تفسير سورة إبراهيم

لطائف الإشارات
تفسير سورة سورة إبراهيم من كتاب لطائف الإشارات .
لمؤلفه القشيري . المتوفي سنة 465 هـ
السورة التي يذكر فيها إبراهيم عليه السلام
بسم الله معناه بالله ؛ فقلوب العارفين بالله إشراقها، وقلوب الوالهين بالله احتراقها، لهؤلاء فا (. . . ) محبته، ولهؤلاء شوقا إلى عزيز رؤيته.
وأصحاب الوصول قالوا : بالله. . . فوصل من الطالبين من وصل.

قوله جل ذكره :﴿ ألمر كتاب أنزلناه لي لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد ﴾ }
أقسم بهذه الحروف : إنَّه لَكِتَابٌ أُنْزِل إليك لتُخرِجَ الناسَ به من ظلمات الجهل إلى نور العلم، ومنْ ظُلماتِ الشَّكِّ إلى نور اليقين، ومن ظلمات التدبير إلى فضاء شهود التقدير، ومن ظلمات الابتداع إلى نور الاتباع، ومن ظلمات دَعَاوَى النَّفْسِ إلى نورِ معارفِ القلب، ومن ظلمات التفرقة إلى نور الجَمْعِ - بإذن ربهم، وبإرادته ومشيئته، وسابقِ حُكْمِه وقضائه إلى صراط رحمته، وهو نهج التوحيد وشواهد التفريد.
عرَّف الخَلْقَ أَنَّ اللَّهَ هو الذي له ما في السماوات وما في الأَرض.
فَمَنْ عَرَف فله المآب الحميد، ومَنْ جَحَدَ فله العذاب الشديد ؛ وذلك العذاب هو جَهْلُه بأنه - سبحانه - مَنْ هو.
ثم ذكر ذميمَ أخلاقِهم، فقال : هُمُ الذين يُؤْثِرُونَ اليسيرَ مِنْ حُطَامِ الدنيا على الخطير من نِعَم الآخرة، وذلك من شدة جُحْدِهم، ويبغون للدِّين عِوَجاً بكثرة جَمْعِهم، أولئك لهم في الدنيا الفراق وهو أشد عقوبة، وفي الآخرة الاحتراق وهو أجلٌّ محنة ومصيبة.
إنما كان كذلك ليكون آكَدَ في إلزام الحجة : وأَنَّى ينفع ذلك إذا لم يُوَفَّقُوا لِسُلُوكِ المحجَّةِ ؟ فأهلُ الهدايةِ فازوا بالعنايةِ السابقة، وأصحابُ الغواية وقعوا في ذُلِّ العداوة : فلا اعتراضَ عليه فيما يصنع، ولا يُسأَلُ عما يفعل أو لم يفعل.
أَخْرجْ قومَك بدعوتك من ظلمات شكهم إلى نور اليقين، ومنْ إشكالِ الجهل إلى رَوْحِ العِلْم، وذَكِّرْهُم بأيام الله ؛ ما سلف لهم من وقت الميثاق، وما رفع عنهم من البلاء في سابق أحوالهم.
ويقال ذكِّرْهُم بأيام الله وهي ما سبق لأرواحهم من الصفوة وتعريف التوحيد قبل حلولها في الأشباح :
سقياً لها ولطيبها ولحسنها وبهائها ***
أيام لم (. . . . . ) ***. . .
ويقال ذكِّرْهم بأيام الله وهي التي كان العبدُ فيها في كتم العدم، والحق يتولَّى عباده قبل أن يكون لِلعبادِ فِعْلٌ ؛ فلا جُهْدَ للسابقين، ولا عناءَ ولا تَرْكَ للمقتصدين، ولا وقع من الظالم لنفسه ظلم.
إذ كان متعلق العلم متناول القدرة، والحكم على الإرادة. . ولم يكن للعبد اختيار في تلك الأيام.
قوله :﴿ إِنَّ في ذَلِكَ لآيات لِكُلّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ﴾.
﴿ صَبَّارٍ ﴾ : راضٍ بحكمه واقف عند كون لذيذ العيش يَسُرُّه.
﴿ شَكُورٍ ﴾ : محجوبٌ بشهود النِّعم عن استغراقه في ظهور حقه. . . هذا واقفٌ مع صبره وهذا واقف مع شكره، وكلٌّ مُلْزَمٌ بحده وقَدْرِه : والله غالب على أمره، مقدّسٌ في نَفْسِه مُتعزَّزٌ بجلال قُدْسِه.
تَذَكُّرُ ما سَلَفَ من النِّعَم يوجِبُ تجديد ما سَبقَ من المحبة، وفي الخبر :
" جُبِلَتْ القلوبُ على حُبِّ مَنْ أحسن إليها " ؛ فالحقُّ أَمَرَ موسى عليه السلام. بتذكير قومه ما سبق إليهم من فنون إنعامه، ولطائف إكرامه. . . وفي بعض الكتب المنزلة على الأنبياء - عليهم السلام - :" عبدي، أنا لَكَ مُحِبُّ فبحقي عليكَ كنُ لي محباً
إن شكرتم لأزيدنكم من إنعامي وإِكرامي، وإن كفرتم بإحساني لأعذبنكم اليوم بامتحاني، وغداً بفراقي وهجراني.
لئن عرفتم وصالي لأزيدنكم من وجود نوالي إلى شهود جمالي وجلالي.
ويقال لئن شكرتم وجوده توفيق العبادة لأزيدنكم بتحقيق الإرادة.
ويقال لئن شكرتم شهود المَكَافِي لأزيدنكم بشهود أوصافي.
ويقال لئن شكرتم صنوف إنعامي لأزيدنكم بشهود إكْرَامِي ثم إلى شهود إِقْدَامي.
ويقال لئن شكرتم مختص نعمائي لأزيدنكم مُنْتَظرَ آلائي.
ويقال لئن شكرتم مخصوص نِعَمي لأزيدنكم مأمول كَرَمِي.
ويقال لئن شكرتم ما خَوَّلناكُم من عطائي لأزيدنكم ما وعدناكم من لقائي.
ويقال لئن شكرتم ما لَوَّحْتُ في سرائركم زِدْناكُم ما أَلْبسْنَا من العصمة لظواهركم.
ويقال لئن كفرتم نِعْمَتِي بأَنْ توهمتم استحقاقَها لَجَرَّعْنَاكم ما تَسْتَمِرُّون مذاقها.
إن اجتمعتم أنتم ومن عَاضَدَكُم، وكل من غاب عنكم وحضركم، والذين يقتفون أثركم - على أن تكفروا بالله جميعاً، وأخذتم كل يوم شركاء قطيعاً- ما أوجهتم لِعزِّنا شَيْنا، كما لو شكرتم ما جعلتم بِمُلْكِنا زَيْنا. والحقُّ بنعوته ووصف جبروته عَلِيٌّ وعن العالَمِ بأَسْرِه غنيٌّ.
استفهام في معنى التقرير. أخبره أنه لما جاءتهم الرسلُ قابلوهم بالكنود. وعاملوهم بالجحود وردوا أيديهم في أفواههم، وحَذَوْا سبيل أمثالهم في الكفر، وبنوا على الشك والريبة قواعدَهم، وأسسوا على الشِّرْكِ والغَيِّ مذاهبهم.
