ﰡ
مكية، مائة وإحدى عشرة آية، ألف وسبعمائة وخمس وتسعون كلمة، سبعة آلاف وثلاثمائة وسبعة أحرف
وعن ابن عباس أنه قال: سألت اليهود النبي صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: حدثنا عن أمر يعقوب وولده، وشأن يوسف. فنزلت هذه السورة الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ (١) أي تلك الآيات التي نزلت إليك في هذه السورة المسماة الر هي آيات الكتاب المبين وهو القرآن الذي بين الهدى وقصص الأولين إِنَّا أَنْزَلْناهُ أي هذا الكتاب الذي فيه قصه يوسف في حال كونه قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٢) أي لكي تفهموا معانيه في أمر الدين فتعلموا أن قصه كذلك ممن لم يتعلم القصص معجز لا يتصور إلا بالإيحاء. نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ أي بسبب إيحائنا إليك يا أكرم الرسل هذه السورة لما فيه من العبر من أنه لا مانع من قدرة الله تعالى، وأن الحسد سبب للخذلان، وأن الصبر مفتاح الفرج وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ أي وإنه أي الشأن كنت من قبل إيحائنا إليك هذه السورة لَمِنَ الْغافِلِينَ (٣) عن هذه القصة لم تخطر ببالك ولم تقرع سمعك قط إِذْ قالَ يُوسُفُ منصوب بقال: يا بني، أي قال يعقوب: يا بني وقت قول يوسف له: كيت وكيت أو بدل من أحسن القصص بدل اشتمال لِأَبِيهِ يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم الصلاة والسلام يا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ في منام النهار أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ (٤). قال وهب: رأى يوسف
عليه السلام وهو ابن سبع سنين أن إحدى عشرة عصا طوالا كانت مركوزة في الأرض كهيئة الدائرة وإذا عصا صغيرة وثبت عليها حتى ابتلعتها، فذكر ذلك لأبيه فقال: إياك أن تذكر هذا لإخوتك، ثم رأى وهو ابن ثنتي عشرة الشمس والقمر والكواكب تسجد له فقصها على أبيه فقال: لا تذكرها لهم فيبغوا لك الغوائل.
روي عن جابر رضي الله عنه أن يهوديا جاء إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا محمد أخبرني عن النجوم التي رآهن يوسف عليه السلام، فسكت النبي صلّى الله عليه وسلّم، فنزل جبريل عليه السلام فأخبره بذلك فقال صلّى الله عليه وسلّم لليهودي: «إذا أخبرتك بذلك هل تسلم» فقال: نعم، قال: «جريان، والطارق،
قالَ أي يعقوب ليوسف في السر يا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً أي فيفعلوا لأجل هلاكك كيدا خفيا عن فهمك لا تتصدى لمدافعته إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ أي لنبي آدم عَدُوٌّ مُبِينٌ (٥) أي ظاهر العداوة فلا يقصر في إضلال إخوتك وحملهم على الحسد وما لا خير فيه كما فعل بآدم وحواء، وإخوة يوسف الذين يخشى غوائلهم، الأحد عشر هم يهوذا وروبيل وشمعون، ولاوى، وربالون، ويشجر، ودينة فهؤلاء بنو يعقوب من ليا بنت خالته، ودان ونفتالى، وجاد وآشر فهؤلاء بنوه من سريتين زلفة وبلهة، وأما بنيامين فهو شقيق يوسف وأمهما راحيل التي تزوجها يعقوب بعد وفاة أختها ليا، وَكَذلِكَ أي كما اجتباك لهذه الرؤية الدالة على كبر شأنك يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ للنبوة وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ أي تعبير الرؤيا إذ هي أحاديث الملك إن كانت صادقة، وأحاديث النفس والشيطان إن كانت كاذبة، وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ بسعادات الدنيا والآخرة، أما سعادات الدنيا: فالإكثار من الأولاد والخدم والأتباع والتوسع في المال والجاه، والإجلال في قلوب الخلق وحسن الثناء، وأما سعادات الآخرة: فالعلوم الكثيرة والأخلاق الفاضلة والاستغراق في معرفة الله تعالى وَعَلى آلِ يَعْقُوبَ أي أولاده كَما أَتَمَّها أي نعمته عَلى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ أي من قبل هذا الوقت إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ عطف بيان لأبويك إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٦) فالله أعلم حيث يجعل رسالته ومقدس عن العبث فلا يضع النبوة إلا في نفس قدسية وهذا يقتضي حصول النبوة لأولاد يعقوب، وأيضا إن رؤية يوسف إخوته كواكب دليل على مصير أمرهم إلى النبوة، فإن الكواكب يهتدى بأنوارها.
وكانت تأويلها بأحد عشر نفسا لهم فضل يستضيء بعلمهم ودينهم أهل الأرض، لأنه لا شيء أضوأ من الكواكب. وأما ما وقع منهم في حق يوسف فهو قبل النبوة، فالعصمة من المعاصي إنما تعتبر وقت النبوة لا قبلها على خلاف في ذلك. لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ أي في قصتهم آياتٌ أي عبرات لِلسَّائِلِينَ (٧) أي لكل من سأل عن قصتهم وعرفها أو للطالبين للآيات المعتبرين بها فإنهم المنتفعون بها دون من عداهم إِذْ قالُوا أي بعض العشرة لبعضهم لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ الشقيق بنيامين بكسر الباء وفتحها أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ أي والحال أنّا جماعة قائمون بدفع المفاسد والآفات مشتغلون بتحصيل المنافع والخيرات، وقائمون بمصالح الأب فنحن أحق بزيادة المحبة منهما لفضلنا بذلك وبكوننا أكبر سنا. ونقل عن علي رضي الله عنه أنه قرأ و «نحن عصبة» بالنصب. إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ عن رعاية المصالح في الدنيا
قال شمعون: ودان والباقون كانوا راضين إلا من قال: لا تقتلوا إلخ. اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يحصل اليأس من اجتماعه مع أبيه يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ أي يقبل عليكم أبوكم بكليته ولا يلتفت إلى غيركم وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ أي من بعد يوسف من قتله أو تغريبه في أرض بعيدة قَوْماً صالِحِينَ (٩) أي تائبين إلى الله تعالى من الكبائر ومتفرقين لإصلاح أمور دنياكم وصالحين مع أبيكم بإصلاح ما بينكم وبينه قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ أي من إخوة يوسف هو يهوذا فإنه أقدمهم في الرأي والفضل وأقربهم إلى يوسف سنا لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ.
وقال قتادة: القائل لإخوته روبيل حتى قال: القتل كبيرة عظيمة وَأَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ أي في قعره.
وقرأ نافع «غيابات» بالجمع في الموضعين. قال قتادة: الجب هنا هو بئر بيت المقدس. وقال وهب: هو في أرض الأردن. وقال ابن زيد: هو بحيرة طبرية. يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ أي يرفعه بعض طائفة تسير في الأرض إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ (١٠) بمشورتي ولم يقطع القول عليهم بل إنما عرض عليهم ذلك تأليفا لقلبهم وحذرا من نسبتهم له إلى الافتيات أو إن كنتم فاعلين ما عزمتم عليه من إزالته من عند أبيه ولا بد فافعلوا هذا القدر أي إلقاءه في البئر. والأولى أن لا تفعلوا شيئا من القتل والتغريب.
قالُوا لأبيهم إعمالا للحيلة في الوصول إلى مقاصدهم مستفهمين على وجه التعجب لأنه علم منهم السوء، وهذا مبني على مقدمات محذوفة، وذلك أنهم قالوا أولا ليوسف: اخرج معنا، إلى الصحراء إلى مواشينا فنستبق ونصيد، وقالوا له: سل أباك أن يرسلك معنا، فسأله فتوقف يعقوب فقالوا له: يا أَبانا ما لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلى يُوسُفَ أي أيّ شيء ثبت لك لا تجعلنا أمناء عليه مع أنه أخونا وأنك أبونا ونحن بنوك وَالحال وَإِنَّا لَهُ لَناصِحُونَ (١١) أي لعاطفون عليه قائمون بمصلحته وبحفظه، أي هم أظهروا عند أبيهم أنهم في غاية المحبة ليوسف وفي غاية الشفقة عليه أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً إلى الصحراء يَرْتَعْ أي نتسع في أكل الفواكه ونحوها وَيَلْعَبْ بالاستباق والانتضال تمرينا لقتال الأعداء، وبالإقدام على المباحات لأجل انشراح الصدر لا للهو.
