تفسير سورة الرّوم

فتح الرحمن بكشف ما يلتبس في القرآن
تفسير سورة سورة الروم من كتاب فتح الرحمن بكشف ما يلتبس في القرآن .
لمؤلفه زكريا الأنصاري . المتوفي سنة 926 هـ

قوله تعالى :﴿ أو لم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ﴾ [ الروم : ٩ ].
قاله هنا، وفي فاطر، وأول المؤمن بالواو، وفي آخرها بالفاء( ١ )، لأن ما هنا موافق لما قبله، وهو ﴿ أو لم يتفكروا ﴾ [ الروم : ٨ ] ولما بعده وهو ﴿ وأثاروا الأرض ﴾ [ الروم : ٩ ] وما في فاطر موافق أيضا لما قبله وهو ﴿ ولن تجد لسنة الله تحويلا ﴾ [ فاطر : ٤٣ ] ولما بعده وهو ﴿ وما كان الله ليعجزه ﴾ [ فاطر : ٤٤ ] وما في أول المؤمن موافق لما قبله، وهو ﴿ والذين يدعون من دونه لا يقضون بشيء ﴾ [ غافر : ٢٠ ] وما في آخرها موافق لما قبله وهو ﴿ فأيّ آيات الله تنكرون ﴾ [ غافر : ٨١ ] وما بعده وهو ﴿ فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون ﴾ [ غافر : ٨٢ ] فناسب فيه الفاء، وفي الثلاثة قبله الواو.
قوله تعالى :﴿ فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أشدّ منهم قوة وأثاروا الأرض وعمروها أكثر مما عمروها... ﴾ [ الروم : ٩ ].
قاله هنا بحذف " كانوا " قبل قوله :﴿ من قبلهم ﴾ وحذف الواو بعده، وقاله في فاطر( ٢ ) بحذف " كانوا " أيضا وبذكر الواو.
وفي أوائل غافر( ٣ ) بذكر " كانوا " دون الواو، وزيادة " هم "، وفي أواخرها بحذف الجميع( ٤ )، لأن ما في أوائلها، وقع فيه قصة نوح وهي مبسوطة فيه، فناسب فيه البسط، وحذف الجميع في أواخرها اختصارا، لدلالة ذلك عليه، وما هنا وفي فاطر موافقة لذكرها، قبل وبعد.
١ - في آخر سورة غافر ﴿أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم﴾ آية (٨٢)..
٢ - في فاطر ﴿أو لم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم وكانوا أشد منهم قوة﴾ آية (٤٤)..
٣ - في غافر ﴿أو لم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا هم أشد منهم قوة﴾ آية (٢١)..
٤ - في أواخر غافر ﴿أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أكثر منهم وأشد قوة وآثارا في الأرض﴾ غافر (٨٢)..
قوله تعالى :﴿ ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها... ﴾ الآية [ الروم : ٢١ ].
ختمها بقوله :﴿ لقوم يتفكرون ﴾ [ الروم : ٢١ ] لأن الفكر يؤدي إلى الوقوف على المعاني المطلوبة، من التّوانس، والتجانس بين الأشياء كالزوجين :
ثم قال ﴿ ومن آياته خلق السموات والأرض ﴾ الآية [ الروم : ٢٢ ] وختمها بقوله :﴿ لآيات للعالمين ﴾ [ الروم : ٢٢ ] لأن الكل يُظلّهم السماء، ويُقلّهم الأرض، وكلٌّ منهم متميز بلطيفة، يمتاز بها عن غيره، وهذا يشترك في معرفته جميع العالمين.
ثم قال تعالى :﴿ ومن آياته منامكم بالليل والنهار ﴾ [ الروم : ٢٣ ] وختمها بقوله :﴿ لآيات لقوم يسمعون ﴾ [ الروم : ٢٣ ] لأن من يسمع سماع تدبّر، أن النوم من صنع الله الحكيم –لا يقدر على اجتلابه إذا امتنع، ولا على رفعه إذا ورد- يعلم أن له صانعا مدبّرا حكيما.
ثم قال تعالى :﴿ ومن آياته يريكم البرق خوفا وطمعا ﴾ [ الروم : ٢٤ ] وختمها بقوله :﴿ لآيات لقوم يعقلون ﴾ [ الروم : ٢٤ ] لأن العقل ملاك الأمر، وهو المؤدي إلى العلم –فيما ذُكر- وغيره.
