تفسير سورة يس

حاشية الصاوي على تفسير الجلالين
تفسير سورة سورة يس من كتاب حاشية الصاوي على تفسير الجلالين .
لمؤلفه الصاوي . المتوفي سنة 1241 هـ

قوله: ﴿ يسۤ ﴾ القراء السبعة على تسكين النون، بإدغامها في الواو بعدها، أو بإظهارها، وقرئ شذوذاً بضم النون وفتحها وكسرها، فالأول خبر لمبتدأ محذوف أي هذه، ومنع من الصرف للعلمية والتأنيث، والثاني إما على البناء على الفتح تخفيفاً، كأين وكيف، أو مفعول به لفعل محذوف تقديره اتل، أو مجرور بحرف قسم محذوف وهو ممنوع من الصرف، والثاني مبني على الكسر، على أصل التخلص من التقاء الساكنين. قوله: (الله أعلم بمراده به) هذا أحد أقوال في تفسير الحروف المقطعة، كحم وطس، وتقدم أن هذا القول أسلم، وقيل: معناه يا إنسان، وأصله يا أنيسين، فاقتصر على شطره لكثرة النداء به: وقيل هو اسم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقيل: اسم القرآن. قوله: ﴿ وَٱلْقُرْآنِ ٱلْحَكِيمِ ﴾ كلام مستأنف لا محل له من الإعراب، وهو قسم، وجوابه قوله: ﴿ إِنَّكَ لَمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ ﴾.
قوله: (المحكم) أي المتقن الذي هو في أعلى طبقات البلاغة. وقوله: (متعلق بما قبله) أي بالمرسلين، ويصح أن يكون خبراً ثانياً لأن، كأنه قيل: إنك لمن المرسلين، إنك على صراط مستقيم. قوله: (أي طريق الأنبياء قبلك) أي وقولهم: إن شرع رسول الله صلى الله عليه وسلم ناسخ لجميع الشرائع، فهو باعتبار الفروع، وأما الأصول فالكل مستوون فيها، ولا يتعلق بها نسخ. قال تعالى:﴿ شَرَعَ لَكُم مِّنَ ٱلدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحاً ﴾[الشورى: ١٣] الآية، وقال تعالى:﴿ فَبِهُدَاهُمُ ٱقْتَدِهْ ﴾[الأنعام: ٩٠].
قوله: (وغيره) أي إن واللام والجملة الاسمية. قوله: (خبر مبتدأ مقدر) هذا أحد وجهين في الآية، والآخر النصب على أنه مفعول لمحذوف أي امدح، أو مفعول مطلق لتنزل، القراءتان سبعيتان. قوله: ﴿ لِتُنذِرَ قَوْماً ﴾ أي العرب وغيرهم. قوله: (في زمن الفترة) هو بالنسبة للعرب، ما بين إسماعيل ومحمد عليهما الصلاة والسلام، وبالنسبة لغيرهم، ما بين عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام. قوله: ﴿ فَهُمْ غَافِلُونَ ﴾ مرتب على نفي الإنذار، وقوله: (أي القوم) تفسير للضمير، ويصح أن يكون الضمير راجعاً للفريقين هم وآباؤهم.
قوله: ﴿ لَقَدْ حَقَّ ٱلْقَوْلُ ﴾ أي وهو قوله:﴿ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ ﴾[هود: ١١٩، السجدة: ١٣].
قوله: ﴿ عَلَىٰ أَكْثَرِهِمْ ﴾ أي أكثر المكلفين من كل زمن، فالأقل متحتم إيمانه، والأكثر متحتم كفره، وتقدم لنا في سورة الأنعام، أن الأقل واحد من ألف. قوله: ﴿ فَهُمْ لاَ يُؤمِنُونَ ﴾ تفريع على ما قبله، وأشار بذلك إلى أن الإيمان والكفر بتقدير الله، فمن طبعه على أحدهما، فلا يستطيع التحول عنه، وإنما الأمر بالإيمان، باعتبار التكليف الظاهري والنوع الاختياري، ومن هنا قول بعض العارفين: الكل تقدير مولانا وتأسيسه   فاشكر لمن قد وجب حمده وتقديسهوقل لقلبك إذا زادت وساوسه   إبليس لما طغى من كان إبليسهقوله: ﴿ إِنَّا جَعَلْنَا فِيۤ أَعْناقِهِمْ أَغْلاَلاً ﴾ قيل: نزلت في أبي جهل بن هشام وصاحبيه المخزوميين، وذلك أن أبا جهل حلف، لئن رأى محمداً يصلي، ليرضخن رأسه بحجر، فلما رآه ذهب فرفع حجراً ليرميه، فلما أومأ إليه، رجعت يداه إلى عنقه، والتصق الحجر بيديه، فلما عاد إلى أصحابه، أخبرهم بما رأى، فقال الرجل الثاني، وهو الوليد بن المغيرة: أنا أرضخ رأسه، فأتاه وهو يصلي على حالته ليرميه بالحجر، فأعمى الله بصره، فجعل يسمع صوته ولا يراه، فرجع إلى أصحابه فلم يرهم حتى نادوه، فقال الثالث: والله لأشدخن رأسه، ثم أخذ الحجر وانطلق، فرجع القهقري ينكص على عقبيه، حتى خر على قفاه مغشياً عليه، فقيل له: ما شأنك؟ قال شأني عظيم، رأيت الرجل فلما دنوت منه، فإذا فحل يخطر بذنبيه، ما رأيت قط فحلاً أعظم منه حال بيني وبينه، فواللات والعزى لو دنوت منه لأكلني، فأنزل الله تعالى تلك الآية، وفيها إشارة إلى ما يحصل لهم في جهنم من السلاسل والأغلال وعمى أبصارهم، وفيها أيضاً استعارة تمثيلية، حيث شبه حالهم في امتناعهم من الهدى والإيمان، بحال من غلت يده في عنقه وعمي بصره، بجامع أن كلاً ممنوع من الوصول إلى المقصود، فتحصل أن الآية دالة على الأمور الثلاثة: سبب النزول، وما يحصل لهم في الآخرة، وتمثيل لمنعهم من الهدى. قوله: (بأن تضم إليها الأيدي) جعل المفسر هذا، توطئة لإرجاع الضمير للأيدي في قوله: ﴿ فَهِىَ إِلَى ٱلأَذْقَانِ ﴾ كأنه قال: الأيدي، وإن لم يتقدم لها ذكر صراحة، فهي مذكورة ضمناً في قول الأغلال، لأن الغل يدل عليها. قوله: (مجموعة) قدره إشارة إلى أن قوله: ﴿ إِلَى ٱلأَذْقَانِ ﴾ متعلق بمحذوف، ولو قدره مرفوعة لكان أظهر، وذلك أن اليد ترفع تحت الذقن، ويلبس الغل في العنق، فتضم اليد إليها تحت الذقن، فحينئذ لا يستطيعون خفض رأس ولا التفاتاً. قوله: (وهذا تمثيل) أي استعارة تمثيلية للمعنى المذكور، وفيه إشارة إلى سبب النزول، وإلى ما يحصل لهم في الآخرة كما علمت. قوله: (بفتح السين وضمها) أي فهما قراءتان سبعيتان. قوله: ﴿ فَأغْشَيْنَاهُمْ ﴾ هو بالغين المعجمة في قراءة العامة، أي عطينا أبصارهم، وقرئ شذوذاً بالعين المهملة من العشا، وهو عدم الإبصار ليلاً. والمعنى: أضعفنا أبصارهم عن الهدى كعين الأعشى. قوله: (تمثيل) أي استعارة تمثيلية، حيث شبه حالهم في سد طرق الإيمان عليهم ومنعهم منه، بحال من سدت عليه الطرق، وأخذ بصره بجامع أن كلاً لا يهتدي لمقصوده.
قوله: ﴿ وَسَوَآءُ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ ﴾ إلخ، هذا نتيجة ما قبله، وقوله: ﴿ لاَ يُؤمِنُونَ ﴾ بيان للاستواء، والمعنى إنذارك وعدمه سواء في عدم إيمانهم، وهو تسلية له صلى الله عليه وسلم، وكشف لحقيقة أمرهم وعاقبتها. قوله: (بتحقيق الهمزتين) أي مع إدخال ألف بينهما وتركه، فالقراءات خمس لا أربع كما توهمه عبارته، فالتحقيق فيه قراءتان، والتسهيل كذلك، والإبدال فيه قراءة واحدة وهي سبعيات. قوله: (ينفع إنذارك) جواب عما يقال: إن ظاهر الآية يقتضي إن رسالته صلى الله عليه وسلم غير عامة، بل هي لقوم مخصومين، وهم ﴿ مَنِ ٱتَّبَعَ ٱلذِّكْرَ وَخشِيَ ٱلرَّحْمـٰنَ بِٱلْغَيْبِ ﴾ ويخالف قوله سابقاً﴿ لِتُنذِرَ قَوْماً ﴾[يس: ٦]، إلخ فأجاب المفسر عن ذلك، بأن محط الحصر الإنذار النافع، فلا ينافي وجوده غيره لمن لم ينتفع به. قوله: ﴿ بِٱلْغَيْبِ ﴾ يصح أن يكون حالاً من الفاعل أو المفعول، وتقدم نظيره. قوله: ﴿ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ ﴾ إلخ، تفريع على ما قبله، إشارة لبيان عاقبة أمرهم. قوله: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي ٱلْمَوْتَىٰ ﴾ أي نبعثهم في الآخرة للمجازاة على أعمالهم. قوله: ﴿ وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُواْ ﴾.
