تفسير سورة سورة الحجر من كتاب صفوة البيان لمعاني القرآن
.
لمؤلفه
حسنين مخلوف
.
المتوفي سنة 1410 هـ
مكية، وآياتها تسع وتسعون
ﰡ
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿ تلك آيات الكتاب ﴾ ﴿ تلك ﴾ : إشارة الى آيات هذه السورة. أي تلك آيات من الكتاب الكامل، ومن قرآن عظيم الشأن، بين في حكمه وأحكامه، وفي هدايته وإعجازه، فأقبلوا عليها، ولا تقابلوها بالتكذيب والإعراض.
﴿ ربما يود... ﴾ أي يتمنى الذين كفروا بالقرآن عند رؤيتهم في الآخرة رحمة الله لعصاة المؤمنين حين يخرجهم من النار ﴿ لو كانوا مسلمين ﴾ مثلهم، منقادين لأحكامه، حين لا يجديهم التمني، و﴿ رب ﴾ : حرف يستعمل في التقليل وفي التكثير، وقد تزاد بعدها﴿ ما ﴾ النافية وتخفف باؤها وتشدد. وحملها كثير من المفسرين هنا على التقليل بالنسبة إلى زمان ذهاب عقولهم من شدة الدهشة، فإن أهوال القيامة تذهلهم فيبهتون، فإذا وجدت منهم إفاقة في وقت ما تمنوا هذه الأمنية.
﴿ ذرهم.... ﴾ خلهم وشأنهم، ينعموا بدنياهم، وتلههم آمالهم الكاذبة عن أخراهم ﴿ فسوف يعملون ﴾ سوء عقباهم.
﴿ لو ما تأتينا بالملائكة ﴾ هلا تأتينا بالملائكة يشهدون لك ويعضدونك في الإنذار ﴿ إن كنت من الصادقين ﴾ في ادعائك ما ادعيت، وهو كقوله تعالى :﴿ وقالوا لولا أنزل عليه ملك ﴾، ﴿ لولا أنزل عليه كنز أو جاء معه ملك ﴾، ﴿ لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا ﴾، ﴿ { لولا أنزل علينا الملائكة ﴾.
وقد أجابهم الله تعالى بقوله :﴿ ما ننزل الملائكة إلا بالحق ﴾ أي إلا تنزيلا ملتبسا بالحق، أي بالوجه الذي تقتضيه الحكمة والمصلحة، وجرت به السنة الإلهية.
و لا حكمة ولا مصلحة لكم في تنزلهم إليكم كما اقترحتم، لا بصورهم الحقيقية لأنكم تهلكون عند رؤيتها، ولا بصور بشرية لأن ذلك لا يزيدكم إلا لبسا، كما قال تعالى :﴿ ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا وللبسنا عليهم ما يلبسون ﴾. بل في ذلك مضرة بكم، لأنه لا يكون مع ذلك إلا استئصالكم في الحال إن لم تؤمنوا وتصدقوا، كما جرت بذلك سنة الله في القرون الخالية، وأنتم غير أهل للإيمان والتصديق.
﴿ منظرين ﴾ أي مؤخرين مهملين، بل يعجل لهم العذاب، من الإنظار بمعنى التأخير والإمهال.
﴿ وإنا له لحافظون ﴾ أي من كل ما يقدح فيه، كالتحريف والتبديل والزيادة والنقصان.
أو حافظون له بالإعجاز، فلن يقدر أحد على معارضته. أو بقيام طائفة من الأمة بحفظه والذب عنه إلى آخر الدهر
﴿ ولقد أرسلنا ﴾ رسلا ﴿ من قبلك ﴾ في الفرق الأولين، يدعونهم إلى ما تدعو إليه، فما قابلوهم إلا بالاستهزاء بهم وبما جاءوا به من الكتب، فلست بدعا من الرسل، فتسل بمن سبقك. والشيع : جمع شيعة، وهي الفرقة المتفقة على طريقة ومذهب، من شاعه إذا تبعه. وأصله الشياع، وهو الحطب الصغار توقد به الكبار.
﴿ كذلك نسلكه ﴾ أي كما سلكنا كتب الرسل السابقين في قلوب أولئك المتسهزئين مستهزا
بها غير مقبولة – نسلك الذكر الذي أنزلناه إليك في قلوب المجرمين أهل مكة مستهزأ به غير مقبول، لكونهم جميعا من أهل الخذلان الذين ليس لهم استعداد لقبول الحق. والسلك : مصدر سلك- من باب نصر – وهو إدخال الشيء في الشيء كإدخال الخيط في المخيط. ﴿ لا يؤمنون به ﴾ أي بالذكر. والجملة حال من مفعول﴿ نسلكه ﴾ أي نسلكه غير مؤمن به. أو بيان للجملة السابقة.