استفهام والمراد منه توبيخ ونفي. سبحانه لا يتحرك نَفَسٌ إلا بتصريفه.
وكيف يبصر جلالَ قَدْرِهِ إلا من كَحَّله بنور بِرِّه ؟
ثم قال :﴿ يَدعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ ﴾ : ليس العجب ممن تكلف لسيده المشاق وتحمل ما لا يطاق، وأَلاَّ يهربَ من خدمةٍ أو يجنحَ إلى راحة. . إنما العَجَبُ من سيدٍ عزيزٍ كريمٍ يدعو عَبْدَه ليغفرَ له وقد أخطأ، ويعاملَه بالإحسان وقد جفا.
والذي لا يَكُفُّ عن العناد، ولا يؤثر رضَاءَ سيده على راحة نفسه لا يُحْمَلُ هذا إلا على قِسمةٍ بالشقاء سابقة. . وإن أحكام الله بردِّه صادقة. ثم أخبر أنهم قالوا لرُسلُهِم :
قوله جلّ ذكره :﴿ قَالُوا إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ ءَابَآؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ ﴾.
نظروا إلى الرسل من ظواهرهم، ولم يعرفوا سرائرهم، ومالوا إلى تقليد أسلافهم، وأصروا على ما اعتادوه من شقاقهم وخلافهم.
قالت لهم الرسلُ ما نحن إلا أمثالكم، والفرق بيننا أنه - سبحانه - مَنَّ علينا بتعريفه، واسْتخلَصنا بما أَفْرَدَنا به من تشريفه. والذي اقترحتم علينا من ظهور الآيات فليس لنا إلى الإتْيَانِ به سبيلٌ إلاَّ أن يُظْهِرَه الله علينا إذا شاء بما شاء - وهو عليه قدير.
﴿ وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ ﴾ : وقد رقَّانا من حدِّ التكليف بالبرهان إلى وجود روح البيان بكثرة ما أفاض علينا من جميل الإحسان، فكفانا من مهان الشان. ﴿ وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ ﴾ : وقد حقَّق لنا ما سبق به الضمان من وجود الإحسان، وكفاية ما أظلَّنا من الامتنان. ﴿ وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ ﴾ ولم نخرج إلى التقاضي على الله فيما وعدنا الله.
قوله :﴿ وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَآ ءَاذَيْتُمُونَا ﴾ : والصبر على البلاَءِ يهون إذا كان على رؤية المُبْلِي، وفي معناه أنشدوا :
يستقدمون بلاياهم كأنهمُ لا ييأسون من الدنيا إذا قبلوا
لما عجز الأعداءُ عن معارضة الأنبياء عليهم السلام في الإتيان بمثل آياتهم أخذوا في الجفاء معهم بأنواع الإنذار، والتهديد بفنون البلاء من الإخراج عن الأوطان، والتشريد في البلدان، وبسط الله على قلوبهم بوعد نصره ولقائه ما أظلَّهم من الأمر، ومَكَّن لهم من مساكن أعدائهم بما قَوَّى قلوبهم على الصبر على مقاساة بلائهم فقال :﴿ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمينَ ﴾، وقال :﴿ ولنسلكننكم الأرض من بعدهم ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد ﴾.
﴿ وَخَافَ وَعِيدِ ﴾ : أي خاف مقامه في محل الحساب غداً فأناب إلى نفسه على وجه التخصيص.
ويقال خاف مقامي أي هاب إطلاعي عليه، فالأول تذكير المحاسبة في الآجل، والثاني تحقيق المراقبة في العاجل.
الاستفتاح طلب الفتح، الفتح القضاء، واستعجلوا حلول القضاء مثل قولهم :﴿ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً منَ السَّمَآءِ ﴾ [ الأنفال : ٣٢ ] وغيره فلما نزل بهم البلاء، وتحقق لهم الأمر لم ينفعهم تضرعهم وبكاؤهم، ولم تُقْبَلْ منهم صدقتُهم وفداؤهم، وندموا حين لا ندامة، وجزعوا بعدما عَدِموا السلامة.
ويقال :﴿ وَاسْتَفْتَحُوا ﴾ : بغير الرسل، ولما وجد الرسل إصرارَ قومهم سألوا النصرة عليهم من الله كقول نوح - عليه السلام :﴿ ربِّ لاَ تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الكَافِرِينَ دَيَّاراً ﴾ [ نوح : ٢٦ ]، وقول موسى عليه السلام :﴿ رَبَّنَا اطمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ ﴾ [ يوسف : ٨٨ ] فأجابهم الله بإهلاكهم.
ويقال إذا اشتد البلاءُ وصَدَقَ الدعاءُ قَرُبَ النَّجاء.
لفظ " وراء " يقع على ما بين يديه وعلى ما خَلْف، والوراء ما توارى عليك أي استتر ؛ يريد الكافر يأتيه العذاب فيما بين يديه من الزمان، وعلى ما خَلْفَه ؛ أي لأجل ما سلف من الماضي من قبيح أفعاله، ويُسْقَى من النار ما يشربه جرعة بعد جرعة، فلصعوبته ومرارته لا يشربه مرةً واحدةً.
قوله جلّ ذكره :﴿ وَيَأْتِيِهِ المَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِتٍ وَمِن وَرَآئِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ ﴾.
يرى العذابَ- من شدته - في كل عضو، وفي كل وقت، وفي كل مكان وليس ذلك الموت ؛ لأنَّ أهلَ النار لا يموتون، ولكنه في الشدة كالموت. ثم ﴿ وَمِن وَرَآئِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ ﴾ : وهو الخلود في النار، وهذا جزاء مَنْ اغترَّ بأيامٍ قلائل ساعدته المشيئةُ فيها، وانخدع فلم يشرع بما يليها.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٦:لفظ " وراء " يقع على ما بين يديه وعلى ما خَلْف، والوراء ما توارى عليك أي استتر ؛ يريد الكافر يأتيه العذاب فيما بين يديه من الزمان، وعلى ما خَلْفَه ؛ أي لأجل ما سلف من الماضي من قبيح أفعاله، ويُسْقَى من النار ما يشربه جرعة بعد جرعة، فلصعوبته ومرارته لا يشربه مرةً واحدةً.
قوله جلّ ذكره :﴿ وَيَأْتِيِهِ المَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِتٍ وَمِن وَرَآئِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ ﴾.
يرى العذابَ- من شدته - في كل عضو، وفي كل وقت، وفي كل مكان وليس ذلك الموت ؛ لأنَّ أهلَ النار لا يموتون، ولكنه في الشدة كالموت. ثم ﴿ وَمِن وَرَآئِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ ﴾ : وهو الخلود في النار، وهذا جزاء مَنْ اغترَّ بأيامٍ قلائل ساعدته المشيئةُ فيها، وانخدع فلم يشرع بما يليها.

أي وفيما يُتْلَى عليكَ - يا محمد - مَثَل لأعمال الكفار في تلاشيها، وكيف أنه لا يُقبَلُ شيءٌ منها كَرَمَادٍ في يوم عاصف، فإنه لا يَبْقَى منه شيء- كذلك أعمالُهم. ومَنْ كان كذلك فقد خاب في الدارين، وحلَّ عليه الويل.
