تفسير سورة ص

أوضح التفاسير
تفسير سورة سورة ص من كتاب أوضح التفاسير المعروف بـأوضح التفاسير .
لمؤلفه محمد عبد اللطيف الخطيب . المتوفي سنة 1402 هـ

﴿ص﴾ (انظر آية ١ من سورة البقرة) ﴿وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ﴾ أي ذي البيان والشرف
﴿بَلِ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي عِزَّةٍ﴾ واستكبار عن الإيمان به
-[٥٥٣]- ﴿وَشِقَاقٍ﴾ خلاف، وأي خلاف بل أي شقاق أعظم وأفدح من إعداد الأمم الغربية للقنابل الذرية والهيدروجينية؛ ليحارب بها بعضهم بعضاً، ويفني بعضهم بعضاً؛ ويزعمون أنهم أشياع عيسى عليه السلام. وعيسى منهم براء، وهم في الكفر سواء فلينظر هذا وليعتبر به من ألقى السمع وهو شهيد
﴿كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ﴾ أمة ﴿فَنَادَواْ﴾ بالتوبة والاستغفار، والاستغاثة؛ عند نزول العذاب بهم ﴿وَّلاَتَ حِينَ مَنَاصٍ﴾ أي ليس الوقت وقت نجاة، ولا وقت خلاص. و «لات»: ليس. و «مناص»: ملجأ
﴿وَانطَلَقَ الْمَلأُ﴾ الأشراف أو الجماعة ﴿مِنْهُمْ﴾ حين سمعوا دعوة الرسول عليه الصلاة والسلام إلى التوحيد: انطلقوا يقولون ﴿امْشُواْ﴾ من مجلس الرسول؛ الذي يذكر فيه دينه، وربه، وكتابه ﴿وَاْصْبِرُواْ عَلَى آلِهَتِكُمْ﴾ اثبتوا على عبادتها؛ ولا تعبأوا بدعوته ﴿إِنَّ هَذَآ﴾ الذي يقوله محمد ويدعيه ﴿لَشَيْءٌ يُرَادُ﴾ بنا ومنا؛ ويريد به محمد الزعامة والرئاسة علينا
﴿مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِى الْمِلَّةِ الآخِرَةِ﴾ يعنون ملة عيسى عليه السلام. وقد كذبوا في ذلك؛ فلم تقم ملة عيسى إلا على التوحيد الذي قامت عليه ملة محمد، وملل سائر الأنبياء؛ عليهم الصلاة والسلام. وإنما أرادوا به التثليث الذي قالت به النصارى، وزعمت أنه دين عيسى ﴿إِنْ هَذَا إِلاَّ اخْتِلاَقٌ﴾ كذب مختلق لا أصل له
﴿أَأُنزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ﴾ القرآن ﴿مِن بَيْنِنَا﴾ من دوننا؛ وهو الضعيف ونحن الأقوياء، الفقير ونحن الأغنياء، ولا عصبة له ونحن أولوا العصبة وذووا الحمية. قال تعالى ﴿بْل هُمْ فَي شَكٍّ مِّن ذِكْرِي﴾
من قرآني، وحقيقة نزوله على نبيي ﴿بَل لَّمَّا يَذُوقُواْ عَذَابِ﴾ لم يذوقوا عذابي ولو ذاقوه لآمنوا وصدقوا
﴿أَمْ عِندَهُمْ خَزَآئِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ﴾ فيهبون النبوة لمن شاءوا، وينزلون الذكر على من أرادوا
﴿فَلْيَرْتَقُواْ فِى الأَسْبَابِ﴾ أي فليصعدوا إلى السموات، ويمنعوا الملائكة من النزول على محمد
﴿جُندٌ مَّا هُنَالِكَ﴾ أي أن هؤلاء المكذبين المتكبرين: هم جند ﴿مَهْزُومٌ مِّن الأَحَزَابِ﴾ الذين تحزبوا على عدائك، وتجمعوا لمحاربتك
﴿وَعَادٌ﴾ قوم هود ﴿وفِرْعَوْنُ ذُو الأَوْتَادِ﴾ سمي بذي الأوتاد: لأنه كان يوتد من يريد تعذيبه بأربعة أوتاد: في يديه ورجليه. أو هو كناية عن ثبوت ملكه، وقوة سلطانه. أو كناية عن المباني العظيمة الثابتة. أو صاحب الجنود. وتسمى الجنود أوتاداً: لأنها دعائم الملك والقوة والسطوة والسلطان
