تفسير سورة الحاقة

الكشاف أو تفسير الزمخشري
تفسير سورة سورة الحاقة من كتاب الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل المعروف بـالكشاف أو تفسير الزمخشري .
لمؤلفه الزمخشري . المتوفي سنة 538 هـ
مكية وآياتها ٥٢

سورة الحاقة
مكية، وآياتها ٥٢ [نزلت بعد الملك] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة الحاقة (٦٩) : الآيات ١ الى ٨]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الْحَاقَّةُ (١) مَا الْحَاقَّةُ (٢) وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ (٣) كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعادٌ بِالْقارِعَةِ (٤)
فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ (٥) وَأَمَّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ (٦) سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ (٧) فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ (٨)
الْحَاقَّةُ الساعة الواجبة الوقوع الثابتة المجيء، التي هي آتية لا ريب فيها. أو التي فيها حواق الأمور من الحساب والثواب والعقاب. أو التي تحق فيها الأمور، أى: تعرف على الحقيقة، من قولك لا أحق هذا، أى: لا أعرف حقيقته. جعل الفعل لها وهو لأهلها وارتفاعها على الابتداء وخبرها مَا الْحَاقَّةُ والأصل: الحاقة ما هي، أى أىّ شيء هي تفخيما لشأنها وتعظيما لهو لها، فوضع الظاهر موضع المضمر، لأنه أهول لها وَما أَدْراكَ وأىّ شيء أعلمك ما الحاقة، يعنى: أنك لا علم لك بكنهها ومدى عظمها، على أنه من العظم والشدة بحيث لا يبلغه دراية أحد ولا وهمه، وكيفما قدرت حالها فهي أعظم من ذلك، وما في موضع الرفع على الابتداء. وأَدْراكَ معلق عنه لتضمنه معنى الاستفهام. بِالْقارِعَةِ التي تقرع الناس بالأفزاع والأهوال، والسماء بالانشقاق والانفطار، والأرض والجبال بالدك والنسف، والنجوم بالطمس والانكدار. ووضعت موضع الضمير لتدل على معنى القرع. في الحاقة: زيادة في وصف شدتها، ولما ذكرها وفخمها أتبع ذكر ذلك ذكر من كذب بها وما حل بهم بسبب التكذيب، تذكيرا لأهل مكة وتخويفا لهم من عاقبة تكذيبهم بِالطَّاغِيَةِ بالواقعة المجاوزة للحد في الشدة. واختلف فيها،
598
فقيل: الرجفة. وعن ابن عباس: الصاعقة. وعن قتادة: بعث الله عليهم صيحة فأهمدتهم.
وقيل: الطاغية مصدر كالعافية، أى: بطغيانهم، وليس بذاك لعدم الطباق بينها وبين قوله بِرِيحٍ صَرْصَرٍ والصرصر: الشديدة الصوت لها صرصرة. وقيل: الباردة من الصر، كأنها التي كرر فيها البرد وكثر: فهي تحرق لشدة بردها عاتِيَةٍ شديدة العصف والعتوّ استعارة.
أو عتت على عاد، فما قدروا على ردّها بحيلة، من استتار ببناء، أو لياذ بجبل، أو اختفاء في حفرة، فإنها كانت تنزعهم من مكامنهم وتهلكهم. وقيل: عتت على خزانها، فخرجت بلا كيل ولا وزن: وروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أرسل الله سفينة من ريح إلا بمكيال ولا قطرة من مطر إلا بمكيال إلا يوم عاد ويوم نوح، فإنّ الماء يوم نوح طغى على الخزان فلم يكن لهم عليه السبيل، ثم قرأ إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ وإن الريح يوم عاد عتت على الخزان فلم يكن لهم عليها سبيل ثم قرأ بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ «١» ولعلها عبارة عن الشدة والإفراط فيها. الحسوم: لا يخلو من أن يكون جمع حاسم كشهود وقعود. أو مصدرا كالشكور والكفور، فإن كان جمعا فمعنى قوله حُسُوماً نحسات حسمت كل خير واستأصلت كل بركة.