خَلَقَ السماواتِ والأرض بالحُكْم الحق، أي له ذلك بحقِّ ملكه، وخلقهما بقوله الحق ؛ فجعل كلَّ جزءٍ منهما على وحدانيته دليلاً، ولِمَنْ أراد الوصول إلى ربِّه سبيلاً.
ثم قال : إِنْ يَشَأْ يذهبكم بالإفناء، ويأتِ بِخَلْقٍ جديدٍ في الإنشاء، وليس ذلك عليه بعزيز. . . وأنَّى ذلك وهو على كل شيء قدير ؟ !.
لم يكونوا عن الحقِّ - سبحانه - متسترين حتى يظهروا له، ولكن معناه صارت معارفهم ضرورية فحصلوا في مواطن لم يكن لغير الله فيها حكم، فصاروا كأنهم ظهروا لله. فقال الضعفاء للذين استكبروا :﴿ إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً ﴾ توهماً أن يرفعوا عنهم شيئاً من العناء، فأجابهم المتكبرون : إنَّا جميعاً في العذاب مشتركون، ولو أمكننا أَنْ ترفعَ عنكم من العذاب، وقدرنا على أن نهديَكُم إلى طريق النجاة لنجيناكم مما شكوتم، وأجبناكم إلى ما سألتم، ولكنكم لستم اليوم لنا بمصرخين، ولا نحن لكم بمغيثين، ولا لما تدعونا إليه بمستجيبين. . .
فلا تلومونا ولوموا أنفسكم، ولات حين ملام ! إنما ينفع لومُ النَّفْس فيما تتعاطاه من الإساءة في زمان المُهْلَةِ وأوقات التكليف ؛ فإنَّ أبوابَ التوبةِ مفتوحة، ولكن لمن لم ينزع روحَه.
ذلك الذي مضى ذِكْرُ صفةُ الكفار والأعداء. وأمَّا المؤمنون والأولياء، فقال :﴿ وَأُدْخِلَ الَّذِينَ ءَامَنُوا ﴾ والإيمان هو التصديق، ﴿ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾ تحقيق التصديق. ويدخل في جملة الأعمال الصالحة ما قلَّ أو كَثُرَ من وجوه الخيرات حتى القَذَر تميطه عن الطريق.
و ﴿ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ ﴾ - وكذلك قال تعالى :﴿ لَهُمْ دَارُ السَّلاَمِ ﴾ [ الأنعام : ١٢٧ ]، فالوصفُ العام والتحيةُ لهم من الله السلامُ.
ويقال إن أحوالهم متفاوتة في الرتبة ؛ فقومُ سَلِمُوا من الاحتراق ثم من الفراق ثم من العذاب ثم من الحجاب.
هذا مثل ضربه الله للإيمان والمعرفة به سبحانه، فشبهه بشجرة طيبة، وأصل تلك الشجرة ثابت في الأرض وفروعها باسقة وثمراتها وافية. تؤتى أكلها كل وقت، وينتفع بها أهلُها كل حين.
وأصل تلك الشجرة المعرفة، والإيمان مُصَحَّحاً بالأدلة والبراهين. وفروعها الأعمال الصالحة التي هي الفرائض ومجانبة المعاصي.
والواجب صيانة الشجرة مما يَضُرُّ بها مثل كشف القِشْر وقَطْع العِرْق وإملاق الغصن وما جرى مجراه.
وأوراق تلك الشجرة القيام بآداب العبودية، وأزهارها الأخلاق الجميلة، وثمارها حلاوة الطاعة ولذة الخدمة.
وكما أن الثمار تختلف في الطّعم والطبع والرائحة والصورة. . كذلك ثمرات الطاعات ومعاني الأشياء التي يجدها العبدُ في قلبه تختلف من حلاوة الطاعة وهي صفة العابدين، والبسط الذي يجده العبدُ في وقته وهو صفة العارفين، وراحةٍ في الضمير وهو صفة المريدين، وأُنْسٍِ يناله في سِرِّه وهو صفة المحبين. وقلقٍ واهتياجٍ يجدهما ولا يعرف سببهما، ولا يجد سبيلاً إلا سكونه وهو صفة المشتاقين. . . إلى ما لا يفي بشرحه نطق، ولا يستوفيه تكلُّفُ قَوْلٍ. وذكرٍ من لوائح ولوامع، وطوارق وشوارق، كما قيل :
طوارق أنوار تلوح إذا بدت فتُظْهِر كتمانا وتُخْبِرُ عن جمع
ثم إن ثمراتِ الأشجار في السنة مرة، وثمرات هذه الشجرة في كل لحظة كذا كذا مرة. وكما قال الله تعالى في ثواب الجنة :﴿ لاَّ مَقْطُوعَةٍ وَلاَ مَمْنُوعَةٍ ﴾ [ الواقعة : ٣٣ ] كذا لطائف هذه الشجرة لا مقطوعة ولا ممنوعة، وقلوب أهل الحقائق عنها لا مصروفة، ولا محجوبة، وهي في كل وقت ونَفَسٍ تبدو لهم غيرَ محجوبة.
وثمرات الشجرة أشرف الثمار، وأنوارها ألطف وأظرف الأنوار، وإشارات أهل هذه القصة وألفاظهم في مراتبهم ومعانيهم كالرياحين والثَّوْر.
ويقال الكلمة الطيبة هي الشهادة بالإلهية، وللرسول - صلى الله عليه وسلم- بالنبوة، وإنما تكون طيبة إذا صدرت عن سرِّ مخلص.
والشجرة الطيبة المعرفة، وأصلها ثابت في أرضِ غير سبخةٍ، والأرض السبخة قلب الكافر والمنافق، فالإيمان لا ينبت في قلبيهما كما أن الشجرة في الأرض السبخة لا تنبت. ثم لا بدَّ للشجرة من الماء، وماء هذه الشجرة دوام العناية، وإنما تُورِقُ بالكفاية، وتَتَوَرَّدُ بالهداية.
ويقال ماءُ هذه الشجرة ماءُ الندمِ والحياءِ والتلهفِ والحسرةِ والأمانة والخشوع وإسبال الدموع.
ويقال ثمرات هذه الشجرة مختلفة بحسب اختلاف أحوالهم ؛ فمنها التوكل والتفويض والتسليم، والمحبة والشوق والرضا، والأحوال الصافية الوافية، والأخلاق العالية الزكية.
ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة هي كلمة الكفر، وخبثُها ما صحبها من نجاسة الشِّرك، فَخُبْث الكلمة لصدورها عن قلبٍ هو مُسْتَقَرُّ الشِّرْكِ ومنبعه.
والشجرة الخبيثة هي الشِّرْكُ اجتُثَّ من فوق الأرض ؛ لأن الكفر متناقض متضاد، ليس له أصل صحيح، ولا برهان موجب، ولا دليل كاشف، ولا علة مقتضية، وإنما شُبَهٌ وأباطيل وضلال، تقتضي وساوسَ وتسويلاتٍ ما لها من قرار، لأنها حاصلة من شُبَةٍ واهية وأصول فاسدة.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٤:هذا مثل ضربه الله للإيمان والمعرفة به سبحانه، فشبهه بشجرة طيبة، وأصل تلك الشجرة ثابت في الأرض وفروعها باسقة وثمراتها وافية. تؤتى أكلها كل وقت، وينتفع بها أهلُها كل حين.
