تفسير سورة النحل

صفوة البيان لمعاني القرآن
تفسير سورة سورة النحل من كتاب صفوة البيان لمعاني القرآن .
لمؤلفه حسنين مخلوف . المتوفي سنة 1410 هـ
مكية، وآياتها ثمان وعشرون ومائة

﴿ أتى أمر الله.... ﴾ قرب ودنا ما وعد الله به صلى الله عليه وسلم، من النصر على الأعداء،
و الانتقام منهم بالقتل والسبي واستئصال الأموال، والاستيلاء على المنازل والديار. أو قرب مجئ يوم القيامة الذي فيه عذاب المنكرين. وأبرز المتوقع في صورة الواقع لتحققه ولصدق المخبر به. ﴿ فلا تستعجلوه ﴾ أي الأمر فإنه واقع لا محالة. وكان الكفار يستعجلون الموعود به استهزاء. ﴿ سبحانه وتعالى عما يشركون ﴾ تنزه وتعاظم بذاته عن إشراكهم المؤدى إلى صدور تلك الأباطيل عنهم. أو عن أن يكون له شريك فيدفع ما أراد الله بهم. وكانوا يقولون : إن صح مجيء يوم القيامة فإن الأصنام تشفع لنا فيه.
﴿ ينزل الملائكة بالروح ﴾ بالوحي، أي الموحى به الذين من جملته التوحيد، كما في قوله تعالى :﴿ يلقى الروح من أمره على من يشاء من عباده ﴾١. وإطلاق الروح عليه مجاز، لأن بالوحي تحيى القلوب الميتة بداء الجهل والضلال، كما أن بالروح حياة الأبدان. والمراد بالملائكة : جبريل عليه السلام رسول الوحي ومن معه من حفظة الوحي. وقيل : جبريل خاصة، والواحد يسمى باسم الجمع إذا كان رئيسا عظيما.
١ آية ١٥ غافر.
﴿ خلق السماوات... ﴾ شروع في بيان أدلة التوحيد، واتصاف ذاته العلية بصفات الجلال والإكرام، والتنبيه على أن كل واحد منها كاف في صرف المشركين عما هم فيه من الشرك. والمراد بالسماوات والأرض : العالم العلوي والسفلي. وخلقها بالحق : إيجادها متلبسا بما يحق له بمقتضى الحكمة البالغة.
﴿ خلق الإنسان... ﴾ أي هذا النوع غير الفرد الأول منه وهو آدم عليه السلام﴿ من نطفة ﴾ أي من مني. وأصلها الماء الصافي. أو قليل الماء الذي يبقى في الدلو أو القربة، كالنطافة. وجمعها نطف ونطاف. يقال : نطفت القربة – من باب قتل وضرب- إذا قطرت، من النطف بمعنى السيلان
و التقاطر. ﴿ فإذا هو خصيم مبين ﴾ مخاصم ومجادل في البعث مع خلقه من نطفة مهينة، ينكر على خالقه القدرة عليه ويقول :﴿ من يحيي العظام وهي رميم ﴾. ﴿ مبين ﴾ بين الخصومة ظاهرها. يقال : خصم الرجل يخصم – من باب تعب- إذا أحكم الخصومة، فهو خصم وخصيم.
﴿ و الأنعام خلقها ﴾ بعد أن ذكر خلق السماوات والأرض ثم خلق الإنسان، ذكر ما ينتفع به الإنسان، وبدأ بذكر الحيوان المنتفع به وهو الأنعام : الإبل والبقر والغنم. ﴿ لكم فيها دفء ﴾ الدفء : السخونة، ويقابله حدة البرد. ويطلق على ما يدفئ من الأصواف والأوبار، وعلى نتاج الإبل وألبانها وما ينتفع به منها. يقال : دفىء الرجل – من باب طرب- فهو دفىء – كتعب – ودفأن وهي دفآن، كغضبان وغضبى.
﴿ ولكم فيها جمال ﴾ زينة وعظمة ووجاهة عند الناس ﴿ حين تريحون ﴾ حين تردونها بالعشي من مسارحها إلى مراحها. يقال : أراح الماشية يريحها إراحة، إذا ردها إلى المراح، وهو منزلها الذي
تأوي إليه وتروح عشية.
﴿ حين تسرحون ﴾حين تخرجونها غدوة من مراحها إلى مسارحها ومراعيها. يقال : سرحت الماشية أسرحها سرحا وسروحا، أي أخرجتها بالغداة إلى المرعى، وسرحت هي. وسرح فلان ماشيته يسرحها تسريحا : إذا أخرجها للمرعى غدوة.
﴿ وتحمل أثقالكم... ﴾ أي وتحمل الإبل أحمالكم الثقيلة إلى بلد لم تكونوا بالغيه بها إلا بمشقة أنفسكم وعنائها. أو إلا بذهاب نصف أنفسكم، أي نصف قوتكم. والأثقال : جمع ثقل، وهو ما يثقل الإنسان حمله من متاع وغيره. والشق – بالكسر - : المشقة. ومن كل شيء : نصفه. وقرئ بفتح الشين بمعنى المشقة أيضا. وقيل : المفتوح المصدر، والمكسور الاسم.