أو متتابعة هبوب الرياح: ما خفتت ساعة حتى أتت عليهم تمثيلا لتتابعها بتتابع فعل الحاسم في إعادة الكي على الداء، كرة بعد أخرى حتى ينحسم. وإن كان مصدرا: فإما أن ينتصب بفعله مضمرا، أى: تحسم حسوما، بمعنى تستأصل استئصالا. أو يكون صفة كقولك: ذات حسوم.
أو يكون مفعولا له، أى: سخرها عليهم للاستئصال. وقال عبد العزيز ابن زرارة الكلابي:
ففرّق بين بينهم زمان تتابع فيه أعوام حسوم «٢»
وقرأ السدى: حسوما، بالفتح حالا من الريح، أى: سخرها عليهم مستأصلة. وقيل: هي أيام العجوز، وذلك أن عجوزا من عاد توارت في سرب، فانتزعتها الريح في اليوم الثامن فأهلكتها.
وقيل: هي أيام العجز، وهي آخر الشتاء وأسماؤها: الصن والصنبر، والوبر. والآمر،
(١). أخرجه الثعلبي وابن مردويه من رواية موسى بن أعين عن الثوري عن موسى بن المسيب عن شهر بن حوشب عن ابن عباس مرفوعا. وأخرجه الطبري من طريق مهران بن أبى عمر عن سفيان موقوفا. [.....]
(٢). لعبد العزيز بن زرارة الكلابي، وأصل الكلام: ففرق بينهم زمان، فبينهم ظرف للتفريق، إلا أنه أراد المبالغة بجعل التفريق بين أجزاء هذا الظرف أيضا، فقال: ففرق بين بينهم زمان، وإذا فرق بين الظرف فقد فرق بين أصحابه بالضرورة، فهو من باب الكناية. ويمكن أن بين الثاني كناية عن الوصلة التي بينهم، ولعل أصله: ففرق بين ذات بينهم، وبين سبب تفريق الزمان بينهم بوصفه بأنه تتابع فيه أعوام حسوم، من الحسم:
وهو القطع، والكي بالنار مرة بعد أخرى حتى ينقطع الدم. وظاهر كلام الجوهري أنه مفرد، لأنه قال: أيام حسوم، أى: مستأصلة. والحسوم: الشؤم. ويجوز أنه جمع حاسم كراكع وركوع، وساجد وسجود، أى: حاسمات وقاطعات لأبواب الخيرات.
599
والمؤتمر، والمعلل، ومطفئ الجمر. وقيل: مكفئ الظعن «١» ومعنى سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سلطها عليهم كما شاء فِيها في مهابها. أو في الليالي والأيام. وقرئ: أعجاز نخيل مِنْ باقِيَةٍ من بقية أو من نفس باقية. أو من بقاء، كالطاغية: بمعنى الطغيان.
[سورة الحاقة (٦٩) : الآيات ٩ الى ١٠]
وَجاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكاتُ بِالْخاطِئَةِ (٩) فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رابِيَةً (١٠)
وَمَنْ قَبْلَهُ يريد: ومن عنده من تباعه. وقرئ: ومن قبله، أى: ومن تقدمه. وتعضد الأولى قراءة عبد الله وأبى: ومن معه. وقراءة أبى موسى: ومن تلقاءه وَالْمُؤْتَفِكاتُ قرى قوم لوط بِالْخاطِئَةِ بالخطإ، أو بالفعلة، أو الأفعال ذات الخطإ العظيم رابِيَةً شديدة زائدة في الشدة، كما زادت قبائحهم في القبح. يقال: ربا الشيء يربو: إذا زاد لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ.