وأصل تلك الشجرة المعرفة، والإيمان مُصَحَّحاً بالأدلة والبراهين. وفروعها الأعمال الصالحة التي هي الفرائض ومجانبة المعاصي.
والواجب صيانة الشجرة مما يَضُرُّ بها مثل كشف القِشْر وقَطْع العِرْق وإملاق الغصن وما جرى مجراه.
وأوراق تلك الشجرة القيام بآداب العبودية، وأزهارها الأخلاق الجميلة، وثمارها حلاوة الطاعة ولذة الخدمة.
وكما أن الثمار تختلف في الطّعم والطبع والرائحة والصورة.. كذلك ثمرات الطاعات ومعاني الأشياء التي يجدها العبدُ في قلبه تختلف من حلاوة الطاعة وهي صفة العابدين، والبسط الذي يجده العبدُ في وقته وهو صفة العارفين، وراحةٍ في الضمير وهو صفة المريدين، وأُنْسٍِ يناله في سِرِّه وهو صفة المحبين. وقلقٍ واهتياجٍ يجدهما ولا يعرف سببهما، ولا يجد سبيلاً إلا سكونه وهو صفة المشتاقين... إلى ما لا يفي بشرحه نطق، ولا يستوفيه تكلُّفُ قَوْلٍ. وذكرٍ من لوائح ولوامع، وطوارق وشوارق، كما قيل :
طوارق أنوار تلوح إذا بدت فتُظْهِر كتمانا وتُخْبِرُ عن جمع
ثم إن ثمراتِ الأشجار في السنة مرة، وثمرات هذه الشجرة في كل لحظة كذا كذا مرة. وكما قال الله تعالى في ثواب الجنة :﴿ لاَّ مَقْطُوعَةٍ وَلاَ مَمْنُوعَةٍ ﴾ [ الواقعة : ٣٣ ] كذا لطائف هذه الشجرة لا مقطوعة ولا ممنوعة، وقلوب أهل الحقائق عنها لا مصروفة، ولا محجوبة، وهي في كل وقت ونَفَسٍ تبدو لهم غيرَ محجوبة.
وثمرات الشجرة أشرف الثمار، وأنوارها ألطف وأظرف الأنوار، وإشارات أهل هذه القصة وألفاظهم في مراتبهم ومعانيهم كالرياحين والثَّوْر.
ويقال الكلمة الطيبة هي الشهادة بالإلهية، وللرسول - صلى الله عليه وسلم- بالنبوة، وإنما تكون طيبة إذا صدرت عن سرِّ مخلص.
والشجرة الطيبة المعرفة، وأصلها ثابت في أرضِ غير سبخةٍ، والأرض السبخة قلب الكافر والمنافق، فالإيمان لا ينبت في قلبيهما كما أن الشجرة في الأرض السبخة لا تنبت. ثم لا بدَّ للشجرة من الماء، وماء هذه الشجرة دوام العناية، وإنما تُورِقُ بالكفاية، وتَتَوَرَّدُ بالهداية.
ويقال ماءُ هذه الشجرة ماءُ الندمِ والحياءِ والتلهفِ والحسرةِ والأمانة والخشوع وإسبال الدموع.
ويقال ثمرات هذه الشجرة مختلفة بحسب اختلاف أحوالهم ؛ فمنها التوكل والتفويض والتسليم، والمحبة والشوق والرضا، والأحوال الصافية الوافية، والأخلاق العالية الزكية.
ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة هي كلمة الكفر، وخبثُها ما صحبها من نجاسة الشِّرك، فَخُبْث الكلمة لصدورها عن قلبٍ هو مُسْتَقَرُّ الشِّرْكِ ومنبعه.
والشجرة الخبيثة هي الشِّرْكُ اجتُثَّ من فوق الأرض ؛ لأن الكفر متناقض متضاد، ليس له أصل صحيح، ولا برهان موجب، ولا دليل كاشف، ولا علة مقتضية، وإنما شُبَهٌ وأباطيل وضلال، تقتضي وساوسَ وتسويلاتٍ ما لها من قرار، لأنها حاصلة من شُبَةٍ واهية وأصول فاسدة.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٤:هذا مثل ضربه الله للإيمان والمعرفة به سبحانه، فشبهه بشجرة طيبة، وأصل تلك الشجرة ثابت في الأرض وفروعها باسقة وثمراتها وافية. تؤتى أكلها كل وقت، وينتفع بها أهلُها كل حين.
وأصل تلك الشجرة المعرفة، والإيمان مُصَحَّحاً بالأدلة والبراهين. وفروعها الأعمال الصالحة التي هي الفرائض ومجانبة المعاصي.
والواجب صيانة الشجرة مما يَضُرُّ بها مثل كشف القِشْر وقَطْع العِرْق وإملاق الغصن وما جرى مجراه.
وأوراق تلك الشجرة القيام بآداب العبودية، وأزهارها الأخلاق الجميلة، وثمارها حلاوة الطاعة ولذة الخدمة.
وكما أن الثمار تختلف في الطّعم والطبع والرائحة والصورة.. كذلك ثمرات الطاعات ومعاني الأشياء التي يجدها العبدُ في قلبه تختلف من حلاوة الطاعة وهي صفة العابدين، والبسط الذي يجده العبدُ في وقته وهو صفة العارفين، وراحةٍ في الضمير وهو صفة المريدين، وأُنْسٍِ يناله في سِرِّه وهو صفة المحبين. وقلقٍ واهتياجٍ يجدهما ولا يعرف سببهما، ولا يجد سبيلاً إلا سكونه وهو صفة المشتاقين... إلى ما لا يفي بشرحه نطق، ولا يستوفيه تكلُّفُ قَوْلٍ. وذكرٍ من لوائح ولوامع، وطوارق وشوارق، كما قيل :
طوارق أنوار تلوح إذا بدت فتُظْهِر كتمانا وتُخْبِرُ عن جمع
ثم إن ثمراتِ الأشجار في السنة مرة، وثمرات هذه الشجرة في كل لحظة كذا كذا مرة. وكما قال الله تعالى في ثواب الجنة :﴿ لاَّ مَقْطُوعَةٍ وَلاَ مَمْنُوعَةٍ ﴾ [ الواقعة : ٣٣ ] كذا لطائف هذه الشجرة لا مقطوعة ولا ممنوعة، وقلوب أهل الحقائق عنها لا مصروفة، ولا محجوبة، وهي في كل وقت ونَفَسٍ تبدو لهم غيرَ محجوبة.
وثمرات الشجرة أشرف الثمار، وأنوارها ألطف وأظرف الأنوار، وإشارات أهل هذه القصة وألفاظهم في مراتبهم ومعانيهم كالرياحين والثَّوْر.
ويقال الكلمة الطيبة هي الشهادة بالإلهية، وللرسول - صلى الله عليه وسلم- بالنبوة، وإنما تكون طيبة إذا صدرت عن سرِّ مخلص.
والشجرة الطيبة المعرفة، وأصلها ثابت في أرضِ غير سبخةٍ، والأرض السبخة قلب الكافر والمنافق، فالإيمان لا ينبت في قلبيهما كما أن الشجرة في الأرض السبخة لا تنبت. ثم لا بدَّ للشجرة من الماء، وماء هذه الشجرة دوام العناية، وإنما تُورِقُ بالكفاية، وتَتَوَرَّدُ بالهداية.