﴿ والخيل.. ﴾ ثم ذكر أنواعا أخرى من الحيوان المنتفع به. ﴿ ويخلق مالا تعلمون ﴾ ويخلق لكم غير ذلك أشياء ترتفقون بها، وتنتفعون بثمراتها في الدنيا، لا تعلمونها الآن ولا تخطر لكم ببال، وستعلمونها حين يجيء الوقت المقدر لخلقها، والله عليم خبير.
﴿ وعلى الله قصد السبيل ﴾ بيان طريق الهدى، بنصب الدلائل عليه وإرسال الرسل، وإنزال الكتب لدعوة الناس إليه. والسبيل : الطريق. والقصد منه : هو المستقيم الذي لا اعوجاج فيه وهو الإسلام. يقال : سبيل قصد وقاصد، أي مستقيم، كأنه يقصد الوجه الذي يؤمه السالك ولا يعدل عنه، فهو نحو : طريق سائر. ﴿ ومنها جائر ﴾ أي ومن جنس السبيل معوج منحرف عن الحق، وهو ملل الكفر ونحل أهل الأهواء الضالة، من الجور ضد العدل وضد القصد.
﴿ هو الذي أنزل... ﴾ شروع في ذكر أنواع أخرى من النعم على الإنسان والحيوان. ﴿ ومنه شجر ﴾ أي ومن الماء ينبت شجر وهو ما ترعاه الماشية. ﴿ فيه تسيمون ﴾ أي ترعون دوابكم. يقال : أسام فلان إبله يسميها إسامة، إذا أخرجها إلى المرعى. وسامت هي تسوم سوما، إذا رعت حيث شاءت. وأصل السوم : الإبعاد في المرعى.
﴿ وسخر لكم الليل... ﴾ بيان لأنواع أخرى سماوية وأرضية مما خلق لنفع الإنسان.
﴿ والنجوم مسخرات بأمره ﴾ بتدبيره الجاري على وفق مشيئته تعالى. والجملة مبتدأ وخبر، والجار والمجرور متعلق بالخبر.
﴿ و ما ذرأ لكم في الأرض ﴾ معطوف على ﴿ النجوم ﴾ أي وما خلق لأجلكم في الأرض من حيوان ونبات ومعادن، حال كونه﴿ مختلفا ألوانه ﴾ أي أصنافه وأنواعه في الخلقة والهيئة، والخواص والمنافع.
﴿ وهو الذي سخر البحر... ﴾ بيان لنوع آخر مما خلق للانتفاع به وهو البحار. ﴿ حلية ﴾ بالكسر : ما يتحلى به نساؤكم ويتزين به، كاللؤلؤ والمرجان. وجمعها حلى ووحلي. أما جمع الحلي –بفتح السكون- فهو حلي. ﴿ وترى الفلك مواخر فيه ﴾ جواري في البحر، تشق الماء شقا. يقال : مخرت السفينة تمخر وتمخر مخرا ومخورا، إذا جرت تشق بالماء بمقدمها. وأصل المخر : الشق. يقال : مخر الماء الأرض، إذا شقها.
﴿ رواسي... ﴾ جبالا ثوابت. ﴿ أن تميد بكم ﴾ كراهة أن تميد، أولئك تميد، أي تميل بكم وتضطرب. يقال : مادت السفينة تميد ميدا، إذا تحركت ومالت. ومادت الأغصان : تمايلت.
﴿ أفمن يخلق كمن لا يخلق ﴾ من هذه الآية إلى آية ٢٩، ومن آية ٣٣ على آية ٣٩ في محاجة عبدة الأصنام ومنكري البعث، بعد بيان دلائل القدرة الباهرة والوحدانية، وخلق هذه النعم الوافرة التي ينقلب فيها العباد. أي أفمن يخلق هذه المخلوقات البديعة وغيرها كمن لا يخلق شيئا. فكيف تعبدون من لا يستحق العبادة، وتتركون عبادة من يستحقها وهو الله وحده ؟
﴿ لا جرم ﴾ حق وثبت أن الله يعمل ( آية ٢٢ هود ص ٣٢١ ).
﴿ أساطير الأولين ﴾ أباطيلهم وترهاتهم. جمع أسطورة، كأعاجيب وأعجوبة( آية ٢٥ الأنعام ص ٢١٩ ).
﴿ ليحملوا أوزارهم... ﴾ آثام ضلالهم كاملة، ويحملوا معها آثام إضلالهم لأتباعهم، فضاعف لهم العذاب على الضلال والإضلال. ﴿ بغير علم ﴾ أي من المضلين بما يستحقونه من العقاب الشديد على الإضلال، بل يقدمون عليه جهلا منهم بما يستحقونه منه.