إن قلت: إن الكتابة متقدمة قبل الإحياء، إذ هي في الدنيا والإحياء يكون في الآخرة. أجيب بأنه قدم الإحياء اعتناء بشأنه، إذ لولاه لما ظهرت ثمرة الكتابة. قوله: (في اللوح المحفوظ) المناسب أن يقول في صحف الملائكة، لأن الكتابة التي تكون في حياة العباد، إنما هي في صحف الملائكة، وأما اللوح، فقد كتب فيه ذلك قبل وجود الخلق. قوله: (ما استن به بعدهم) أي من خير: كعلم علموه، أو كتاب صنفوه، أو نخل غرسوه، أو وقف حبسوه، أو غير ذلك، أو شر: كمكس رتبوه، أو ضلالة أحدثوها، أو غير ذلك، لما في الحديث:" من سن سنة حسنة فعمل بها من بعده، كان له أجرها ومثل أجر من عمل بها، من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة، كان عليه وزرها ووزر من عمل بها بعده، من غير أن ينقص من وزرهم شيء "قوله: (نصبه بفعل يفسره) إلخ، أي فهو من باب الاشتغال.
قوله: ﴿ وَٱضْرِبْ لَهُمْ مَّثَلاً ﴾ هذا خطاب النبي صلى الله عليه وسلم أن يضرب لقومه مثلاً، لعلهم يتعظون فيؤمنوا. قوله: ﴿ أَصْحَابَ ﴾ (مفعول ثان) الأوضح ن يجعله مفعول أولاً. قوله: (أنطاكية) بالفتح والكسر وسكون النون وكسر الكاف وتخفيف الياء المفتوحة، وهي مدينة بأرض الروم، ذات سور عظيم من صخر، وهي بين خمسة جبال، دورها اثنا عشر ميلاً. وحاصل تلك القصة. أن عيسى عليه السلام، بعث رسولين من الحواريين إلى أهل انطاكية، اسم أحدهما صادق، والثاني مصدوق، فلما قربا من المدينة، رأيا شيخاً يرعى غنيمات له، وهو حبيب النجار صاحب يس، فسلما عليه، فقال الشيخ لهما: من أنتما؟ فقالا: رسولا عيسى صلى الله عليه وآله وسلم، ندعوكم من عبادة الأوثان إلى عبادة الرحمن، فقال: أمعكما آية؟ قالا: نعم، نشفي المريض، ونبرئ الأكمه والأبرص بإذن الله تعالى، وذلك كرامة لهما، ومعجزة لنبيهما، لأنه لما أرسلهما أيدهما بمعجزاته، فقال الشيخ: إن لي ابناً مريضاً منذ سنين، قالا: فانطلق بنا ننظر حاله فأتى به، فمسحا ابنه، فقام في الوقت بإذن الله تعالى صحيحاً، ففشا الخبر في المدينة، وشفى الله على أيديهما كثيراً من المرضى. وكان لهم ملك يعبد الأصنام اسمه انطيخا، فدعا بهما وقال: من أنتما؟ قالا: رسولا عيسى عليه السلام، قال: وفيم جئتما؟ قالا: ندعوك من عبادة من لا يسمع ولا يبصر، إلا عبادة من يسمع ويبصر، قال: وهل لنا إله دون آلهتنا؟ قالا: نعم، الذي أوجدك وآلهتك، قال لهما: قوما حتى أنظر في أمركما، فتبعهما الناس، فأخذوهما وجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة، ووضعوهما في السجن، وضربتهما حين دعواك إلى غير دينك، فهل كلمتهما وسمعت قولهما؟ فقال: حال الغضب بيني وبين ذلك، قال: فإني أرى أيها الملك، أن تدعوهما حتى نطلع على ما عندهما، فدعاهما الملك، فقال شمعون: فصفاه وأوجزا، قالا: إنه يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، فقال شمعون: وما آيتكما؟ قالا: ما تتمناه، فأمر الملك حتى جاؤوا بغلام مطموس العينين، وموضع عينيه كالجبهة، فما زال يدعوان ربهما، حتى انشق موضع البصر، فأخذا بندقتين من طين، فوضعاهما في حدقتيه، فصارتا مقلتين يبصر بهما، فتعجب الملك، فقال شمعون للملك: إن أنت سألت آلهتك حتى يصنعوا مثل هذا، كان لك الشرف ولآلهتك، فقال له الملك: ليس لي عنك سر مكتوم، فإن آلهنا الذي نعبده، لا يسمع ولا يبصر، ولا يضر ولا ينفع، وكان شمعون يدخل مع الملك على الصنم، ويصلي ويتضرع، حتى ظنوا أنه على ملتهم، فقال الملك للرسولين: إن قدر إلهكما الذي تعبدانه، على احياء ميت آمنا به وبكما، قالا: إلهنا قادر على كل شيء، فقال الملك: إن ههنا ميتاً قد مات منذ سبعة أيام، وهو ابن دهقان، وأنا أخرته فلم أدفنه حتى يرجع أبوه وكان غائباً وقد تغير، فجعلا يدعوان ربهما علانية، وشمعون يدعو ربه سراً، فقام الميت وقال: إني ميت منذ سبعة أيام، وكنت مشركاً، فأدخلت في سبعة أودية من النار، وأنا أحذركم ما أنتم عليه، فآمنوا بالله، ثم قال: فتحت أبواب السماء، فنظرت شاباً حسن الوجه يشفع لهؤلاء الثلاثة: سمعون وهذين، وأشار بيده إلى صاحبيه، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن عيسى روح الله وكلمته، فعجب الملك من ذلك، فلما علم شمعون أن قوله قد أثر في الملك، أخبره بالحال وأنه رسول عيسى، ودعاه فآمن الملك، وآمن معه قوم وكفر آخرون، وقيل بل كفر الملك، وأجمع على قتل الرسل هو وقومه، فبلغ ذلك حبيباً وهو على باب المدينة، فجاء يسعى إليهم ويذكرهم ويدعوهم إلى طاعة المرسلين. قوله: (إلى آخره) أي آخر القصة وهو قوله:﴿ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴾[يس: ٣٠].
قوله: ﴿ لَمُرْسَلُونَ ﴾ جمع باعتبار الثالث. قوله: (أي رسل عيسى) هذا هو المشهور، وقيل: إنهم رسل من الله من غير واسطة عيسى؛ أرسلوا إلى أصحاب هذه القرية. قوله: (بدل من إذ الأولى) أي بدل مفصل من مجمل. قوله: (بالتخفيف والتشديد) أي فهما قراءتان سبعيتان. قوله: ﴿ فَقَالُوۤاْ إِنَّآ إِلَيْكُمْ مُّرْسَلُونَ ﴾ أكدوا كلامهم بأن التقدم انكارهم بتكذيب الاثنين، وتكذيبهما تكذيب للثالث لاتحاد مقالتهم. قوله: قالوا: ﴿ مَآ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا ﴾ أي فلا مزية لكم علينا. قوله: (جار ومجرى القسم) أي فيؤكد به كالقسم، ويجاب كما يجاب به القسم. قوله: لزيادة الإنكار أي حيث تعددت ثلاث مرات. قوله: (وهي إبراء الأكمه) أي الأعمى. قوله: ﴿ قَالُوۤاْ إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ ﴾ التطير اتفاؤل، سمي بذلك لأنهم كانوا يتفاءلون بالطير، إذا أرادوا سفراً أو غيره، فإن ذهب ميمنة قالوا خير، وإن ذهب ميسرة قالوا شر. قوله: (لانقطاع المطر عنا بسببكم) قيل: حبس عنهم المطر ثلاث سنين فقالوا: هذا بشؤمكم. قوله: (لام قسم) أي وقد حنثوا فيه، لأن الله أهلكم، قبل أن يفعلوا بهم ما حلفوا عليه. قوله: (بكفرهم) الباء سببية أي طائركم حاصل معكم، بسبب كفركم وعنادكم. قوله: (وإدخال ألف) أي وتركه، فالقراءات أربع سبعيات. قوله: (وجواب الشرط محذوف) أي على القاعدة، وهي أنه إذا اجتمع استفهام وشرط، أتى بجواب الاستفهام، وحذف جواب الشرط، وهو مذهب سيبويه، وعند يونس بالعكس. قوله: (وهو محل الاستفهام) أي وهو المستفهم عنه، والمعنى لا ينبغي ولا يليق بكم التطكاير والكفر حيث وعظتم، بل آمنوا وانقادوا. قوله: ﴿ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ ﴾ اضراب عما تقتضيه الشرطية، من كون التذكير سبباً للشؤم، أي ليس الأمر كذلك، بل أنتم قوم عادتكم الإسراف في العصيان، فشؤمكم لذلك. قوله: (متجاوزون الحد بشرككم) أي بعد ظهور المعجزات، وهذا الخطاب لمن بقي على الكفر منهم، وهم الذين رجموا حبيباً النجار، وأهلكهم الله كما يأتي.
