تفسير سورة الإنشقاق

فتح الرحمن في تفسير القرآن
تفسير سورة سورة الإنشقاق من كتاب فتح الرحمن في تفسير القرآن المعروف بـفتح الرحمن في تفسير القرآن .
لمؤلفه مجير الدين العُلَيْمي . المتوفي سنة 928 هـ

سُورةُ الانشِقَاقِ
مكية، وآيها: خمس وعشرون آية، وحروفها: أربع مئة وستة وثلاثون حرفًا، وكلمها: مئة وسبع كلمات.

بِسْمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

﴿إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (١)﴾.
[١] ﴿إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ﴾ تفطَّرت لهول يوم القيامة، وانشقاقُها من علامات الساعة.
* * *
﴿وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ (٢)﴾.
[٢] ﴿وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا﴾ استمعت وسمعت أمره ونهيه (١).
﴿وَحُقَّتْ﴾ أي: وحُقَّ لها أن تسمع وتطيع خالقها.
* * *
﴿وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ (٣)﴾.
[٣] ﴿وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ﴾ زالت جبالها حتى لا يبقى فيها عوج وزيد في سَعَتها.
(١) "ونهيه" زيادة من "ت".
وفي الحديث: "إن الله تعالى يمد الأرض يوم القيامة مدَّ الأديم العكاظي" (١).
* * *
﴿وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ (٤)﴾.
[٤] ﴿وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا﴾ من الكنوز والموتى إلى ظاهرها.
﴿وَتَخَلَّتْ﴾ خلت عما كان فيها، ولم تتمسك منهم بشيء.
* * *
﴿وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ (٥)﴾.
[٥] ﴿وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ﴾ ليس بتكرار الإذن (٢)، الأول للسماء، والثاني للأرض، وجواب (إِذَا) محذوف؛ للتهويل بالإبهام، يدل عليه: ﴿فَمُلَاقِيهِ﴾ المعنى: إذا كان يوم القيامة، لقي الإنسان عمله، وقيل: هو على: اذكر إذا السماء انشقت.
* * *
﴿يَاأَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ (٦)﴾.
[٦] وقيل: جوابه: ﴿يَاأَيُّهَا الْإِنْسَانُ﴾ مخاطبة للجنس، والفاء مضمرة؛ كأنه قال: فيها أيها الإنسان.
(١) ذكره ابن عطية في "المحور الوجيز" (٥/ ٤٥٦)، ورواه نحوه: إسحاق بن راهويه في "مسنده" (١٠)، والطبري في "تفسيره" (١٣/ ٢٥٢)، وأبو الشيخ في "العظمة" (٣/ ٨٢٢)، والطبراني في "الأحاديث الطوال" (ص: ٢٦٦) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه في حديث طويل.
(٢) في "ت": "لأن".
﴿إِنَّكَ كَادِحٌ﴾ أي: ساع باجتهاد ﴿إِلَى رَبِّكَ﴾ إلى وقت لقائه تعالى، وهو الموت ﴿كَدْحًا﴾ والكدح: جهد النفس في العمل.
﴿فَمُلَاقِيهِ﴾ أي: ملاقٍ جزاءَ عملِك من خير وشر.
* * *
﴿فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ (٧)﴾.
[٧] ﴿فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ﴾ أي: كتابَ أعماله ﴿بِيَمِينِهِ﴾ وهو المؤمن.
* * *
﴿فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا (٨)﴾.
[٨] ﴿فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا﴾ سهلًا بلا مناقشة.
* * *
﴿وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا (٩)﴾.
[٩] ﴿وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ﴾ المؤمنين في الجنة بعد الحساب ﴿مَسْرُورًا﴾ بما أُعد له فيها.
* * *
﴿وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ (١٠)﴾.
[١٠] ﴿وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ﴾ وهو الكافر تُغَلُّ يمناه، وتُخلع يسراه، وتُجعل وراء ظهره، فيأخذ بها كتابه.
* * *
﴿فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا (١١)﴾.
[١١] فإذا رأى ما فيه ﴿فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا﴾ ينادي هلاكه.
﴿وَيَصْلَى سَعِيرًا (١٢)﴾.
[١٢] ﴿وَيَصْلَى﴾ قرأ نافع، وابن كثير، وابن عامر، والكسائي: بضم الياء وفتح الصاد وتشديد اللام مجهولًا؛ أي: يُدْخِلُه غيرهُ، وقرأ الباقون: بفتح الياء وإسكان الصاد وتخفيف اللام (١)؛ أي: يدخل هو ﴿سَعِيرًا﴾.
روي أن هاتين الآيتين نزلتا في أبي سلمة بن عبد الأسد، وفي أخيه أبي الأسود، وكان أبو سلمة من أفضل المؤمنين، وهو أول من هاجر إلى النبي - ﷺ -، وأخوه من عتاة (٢) الكافرين (٣).
* * *
﴿إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا (١٣)﴾.
[١٣] ﴿إِنَّهُ﴾ أي: لأنه ﴿كَانَ فِي أَهْلِهِ﴾ عشيرته ﴿مَسْرُورًا﴾ بَطِرًا بارتكاب هواه دون معرفة الله.
* * *