﴿ تشاقون فيهم ﴾ تخاصمون المؤمنين في شأنهم، وتزعمون أنهم شركاء حقا. ﴿ إن الخزي اليوم ﴾ أي الذل والهوان يوم القيامة ﴿ والسوء ﴾ أي العذاب ﴿ على الكافرين ﴾
وأبدل منهم :﴿ الذين تتوفاهم الملائكة ﴾ أ ي توفتهم. وعبر بالمضارع حكاية للحالة الماضية.
﴿ فألقوا السلم ﴾ فاستسلموا لأمره تعالى وانقادوا حين رأوا عذاب الآخرة، وجحدوا ما كان منهم في الدنيا من الشرك والعصيان، وقالوا كاذبين :﴿ ما كنا نعمل من سوء ﴾ وهو كما قالوا :﴿ و لله ربنا كنا مشركين ﴾١ فرد الله، أو الذين أوتوا العلم عليهم بقولهم :﴿ بلى إن الله عليم بما كنتم تعلمون ﴾ فيجازيكم عليه، ولا يجديكم نفعا إنكاركم له.
١ آية ٢٣ الأنعام ص ٢١٩.
﴿ فبئس مثوى المتكبرين ﴾ أي فبئس مقام المتعاظمين عن الإيمان بالله : جهنم.
﴿ أدخلوا الجنة بما كنتم تعملون ﴾١ هو نظير قوله تعالى :﴿ و تلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون ﴾. أي بسبب أعمالكم الصالحة، وسببيتها عادية، والسبب الحقيقي فضل الله ورحمته بقبولها وجعلها سببا.
١ آية ٧٢ الزخرف.
﴿ هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة ﴾ ( آية ٢١٠ البقرة ص ٢٩ – ١٥٨ الأنعام ص ٢٤٩ ).
﴿ أو يأتي أمر ربك ﴾ أي القيامة التي فيها عذابهم. أو العذاب المستأصل لهم في الدنيا.
﴿ وقال الذين أشركوا ﴾ هو كقوله تعالى :﴿ سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ﴾ ( آية ١٤٨ الأنعام ص ٢٤٧ )
﴿ واجتنبوا الطاغوت ﴾ ( آية ٢٠٦ البقرة ص ٨٤- ٥١ النساء ص ١٥٤ ) ﴿ حقت عليه الضلالة ﴾ وجبت عليه بالقضاء السابق حتى مات مصرا على الكفر.
﴿ إن تحرص على هداهم ﴾ أي إن نطلب بجهدك هداهم لم تقدر عليه، فإن الله لا يهدي من يخلق فيه الضلالة بسوء اختياره، وفساد استعداده يقال : حرص عليه – كضرب وسمع-، إذا اجتهد والاسم الحرص، بالكسر.
﴿ واقسموا بالله جهد إيمانهم ﴾ أكدوا الأيمان وشددوها بأقصى وسعهم ( آية ٥٣ المائدة ص ١٩٦ ).
﴿ إنما قولنا لشيء ﴾ أي إنما إيجادنا لشيء عند تعلق مشيئتنا به أن نوجده في أسرع ما يكون 'آية ١١٧ البقرة ص ٤٤ ) والآية لتقرير إمكان البعث. وقيل : لبيان كيفية التكوين مطلقا، ومنه التكوين في الإعادة.
﴿ هاجروا في الله ﴾ أي في سبيل الله ابتغاء مرضاته وإعلاء لكلمته. ﴿ لنبوئنهم في الدنيا حسنة ﴾ لننزلنهم في الدنيا دارا حسنة وهي المدينة ( آية ٧٤ الأعراف ص ٢٦٧ )
﴿ بالبينات والزبر ﴾ أي أرسلناهم بالمعجزات للدلالة على صدقهم، وبالكتب لبيان الشرائع والتكاليف يقال : زبرت الكتاب – من باب نصر وضرب-، أي كتبته كتابة عظيمة والزبر : جمع زبور بمعنى مزبور، وهو الكتاب
﴿ لتبين للناس ما نزل إليهم ﴾ من الأحكام والشرائع وأحوال القرون الماضية، وأسرار القرآن وعلومه – بيانا شافيا وافيا، فكانت السنن مفسرة للقرآن.
﴿ أن يخسف الله بهم الأرض ﴾ يهلكهم بالخسف والتغييب في الأرض أو تغييب الأرض بهم. يقال : خسف الله به الأرض خسوفا، غيبه فيها. وخسف هو في الأرض وخسف به.
﴿ أو يأخذهم في تقلبهم ﴾ أي يصيبهم العذاب في أسفارهم. والأخذ في الأصل، حوز الشيء وتحصيله، والمراد به : القهر والإهلاك. والتقلب : الحركة إقبالا وإدبارا، والمراد الأسفار.
﴿ أو يأخذهم على تخوف ﴾ على مخافة وحذر من أن يهلكوا كمن هلك قبلهم. أو من الهلاك لظهور أماراته. أو على تنقص شيئا فشيئا في الأموال والأنفس والثمرات حتى يهلكم جميعا. يقال : تخوفته إذا تنقصته.