وقرأ نافع وعاصم وحمزة، والكسائي بمثناة تحتية على إسناد الفعل ليوسف لأنهم سألوا إرسال يوسف معهم ليفرح هو باللعب لا ليفرحوا به وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (١٢) من أن يناله مكروه قالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ أي ليؤلم قلبي ذهابكم به لأني لا أصبر عنه ساعة وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ لكثرة الذئب في تلك الأرض. وَأَنْتُمْ عَنْهُ غافِلُونَ (١٣) لاشتغالكم بالاتساع
قال السدي: إن يوسف عليه السلام لما برز مع إخوته أظهروا له العداوة الشديدة وجعل هذا الأخ يضر به فيستغيث بالآخر فيضربه ولا يرى فيهم رحيما، فضربوه حتى كادوا يقتلونه وهو يقول: يا يعقوب لو تعلم ما يصنع بابنك لأباك فقال يهوذا: أليس قد أعطيتموني موثقا أن لا تقتلوه. فانطلقوا به إلى الجب يدلونه فيه وهو متعلق بشفير البئر فنزعوا قميصه وكان غرضهم أن يلطخوه بالدم ويعرضوه على يعقوب. فقال لهم: ردوا علي قميصي لأتوارى به. فقالوا: ادع الشمس والقمر والأحد عشر كوكبا لتؤنسك، ثم دلوه في البئر حتى إذا بلغ نصفها ألقوه ليموت، وكان في البئر ماء فسقط فيه، ثم آوى إلى صخرة فقام بها وهو يبكي، فنادوه فظن أن رحمة أدركتهم فأجابهم فأرادوا أن يرضخوه بصخرة، فقام يهوذا فمنعهم من ذلك، وكان يهوذا يأتيه بالطعام وبقي فيها ثلاث ليال.
وروي أنه عليه السلام لما ألقي في الجب قال: يا شاهدا غير غائب ويا قريبا غير بعيد، ويا غالبا غير مغلوب اجعل لي من أمري فرجا ومخرجا.
وروي أن إبراهيم عليه السلام لما ألقي في النار جرد عن ثيابه فجاءه جبريل عليه السلام بقميص من حرير الجنة وألبسه إياه، فدفعه إبراهيم إلى إسحاق، ودفعه إسحاق إلى يعقوب فجعله يعقوب في تميمة وعلقها في عنق يوسف، فجاءه جبريل فأخرجه من التميمة وألبسه إياه.
وروي أن جبريل قال له: إذا رهبت شيئا فقل: يا صريخ المستصرخين ويا غوث المستغيثين، ويا مفرج كرب المكروبين قد ترى مكاني وتعلم حالي ولا يخفى عليك
شيء من أمري. فلما قالها يوسف حفته الملائكة واستأنس في الجب. وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ في الجب إزالة لوحشته عن قلبه، وتبشيرا له بما يؤول إليه أمره. وكان ابن سبع عشرة سنة. لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا أي لتخبرن يا يوسف إخوتك بصنيعهم هذا بك بعد هذا اليوم وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (١٥) في ذلك الوقت أنك يوسف حتى تخبرهم لعلو شأنك وبعد حالك عن أوهامك. والمقصود تقوية قلبه بأنه سيحصل له الخلاص عن هذه المحنة ويصيرون تحت قهره وقدرته. وَجاؤُ أَباهُمْ عِشاءً يَبْكُونَ (١٦) أي لما طرحوا يوسف في الجب رجعوا إلى أبيهم وقت العشاء في ظلمة الليل متباكين.
وقرئ «عشيا» بالتصغير «لعشي» أي آخر النهار. وقرئ «عشى» بالضم والقصر جمع
قالُوا يا أَبانا إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ يسابق بعضنا بعضا في الرمي.
روي أن في قراءة عبد الله «إنا ذهبنا ننتضل» وَتَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا من ثياب وأزواد وغيرهما ليحفظه فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا أي بمصدق لنا في هذه المقالة وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ (١٧) أي ولو كنا عندك موصوفين بالصدق والثقة لشدة محبتك ليوسف فكيف وأنت سيئ الظن بنا غير واثق بقولنا: وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ أي فوق قميص يوسف بِدَمٍ كَذِبٍ أي بدم ملابس لكذب.
وقرئ «كذبا» على أنه حال من الضمير أي جاءوا كاذبين أو مفعول له. وقرأت عائشة رضي الله عنها «بدم كذب» بالدال المهملة أي كدر أو طري. قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً أي قال يعقوب: ليس الأمر كما تقولون بل زينت لكم أنفسكم أمرا غير ما تصفون. قيل: لما جاءوا على قميصه بدم جدي وقد ذهلوا عن خرق القميص فلما رأى يعقوب القميص صحيحا قال: كذبتم لو أكله الذئب لخرق قميصه، وقال بعضهم: بل قتله اللصوص فقال: كيف قتلوه وتركوا قميصه وهم إلى قميصه أحوج منه إلى قتله؟ وقيل: إنهم أتوه بذئب وقالوا: هذا أكله فقال يعقوب: أيها الذئب أنت أكلت ولدي وثمرة فؤادي فأنطقه الله عز وجل وقال: والله ما أكلت ولدك ولا رأيته قط ولا يحل لنا أن نأكل لحوم الأنبياء فقال له يعقوب: فكيف وقعت في أرض كنعان؟ قال: جئت لصلة الرحم قرابة لي فأخذوني وأتوا بي إليك فأطلقه يعقوب. فَصَبْرٌ جَمِيلٌ أي فصبري صبر جميل أو فصبر جميل أولى من الجزع وهو أن لا يشكو البلاء لأحد غير الله تعالى وَاللَّهُ الْمُسْتَعانُ أي المطلوب منه العون عَلى ما تَصِفُونَ (١٨) أي على تحمل ما تصفون من هلاك يوسف وكأن الله تعالى قد مضى على يعقوب أن يوصل إليه تلك الغموم الشديدة، والهموم العظيمة ليكثر رجوعه إلى الله تعالى وينقطع تعلق فكره عن الدنيا فيصل إلى درجة عالية في العبودية لا يمكن الوصول إليها إلا بتحمل المحن الشديدة والله أعلم. وَجاءَتْ سَيَّارَةٌ أي رفقة تسير من جهة مدين يريدون مصر فأخطأوا الطريق فانطلقوا يهيمون في الأرض حتى وقعوا في الأراضي التي فيها الجب- وهي أرض دوثن بين مدين ومصر- فنزلوا عليه فَأَرْسَلُوا وارِدَهُمْ أي ساقيهم ليطلب لهم الماء وهو من يهيئ الأرشية والدلاء فيتقدم الرفقة إلى الماء يقال له: مالك بن ذعر الخزاعي ابن أخي سيدنا شعيب عليه السلام وهو رجل من العرب من أهل مدين فَأَدْلى دَلْوَهُ أي فأرخى دلوه في جب يوسف فتعلق هو فلم يقدر الساقي على نزعه من البئر فنظر فيه فرأى غلاما قد تعلق بالدلو فنادى أصحابه قالَ يا بُشْرى أي يا أصحابي، وقال الأعمش: إنه دعا امرأة اسمها بشرى.