﴿ سنة الأولين ﴾ أي سنة الله وعادته فيهم، وهي الإهلاك للتكذيب. وهو وعيد لأهل مكة.
﴿ ولو فتحنا عليهم بابا من السماء... ﴾ أي ولو فتحنا لكفار مكة المعاندين بابا من السماء ﴿ فظلوا فيه يعرجون ﴾ أي يصعدون، فينظرون إلى ملكوت السموات وما فيها من الملائكة والعجائب
﴿ لقالوا ﴾ لفرط عنادهم وجحودهم ﴿ إنما سكرت أبصارنا ﴾ أي سدت ومنعت من الإبصار، وما نرى إلا تخيلا لا حقيقة له ﴿ بل نحن قوم مسحورون ﴾ في عقولنا بسحر صنعه محمد.
و﴿ يعرجون ﴾ من العروج وهو الذهاب في صعود. وفعله من باب دخل، ومنه المعراج والمعارج. و ﴿ سكرت ﴾ من السكر – بفتح فسكون- وهو سد الباب أو النهر. يقال : سكرت النهر أسكره سكرا، سددته، والتشديد للمبالغة. و﴿ مسحورون ﴾ أي مصروفون بالسحر عن إدراك عقولنا للحقيقة. والسحر : الخداع وتخييل مالا حقيقة له. أو ما لطف مأخذه ودق. وفعله كمنع، والفاعل ساحر، والمفعول مسحور( آية ١٠٢ البقرة ص ٣٩ ).
﴿ جعلنا في السماء بروجا ﴾ اشتملت هذه الآية وما بعدها إلى آية ٢٧ على أربعة عشر دليل على قدرة الخالق وبداعة صنعه وتعالى حكمته، مما يوجب الإيمان به وبوحدانيته، وإفراده بالعبادة، ومقابلة نعمه بالشكران بدل الكفران، و﴿ جعلنا ﴾ أي خلقنا وأبدعنا فيها منازل وطرقا تسير فيها الكواكب، وهي الإثنا عشر برجا المشهورة. وقيل : البروج الكواكب نفسها. جمع برج، وهو في الأصل القصر والحصن، واستعمل فما ذكر على سبيل التشبيه.
﴿ وحفظناها من كل شيطان ﴾ منعناه من التعرض له والوقوف على ما فيها في الجملة. أو من دخولها والاختلاط بأهلها. ﴿ رجيم ﴾ مرجوم مطرود عن الخير، من الرجم بمعنى اللعن والطرد، فإن من يطرد يرجم بالحجارة.
﴿ فأتبعه شهاب ﴾ لحقه وأدركه شهاب يحول بينه وبين الاستراق. وهو الشعلة الساطعة من النار المنفصلة من الكواكب، التي ترى في السماء ليلا كأنها كوكب ينقض بأقصى سرعة، . جمعه شهب وأصلها من الشهبة وهي بياض مختلط بسواد، وهو كقوله تعالى :﴿ إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب ﴾. ﴿ مبين ﴾ أي ظاهر للمبصرين. والمنع الشديد من استراق السمع كان من زمن البعثة، ويشهد له قوله تعالى :﴿ وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا. وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا ﴾. وقيل : المنع من مولدهِِ صلى الله عليه وسلم.
﴿ و الأرض مددناها ﴾ بسلطانها للاستقرار عليها. ﴿ وألقينا ﴾ وضعنا ﴿ فيها روسي ﴾ جبالا ثوابت ( آية ٣ سورة الرعد ص ٣٩٩ ). ﴿ من كل شيء موزون ﴾ أي مقدر بمقدار معين حسبما تقتضيه الحكمة، كما قال تعالى :﴿ إنا كل شيء خلقناه بقدر ﴾.
﴿ معايش ﴾ ( آية ١٠ الأعراف ص ٢٥٣ ). ﴿ ومن لستم له برازقين ﴾ أي وجعلنا لكم فيها من العبيد والخول والدواب والأنعام من لستم له برازقين، وإنما المتكفل برزقهم خالقهم رب العالمين وعبرب ﴿ من ﴾ تغليبا للعقلاء.