﴿وَثَمُودُ﴾ قوم صالح ﴿وَأَصْحَابُ الأَيْكَةِ﴾ أي الغيضة؛ وهي مجتمع الشجر. قيل: هم قوم شعيب عليه السلام ﴿أُوْلَئِكَ الأَحْزَابُ﴾ أي أولئك الأقوام الذين ذكرتهم لك: هم مثل الأحزاب الذين تحزبوا عليك؛ وسأجزيهم مثل ما جزيتهم
﴿وَمَا يَنظُرُ هَؤُلآءِ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً﴾ هي نفخة القيامة عند البعث ﴿مَّا لَهَا مِن فَوَاقٍ﴾ من رجوع، أو من إمهال قدر فواق الناقة؛ وهو ما بين حلبتي الحالب
﴿وَقَالُواْ رَبَّنَا عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا﴾ حظنا من النعيم أو العذاب
﴿دَاوُودَ ذَا الأَيْدِ﴾ ذا القوة في الدين ﴿إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾ رجاع إلى الله تعالى
﴿يُسَبِّحْنَ﴾ مع تسبيحه ويرددن مع ترديده ﴿بِالْعَشِيِّ﴾ وقت العشاء ﴿وَالإِشْرَاقِ﴾ عند شروق الشمس
﴿وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً﴾ مجموعة من كل ناحية. قيل: كان إذا سبح: رددت الجبال والطير تسبيحه
﴿وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ﴾
النبوة، وكمال العلم. وقيل: الزبور ﴿وَفَصْلَ الْخِطَابِ﴾ القضاء الفاصل بين الحق والباطل
﴿وَهَلْ أَتَاكَ﴾ يا محمد ﴿نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُواْ الْمِحْرَابَ﴾ أي تسلقوا حائطه. و «المحراب» المسجد، أو الغرفة
﴿وَلاَ تُشْطِطْ﴾ أي ولا تتجاوز الحد ﴿وَاهْدِنَآ إِلَى سَوَآءِ الصِّرَاطِ﴾ إلى الطريق السوي القويم
﴿أَكْفِلْنِيهَا﴾ أي ملكنيها؛ لأنها كفلي، ومن نصيبي ﴿وَعَزَّنِي﴾ غلبني
﴿وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ الْخُلَطَآءِ﴾ الشركاء الذين اختلط مالهم
-[٥٥٥]- ﴿لَيَبْغِي﴾ ليجور ﴿بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ في المعاملات. هذا وقد ذهب أكثر المفسرين - في قصة داود عليه السلام - إلى أقاصيص من وضع اليهود والزنادقة: وزعموا أنه عليه السلام رأى زوجة أوريا عريانة - وهو أحد قواده - فتعلق بها، وأراد أن يتزوجها: فأرسل زوجها إلى القتال - على رأس جيش ليقتل فيتزوجها - فانتصر أوريا، وعاد سالماً. فأرسله ثانياً وثالثاً؛ إلى أن قتل؛ فتزوج داود عليه السلام زوجته التي رآها عريانة وأحبها من قبل؛ فأرسل الله تعالى ملكين على صورة خصمين؛ فاحتكما إليه في خصومة وهمية؛ كما وردت في سياق القرآن الكريم. وهذه القصة فضلاً عن أنها تكفر واضعها؛ فإنها أيضاً تكفر معتقدها ومصدقها: إذ أنه لا يصح نسبة ذلك لعامة المسلمين، وجهلة الفساق؛ فما بالك بخواص الأنبياء ولا يجوز بحال صرف هذه القصة عن ظاهرها؛ فليتدبر ذلك من له عقل سليم، ودين قويم وإنما أوردت هذه القصة وأمثالها للتحذير منها، والتنبيه على بطلانها. وقد قال علي رضي الله تعالى عنه: «من حدثكم بحديث داود عليه السلام على ما يرويه