وقال السدي: إنه نادى صاحبه واسمه بشرى كما قرأه حمزة وعاصم والكسائي بغير ياء
وَقالَ الَّذِي اشْتَراهُ مِنْ مِصْرَ أي في مصر من مالك بن ذعر وكان اشتراؤه بعشرين درهما وحلة ونعلين، فالذي اشتراه في مصر هو قطفير خازن الملك الريان بن الوليد، وهو صاحب جنوده، وقد آمن الملك بيوسف ومات في حياة يوسف عليه السلام فملك بعده قابوس بن مصعب، فدعاه يوسف إلى الإسلام فأبى واشترى ذلك الوزير يوسف وهو ابن سبع عشرة سنة، وأقام في منزله ثلاث عشرة سنة، واستوزره ريان بن الوليد وهو ابن ثلاثين سنة وآتاه الله الملك والحكمة وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة وتوفي وهو ابن مائة عشرين سنة. لِامْرَأَتِهِ زليخا. وقال ابن إسحاق: اسمها راعيل بنت رعيائيل: أَكْرِمِي مَثْواهُ أي اجعلي منزله عندك كريما حسنا مرضيا: والمعنى أحسني تعهده عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أي يقوم بإصلاح مهماتنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً أي نتبناه، وكان قطفير لا يأتي النساء وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ أي وكما نجينا يوسف من القتل والجب وجعلنا في قلب الوزير حنوا عليه تعطيه مكانة أي رتبة عالية في أرض مصر وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ أي تعبير بعض المنامات التي أعظمها رؤيا الملك وصاحبي السجن وهذا عطف على مقدر متعلق بمكنا، أي جعلنا يوسف وجيها بين أهل مصر ومحببا في قلوبهم لينشأ منه ما جرى بينه وبين امرأة العزيز ولنعلمه بعض تأويل الرؤيا وَاللَّهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ أي أمر نفسه لأنه فعال لما يريد لا دافع لقضائه ولا مانع عن حكمه في
قرأ نافع وابن عامر في رواية ابن ذكوان «هيت» بكسر الهاء وفتح التاء، وقرأ ابن كثير «هيت» بضم التاء وفتحها مع فتح الهاء، وقرأ هشام بن عمار عن أبي عامر «هئت لك» بكسر الهاء وبالهمزة الساكنة وضم التاء، والباقون بفتح الهاء وإسكان الياء وفتح التاء وإن قرئ «هيت» بفتح الهاء والتاء أو ضم التاء فمعناه تعال وبادر أنالك وإن قرأت بكسر الهاء، ثم بالهمزة الساكنة وضم التاء فمعناه تهيأت لك قالَ يوسف: مَعاذَ اللَّهِ أي أعوذ بالله معاذا مما تدعينني إليه إِنَّهُ أي الشأن العظيم رَبِّي أي سيدي العزيز أَحْسَنَ مَثْوايَ أي تعهدي حيث أمرك بإكرامي فلا يليق بالعقل أن أجازيه على ذلك الإحسان بالخيانة في حرمه إِنَّهُ أي الشأن لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (٢٣) أي المجازون للإحسان بالإساءة وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها أي قصدت زليخا مخالطة يوسف مع التصميم وقصد مخالطتها بمقتضى الطبيعة البشرية وشهوة الشباب لا بقصد
اختياري وذلك مما لا يدخل تحت التكليف بل الحقيق بالمدح والأجر الجزيل من الله تعالى من يكف نفسه عن الفعل عند قيام هذا الهم ولهذا قال بعض أهل الحقائق: الهم قسمان: هم ثابت وهو إذا كان معه عزم وعقد ورضا- مثل هم امرأة العزيز- فالعبد مأخوذ به. وهم عارض وهو الخطرة وحديث النفس من غير اختيار ولا عزم- مثل هم يوسف عليه السلام- والعبد غير مأخوذ به ما لم يتكلم أو يعمل لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ أي لولا أن أيقن بحجة ربه الدالة على كمال قبح الزنا وجواب لولا محذوف. أي لولا مشاهدته برهان ربه في شأن الزنا لجرى على موجب ميله الجبلي، لكنه حيث كان البرهان الذي هو الحكم والعلم حاضرا لديه حضور من يراه بالعين فلم يهم أصلا. والحاصل أن هذا البرهان عند المحققين المثبتين لعصمة الأنبياء هو حجة الله تعالى في تحريم الزنا والعلم بما على الزاني من العقاب، أو المراد برؤية البرهان حصول الأخلاق الحميدة وتذكير الأحوال الرادعة لهم عن الإقدام على المنكرات.
كَذلِكَ أي مثل ذلك التثبيت ثبتناه لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ أي مقدمات الفاحشة من القبلة والنظر بشهوة وَالْفَحْشاءَ أي الزنا إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ (٢٤). قرأه ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر بكسر اللام في جميع القرآن أي الذين أخلصوا دينهم الله تعالى، والباقون بفتح اللام أي الذين اختارهم الله تعالى لطاعته بأن عصمهم عما هو قادح فيها أو أخلصهم من كل سوء وَاسْتَبَقَا الْبابَ أي تسابقا إلى الباب البراني الذي هو المخلص فإن سبق يوسف فتح الباب للخروج وإن سبقت زليخا أمسكت الباب لمنع الخروج وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ أي شقت قميص يوسف من خلف بنصفين من وسطه إلى قدميه فغلبها يوسف وخرج وخرجت خلفه وَأَلْفَيا سَيِّدَها أي صادفا زوجها قطفير لَدَى الْبابِ أي البراني.
روى كعب رضي الله عنه: أنه لما هرب يوسف عليه السلام صار فراش القفل يتناثر حتى خرج من الأبواب قالَتْ لزوجها خائفة من التهمة ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً قيل: إن يوسف أراد أن يضربها ويدفعها عن نفسه وكان ذلك بالنسبة إليها جاريا مجرى السوء فذكرت كلاما مبهما، ثم خافت أن يقتله العزيز وهي شديدة الحب له فقالت: إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٢٥) أي ليس جزاؤه إلا السجن أو الضرب الوجيع، وإنما أخرت ذكر الضرب لأن المحب لا يشتهي إيلام المحبوب وإنما أرادت أن يسجن يوما أو أقل على سبيل التخفيف، أما الحبس الطويل فلا يعبر عنه بهذه العبارة بل يقال: يجب أن يجعل من المسجونين قالَ هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي ولم يقل هذه ولا تلك لفرط استحيائه- وهو أدب حسن حيث أتى بلفظ الغيبة- ولم يكن يوسف يريد أن يهتك سترها، ولكن لما لطخت عرضه احتاج إلى إزالة هذه التهمة عن نفسه فصرّح بالأمر فقال: هي طالبتني للمواتاة وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها وهو ابن داية زليخا أو ابن خال لها وكان عمره شهرين أنطقه الله تعالى لبراءة يوسف. وروي أن العزيز اشترى يوسف، بوزنه ذهبا ووزنه فضة، ووزنه لؤلؤا، ووزنه مرجانا، ووزنه مسكا، ووزنه عنبرا فلما ذهب به إلى البيت شغفت به زليخا فقالت لحاضنتها: ما الحيلة؟ فقالت لها: يا سيدتي لو نظر إليك لكان أسرع حبا منك إليه، ولو رأى حسنك وجمالك وصفاء لونك ما قرّ له قرار دونك فقالت: وكيف ذلك؟
فقالت: مكنيني من الأموال، فقالت: خزائني بين يديك فخذي ما شئت لا حساب عليك وأمرت بإحضار أهل البناء والهندسة، وقالت: أريد بيتا يرى الوجه في سقفه وفي حيطانه كما يرى في
إن غلامك هذا يريد أن يخونك في أهلك أي شيء جزاؤه أن يسجن أو عذاب أليم. فقال له العزيز: يا يوسف ما كان هذا جزائي منك أحللتك محل أولادي وتخونني في أهلي! فقال يوسف عليه السلام: إن لي شاهدا يشهد لي بالبراءة فقال له: أين الشاهد وليس معكما في البيت ثالث؟
فقال: هذا الطفل يشهد لي بالبراءة، فأوحى الله لجبريل أن اهبط على الطفل وشق له لسانه حتى يشهد لعبدي يوسف بالبراءة فعند ذلك تنحنح الطفل وقال: أيها الملك إن عندي في أمرك هذا ما لك فيه فرج ومخرج، انظر إلى قميص الغلام العبراني إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ أي شق من قدام فَصَدَقَتْ أي فقد صدقت المرأة وَهُوَ مِنَ الْكاذِبِينَ (٢٦) في قوله: هي راودتني وَإِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ أي من خلف فَكَذَبَتْ أي فقد كذبت المرأة في دعواها وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٢٧) في قوله: هي راودتني فَلَمَّا رَأى أي زوجها قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قالَ لها زوجها قطفير وقد قطع بصدقه وكذبها إِنَّهُ أي هذا القذف له في ضمن قولك: ما جزاء من أراد بأهلك سوءا مِنْ كَيْدِكُنَّ أي من جنس مكركن أيتها النساء إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (٢٨) لأن لهن في هذا الباب من الحيل ما لا يكون للرجال ولأن كيدهن في هذا الباب يورث من العار ما لا يورثه كيد الرجال يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا أي يا يوسف أعرض عن ذكر هذه الواقعة حتى لا ينتشر خبرها ولا يحصل العار العظيم بسببها، واكتمه فقد ظهر صدقك ونزاهتك، اسْتَغْفِرِي يا زليخا لِذَنْبِكِ الذي صدر عنك أي توبي إلى الله تعالى مما رميت يوسف به وهو بريء منه إِنَّكِ كُنْتِ بسبب ذلك مِنَ الْخاطِئِينَ (٢٩). في هذا القول الذي لا يليق بمقام الأنبياء وكان العزيز رجلا حليما، فاكتفى بهذا القدر من مؤاخذتها، وكان قليل الغيرة قال: في البحر أن