﴿إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ (١٤)﴾.
[١٤] ﴿إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ﴾ يرجعَ إلى الله، والظن هنا على بابه بمعنى الحسبان، لا الظن الذي بمعنى اليقين والعلم.
* * *
(١) انظر: "السبعة" لابن مجاهد (ص: ٦٧٧)، و"التيسير" للداني (ص: ٢٢١)، و"تفسير البغوي" (٤/ ٥٨٢)، و"معجم القراءات القرآنية" (٨/ ١٠٢).
(٢) في "ت": "عثاة".
(٣) انظر: "المحرر الوجيز" لابن عطية (٥/ ٤٥٧)، و "تفسير القرطبي" (١٩/ ٢٧٢).
﴿بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا (١٥)﴾.
[١٥] ﴿بَلَى﴾ أي: ليس كما ظن، بل يحور إلينا ويُبعث.
﴿إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا﴾ من يوم خلقه إلى أن يبعثه.
* * *
﴿فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ (١٦)﴾.
[١٦] ﴿فَلَا أُقْسِمُ﴾ (لا) زائدة، والتقدير: فأقسم، وقيل: (لا) رد على أقوال الكفار، وابتدأ القول (أُقْسِمُ)، وقسم الله بمخلوقاته فإنه على جهة التشريف لها، وتعريضها للعبرة؛ إذ القسم بها (١) منبه منها.
﴿بِالشَّفَقِ﴾ الحمرةِ التي تبقى في الأفق بعد مغيب الشمس، وبسقوطها يدخل وقت العشاء عند الأئمة الثلاثة، وعند أبي حنيفة: هو البياض بعد الحمرة؛ خلافًا لصاحبيه، وتقدم الكلام في ذلك في سورة الروم، وسمي به؛ لرقته؛ من الشفقة.
* * *
﴿وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ (١٧)﴾.
[١٧] ﴿وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ﴾ جمعَ وضَمَّ، وذلك أن الليل إذا أقبل، أقبل كلُّ شيء إلى مأواه مما كان منتشرًا بالنهار.
* * *
(١) "بها" زيادة من "ت".
﴿وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ (١٨)﴾.
[١٨] ﴿وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ﴾ امتلأ في الليالي البيض.
* * *
﴿لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ (١٩)﴾
[١٩] وجواب القسم: ﴿لَتَرْكَبُنَّ﴾ قرأ ابن كثير، وحمزة، والكسائي، وخلف: (لَتَرْكَبَنَّ) بفتح الباء خطابًا للإنسان من (يَا أَيُّها الإِنْسَانُ)، وقرأ الباقون: بالضم خطابًا لجنس الإنسان (١) المعنى: لتركبن الشدائد: الموت والبعث والحساب.
﴿طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ﴾ حالًا بعد حال.
* * *
﴿فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (٢٠)﴾.
[٢٠] ﴿فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ استفهام إنكار.
* * *
﴿وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ (٢١)﴾.
[٢١] ﴿وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ﴾ أي: لا يصلُّون. قرأ أبو جعفر: (قُرِيَ) بفتح الياء، والباقون: بالهمز، وقرأ ابن كثير: (القُرَانُ) بالنقل، والباقون: بالهمز (٢).
(١) انظر: "السبعة" لابن مجاهد (ص: ٦٧٧)، و "التيسير" للداني (ص: ٢٢١)، و"تفسير البغوي" (٤/ ٥٨٣)، و"معجم القراءات القرآنية" (٨/ ١٠٣).
(٢) انظر: "النشر في القراءات العشر" لابن الجزري (١/ ٣٩٦)، وقراءة ابن كثير في =
وهذا محل سجود عند الثلاثة؛ خلافًا لمالك، وهم على أصولهم في قولهم بالوجوب والسنية، كما تقدم اختلافهم ملخصًا عند سجدة مريم.
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سجدنا مع رسول الله - ﷺ - في ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾، و ﴿إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ﴾ (١).
* * *
﴿بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ (٢٢)﴾.
[٢٢] ﴿بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ﴾ بالقرآن والبعث.
* * *
﴿وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ (٢٣)﴾.
[٢٣] ﴿وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ﴾ يجمعون في صدورهم.
* * *
﴿فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (٢٤)﴾.
[٢٤] ﴿فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ استهزاء بهم.
* * *
= "اتحاف فضلاء البشر" للدمياطي (ص: ٤٣٦)، و "معجم القراءات القرآنية" (٨/ ١٠٤).
(١) رواه مسلم (٥٧٨)، كتاب: المساجد ومواضع الصلاة، باب: سجود التلاوة، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (٢٥)﴾.
[٢٥] ﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ استثناء منقطع.
﴿لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ﴾ أي: معدود عليهم محسوب منغَّص بالمن، والله أعلم.
* * *
Icon