القصاص: جلدته مائة وستين» وهو حد الفرية على الأنبياء عليهم السلام ﴿إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ﴾ فإنهم لا يبغون ﴿وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ﴾ قال الفضلبن عياض رضي الله تعالى عنه: الزم طرق الهدى؛ ولا يضرك قلة السالكين، وإياك وطرق الضلالة؛ ولا تغتر بكثرة الهالكين ﴿وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ﴾
اختبرناه بتلك الزلة. وزلته: أنه حكم قبل أن يسمع كلام الخصم الآخر؛ بقوله ﴿لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ﴾ وهي زلة عظيمة بالنسبة لعموم القضاة؛ فما بالك بنبي الله داود عليه السلام وقد قضت القوانين الوضعية برد القاضي إذا أبدى رأيه أثناء سير الدعوى
﴿وَلاَ تَتَّبِعِ الْهَوَى﴾ أي هوى النفس
﴿أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الأَرْضِ﴾ أي لو بطل الجزاء؛ كما يقول الكفار بإنكارهم البعث والحساب؛ لاستوت أحوال من أصلح وأفسد، ومن اتقى وفجر
﴿أُوْلُو الأَلْبَابِ﴾ ذوو العقول
﴿أَوَّابٌ﴾ كثير الرجوع إلى الله تعالى
﴿الْجِيَادُ﴾ الخيل السراع
﴿إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ﴾ أي آثرت حب الخيل حتى فاتتني صلاة العصر، وتوارت الشمس بالحجاب
﴿فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالأَعْنَاقِ﴾ أي فجعل يمسح بيده على سوق الخيل وأعناقها. وهي عادة مشاهدة عند المعجبين بالخيل، المقتنين لها. أما ما ذهب إليه أكثر المفسرين: من أنه عليه السلام طفق يقطع أعناقها وسوقها بالسيف؛ لأنها ألهته عن الصلاة. فهو قول واضح البطلان؛ وإلا فأي ذنب جنته هذه العجماوات تستحق عليه التقتيل والتمثيل؟ فضلاً عما في ذلك من تلف الأموال، ونسبة الأنبياء إلى فعل السفهاء والجهال وكان في مقدوره أن يخرجها من ملكه إلى الجهاد؛ وبذلك يتم له التخلص منها؛ مع نفع هو من أجل القرب إلى الله تعالى ولم يقل أحد: إن المسح بمعنى القطع. وإلا لكان قوله تعالى ﴿وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ﴾ أي اقطعوها. وإنما يعدل عن الظاهر: إذا اقتضت القرينة والسياق ذلك: كأن يقول: فطفق مسحاً بالسيف بالسوق والأعناق
﴿وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ﴾ ابتليناه ﴿وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَداً﴾ أي رزقناه ولداً ميتاً؛ وجيء به على كرسيه. قال: «قال سليمانبن داود عليهما السلام: لأطوفن الليلة على مائة امرأة - أو تسع وتسعين - كلهن يأتي بفارس يجاهد في سبيلالله. فقال له صاحبه: إن شاءالله. فلم يقل إن شاء الله فلم تحمل منهن إلا امرأة واحدة جاءت بشق رجل. والذي نفس محمد بيده لو قال: إن شاءالله: لجاهدوا في سبيل الله فرساناً أجمعون» ولعل سليمان لم يقلها: لأنه لم يتذكرها، ولم يسمعها من صاحبه الذي وجهه إلى قولها؛ لأن الأنبياء عليهم السلام: أئمة المتوكلين المنيبين