وقرأ جماعة من الصحابة والتابعين «شغفها» بالعين المهملة أي قد أحرق حبها فتاها حجاب قلبها. والمعنى أن اشتغالها بحبه صار حجابا بينها وبين كل ما سوى هذه المحبة فلا يخطر ببالها إلا هو إِنَّا لَنَراها فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٣٠) أي إنا نعلمها في ضلال واضح عن طريق الرشد بسبب حبها إياه
فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أي قولهن المستدعي لنظرهن إلى وجه يوسف أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ أي أرادت إظهار عذرها فاتخذت مأدبة ودعت أربعين امرأة من أشرف مدينتها فيهن الخمس المذكورات وَأَعْتَدَتْ أي أحضرت لَهُنَّ مُتَّكَأً أي وسائد يتكئن عليها، هذا «إن» قرئت مشددة فإن قرئت مخففة فمعناها اترنجة فإنهم كانوا يتكئون على المسانيد عند الطعام والشراب والحديث على عادة المتكبرين ولذلك جاء النهي عنه في الحديث وهو
قوله صلّى الله عليه وسلّم: «لا آكل متكئا»
. وَآتَتْ أي أعطت كُلَّ واحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً لأجل أكل الفاكهة واللحم لأنهم كانوا لا يأكلون من اللحم إلا ما يقطعون بسكاكينهم وَقالَتِ أي زليخا ليوسف وهي مشغولات بأعمال الخناجر في الطعام: اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ أي ابرز لهن ومر عليهن فإن يوسف عليه السلام ما قدر على مخالفتها خوفا منها فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ أي أعظمنه وهبنه ودهشن
عند رؤيته من شدة جماله وقيل:
معنى أكبرن أي حضن والهاء إما للسكت أو ضمير راجع إلى يوسف على حذف اللام، أي حضن له من شدة الشبق وأيضا إن المرأة إذا فزعت فربما أسقطت ولدها فحاضت ويقال: أكبرت المرأة أي دخلت في الكبر وذلك إذا حاضت، لأنها بالحيض تخرج من حد الصغر إلى حد الكبر وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ أي جرحن أيديهن حتى سال الدم ولم يجدن الألم لفرط دهشتهن وشغل قلوبهن بيوسف وَقُلْنَ حاشَ لِلَّهِ أي تنزيها لله تعالى من العجز حيث قدر على خلق جميل مثل هذا ما هذا بَشَراً أي ليس يوسف آدميا.
وقرأ ابن مسعود «ما هذا بشر» بالرفع. وقرئ «ما هذا بشرى» أي ما هو بعبد مملوك للبشر حاصل بشراء إِنْ هذا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ (٣١) على الله فإنه قد ثبت في العقول أنه لا شيء أحسن من الملك كما ثبت فيها أن لا شيء أقبح من الشيطان.
وقيل: اسم الأول: مرطش، والثاني: رأسان، وسبب سجنهما أن جماعة من أهل مصر أرادوا قتل الملك فجعلوا لهما رشوة على أن يسما الملك في طعامه وشرابه فأجاباهم إلى ذلك، ثم إن الساقي ندم ورجع عن ذلك وقبل الخباز الرشوة وسمّ الطعام، فلما حضر الخبز بين يدي
مسمياتها في تلك الذوات فكأنكم لا تعبدون إلا الأسماء المجردة عن الذوات. والمعنى أنكم سميتم ما لم يدل على استحقاقه الألوهية عقل ولا نقل آلهة ثم أخذتم تعبدونها باعتبار ما تطلقون عليها إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أي ليس الحكم في أمر العبادة إلا لله فليس لغير الله حكم واجب القبول ولا أمر واجب الالتزام أَمَرَ على ألسنة الأنبياء عليهم السلام أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ لأن العبادة نهاية التعظيم فلا تليق إلا بمن حصل منه نهاية الأنعام وهو الله تعالى لأن منه الخلق والإحياء والرزق والهداية، ونعم الله كثيرة وجهات إحسانه إلى الخلق غير متناهية ذلِكَ أي تخصيصه تعالى بالعبادة الدِّينُ الْقَيِّمُ أي الذي تعاضدت عليه البراهين عقلا ونقلا وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٤٠) أن ذلك هو الدين المستقيم لجهلهم بتلك البراهين
ولما فرغ سيدنا يوسف من الدعاء إلى عبادة الله تعالى رجع إلى تعبير رؤياهما فقال: يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُما وهو الشرابي فَيَسْقِي رَبَّهُ أي سيده خَمْراً وَأَمَّا الْآخَرُ وهو الخباز فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ.
روي أن الساقي لما قصّ رؤياه على يوسف قال له: ما أحسن ما رأيت. أما الكرم: فهو العمل الذي كنت فيه، وأما العنب: فهو عزك في ذلك العمل، وأما الأغصان الثلاثة: فثلاثة أيام يوجه إليك الملك عند انقضائهن، وأما العنب الذي عصرت وناولت الملك: فهو أن يردك إلى عملك فتصير كما كنت بل أحسن، ولما قص الخباز رؤياه على يوسف قال له: بئسما رأيت. أما خروجك من المطبخ: فهو أن تخرج من عملك، وأما ثلاث سلال: فهي ثلاثة أيام تكون في السجن، وأما أكل الطير من رأسك: فهو أن يخرجك الملك بعد ثلاثة أيام ويصلبك وتأكل الطير من رأسك ففزعا لتعبير رؤيا الخباز وقالا جميعا: ما رأينا شيئا إنما كنا نلعب فقال لهما يوسف: قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ (٤١) أي تم الأمر الذي تسألان عنه رأيتما أو لم تريا فكما قلتما وقلت لكما كذلك يكون وَقالَ أي يوسف عليه السلام لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ ناجٍ أي للرجل الذي ظنه ناجيا من القتل مِنْهُمَا أي من صاحبيه وهو الساقي: اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ أي عند سيدك الملك الكبير فقل له: إن في السجن غلاما يحبس ظلما خمس سنين فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ أي أنسى الشيطان بوسوسته الشرابي ذكره ليوسف عند الملك. ويقال: فأنسى الشيطان يوسف أن يذكر ربه حتى طلب
وقرئ «بعد أمه» بفتح الهمزة والميم، ثم بالهاء أي بعد نسيان. أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ أي أنا أخبرك أيها الملك بتعبير رؤياك فَأَرْسِلُونِ (٤٥) إلى السجن فأرسله إليه فأتى يوسف فقال له: يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أي البالغ في الصدق أَفْتِنا أي بين لنا فِي سَبْعِ بَقَراتٍ سِمانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ من البقر عِجافٌ في وَسَبْعِ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ في سبع وَأُخَرَ من السنابل يابِساتٍ أي في رؤيا ذلك رآها الملك لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ أي أعود إلى الملك وجماعته بفتواك لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ (٤٦) فضلك وعلمك فإن الساقي علم عجز سائر المعبرين عن جواب هذه المسألة فخاف أن يعجز يوسف عنه أيضا قالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً أي متتابعة على عادتكم في الزراعة فَما حَصَدْتُمْ من الزرع في كل سنة فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ أي كوافره ولا تدوسوه لئلا يقع