﴿ خزائنه ﴾ جمع خزانة، وهي في الأصل : المكان الذي تخزن فيه نفائس الأموال للحفظ.
و الكلام تمثيل لإفادة أن مقدوراته تعالى التي لا تحصى- في كونها محجوبة عن الخلق، مصونة عن الوصول إليها مع وفور رغبهم فيها، وكونها متهيئة للإيجاد والتكوين، بحيث متى تعلقت إرادته تعالى بوجوده وجدت بلا إبطاء – شبيهة بنفائس الأموال المخزونة للحفظ، المعدة للتصرف فيها بإرادة مالكها.
﴿ وما ننزله إلا بقدر ﴾ وما نوجد شيئا من تلك المقدورات إلا بمقدار معين تقتضيه الحكمة، وتستدعيه المشيئة
﴿ وأرسلنا الرياح لواقح ﴾ حوامل. جمع لاقح بمعنى حامل، لحملها الماء والتراب بمرورها عليهما، وحملها السحاب وسوقه واستدراره. وهي ملقحة تلقح السحاب بما تمجه فيها من بخار الماء، وتلقح الشجر بنقل الجراثيم الحية من ذكوره إلى إناثه.
﴿ ونحن الوارثون ﴾ لزوال ملك كل مالك عما ملك، وبقاء جميع ذلك لنا.
﴿ ولقد خلقنا الإنسان... ﴾ بيان لأطوار خلق آدم أبي بشر : ابتدأ الله خلقه من تراب مفرق الأجزاء، ثم بله بالماء وتركه حتى اسود وتغير ريحه، ثم صور فيه تمثال إنسان أجوف، فجف ويبس، حتى إذا نقر سمعت له صلصلة، فغير طوره بعد طور، حتى نفخ فيه من روحه، فتبارك الله أحسن الخالقين. ﴿ صلصال ﴾ طيب يابس غير مطبوخ، له صلصلة وصوت إذا نقر، كما يصوت الحديد، فإذا طبخ بالنار فهو الفخار. ﴿ حما ﴾ طين أسود متغير. ﴿ مسنون ﴾ مصور، من سن الشيء صوره. وعلى هذه الأطوار تخرج الآيات الواردة في أطواره الطينية، كآية :﴿ خلقه من تراب ﴾ وآية :﴿ بشرا من طين ﴾ وهده الآية.
﴿ من نار السموم ﴾ السموم : الريح الحارة التي تقتل. وسميت سموما لأنها لشدة لطافتها وقوة حرارتها تنفذ في مسام البدن. وقيل : هي نار لا دخان لها تنفذ في المسام.
﴿ سويته ﴾ سويت خلقه وصورته بالصورة الإنسانية. ﴿ و نفخت فيه من روحي ﴾ أي أفضت عليه ما به حياته، وهو الروح الذي هو من أمري.
﴿ فأنظرني ﴾ أخرني إلى يوم البعث، من الإنظار بمعنى التأخير والإمهال. طلب ألا يموت أبدا، فأخر إلى يوم النفخة الأولى فقط، ثم يموت عندها.
﴿ المخلصين ﴾ هم الذين أخلصتهم بتوفيقك لطاعتك. وقرئ بكسر اللام، أي الذين أخلصلوا العبادة لك، ولم يشركوا معك فيها أحدا.
﴿ قال ﴾ الله تعالى ﴿ هذا صراط على ﴾ أي تخليص المخلصين من أعوانه حق على أن أراعيه، ﴿ مستقيم ﴾ لا عدول عنه.
﴿ و إن جهنم لموعدهم... ﴾ الضمير ل﴿ من اتبعك ﴾ أو الغاوين }.
﴿ لها سبعة أبواب ﴾ أي لجهنم سبعة أطباق بعضها فوق بعض، وكل طبق يسمى دركا، ينزلها الغاوون بحسب تفاوت مراتبهم في الغواية والمتابعة. ﴿ جزء مقسوم ﴾ فريق معين من الأتباع الغاوين مفرز من غيره، من القسم، وهو إفراز النصيب. يقال : قسمت كذا قسما وقسمة، فرزته. وقسمه يقسمه وقسمه : جزأه. وقسم الدهر القوم : فرقهم، كقسمهم.
﴿ من غل ﴾ حقد وضغينة. وأصله من الغلالة، وهي ما يلبس بين الثوبين : الشعار والدثار. أو من الغلل، وهو الماء المتخلل بين الشجر. وهو إشارة إلى أنهم ينشئون في الآخرة نشأة أخرى صالحة غير النشأة الدنيوية.