﴿ أو لم يروا... ﴾ أي أعموا ولم يروا ما خلق الله من الأشياء ذوات الظلال- كالجبال والأشجار ونحوها – تنتقل ظلالها وترجع من جانب إلى جانب، فتكون أول النهار على حال، وآخره على حال أخر. أو تكون قبل الزوال على حال، وأثناءه على حال، وبعده على حال. منقادة في كل ذلك لله، جارية على ما أراده لها من امتداد وتقلص، غير ممتنعة عليه سبحانه فيما سخرها له، وهو المراد بسجودها. والتقيؤ : تفعل، من فاء يفىء إذا رجع. وفاء لازم ويعدى بالهمزة، كأفاءه الله، وبالتضعيف نحو فيأ الله الظل فتفيأ، فتفيؤ الضلال : رجوعها بعد انتصاف النهار، فلا يكون إلا بالعشي، والظل يكون بالغداة. وقبل مطلقا. ﴿ وهم داخرون ﴾ أي وهذه الأشياء ذوات الظلال أذلاء منقادون لحكمه تعالى. يقال : دخر يدخر دخورا، ودخر يدخر دخرا : صغر وذل. وأدخره فدخر : أذله فذل. وجمعت جمع العقلاء لوصفها بصفتهم، وهي الانقياد والطاعة.
﴿ ولله يسجد ﴾ سجود المؤمنين والملائكة لله تعالى سجود طاعة وعبادة، وسجود غيرهم سجود خضوع وتسخير، يعني أنها لا تستطيع أن تستعصي على ما يريده منها.
﴿ فارهبون ﴾ أي إن رهبتم شيئا فإياي ارهبوا، أي خافوا، من الرهبة وهو خوف معه تحرز.
﴿ وله الدين واصبا ﴾ وله العبادة أو الطاعة والانقياد دائما. أو واجبا لازما. يقال : وصب الشيء يصب وصوبا، دام وثبت، كأوصب. ووصب على الأمر : واظب عليه. ووصب الدين : وجب. و﴿ واصبا ﴾ حال من الضمير في ﴿ له ﴾.
﴿ فإليه تجأرون ﴾ ترفعون أصواتكم بالتضرع في كشفه. يقال : جأر يجأر وجؤارا، رفع صوته بالدعاء وتضرع واستغاث. وأصله صياح الوحش. ﴿ ويجعلون لما لا يعلمون ﴾ أي لآلهتهم التي ليس من شأنها العلم، لكونها جمادات لا تحس ولا تشعر.
﴿ وهو كظيم ﴾، مملوء غيظا وغما. ( آية ١٣٤ آل عمران ص ١٢٥، ٨٤ يوسف ص ٣٩٣ ).
﴿ على هون ﴾، على هوان وذل. ﴿ أم يدسه في التراب ﴾، يخفيه فيه. والمراد : أنه يئده، ويدفنه حيا حتى يموت. أو يهلكه مطلقا، وكانوا يفعلون ببناتهم ذلك. من الدس، وهو إخفاء الشيء في الشيء، وبابه رد.
﴿ مثل السوء ﴾، أي : صفة السوء، التي هي كالمثل في القبح والسوء، وهي كراهة الإناث، ووأدهن، خشية الإملاق أو العار ( آية ٩٨ التوبة ٣٣٢ ).
﴿ لا جرم ﴾، أي : حق وثبت، ﴿ أن لهم النار ﴾ ( آية ٢٢ هود ص ٣٢١ )، ﴿ وأنهم مفرطون ﴾، مقدمون، يعجل بهم إلى النار. يقال : أفرطته إلى كذا، قدمته، وهو معدى بالهمزة، من فرط إلى كذا تقدم إليه. أو منسيون متروكون في النار أبدا، من أفرطت فلانا خلفي : تركته ونسيته.
﴿ لعبرة ﴾ : لعظة، من العبور( آية ١٣ آل عمران ص ٩٩ ). ( من بين فرث ) هو الأشياء المأكولة المنهضمة بعض الانهضام في الكرش، فإذا خرجت من الكرش سميت روثا.
﴿ ومن ثمرات النخيل والأعناب ﴾، أي : ومن ثمراتها ثمر﴿ تتخذون منه سكرا ﴾، أي : خمرا، ﴿ ورزقا حسنا ﴾، وهو نحو الزبيب والتمر والدبس والخل. والسكر كالسكر : مصدر سمي به الخمر. وقد كانت حين الامتنان بها حلالا، إذ السورة مكية، والتحريم في سورة المائدة، وهي آخر السور نزولا بالمدينة ( آية ٩٠ ص ٢٠٥ ). وفي الآية إشارة إلى عدم حسنها، لمقابلتها بالرزق الحسن.