ويقال ماءُ هذه الشجرة ماءُ الندمِ والحياءِ والتلهفِ والحسرةِ والأمانة والخشوع وإسبال الدموع.
ويقال ثمرات هذه الشجرة مختلفة بحسب اختلاف أحوالهم ؛ فمنها التوكل والتفويض والتسليم، والمحبة والشوق والرضا، والأحوال الصافية الوافية، والأخلاق العالية الزكية.
ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة هي كلمة الكفر، وخبثُها ما صحبها من نجاسة الشِّرك، فَخُبْث الكلمة لصدورها عن قلبٍ هو مُسْتَقَرُّ الشِّرْكِ ومنبعه.
والشجرة الخبيثة هي الشِّرْكُ اجتُثَّ من فوق الأرض ؛ لأن الكفر متناقض متضاد، ليس له أصل صحيح، ولا برهان موجب، ولا دليل كاشف، ولا علة مقتضية، وإنما شُبَهٌ وأباطيل وضلال، تقتضي وساوسَ وتسويلاتٍ ما لها من قرار، لأنها حاصلة من شُبَةٍ واهية وأصول فاسدة.

بالقول الثابت وهو البقاء على الاستقامة، وترك العِوَج.
ويقال القول الثابت هو الشهادة الضرورية عن صفاء العقيدة وخلوص السريرة.
ويقال القول الثابت هو بنطق القلوب لا بذكر اللسان.
ويقال القول الثابت هو قول الله العزيز القديم الذي لا يجوز عليه الفناء والبطول فهو بالثبوت أَوْلَى من قول العبد ؛ لأن قولَ العبد أَثَرٌ، والآثار لا يجوز عليها الثبوت والبقاء وإنما يكون باقياً حُكْماَ ثباتُ العبد لقول الله ؛ وهو حكمه بالإيمان وأخباره أنه مؤمن وتسميته بالإيمان. وقول الله لا يزول ؛ ففي الدنيا يثبتُه حتى لا بِدْعَةَ تعتريه، وفي الآخرة يثبتُه برسله من الملائكة، وفي القيام يثبتُه عند السؤال والمحاسبة وفي الجنة يثبتُه لأنه لا يزول حمد العبد لله، ومعرفته به، وإذا تنوعت عليه الخواطر ورفع إليه- سبحانه - دعاءَه ثَبَّتَه حتى لا يحيد عن النهج المستقيم والدين القويم.
ويقال إذا دَعَتْه الوساوسُ إلى متابعةِ الشيطان، وصيَّرتْه الهواجسُ إلى موافقة النَّفْس فالحق يثبته على موافقة رضاه.
ويقال إذا دَعَتْه دواعي المحبة من كل جنس كمحبة الدنيا، أو محبة الأولاد والأقارب والأموال والأحباب أعانه الحقُّ على اختيار النجاة منها، فيترك الجميع، ولا يتَحسَّسُ إلا دواعيَ الحقِّ - سبحانه - كما قيل :
إذا ما دَعَتْنا حاجةٌ كي تردَّنا *** أبيْنا وقلنا : مطلبُ الحقِّ أَوَّلا
وضعوا الكفران محل الشكر، فاستعملوا النعمة للكفر، بدلاً من استعمالها فيما كان ينبغي لها من الشكر. واستعمال النعمة في المعصية من هذه الجملة، فأعضاءُ العبد كلها نِعَمٌ من الله على العبد، فإذا استعمل العاصي بَدَنَه في الزَّلة بدلاً من أن يستعملها في الطاعة فقد بَدّل النعمة كفراً، وكذلك إذا أودع الغفلَة قلبَه مكانَ المعرفة، والعلاقَة فيه مكان الانقطاع إليه، وعلَّقَ قلبه بالأغيار بَدَلَ الثقة به، ولَطَّخَ لسانَه بذكر المخلوقين ومَدْحِهِم بَدَلَ ذكرِ الله واشتغل بغير الله دون العناء في ذكره. . . كلُّ هذا تبديلُ نِعَمِ الله كفراً. وإذا كان العبدُ منقطعاً إلى الله، مكفياً من قِبَلِ الله. . . وَجَدَ في فراغه مع الله راحةً عن الخَلْق، ومن إقباله عليه - سبحانه - كفاية، فإذا رجع إلى أسباب التفرقة، ووقع في بحار الاشتغال ومعاملة الخلْق ومدحهم وذمهم فقد أحلَّ قومه دار البوار ؛ على معنى إيقاعه قلبَه نَفْسَه وجوارحَه في المذلة من الخَلْق، والمضرة في الحال، وشأنه كما قيل :
ولم أَرَ قَبْلي مَنْ يُفَارِقُ جَنَّة ويقرع بالتطفيل بابَ جهنمِ
وهي الجحيم المُعجَّل. . . وعذابُها بها الفُرْقَة لا الحُرْقَة.
رضوا بأن يكون معمولُهم معبودَهم، ومنحوتُهم مقصودَهم، فضلُّوا عن نَهْجِ الاستقامة، ونأوا عن مقر الكرامة وسيلقون غِبَّ ما صنعوا يوم القيامة كما قيل :
قد تركناكَ والذي تريد فعسى أن تَمَلَّهُم فتعودا
قل تمتعوا أياماً قليلة فأيام السرور قِصارٌ، ومُتَعُ الغفلة سريعة الانقضاء.
جعل الله راحةَ العبدِ - اليومَ - بكمالها في الصلاة ؛ فإنَّها محلُّ المناجاة، قال الرسول صلى الله عليه وسلم :" أَرِحَنا يا بلال بالصلاة " والصلاة استفتاح باب الرزق، قال تعالى :﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَواةِ واصْطَبِرْ عَليْهَا لاَ نَسْئَلُكَ رِزْقاً ﴾ [ طه : ١٣٢ ].
وفي الصلاة يبث العبد أسرارَه مع الحق ؛ فإذا كان لقاءُ الإخوان - كما قالوا - مَسْلاَةً لهم كيف بمناجاتك مع الله، ونشر قصتك بين يديه ؟ كما قيل :
قُلْ لي بألسنة التَنَفُّسِ كيف أنت وكيف حالك ؟
﴿ وَيُنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُم ﴾ : أمرهم بإنفاق اللسان على ذكره، وإنفاق البَدَنِ على طاعته، والوقتَ على شكره، والقلبَ على عرفانه، والروح على حبه، والسِّرّ على مشاهدته. . ولا يكلِّف الله نَفْساً إلا ما آتاها، وإنما يطالبك بأن نحضر إلى الباب، وتقف على البساط بالشاهد الذي آتاك. . يقول العبد المسكين : لو كان لي نَفْسٌ أطوع من هذه لأَتَيْتُ بها، ولو كان لي قلبٌ أشذُّ وفاءً من هذا لَجُدْتُ به، وكذلك بروحي وسِرِّي، وقيل :
يفديك بالروح صَبٌّ لو أنَّ له أعز من روحه شيئاً فداك به
﴿ مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِىَ يَوم لا بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خِلاَلٌ ﴾ : وفي هذا المعنى أنشدوا :
قلتُ للنَّفس إنْ أردتِ رجوعاً فارجعي قبل أن يُسدَّ الطريق
وفي الظاهر رفعَ السماءَ فأعلاها، والأرض من تحتها دحاها، وخلقَ فيها بحاراً، وأجرى أنهاراً، وأنبت أشجاراً، وأثبت لها أنوار وأزهاراً، وأمطر من السماء ماء مدراراً. وأخرج من الثمرات أصنافاً، ونوَّع لها أوصافاً، وأفرد لكلِّ منها طعماً مخصوصاً، ولإدراكه وقتاً معلوماً.
