تفسير سورة النساء

لطائف الإشارات
تفسير سورة سورة النساء من كتاب لطائف الإشارات .
لمؤلفه القشيري . المتوفي سنة 465 هـ
السورة التي يذكر فيها النساء
بسم الله الرحمان الرحيم
اختلفوا في الاسم عن ماذا اشتق، فمنهم من قال إنه مشتق من السمو وهو العلو، ومنهم من قال إنه مشتق من السمة وهي الكية.
وكلاهما في الإشارة : فمن قال إنه مشتق من السمو فهو اسم من ذكره سمت رتبته، ومن عرفه سمت حالته، ومن صحبه سمت همته، فسمو الرتبة يوجب وفور المثوبات والمبار، وسمو الحالة يوجب ظهور الأنوار في الأسرار، وسمو الهمة يوجب التحرز عن رق الأغبار.
ومن قال أصله من السمة فهو اسم من قصده وسم بسمة العبادة، ومن صحبه وسم بسمة الإرادة، ومن أحبه وسم بسمة الخواص، ومن عرفه وسم بسمة الاختصاص. فسمة العبادة توجب هيبة النار أن ترمي صاحبها بشررها، وسمة الإرادة توجب حشمة الجنان أن تطمع في استرقاق صاحبها- مع شرف خطرها، وسمة الخواص توجب سقوط العجب من استحقاق القربة للماء والطينة على الجملة، وسمة الاختصاص توجب امتحان الحكم عند استيلاء سلطان الحقيقة.
ويقال اسم من واصله سما عنده( عن ) الأوهام قدره( سبحانه ). ومن فاصله وسم بكي الفرقة قلبه.
وعلى هذه الجملة يدل اسمه.

الناس اسم جنس، والاشتقاق فيه غير قوي. وقيل سمي الإنس إنساً لظهوره فعلى هذه الإشارة : يا مَنْ ظهرتم عن كتم العَدَم بحكم تكليفي، ثم خصصتُ مَنْ شئتُ منكم بتشريفي، وحرمتُ من شئت منكم هدايتي وتعريفي، ونقلتكم إلى ما شئتُ بل أوصلتكم إلى ما شئت بحكم تصريفي.
ويقال لم أُظْهِرٍ منَ العَدَمِ أمثالكم، ولم أُظْهِرْ على أحدٍ ما أظْهَرٍتُ عليكم من أحوالكم.
ويقال سمِّيتَ إنساناً لنسيانك، فإن نسيتني فلا شيء أَخَس منك، وإنْ نسيت ذكري فلا أحد أَحَط منك.
ويقال من نَسِيَ الحق فلا غاية لمحنته، ومن نسي الخَلْقَ فلا نهاية لعلوِّ حالته.
ويقال يقول للمُذْنِبين، يا مَنْ نسِيتَ عهدي، ورفضتَ ودي، وتجاوزت حدِّي حانَ لك أن ترجع إلى بابي، لتستحقَّ لطفي وإيجابي. ويقول للعارفين يا مَنْ نسيت فينا حظَّكَ، وصُتَ عن غيرنا لَحْظَكَ ولَفْظَك - لقد عظُم علينا حَقُّك، وَوَجَبَ لدينا نصرُك، وجلَّ عندنا قَدْرُك.
ويقال يا من أَنِستَ بنسيم قرْبي، واستروحتَ إلى شهود وجهي، واعتززت بجلال قَدْري - فأنت أجلُّ عبادي عندي.
قوله :﴿ اتَّقُوا رَبَّكُمْ ﴾ : التقوى جماع الطاعات، وأوله ترك الشِّرْكِ وآخره اتقاء كل غير، وأولُ الأغيار لك نفسُكَ، ومَنْ اتَّقَى نفسه وقف مع الله بلا مقام ولا شهود حال، و ( وقف ) لله. . لا لشهود حظِّ في الدنيا والعقبى.
