تفسير سورة عبس

أوضح التفاسير
تفسير سورة سورة عبس من كتاب أوضح التفاسير المعروف بـأوضح التفاسير .
لمؤلفه محمد عبد اللطيف الخطيب . المتوفي سنة 1402 هـ

﴿عَبَسَ وَتَوَلَّى﴾ أي قطب وجهه وأعرض. وهو حكاية عن الرسول صلوات الله تعالى وسلامه عليه
﴿أَن جَآءَهُ﴾ أي لأن جاءه ﴿الأَعْمَى﴾ وهو عبد الله ابن أم مكتوم: أتى النبي - وعنده صناديد قريش يدعوهم للإسلام - فقال له: يا رسول الله علمني مما علمك الله. وصار يكرر ذلك؛ فكره رسولالله قطعه لكلامه مع صناديد قريش؛ فعبس لذلك، وأعرض عنه؛ وذلك لأنه عليه الصلاة والسلام كان حريصاً على هداية أشراف قريش؛ ليهتدي بإسلامهم قومهم
﴿لَعَلَّهُ يَزَّكَّى﴾ يتطهر من دنس الجهل بما يسمعه منك من الآيات والعظات
﴿أَوْ يَذَّكَّرُ﴾ يتعظ ﴿فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى﴾ ويؤمن
﴿أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى﴾ كان غنياً بالمال؛ كأشراف قريش
﴿فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّى﴾ تتصدى، وتتعرض؛ بالإقبال عليه؛ حرصاً على إيمانه
﴿وَمَا عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّى﴾ أي وليس عليك بأس في ألا يتطهر بالإسلام؛ إن عليك إلا البلاغ
﴿وَهُوَ يَخْشَى﴾ الله
﴿فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّى﴾ تتلهى، وتعبس، وتتولى
﴿كَلاَّ﴾ أي لا تعد إلى مثلها من الإعراض عن الفقير، والإقبال على الغني ﴿إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ﴾ أي إن هذه الآيات موعظة
﴿فَمَن شَآءَ﴾ من المؤمنين ﴿ذَكَرَهُ﴾ تذكر تنزيل الله تعالى ووحيه، واستمع إلى أوامره ونهيه؛ وعلم أن بذل النصح والإرشاد واجب لمن يطلبه ويسعى إليه؛ لا لمن يأباه وينصرف عنه
﴿فَي صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ﴾ أي إن هذه الآيات منتسخة من اللوح المحفوظ ﴿فَي صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ﴾ عند الله، لا يمسها إلا ملائكته المطهرون
﴿مَّرْفُوعَةٍ﴾ في السماء، أو مرفوعة القدر والمنزلة ﴿مُّطَهَّرَةٍ﴾ عما ليس من كلام الله تعالى
﴿بِأَيْدِي سَفَرَةٍ﴾ كتبة؛ وهم ملائكة الرحمن، الذين انتسخوها - بأمر ربهم - من اللوح المحفوظ
﴿كِرَامٍ بَرَرَةٍ﴾
كرام عند ربهم، أتقياء
﴿قُتِلَ الإِنسَانُ﴾ لعن الكافر ﴿مَآ أَكْفَرَهُ﴾ أي ما أشد كفره وعلام يكفر، ولماذا يتكبر؟ أفلا ينظر
﴿مِنْ أَيِّ شَيءٍ خَلَقَهُ﴾ الله؟ أليس
﴿مِن نُّطْفَةٍ﴾ قذرة ﴿خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ﴾ فسواه فعدله؛ وهيأه لما يصلح له، ويليق به من الأعضاء والأشكال (انظر آية ٢١ من سورة الذاريات)
﴿ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ﴾ أي بين له طريق الخير والشر، أو سهل له الخروج من بطن أمه
﴿ثُمَّ إِذَا شَآءَ أَنشَرَهُ﴾ أحياه بعد موته، وقت مشيئته
﴿كَلاَّ لَمَّا يَقْضِ مَآ أَمَرَهُ﴾ أي لم يفعل الكافر ما أمره الله تعالى به من الإيمان؛ حتى الآن، و «لما» تفيد النفي إلى الحال؛ لأن منفيها متوقع الثبوت؛ بخلاف منفى «لم» فإنه يحتمل الاتصال والانقطاع؛ كلم يكن، ثم كان
﴿فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ﴾ نظر تدبر ﴿إِلَى طَعَامِهِ﴾ أي فليتأمل كيف دبرنا طعامه الذي يأكله ويحيا به، وكيف صنعناه؟ ولينظر إلى الحبوب وأنواعها؛ والثمار وطعومها، والأزهار وألوانها؛ ليعلم أن هذا بتقدير منا، وتفضل من لدنا، ولينظر كيف
﴿أَنَّا صَبَبْنَا الْمَآءَ صَبّاً﴾ من السماء أو الأنهار المتكونة من الأمطار
﴿ثُمَّ شَقَقْنَا الأَرْضَ شَقّاً﴾ بالنبات
﴿فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبّاً﴾ كالحنطة، والشعير، وغيرهما
﴿وَعِنَباً وَقَضْباً﴾ القضبة: الرطبة؛ وهو كل نوع اقتضب - أي اقتطع - فأكل طرياً، وهو أيضاً ما يسقط من أعالي العيدان لمزيد نضجه
﴿وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً﴾ (انظر آية ٢٦٦ من سورة البقرة)
﴿وَحَدَآئِقَ غُلْباً﴾ بساتين كثيرة الأشجار
﴿وَأَبّاً﴾ مرعى لدوابكم؛ من أبه: إذا أمه؛ أي قصده
﴿فَإِذَا جَآءَتِ الصَّآخَّةُ﴾ صيحة القيامة؛ لأنها تصخ الآذان؛ أي تصمها
﴿يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ﴾ مساعدة ﴿أَخِيهِ﴾ ومعاونته والأخ واجب المعاونة والمساعدة في كل وقت، وفي كل حين من
﴿وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ﴾ وبرهما فرض عليه
﴿وَصَاحِبَتِهُ﴾ زوجته؛ وقد كلف بحفظها ورعايتها، والذب عنها ﴿وَبَنِيهِ﴾ وهم صنو روحه، وقطعة من كبده
﴿لِكُلِّ امْرِىءٍ مِّنْهُمْ﴾ أخاً، أو أماً، أو أباً، أو زوجاً، أو ابناً؛ لكل واحد منهم في ذلك اليوم ﴿شَأْنٌ يُغْنِيهِ﴾ شغل شاغل، وخطب هائل؛ يصرفه عن الاهتمام بغيره، إلى الاهتمام بنفسه. وفي هذا ما فيه من الدلالة على ما يكتنف هذا اليوم العصيب من أحداث تخرج المرء عن صوابه، وتشغله بما حل به
﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ﴾ مضيئة؛ وهي وجوه المؤمنين
﴿ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ﴾ بما أعده الله تعالى لها من الثواب والجزاء
﴿وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ﴾ كدورة؛ وهي وجوه الكافرين
﴿تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ﴾ تعلوها ظلمة وسواد
734
سورة التكوير

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

735
Icon