قوله: ﴿ وَجَآءَ مِنْ أَقْصَا ٱلْمَدِينَةِ ﴾ هي انطاكية المعبر عنها أولاً بالقرية، وعبر عنها بالمدينة، إشارة إلى عظمها وكبرها. قوله: (هو حبيب النجار) أي ابن إسرائيل، كان يصنع لهم الأصنام، وهو ممن آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم قبل وجوده، كما آمن به تبع الأكبر، وورقة بن نوفل وغيرهما، وفي الحقيقة: كل نبي آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم قبل وجوده، كما آمن به تبع الأكبر، وورقة بن نوفل وغيرهما، وفي الحقيقة: كل نبي آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم قبل ظهوره، بمصداق قوله تعالى:﴿ وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَاقَ ٱلنَّبِيِّيْنَ ﴾[آل عمران: ٨١] الآية، وهذا من خصوصياته صلى الله عليه وسلم، وأما غيره من الأنبياء، فلم يؤمن به أحد إلا بعد ظهوره. قوله: (كان قد آمن بالرسل) أي رسل عيسى، وسبب إيمانه ما تقدم من شفاء ولده المريض، وقيل: إنه هو كان مجذوماً، وعبد الأصنام سبعين سنة لكشف ضره فلم يكشف، فلما دعاه الرسل إلى عبادة الله قال لهم: هل من آية؟ قالوا له: ندعو ربنا القادر، يفرج عنك ما بك، فقال: إن هذا عجيب، قد عبدت الأصنام سبعين سنة، فلم تستطع تفريجه في غداة واحدة؟ قالوا: نعم، ربنا على كل شيء قدير، فدعوا ربهم فكشف ما به فآمن. قوله: (يشتد عدواً) أي يسرع في مشيته، حرصاً على نصح قومه، والدفع على الرسل. قوله: (تأكيد للأول) أي تأكيد لفظي، فلفظ اتبعوا، تأكيد للفظ اتبعوا الأول، من توكيد الفعل بالفعل. قوله: ﴿ مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْراً ﴾ بدل من المرسلين، والمعنى: اتبعوا الصادقين المخلصين، الذين لك يريدوا منكم العرض الفاني، إذا لو كانوا غير مخلصين، لطلبوا منكم المال، ونازعوكم على الرياسة. قوله: ﴿ وَهُمْ مُّهْتَدُونَ ﴾ الجملة حالية، وهو تعريض لهم بالإتباع، أي فاهتدوا أنتم تبعاً لهم. قوله: (أنت على دينهم) فيه حذف همزة الاستفهام. قوله: ﴿ وَمَا لِيَ لاَ أَعْبُدُ ٱلَّذِي فَطَرَنِي ﴾ تلطف في إرشادهم، وفيه نوع تقريع على ترك عبادة خالقهم، والأحسن أن في الآية احتباكاً، حيث حذف من الأول، نظير ما أثبته في الآخر، والأصل: ومالي لا أعبد الذي فطرني وفطركم، وإليه ترجعون وأرجع. قوله: (الموجود مقتضيها) أي وهو كون الله فطره وخلقه. قوله: (في الهمزتين منه ما تقدم) أي من القراءات الأربع، وتقدم أنها خمسة: التحقيق، وتسهيل الثانية بألف، ودونها، وإبدال الثانية ألفاً، وهي سبعيات. قوله: (هو استفهام بمعنى النفي) أي وهو إنكاري.
قوله: ﴿ مِن دُونِهِ ﴾ يصح أن يكون مفعولاً ثانياً مقدماً لاتخذوا، على أنها متعدية لاثنين، و ﴿ آلِهَةً ﴾ مفعول أول مؤخر، ويصح أن يكون حالاً من آلهة، أو متعلقاً باتخذوا، على أنها متعدية لواحد. قوله: ﴿ لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ ﴾ أي لا تنفعني شفاعتهم، فهو من الغماء بالفتح وهو النفع، ومنه قول البوصيري: قلن ما في اليتيم عنا غناء. قوله: (صفة آلهة) أي جملة ﴿ إِن يُرِدْنِ ٱلرَّحْمَـٰنُ ﴾ إلخ، فهو في محل نصب، والأوضح أن تكون مستأنفة، سيقت لتعليل النفي المذكور، لأن جعلها صفة، يوهم هناك آلهة ليست كذلك. قوله: (إن عيدت غير الله) أشار بذلك إلى أن التنوين عوض عن جملة. قوله: ﴿ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ﴾ أي لثبوت الأدلة على بطلان ذلك. قوله: ﴿ فَٱسْمَعُونِ ﴾ بكسر النون في قراءة العامة وهي نون الوقاية، حذفت بعدها ياء الإضافة، وقرئ شذوذاً بفتحها، ولا وجه له في العربية، لأن فعل الأمر يبنى على حذف النون. قوله: (أي اسمعوا قولي) أي ما قلته لكم وهو﴿ ٱتَّبِعُواْ ٱلْمُرْسَلِينَ ﴾[يس: ٢٠] إلخ. قوله: (فرجموه فمات) أي وهو يقول: اللهم اهد قومي، وقيل: حرقوه وجعلوه في سور المدينة، وقبره في سورة أنطاكية، وقيل: نشروه بالمنشار حتى خرج من بين رجليه، فوالله ما خرجت روحه إلا في الجنة، وفي رواية: أنهم قتلوا معه الرسل الثلاثة، ووضعوهم في بئر وهو الرس. قوله: و ﴿ قِيلَ ﴾ (له عند موته) هذا أحد أقوال ثلاثة، اقتصر المفسر على اثنين منها، والثالث: إن هذا القول، كناية عن البشرى بأنه يدخل الجنة. قوله: (وقيل دخلها حياً) أي فحين هموا بقتله، رفعه الله من بينهم وأدخله الجنة حياً إكراماً له، كما وقع لعيسى أنه رفع إلى السماء. قوله: ﴿ قَالَ يٰلَيْتَ قَوْمِي ﴾ أي وهم الذين نصحهم أولاً، وقد نصحهم حياً وميتاً، قوله: (بغفرانه) أشار بذلك إلى أن ما مصدرية، ويصح أن تكون موصولة والعائد محذوف، أي بالذي غفره لي، ويصح أن تكون استفهامية، أي بأي شيء غفر لي، أي بأمر عظيم، وهو توحيدي وصدعي بالحق. قوله: ﴿ وَمَآ أَنزَلْنَا عَلَىٰ قَوْمِهِ ﴾ إلخ، هذا تحقير لهم وتصغير لشأنهم، والمعنى: لم يحتج في إهلاكهم إلى إرسال جنود من الملائكة، بل نهلكهم بصيحة واحدة مثلاً، وقوله: ﴿ وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ ﴾ أي لم يكن شأننا وعادتنا، ارسال جنود لإهلاك أحد من الأمم قبلهم، بل إذا أردنا إهلاكاً عاماً، يكون بغير الملائكة، كصيحة أو رجفة أو غير ذلك. إن قلت: إن الملائكة قد نزلت من السماء يوم بدر للقتال مع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه. أجيب: بأن انزالهم تكرمة للنبي وأصحابه لا للإهلاك العام، وقيل: نزول الملائكة والاستنصار بهم من خصوصياته صلى الله عليه وسلم. قوله: (بعد موته) أي أو بعد رفعه حياً على القول الآخر. قوله: (لإهلاك أحد) أي من الأمم السابقة. قوله: (صاح بهم جبريل) أي صاح عليهم. قوله: (ميتون) أي فشبهوا بالنار الخامدة، لانقطاع النفع في كل.
قوله: ﴿ يٰحَسْرَةً عَلَى ٱلْعِبَادِ ﴾ يحتمل أن يكون من كلام الله، أو الملائكة، أو المؤمنين، والمراد بالعباد جميع الكفار، فأل للجنس، وقيل: المراد بالعباد نفس الرسل، و ﴿ عَلَى ﴾ بمعنى من، والقائل ذلك الكفار، والتقدير: يا حسرة علينا من مخالفة العباد، والأوجه الأول الذي مشى عليه المفسر. قوله: ﴿ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴾ الجملة حالية من مفعول ﴿ يَأْتِيهِمْ ﴾.
قوله: (مسوق) إلخ. أي فهو استئناف واقع في جواب سؤال مقدر، كأنه قيل: ما وجه التحسر عليهم؟ قيل: ﴿ مَا يَأْتِيهِمْ ﴾ إلخ. قوله: (لبيان سببها) أي بواسطة، فإن الاستهزاء سبب لأهلاكهم، وهو سبب للحسرة. قوله: (لاشتماله) أي دلالتهقوله: ﴿ أَلَمْ يَرَوْاْ ﴾ إلخ، رأى علمية، و ﴿ كَمْ ﴾ خبرية مفعول لأهلكنا مقدم، و ﴿ قَبْلَهُمْ ﴾ ظرف لأهلكنا، و ﴿ مِّنَ ٱلْقُرُونِ ﴾ بيان لكم. قوله: (والاستفهام للتقرير) أي وهو حمل المخاطب على الإقرار بما بعد النفي. قوله: (معمولة لما بعدها) أي وليست معمولة ليروا، لأن ﴿ كَمْ ﴾ الخبرية لها الصدارة، فلا يعمل ما قبلها فيها. قوله: (معلقة ما قبلها عن العمل). إن قلت: إن ﴿ كَمْ ﴾ الخبرية لا تعلق، وإنما التعلق للاستفهامية، قال ابن مالك: وإن ولا لام ابتداء أو قسم   كذا والاستفهام ذا له انحتمأجيب: بأن الخبرية أجريت مجرى الاستفهامية في التعليق. قوله: (والمعنى أنا) ﴿ أَهْلَكْنَا ﴾ أي وقد علموا ذلك. قوله: (بدل مما قبله) أي بدل اشتمال، لأن إهلاكهم مشتمل ومستلزم لعدم ورجوعهم، أو يدل كل من كل، بناء على تنزيل التلازم منزلة التماثل، كأن إهلاكهم غير رجوعهم. قوله: (برعاية المعنى المذكور) أي وهو قوله: (أنا) ﴿ أَهْلَكْنَا ﴾ إلخ، والمعنى: قد علموا إهلاكنا كثيراً من القرون السابقة، المشتمل على عدم عودهم إلى هؤلاء الباقين وهم أهل مكة، فينبغي أن يعتبروا بهم. قوله: (نافية) أي و ﴿ لَّمَّا ﴾ بالتشديد بمعنى إلا، وقوله: (أو مخففة) أي مهملة، ولما بالتخفيف واللام فارقة. قوله: (وما زائدة) للتأكيد، فقد أغنت عن الحصر المستفاد من قراءة التشديد، فتحصل أن من شدد ﴿ لَّمَّا ﴾ جعلها بمعنى إلا، و ﴿ إِن ﴾ نافية، وهذا باتفاق البصريين والكوفيين، ومن خفف ﴿ لَّمَّا ﴾ فالبصريون على أن ﴿ إِن ﴾ مخففة، واللام فارقة، وما زائدة، وجوز الكوفيين جعل ﴿ لَّمَّا ﴾ بمعنى إلا، و ﴿ إِن ﴾ نافية، والقراءتان سبعيتان. قوله: (أي كل الخلائق) أشار بذلك إلى أن التنوين عوض عن المضاف إليه. قوله: (أي مجموعون) دفع بذلك ما يتوهم من ذكر الاستغناء بها عن الجميع، فأجاب: بأن ﴿ كُلٌّ ﴾ أشير بها لاستغراق الأفراد، و ﴿ جَمِيعٌ ﴾ أشير بها لاجتماع الكل في مكان واحد للحشر.