وأمَّا في الباطن فسماءُ القلوب زَيَّنَها بمصابيح العقول، وأطلع فيها شمس التوحيد، وقمر العرفان. ومَرج في القلوب بحري الخوف والرجاء، وجعل بينهما برزخاً لا يبغيان ؛ فلا الخوف يقلب الرجاء ولا الرجاء يقلب الخوف، كما جاز في الخبر :" لو وزنا لاعتدلا " - هذا لعوام المؤمنين، فأمَّا للخواص فالقبض والبسط، ولخاص الخاص فالهيبة والأُنس والبقاء والفناء.
وسَخَّر لهم الفُلْكَ في هذه البحار ليعبروها بالسلامة، وهي فلك التوفيق والعصمة، وسفينة الأنوار والحفظ. وكذلك ليالي الطلب للمريدين، وليالي الطرب لأهل الأُنْس من المحبين، وليالي الحرب للتائبين، وكذلك نهار العارفين باستغنائهم عن سراج العلم عند متوع نهار اليقين.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٣٢:وفي الظاهر رفعَ السماءَ فأعلاها، والأرض من تحتها دحاها، وخلقَ فيها بحاراً، وأجرى أنهاراً، وأنبت أشجاراً، وأثبت لها أنوار وأزهاراً، وأمطر من السماء ماء مدراراً. وأخرج من الثمرات أصنافاً، ونوَّع لها أوصافاً، وأفرد لكلِّ منها طعماً مخصوصاً، ولإدراكه وقتاً معلوماً.
وأمَّا في الباطن فسماءُ القلوب زَيَّنَها بمصابيح العقول، وأطلع فيها شمس التوحيد، وقمر العرفان. ومَرج في القلوب بحري الخوف والرجاء، وجعل بينهما برزخاً لا يبغيان ؛ فلا الخوف يقلب الرجاء ولا الرجاء يقلب الخوف، كما جاز في الخبر :" لو وزنا لاعتدلا " - هذا لعوام المؤمنين، فأمَّا للخواص فالقبض والبسط، ولخاص الخاص فالهيبة والأُنس والبقاء والفناء.
وسَخَّر لهم الفُلْكَ في هذه البحار ليعبروها بالسلامة، وهي فلك التوفيق والعصمة، وسفينة الأنوار والحفظ. وكذلك ليالي الطلب للمريدين، وليالي الطرب لأهل الأُنْس من المحبين، وليالي الحرب للتائبين، وكذلك نهار العارفين باستغنائهم عن سراج العلم عند متوع نهار اليقين.

ما سَمَتْ إليهِ هِمَمُكُم، وتعلَّق به سؤالُكُم، وخَطَر تحقيقُ ذلك ببالِكم، أنلناكم فوق ما تُؤَمِّلُون، وأعطيناكم أكثر مما تَرْجُون، قال تعالى :﴿ ادْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾ [ غافر : ٦٠ ].
وقرأ بعض القراء :﴿ من كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ ﴾ [ إبراهيم : ٣٤ ] فَيُنُوِّنُ قوله : كلٍ ويجعل ما سألتموه ( ما ) للنفي أي كل شيء مما لم تسألوه.
كذلك جاز أن يكون المعنى، قل يا أمة محمد أعطيتكم قبل أن تسألوني - وهذا لأرباب الطاعات، وغفرت لكم قبل أن تستغفروني - وهذا لأصحاب الزلات. عَلِمَ قصور لسان العاصي وما يمنعه من الخجل وما يقبض على لسانه إذا تذكَّر ما عمله من الزلاَّت، فأعطاه غفرانه، وكفاه حشمةَ السؤال، والتفضل ؛ فقال : غفرتُ لكم قبل أن تستغفروني.
ولكن متى يخطر على قلب العبد ما أهَّلَه الحق - سبحانه- من العرفان ؟ وكيف يكون ذلك الحديث ؟. . . قَبْلَ أَنْ كان له إمكانٌ، أو معرفة وإحسان، أو طاعة أو عصيان، أو عبادة وعرفان، أو كان له أعضاء وأركان، أو كان العبد شيخاً أو عيناً أو أثراً. . لا بَلْ :
أتاني هواها قبل أَنْ أَعْرِف الهوى فصادف قلباً خالياً فَتَمكَّنَا
قوله جلّ ذكره :﴿ وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَأ إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ﴾.
كيف يكون شكركم كفاء نِعَمِه. . ؟ وشكرُكُم نَزْرٌ يسير، وإنعامُه وافر غزير.
وكيف تكون قطرة الشكر بجوار بحار الإنعام ؟
إنَّ نِعَمَه عُلُومُكُم عن تفصيلها متقاصرةٌ، وفُهُومُكُم عن تحصيلها متأخِّرةٌ.
وإذا كان ما يدفع عن العبد من وجوه المحن وفنون البلايا من مقدوراته لا نهاية له. . . فكيف يأتي الحصر والإحصار على ما لا يتناهى ؟
وكما أن النَّفْعَ من نِعِمَه فالدفعُ أيضاً من نعمه.
ويقال إن التوفيق للشكر من جملة ما ينعم به الحقُّ على العبد فإذا أراد أن يشكره لم يمكنه إلا بتوفيقٍ آخر فلا يبقى من النعم إلا ما يشكر عليه.
كما سأل أن يجعل مكةً بلداً آمناً طلب أن يجعل قلبَه محلاً آمناً ؛ أي لا يكون فيه شيءٌ إلا بالله. ﴿ وَاجْنُبْنِى وَبَنِىَّ أَن نعْبُدَ الأَصْنَامَ ﴾ : والصنم ما يعبد من دونه، قال تعالى :﴿ أَفَرَءَيْتَ مَن اتَّخَذَ إلهَهُ هَوَاهُ ﴾ [ الجاثية : ٢٣ ] فصنمُ كل أحدٍ ما يشغله عن الله تعالى من مالٍ ووَلَدٍ وجاهٍ وطاعة وعبادة.
ويقال إنه لمَّا بنى البيتَ استعان بالله أن يجرِّدَه من ملاحظة نفسه وفعله. ويقال إنه - صلى الله عليه وسلم- كان متردداً بين شهود فضل الله وشهود رفق فسه، فلما لقي من فضله وجوده قال من كمال بسطه :﴿ وَاغْفِرْ لأَبِى إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِينَ ﴾ [ الشعراء : ٨٦ ]. ولما نظر من حيث فقر نفسه قال :﴿ وَاجْنُبْنِى وَبَنِىَّ أَن نعْبُدَ الأَصْنَامَ ﴾.
ويقال شاهد غيره فقال :﴿ وَاجْنُبْنِى وَبَنِىَّ أَن نعْبُدَ الأَصْنَامَ ﴾، وشاهد فضله ورحمته ولطفه فقال :﴿ وَاغْفِرْ لأَبِى إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِينَ ﴾ [ الشعراء : ٨٦ ].