[سورة الحاقة (٦٩) : الآيات ١١ الى ١٢]
إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ (١١) لِنَجْعَلَها لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ (١٢)
حَمَلْناكُمْ حملنا آباءكم فِي الْجارِيَةِ في سفينة، لأنهم إذا كانوا من نسل المحمولين الناجين، كان حمل آبائهم منة عليهم، وكأنهم هم المحمولون، لأن نجاتهم سبب ولادتهم لِنَجْعَلَها
الضمير للفعلة: وهي نجاة المؤمنين وإغراق الكفرة تَذْكِرَةً
عظة وعبرة أُذُنٌ واعِيَةٌ
من شأنها أن تعى وتحفظ ما سمعت به ولا تضيعه بترك العمل، وكل ما حفظته في نفسك فقد وعيته «٢» وما حفظته في غير نفسك فقد أوعيته كقولك: وعيت الشيء في الظرف. وعن النبي ﷺ أنه قال لعلىّ رضى الله عنه عند نزول هذه الآية «سألت الله أن يجعلها أذنك يا علىّ» قال علىّ رضى الله عنه: فما نسيت شيئا بعد وما كان لي أن أنسى «٣». فإن قلت: لم قيل: أذن واعية، على التوحيد والتنكير؟ قلت: للإيذان بأن الوعاة فيهم قلة، ولتوبيخ الناس بقلة من يعي منهم، وللدلالة على أن الأذن الواحدة إذا وعت وعقلت عن الله فهي السواد الأعظم عند الله، وأن ما سواها لا يبالى بهم بالة وإن ملئوا ما بين الخافقين. وقرئ: وتعيها بسكون العين للتخفيف: شبه تعى بكبد.
(١). قوله «وقيل مكفئ الظعن» جمع ظعينة وهي الهودج، أفاده الصحاح. (ع)
(٢). قال محمود: «يقال وعيته أى حفظته في نفسك... الخ» قال أحمد: هو مثل قوله وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ وقد ذكر أن فائدة التنكير والتوحيد فيه الاشعار قلة الناظرين.
(٣). أخرجه سعيد بن منصور والطبري من رواية مكحول به مرسلا بتمامه نحوه. وأخرجه الثعلبي من طريق أبى حمزة الثمالي حدثني عبد الله بن حسن قال: حين نزلت فذكره بلفظ المصنف.

[سورة الحاقة (٦٩) : الآيات ١٣ الى ١٨]

فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ (١٣) وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً (١٤) فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْواقِعَةُ (١٥) وَانْشَقَّتِ السَّماءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ واهِيَةٌ (١٦) وَالْمَلَكُ عَلى أَرْجائِها وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ (١٧)
يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ (١٨)
أسند الفعل إلى المصدر، وحسن تذكيره للفصل. وقرأ أبو السمال نفخة واحدة بالنصب مسندا للفعل إلى الجار والمجرور. فإن قلت: هما نفختان، فلم قيل: واحدة «١» ؟ قلت معناه أنها لا تثنى في وقتها. فإن قلت: فأى النفختين هي؟ قلت الأولى لأن عندها فساد العالم، وهكذا الرواية عن ابن عباس. وقد روى عنه أنها الثانية. فإن قلت: أما قال بعد يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ والعرض إنما هو عند النفخة الثانية؟ قلت: جعل اليوم اسما للحين الواسع الذي تقع فيه النفختان والصعقة والنشور والوقوف والحساب، فلذلك قيل يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ كما تقول:
جئته عام كذا، وإنما كان مجيئك في وقت واحد من أوقاته وَحُمِلَتِ ورفعت من جهاتها بريح بلغت من قوّة عصفها أنها تحمل الأرض والجبال. أو بخلق من الملائكة. أو بقدرة الله من غير سبب. وقرئ: وحملت، بحذف المحمل وهو أحد الثلاثة فَدُكَّتا فدكت الجملتان:
جملة الأرضين وجملة الجبال، فضرب بعضها ببعض حتى تندقّ وترجع كثيبا مهيلا وهباء منبثا. والدك أبلغ من الدق. وقيل: فبسطتا بسطة واحدة، فصارتا أرضا لا ترى فيها عوجا ولا أمتا، من قولك: اندكّ السنام إذا انفرش. وبعير أدك وناقة دكاء. ومنه: الدكان فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْواقِعَةُ فحينئذ نزلت النازلة وهي القيامة واهِيَةٌ مسترخية ساقطة القوّة جدّا بعد ما كانت محكمة مستمسكة. يريد: والخلق الذي يقال له الملك، وردّ إليه الضمير مجموعا في قوله فَوْقَهُمْ على المعنى: فإن قلت: ما الفرق بين قوله وَالْمَلَكُ، وبين أن يقال والملائكة؟
قلت: الملك أعمّ من الملائكة، ألا ترى أن قولك: ما من ملك إلا وهو شاهد، أعم من قولك: ما من ملائكة عَلى أَرْجائِها على جوانبها: الواحد رجا مقصور، يعنى: أنها تنشق، وهي مسكن الملائكة، فينضوون «٢» إلى أطرافها وما حولها من حافاتها «٣» ثَمانِيَةٌ أى: ثمانية
(١). قال محمود: «إن قلت: لم قال واحدة وهما نفختان... الخ» ؟ قال أحمد: وأما فائدة الاشعار بعظم هذه للنفخة: أن المؤثر لدك الأرض والجبال وخراب العالم هي وحدها غير محتاجة إلى أخرى.