﴿أَنَابَ﴾ رجع إلى الله تعالى، وتاب عن الانشغال عن الصلاة بما عداها، وعن عدم تقدير مشيئة الله تعالى في أموره كلها
﴿فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَآءً حَيْثُ أَصَابَ﴾ أي تجري طيبة لينة حيث أراد
﴿وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّآءٍ وَغَوَّاصٍ﴾ أي وسخرنا الشياطين له: يبنون ما يريد، ويغوصون في البحر بأمره؛ لاستخراج اللؤلؤ
﴿وَآخَرِينَ﴾ من الشياطين ﴿مُقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ﴾ مقيدين في السلاسل والأغلال؛ إذا أتوا ذنباً، أو عصوا له أمراً
﴿هَذَآ﴾ الملك الواسع، والعلم الكبير، والتسخير العظيم ﴿عَطَآؤُنَا﴾ الذي أعطيناكه؛ استجابة لدعوتك: ﴿رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لاَّ يَنبَغِي لأَحَدٍ مِّن بَعْدِي﴾ ﴿فَامْنُنْ﴾ على من شئت؛ مما أعطيناك من الملك الذي لا حدود له ﴿أَوْ أَمْسِكْ﴾ لا تعط أحداً ﴿بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ أي لا نسألك: لم مننت؟ ولم أمسكت؟ أو المراد: «فامنن» على من شئت من الشياطين؛ بالإطلاق «أو أمسك» دع من شئت
-[٥٥٧]- منهم في قيده وعبوديته. وهذا وقد تخبط كثير من المفسرين في تأويل هذه الآية؛ تخبطاً شنيعاً، وقال فيه قولاً لا يتفق وجلال القرآن فقال قائلهم: إن معنى قوله تعالى ﴿هَذَا عَطَآؤُنَا﴾ إشارة إلى ما أعطاه الله من القوة على الجماع، وأن «فامنن» مشتقة من المني. وهو قول بالغ غاية البذاءة والأعجب من ذلك أن ينسبوه لابن عباس - حبر الأمة، وترجمان القرآن - وعلم الله تعالى أن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما بريء من هذا القول وأشباهه
﴿وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَى﴾ قربى ﴿وَحُسْنَ مَآبٍ﴾ حسن مرجع
﴿وَاذْكُرْ عَبْدَنَآ أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ﴾ بتعب ومشقة؛ وذلك أنه كان يوسوس إليه، ويعظم في عينيه ما نزل به من الإبتلاء بفقد صحته وفقد ماله وأهله، ويغريه على الجزع، وعدم الصبر فالتجأ إلى ربه تعالى ليكشف عنه البلاء الذي تسبب في تدخل الشيطان بينه وبين ربه ﴿وَعَذَابٍ﴾ قيل: النصب، والضر: في الجسد. والعذاب: في الأهل والمال. ونسبة التعب، والضر، والعذاب؛ إلى الشيطان: تأدب في حقه تعالى كقول إبراهيم عليه السلام ﴿وَإِذَا مَرِضْتُ﴾ ولم يقل: وإذا أمرضني. وقيل: تسبب الشيطان في تعبه وتعذيبه: بوسوسته له بأن يسأل ربه البلاء؛ ليمتحن نفسه، ويجرب صبره؛ كما قال العارف بالله: الإمام عمربن الفارض:
وبما شئت في هواك اختبرني
فاختياري ما كان فيه رضاكا
هذا وسؤال البلاء؛ دون العافية: ذنب يجب الإقلاع عنه، والاستغفار منه فلما فطن أيوب إلى ذلك لجأ إلى ربه؛ ليكشف ما به، أو يوفقه للصبر الجميل (انظر آيتي ٨٣ و٨٤ من سورة الأنبياء)
﴿ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ﴾ أي لقد أجيبت دعوتك؛ فاضرب برجلك الأرض. فضربها فنبعت عين ماء. فقيل له: ﴿هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ﴾