﴿ وأوحى ربك إلى النحل.. ﴾ لما ذكر الله تعالى من دلائل قدرته وبديع صنعته إخراج اللبن من بين فرث ودم، وإخراج السكر والرزق الحسن من ثمرات النخيل والأعناب، ذكر في هذه الآية إخراج العسل – وهو شفاء للناس – من طائر ضعيف : وهو النحل. ﴿ ومما يعرشون ﴾، أي : يبنون للنحل من الخلايا. يقال : عرش يعرش ويعرش، أي : بنى عريشا، كأعراش وعرش، من العرش وهو سقف البيت. ومنه عرشت الكرم وعرشته، إذا جعلت له كهيئة السقف لرفعه عن الأرض. والمراد : أنه تعالى ألهم النحل أن تتخذ بيوتا من الشمع الذي تمج العسل شيئا فشيئا، في كهوف الجبال وفي متجوف الأشجار، وفي الخلايا التي يبنيها الناس لذلك. ولولا هذا الإلهام لم تأو إلى هذه الأماكن، ولم تمج فيها العسل. وفي بنائها هذه البيوت الدقيقة المحكمة البديعة، من مسدسات متساوية الأضلاع لا خلل فيها ولا تفاوت، وفي غدوها لاقتطاف الأزاهير والثمار، ورواحها إلى خلياتها من مسافات بعيدة دون أن تخطئها، وفي تنصيب أمة النحل في الخلايا ملكة عليها نافذة الحكم والسلطان، وإقامة حاجب على كل خلية يحرسها، ولا يمكن غير أهلها من الدخول فيها، مع صغر حجم النحلة وضعف بنيتها، ودأبها على العمل بنظام دقيق – أدلة متضافرة على كمال قدرة مبدعها، وبداعة صنع ملهمها.
وكم في هذه المخلوقات الصغيرة من عجائب ودلائل، كالنمل والعنكبوت والذباب :﴿ إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له، وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب. ما قدروا الله حق قدره إن الله لقوي عزيز ﴾١.
١ آية ٢٣ – ٧٤ الحج.
﴿ سبل ربك ذللا ﴾، مذللة، ذللها الله تعالى، وسهلها لك. جمع ذلول، وهو حال من ﴿ سبل ﴾، أي : الطرق التي هداها إليها، وهي راجعة إلى خلاياها وبيوتها. ﴿ شراب مختلف ألوانه ﴾، تبعا لاختلاف من النحل صغرا وكبرا، ولاختلاف المرعى. ﴿ فيه شفاء للناس ﴾، أي في العسل شفاء للمرضى الذين ينجع العسل في أمراضهم، وذلك من نعمه تعالى، إذ خلق الداء والدواء، وسن التداوي لعباده.
﴿ أرذل العمر ﴾ : أخسه وأحقره، وهو وقت الهرم الذي تنقص فيه القوى وتضعف، ويكون حال الإنسان فيه كحالته وقت الطفولة، من ضعف العقل والقوة، وهو كقوله تعالى :﴿ ومن نعمره ننكسه في الخلق ﴾١. وليس سن معينة على الصحيح.
١ آية ٦٨ يس..
﴿ والله فضل بعضكم ﴾، مثل ضربه الله للذين جعلوا له شركاء. فقال لهم : إنكم لا ترضون أن تسووا بينكم وبين مماليككم فيما أنعمت به عليكم من الأرزاق، ولا أن تجعلوهم فيه شركاء، فكيف رضيتم أن تجعلوا عبيدي شركاء لي في ملكي وسلطاني.
﴿ وحفدة ﴾، أي : أولاد أولاد. أو أعوانا وخدما، يحفدون في مصالحكم ويعينوكم. يقال : حفد يحفد حفدا وحفودا، إذا أسرع في الخدمة والطاعة، ومنه :( وإليك نسعى ونحفد )، أي : نسرع إلى طاعتك.
﴿ فلا تضربوا لله الأمثال ﴾، جمع مثل – بالسكون-، أي : فلا تجعلوا له أمثالا وأكفاء، فهو كقوله تعالى :﴿ فلا تجعلوا لله أندادا ﴾١، أو جمع مثل -بالتحريك-، أي : فلا تشبهوه بخلقه، ولا تشركوا به أحدا.
١ : آية ٢٢ البقرة..
﴿ ضرب الله مثلا ﴾، أي : مثلكم في إشراككم بالله الأوثان، كمثل من سوى بين عبد مملوك عاجز عن التصرف في أي شيء، وبين حر كريم مالك، قد رزقه الله مالا طيبا كثيرا، فهو يتصرف فيه كما يشاء. فهل يستوي العبد والحر الموصوفان بهذه الصفات، مع أنهما مشتركان في البشرية والمخلوقية لله تعالى ؟ وأن ما ينفقه الحر لا دخل له في إيجاده ولا تملكه، وإنما أعطاه الله إياه، فإذا لم يستويا مع ذلك فما ظنكم برب العالمين حيث تشركون معه الأصنام ؟ والأول مثل للصنم، والثاني مثل لله العلي الأعلى.
