظنوا اى الرسل انهم قد كذبوا اى كذبتهم أنفسهم حين حدثتهم انهم ينصرون- او كذبهم القوم بوعد الايمان- او المعنى وظنوا اى المرسل إليهم انهم اى الرسل قد كذبوهم بالدعوة والوعيد- او المعنى ظن المرسل إليهم ان الرسل قد كذبوا وأخلفوا فيما وعد لهم من النصر وخلط الأمر عليهم- وقال البغوي وروى عن ابن عباس ان معناه ضعف قلوب الرسل يعنى وظنت الرسل انهم قد كذبوا فيما وعدوا من النصر وكانوا بشرا وظنوا انهم أخلفوا ثم تلا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللَّهِ- وهذا المعنى هو الّذي أنكرته عائشة- قال البيضاوي ان صح هذه الرواية يعنى عن ابن عباس فالمراد بالظن ما يهجس فى القلب طريق الوسوسة قال الطيبي الرواية صحيحة فقد رواه البخاري والظاهر ان المراد بالآية المبالغة فى التراخي والامهال على سبيل التمثيل- وقرا غير الكوفيين بالتشديد- والمعنى وظنت يعنى أتقنت الرسل ان القوم قد كذبوهم فيما اوعدوهم تكذيبا لا يرجى ايمانهم بعده- كذا قال قتادة وقال بعضهم معناه حتّى إذا استيئس الرّسل ممن كذبهم من قومهم ان يصدقوهم وظنوا ان من أمن بهم منهم قد كذبوا وارتدوا عن ايمانهم لشدة المحنة والبلاء واستبطاء النصر جاءَهُمْ اى الرسل نَصْرُنا فَنُجِّيَ مَنْ نَشاءُ قرا ابن عامر وعاصم ويعقوب بنون واحدة وتشديد الجيم وفتح الياء على لفظ الماضي المبنى للمفعول من التفعيل- فيكون محل من مرفوعا- والباقون بنونين وتخفيف الجيم وسكون «١» الياء على لفظ المضارع المتكلم من الافعال ومن حينئذ فى محل النصب والمراد من نشاء النبي والمؤمنون- وانما لم يعينهم ليدل على انهم هم الذين يستأهلون ان نشآء نجاتهم لا يشاركهم فيه غيرهم ولا يذهب الوهم الى غيرهم وَلا يُرَدُّ بَأْسُنا عذابنا
(١) فى الأصل وسكونها-
عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (١١٠) إذا نزل بهم وفيه بيان المشيتين- قلت ويمكن ان يكون المراد بمن نشاء بعض المؤمنين فان بعضهم قد يهلكون بمجاورة الكافرين قال الله تعالى وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً-.
لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ اى فى قصص الأنبياء وأممهم اوفى قصة يوسف واخوته عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ اى لذوى العقول السليمة المبراة عن شوائب الانف والركون الى الحسّ- حيث نقل من غيابة الجب الى غيابة الحب- ومن الحصير الى السرير فصارت عاقبة الصبر السلامة والكرامة- ونهاية المكر الخزي والندامة ما كانَ القران حَدِيثاً يُفْتَرى اى يختلق وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ من التورية والإنجيل والزبور وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ مما يحتاج اليه العباد فى الدين- إذ ما من امر دينى الا وله سند من القران بوسط او بغير وسط- فان ما كان ثابتا بالسنة فقد قال الله تعالى وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ- وقال أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ- وقال ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا
- ونحو ذلك وما كان ثابتا بالإجماع فقد قال الله تعالى وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى الاية- وما كان ثابتا بالقياس فقد قال الله تعالى فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ وَهُدىً من الضلال وَرَحْمَةً ينال بها خير الدارين لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (١١١) اى يصدقونه خصوا بالذكر لانتفاعهم به دون غيرهم- وما نصب بعد لكن معطوف على خبر كان- قال الشيخ ابو منصور فى ذكر قصة يوسف واخوته تصبير لرسول الله ﷺ على أذى قريش كانه يقول ان اخوة يوسف مع كونهم موافقا له فى الدين وكانوا أبناء رجل واحد- عملوا بيوسف ما عملوا من الكيد والمكر وهم يعلمون قبح صنيعهم فصبر يوسف على ذلك وعفا عنهم- فانت أحق ان تصبر على أذى قومك فانهم كفار جهال لا يعلمون قبح صنيعهم- وقال وهب ان الله تعالى لم ينزل كتابا الا وفيه سورة يوسف تامة كما هى فى القران والله اعلم تمت سورة يوسف مستهل صفر من السنة ١٢٠٢ الثانية بعد الف ومائتين ويتلوه سورة الرعد ان شاء الله تعالى.
209
فهرس تفسير سورة الرعد من التفسير المظهرى
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ صفحه مضمون ٤ حديث عم الرجل صنوابيه- ٨ مسئلة اقل مدة الحمل وأكثرها- ٩ مسئلة أعلى عدد الولد فى بطن- حديث يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل ١٠ وملائكة بالنهار الحديث- ١٣ حديث الرعد ملك مؤكل بالسحاب ١٣ ما يقال عند سماع الرعد- حديث قال ربكم لو ان عبادى أطاعوني لاسقيتهم المطر بالليل واطلعت عليهم ١٤ الشّمس بالنهار ولما اسمعتهم صوت الرعد- ٣٥ ٢١ ما ورد فى صلة الرحم- ٣٦ حديث إذا عملت سيئة فاتبعها حسنة ٢٢ تمحها ونحو ذلك- ٢٢ حديث إذا عملت سيئة فاحدث عندها توبة- ٣٧ حديث يا رسول الله ان لى قرابة أصلهم ٢٢ ويقطعونى الحديث- ما ورد فى دخول الملائكة على المؤمنين ٢٤ فى الجنة بالتحف والسلام- ٢٥ ما ورد فى البغي وقطع الرحم- حديث لا يجتمعان يعنى الخوف والرجاء فى قلب عبد الا أعطاه الله ما يرجو ٢٧ وامنه مما يخاف- ٢٧ ما ورد فى طوبى شجرة فى الجنة- بحث القضاء المبرم والمعلق وما يمحى وما يثبت منه وما ورد فى الباب ٣٥ من الأحاديث- ٣٦ قصة ملا طاهر اللاهورى المجددى- حديث يؤتى الرجل فيقال اعرضوا عليه صغائر ذنوبه ويخبى عنه كبائرها ثم ٣٧ يعطى بكل سيئة حسنة- ما ورد فى اللوح المحفوظ ولوح المحو ٣٨ والإثبات.
210
Icon