قوله :﴿ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ﴾ : وهو آدم عليه السلام، وإذا كنا مخلوقين منه وهو مخلوق باليد فنحن أيضاً كذلك، لمَّا ظهرت مزية آدم عليه السلام به على جميع المخلوقين والمخلوقات فكذلك وصفُنا، قال تعالى :﴿ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ البَرِيَّةْ ﴾[ البيّنة : ٧ ].
ولفظ " النفس " للعموم والعموم يوجب الاستغراق.
قوله :﴿ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا ﴾ : حَكَمَ الحقُّ - سبحانه - بمساكنة الخلق مع الخلق لبقاء النسل، ولردِّ المِثْل إلى المِثْل فربَطَ الشكلَ بالشكلِ.
قوله :﴿ وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً ﴾ : تعرَّف إلى العقلاء على كمال القدرة بما ألاح من براهين الربوبية ودلالات الحكمة ؛ حيث خَلق جميع هذا الخلق من نسل شخصٍ واحدٍ، على اختلاف هيئتهم، وتفاوت صورهم، وتباين أخلاقهم، وإن اثنين منهم لا يتشابهان، فلكلٍ وجه في الصورة والخلق، والهمة والحالة، فسبحان من لا حدَّ لمقدوراته ولا غاية لمعلوماته.
ثم قال :﴿ واتَّقُوا اللهَ ﴾ تكرير الأمر بالتقوى يدلُّ على تأكيد حكمه.
وقوله :﴿ تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ ﴾ : أي اتقوا الأرحام أن تقطعوها، فَمَنْ قَطَعَ الرحمَ قُطِع، ومَنْ وَصَلَها وَصَل.
﴿ إنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ : مطلعاً شهيداً، يعدُ عليك أنفاسكَ، ويرى حواسَك، وهو مُتَوَّلٍ خطراتِك، ومنشئٌ حركاتِك وسكناتِك. ومَنْ عَلِمَ أنه رقيب عليه فبالحريِّ أن يستحيَ منه.
مَنْ أُقيم بمحلِّ الرعاية فجاء على رعيَّتِه فَخَصْمُه ربُّه ؛ فإنه - سبحانه - ينتقم لعباده ما لا ينتقم لنفسه. فَوَلِيُّ اليتيم إنْ أَنْصَفَ وأَحْسَنَ فحقُّه على الله، وإنْ أَساء وتعدَّى فَخَصْمُه اللهُ.
أباح الله للرجال الأحرار التزوج بأربع في حالة واحدة، وأوجب العدل بينهن، فيجب على العبد أن يراعي الواجبَ فإنْ عَلِمَ أنه يقوم بحق هذا الواجب آثر هذا المُباح، وإنْ عَلِم أنه يقصُر في الواجب فلا يتعرَّض لهذا المباح، فإنَّ الواجبَ مسؤولٌ عنه.
دلَّ هذا على أن طعامَ الفتيان والأسخياء مريء لأنهم لا يُطعِمون إلا عن طيب نَفْسٍ، وطعام البخلاء رديء لأنهم يرون أنفسهم، وإنما يُطعِمون عن تكلّف لا عن طيب نَفْس. قال صلى الله عليه وسلم :" طعامُ السخيِّ دواء وطعام البخيل داء ".
السَّفيه من يمنعك عن الحقِّ، و يشغلك عن الربِّ.
والسَّفيه من العيال والأولاد من تؤثر حظوظَهم على حقوق الله تعالى.
قوله :﴿ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِيَامًا ﴾ : حفظ التجمل في الحال أجدى عليكم من التعرض للتبذل والسؤال، والكدية والاحتيال. وإنما يكون البذل خيراً من الإمساك على تَحرُّرِ القلب والثقةِ بالصبر. فأمّا على نية الكدية وأن تجعل نفسك وعيالك كَلاًّ على الناس فَحِفْظُك ما جعله الله كفايةً لنفسك أَوْلَى، ثم الجود بفاضل كفايتك.
قوله :﴿ وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا ﴾ : إذا كان ذات يدك يتسع لكفاية يومهم ويَفْضُل فلا تدَّخره عمّا تدعو إليه حاجتهم معلومك خشيةَ فقرٍ في الغد، فإِنْ ضاقت يدُك عن الإنفاق فلا يَتَّسِعَنَّ لسانك بالقبيح من المقال.