(٢). قوله «فينضوون إلى أطرافها» في الصحاح ضويت إليه: أويت إليه وانضممت. (ع)
(٣). قال محمود: «أى على حافتها لأنها تنشق تنضوى الملائكة الذين هي سكانها إلى أذيالها... الخ» قال أحمد: كلاهما معرف تعريف الجنس، فالواحد والجمع سواء في العموم.
منهم. وعن رسول الله ﷺ «هم اليوم أربعة، فإذا كان يوم القيامة أيدهم الله بأربعة آخرين فيكونون ثمانية «١» » وروى: ثمانية أملاك: أرجلهم في تخوم الأرض السابعة، والعرش فوق رؤسهم، وهم مطرقون مسبحون. وقيل: بعضهم على صورة الإنسان، وبعضهم على صورة الأسد، وبعضهم على صورة الثور، وبعضهم على صورة النسر. وروى: ثمانية أملاك في خلق الأوعال، ما بين أظلافها إلى ركبها: مسيرة سبعين عاما. وعن شهر بن حوشب: أربعة منهم يقولون: سبحانك اللهم وبحمدك لك الحمد على عفوك بعد قدرتك، وأربعة يقولون:
سبحانك اللهم وبحمدك، لك الحمد على حلمك بعد علمك. وعن الحسن: الله أعلم كم هم، أثمانية أم ثمانية آلاف؟ وعن الضحاك: ثمانية صفوف لا يعلم عددهم إلا الله. ويجوز أن تكون الثمانية من الروح، أو من خلق آخر، فهو القادر على كل خلق، سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون. العرض: عبارة عن المحاسبة والمساءلة.
شبه ذلك بعرض السلطان العسكر لتعرف أحواله. وروى أنّ في يوم القيامة ثلاثة عرضات، فأما عرضتان فاعتذار واحتجاج وتوبيخ، وأما الثالثة ففيها تنشر الكتب فيأخذ الفائز كتابه بيمينه والهالك كتابه بشماله خافِيَةٌ سريرة وحال كانت تخفى في الدنيا بستر الله عليكم.
[سورة الحاقة (٦٩) : الآيات ١٩ الى ٢٤]
فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ (١٩) إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ (٢٠) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ (٢١) فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ (٢٢) قُطُوفُها دانِيَةٌ (٢٣)
كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ (٢٤)
فَأَمَّا تفصيل للعرض. ها: صوت يصوت به فيفهم منه معنى «خذ» كأف وحس، وما أشبه ذلك «٢». وكِتابِيَهْ منصوب بهاؤم عند الكوفيين، وعند البصريين باقرءوا، لأنه أقرب العاملين. وأصله: هاؤم كتابي اقرؤا كتابي، فحذف الأوّل لدلالة الثاني عليه.
ونظيره آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً قالوا: ولو كان العامل الأوّل لقيل: اقرؤه وأفرغه. والهاء للسكت في كِتابِيَهْ، وكذلك في حِسابِيَهْ ومالِيَهْ وسُلْطانِيَهْ وحق هذه الهاءات أن
(١). أخرجه الطبري من طريق أبى إسحاق. قال: بلغنا أن رسول الله ﷺ قال- فذكره. وهو مذكور في الحديث الطويل الذي يرويه إسماعيل بن رافع عن زيد بن أبى زياد عن القرظي عن رجل عن أبى هريرة.
رواه أبو يعلى وغيره وقد تقدم.
(٢). قوله «كأف وحس، وما أشبه ذلك» يفهم من كل منهما معنى التضجر والتألم، كما يفيده الصحاح. (ع)
تثبت في الوقف وتسقط في الوصل، «١» وقد استحب إيثار الوقف إيثارا لثباتها لثباتها في المصحف.