قوله تعالى :﴿ وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه... ﴾ [ الروم : ٢٧ ] الآية، الضمير فيه مع أنه راجع إلى الإعادة، المأخوذة من لفظ " يعيده " في قوله :﴿ وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده ﴾ نُظر إلى المعنى دون اللفظ، وهو رجعُه أو ردّه، كما نُظر إلى المعنى في قوله :﴿ لنحيي به بلدة ميّتا ﴾ [ الفرقان : ٤٩ ] أي مكانا ميتا.
قوله تعالى :﴿ أو لم يروا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء... ﴾ [ الروم : ٣٧ ] الآية.
قاله هنا : بلفظ ﴿ أو لم يروا ﴾ وفي الزمر بلفظ ﴿ أو لم يعلموا ﴾ [ الزمر : ٥٢ ] لأن بسط الرزق مما يُرى، فناسب ذكر الرؤية، وما في الزمر تقدّمه ﴿ أوتيته على علم ﴾ [ القصص : ٧٨ ] فناسب ذكر العلم.
قوله تعالى :﴿ ولتجري الفلك بأمره... ﴾ [ الروم : ٤٦ ].
قال ذلك هنا، وقال في الجاثية بزيادة " فيه "، لأن ما هنا لم يتقدّمه مرجع الضمير، وثَمَّ تقدم له مرجع وهو البحر، حيث قال :﴿ الله الذي سخّر لكم البحر ﴾ [ الجاثية : ١٢ ].
قوله تعالى :﴿ وإن كانوا من قبل أن يُنزَّل عليهم من قبله لمبلسين ﴾ [ الروم : ٤٩ ].
فائدة : ذكر ﴿ من قبله ﴾ بعد قوله :﴿ من قبل ﴾ التأكيد، وقيل : الضمير لإرسال الرياح أو للسحاب، فلا تكرار.
قوله تعالى :﴿ الله الذي خلقكم من ضعف... ﴾ [ الروم : ٥٤ ] الآية.
إن قلتَ : كيف قال ذلك، مع أن الضعف صفة، والمخاطبون لم يخلقوا من صفة، بل من عين، وهي الماء أو التراب ؟
قلتُ : المراد بالضعف " الضعيف "، من إطلاق المصدر على اسم الفاعل، كقولهم : رجل عدل أي عادل، فمعناه من ضعيف وهو النطفة( ١ ).
١ - معنى الآية: الله جل وعلا خلقكم من أصل ضعيف، وهو (النطفة) أي من ماء مهين، وجعلكم تتقلّبون في أدوار وأطوار، من نطفة، إلى علقة، إلى مضغة، ثم جنين، ثم رضيع، ثم جعل من بعد ضعف الطفولة، قوة الشباب والرجولة، ثم من بعد قوة الشباب، ضعف الهرم والشيخوخة، حتى يرجع كالطفل الصغير، ضعيف العقل، قليل الحركة، فكأن الضعف هو أصل تكوين الإنسان اﻫ التفسير الواضع الميسّر..
قوله تعالى :﴿ وقال الذين أوتوا العلم والإيمان لقد لبثتم في كتاب الله... ﴾ [ الروم : ٥٦ ]، أي لبثتم في قبوركم في علم كتاب الله، أو في خبره، أو في قضاء الله.
قوله تعالى :﴿ فيومئذ لا ينفع الذين ظلموا معذرتهم ولا هم يستعتبون ﴾ [ الروم : ٥٧ ]، أي لا يطلب منهم الإعتاب أي الرجوع إلى الله تعالى( ١ ).
إن قلتَ : كيف قال ذلك، مع قوله في فصلت :﴿ وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين ﴾ [ فصلت : ٢٤ ] حيث جعلهم مطلوبا منهم الاعتاب، وثَمَّ طالبين له ؟   !
قلتُ : معنى قوله :﴿ ولا هم يستعتبون ﴾ أي ولا هم يُقالون عثراتهم، بالرد| إلى الدنيا، ومعنى قوله :﴿ وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين ﴾ أي إن يستقيلوا فما هم من المقالين، فلا تنافي.
١ - الإعتاب: أن يسترضي خصمه ليصفح عنه، تقول: استعتبته فأعتبني أي استرضيته فأرضاني، واعتذرت إليه فقبل عذري، ومعنى الآية أنهم إذا أرادوا أن يرضوا ربهم، أو أرادوا المعذرة لا تُقبل منهم، لأن أوان التوبة والاعتذار، قد فات..
Icon