قوله: ﴿ وَآيَةٌ لَّهُمُ ﴾ أي علامة ظاهرة ودالة على الإحياء بعد الموت. قوله: (بالتشديد والتخفيف) أي فهما قراءتان سبعيتان. قوله: (مبتدأ) أخره بعد قوله: ﴿ أَحْيَيْنَاهَا ﴾ اشارة إلى أنه صفة للأرض، والصفة مع الموصوف كالشيء الواحد. قوله: ﴿ وَجَعَلْنَا ﴾ عطف على ﴿ أَحْيَيْنَاهَا ﴾ قوله: ﴿ مِّن نَّخِيل ﴾ هو النخل بمعنى واحد، لكل النخل اسم جمع واحدة نخلة يؤنث عند أهل الحجاز، ويذكر عن تميم ونجد، والنخيل مؤنث بلا خلاف، وإذا علمت ذلك، فقول المفسر فيما يأتي (من النخيل وغيره) ليس بجيد، بل المناسب وغيرها. قوله: ﴿ وَفَجَّرْنَا ﴾ بالتشديد في قراءة العامة، وقرئ شذوذاً بالتخفيف. قوله: (أي بعضها) أشار بذلك إلى أن ﴿ مِنَ ﴾ تبعيضية، ويصح أن تكون زائدة. قوله: (بفتحتين وبضمتين) أي فهما قراءتان سبعيتان. قوله: (أي ثمر المذكور) دفع بذلك ما يقال: إن الضمير عائد على شيئين فحقه التثنية، فأجاب: بأنه أفرد باعتبار ما ذكر. قوله: (أي لم تعمل الثمر) أشار بذلك إلى أنه ﴿ مَا ﴾ نافية، والمعنى: أنه ليس لهم إيجاد شيء، بل الفاعل والمثبت هو الله تعالى، كما قال في الآية الأخرى:﴿ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُواْ شَجَرَهَا ﴾[النمل: ٦٠] ويصح أن تكون موصولة، أي ومن الذي عملته أيديهم، أو نكرة موصوفة، أو مصدرية، أي ومن عمل أيديهم، وإثبات العمل للأيدي من حيث الكسب. قوله: ﴿ أَفَلاَ يَشْكُرُونَ ﴾ الهمزة داخلة على محذوف، والتقدير: أيتنعمون بهذه النعم فلا يشكرونها؟ أي بحيث لا يصرفونها في مصارفها. قوله: (أنعمه) جمع نعمة بالكسر، ونعماء بالمد والفتح. قوله: ﴿ سُبْحَانَ ٱلَّذِي خَلَق ٱلأَزْوَاجَ ﴾ أي ننزه في ذاته وصفاته وأفعاله عما لا يليق به. قوله: (الأصناف) ﴿ كُلَّهَا ﴾ أي فكل زوج صنف، لأنه مختلف في الألوان والطعوم والأشكال، والصغر والكبر، فاختلافها هو ازدواجها. قوله: ﴿ مِمَّا تُنبِتُ ٱلأَرْضُ ﴾ بيان للأزواج، وكذا ما بعده، فتحصل أن هذه الأمور الثلاثة، لا يخرج عنها شيء من أصناف المخلوقات. قوله: (الغريبة) أي كالتي في السماوات والتي تحت الأرضين، وكل ما لم يكن مشاهداً لنا عادة. قوله: ﴿ وَآيَةٌ لَّهُمُ ٱلَّيلُ نَسْلَخُ مِنْهُ ٱلنَّهَارَ ﴾ ذكر الله تعالى في هذه الآية، ما يتضمن علم الميقات الذي توجب معرفته، وقد ذكر أستاذنا الشيخ الدردير رضي الله عنه، مقدمة لطيفة في هذا الشأن، كافية من اقتصر عليها فيما فرض الله تعالى. وحاصلها بحروفها: فائدة: أسماء الشهور القبطية: توت، بابه، هاتور، كيهك، طوبه، أمشير، برمهات، برموده، بشنس، بؤنه، أبيب، مسرى. أسماء البروج: ميزان؛ عقرب، قوس، جدي، دلو، حوت، حمل، ثور، جوزاء، شرطان، أسد، سنبلة. ولا يدخل توت، الذي هو أول السنة القبطية، إلا بعد خمسة أيام أو ستة، بعد مسرى، وتسمى أيام النسيء. وفصول السنة أربعة: فصل الخريف، وفصل الشتاء، وفصل الربيع، وفصل الصيف. وأول فصل الخريف: انتقال الشمس إلى برج الميزان، وذلك في نصف توت، وفي تلك الليلة يستوي الليل والنهار، ثم كل ليلة يزيد الليل نصف درجة، ثلاثين ليلة بخمس عشرة درجة، إلى نصف بابه، تنتقل الشمس إلى برج العقرب، فنزيد الليل كل ليلة ثلث درجة إلى نصف هاتور، تنتقل الشمس إلى برج القوس، فيزيد الليل كل ليلة سدس درجة بخمس درج، فقد تمت زيادة الليل ثلاثين درجة بعد الاعتدال بساعتين، فيصير الليل من غروب الشمس إلى طلوعها، أربع عشر ساعة، فيصلى الفجر على اثنتي عشرة ساعة وست درج، ومن طلوعه إلى الشمس أربع وعشرون درجة، وذلك في آخر يوم من فصل الخريف، منتصف كيهك، ثم تنتقل الشمس إلى برج الجدي، وهو أول فصل الشتاء، فيأخذ اللي في النقص، والنهار في الزيادة، فيزيد النهاء كل يوم سدس درجة، ثلاثين يوماً بخمس درج إلى نصف طوبه، فتنتقل الشمس إلى برج الدلو، فيزيد النهار كل يوم ثلث درجة بعشرة إلى نصف أمشير، فتنتقل إلى برج الحوت، فتسميها العامة بالشمس الصغيرة، فيزيد النهار كل يوم نصف درجة بخمس عشرة درجة إلى نصف برمهات، فتنتقل الشمس إلى برج الحمل، ويسميها العامة بالشمس الكبيرة، وهو أول فصل الربيع، وفيه الاعتدال الربيعي، يستوي الليل في تلك الليلة والنهار، يزيد كل يوم نصف درجة، كما في برج الحوت الذي قبله إلى منتصف برموده، فتنتقل الشمس إلى برج الثور، فيزيد النهاؤ كل يوم ثلث درجة بعشرة إلى منتصف بشنس، فتنتقل الشمس للجوزاء، ويزيد النهار كل يوم سدس درجة بخمسة إلى نصف بؤنة، فتنتقل إلى برج السرطان، وهو أول فصل الصيف، وبه ينتهي طول النهار، فيكون النهار من طلوع الشمس إلى غروبها أربع عشرة ساعة، وينتهي قصر الليل، فيكون من الغروب إلى طلوع الشمس عشرة، وحصة المغرب للعشاء، اثنتان وعشرون درجة، ومن المغرب للفجر، ثمان ساعات وخمس درج، ومنه للشمس خمس وعشرون درجة، ثم ينقص النهار، ويأخذ الليل في الزيادة، فيزيد الليل كل ليلة سدس درجة إلى خامس عشرة أبيب، فتنتقل الشمس إلى برج الأسد، فيزيد كل يوم ثلث درجة إلى نصف مسرى، فتنتقل إلى السنبلة، فيزيد النهار كل يوم نصف درجة إلى نصف توت أول السنة، فقد علمت أن الدرج الذي يأخذها النهار من الليل، والليل من النهار، ستون درجة بأربع ساعات، وأن الاعتدال يكون في السنة مرتين، مرة في نصف توت، الذي هو أول السنة القبطية، وهو فصل الخريف، والمرة الثانية في نصف برمهات، أو فصل الربيع، وأن مبدأ زيادة النهار من الفصل الذي قبله، وهو فصل الشتاء، ثلاثين يوماً بالأنصاف أيضاً إلى نصف برمودة، ودخول الشمس في الثور، فمدة زيادة الأنصاف ستون من نصف أمشير، ودخول الشمس في الحوت إلى نصف برموده، ثم ثلاثين بالأثلاث إلى نصف بشنس، ودخول الشمس في الجوزاء، ثم ثلاثين بالأسداس إلى نصف بؤنة، ودخول الشمس في السرطان، فيأخذ الليل في الزيادة بالأسداس، ثلاثين ليلة إلى نصف أبيب ودخولها في الأسد، ثم ثلاثين بالأثلاث إلى نصف مسرى، ثم بالأصناف إلى نصف توت، ثم بالأصناف أيضاً إلى نصف بابه، ثم بالأثلاث إلى نصف هاتور، ثم بالأسداس إلى نصف كهيك، ثم يعدو النهار على الليل، فسبحان الله المقدر للأمور، القادر على كل شيء، العليم الحكيم. قوله: ﴿ وَآيَةٌ ﴾ خبر مقدم، و ﴿ ٱلَّيلُ ﴾ مبتدأ مؤخر كما تقدم نظيره. قوله: ﴿ نَسْلَخُ ﴾ إلخ، بيان لكيفية كونه آية. قوله: (ننفصل) ﴿ مِنْهُ ٱلنَّهَارَ ﴾ أي نزيله عنه لكونه كالساتر له، فإذا زال الساتر ظهر الأصل، فالليل أصل، فالليل أصل متقدم في الوجود، والنهار طارئ عليه بدليل قوله: ﴿ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ ﴾ هذا لا ينافي ما يأتي في قوله:﴿ وَلاَ ٱلَّيلُ سَابِقُ ٱلنَّهَارِ ﴾[يس: ٤٠] لأن معناه لا يأتي الليل قبل وقته المقدر له، بأن يأتي في وقت الظهر مثلاً، وهذا غير ما هنا، فتحصل أن معنى السلخ الفصل والإزالة، وليس المراد به الكشف، وإلا لقال فإذا هم مبصرون، لأنه يصير المعنى: وآية لهم الليل نكشف ونظهر منه النهار. قوله: (داخلون في الظلام) أي فيقال: أظلم القوم إذا دخلوا في الظلام، وأصبحوا إذا دخلوا في الصباح. قوله: (من جملة الآية) أي فهو عطف مفردات على قوله: ﴿ ٱلأَرْضُ ﴾، وقوله: (أو آية أخرى) أي فيكون عطف جمل.