﴿ نصب ﴾ إعياء وتعب. يقال : نصب ينصب، أعيا، ونصب الرجل : جد، ومنه عيش ناصب : فيه كد وجهد.
﴿ ضيف إبراهيم ﴾ هم الملائكة الذين نزلوا عنده ضيوفا بصور آدمية وبشروه بالولد، ثم أخبروه بأنهم أرسلوا لإهلاك قوم لوط. والضيف : يطلق على الواحد والجمع، وهو في الأصل مصدر ضافه، أي ماله.
﴿ وجلون ﴾ خائفون لدخولهم بغير إذن، وفي غير وقت دخول الضيف، وامتناعهم من أكل طعامه، من الوجل، وهو استشعار الخوف ( آية ٢ الأنفال ص ٢٩٣ )
﴿ القانطين ﴾ الآيسين من خرق العادة لك، من القنوط، وهو اليأس من الخير.
﴿ فما خطبكم ﴾ فما شأنكم الذي أرسلتم لأجله سوى هذه البشارة( آية ٥١ يوسف ص ٣٨٧ ).
﴿ إلا امرأته ﴾ استثناء من الضمير في ﴿ لمنجوهم ﴾. ﴿ قدرنا إنها لمن الغابرين ﴾ علمنا أو قضينا أنها من الباقين من العذاب، من التقدير بمعنى الحكم. وإسناد الملائكة الفعل إلى أنفسهم مجاز، على حد قول خاصة الملك : نحن فعلنا، وإن كانوا فعلوه بأمر الملك. و﴿ الغابرين ﴾ من غبر بمعنى بقى ( آية ٨٣ الأعراف ص ٢٦٩ ).
﴿ بما كانوا فيه يمترون ﴾ أي بالعذاب الذي كان يشكون أنه نازل بهم ويكذبون فيه.
﴿ فأسر بأهلك.... ﴾ سر بهم في طائفة من الليل. أو ظلمة أخره ( آية ٨١ سورة هود ص ٣٧١ ).
﴿ و اتبع أدبارهم ﴾ كن على أثرهم، لتطلع عليهم وعلى أحوالهم.
﴿ أن دابر هؤلاء مقطوع ﴾ أي آخرهم ( آية ٤٥ الأنعام ص ٢٢٣ ). ﴿ مصبحين ﴾ أي داخلين في الصباح، من أصبح التامة، وصيغة أفعل تأتي للدخول في الشيء، نحو أنجد وأتهم، أي دخل في نجد وفي تهامة.
﴿ و لا تخزون ﴾ لا تذلوني بالتعرض بالسوء لهم ( آية ٧٨ هود ٣٧٠ ).
﴿ هؤلاء بناتي ﴾ يريد نساءهم، أو بناته حقيقة، فباشروهن بالعقد المشروع( آية ٧٨ هود ).
﴿ لعمرك ﴾ قسم من الله تعالى بحياة محمد صلى الله عليه وسلم. أو من الملائكة بحياة لوط عليه السلام. والعمر – بفتح العين - : لغة في العمر – بضمها – ومعناهما : مدة حياة الإنسان وبقاءه، والتزم الفتح في القسم. و﴿ عمر ﴾ مبتدأ خبره محذوف وجوبا، تقدريه : قسمي أو يميني، أو نحوه.
﴿ إنهم لفي سكرتهم... ﴾ غوايتهم. أو شدة غلمتهم التي أزالت عقولهم، وتميزهم بين القبيح والحسن. ﴿ يعمهون ﴾ يترددون حيارى ( آية ١٥ البقرة ص ١٨ ).
﴿ فأخذتهم الصيحة ﴾ صيحة السماء، وكل شيء أهلك به قوم فهو صيحة وصاعقة ( آية ٦٧ هود ص ٣٦٨ ). ﴿ مشرقين ﴾ أي داخلين في وقت الشروق. فكان ابتداء العذاب عند الصبح، وانتهاؤه وقت الشروق.
﴿ من سجيل ﴾ طين متحجر ( آية ٨٢ هود ص ٣٧١ ).
﴿ لآيات للمتوسمين ﴾ للمتفكرين، المتفرسين الذين يتثبتون في نظرهم حتى يعرفوا حقائق الأشياء بسماتها. تفعل من الوسم، وأصله التثبت والتفكر، مأخوذ من الوسم وهو التأثير بحديدة محماة في جلد البعير أو غيره.