﴿ وضرب الله مثلا رجلين ﴾، أي : ومثل هؤلاء في إشراكهم بالله هذه الأوثان- مثل من سوى بين رجلين : أحدهم أخرس أصم لا يفهم ولا يفهم، ولا يقدر على شيء، وهو عيال من يلي أمره ويعوله، حينما يرسله لأمر لا يأت بنجح ولا يكفي لمهم. والآخر منطيق فهم ذو رشد ورأي، يكفي الناس في مهماتهم وينفعهم، يحثهم على العدل، وهو في نفسه على صراط مستقيم وسيرة صالحة، لا يتوجه لغرض إلا ويبلغه بأقرب سعي. ﴿ أبكم ﴾، أي : ولد أخرس. ﴿ كل ﴾ : ثقل، وعيال على غيره، أو ثقيل لا خير فيه، وجمعه كلول.
﴿ كلمح البصر ﴾، أي : وما شأن الساعة في سرعة مجيئها إلا كفتح العين. يقال : لمحت الشيء ألمحه لمحا، نظرت إليه باختلاس البصر. ولمحه لمحا ولمحانا : إذا أنظره بسرعة، أو كرجع الطرف من أعلى الحدقة إلى أسفلها. ﴿ أو هو أقرب ﴾، أي : بل هو أقر من ذلك وأسرع. والمقصود : تمثيل سرعة المجيء على وجه المبالغة.
﴿ والأفئدة ﴾، جمع فؤاد، وهو وسط القلب. والفؤاد من القلب كالقلب من الصدر.
﴿ تستخفونها يوم ظعنكم ويوم إقامتكم ﴾، تجدونها خفيفة الحمل وقت سفركم، ووقت نزولكم وإقامتكم في مسيركم. يقال : ظعن يظعن ظعنا وظعنا، سار. ﴿ ومن أصوافها ﴾، أي : وجعل لكم من أصوافها، ﴿ وأوبارها وأشعارها أثاثا ﴾، متاعا كثيرا لبيوتكم من الفرش والأكسية ونحوها، من أث يئث –مثلثه الهمزة – أثاثة وأثاثا، إذا كثر وتكاثف. ﴿ ومتاعا ﴾، وشيئا تنتفعون به في المتجر والمعاش ( آية ٣٩ البقرة ص ٢٥ ). وقيل : الأثاث والمتاع شيء واحد، وجمع بينهما لاختلاف لفظهما.
﴿ والله جعل لكم مما خلق ظلالا ﴾، أي : ما تستظلون به من شدة الحر، من الغمام والجبال
والأشجار ونحوها. ﴿ ومن الجبال أكنانا ﴾، أماكن تستكنون فيها، وهي الكهوف والغيران والأسراب. أو حصونا ومعاقل تسترون فيها. جمع كن، وهو وقاء كل شيء وستره. يقال : كنه وكننه : ستره. ويجمع أيضا على أكنة. ﴿ سرابيل ﴾، قمصا وثيابا من القطن والصوف والكتان ونحو ذلك. ﴿ تقيكم الحر ﴾، أي : والبرد، ففيه اكتفاء لدلالة الكلام عليه. وخص الحر بالذكر لأهميته عندهم، إذ هو أكثر نكاية من البرد. ﴿ وسرابيل تقيكم باسكم ﴾، أي : في حربكم، وهي الدروع ونحوها. والبأس : شدة الحرب.
﴿ ولا هم يستعتبون ﴾، الاستعتاب : طلبك إلى المسيء الرجوع عن إساءته. والعتبى : رجوعه عنها إلى ما يرضيك. وأصل الكلمة من العتب، وهو لومك صاحبك على إساءة كانت منه إليك، فإذا ذكر كل منهما صاحبه بما فرط منه كان عتابا ومعاتبة، أي : لا يطلب منه العتبى، أي : الرجوع عما أغضب الله تعالى منهم إلى ما يرضيه ؛ إذ الدار الآخرة دار جزاء لا دار عمل وتكليف.
﴿ فألقوا إليهم القول ﴾، أي : قال الذين اتخذهم الكفار شركاء الله وعبدوهم من دونه :﴿ إنكم لكاذبون ﴾ في زعمكم أننا شركاء لله، مبطلون في عبادتكم إيانا من دونه.
﴿ وألقوا إلى الله يومئذ السلم ﴾، أي : الاستسلام والانقياد لحكمه في ذلك اليوم، بعد أن كانوا في الدنيا متكبرين عن حكمه تعالى، ولم تغن عنهم آلهتهم شيئا.
﴿ زدناهم عذابا... ﴾ فلهم عذابان : عذاب على الكفر، وعذاب على الصد عن سبيل الله.
﴿ يأمر بالعدل ﴾، العدل : كلمة جامعة لمعنى المماثلة والمساواة والاستقامة والتوسط. شاملة للعدل بين العبد وربه، بإيثار حقه تعالى على حظ نفسه، وتقديم رضاه على هواه، وامتثال أوامره واجتناب منهياته. وللعدل بين العبد ونفسه، يمنعها مما فيه هلاكها وفسادها. وللعدل بين العبد والخلق، بالإنصاف من نفسه، وبذل النصيحة وترك الخيانة والإساءة إليهم، والصبر على الأذى.