ويقال إذا دَعَتْكَ نَفْسُك إلى الإنفاق في الباطل فأنت أسفه السفهاء فلا تُطِعْ نَفْسَكَ.
إيناس الرشد العفة والديانة، والسخاء والصيانة، وصحبة الشيوخ، والحرص على مشاهدة الخير، وأداء العبادات على قضية الأمر.
ويقال الرشيد من اهتدى إلى ربِّه، وعندما تسنح له ( حاجة ) من حوائجه لا يتَّكل على حَوْله وقُوَّتِه، وتدبيره واختياره.
حكم الميراث لا يختلف بالفضل والمنقبة، ولا يتفاوت بالعيب والنقص والذنب ؛ فلو مات رجلٌ وخلف ابنين تساويا في الاستحقاق وإنْ كان أحدهما براً تقياً والآخر فاجراً عَصِياً، فلا للتقي زيادة لتقواه، ولا للفاجر بخس لفجوره، والمعنى فيه أن الميراث ابتداء عطيّةٍ من قِبَل الله، فيتساوى فيه البر والفاجر. كذلك حكم الإيمان ابتداء عطيةً للمسلمين : قال الله تعالى :﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ﴾[ فاطر : ٢ ]، ثم قال :﴿ فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ. . . ﴾[ فاطر : ٣٢ ] الآية.
يريد إذا حضر قسمة الميراث ذوو السهمان والمستحقون، وحضَرَ من لا نصيب لهم في الميراث من المساكين فلا تحرموهم من ذلك. فإن كان المستحقُ مُوَّلًى عليه، فَعِدوهم وعداً جميلاً وقولوا :" إِذا بلغ الصبي قلنا له حتى يعطيك شيئاً " وهذا معنى قوله :﴿ وَقُولُوا لهم قَوْلاً مَّعْرُوفًا ﴾. وفي هذا إِشارة لطيفة للمذنبين إذا حضروا لعرصته غداً، والحق سبحانه يغفر للمطيعين ويعطيهم ثواب أعمالهم، فمن كان منكم من فقراء المسلمين لا يحرمهم الغفران إن شاء الله بعدما كانوا من أهل الإيمان، وكذلك يوم القسمة لم تكن حاضراً، ولا لَكَ استحقاق سابق فبفضله ما أهَّلَكَ لمعرفته مع علمه بما يحصل منك في مستأنف أحوالك من زلتك.
بَيَّن في هذه الآية أن الذي ينبغي للمسلم أن يدخره لعياله التقوى والصلاح لا المال ؛ لأنه لم يقل فليجمعوا المال وليكثروا لهم العقار وليخلفوا الأثاث بل قال :﴿ فَلْيَتَّقُوا اللهَ ﴾ فإنه يتولى الصالحين.
إنما تولَّى الحق سبحانه خصيمة اليتيم، لأنه لا أحدَ لليتيم غيرُه، وكلُّ من وَكلَ أمره إليه فَتَبَرَّأ من حوله وقوته فالحق سبحانه ينتقم له بما لا ينتقم لنفسه.
الوصية ها هنا بمعنى الأمر، فإنه سبحانه جعل الميراث بين الورثة مستحقاً بوجهين :
١- الفرض ٢- التعصيب، والتعصيب أقوى من الفرض لأن العَصَبَةَ قد تستغرق جميع المال أما أكثر الفروض فلا يزيد على الثلثين، ثم إن القسمة تبدأ بأصحاب الفروض وهم أضعف استحقاقاً، ثم العَصَبَة وهم أقوى استحقاقاً. قال صلى الله عليه وسلم :" ما أبْقَتْ الفرائض فَلأَوْلَى عَصَبَةٍ ذَكَر " كذلك أبداً سنته، كما في قوله تعالى :
﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ﴾[ فاطر : ٣٢ ] أعطاهم الكتاب بلفظ الميراث ثم قدَّم الظالم على السابق، وهو أضعف استحقاقاً إظهاراً للكرم مع الظالم لأنه مُنْكسِر القلب ولا يحتمل وقته طول المدافعة.