وقيل: لا بأس بالوصل والإسقاط. وقرأ ابن محيصن بإسكان الياء بغير هاء. وقرأ جماعة بإثبات الهاء في الوصل والوقف جميعا لاتباع المصحف ظَنَنْتُ علمت. وإنما أجرى الظن مجرى العلم، لأن الظن الغالب يقام مقام العلم في العادات والأحكام. ويقال: أظن ظنا كاليقين أنّ الأمر كيت وكيت راضِيَةٍ منسوبة إلى الرضا، كالدارع والنابل. والنسبة نسبتان:
نسبة بالحرف، ونسبة بالصيغة. أو جعل الفعل لها مجازا وهو لصاحبها عالِيَةٍ مرتفعة المكان في السماء. أو رفيعة الدرجات. أو رفيعة المبانى والقصور والأشجار دانِيَةٌ ينالها القاعد والنائم. يقال لهم كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً «٢» أكلا وشربا هنيئا. أو هنيتم هنيئا على المصدر بِما أَسْلَفْتُمْ بما قدمتم من الأعمال الصالحة فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ الماضية من أيام الدنيا.
وعن مجاهد: أيام الصيام، أى: كلوا واشربوا بدل ما أمسكتم عن الأكل والشرب لوجه الله.
وروى. يقول الله عز وجل: يا أوليائى طالما نظرت إليكم في الدنيا وقد قلصت شفاهكم عن الأشربة، وغارت أعينكم، وخمصت بطونكم، فكونوا اليوم في نعيمكم، وكلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية.
[سورة الحاقة (٦٩) : الآيات ٢٥ الى ٢٩]
وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ فَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ (٢٥) وَلَمْ أَدْرِ ما حِسابِيَهْ (٢٦) يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ (٢٧) ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ (٢٨) هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ (٢٩)
الضمير في يا لَيْتَها للموتة: يقول: يا ليت الموتة التي متها كانَتِ الْقاضِيَةَ أى القاطعة
(١). قال محمود: «وحق هذه الهاءات يعنى في كتابيه وحسابيه وماليه وسلطانيه... الخ» قال أحمد: تعليل القراءة باتباع المصحف عجيب مع أن المعتقد الحق أن القراآت السبع بتفاصيلها منقولة تواترا عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، فالذي أثبت الهاء في الوصل إنما أثبتها من التواتر عن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم: آيها كذلك قبل أن تكتب في المصحف، وما نفس هؤلاء إلا إدخال الاجتهاد في القراآت المستفيضة، واعتقاد أن فيها ما أخذ بالاختيار النظري وهذا خطأ لا ينبغي فتح بابه، فانه ذريعة إلى ما هو أكبر منه، ولقد جرت بيني وبين الشيخ أبى عمرو رحمه الله مفاوضة في قوله وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ على قراءة حفص، انتهت إلى أن ألزم الرد على من أثبت الهاء في الوصل في كلمات سورة الحاقة. لأنى حججته بإثبات القراء المشاهير لها كذلك، ففهمت من رده لذلك ما فهمه من كلام الزمخشري هاهنا ولم أقبله منه رحمه الله، فتراجع عنه، وكانت هذه المفاوضة بمكاتبة بيني وبينه، وهي آخر ما كتب من العلوم على ما أخبرنى به خاصته، وذلك صحيح لأنها كانت في أوائل مرضه رحمه الله، والله أعلم.
(٢). قوله «كلوا واشربوا هنيئا» في الصحاح: هنؤ الطعام وهنيء، أى: صار هنيئا. وهنأنى الطعام يهنئني ويهنؤنى، ولا نظير له في المهموز هنأ وهناء. وهنئت الطعام، أى: تهنأت به، وكلوه هنيئا مريئا. (ع)
لأمرى، فلم أبعث بعدها، ولم ألق ما ألقى. أو للحالة، أى: ليت هذه الحالة كانت الموتة التي قضت علىّ، لأنه رأى تلك الحالة أبشع وأمر مما ذاقه من مرارة الموت وشدته، فتمناه عندها ما أَغْنى نفى أو استفهام على وجه الإنكار، أى: أىّ شيء أغنى عنى ما كان لي من اليسار هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ ملكي وتسلطي على الناس، وبقيت فقيرا ذليلا. وعن ابن عباس:
أنها نزلت في الأسود بن عبد الأشد. وعن فناخسرة الملقب بالعضد، أنه لما قال:
عضد الدّولة وابن ركنها ملك الأملاك غلّاب القدر «١»
لم يفلح بعده وجنّ فكان لا ينطق لسانه إلا بهذه الآية. وقال ابن عباس: ضلت عنى حجتي.
