تفسير سورة فاطر

تفسير العز بن عبد السلام
تفسير سورة سورة فاطر من كتاب تفسير العز بن عبد السلام المعروف بـتفسير العز بن عبد السلام .
لمؤلفه عز الدين بن عبد السلام . المتوفي سنة 660 هـ
سورة الملائكة ( فاطر ) مكية اتفاقاً.

١ - الفَطْر: الشق عن الشيء بإظهاره للحسِّ. قال ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - ما كنت أدري ما فاطر حتى اختصم أعرابيان في بئر فقال: أحدهما أنا فطرتها أي ابتدأتها ففاطر السموات والأرض خالقهما، أو شقها بما ينزل فيها وما يعرج منها. ﴿رُسُلاً﴾ إلى الأنبياء، أو إلى العباد برحمة، أو نقمة ﴿مَّثْنَى﴾ لبعض جناحان ولبعض ثلاثة ولآخرين أربعة ﴿يَزِيدُ فِى﴾ أجنحة الملائكة ما يشاء، أو حسن الصوت، أو الشعر الجعد. ﴿مَّا يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢) ﴾.
٢ - ﴿مِن رَّحْمَةٍ﴾ من خير، أو مطر، أو توبة " ع "، أو وحي " ح " أو
22
دعاء، أو رزق مأثور.
﴿يَأَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَآءِ وَاْلأَرْضِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (٣) وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الأْمُورُ (٤) يَأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلاَ يَغُرَّنَّكُم بِاللهِ الْغَرُورُ (٥) إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌ فَاْتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُواْ حِزْبَهُ لِيَكُونُواْ مِنْ أَصْحَابِ اْلسَّعِيرِ (٦) الَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاْلَّذِينَءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّاَلِحَتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (٧) أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَءَاهُ حَسَناً فَإِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (٨) ﴾
23
٨ - ﴿أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ﴾ اليهود والنصارى والمجوس، أو الخوارج، أو الشيطان أو قريش. نزلت في أبي جهل، أو العاص بن وائل. وفيه محذوف تقديره فهو يتحسر عليه يوم القيامة، أو كمن آمن وعمل صالحاً، أو كمن علم الحسن من القبيح.
﴿وَاللهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرَّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباَ فَسُقْنَهُ إِلَى بَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ اْلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ الْنُّشُورُ (٩) مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَاْلَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هَوَ يَبُورُ (١٠) وَاللهُ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَجاً وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَلاَ تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ (١١) ﴾
١٠ - ﴿مَن كَانَ يريدُ العزَّة) وهي المنعة فليتعزَّز بطاعة الله تعالى، أو من يرد علم العزة لمن هي {فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ﴾ لما اتخذوا آلهة ليكونوا لهم عِزاً أخبرهم الله - تعالى - أن العزة له جميعاً ﴿الكَلِم الطَّيِّبُ﴾ التوحيد، أو الثناء على الله - تعالى - يصعد به الملائكة المقربون ﴿وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ﴾ يرفعه الكلم الطيب، أو العمل الصالح يرفع الكلم الطيب، أو يرفع الله - تعالى - العمل الصالح لصاحبه ﴿السَّيِّئَاتِ) {الشرك﴾ (يَبُور} يفسد عند الله تعالى، أو يهلك البوار: الهلاك، أو يبطل.
١١ - ﴿مِّن تُرَابٍ) {آدم﴾ (مِن نُّطْفَةٍ) ﴿نسله﴾ (أَزْوَاجاً} زَوَّج بعضكم ببعض أو ذكوراً وإناثاً وكل واحد معه آخر من شكله فهو زوج ﴿وَمَا يُعَمر﴾ ما يمد عمر أحد حتى يهرم ولا ينقص من عمر آخر فيموت طفلاً، أو ما يعمر معمر قدر الله - تعالى - أجله إلاَّ كان ما نقص منه من الأيام الماضية في كتاب الله تعالى. قال ابن جبير: كتب الله تعالى الأجل في أول الصحيفة ثم يكتب في أسفلها ذهب يوم كذا ذهب يوم كذا حتى يأتي على أجله، وعمر المعمر [١٥٥ / أ] / ستون سنة، أو أربعون، أو ثماني عشرة ﴿إِنَّ ذَلِكَ﴾ إن حفظه بغير كتاب هين على الله - تعالى -.
{وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَآئِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٢) يُولِجُ الَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِه مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ (١٣) إِن تَدْعُوهُمْ لاَ يَسْمَعُواْ دُعَآءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُواْ مَا اسْتَجَابُواْ لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِياَمَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلاَ يُنَبِّئُكُ
24
مِثْلُ خَبِيرٍ (١٤) }
25
١٢ - ﴿فُراتٌ﴾ أي عذب كقولهم حسن جميل ﴿أُجَاج﴾ مُرّ من أجة النار كأنه يحرق لمرارته ﴿لَحْماً طَرِيّاً﴾ الحيتان منهما ﴿وَتَسْتَخْرِجُونَ﴾ الحلية من الملح دون العذب، أو في من البحر الملح عيون عذبة يخرج اللؤلؤ فيما بينهما عند التمازج، أو من مطر السماء و ﴿لِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ﴾ بالتجارة في الفلك.
يَأَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَآءُ إِلَى اللهِ والله هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (١٥) إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (١٦) وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ (١٧) وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وإِن تَدْعُ مُثُقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لاَ يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى إِنَّمَا تُنذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِاْلغَيْبِ وَأَقَامُواْ الصَّلَوةَ وَمَن تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ (١٨)
١٨ - ﴿وَلا تَزِرُ﴾ لا تحمل نفس ذنوب أخرى ومنه الوزير لتحمله أثقال الملك بتدبيره ﴿وَإِن تَدْعُ﴾ نفس مثقلة بالذنوب إلى تحمل ذنوبها لم تجد من يحمل عنها شيئاً وإن كان المدعو للتحمل قريباً مناسباً ولو تحمل ما قبل تحمله لقوله - تعالى - ﴿وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ﴾ ﴿بِالْغَيْبِ﴾ في السر حيث لا يراه أحد أو في التصديق بالآخرة.
{وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ (١٩) وَلاَ الظُّلُمَتُ وَلاَ النُّورُ (٢٠) وَلاَ الظِّلُّ وَلاَ الْحَرُورُ (٢١) وَمَا يَسْتَوِي الأَحْيَآءُ وَلاَ الأَمْوَاتُ إِنَّ اللهَ يُسْمِعُ مَن يَشَآءُ وَمَآ أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ (٢٢) إِنْ أَنتَ إِلاَّ نَذِيرٌ (٢٣) إِنَّآ أَرْسَلْنَكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلاَ فِيهاَ نَذِيرٌ (٢٤) وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالبَيِّنَاتِ وَبِاْلزُّبُرِ وَبِاْلكِتَابِ الْمُنِيرِ (٢٥) ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (٢٦).
25
١٩ -، ٢٠،
26
٢١ - ﴿وَمَا يَسْتَوِى الأَعْمَى﴾ [فيه قولان أحدهما: أن هذا مثل ضربه الله - تعالى - للمؤمن والكافر كما لا يستوي الأعمى والبصير ولا تستوي الظلمات ولا النور ولا يستوي الظل ولا الحرور لا يستوي المؤمن والكافر. قاله قتادة. الثاني: أن معنى قوله وما يستوي الأعمى والبصير أي عمى القلب بالكفر وبصره بالإيمان ولا تستوي ظلمات الكفر ونور الإيمان ولا يستوي] ظل الجنة وحرور النار، والحرور: الريح الحارة كالسموم قال الفراء: الحرور بالليل والنهار والسموم [لا يكون إلا بالنهار] وقال: لا يكون الحرور إلا مع شمس النهار والسموم يكون بالليل والنهار وقيل: الحرور الحر والظل البرد.
ولا تستوي الظلمات ولا النور
ولا يستوي الظل ولا الحرور لا يستوي المؤمن والكافر. قاله قتادة. الثاني : أن معنى قوله وما يستوي الأعمى والبصير أي عمى القلب بالكفر وبصره بالإيمان ولا تستوي ظلمات الكفر ونور الإيمان ولا يستوي ] ظل الجنة وحرور النار، والحرور : الريح الحارة كالسموم قال الفراء : الحرور بالليل والنهار والسموم [ لا يكون إلا بالنهار ] وقال : لا يكون الحرور إلا مع شمس النهار والسموم يكون بالليل والنهار وقيل : الحرور الحر والظل البرد.
٢٢ - ﴿وَمَا يَسْتَوِى الأَحْيَآءَ﴾ كما لا يستوي الحي والميت فكذلك لا يستوي المؤمن والكافر أو الأحياء المؤمنون أحياهم إيمانهم والأموات الكفار أماتهم كفرهم أو العقلاء والجهال و " لا " صلة مؤكدة أو نافية. ﴿يُسْمِعُ﴾ يهدي ﴿مَّن فِى الْقُبُورِ﴾ كما لا تسمع الموتى كذلك لا تسمع الكافر أو لا تسمع الكافر الذي أماته الكفر حتى أقبره في كفره.
٢٤ - ﴿وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلا﴾ سلف فيها نبي قيل: إلا العرب.