وقوله :﴿ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ ﴾. لو كان الأمر بالقياس لكانت الأنثى بالتفضيل أَوْلَى لضعفها، ولعجزها عن الحراك، ولكنَّ حُكْمَه - سبحانه - غيرُ معلَّل.
قوله جلّ ذكره :﴿ آباؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِّنَ اللهِ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴾.
الأبناء ينفعونكم بالخدمة، والآباء بالرحمة ؛ الآباء في حال ضعفِك في بداية عمرك، والأبناء في حال ضعفك في نهاية عمرك.
الإشارة في ثبوت الميراث للأقربين من الورثة بالنَّسب ؛ والسبب أنَّ الميت إذا مات تحمَّل القريبُ أحزانَه فعوَّض اللهُ الوارثَ على ما يقاسيه ويخامر قلبه من التوجُّع مالَ الموروث. . وكذا سُنَّتُه - سبحانه - التعويضُ على مقاساة الأذى - جوداً منه لا وجوباً عليه - كما توهَّم قوم. وكلُّ مَنْ كان أقربَ نسباً أو أقوى سبباً من الميت كان أكثر استحقاقاً لميراثه، وفي معناه أنشدوا :
وما بات مطوياً على أريحية (. . . . . . . ) عقب النوى موت الفتى ظل مغرما
حدوده : أوامره ونواهيه، وما تعبَّد به عباده.
وأصل العبودية حفظ الحدود، وصون العهود، ومَنْ حَفظَ حَدَّه لم يُصِبْهُ مكروه ولا آفة، وأصلُ كلِّ بلاء مجاوزة الحدود.
وإنما هما عقوبتان : معجلة ومؤجلة، ويقترن بهما جميعاً الذُّلُّ ؛ فلو اجتهد الخلائق على إذلال المعاصي بمثل الذل الذي يلحقهم بارتكاب المعصية لم يقدموا عليها : لذلك قال قائلهم : من بات مُلِماً بذنب أصبح وعليه مذلته، فقلت ومن أصبح مُبِرَّاً بِبِرٍ ظلَّ وعليه مهابته.
إنما اعتبر في ثبوت الفاحشة - التي هي الزنا - زيادة الشهود إسبالاً لِسَتْرِ الكَرِمِ على إجرام العِباد، فإنَّ إقامة الشهود - على الوجه الذي في الشرع لإثبات تلك الحالةَ - كالمُتَعَذِّرِ.
وفي قوله - صلى الله عليه وسلم - لمَا عِز لما قال له : يا رسول الله - صلوات الله عليك - إنِّي زنيتُ فَطَهِّرْني. فقال :" لعلِّك قَبَّلَتَ. . " ثم قال في بعض المرات :" استنكهوه ".
ففي هذا أقوى دليل لما ذكرت من إسباله الستر على الأعمال القبيحة.
الأمر بفنون العقوبات لهم على فعل ذلك أبلغ شيءٍ في الردع والمنع منه بالرفع، لعلّ العبد يحذر ذلك فلا يستحق التعذيب الأعظم.
لا استغفار مع الإصرار : فإن التوبة مع غير إقلاعِ سِمَةٌ الكذَّابين.
وقوله :﴿ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ﴾ : يعني عَمِلَ عَمَلَ الجُهّال.
وذنب كل أحدٍ يليق بحاله، فالخواص ذنوبهم حسبانهم أنهم بطاعاتهم يستوجبون محلاً وكرامة، وهذا وَهَنٌ في المكانة ؛ إذ لا وسيلة إليه إلا به.