ومعناه: بطلت حجتي التي كنت أحتج بها في الدنيا.
[سورة الحاقة (٦٩) : الآيات ٣٠ الى ٣٧]
خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (٣٠) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (٣١) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوهُ (٣٢) إِنَّهُ كانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (٣٣) وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ (٣٤)
فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هاهُنا حَمِيمٌ (٣٥) وَلا طَعامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ (٣٦) لا يَأْكُلُهُ إِلاَّ الْخاطِؤُنَ (٣٧)
ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ ثم لا تصلوه إلا الجحيم، وهي النار العظمى، لأنه كان سلطانا يتعظم على الناس. يقال: صلى النار وصلاه النار. سلكه في السلسلة: أن تلوى على جسده حتى تلتف
(١).
ليس شرب الكأس إلا في المطر وغناء من جوار في سحر
غانيات سالبات النهى ناعمات في تضاعيف الوتر
مبردات الكأس من مطلعها ساقيات الكأس من فاق البشر
عضد الدولة وابن ركنها ملك الأملاك غلاب القدر
الحسن بن على الطوسي. وقيل لعضد الدولة نفسه، يقول: ليس شرب الخمر الكامل اللذة إلا في حال المطر، وفي حال غناء الجواري في السحر، غانيات: جميلات مقيمات في العيون عذرات، سالبات: ناهبات للنهى: جمع نهية وهي العقل، ناعمات: أى متنعمات. وفي تضاعيف الوتر: متعلق بغناء. ويروى: ناغمات، بالمعجمة، أى:
محسنات لأصواتهن في أثناء صوت الوتر، وهو الخيط المشدود في آلة اللهو. والراح: الخمر. وعضد الدولة:
بدل من الموصول المفعول بساقيات. والعضد في الأصل: استعارة للممدوح لأن به قوتها. كالعضد للإنسان.
والركن كذلك استعارة لأبيه يجامع التقوية أيضا، وهو أقرب من تشبيه الدولة بالإنسان تارة وبالبناء أخرى، على طريق المكنية، ولكنهما الآن لقبان للممدوح وأبيه، وذكر الضمير وإعادته على الدولة مع أنها جزء العلم في المحلين للمح الأصل كالاستعارة. والقدر: ما قدره الله وقضاه. وفي وصف ممدوحه بأنه غلاب القدر من فجور النساء ما لا يخفى، ولذلك روى أنه جن وحبس لسانه حتى مات: وعن النبي صلى الله عليه وسلم: «أغيظ الناس رجلا على الله يوم القيامة وأخبثهم: رجل تسمى ملك الأملاك، ولا ملك إلا الله».
604
عليه أثناؤها، وهو فيما بينها مرهق مضيق عليه لا يقدر على حركة، وجعلها سبعين ذراعا إرادة الوصف بالطول، كما قال: إن تستغفر لهم سبعين مرة، يريد: مرات كثيرة، لأنها إذا طالت كان الإرهاق أشد. والمعنى في تقديم السلسلة على السلك: مثله في تقديم الجحيم على النصلية. أى: لا تسلكوه إلا في هذه السلسلة، كأنها أفظع من سائر مواضع الإرهاق في الجحيم. ومعنى ثُمَّ الدلالة على تفاوت ما بين الغل والتصلية بالجحيم، وما بينها وبين السلك في السلسلة، لا على تراخى المدة إِنَّهُ تعليل على طريق الاستئناف، وهو أبلغ، كأنه قيل:
ما له يعذب هذا العذاب الشديد؟ فأجيب بذلك. وفي قوله وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ دليلان قويان على عظم الجرم في حرمان المسكين، أحدهما: عطفه على الكفر، وجعله قرينة له. والثاني: ذكر الحض دون الفعل، ليعلم أنّ تارك الحض بهذه المنزلة، فكيف بتارك الفعل، وما أحسن قول القائل:
إذا نزل الأضياف كان عذوّرا على الحىّ حتّى تستقلّ مراجله «١»
يريد حضهم على القرى واستعجلهم وتشاكس عليهم «٢». وعن أبى الدرداء أنه كان يحض امرأته على تكثير المرق لأجل المساكين، وكان يقول: خلعنا نصف السلسلة بالإيمان، أفلا نخلع نصفها الآخر؟ وقيل: هو منع الكفار. وقولهم: أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ والمعنى على بذل طعام المسكين حَمِيمٌ قريب يدفع عنه ويحزن عليه، لأنهم يتحامونه ويفرون منه،
(١).