﴿لأُوْلِي الأَلْبَابِ﴾ لذوي العقول
﴿وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً﴾ حزمة صغيرة من حشيش. والضغث: ملء الكف من قضبان، أو حشيش، أو شماريخ ﴿فَاضْرِب بِّهِ وَلاَ تَحْنَثْ﴾ كان أيوب عليه السلام قد آلى في مرضه أن يضرب امرأته مائة؛ لما رأى من شدة جزعها وحزنها، أو لأنها باعت ذؤابتيها برغيفين؛ فأنزل الله تعالى هذه الفتوى. هذا وإن التحايل في الأيمان لا يجوز؛ وإنما جاز في هذه الحالة؛ لأنه حلف محقاً، وهي فعلت ما فعلت محقة. وذلك لأن الشقاء والمرض: ألجآها إلى الفزع والجزع. وألجأها الجوع إلى بيع الشعر وقد دفعه إلى الحلف: مزيد ثقته بربه، وعلمه بأن الجزع منقصة للإيمان، وأن بيع الشعر - وهو جزء
-[٥٥٨]- من الجسم، وحلية تتحلى بها المرأة - منقصة للتوكل ﴿نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾ أي رجاع إلى الله تعالى
﴿أُوْلِي الأَيْدِي وَالأَبْصَارِ﴾ ذوي القوة في نصرة الدين والتبصر
﴿إِنَّآ أَخْلَصْنَاهُمْ﴾ أي جعلناهم خالصين لنا ﴿بِخَالِصَةٍ﴾ هي ﴿ذِكْرَى الدَّارِ﴾ الآخرة. أي تذكرها والعمل لها
﴿هَذَا ذِكْرٌ﴾ لهم؛ بالثناء الجميل عليهم في الدنيا ﴿لَحُسْنَ مَآبٍ﴾ حسن مرجع في الآخرة
﴿جَنَّاتِ عَدْنٍ﴾ جنات الإقامة. عدن بالمكان: أقام فيه
﴿يَدْعُونَ فِيهَا﴾ أي يطلبون في الجنات؛ فيجابون إلى طلبهم
﴿وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ﴾ أي يقصرن أبصارهن على أزواجهن ﴿أَتْرَابٌ﴾ جمع ترب. أي في سن واحدة؛ لا تعدو سن الجمال والشباب
﴿مَا لَهُ مِن نَّفَادٍ﴾ أي ليس له انقطاع
﴿حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ﴾ الحميم: الماء البالغ نهاية الحرارة والغساق: ما يسيل من صديد أهل النار
﴿وَآخَرُ مِن شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ﴾ أي وعذاب آخر في الشدة مثل العذاب الأول؛ وهو أصناف
﴿هَذَا فَوْجٌ﴾ جمع ﴿مُّقْتَحِمٌ﴾ داخل ﴿مَّعَكُمْ﴾ في النار؛ وذلك أن قادة الكفار ورؤساءهم إذا دخلوا النار، ثم دخلوا بعدهم الأتباع: قال خزنة جهنم للقادة والرؤساء ﴿هَذَا فَوْجٌ مُّقْتَحِمٌ مَّعَكُمْ﴾ فتقول السادة ﴿لاَ مَرْحَباً بِهِمْ﴾ فتقول الملائكة ﴿إِنَّهُمْ صَالُو النَّارِ﴾ داخلوها معكم
﴿قَالُواْ﴾ أي قال الأتباع للرؤساء ﴿بَلْ أَنتُمْ﴾ يا من أضللتمونا وأغويتمونا ﴿لاَ مَرْحَباً بِكُمْ﴾ لأنكم ﴿أَنتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا﴾ أي قدمتم لنا في الدنيا أسباب العذاب الذي نصطليه الآن؛ و
﴿قَالُواْ رَبَّنَا مَن قَدَّمَ لَنَا هَذَا﴾ العذاب؛ وسوغ أسبابه في الدنيا، وحببه إلينا ﴿فَزِدْهُ عَذَاباً ضِعْفاً فِي النَّارِ﴾ أي عذاباً مضاعفاً فيها
﴿وَقَالُواْ﴾ جميعاً لبعضهم متسائلين ﴿مَا لَنَا لاَ نَرَى﴾ معنا في النار ﴿رِجَالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِّنَ الأَشْرَارِ﴾ يعنون الفقراء أصحاب محمد عليه الصلاة والسلام؛ كعمار، وصهيب، وبلال، وأمثالهم