قوله جلّ ذكره :﴿ فَمَن تَبِعَنِى فإِنَّهُ مِنِىّ وَمَنْ عَصَانِى فَإِنَّكَ غَفُورٌ رًّحِيمٌ ﴾.
﴿ فَإِنَّهُ مِنِىّ ﴾ : أي موافق لي ومن أهل مِلَّتِي، ومن عصاني خالفني وعصاك.
قوله :﴿ فَإِنَّكَ غَفُورٌ رًّحِيمٌ ﴾ : طلبٌ للرحمة بالإشارة، أي فارحمهم.
وقال :﴿ وَمَنْ عَصَانِى ﴾. . . ولم يَقُلْ : مَنْ عصاك، وإنْ كان من عصاه فقد عصى الله، ولكن اللفظ إنما لطلب الرحمة فيما كان نصيب من ترك حقه، ولم ينتصر لنفسه بل قابلهم بالرحمة.
ويقال إن قولَ نبينا صلى الله عليه وسلم في هذا الباب أتمُّ في معنى العفو حيث قال :" اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون "، وإبراهيم - عليه السلام - عَرَّضَ وقال :﴿ فَإِنَّكَ غَفُورٌ رًّحِيمٌ ﴾.
ويقال لم يجزم السؤال لأنه بدعاء الأدب فقال :﴿ وَمَنْ عَصَانِى فَإِنَّكَ غَفُورٌ رًّحِيمٌ ﴾.
أخبر عن صدق توكله وصدق تفويضه بقوله :﴿ إني أسكنت ﴾ وإنما رأى الرِّفقَ بهم في الجوارِ لا في المَبَارِّ قال :﴿ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ ﴾ ثم قال :﴿ لِيُقِيمُوا الصَّلاَةَ ﴾ : أي أسكنتُم لإقامة حقِّكَ لِطَلَبِ حظوظهم.
ويقال اكتفى أن يكونوا في ظلال عنايته عن أن يكونوا في ظلال نعمته.
ثم قال :﴿ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوَى إِلَيْهِمْ ﴾ أي ليشتغلوا بعبادتك، وأقم قومي - ما بقوا- بكفايتك، ﴿ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ ﴾ : فإنَّ مَنْ قام بحقِّ الله أقام اللَّهُ بحقّه قَوْمَه، واستجاب اللَّهُ دعاءَه فيهم، وصارت القلوبُ من كل بَر وبحرٍ كالمجبولة على محبة تلك النسبة، وأولئك المتصلين، وسكان ذلك البيت.
ويقال قوله :﴿ بِوَادٍ غَيرِ ذِى زَرْعٍ ﴾ [ إبراهيم : ٣٧ ] : أي أسكنتهُم بهذا الوادي حتى لا تتعلق بالأغيار قلوبُهم، ولا تشتغل بشَيءٍ أفكارهم وأسرارُهم، فهم مطروحون ببَابِكَ، مصونون بحضرتك، مرتبطون بحُكْمِك ؛ إنْ رَاعيتَهُم كَفَيْتَهُم وكانوا أَعَزَّ خَلْقِ الله، وإنْ أقصيتَهم ونفيتهم كانوا أضعفَ وأذلَّ خَلْقِ الله.
استأثرتَ بعلم الغيب فلا يعْزُبُ عن علمك معلومٌ، وحالي لا تخفى عليك، فهي كما عرفتَ، أنت تعلم سِرِّي وعَلَني. . . ومَنْ عرف هذه الجملة استراح من طوارق الأغيار، واستروح قلبُه عن تَرَجُّمِ الأفكار، والتَّقَسمِ في كون الحوادث من الأغيار.
أسعده بمنحه الولد على الكبر، ويلتحق ذلك بوجهٍ من المعجزات ؛ فحمد عليه. ولمَّا كان هذا القول عقيب سؤاله ما قدَّم من ذكر نعمته - سبحانه - عليه، وإكرامه بأنواره، وهذا يكون بمعنى المَلقِ، ويكون استدعاءَ نعمةٍ بنعمة، فكأنه قال : كما أكرمتني بِهِبَة الوَلَدِ على الكِبَر ؛ فأَكْرِمْني بهذه الأشياء التي سألتُها.
ويقال الإشارة في هذا أنه قال : كما مَنَنْتَ عليَّ فوهبتني على الكِبَر هذه الأولاد فاجْنِبْنَا أن نعبد الأصنام لتكونَ النعمةُ كاملةً. وفي قوله :﴿ إِنَّ رَبِىّ لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ ﴾ [ إبراهيم : ٣٩ ]. . إشارة إلى هذه الجملة.
في قوله :﴿ ربِّ اجعلني مقيم الصلاة. . . ﴾ إشارة إلى أن أفعال العباد مخلوقة، فمعناه اجعل صلاتي، والجَعْلُ والخَلْقُ بمعنى، فإذا جعله مقيمَ الصلاة فمعناه أن يجعل له صلاةً.
وقوله :﴿ وَمِن ذُرِّيَّتِى ﴾ أي اجعل منهم قوماً يُصَلُون، لأنه أخبره في موضع آخر بقوله : لا ينال عهدي الظالمين [ البقرة : ١٢٤ ].
ثم قال :﴿ رَبَّنَا اغْفِرْ لي ولوالدي ﴾ وهذا قيل أن يعلم أنه لا يُؤْمِن.
ويقال إن إجابة الدعاءِ ابتداءُ فضلِ منه، ولا ينبغي للعبد أن يَتَّكِلَ على دُعاءِ أحد وإن كانْ عَلِيَّ الشأن، بل يجب أن يعلق العبد قلبه بالله ؛ فلا دعاءَ أتمُّ منْ دعاءِ إبراهيم عليه السلام، ولا عنايةَ أتمُّ من عنايته بشأن أبيه، ثم لم ينفعه ولا شفع الله له.
ويقال لا ينبغي للعبد أن يترك دعاءه أو يقطعَ رجاءَه في ألا يستجيبَ الله دعاءَه، فإن إبراهيمَ الخليلَ عليه السلام دعا لأبويه فلم يُسْتَجَبْ له، ثم إنه لم يترك الدعاء، وسأل حينما لم يُجَبْ فيه. فلا غضاضةَ على العبد ولا تناله مَذَلَّةٌ إِنْ لم يُجِبْهُ مولاه في شيء ؛ فإِنَّ الدعاءَ عبادةٌ لا بدَّ للعبد من فِعْلها، والإجابةُ من الحقِّ فضل، وله أن يفعل وله ألا يفعل.
هذا وعيدٌ للظالمين وتسلية للمظلومين ؛ فالمظلوم إذا تحقَّق بأنه - سبحانه - عالِمٌ بما يلاقيه من البلاء هانت على قلبه مقاساته، وحق عليه تحمله.
والظلم على وجوه ؛ ظلم على النَّفْس بوضع الزَّلَّةِ مكان الطاعة، وظلم على القلب بتمكين الخواطر الردية منه، وظلم على الروح بجعلها لمحبة المخلوقين.