تركنا فتى قد أيقن الجوع أنه إذا ما ثوى في أرحل القوم قاتله
فتى قد قد السيف لا متضائل ولا رهل لباته وأباجله
إذا نزل الأضياف كان عذورا على الحي حتى تستقل مراجله
قيل: إنه للعجير السلولي. وقيل: لزينب بنت الطثرية ترثى أخاها يزيد. واللبن الطائر والخاثر: بمعنى. شبه الجوع بإنسان عدو للقوم على سبيل المكنية، وإثبات الإيقان له تخييل، وكذلك قتله، وهذا مبالغة في وصف يزيد بالكرم، وأنه مانع للجوع من دخوله بيوت القوم ولحوقه بهم، حتى كأن الجوع يخافه ويتيقن أنه إذا دخل بيوت القوم قتله يزيد. ويجوز أن فاعل ثوى: ضمير يزيد، لكن الأول أبلغ، لأنه يفيد أن الجوع لم يدخل على القوم لخوفه من يزيد، وقد: فعل مبنى للمجهول، وقد السيف: مفعول مطلق، أى خلق على شكل السيف في المضي في المكان وتنفيذ العزائم. والمتضائل المتضاعف المتخاشع، والرهل- كتعب-: الاسترخاء. والرهل- كحذر-: وصف منه، وجمع اللبة باعتبار ما حولها. والأباجل: جمع أبجل، وهو عرق غليظ في الفخذ والساق وفرس وهن الأباجل سريع الجري، والعذور- بالعين المهملة وتشديد الواو-: سيئ الخلق قليل الصبر عن مطلوبه، كأنه يحتاج إلى الاعتذار عن سوء خلقه. والمراجل: القدور العظام يقول: تركنا في المعركة فتى كريما جوادا سريعا في قرى الضيفان، إذا نزلوا به كان سيئ الخلق على أهله، حتى ترتفع قدوره الأثافى، فيحسن خلقه كما كان.
(٢). قوله «وتشاكس عليهم» في الصحاح: رجل شكس، أى: صعب الخلق. (ع) [.....]
605
كقوله وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً. والغسلين: غسالة أهل النار وما يسيل من أبدانهم من الصديد والدم، فعلين من الغسل الْخاطِؤُنَ الآثمون أصحاب الخطايا. وخطئ الرجل: إذا تعمد الذنب «١»، وهم المشركون: عن ابن عباس: وقرئ: الخاطيون، بإبدال الهمزة ياء، والخاطون بطرحها. وعن ابن عباس: ما الخاطون؟ كلنا نخطو. وروى عنه أبو الأسود الدؤلي:
ما الخاطون؟ إنما هو الخاطئون، ما الصابون؟ إنما هو الصابئون: ويجوز أن يراد: الذين يتخطون الحق إلى الباطل، ويتعدّون حدود الله.