وتحقق العدل بالتوسط في كل الأمور، بين طرفي الإفراط والتفريط، اعتقادا كالتوحيد المتوسط بين التعطيل والتشريك. وعملا كالتعبد بأداء الواجبات المتوسط بين البطالة والترهب. وخلقا كالجود المتوسط بين البخل والتبذير. وبالعدل الإلهي قامت السماوات والأرض. والعدل خاصة هذه الأمة، كما قال تعالى :﴿ وكذلك جعلناكم أمة وسطا ﴾١، أي : عدولا خيارا. ﴿ والإحسان ﴾، يطلق الإحسان على إتقان العمل وإكماله، وعلى إيصال النفع إلى الخلق. وهو مصدر أحسن يحسن إحسانا، فيقال : أحسنت كذا، أي : أتقنته وأكملته. وأحسنت إلى فلان، أي : أوصلت إليه ما ينتفع به، وكلاهما مأمور به شرعا. ﴿ وينهي عن الفحشاء ﴾، أي : ما عظم قبحه من الذنوب والمعاصي. ﴿ والبغي ﴾، أي : التطاول على الناس بالظلم والعدوان.
١ آية ١٤٣ البقرة ص ٤٩.
﴿ وأوفوا بعهد الله ﴾، نزلت في الوفاء بالعهود والمواثيق، والمحافظة على الأيمان المؤكدة لها، ومنها مبايعتهم الرسول صلى الله عليه وسلم على الإسلام. وتوكيد اليمين : توثيقها. ﴿ وقد جعلتم الله عليكم كفيلا ﴾، أي : شاهد رقيبا أو ضامنا. والجملة حال من فاعل﴿ تنقضوا ﴾.
﴿ ولا تكونوا كالتي نقضت ﴾، مثل ضرب لناقضي العهود بعد توثيقها. أي : ولا تكونوا فيما تقدمون عليه من النقض كمن أنحت على غزلها بعد إحكامه وإبرامه فنقضته وجعلته﴿ أنكاثا ﴾، حماقة منها جمع نكث، وهو ما نقض ليغزل ثانيا. وفعله من باب قتل. ﴿ تتخذون أيمانكم دخلا بينكم ﴾، أي : لا تكونوا متشبهين بامرأة هذا شأنها، متخذين أيمانكم وسيلة للغدر والخيانة. أو للفساد بينكم.
والدخل : العيب، واستعمل فيما يدخل الشيء وليس منه، ثم كنى به عن الغدر أو للفساد والعداوة المستبطنة. ﴿ أن تكون أمة ﴾، أي : لأجل وجدانكم جماعة أخرى، ﴿ هي أربى من أمة ﴾، أكثر عددا وأعز نفرا من التي عاهدتموها- وكانت قريش تفعل ذلك-، بل عليكم الوفاء بالعهد، وإن قل من عاهدتموهم عن أولئك. و﴿ أربى ﴾ : أزيد عددا وأقوى. يقال : ربا الشيء يربو، إذا كثر.
﴿ ولا تتخذوا أيمانكم.. ﴾، تصريح بالنهي عن اتخاذ الأيمان دخلا، بعد النهي الضمني عنه في الآية السابقة، حيث وقع قيدا لقوله :﴿ ولا تكونوا ﴾ – مبالغة في قبح المنهى عنه، وتمهيدا لقوله تعالى :﴿ فنزل قدم بعد ثبوتها ﴾، ورسوخها عن محجة الإسلام. هو مثل يضرب لكل من وقع في بلية ومحنة بعد عافية ونعمة.
﴿ ما عندكم ينفد ﴾، أي : ما عندكم من متاع الدنيا ونعيمها ينقضي ويفنى. يقال : نفد الشيء ينفد نفادا ونفدا ونفودا، ذهب وفني، ضد بقى. ﴿ وما عند الله ﴾ في الآخرة ﴿ باق ﴾ لا يزول ولا يفنى.
﴿ من عمل صالحا... ﴾، ترغيب للمؤمنين في الإتيان بكل ما كان من شرائع الإسلام. ﴿ حياة طيبة ﴾ في الآخرة، أو في القبر، أو في الدنيا، بالقناعة والرضا، بما قسم الله له وقدره. وذلك شأن كامل الإيمان.
﴿ فإذا قرأت القرآن.. ﴾، أي : فإذا أردت قراءة القرآن فاسأل الله أن يعيذك من وساوس الشيطان، حتى لا يصرف قلبك عن التأمل فيه، ولا يلقى فيه الشبه والشكوك، ولا يزين لك الانصراف عنه.