وقيل: معنى يعصرون يحلبون الضروع. وقيل: معناه يمطرون. وقيل: معناه ينجون من الشدة وعلى هذين يقرأ بالبناء للمفعول. وهذا من مدلولات المنام، لأنه لما كانت العجاف سبعا دل ذلك على أن السنين المجدبة لا تزيد على هذا العدد، فالحاصل بعده هو الخصب على العادة الإلهية حيث يوسع الله على عباده بعد تضييقه عليهم فلما رجع الشرابي إلى الملك وأخبره بما ذكره يوسف استحسنه الملك وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أي بيوسف لما علم من فضله وعلمه فرجع الساقي إلى يوسف فَلَمَّا جاءَهُ أي يوسف الرَّسُولُ وقال له: أجب الملك. قالَ أي يوسف له: ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ أي إلى سيدك الملك الكبير فَسْئَلْهُ ما بالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ أي فاسأل الملك بأن يفتش عن شأن النسوة ليعلم براءتي عن تلك التهمة، وإنما لم يخرج يوسف من السجن في الحال لأنه لو خرج قبل ظهور براءته من تلك التهمة عند الملك فلربما يقدر الحاسد على أن يتوسل إلى الطعن فيه بعد خروجه إِنَّ رَبِّي أي سيدي ومربيّ، وهو ذلك الملك بِكَيْدِهِنَّ أي بمكرهن عَلِيمٌ (٥٠) فلما أبى يوسف أن يخرج من السجن قبل تبين الأمر رجع الرسول إلى الملك فأخبره بما قال يوسف عليه السلام، فأمر الملك بإحضارهن وكانت زليخا معهن،
قالَ أي الملك مخاطبا لهن لأن كل واحدة منهن راودت يوسف لأجل امرأة العزيز بقولها ليوسف أطع مولاتك: ما خَطْبُكُنَّ أي ما شأنكن إِذْ راوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ أي خادعتنه هل وجدتن فيه ميلا إلى قولكن قُلْنَ حاشَ لِلَّهِ أي تنزيها له ما عَلِمْنا عَلَيْهِ أي يوسف مِنْ سُوءٍ أي من خيانة في شيء من الأشياء قالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أي الآن تبين الحق ليوسف أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ أي أنا دعوته إلى نفسي وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (٥١) أي في قوله: حين افتريت عليه هي راودتني عن نفسي وإنما أقرت زليخا بذنبها، وأشهدت لبراءة يوسف عن الذنب مكافأة على فعل يوسف حيث ترك ذكرها. وقال: ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن مع أن الفتن كلها إنما نشأت من جهتها وقد عرفت أن ذلك لرعاية حقها ولتعظيمها
ومقصود زليخا بهذا الكلام الاعتذار مما كان، وتنزيه يوسف من الذنب إن كل نفس لأمارة بالسوء إلا نفسا رحمها الله بالعصمة- كنفس يوسف عليه السلام- إن ربي
غفور لمن استغفر من ذنبه، رحيم له. فعلى هذا يكون تأتيه عليه السلام في الخروج من السجن لعدم رضاه ملاقاة الملك حتى يتبين أنه إنما سجن بظلم عظيم مع ما له من نباهة الشأن ليتلقاه الملك بما يليق به من الإجلال وقد حصل ذلك. وَقالَ الْمَلِكُ أي الكبير وهو الريان: ائْتُونِي بِهِ أي بيوسف أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي أي أجعله خاصا بي دون العزيز.
روي أن الرسول قال ليوسف عليه السلام: «قم إلى الملك متنظفا من درن السجن بالثياب النظيفة والهيئة الحسنة» فكتب على باب السجن هذه منازل البلوى وقبور الأحياء وشماتة الأعداء وتجربة الأصدقاء، فلما أراد الدخول على الملك قال: اللهم إني أسألك بخيرك من خيره، وأعوذ بعزتك وقدرتك من شره، ثم دخل على الملك فسلم عليه بالعربية فقال له الملك: ما هذا اللسان؟ قال: لسان عمي إسماعيل، ثم دعا له بالعبرانية فقال له: وما هذا اللسان؟ قال: هذا لسان آبائي وكان الملك يتكلم بسبعين لغة ولم يعرف هذين اللسانين وكان الملك كلما كلمه بلسان أجابه يوسف به وزاد عليه بالعربية والعبرانية.
روي أنها كانت أربعين فرسخا في أربعين فرسخا.
وقرأ ابن كثير «نشاء» بالنون مسندا إلى الله تعالى. روي أنه لما تمت السنة من يوم سأل يوسف الإمارة دعاه الملك فتوجه وأخرج خاتم الملك وجعله في إصبعه وقلده بسيفه، وجعل له سريرا من ذهب مكللا بالدر والياقوت، طوله ثلاثون ذراعا وعرضه عشرة أذرع عليه ستون فراشا وضرب له عليه حلة من إستبرق فقال يوسف عليه السلام: أما السرير فأشد به ملكك، وأما الخاتم فأدبر به أمرك، وأما التاج فليس من لباسي ولا لباس آبائي فقال الملك: وضعته إجلالا لك وإقرارا بفضلك وأمره أن يخرج فخرج متوجا لونه كالثلج ووجهه كالقمر يرى الناظر وجهه فيه من صفاء لونه فانطلق حتى جلس على ذلك السرير ودانت له الملوك وفوض الملك الأكبر إليه ملكه وأمر مصر وعزل قطفير عما كان عليه وجعل يوسف مكانه ومات قطفير بعد ذلك فزوجه عليه السلام الملك امرأته زليخا، فلما دخل يوسف عليها قال لها: أليس هذا خيرا مما كنت تريدين قالت: أيها الصدّيق لا تلمني فإني كنت امرأة حسناء ناعمة كما ترى، وكان صاحبي لا يأتي النساء، وكنت كما جعلك الله في حسنك وهيئتك، فغلبتني نفسي وعصمك الله. فأصابها يوسف فوجدها عذراء فولدت له ذكرين أفراثم وميشا، فاستولى يوسف على ملك مصر وأقام فيها العدل وأحبه الرجال والنساء، وأسلم على يديه الملك وكثير من الناس، وباع من أهل مصر في سني القحط الطعام في السنة الأولى: بالدنانير والدراهم. وفي الثانية: بالحلي والجواهر. وفي
كيف رأيت صنع الله بي فيما خولني فما ترى في هؤلاء؟ قال الملك: الرأي رأيك ونحن لك تبع.
قال: فإني أشهد الله وأشهدك أني قد أعتقت أهل مصر عن آخرهم ورددت عليهم أملاكهم، وكان يوسف لا يبيع من أحد من الممتارين أكثر من حمل بعير تقسيطا بين الناس ومات الملك في حياة يوسف نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا أي بعطائنا في الدنيا من الملك والغني وغيرهما من النعم مَنْ نَشاءُ من عبادنا وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (٥٦) لأن إضاعة الأجر إما أن تكون للعجز أو للجهل أو للبخل والكل ممتنع في حق الله تعالى فكانت الإضاعة ممتنعة وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (٥٧) أي ولأجر المحسنين وهم الذين آمنوا بالله والكتب والرسل، واتقوا الفواحش في الآخرة خير لهم. والمراد أن يوسف وإن كان قد وصل إلى الدرجات الرفيعة في الدنيا فثوابه الذي أعده الله له في الآخرة أفضل وأكمل وقد ثبت أن الله تعالى شهد بأن يوسف عليه السلام كان من المتقين ومن المحسنين ومن المخلصين وَجاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ إلى مصر وهم عشرة ليمتاروا أي لما وصل القحط إلى البلدة التي يسكنها يعقوب عليه السلام وهي ثغور الشام من أرض فلسطين قال لبنيه: إن بمصر ملكا صالحا يبيع الطعام فتجهزوا إليه واقصدوه لتشتروا منه ما تحتاجون إليه من الطعام، فخرجوا غير بنيامين حتى قدموا مصر فَدَخَلُوا عَلَيْهِ أي على يوسف وهو في مجلس ولايته فَعَرَفَهُمْ بأول نظرة نظر إليهم لقوة فهمه وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (٥٨) أي والحال أنهم لا يعرفونه لطول المدة فبين أن ألقوه في الجب ودخولهم عليه أربعون سنة، ولأنهم رأوه جالسا على سرير الملك وعليه ثياب حرير وفي عنقه طوق من ذهب، وعلى رأسه تاج من ذهب، فكلموه بالعبرانية فقال لهم: من أنتم وأيّ شيء أقدمكم بلادي؟ فقالوا: قدمنا لأخذ الميرة، ونحن قوم رعاة من أهل الشام، أصابنا الجهد. فقال: لعلكم عيون تطلعون على عوراتنا وتخبرون بها أعداءنا. فقالوا: معاذ الله، قال: من أين أنتم؟ قالوا: من بلاد كنعان نحن إخوة بنو أب واحد وهو شيخ كبير صدّيق، نبي من أنبياء الله اسمه يعقوب، قال: كم أنتم؟ قالوا: كنا اثني عشر فهلك منا واحدا، فقال: كم أنتم هاهنا؟ قالوا: عشرة. قال: فأين الحادي عشر؟ قالوا: هو عند أبيه يتسلى به عن الهالك، لأنه أخوه الشقيق. قال: فمن لم يشهد لكم أنكم لستم عيونا وأن ما تقولون حق؟ قالوا: نحن ببلاد غربة لا يعرفنا فيها أحد فيشهد لنا! قال: فأتوني بأخيكم الذي من أبيكم إن كنتم صادقين فأنا أكتفي بذلك منكم. قالوا: إن أبانا يحزن لفراقه. قال: فاتركوا بعضكم عندي رهينة حتى تأتوني به، فاقترعوا فيما بينهم فأصابت القرعة شمعون وكان أحسنهم رأيا في يوسف في أمر الجب فتركوه عنده فأمر بإنزالهم وإكرامهم وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ أي فلما أوقر
قالُوا سَنُراوِدُ عَنْهُ أَباهُ أي سنطلبه من أبيه ونحتال على أن ننزعه من يده وَإِنَّا لَفاعِلُونَ (٦١) ما أمرتنا به من أن نجيئك بأخينا فإنهم كانوا محتاجين إلى تحصيل الطعام ولا يمكن إلا من عنده وَقالَ لِفِتْيانِهِ أي لخدامه الكيالين.
وقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم «لفتيانه» بالألف والنون. والباقون «لفتيته» بالتاء من غير الألف. اجْعَلُوا بِضاعَتَهُمْ فِي رِحالِهِمْ أي دسوا دراهمهم التي اشتروا بها الطعام في أوعيتهم التي يحملون فيها الطعام لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَها أي لكي يعرفوا بضاعتهم إِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمْ أي إذا رجعوا إلى أبيهم وفرغوا أوعيهم لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٦٢) أي لعل معرفتهم ذلك تدعوهم إلى الرجوع إلينا، لأنهم إذا علموا أن ذلك من سخاء يوسف بعثهم على العود عليه والرغبة في معاملته وأيضا أن سيدنا يوسف يخاف من أن لا يكون عند أبيه من الدراهم ما يرجعون به مرة أخرى فَلَمَّا رَجَعُوا أي إخوة يوسف غير شمعون إِلى أَبِيهِمْ بكنعان قالُوا قبل أن يشتغلوا بفتح المتاع: يا أَبانا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ أي حكم العزيز بمنع الطعام بعد هذه المرة إن لم يذهب معنا بنيامين إليه، فَأَرْسِلْ مَعَنا أَخانا بنيامين إلى مصر. وقال يعقوب: أين شمعون؟
قالوا:
ارتهنه ملك مصر وأخبروه بالقصة نَكْتَلْ أي نرفع المانع من الكيل بسببه ونكتل بسببه من الطعام ما نشاء.
وقرأ حمزة والكسائي «يكتل» بالياء أي يكتل أخونا لنفسه مع اكتيالنا. وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (٦٣) من أن يصيبه مكروه وضامنون برده إليك قالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَما أَمِنْتُكُمْ عَلى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ أي قال لهم يعقوب: كيف آمنكم على بنيامين وقد فعلتم بأخيه يوسف ما فعلتم وإنكم ذكرتم مثل هذا الكلام بعينه في يوسف وضمنتم لي حفظه فما فعلتم فلما لم يحصل الأمن والحفظ هناك فكيف يحصل هاهنا وإنما أفوّض الأمر إلى الله فَاللَّهُ خَيْرٌ حافِظاً منكم.
قرأ حفص وحمزة والكسائي بفتح الحاء وبألف بعدها على التمييز أي حفظ الله بنيامين خير من حفظكم. وقرأ الباقون «حفظا» بكسر الحاء وسكون الفاء. وقرأ الأعمش «فالله خير حافظا».
. قال: فهل لك من ولد؟ قال: لي عشرة بنين قال: فهل لك من أخ لأمك؟ قال: كان لي أخ فهلك، قال يوسف: أتحب أن أكون أخاك بدل أخيك الهالك؟ قال: بنيامين ومن يجد أخا مثلك أيها الملك ولكن لم يلدك يعقوب ولا راحيل! فبكى يوسف عليه السلام وقام إليه وعانقه وقالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلا تَبْتَئِسْ أي فلا تحزن بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (٦٩) أي لا تلتفت إلى ما صنعوه فيما تقدم من أعمالهم المنكرة وفيما يعملون بك من الجفاء ويقولون لك من التعيير والأذى، قال بنيامين: فأنا لا أفارقك، وقال يوسف: قد علمت اغتمام والدك بي فإذا حبستك عندي ازداد غمه ولا يمكنني هذا إلا بعد أن أشهرك بأمر فظيع، وأنسبك إلى ما لا يحمد قال: لا أبالي فافعل ما بدا لك فإني لا أفارقك. قال يوسف: فإني أدس صاعي في رحلك، ثم أنادي عليك بالسرقة لأحتال في ردك بعد إطلاقك معهم. قال: فافعل ما شئت فذلك قوله تعالى: فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ أي فلما هيأ يوسف لهم ما يحتاجون للسفر وحمل لهم أحمالهم من الطعام على إبلهم جَعَلَ السِّقايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ أي دسّ مشربته التي كان يشرب فيها في وعاء طعام أخيه الشقيق بنيامين، ثم أمرهم بالسير، ثم أرسل خلفهم عبده ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أي نادى مناد مع رفع صوت مرارا كثيرة أَيَّتُهَا الْعِيرُ أي يا أصحاب الإبل التي عليها الأحمال إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ (٧٠) وهذا الكلام إما على سبيل الاستفهام، وإما على قصد المعاريض. والمعنى إنكم لسارقون ليوسف من أبيه ليكون للمنادي مندوحة عن الكذب.
قالُوا أي إخوة يوسف وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ أي والحال إنهم التفتوا إلى جماعة الملك المؤذن وأصحابه: ماذا تَفْقِدُونَ (٧١) أي أي شيء صاع منكم. قالُوا أي أصحاب الملك: نَفْقِدُ صُواعَ الْمَلِكِ أي نطلب إناء الملك الذي كان يشرب فيه ويكيل وإنما اتخذ هذا الإناء مكيالا لعزة ما يكال به في ذلك الوقت قال المؤذن:
وَلِمَنْ جاءَ بِهِ أي بالإناء من عند نفسه مظهرا له قبل التفتيش حِمْلُ بَعِيرٍ من الطعام أجرة له وَأَنَا بِهِ أي بالحمل زَعِيمٌ (٧٢) أي كفيل أؤديه إليه، لأن الإناء كان من الذهب وقد اتهمني الملك. قالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ يا أهل مصر ما جِئْنا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ أي أرض مصر بمضرة
روي أنه لما بلغت النوبة إلى وعائه قال: ما أظن هذا أخذ شيئا؟ فقال إخوة يوسف: والله لا نتركك حتى تنظر في رحله فإنه أطيب لنفسك وأنفسنا ثُمَّ اسْتَخْرَجَها أي الصواع مِنْ وِعاءِ أَخِيهِ فقال له: فرجك الله كما فرجتني كَذلِكَ كِدْنا لِيُوسُفَ أي كما ألهمنا إخوة يوسف إن جزاء السارق أن يسترق كذلك ألهمنا يوسف حتى دسّ الصواع في رحل أخيه ليضمه إليه على ما حكم به إخوته ما كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ أي لم يكن يوسف يأخذ أخاه في حكم الملك بسبب من الأسباب إلا بسبب مشيئة الله، وهو حكم أبيه. أي وكان حكم ملك مصر في السارق أن يضرب ويغرم مثلي قيمة المسروق، فما كان يوسف قادرا على حبس أخيه عند نفسه إلا أن الله تعالى كادله ما جرى على لسان إخوته أن جزاء السارق هو الاسترقاق نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ.