قوله: ﴿ لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَـا ﴾ أي مكان تستقر فيه، وهو مكانها تحت العرش، فتسجد فيه كل ليلة عند غروبها، فتستمر ساجدة فيه طول الليل، فعند ظهور النهار، يؤذن لها في أن تطلع من مطلقها، فإذا كان آخر الزمان لا يؤذن لها في الطلوع من المشرق، بل يقال لها: ارجعي من حيث جئت: فتطلع من المغرب، وهذا هو الصحيح عند أهل السنة، ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر غربت الشمس أتدري أين ذهبت الشمس؟ قال: الله ورسوله أعلم، قال: فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش، فتستأذن فيؤذن لها، ويوشك أن تسجد، فلا يقبل منها، وتستأذن فلا يؤذن لها، فيقال لها: ارجعي من حيث جئت، فتطلع من مغربها، فذلك قوله تعالى: ﴿ وَٱلشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَـا ذَلِكَ تَقْدِيرُ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ ﴾ وقيل: إن الشمس في الليل، تسير وتشرق على عالم آخر من أهل الأرض، وإن كنا لا نعرفه، وهذا قول الحكماء، ويؤيده ما قاله الفقهاء: إن الأوقات الخمسة، تختلف باختلاف الجهات والنواحي، فقد يكون المغرب عندنا، عصراً عند آخرين، وقد يكون الليل عندهم ساعة فقط، واختلف في العشاء حينئذ، فقالت الحنفية بسقوطها، وقالت الشافعية ووافقهم المالكية: يقدر لهم بأقرب البلاد إليهم، ويصلونها ولو بعد طلوع الشمس عندهم، وتسمى أداء، ولا حرمة عليهم، في ذلك، وعلى ما قالته الحكماء، فاختلف في مستقر الشمس، فقيل: هو انقضاء الدنيا وقيام الساعة، وقيل: مستقرها هو سيرها في منازلها، حتى تنتهي إلى مستقرها التي لا تجاوزه، ثم ترجع إلى أول منازلها، وقيل: مستقرها نهاية ارتفاعها في السماء في الصيف، ونهاية هبوطها في الشتاء.
قوله: ﴿ وَٱلْقَمَرَ ﴾ اختلف فيه، هل لكل شهر قمر جديد؟ أو هو قمر واحد لكل شهر؟ فقال الرملي من أئمة الشافعية: إن لكل شهر قمراً جديداً، ولكن المتبادر من كلام الحكماء ومن غالب الأحاديث أنه متحد. قوله: (بالرفع) أي على مبتدأ خبره ﴿ قَدَّرْنَاهُ ﴾.
قوله: (والنصب يفسره ما بعده) أي فهو من باب الاشتغال. قوله: (من حيث سيره) أشار بذلك إلى أن قوله: ﴿ مَنَازِلَ ﴾ ظرف لقوله: ﴿ قَدَّرْنَاهُ ﴾ والتقدير قدرناه سيره في منازل، ويصح جعله حالاً على حذف مضاف، والتقدير ذا منازل. قوله: (أي كعود الشماريخ) جمع شمراخ، وهو عيدان العنقود الذي عليه الرطب. قوله: (إذا عتق) من باب ظرف وقعد. قوله: (فإنه يدق ويتقوس ويصغر) أي فوجه الشبه فيه مركب من ثلاثة أشياء. قوله: ﴿ لاَ ٱلشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَآ أَن تدْرِكَ ٱلقَمَرَ ﴾ أي بحيث تأتي في وسط الليل، لأن ذلك يخل بتلوين النبات ونفع الحيوان، ويفسد النظام، ولم يقل سبحانه وتعالى: ولا القمر يدرك الشمس، لأن سير القمر أسرع، لأنه يقطع الفلك في شهر، والشمس لا تقطع فلكها في سنة، فالشمس قطعاً لا تدرك القمر، والقمر قد يدرك الشمس في سيرها، ولكن لا سلطنة له. قوله: ﴿ وَلاَ ٱلَّيلُ سَابِقُ ٱلنَّهَارِ ﴾ أي لا يأتي الليل في أثناء النهار قبل أن ينقضي، كأن يأتي في وقت الظهر مثلاً. قوله: ﴿ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ﴾ قال ابن عباس: يدورون في فلكة كفلكة المغزل. قوله: (والنجوم) أي المدلول عليها بذكر الشمس والقمر. قوله: (نزلوا منزلة العقلاء) أي حيث عبر عنهم بضمير جمع الذكور، والذي سوغ ذلك، وصفهم بالسباحة التي هي من أوصاف العقلاء. قوله: ﴿ وَآيَةٌ لَّهُمْ ﴾ خبر مقدم ﴿ أَنَّا حَمَلْنَا ﴾ في تأويل مصدر مبتدأ مؤخر، أي حملنا ذريتهم في الفلك، آية دالة على باهر قدرتنا. قوله: (وفي قراءة) أي وهي سبعية أيضاً. قوله: (أي آباءهم الأصول) أشار بذلك إلى أن لفظ الذرية، كما يطلق على الفروع، يطلق على الأصول، لأنه من الذرء وهو الخلق، فاندفع ما يقال: إن الذي حمل في سفينة نوح، أصول أهل مكة لا فروعهم، وهذا أوضح ما قررت به هذه الآية. قوله: (المملوء) أي لأن نوحاً جعله ثلاث طبقات: السفلى وضع فيها السباع والهوام، والوسطى فيها الدواب والأنعام، والعليا وضع فيها الآدميين والطير.
قوله: ﴿ وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِّن مِّثْلِهِ ﴾ هذا امتنان آخر مرتب على ما قبله، والمعنى: جعلنا سفينة نوح آية عظيمة على قدرتنا، ونعمة للخلق، وعلمناهم صنعة السفينة، فعملوا سفناً كباراً وصغاراً لينتفعوا بها. قوله: ﴿ مِّن مِّثْلِهِ ﴾ ﴿ مِّن ﴾ إما زائدة أو تبعيضية، وعلى كل فمدخولها حال من قوله: ﴿ مَا يَرْكَبُونَ ﴾.
قوله: (وهو ما عملوه) هذا أحد أقوال ثلاثة في تفسير المثل، الثاني: إنه خصوص الإبل، والثالث: إنه مطلق الدواب التي تركب. قوله: (بتعليم الله) دفع بهذا ما يقال: عادة الله تعالى إضافة صفة العبيد لأنفسهم، وإن كان هو الخالق لها حقيقة، فلم أضافها لنفسه؟ فأجاب: بأن التعليم والهداية لما كانتا منه، أضاف الخلق به، لأن سفينة نوح التي هي أصل السفن، كانت بمحض تعليم الله وإلهامه له. قوله: (مع إيجاد السفن) أي ومع ركوبهم لها. قوله: ﴿ فَلاَ صَرِيخَ لَهُمْ ﴾ الصريخ بمعنى الصارخ، يطلق على المستغيث وعلى المغيث، فهو من تسمية الأضداد، والمراد الثاني. قوله: ﴿ إِلاَّ رَحْمَةً مِّنَّا ﴾ ﴿ إِلاَّ ﴾ أداة استثناء، و ﴿ رَحْمَةً ﴾ مفعول لأجله، وهو استثناء مفرغ من عموم الأحوال، والمعنى: لا ننجيهم لشيء من الأشياء، إلا لأجل رحمتنا بهم وتمتيعهم الأمد الذي سبق في علمنا. قوله: (كغيركم) أي وهم المؤمنون. قوله: (من عذاب الآخرة) أشار بذلك إلى أن لفظ الخلف، كما يطلق على ما مضى، يطلق على ما يأتي، فهو من تسمية الأضداد، وسمى ما يأتي خلفاً لغيبته عنا. قوله: (أعرضوا) قدره إشارة إلى أن جواب الشرط محذوف، دل عليه قوله: ﴿ وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ ﴾ إلخ. قوله: ﴿ مِّنْ آيَةٍ ﴾ ﴿ مِّنْ ﴾ زائدة، وقوله: ﴿ مِّنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ ﴾ ﴿ مِّنْ ﴾ تبعيضية. قوله: ﴿ إِلاَّ كَانُواْ ﴾ إلخ، الجملة حالية. قوله: ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنفِقُواْ ﴾ إلخ. أشار بذلك إلى أنهم كما تركوا حقوق الخالق، وهذه الآية نزلت حكاية عن بعض جبابرة مكة، كالعاص بن وائل السهمي وغيره، كان إذا سأله المسكين قال له: اذهب إلى ربك فهو أولى مني بك، قد منعك الله، أفأطعمك أنا؟ وقد تمسك بهذا بخلاء المسلمين حيث يقولون: لا نعطي من حرمه الله، ولم يعلموا أن الفقراء يحملون زاد الأغنياء للآخرة، ولولا الفقراء ما انتفع الغني بغناه. قوله: ﴿ قَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾ أي بالصانع، أن ينكرون وجوده، وهم فرقة من جبابرة مكة. قوله: ﴿ مَن لَّوْ يَشَآءُ ٱللَّهُ أَطْعَمَهُ ﴾ مفعول ﴿ أَنُطْعِمُ ﴾ وقوله: ﴿ أَطْعَمَهُ ﴾ جواب ﴿ لَّوْ ﴾.