﴿ وإذا بدلنا آية... ﴾، رد لقول المشركين : إن محمدا يسخر بأصحابه، يأمرهم اليوم بأمر وينهاهم عنه غدا، ما هو إلا مفتر يتقول من تلقاء نفسه. أي : وإذا نسخنا آية بآية أخرى. ﴿ والله أعلم بما ينزل ﴾، أي : بما هو أصلح لخلقه، وبما يغير ويبدل من أحكامه، فلعل ما يكون مصلحة في وقت يثير مفسدة بعده فينسخه، وما لا يكون مصلحة حينئذ، يكون مصلحة الآن فيثبته مكانه. ﴿ قالوا إنما أنت مفتر ﴾، تختلقه من عندك، قال تعالى :﴿ ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير ﴾، ويبعد حمل الآية على الآية التكوينية صرح هذه الآية وما بعدها، وما وقع في القرآن من نسخ بعض الأحكام إلى بدل وإلى غير بدل.
﴿ روح القدس ﴾ : جبريل عليه السلام ( آية ٨٧ البقرة ص٣٢ ).
﴿ لسان الذي يلحدون إليه ﴾، أي : لغة الذي يميلون قولهم عن الاستقامة إليه، فيضيفون إليه أنه يعلم النبي صلى الله عليه وسلم – لغة أعجمية غير عربية، وهذا القرآن عربي مبين، أعجزكم بفصاحته وبلاغته، وأنتم أهل اللسن والبيان، فكيف يقدر من هو أعجمي على مثله، وأين فصاحة القرآن من عجمته ؟ والإلحاد : الميل، يقال : لحد وألحد، إذا مال عن القصد، ومنه لحد القبر ؛ لأنه حرفة مائلة عن وسطه، والملحد ؛ لأنه أمال مذهبه عن الأديان كلها، والأعجمي : منسوب إلى الأعجم، وهو الذي لا يفصح في كلامه، سواء أكان من العرب أم من العجم، زيدت فيه ياء النسب توكيدا.
﴿ من كفر بالله ﴾، مبتدأ خبره محذوف، تقديره : فعليه غضب من الله.
﴿ لا جرم ﴾، حق وثبت، أو لا محالة( آية هود ص ٣٦١ ).
﴿ إن ربك للذين هاجروا ﴾، أي : إنه لهم لا عليهم، بمعنى أنه ناصرهم لا خاذلهم، ﴿ فتنو ﴾، عذبوا لأجل أن يرتدوا عن الإسلام، من الفتن ( آية البقرة ص٤٠ )
﴿ وضرب الله مثلا قرية ﴾، جعل الله قرية موصوفة بهذه الصفات مثلا لكل قوم أنعم الله عليهم بهذه النعم فأبطرتم، وكفروا بالله فانتقم منهم، ويدخل في هؤلاء دخولا أوليا أهل مكة
والمراد بالقرية : أهلها، ﴿ أمنة ﴾، لا يغار عليهم، ﴿ مطمئنة ﴾، قارة بأهلها لا يحتاجون للنجعة كما يحتاج سائر العرب، ﴿ رغدا ﴾، واسعا، ﴿ فأذاقها الله لباس الجوع والخوف ﴾، فأذاقها الله ما غشيها من صنوف البلاء بسبب سوء صنيعهم، وهكذا أهل مكة.
﴿ وما أهل لغير الله به ﴾ ( آية ١٧٣ البقرة ص ٥٦-٣ المائدة ص ١٨٣ ).
﴿ ثم إن ربك للذين عملوا السوء ﴾، بعد أن هدد المشركين على أنواع من قبائحهم كأنكار البعث والنبوة، وكون القرآن من عند الله، وتحريم ما أحل الله وتحليل ما حرم الله – بين أن كل ذلك لا يمنع من قبول توبتهم وغفران ذنوبه إذا تابوا وأصلحوا. ﴿ بجهالة ﴾، جاهلين بالله وبعقابه. أو غير متدبرين في العواقب لغلبة الشهوات عليهم.
﴿ كان أمة قانتا ﴾، أي : كان أمة وحده، إذ كان عنده من الخير ما كان عند أمة بأسرها. أو كان منفردا بالإيمان في وقته مدة ما، والناس كلهم كفرا. ﴿ قانتا ﴾، مطيعا لله خاضعا له، من القنوت وهو الطاعة مع الخضوع. ﴿ حنيفا ﴾، مائلا عن الأديان الباطلة إلى الدين الحق.
﴿ اجتباه ﴾، اختاره واصطفاه للنبوة ( ١٧٩ آل عمران ص ١٣٤ ).
﴿ ملة إبراهيم ﴾، شريعته وهي التوحيد، وهي الإسلام الحنيف المعبر عنه آنفا بالصراط المستقيم.
﴿ في ضيق ﴾، أي : في ضيق صدر وحرج، قرئ بفتح الضاد وكسرها، وهما لغتان في المصدر. يقال : ضاق الشيء يضيق ضيقا وضيقا، خلا اتسع، فهو ضيق. وضاق صدره : حرج، فهو ضيق أيضا، والاسم الضيق. والله أعلم.
Icon