26
{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدُ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَنُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ (٢٧) وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَآبِّ وَاْلأَنْعَمِ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَنُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَؤُاْ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (٢٨)
27
٢٧ - ﴿جُدَدٌ﴾ جمع جُده وهي الخطط و ﴿غرابيب﴾ الغربيب الشديد السواد. كلون الغراب قيل تقديره سودٌ غرابيب.
٢٨ - ﴿كَذَلِكَ﴾ أي مختلف ألوانه أبيض وأحمر وأسود، أو كما اختلف ألوان ما ذكرت فكذلك تختلف أحوال العباد في الخشية ثم استأنف فقال: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ من عباده العلماء﴾ به.
{إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَبَ اللهِ وَأَقَامُواْ الصَّلَوةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَهُمْ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً يَرْجُونَ تِجَرَةً لَّن تَبُورَ (٢٩) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (٣٠).
٢٩ - ﴿تِجَارَةً﴾ الجنة ﴿تَبُورَ﴾ تكسد، أو تفسد.
٣٠ - ﴿أُجُورَهُمْ﴾ ثواب أعمالهم ﴿وَيَزِيدَهُم﴾ يفسح لهم في قبورهم، أو يشفعهم فيمن أحسن إليهم في الدنيا، أو تضاعف حسناتهم مأثور، أو يغفر لهم الكثير ويشكر اليسير ﴿غَفُورٌ﴾ للذنب ﴿شَكُورٌ﴾ للإحسان لأنه يقابله مقابلة الشاكر.
27
{وَالَّذِي أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ (٣١) ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَبَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَتِ بِإِذْنِ اللهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (٣٢).
28
٣٢ - ﴿أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ﴾ القرآن. ومعنى الإرث انتقال الحكم إليهم، أو إرث الكتاب هو الإيمان بالكتب السالفة لأن حقيقية الإرث الانتقال من قوم إلى آخرين ﴿الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا﴾ الأنبياء. فيكون قوله ﴿فَمِنْهُمْ ظالمٌ﴾ كلاماً مستأنفاً لا يرجع إلى المصطفين أو الذين اصطفينا أمة محمد [صلى الله عليه وسلم]. والظالم لنفسه أهل الصغائر. قال عمر رضي الله - تعالى - عنه: وظالمنا مغفور له [١٥٥ - ب] /، أو أهل الكبائر وأصحاب المشأمة، أو المنافقون، أو أهل الكتاب، أو الجاحد ﴿مقتصدٌ﴾ متوسط في الطاعات قال رسول الله [صلى الله عليه وسلم] " أما السابق فيدخل الجنة بغير حساب وأما المقتصد فيحاسب حساباً يسيراً وأما الظالم فيحبس طول الحبس ثم يتجاوز الله - تعالى - عنه "، أو أصحاب اليمين، أو أهل الصغائر، أو متبعو سنة الرسول [صلى الله عليه وسلم] بعده " ح " ﴿سابقٌ بِالْخَيْرَاتِ﴾ المقربون، أو أهل المنزلة العليا في الطاعة، أو من كان في عهد الرسول [صلى الله عليه وسلم] فشهد له بالجنة وسأل
28
عقبة بن صهبان عائشة - رضي الله تعالى عنها - عن هذه الآية فقالت: كلهم في الجنة السابق من مضى على عهد رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فشهد له بالجنة والمقتصد من اتبع أثره حتى لحق به والظالم لنفسه مثلي ومثلك ومن اتبعنا. {جَنَّتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها يُحَلُّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (٣٢) وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزْنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (٣٤) الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ لاَ يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلاَ يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ (٣٥).
29
﴿ الحَزَنَ ﴾ خوف النار " ع "، أو حزن الموت، أو تعب الدنيا وهمومها أو حزن الخبز، أو حزن الظالم يوم القيامة لما يشاهد من سوء حاله، أو الجوع، أو خوف السلطان، أو طلب المعاش، أو حزن الطعام مأثور.
٣٥ - ﴿المُقَامة﴾ الإقامة ﴿نَصَبٌ﴾ تعب، أو وجع ﴿لغوبٌ﴾ عناء، أو إعياء.
29
{والَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لاَ يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُواْ وَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (٣٦) وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَلِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَآءَكُمُ اْلنَّذِيرُ فَذُوقُواْ فَمَا لِلظَّلِمِينَ مِن نَّصِيرٍ (٣٧).
30
٣٧ - ﴿يَصْطَرِخُون﴾ يستغيثون ﴿مَّا يَتَذكَّر فِيهِ﴾ البلوغ، أو ثماني عشرة سنة، أو أربعون " ع "، أو ستون، أو سبعون ﴿وجاءكم النذير﴾ محمد [صلى الله عليه وسلم]، أو الشيب، أو الحمى، أو موت الأهل والأقارب.