قوله: (في معتقدكم) أي الفقراء المؤمنون، لا في معتقد الكفار الأغنياء، فإنهم ينكرون الصانع كما علمت. قوله: (في قولكم لنا ذلك) أشار بذلك إلى أن هذا من كلام الكفار للمؤمنين. ويؤيده ما روي: أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه، كان يطعم مساكين المسلمين، فلقيه أبو جهل فقال: يا أبا بكر، أتزعم أن الله قادر على إطعام هؤلاء؟ قال: قال: نعم، قال: فما باله لم يطعمهم؟ قال: ابتلى قوماً بالفقر، وقوماً بالغنى، وأمر الفقراء بالصوم، والأغنياء بالإعطاء، فقال أبو جهل: والله يا أبا بكر، إن أن إلا في ضلال، أتزعم أن الله قادر على إطعام هؤلاء، وهو لا يطعمهم، ثم تطعمهم أنت؟ وقيل: إنه من كلام المؤمنين للكفار، وقيل: من كلام الله تعالى رداً عليهم. قوله: (موقع عظيم) أي وهو التبكيت والتقبيح عليهم.
قوله: ﴿ وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَذَا ٱلْوَعْدُ ﴾ رجوع للكلام مع الكفار المعترفين بوجوده تعالى قوله: (أي ما ينتظرون) هذا مجازاة لأول كلامهم، لأن شأن من يسأل عن الشيء، أن يكون معترفاً بوجوده، وإلا فهم جازمون بعدمها. قوله: (الأولى) أي وهي التي يموت عندها من كان موجوداً على وجه الأرض. قوله: (نقلت حركة التاء إلى الخاء) أي بتمامها أو بعضها، فهما قراءتان. قوله: (وأدغمت) أي بعد قلبها صاداً، وحذفت همزة الوصل للاستغناء عنها بتحريم الخاء، وقوله: (وفي قراءة) إلخ، تلخص من كلامه أن القراءات هنا ثلاث، وبقي رابعة وهي فتح الياء وكسر الخاء وكسر الصاد ساكنة، فالتقت ساكنة مع الخاء، فحركت الخاء ليست حركة نقل، وإنما هي لما حذفت حركة التاء صارت ساكنة، فالتقت ساكنة مع الخاء، فحركت الخاء بالكسر على أصل التخلص من التقاء الساكنين، وكل تلك العبارات سبعية. قوله: (أي وهم في غفلة عنها) أشار بهذا، إلى أن المراد من الاختصام لازمه، وهو الغفلة التي ينشأ عنها الاختصام وغيره، وفي الحديث: " لتقومن الساعة وقد نشر الرجلان ثوباً بينهما، فلا يتابعانه ولا يطويانه، ولتقومن الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لقحته فلا يطعمها " أخرجه البخاري. قوله: (أي يخصم بعضهم بعضاً) بيان لحاصل المعنى، والمفعول محذوف على القراءة الأخيرة. قوله: (أن يوصوا) أي على أولادهم وأموالهم. قوله: ﴿ وَلاَ إِلَىٰ أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ ﴾ معطوف على ﴿ يَسْتَطِيعُونَ ﴾.
قوله: (وبين النفختين أربعون سنة) هذا هو الصحيح، وقيل: أربعون يوماً، وقيل: غير ذلك. قوله: (أي المقبورون) أي من شأنه أن يقبر، وقبر كل ميت بحسبه، فيشمل من أكلته السباع ونحوه. قوله: ﴿ مِّنَ ٱلأَجْدَاثِ ﴾ جمع جدث كفرس وأفراس، وقرئ شذوذاً الأجواف بالفاء، وهي لغة الأجداث. قوله: (يخرجون بسرعة) أي يسرعون في مشيتهم قهراً ولا اختياراً. قوله: (أي الكفار) أي لا كل الخلائق، إذ المؤمنون يفرحون بالقيامة، ليذهبوا للنعيم الدائم، ورؤية وجه الله الكريم. قوله: (للتنبيه) دفع بذلك ما يقال: إن النداء مختص بالعقلاء، فكيف ينادى الويل وهو لا يعقل فأجاب: بأن ﴿ يَا ﴾ للتنبيه، والمعنى: تنبهوا فإن الويل قد حضر.
قوله: ﴿ يٰوَيْلَنَا ﴾ قرأ العامة بإضافته إلى ضمير المتكلم، ومعه غيره دون تأنيث، وقرئ شذوذاً يا ويلتنا بتاء التأنيث، ويا ويلتي بإبدال الياء ألفاً، وعلى قراءة الإفراد، يكون حكاية عن مقالة كل واحد. قوله: (لا فعل له من لفظه) أي بل معناه وهو هلك. قوله: ﴿ مَن بَعَثَنَا ﴾ قرأ العامة بفتح ميم ﴿ مِن ﴾ على أنها استفهامية مبتدأ، وجملة ﴿ بَعَثَنَا ﴾ خبره؛ وقرئ شذوذاً بكسر الميم على أنها حرف جر، و ﴿ بَعَثَنَا ﴾ مصدر مجرور بمن؛ والجار والمجرور متعلق بويلنا، وقوله: ﴿ مِن مَّرْقَدِنَا ﴾ متعلق بالبعث، والمرقد يصح أن يكون مصدراً أو اسم مكان، أي من رقادنا أو من مكان رقادنا. قوله: (لأنهم كانوا بين النفختين نائمين) أي حين يرفع الله عنهم العذاب، فيرقدون قبيل النفخة الثانية، فيذوقون طعم النوم، فإذا بعثوا وعاينوا أهوال يوم القيامة، دعوا بالويل. قوله: ﴿ مَا وَعَدَ ٱلرَّحْمـٰنُ ﴾ إلخ، مفعول ﴿ وَعَدَ ﴾ و ﴿ صَدَقَ ﴾ محذوف والتقدير: ما وعدنا به الرحمن وصدقنا فيه المرسلون. قوله: (أقروا) إلخ، أشار بذلك إلى أن هذه الجملة من كلام الكفار، فهي في محل نصب مقول القول، كأنهم لما سألوا فلم يجابوا، أجابوا أنفسهم. قوله: (وقيل يقال لهم ذلك) أي من جانب المؤمنين، أو الملائكة، أو الله تعالى، وإنما عدلوا عن جواب سؤالهم، لأن الباعث لهم معلوم، وإنما لهم السؤال عن البعث. قوله: ﴿ إِن كَانَتْ ﴾ أي النفخة الثانية. قوله: ﴿ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً ﴾ أي وهو قول إسرافيل أيتها العظام النخرة، والأوصال المتقطعة، والعظام المتفرقة، والشعور المتمزقة، وإن الله يأمركن أن تجتمعن لفصل القضاء. قوله: ﴿ فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ ﴾ أي مجموعون في موقف الحساب. قوله: ﴿ فَٱلْيَوْمَ لاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً ﴾ هذا حكاية عما يقال لهم حين يرون العذاب. قوله: ﴿ إِنَّ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ ﴾ إلخ، جرت عادة الله سبحانه وتعالى في كتابه، إذا ذكر أحوال أهل النار، أتبعه بذكر أحوال أهل الجنة. قوله: ﴿ فِي شُغُلٍ ﴾ أبهمه ونكره، إشارة إلى تعظيمه ورفع شأنه، والمراد به ما هم فيه من أنواع الملاذ التي تلهيهم عما عداه بالكلية، كالتفكه بالأكل والشرب والسماع وضرب الأوتار والتزاور، وأعظم ذلك سماع كلام الله تعالى ورؤية ذاته. قوله: (بسكون الغين وضمها) أي فهما قراءتان سبعيتان. قوله: (كافتضاض الأبكار) أي لما روي: أن أهل الجنة، كلما أرادوا القرب من نسائهم وجدوهن أبكاراً، فيفتضون من غير قذر ولا ألم. قوله: ﴿ فَاكِهُونَ ﴾ من الفكاهة بفتح الفاء، وهي التنعم والتلذذ.
قوله: ﴿ هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ ﴾ هذا بيان لكيفية شغلهم وتفكههم. قوله: (جمع ظلة) أي كقباب جمع قبة، وزناً ومعنى. قوله: (أو ظل) أي كشعاب جمع شعب. قوله: (أي لا تصيبهم الشمس) أي لعدم وجودها. قوله: (في الحجلة) بفتحتين أو بسكون الجيم مع ضم الحاء أو كسرها، وهي قبة تعلق على السرير وتزين به العروس. قوله: (أو الفرش فيها) أي في الحجلة، فالأريكة فيها قولان: قيل هي السرير الكائن في الحجلة، أو الفرش الكائن فيها. قوله: (متعلق على) أي قوله: ﴿ عَلَى ٱلأَرَآئِكِ ﴾ فتحصل أن ﴿ هُمْ ﴾ مبتدأ، و ﴿ أَزْوَاجُهُمْ ﴾ عطف عليه، و ﴿ فِي ظِلاَلٍ ﴾ خبر أول، و ﴿ مُتَّكِئُونَ ﴾ خبر ثان، و ﴿ عَلَى ٱلأَرَآئِكِ ﴾ متعلق بمتكئون، قدم عليه رعاية للفاصلة. قوله: ﴿ لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ ﴾ أي من كل نوع من أنواع الفواكه، لا مقطوع ولا ممنوع، قال تعالى:﴿ وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ * لاَّ مَقْطُوعَةٍ وَلاَ مَمْنُوعَةٍ ﴾[الواقعة: ٣٢-٣٣].