﴿ وإنها لبسبيل مقيم ﴾ وإن قرى قوم لوط المهلكة لفي طريق معلم واضح يراه كل مجتاز به إلى الشام، كما قال تعالى :﴿ وإنكم لتمرون عليهم مصبحين. وبالليل ﴾.
﴿ أصحاب الأيكة ﴾ أصحاب الغيضة، وهي الشجر الملتف. والمراد بها : البقعة الكثيفة الأشجار التي كانت فيها ما كنتم قرب مدين قرية شعيب عليه السلام. وكانوا مع كفرهم يقطعون الطريق، وينقصون المكيال والميزان فأهلكم الله ( آية ٨٥ الأعراف ص ٢٦٩ ).
﴿ و إنهما لبإمام مبين ﴾ أي وإن قرى قوم لوط ومسا كن قوم شعيب لبطريق واضح يأتمون به في سفرهم، ويهتدون به إلى الموضع الذين يريدونه.
﴿ أصحاب الحجر ﴾ هم ثمود قوم صالح عليه السلام. والحجر : واد بين الشام والمدينة، كانوا يسكنونه وله آثار باقية. والحجر في الأصل : كل ما أحيط به الحجارة.
﴿ ولقد آتيناك سبعا من المثاني ﴾ أي أنزلنا عليك سبعا من المثاني : هي : فاتحة الكتاب، وآياتها سبع، أخرها ﴿ غير المغضوب عليهم ﴾ إن لم تعد البسملة آية منها، فإن عدت آية منها فالآية السابعة﴿ صراط الذين أنعمت عليهم ﴾ إلى أخرها. وسميت المثاني لأنها تثنى في كل صلاة بقراءتها. أو لأنها أثنى بها على الله، إذا جمعت الحمد والتوحيد وملكه يوم الدين. والمثاني، جمع ثني ومثناة – بفتح الميم وكسرها، من ثني الشيء ثنيا، إذا رد بعضه على بعض، فهي بمعنى طاقات الشيء التي يعطف بعضها على بعض. ﴿ والقرآن العظيم ﴾ معطوف على ﴿ سبعا ﴾ من عطف الكل على جزئه.
﴿ لا تمدن عينيك... ﴾ أي لا تطمح نفسك إلى ما متعنا به ﴿ أزواجا منهم ﴾ أصنافا من الكفار من متاع الدنيا وزينتها، فإنه مستحقر بالنسبة لما آتيناك من عندنا.
﴿ كما أنزلنا على المقتسمين... ﴾ أي ولقد أنزلنا عليك مثل ما أنزلنا على أهل الكتاب المقتسمين، الذين جعلوا القرآن أجزاء وأعضاء لفرط عنادهم، فجعلوا ما يوافق كتابهم حقا، وما يخالفه باطلا، فآمنوا ببعضه وكفروا ببعضه. فقوله :﴿ كما أنزلنا ﴾ متعلق بقوله :﴿ ولقد آتيناك ﴾ لأنه في معنى أنزلنا عليك. { أي أجزاء وأعضاء متفرقة، من عضيت الشيء تعضية، أي فرقته وجعلته أجزاء، كل فرقة عضة، بوزن عزة. وأصلها عضوة كعزوة. أو جعلوه أكاذيب فأكثروا البهت والكذب.
عليه جمع عضة بمعنى الكذب والبهتان، من العضه، وهو أن يقول الإنسان في غيره ما ليس فيه. يقال : عضهه عضها، رماه بالكذب. وقد أعضهت : أي جئت بالبهتان.
﴿ فاصدع بما تؤمر ﴾ أظهره وأجهر به. يقال : صدع بالحجة، إذا تكلم بها جهارا، أو أفرق بين الحق الباطل، من الصدع بمعنى الشق والفرق. وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مستخفيا بالدعوة، حتى نزلت هذه الآية فخرج هو أصحابه معلنين بها لا يبالون بالمشركين، كما قال تعالى :﴿ و أعرض عن المشركين ﴾.
﴿ إنا كفيناك المستهزئين ﴾ تولينا إهلاكهم، من كفيت فلانا المئونة : إذا توليتها له ولم تحوجه إليها.
﴿ فسبح بحمد ربك ﴾ فافزع إلى الله تعالى فيما نابك من ضيق الصدر بالتسبيح والتحميد، يكفك ويكشف الغم عنك.
﴿ اليقين ﴾ أي الموت. والله أعلم.