﴿أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيّاً﴾ أي كنا نسخر منهم في الدنيا ﴿أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الأَبْصَرُ﴾ أي مالت عنهم؛ فلم نرهم في النار معنا. قال الحسن رضي الله تعالى عنه: كل ذلك قد فعلوا: اتخذوهم سخرياً، وزاغت عنهم أبصارهم في الدنيا محقرة لهم. وقيل: «أم» بمعنى بل
﴿إِنَّ ذَلِكَ﴾ المذكور ﴿لَحَقٌّ﴾ واقع ﴿تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ﴾ في النار
﴿قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ﴾ أي ما أنذركم به؛ من الحساب، والثواب والعقاب: خبر عظيم القدر، جليل الخطر؛ فلا تستهينوا به، ولا تهزأوا منه
﴿مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمََلإِ الأَعْلَى﴾ بالملائكة ﴿إِذْ يَخْتَصِمُونَ﴾ في أمر آدم: وهو قولهم ﴿أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَآءَ﴾ وقول إبليس ﴿أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ﴾ والإخبار بجميع ذلك لا يكون إلا بتأييد إلهي، ووحي غيبي
﴿إِن يُوحَى إِلَيَّ﴾ ما يوحى إلي}
﴿أَسْتَكْبَرْتَ﴾ الآن عن أمري ﴿أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ﴾ المتكبرين أصلاً.
وقيل: «العالين» هم ملائكة السماء - ولم يؤمروا بالسجود لآدم - وإنما أمر بالسجود ملائكة الأرض فحسب
﴿قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا﴾ أي من الجنة ﴿فَإِنَّكَ رَجِيمٌ﴾ مطرود
﴿إِلَى يَوْمِ الدِّينِ﴾ يوم الجزاء؛ وهو يوم القيامة فأمهلني
﴿قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ أقسم اللعين بعزة الله ليغوين بني آدم أجمعين
﴿قَالَ﴾ الله تعالى ﴿فَالْحَقُّ﴾ مني، أو فأنا الحق ﴿وَالْحَقَّ أَقُولُ﴾ أي ولا أقول إلا الحق؛ وإذا قلت فلا راد لقولي، ولا مانع لإرادتي. أو «فالحق» ما تقول يا إبليس: من أن عبادي المخلصين: لا قدرة لك على إغوائهم ولا سلطان لك عليهم «والحق أقول» من إدخالك جهنم أنت ومن تبعك
﴿لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ﴾ أي من جنسك أيها الشيطان ﴿وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ﴾ أي من الناس الذين أقسمت على إغوائهم فاتبعوك
﴿قُلْ﴾ يا محمد لأهل مكة ﴿مَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ﴾ أي على التبليغ، أو على القرآن ﴿وَمَآ أَنَآ مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ﴾ أي المتصنعين، المدعين، المرائين. والتكلف أيضاً: التعسف والتشكك
﴿وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ﴾ أي صدق ما جاء به القرآن ﴿بَعْدَ حِينِ﴾ أي حين تقوم الساعة، ويساق المؤمنون إلى الجنة، والكافرون إلى النار، أو حين موتكم.
559
سورة الزمر

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

560
Icon