قوله: ﴿ وَلَهُمْ مَّا يَدَّعُونَ ﴾ أصله يدتعيون بوزن يفتعلون، استثقلت الضمة على الياء، فنقلت إلى ما قبلها، فالتقى ساكنان، حذفت الياء لالتقائهما، ثم أبدلت التاء دالاً وأدغمت في الدال، والمعنى: يعطي أهل الجنة، جميع ما يتمنونه ويشتهونه حالاً من غير بطء. قوله: ﴿ سَلاَمٌ ﴾ (مبتدأ) إلخ، هذا أحسن الأعاريب؛ وقيل: إنه بدل من قوله: ﴿ مَّا يَدَّعُونَ ﴾، أو صفة لما، أو خبر لمبتدأ محذوف. قوله: (أي بالقول) أشار بذلك إلى أن ﴿ قَوْلاً ﴾ منصوب بنزع الخافض، ويصح أن يكون مصدراً مؤكداً لمضمون الجملة، وهو مع عامله معترض بين المبتدأ والخبر. قوله: (أي يقول لهم سلام عليكم) أشار بذلك إلى أن الجملة معمولة لمحذوف، والمعنى أن الله يتجلى لأهل الجنة ويقرئهم السلام لما في الحديث:" بينما أهل الجنة في نعيم، إذ سطع لهم نور، فرفعوا رؤوسهم، فإذا الرب عز وجل قد أشرف عليهم من فوقهم، السلام عليكم يا أهل الجنة، فلذلك قوله تعالى: ﴿ سَلاَمٌ قَوْلاً مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ ﴾ فينظر إليهم وينظرون إليه، فلا يلتفتون إلى شيء من النعيم ما داموا ينظرون إليه، حتى يحتجب عنهم؛ فيبقى نوره وبركته عليهم في ديارهم "قوله: ﴿ وَ ﴾ (يقول) ﴿ ٱمْتَازُواْ ﴾ إلخ، أشار بذلك إلى أن هذه الجملة معمولة لمحذوف أيضاً. قوله: (عند اختلاطهم بهم) أي حين يسار بهم إلى الجنة؛ لما ورد في الحديث ما معناه:" إذا كان يوم القيامة "، ينادي مناد: كل أمة تتبع معبودها؛ فتبقى هذه الأمة وفيها منافقون يقولون: لا نذهب حتى ننظر معبودنا؛ فيظهر لهم عن يمين العرش ملك؛ لو وضعت البحار السبع وجميع الخلائق ومثلهم معهم في نقرة إبهامه لوسعهم؛ فيقول: أنا ربكم، فيقولون: نعوذ بالله منك لست ربنا، ثم يأتي عن يسار العرش فيقول مثل ذلك؛ فيقولون: نعوذ بالله منك لست ربنا، ثم يتجلى الله تعالى له فيخرون سجداً، فيريد المنافقون أن يسجدوا؛ فيصير ظهرهم طبقاً؛ فلا يستطيعون السجود، فعند ذلك يقال: ﴿ وَٱمْتَازُواْ ٱلْيَوْمَ أَيُّهَا ٱلْمُجْرِمُونَ ﴾.
قوله: ﴿ أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ ﴾ الاستفهام للتوبيخ والتقريع، والمراد بالعهد، ما كلفهم الله به على ألسنة رسله من الأوامر والنواهي. قوله: (آمركم) أي وأنهاكم؛ ففيه اكتفاء. قوله: ﴿ أَن لاَّ تَعْبُدُواْ ٱلشَّيطَانَ ﴾ ﴿ أَن ﴾ تفسيرية لتقدم جملة فيها معنى القول دون حروفه، و ﴿ لاَّ ﴾ ناهية؛ والفعل مجزوم بها. قوله: ﴿ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ﴾ تعليل لوجوب الانتهاء. قوله: ﴿ وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ ﴾ تأكيد للتعليل. قوله: ﴿ جِبِلاًّ ﴾ بضم الجيم وسكون الباء وتخفيف اللام. قوله: (وفي قراءة بضم الباء) أي مع ضم الجيم، وبقي ثالثة سبعية أيضاً، وهي بكسر الجيم والباء وتشديد اللام كسجل. قوله: ﴿ هَـٰذِهِ جَهَنَّمُ ﴾ هذا خطاب لهم وهم على شفير جهنم، والمقصود منه زيادة التبكيت والتقريع. قوله: ﴿ ٱصْلَوْهَا ﴾ أي ذوقوها حرارتها. قوله: ﴿ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ ﴾ أي بسبب كفركم. قوله: ﴿ ٱلْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَىٰ أَفْوَاهِهِمْ ﴾ أي ختماً يمنعها عن الكلام النافع، فلا ينافي قوله تعالى في الآية الأخرى:﴿ يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ ﴾[النور: ٢٤] وهذا مرتبط بقوله: ﴿ ٱصْلَوْهَا ٱلْيَوْمَ ﴾ روي أنهم حين يقال لهم ذلك، يجحدون ما صدر عنهم في الدنيا ويتخاصمون، فتشهد عليهم جيرانهم وأهاليهم وعشائرهم، فيحلفون أنهم ما كانوا مشركين ويقولون: لا نجيز علينا شاهداً إلا من أنفسنا؛ فيختم على أفواههم، ويقال لأركانهم: انطلقوا فتنطق بما صدر منهم، وحكمة إسناد الختم لنفسه، والشهادة للأيدي والأرجل، دفع توهم أن نطقها جبر، والمجبور غير مقبول الشهادة، فأفاد نطقها اختياري. قوله: ﴿ وَلَوْ نَشَآءُ لَطَمَسْنَا عَلَىٰ أَعْيُنِهِمْ ﴾ إلخ مفعول المشيئة محذوف، أي لو نشاء طمسها لفعلنا، وقوله: ﴿ فَٱسْتَبَقُواْ ٱلصِّرَاطَ ﴾ أي أرادوا أن يستبقوا الطريق المحسوس ذاهبين في حوائجهم، وهو عطف على قوله: ﴿ طَمَسْنَا ﴾، وقوله: ﴿ فَأَنَّىٰ يُبْصِرُونَ ﴾ استفهام إنكاري مرتب على ما قبله، أي فلا يبصرونه.
قوله: ﴿ وَلَوْ نَشَآءُ لَمَسَخْنَاهُمْ ﴾ إلخ، يقال فيها ما قيل فيما قبلها، والمسخ تغيير الصور، و ﴿ عَلَىٰ ﴾ بمعنى في، والمقصود من هاتين الآيتين، تسليته صلى الله عليه وسلم، وتوبيخ الكفار وإعلامهم بأن الله قادر على إذهاب ما بهم من النعم في الدنيا، وأنهم مستحقون ذلك لولا حلمه تعالى، فهاتان الآيتان بمعنى قوله تعالى:﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ ٱللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ ﴾[الأنعام: ٤٦] الآية. قوله: ﴿ وَمَن نُّعَمِّرْهُ ﴾ أي من يكون في سابق علمنا طويل العمر. قوله: (وفي قراءة بالتشديد) أي وهما قراءتان سبعيتان ومعناهما واحد، والمعنى نقلبه، فلا يزال يتزايد ضعفه وتنقص قواه؛ عكس ما كان عليه أول مرة. قوله: (أي خلقه) أي خلق جسده وقواه. قوله: (ضعفاً) مقابل قوته؛ وقوله: (وهرماً) مقابل شبابه، فهو لف ونشر مرتب، وهذا في غير الأنبياء عليهم السلام، وأما هم فلا يعتريهم الضعف في العقل والبدن، وإن طال عمرهم جداً، واستعاذته صلى الله عليه وسلم من الرد لأرذل العمر تعليم لأمته، ويلحق بالأنبياء العلماء العاملون، فلا يهرمون ولا يضعفون بطول العمر، بل يكونوا على أحسن ما كانوا عليه. قوله: ﴿ أَفَلاَ يَعْقِلُونَ ﴾ الهمزة داخلة على محذوف، والتقدير أتركوا التفكر فلا يعقلون. قوله: (وفي قراءة) أي وهي سبعية أيضاً. قوله: ﴿ وَمَا عَلَّمْنَاهُ ٱلشِّعْرَ ﴾ هذا تنزيه من الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم عن آلهتهم فيما أوحاه الله إليه، إذ لو كان للعقل فيه بعض اتهام، لبطل الاحتجاج به. قوله: (رد لقولهم أن ما أتى به من القرآن شعر) أي وحينئذ فيصير المعنى: ليس القرآن بشعر، لأن الشعر كلام مزخرف موزون مقفى قصداً مبني على خيالات وأوهام واهية، وأين ذلك من القرآن العزيز، الذي تنزه عن مماثلة كلام البشر. قوله: ﴿ وَمَا يَنبَغِي لَهُ ﴾ أي لا يصح ولا يليق منه، لأن الشعر شأنه الأكاذيب، وهي عليه مستحيلة، ولذا قيل: أعذبه أكذبه، فتحصل أن النبي لا ينبغي له الشعر، ولا يليق منه. إن قلت: إنه تمثل بقول ابن رواحة: ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً   ويأتيك بالأخبار من لم تزودوأنشأ من نفسه قوله: أنا النبي لا كذب   أنا ابن عبد المطلبوقوله: هل أنت إلا أصبع دميت   وفي سبيل الله ما لقيتقلت: أحسن ما أجيب به: أن أنشاده بيت ابن رواحة، وإنشاء البينين المقدمين، لم يكن عن قصد، وإنما وافق وزن الشعر، كما في بعض الآيات القرآنية، فليس كل من قال قولاً موزوناً، لا يقصد به الشعر شاعراً، وإنما وافق وزن الشعر.