وقرأ عاصم وحمزة والكسائي بالتنوين. والباقون بالإضافة، أي نرفع رتبا كثيرة عالية من العلم من نشاء رفعه وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ (٧٦) أي إن إخوة يوسف كانوا علماء فضلاء، ويوسف كان زائدا عليهم في العلم ففوق كل عالم عالم إلى أن ينتهي العلم إلى الله تعالى فليس فوقه أحد. قالُوا أي إخوة يوسف تبرئة لأنفسهم: إِنْ يَسْرِقْ أي بنيامين سقاية الملك فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ أي قالوا للملك: إن هذا الأمر ليس بغريب من بنيامين فإن أخاه الذي هلك كان سارقا أيضا. قال سعيد بن جبير: كان جد يوسف أبو أمه كافرا يعبد الأوثان فأمرته أمه بأن يسرق تلك الأوثان ويكسرها فلعله يترك عبادة الأوثان ففعل ذلك فهذا هو السرقة فَأَسَرَّها أي إجابتهم يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ أي في قلبه وَلَمْ يُبْدِها أي لم يظهر الإجابة لَهُمْ قالَ أي يوسف في نفسه أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً أي منزلة في السرقة من يوسف حيث سرقتم أخاكم من أبيكم وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما تَصِفُونَ (٧٧) أي بحقيقة ما تذكرون من أمر يوسف هل يوجب عود مذمة إليه أم لا؟ قالُوا مستعطفين: يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ أي ملك مصر إِنَّ لَهُ أي
روي أنهم كلموا العزيز في إطلاق بنيامين فقال روبيل: أيها الملك لتردن إلينا أخانا أو لأصيحن صيحة لا تبقى بمصر حامل إلا ألقت ولدها ووقفت كل شعرة في جسده فخرجت من ثيابه فقال يوسف لابنه: قم إلى جنب روبيل فمسه فذهب ذلك الابن فمسه، فسكن غضبه. فقال روبيل: إن هذا بذر من بذر يعقوب وهمّ أن يصيح فركض يوسف عليه السلام على الأرض وأخذ بملابسه وجذبه فسقط على الأرض. وقال له: أنتم يا معشر العبرانيين تزعمون أن لا أحد أشد منكم فلما رأوا ما نزل بهم ورأوا أن لا سبيل إلى الخلاص خضعوا،
ثم قال لهم كبيرهم:
ارْجِعُوا يا إخوتي إِلى أَبِيكُمْ دوني فَقُولُوا له متلطفين بخطابكم: يا أَبانا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ صواع الملك من ذهب وَما شَهِدْنا إِلَّا بِما عَلِمْنا أي رأينا أن الصواع استخرجت من وعائه وَما كُنَّا لِلْغَيْبِ أي باطن الحال حافِظِينَ (٨١) أي إن حقيقة الأمر غير معلومة لنا فإن الغيب لا يعلمه إلا الله فلعل الصواع دس في رحله ونحن لا نعلم ذلك وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها أي واسأل أهل قرية من قرى مصر التي كنا فيها وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها أي واسأل
أي يعقوب لهم: نَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ
أي لا أذكر الحزن العظيم ولا الحزن القليل إلا مع الله أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ
(٨٦) أي أعلم من رحمته ما لا تعلمون وهو أنه تعالى يأتيني بالفرج من حيث لا أحتسب، أي إنه يعلم أن رؤيا يوسف صادقة، ويعلم أن يوسف حي لأن ملك الموت قال له:
اطلبه هاهنا وأشار إلى جهة مصر ويعلم أن بنيامين لا يسرق، وقد سمع أن الملك ما آذاه وما ضرّ به فغلب على ظنه أن ذلك الملك هو يوسف فمن ذلك قال: يا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ أي استعلموا بعض أخبار يوسف وأخيه بنيامين فإن حالهما مجهولة ومخوفة بخلاف حال روبيل وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ أي لا تقنطوا من فرج الله وفضله. وقرأ الحسن وقتادة «من روح الله» بضم الراء، أي من رحمته إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ (٨٧) لأن اليأس من رحمة الله تعالى لا يحصل إلا إذا اعتقد الإنسان أن الإله غير قادر على الكمال أو غير عالم
وروي أنهم لما قالوا ذلك وتضرعوا إليه اغرورقت عيناه فعند ذلك قالَ مجيبا عما عرصوا به من طلب رد أخيهم بنيامين: هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ أي ما أعظم ما أتيتم من أمر يوسف وأخيه من تفريق يوسف من أبيه وإفراده عن أخيه لأبيه وأمه إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ (٨٩) أي حال كونكم جاهلين عقبى فعلكم ليوسف من خلاصه من الجب وولايته السلطنة قالُوا أي إخوته: أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ.
قرأ ابن كثير «إنك» على لفظ الخبر. وقرأ نافع «أإنك» بفتح الألف غير ممدودة وبالياء.
كان ليعقوب وإسحاق مثل ذلك، فلما عرفوه بتلك العلامة قالوا ذلك. قالَ جوابا لسؤالهم: أَنَا يُوسُفُ وَهذا أي بنيامين أَخِي أي شقيقي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا بالجمع بيننا بعد التفرقة وبكل عز ولم يقل عليه السلام في الجواب: هو أنا، بل صرّح بالاسم تعظيما لما نزل به عليه السلام من ظلم إخوانه وما عوّضه الله من النصر والملك فكأنه قال: أنا يوسف الذي ظلمتموني على أعظم الوجوه، وأنا العاجز الذي قصدتم قتله، والله تعالى أوصلني إلى أعظم المناصب كما ترون فكان في إظهار الاسم هذه المعاني ولهذا قال: وهذا أخي مع أنهم كانوا يعرفونه، لأن مقصوده عليه السلام أن يقول وهذا أيضا مظلوم، ثم صار هو منعما عليه من الله تعالى كما ترون إِنَّهُ أي الشأن والمحدث مَنْ يَتَّقِ معاصي الله وَيَصْبِرْ على أذى الناس والمحن فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (٩٠) ويقوم الظاهر مقام الضمير لاشتماله على النعتين اللذين هما التقوى والصبر
قالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ أي فضلك الله عَلَيْنا بالعلم والحلم والحسن والعقل والملك وَإِنْ كُنَّا أي وإن الشأن كنا لَخاطِئِينَ (٩١) أي لمتعمدين في الإثم فهم اعتذروا منه وتابوا. قالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ خبر ثان، أي إني حكمت في هذا اليوم بأن لا توبيخ مطلقا، وتقدير الكلام:
روي أن يوسف عليه السلام وجّه إلى أبيه جهازا ومائتي راحلة مع إخوته ليأتوا بجميع أهله إلى مصر، وهم يومئذ اثنان وسبعون ما بين رجل وامرأة، وكانوا حين خرجوا من مصر مع موسى عليه السلام ستمائة ألف وخمسمائة وبضعة وسبعين رجلا سوى الذرية والهرمى وكانت الذرية
إنك كنت دائم الرغبة في وصال يوسف، ودائم الحزن بسبب فراقه، فإذا وجدته فاسجد له، فكان الأمر بذلك السجود من تمام التشديد من الله تعالى على يعقوب عليه السلام قال سلمان: كان بين رؤياه وتأويلها أربعون عاما وَقَدْ أَحْسَنَ بِي أي وقد لطف بي محسنا إلي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ إنما ذكر إخراجه من السجن ولم يذكر إخراجه من الجب لئلا تخجل إخوته، ولأن خروجه من السجن كان سببا لصيرورته ملكا ولوصوله إلى أبيه وإخوته ولزوال التهمة عنه وكان ذلك من أعظم نعمه تعالى عليه وَجاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ أي من البادية وكان يعقوب وأولاده أصحاب ماشية فسكنوا البادية.