ويقال من جملة الظالمين الشيطانُ، فالعبدُ المؤمِنُ مظلوم من جهته، والحقُّ- سبحانه- ينتصف له منه غداً، وذلك إنْ لم يَتَّبِعْهُ اليومَ، وَدَفَعَه عن نفسه بالمجاهدة وترك وساوسه.
قوله جلّ ذكره :﴿ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأبْصَارُ مُهْطِعِينَ مُقْنِعِى. . . ﴾.
وهذا للعوام من المؤمنين، علَّق قلوبهم بالانتقام منهم في المستأنف، وأمَّا الخواص فإذ علموا أنه - سبحانه - عالِمٌ بهم وبحالهم فإنهم يعفون ويكتفون بذلك، وأَمَّا خواص الخواص فإذ علموا أنهم عبيده فإنهم لا يرضون بالعفو عن ظُلْمِهم حتى يستغفرَ لهم، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - :" اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون "، وفي معناه أنشدوا :
وما رضوا بالعفو عن ذي زلة حتى أنالوا كفَّه وازدادوا
وأمَّا أصحاب التوحيد فإذا عَلِمُوا أنه المنشئُ، وألا مخترعَ سواه فليس بينهم وبين أحدٍ محاسبة، ولا مَعَ أحدٍ مُعَاتَبَة، ولا منه مطالبة، لأنهم يَعُدُّون إثباتَ الغيرِ في الظن والحسبان شِرْكاً.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٤٢:هذا وعيدٌ للظالمين وتسلية للمظلومين ؛ فالمظلوم إذا تحقَّق بأنه - سبحانه - عالِمٌ بما يلاقيه من البلاء هانت على قلبه مقاساته، وحق عليه تحمله.
والظلم على وجوه ؛ ظلم على النَّفْس بوضع الزَّلَّةِ مكان الطاعة، وظلم على القلب بتمكين الخواطر الردية منه، وظلم على الروح بجعلها لمحبة المخلوقين.
ويقال من جملة الظالمين الشيطانُ، فالعبدُ المؤمِنُ مظلوم من جهته، والحقُّ- سبحانه- ينتصف له منه غداً، وذلك إنْ لم يَتَّبِعْهُ اليومَ، وَدَفَعَه عن نفسه بالمجاهدة وترك وساوسه.
قوله جلّ ذكره :﴿ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأبْصَارُ مُهْطِعِينَ مُقْنِعِى... ﴾.
وهذا للعوام من المؤمنين، علَّق قلوبهم بالانتقام منهم في المستأنف، وأمَّا الخواص فإذ علموا أنه - سبحانه - عالِمٌ بهم وبحالهم فإنهم يعفون ويكتفون بذلك، وأَمَّا خواص الخواص فإذ علموا أنهم عبيده فإنهم لا يرضون بالعفو عن ظُلْمِهم حتى يستغفرَ لهم، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - :" اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون "، وفي معناه أنشدوا :
وما رضوا بالعفو عن ذي زلة حتى أنالوا كفَّه وازدادوا
وأمَّا أصحاب التوحيد فإذا عَلِمُوا أنه المنشئُ، وألا مخترعَ سواه فليس بينهم وبين أحدٍ محاسبة، ولا مَعَ أحدٍ مُعَاتَبَة، ولا منه مطالبة، لأنهم يَعُدُّون إثباتَ الغيرِ في الظن والحسبان شِرْكاً.

أفسدوا في أول أُمورهم، وقصَّروا في الواجب عليهم، ولم يكن للخَلَلِ في أحوالهم جبران، ولا لعذرهم قبول لتصحَّ الحجة عليهم، فافتضح المجرم منهم، وخاب الكافر، وحُقَّ الحكمُ عليهم.
أحللنا بهم العقوبة، وأشهدناكم ذلك مما اعتبرتم، وجريتم على منهاجهم، وفعلتم مثلَ فِعْلِهم، وبإمهالنا لكم اغتررتم. . . فانْتَظِرَوا منَّا ما عاملناكم به جزاءً لكم على ما أسلفتم.
ويقال إن معاشرةَ أهل الهوى والفسق ومجاورتَهم مُشَارَكةٌ لهم في فِعْلِهم، فيستقبلُ فاعلُ ذلك استقبالَهم، ومَنْ سَلَكَهُم ينخرط في التردِّي نحو وَهْدَةِ هلاكهِ مثْلَهم.
أي لا تحسبنَّه يخلف رسله وعده ؛ لأنه لا يخلف الوعد لصدقه في قوله، وله أن يعذبهم بما وعدهم لحقِّه في مُلْكِه، وهو ﴿ عَزِيزٌ ﴾ لا يصل إليه أحد، وإن كان ولياً. ﴿ ذُو انتِقَامٍ ﴾ لا يفوته أحد وإن كان (. . . ).
لا يختلف عَيْنُها وإنما تختلف صورتها، وكذلك إذا انكدرت النجوم، وانشقت السماء يقال ما بدّل عينها وإنما بدَّل الأزمانَ والمكانَ على الناس باختلافهم أحوالهم في السرور والمحن ؛ كَمَنْ صار من الرخاء إلى البلاء يقول : تغيَّر الزمانُ والوقتُ. . . وكذلك من صار من البلاء إلى الرخاء.
ويقال إن آدم لما قتل أحدُ ابنيه الآخرَ قال :
تغيرت البلادُ ومَنْ عليها فوجهُ الأرضِ مُعْبَرٌّ قبيحُ
وفي هذه القصة من كان صاحب بسطٍ فَرُدَّ إلى حال القبض، ومن كان صاحب أُنسٍ فصار صاحب حجاب - يصحُّ أن يقال بدل له الأرض، قال بعضهم :
ما الناس بالناس الذي عهدي بهم ولا البلاد بتلك التي كنت أعرفها
وكذلك العبد المريد إذا وقعت له وقفة أو فترة كانت الشمس له كاشفة، وكانت الأرض به راجفة، وكان النهار له ليلاً، وكان الليل له ويلا، وكما قيل :
فما كانت الدنيا بسهل ولا الضحا بِطَلْقٍ ولا ماءُ الحياة ببارد
الأصفاد الأغلال. الأصفاد تجمعهم، والسلاسل تقيدهم، والقطران سرابيلهم، والحميم شُرْبُهم، والنارُ محيطةٌ بهم. . وذلك جزاء مَنْ خَالَف إلهه.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٤٩:الأصفاد الأغلال. الأصفاد تجمعهم، والسلاسل تقيدهم، والقطران سرابيلهم، والحميم شُرْبُهم، والنارُ محيطةٌ بهم.. وذلك جزاء مَنْ خَالَف إلهه.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٤٩:الأصفاد الأغلال. الأصفاد تجمعهم، والسلاسل تقيدهم، والقطران سرابيلهم، والحميم شُرْبُهم، والنارُ محيطةٌ بهم.. وذلك جزاء مَنْ خَالَف إلهه.
الحجج ظاهرة، والأمارات لائحة، والدواعي واضحة، والمهلة متسعة، والرسول عليه السلام مُبَلِّغ، والتمكين من القيام بحق التكليف مساعد. ولكنَّ القسمةَ سابقةٌ، والتوفيقَ عن القيام ممنوعٌ، والربُّ - سبحانه - فعَّالٌ لما يريد، فَمَنْ اعتبر نجا، ومن غفل تردَّى. ولله الأمر من قبل ومن بعد، والله أعلم.
Icon