قوله: ﴿ لِّيُنذِرَ ﴾ متعلق بمحذوف دل عليه ما قبله قوله: (بالياء والتاء) أي فهما قراءتان سبعيتان. قوله: (وهم المؤمنون) أي وخصوا بالذكر، لأنهم هم المنتفعون به. قوله: (وهم كالميتين) أخذ هذا من المقابلة في قوله: ﴿ مَن كَانَ حَيّاً ﴾.
قوله: (والاستفهام للتقرير) أي وهو حمل المخاطب على الإقرار بالحكم. قوله: (والواو الداخلة عليها للعطف) هذه العبارة تحتمل التقريرين السابقين في نظير هذه الآية، وهما أن الهمزة إما مقدمة من تأخير، لأن لها الصدارة، والواو عاطفة على قوله فيما تقدم﴿ أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّنَ ٱلْقُرُونِ ﴾[يس: ٣١] أو داخلة على محذوف، والواو عاطفة عليه، والتقدير: ألم يتفكروا ولم يروا. قوله: ﴿ أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم ﴾ اللام للحكمة، أي حكمة خلقنا ذلك انتفاعهم. قوله: (في جملة الناس) أشار بذلك إلى أن هذه النعم ليست مقصورة عليهم، بل لهم ولغيرهم. قوله: ﴿ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَآ ﴾ هذا كناية عن الحصر فيه سبحانه وتعالى، وهذا كقول الإنسان: كتبته بيدي مثلاً، بمعنى أني انفردت به ولم يشاركني فيه غيري، فهو كناية عرفية. قوله: ﴿ أَنْعاماً ﴾ خصها بالذكر، لأن منافعها أكثر من غيرها. قوله: (ضابطون) أي قاهرون مذللون، والأحسن أن يفسر قوله: ﴿ مَالِكُونَ ﴾ بالملك الشرعي، أي يتصرفون فيها بسائر وجوه التصرفات الشرعية ليكون قوله: ﴿ وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ ﴾ تأسيساً لنعمة أخرى، لا تتميماً لما قبله. قوله: (كأصوافها) أي وجلودها ونسلها وغير ذلك. قوله: (أو موضعه) أي وهو الضروع. قوله: (أي ما فعلوا ذلك) أشار بذلك إلى أن الاستفهام انكاري، وأن قوله: ﴿ وَٱتَّخَذُواْ ﴾ إلخ، عطف على محذوف قوله: (يعيدونها) تفسير للاتخاذ. قوله: ﴿ لَّعَلَّهُمْ يُنصَرُونَ ﴾ الجملة حالية، والمعنى حال كونهم راجين النصرة منهم. قوله: (نزلوا منزلة العقلاء) أي لمشاكلة عبادتهم، فعبر عنهم بصيغة جمع الذكور. قوله: ﴿ وَهُمْ لَهُمْ جُندٌ ﴾ إلخ.
﴿ هُمْ ﴾ مبتدأ، و ﴿ جُندٌ ﴾ خبر أول، و ﴿ لَهُمْ ﴾ متعلق بجند، و ﴿ مُّحْضَرُونَ ﴾ خبر ثان. قوله: (أي آلهتهم من الأصنام) هذا أحد وجهين، والآخر أنه عائد على الكفار، والمعنى: يقومون بمصالحها، فهم لها بمنزلة الجند، وهي لا تستطيع أن تنصرهم. قوله: ﴿ مُّحْضَرُونَ ﴾ (في النار) أي ليعذبوا بها. قوله: ﴿ فَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ ﴾ هذا تسلية له صلى الله عليه وسلم، والمعنى: لا تحزن من قولهم، بل اتركه ولا تلتفت له. قوله: ﴿ إِنَّا نَعْلَمُ ﴾ إلخ، تعليل للنهي قبله. قوله: (فيجازيهم عليه) أي على ما صدر منهم سراً وعلانية، خيراً أو شراً.
قوله: ﴿ أَوَلَمْ يَرَ ٱلإِنسَانُ ﴾ في الهمزة التقريران السابقان، وهما كونهما مقدمة من تأخير، أو عاطفة على محذوف؛ والتقدير: أعمي ولم ير؟ قوله: (وهو العاصي بن وائل) وقيل: نزلت في أبي بن خلف الجمحي، ولكن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. قوله: ﴿ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ ﴾ أي قذرة خسيسة؛ والمقصود التعجب من جهله، حيث تصدى لمخاصمة العزيز الجبار، ولم يتفكر في بدء خلقه، وأنه من نطفة. قوله: ﴿ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ ﴾ عطف على جملة النفي. قوله: (في نفي البعث) متعلق بخصيم. قوله: ﴿ وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً ﴾ أي أورد كلاماً عجيباً في الغرابة كالمثل، حيث قاس قدرتنا على قدرة الخلق. قوله: ﴿ وَنَسِيَ خَلْقَهُ ﴾ أي ذهل عنه، وهذا عطف على ﴿ ضَرَبَ ﴾ داخل حيز الإنكار، وإضافة خلق للضمير، من إضافة المصدر لمفعوله، أي خلق الله إياه. قوله: ﴿ قَالَ مَن يُحيِي ٱلْعِظَامَ ﴾ إلخ بيان لضرب المثل. قوله: (ولم يقل بالتاء) إلخ، أشار بذلك إلى سؤال حاصله أن فعيلاً بمعنى فاعل، يفرق بين المذكر والمؤنث بالتاء، فكان مقتضى القاعدة أن يقال رميمة، فأجاب المفسر: بأن محل ذلك إذا لم تغلب عليه الاسمية، فإذا صار اسماً بالغلبة لما بلي من العظام، فلا تلحقه التاء في مؤنثه. قوله: (فقال صلى الله عليه وسلم: نعم ويدخلك النار) أخذ من هذا، أنه مقطوع بكفره وخلوده في النار، وزيادة ذلك في الجواب، لأنه متعنت لا متفهم، وجزاء المتعنت المنكر، أن يجاب بما يكره، وبضد ما يترقب، ويسمى عند علماء البلاغة الأسلوب الحكيم. قوله: ﴿ ٱلَّذِيۤ أَنشَأَهَآ ﴾ أي أوجدها من العدم. قوله: ﴿ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ ﴾ أي بكيفية خلقها، وبأجزاء الأشخاص تفصيلاً. قوله: ﴿ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُم ﴾ إلخ، بدل من الموصول قبله. (في جملة الناس) أشار بذلك إلى أنه مخصصاً بالكفار، بل لجميع الخلق. قوله: (المرخ) بفتح الميم وسكون الراء وبالخاء المعجمة، شجر سريع القدح، وقوله: (والعفار) بفتح العين المهملة، بعدها فاء مفتوحة فألف فراء، وكيفية إيقاد النار منهما، أن يجعل العفار كالزند، يضرب به على المرخ، وقيل: يؤخذ منهما غصنان خضراوان، ويسحق المرخ على العفار، فتخرج منهما النار بإذن الله. قوله: (أو كل شجر) أي وقد شوهد في بعضه كالبرسيم، إذا وضع بعضه على بعض وهو أخضر مدة، فإنه يحرق نفسه وما حوله. قوله: (إلا العناب) أي ولذلك تؤخذ منه مطارق القصارين. قوله: (والخشب) بفتحتين وضمتين أو ضم فسكون.
قوله: ﴿ أَوَلَـيْسَ ٱلَذِي ﴾ الهمزة داخلة على محذوف، والواو عاطفة عليه، تقديره: أليس الذي أنشأها أول مرة، وليس الذي جعل لكم من الشجر الأخضر ناراً، وليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر؟ قوله: (أي الأناسي) تفسير للضمير. قوله: ﴿ بَلَىٰ ﴾ جواب تقرير النفي، وهو صادر منه تعالى، إشارة إلى تعيينه قالوا أولاً. قوله: ﴿ وَهُوَ ٱلْخَلاَّقُ ٱلْعَلِيمُ ﴾ عطف على مقدر تقديره بل هو قادر وهو الخلاق العليم. قوله: ﴿ أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ ﴾ في الكلام استعارة تمثيلية، وتقريرها أن يقال: شبه سرعة تأثير قدرته ونفاذها فيما يريده، بأمر المطاع للمطيع، في حصول المأمور به، من غير امتناع ولا توقف، وحينئذ فمعنى أن يقول له كن، أن تتعلق به قدرته تعلقاً تنجيزياً. قوله: ﴿ فَسُبْحَانَ ٱلَّذِي ﴾ إلخ، أي تنزيهه عما يليق به. قوله: ﴿ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ قرأ العامة ببنائه للمفعول، وقرئ شذوذاً ببنائه للفاعل. تتمة: تقدم في فضل يس أنها قلب القرآن، ووجه ذلك: أنها اشتملت على الوحدانية والرسالة والحشر، والإيمان بذلك متعلق بالقلب، فلذلك سميت قلباً، ومن هنا أمر بقراءتها عند المحتضر وعلى الميت، ليكون القلب قد أقبل على الله تعالى، ورجع عما سواه، فيقرأ عنده ما يزداد به قوة ويقيناً.
Icon