وروي أن يعقوب عليه السلام أقام معه أربعا وعشرين سنة فلما حضرته الوفاة أوصى إلى ابنه يوسف أن يحمل جسده إلى الشام ويدفنه عند قبر أبيه إسحاق فلما مات بمصر حمله يوسف وجعله في تابوت من ساج فوافق ذلك موت عيص أخي يعقوب، وكانا قد ولدا في بطن واحد فدفنا في قبر واحد، وكان عمرهما مائة وسبع وأربعين سنة فلما دفن يوسف أباه رجع إلى مصر وعاش بعد أبيه ثلاثا وعشرين سنة فلما تم أمره وعلم أن نعيم الدنيا لا يدوم سأل الله حسن العاقبة فقال: رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ أي بعضا منه وهو ملك مصر وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ أي بعضا من تعبير الرؤيا فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أي يا خالقهما أَنْتَ وَلِيِّي أي أنت الذي تتولى إصلاح جميع مهماتي فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً دعا يوسف بذلك مع علمه بأن كل نبي لا يموت إلا مسلما إظهارا للعبودية والافتقار، وشدة الرغبة في طلب
سعادة الخاتمة، وتعليما لغيره. والمطلوب هاهنا كمال حال المسلم وهو أن يستسلم لحكم الله تعالى على وجه يستقر قلبه على ذلك الاستسلام، ويرضى بقضاء الله وقدره ويكون مطمئن النفس منشرح الصدر منفسح القلب في ذلك، وهذه الحالة زائدة على الإسلام الذي هو ضد الكفر وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (١٠١) أي بآبائي المرسلين إبراهيم وإسماعيل وإسحاق، ويعقوب في ثوابهم ودرجاتهم في الجنة وولد ليوسف أفراثيم وميشا، وولد لأفرائيم نون وولد لنون يوشع فتى موسى عليه السلام، ولقد توارثت الفراعنة من العمالقة مصر بعد يوسف ولم يزل بنو إسرائيل تحت أيديهم على بقايا دين يوسف، وآبائه إلى أن بعث الله تعالى موسى عليه السلام ذلِكَ أي خبر يوسف وإخوته مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ الذي لا يحوم حوله أحد نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ أي عند إخوة يوسف إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ أي حين عزموا على إلقائهم يوسف في غيابة الجب وَهُمْ يَمْكُرُونَ (١٠٢) أي والحال أنهم يحتالون بيوسف ويريدون بذلك قتل يوسف أي ذلك الخبر لا سبيل إلى معرفتك إياه إلا بالوحي، وأما ما ينقله أهل الكتاب فليس على ما هو عليه، ومثل هذا التحقيق بلا وحي لا يتصور إلا بالحضور فيكون معجزا، لأن محمدا لم يطالع الكتب ولم يأخذ عن أحد من البشر وما كانت بلده بلد العلماء فإتيانه بهذه القصة على وجه لم يقع فيه غلط كيف لا يكون معجزا وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وهم قريش واليهود وَلَوْ حَرَصْتَ أي بالغت في طلب إيمانهم بإظهار الآيات الدالة على صدقك بِمُؤْمِنِينَ (١٠٣) لإصرارهم على العناد.
روي أن اليهود وقريشا لما سألوا عن قصة يوسف وعدوا أن يسلموا فلما أخبرهم بها على
وقرئ برفع «والأرض» على الابتداء و «يمرون عليها» خبره. وقرأ السدي بنصبها على معنى ويطؤن الأرض. وَهُمْ عَنْها أي الآية مُعْرِضُونَ (١٠٥) أي غير متفكرين فيها فلا عجب إذا لم يتأملوا في الدلائل الدالة على نبوتك يا أشرف الخلق وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ (١٠٦) أي لا يؤمن أكثرهم بوجود الله إلا في حال شركهم فالكافرون مقرون بوجود الله لكنهم يثبتون له شريكا في المعبودية. وعن ابن عباس أن أهل مكة قالوا: الله ربنا وحده لا شريك له والملائكة بناته.
وقال عبدة الأصنام: ربنا الله وحده والأصنام شفعاؤنا عنده، وقالت اليهود: ربنا الله وحده وعزيز ابن الله، وقالت النصارى: ربنا الله وحده لا شريك له والمسيح ابن الله، وقال عبدة الشمس والقمر: ربنا الله وحده وهؤلاء أربابنا وكل من هؤلاء لم يوحدوا بل أشركوا. وقال المهاجرون والأنصار: ربنا الله وحده ولا شريك معه أَفَأَمِنُوا أي أهل مكة أَنْ تَأْتِيَهُمْ غاشِيَةٌ مِنْ عَذابِ اللَّهِ أي أفلم يخافوا أن تأتيهم في الدنيا عقوبة تشملهم أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أي فجأة من غير سبق علامة وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (١٠٧) بإتيانها غير مستعدين لها. قُلْ يا أشرف الخلق لأهل مكة:
هذِهِ أي الدعوة إلى التوحيد والإيمان بالإخلاص سَبِيلِي أي ديني أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ بهذا الدين عَلى بَصِيرَةٍ أي حجة واضحة أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي «فأدعوا» إما مستأنف أو حال من الياء «وعلى بصيرة» إما حال من فاعل «أدعوا» أو من الياء، و «أنا» إما توكيد للمستكن في «أدعوا» أو في «على بصيرة»، «ومن اتبعني» عطف على فاعل «أدعو».
قال صلّى الله عليه وسلّم: «العلماء أمناء الرسل على عباد الله من حيث يحفظون لما يدعونهم إليه»
«١». وَسُبْحانَ اللَّهِ أي وأسبح سبحان الله وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٠٨) الذين اتخذوا مع الله ضدا وولدا وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى وهذا رد على أهل مكة حيث أنكروا نبوة سيدنا محمد صلّى الله عليه وسلّم وقالوا: هلا بعث الله
قال صلّى الله عليه وسلّم: «من بدا جفا ومن اتبع الصيد غفل»
«١». وقرأ حفص عن عاصم «نوحي» بالنون مبنيا للفاعل. والباقون بالياء مبنيا للمفعول أَفَلَمْ يَسِيرُوا أي أهل مكة فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أي كيف صار آخر أمر المكذبين للرسل والآيات ممن قبلهم فيعتبروا بما حل بهم من عذابنا وَلَدارُ الْآخِرَةِ أي الجنة خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا معاصي الله أَفَلا تَعْقِلُونَ (١٠٩).
وقرأ نافع وابن عامر وعاصم بالتاء على الخطاب لأهل مكة. والباقون على الغيبة حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ أي لا يغررهم تماديهم فيما هم فيه من الراحة والرخاء فإن من قبلهم أمهلوا حتى أيس الرسل عن النصر عليهم في الدنيا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا.
وقرأ عاصم وحمزة والكسائي بتخفيف الذال المكسورة. والمعنى وظن القوم أن الرسل أخلفوا في وعدهم بالنصر، أي أخلف الله وعده لرسلهم بالنصر. وقرأ الباقون بالتشديد.
والمعنى وظن الرسل أنهم قد كذبهم الأمم الذين آمنوا بهم بما جاءوا به من الله وهذا التأويل منقول عن عائشة رضي الله عنها وهو أحسن الوجوه، وقالت: إن البلاء لم يزل من الأنبياء حتى خافوا من أن يكذبهم الذين كانوا قد آمنوا بهم جاءَهُمْ نَصْرُنا لهم بهلاك أعدائهم فَنُجِّيَ مَنْ نَشاءُ هم الرسل والمؤمنون بهم. وقرأ ابن عامر وعاصم بنون واحدة فعل ماض مبني للمفعول. والباقون بنونين الثانية ساكنة وبسكون الياء فعل مضارع وَلا يُرَدُّ بَأْسُنا أي عذابنا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (١١٠) أي المشركين إذا نزل بهم
لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ بفتح القاف أي قصص يوسف وإخوته وأبيه عليهم السلام. وقرئ بكسر القاف أي قصص الأنبياء وأممهم عِبْرَةٌ أي عظة عظيمة لِأُولِي الْأَلْبابِ أي لذوي العقول الذين انتفعوا بمعرفتها ما كانَ أي هذا القرآن فقد تقدم ذكره في قوله تعالى: وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا [طه: ١١٣] حَدِيثاً يُفْتَرى فلا يصح من محمد أن يختلق فيه ولا يصح الكذب من القرآن فليس بكذب في نفسه وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ أي ولكن كان القرآن مصدق الكتب التي قبله وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ أي ومبينا بين الحلال والحرام وسائر ما يتصل بالدين وَهُدىً في الدنيا من الضلالة وَرَحْمَةً أي سببا لحصول الرحمة من العذاب يوم القيامة لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (١١١) أي يصدقونه فإنهم المنتفعون به.