[سورة الحاقة (٦٩) : الآيات ٣٨ الى ٤٣]
فَلا أُقْسِمُ بِما تُبْصِرُونَ (٣٨) وَما لا تُبْصِرُونَ (٣٩) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (٤٠) وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلاً ما تُؤْمِنُونَ (٤١) وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ (٤٢)
تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (٤٣)
هو إقسام بالأشياء كلها على الشمول والإحاطة، لأنها لا تخرج من قسمين: مبصر وغير مبصر. وقيل: الدنيا والآخرة، والأجسام والأرواح، والإنس والجنّ، والخلق والخالق، والنعم الظاهرة والباطنة، إن هذا القرآن لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ أى يقوله ويتكلم به على وجه الرسالة من عند الله وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ ولا كاهن كما تدعون والقلة في معنى العدم. أى: لا تؤمنون ولا تذكرون ألبتة. والمعنى: ما أكفركم وما أغفلكم تَنْزِيلٌ هو تنزيل، بيانا لأنه قول رسول نزل عليه مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ وقرأ أبو السمال: تنزيلا، أى: نزل تنزيلا. وقيل «الرسول الكريم» جبريل عليه السلام، وقوله وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ دليل على أنه محمد ﷺ لأنّ المعنى على إثبات أنه رسول، لا شاعر ولا كاهن.
[سورة الحاقة (٦٩) : الآيات ٤٤ الى ٥٢]
وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ (٤٤) لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (٤٥) ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ (٤٦) فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ (٤٧) وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (٤٨)
وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ (٤٩) وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكافِرِينَ (٥٠) وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ (٥١) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (٥٢)
(١). قوله «وخطئ الرجل إذا تعمد الذنب» في الصحاح: قال الأموى، المخطئ من أراد الصواب فصار إلى غيره. والخاطئ: من تعمد لما لا ينبغي. (ع)
606
التقوّل: افتعال القول «١»، كأن فيه تكلفا من المفتعل. وسمى الأقوال المتقولة «أقاويل» تصغيرا بها وتحقيرا، كقولك: الأعاجيب والأضاحيك، كأنها جمع أفعولة من القول. والمعنى:
ولو ادعى علينا شيئا لم نقله لقتلناه صبرا، كما يفعل الملوك بمن يتكذب عليهم معاجلة بالسخط والانتقام، فصوّر قتل الصبر بصورته ليكون أهول: وهو أن يؤخذ بيده وتضرب رقبته.
وخص اليمين عن اليسار لأن القتال إذا أراد أن يوقع الضرب في قفاه أخذ بيساره، وإذا أراد أن يوقعه في جيده وأن يكفحه بالسيف، وهو أشد على المصبور لنظره إلى السيف أخذ بيمينه.
ومعنى لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ لأخذنا بيمينه، كما أن قوله لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ لقطعنا وتينه، وهذا بين. والوتين: نياط القلب وهو حبل الوريد: إذا قطع مات صاحبه. وقرئ: ولو تقول على البناء للمفعول. قيل حاجِزِينَ في وصف أحد، لأنه في معنى الجماعة، وهو اسم يقع في النفي العام مستويا فيه الواحد والجمع والمذكر والمؤنث. ومنه قوله تعالى لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ، لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ والضمير في عنه للقتل، أى: لا يقدر أحد منكم أن يحجزه عن ذلك ويدفعه عنه. أو لرسول الله، أى: لا تقدرون أن تحجزوا عنه القاتل وتحولوا بينه وبينه، والخطاب للناس، وكذلك في قوله تعالى وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ وهو إيعاد على التكذيب. وقيل الخطاب للمسلمين. والمعنى: أن منهم ناسا سيكفرون بالقرآن وَإِنَّهُ الضمير للقرآن لَحَسْرَةٌ على الكافرين به المكذبين له إذا رأوا ثواب المصدقين به. أو للتكذيب، وأن القرآن اليقين حق اليقين، كقولك: هو العالم حق العالم، وجدّ العالم. والمعنى:
لعين اليقين، ومحض اليقين فَسَبِّحْ الله بذكر اسمه العظيم وهو قوله: سبحان الله، واعبده شكرا على ما أهلك له من إيحائه إليك.
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة الحاقة حاسبه الله حسابا يسيرا» «٢».
(١). قال محمود: «التقول: افتعال من القول، لأن فيه تكلفا... الخ» قال أحمد: وبناء أقعولة من القول، وهو معتل، كما ترى غيب عن القياس التصريفى. ويحتمل أن تكون الأقاويل جمع الجمع، كالأناعيم: جمع أقوال وأنعام، وهو الظاهر، والله أعلم.
(٢). أخرجه الثعلبي والواحدي وابن مردويه بالسند إلى أبى بن كعب.
607
Icon