{إِنَّ اللهَ عَلِمُ غَيْبِ السَّمَوَتِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (٣٨) هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ فِي الأَرْضِ فَمَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلاَ يَزِيدُ الْكَفِرِينَ كُفْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِلاَّ مَقْتًا وَلاَ يَزِيدُ الْكَفِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلاَّ خَسَاراً (٣٩).
٣٩ - {خَلائِفَ) يخلف بعضكم بعضاً خلفاً بعد خلف، وقرناً بعد قرن والخلف هو التالي للمتقدم ولما قيل لأبي بكر - رضي الله تعالى عنه -
30
خليفة الله قال: لست خليفة الله ولكني خليفة رسوله وأنا راض بذلك، قال بعض السلف: إنما يُستخلف من يغيب، أو يموت والله - تعالى - لا يغيب ولا يموت ﴿فعليه﴾ عقاب كفره.
{قُلْ أَرَءَيْتُمْ شُرَكَآءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ الأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ في السَّمَوَتِ أَمْءَاتَيْنَهُمْ كِتَباً فَهُمْ عَلَى بَيِّنَتٍ مِّنْهُ بَلْ إِن يَعِدُ الظَّلِمُونَ بَعَْضُهُم بَعْضاً إِلاَّ غُرُوراً (٤٠) إِنَّ اللهَ يُمْسِكَ السَّمَوَتِ وَالأَرْضَ أَن تَزُولاَ وَلَئِن زَالَتَآ إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً (٤١).
31
٤٠ - ﴿شُركاءَكم﴾ في الأموال الذين جعلتم لهم قسطاً منها وهي الأوثان أو الذين أشركتموهم في العبادة. ﴿مِنَ الأَرْضِ﴾ أي في الأرض ﴿شركٌ) {في خلق السماوات﴾ (كتاباً} بما هم عليه من الشرك فهم على احتجاج منه، أو بأن لله شركاء من الأصنام والملائكة فهم متمسكون به، أو بألا يعذبهم على كفرهم فهم واثقون به ﴿إِلا غُرُوراً﴾ وعدوهم أن الملائكة تشفع لهم، أو أنهم [ينصرون عليهم] أو بالمعصية.
{وَأَقْسَمُواْ بِاللهِ جَهْدَ أَيْمَنِهِمْ لَئِن جَآءَهُمْ نَذِيرٌ لَّيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى اْلأُمَمِ فَلَمَّا جَآءهُمْ نَذِيرٌ مَّا زَادَهُمْ إِلاَّ نُفُوراً (٤٢) اسْتِكْبَاراً فِي اْلأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئ وَلاَ يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئ إِلاَّ بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ سُنَّتَ الأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَحْوِيلاً (٤٣).
٤٣ - ﴿الحَزَنَ﴾ خوف النار " ع "، أو حزن الموت، أو تعب الدنيا وهمومها أو حزن الخبز، أو حزن الظالم يوم القيامة لما يشاهد من سوء حاله، أو الجوع، أو خوف السلطان، أو طلب المعاش، أو حزن الطعام مأثور.
29
٤٣ - ﴿ومَكْرَ السيء﴾ الشرك، أو مكرهم بالرسول [صلى الله عليه وسلم] ﴿يحيق﴾ يحيط،
31
أو ينزل، فعاد ذلك عليهم فقُتلوا ببدر ﴿سنة الأَوَّلِينَ﴾ وجوب العذاب عند الإصرار على الكفر، أو لا تقبل توبتهم عند نزول العذاب. {أَوَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَكَانُواْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعْجِزُهُ مِن شَيْءٍ فِي السَّمَوَتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيراً (٤٤) وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَآبَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرَا (٤٥).
32
٤٥ - ﴿بِمَا كَسَبُواْ﴾ من الذنوب ﴿مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَآبَّةٍ﴾ قيل: بحبس المطر عنهم. عام في كل ما دَبَّ ودرج وقد فعل ذلك زمن الطوفان، أو من الجن والإنس دون غيرهم [١٥٦ / أ] / لأنهما أهل تكليف أو من الناس وحدهم ﴿أجلٍ مُسمىً﴾ وعدوا به في اللوح المحفوظ، أو القيامة ﴿جَآءَ أَجَلُهُمْ﴾ نزول العذاب، أو القيامة.
32
سورة يس
مكية أو إلا آية ﴿وإذا قيل لهم أنفقوا﴾ :[٤٧].

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

﴿يس (١) والقرآن الحكيم (٢) إنك لمن المرسلين (٣) على صراط مستقيم (٤) تنزيل العزيز الرحيم (٥) لتنذر قوماً ما أنذر ءاباؤهم فهم غافلون (٦) لقد حق القول على أكثرهم منهم لا يؤمنون (٧) ﴾
33
Icon