قوله :﴿ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ ﴾ : على لسان أهل العلم : قبل الموت، وعلى لسان المعاملة : قبل أن تتعود النفس ذلك فيصير لها عادة، قال قائلهم :
قلتُ للنَّفْسِ إنْ أردتِ رجوعاً فارجعي قبل أَنْ يُسدَّ الطريقُ
يعني إذا كُشِف الغطاءُ وصارت المعارف ضرورية أُغْلِقَ بابُ التوبة ؛ فإن مِنْ شرط التكليف أن يكون الإيمان غيبياً. ثم إن في هذه الطريقة إذا عُرِفَ بالخيانة لا يشم بعده حقيقة الصدق. قال داود - عليه السلام - في آخر بكائه لما قال الله تعالى لِمَ تبكي يا داود، وقد غفرت لك وأرضيت خصمك وقبلت توبتك ؟
فقال : إلهي، الوقت الذي كان بي رُدَّه إليَّ.
فقال : هيهات يا داود، ذاك وُدٌّ قد مضى ! !
وفي معناه أنشدوا :
فَخَلِّ سبيلَ العين بعدك للبكا فليس لأيام الصفاءِ رجوعُ
التلبيسُ على المستضعفين، والتدليسُ على أهل السلامة والوداعة من المسلمين - غيرُ محموديْنَ عند الله. فمن تعاطَ ذلك انتقم الله منه، ولم يبارِك له فيما يختزل من أموال الناس بالباطل والاحتيال. ومن استصغر خصمه في الله فأهون ما يعاقبه الله به أنْ يَحْرِمَه الوصولَ إلى ما يأمل من محبوبه.
وقوله :﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالمَعْرُوفِ ﴾ : أي بتعاليم الدين والتأدب بأخلاق المسلمين وحُسْنِ الصحبة على كراهة النفس، وأن تحتمل أذاهن ولا تحملهن كلف خدمتك، وتتعامى عن مواضع خجلتهن.
قوله :﴿ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا. . . ﴾ كل ما كان على نفسك أشقَّ كانت عاقبته أهْنَأَ وأَمْرَأَ.
واعلم أن الحقَّ سبحانه لم يُطْلِعْ أحداً على غَيْبِه، فأكثر ما يعافه الإنسان قد تكون الخيرة فيه أتم. وقد حكم الله - سبحانه - بأن مخالفة النفس توصل صاحبها إلى أعلى المنازل، وبعكس ذلك موافقتها، كما أَن مخالفة القلوب توجب عمى البصيرة، وبعكس ذلك موافقتها.
يعلمهم حسنَ العهد ونعتَ الكرم في العِشْرة، فيقول لا تجمعْ الفرقةَ واستردادَ المال عليها، فإن ذلك تَرْكُ الكرم ؛ فإنْ خَوَّلْتَ واحدة مالاً كثيراً ثم جفوتها بالفراق فما آتيتها يَسيرٌ في جنب ما أَذَقْتَها من الفراق.
قوله :﴿ وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ. . . . ﴾ : يعني أن للصحبة السالفة حرمة أكيدة، فقفوا عند مراعاة الذمام، وأوفوا بموجب الميثاق.
تشير الآية إلى حفظ الذمام، والوقوف على حدّ الاحترام، فإن السَّجيَّةَ تتداخلها الأَنَفةُ من أن ينكح فِراشَه غيرُه، فنهى الأبناء عن تخطي حقوق الآباء في استفراش منكوحة الأب
تكلُّفُ انتزاع المعاني التي لأجلها حصل هذا التحريم محالٌ من الأمر ؛ لأن الشرعَ غيرُ مُعَلَّلٍ، بل الحق تعالى حرَّم ما شاء على من شاء، وكذلك الإباحة، ولا عِلَّةَ للشرائع بحال، ولو كانت المحرَّمَاتُ من هؤلاء محلَّلاتٍ [ محرمات ] لكان ذلك سائغاً.
إذا حافظت الحدود، وراعيت العهود، وحصل التراضي بين النساء بحكم الشرع فما لا يكون فيه للخلق خصيمة، ولا من الحق سبحانه من تبِعة، فذلك مباحٌ طلقٌ
الرخص جعلت للمستضعفين، فأما الأقوياء فأمرهم الجِدّ، والأخذ بالاحتياط والتضييق ؛ إذ لا شغل لهم سوى القيام بحق الحق، فإن كان أمر الظاهر يشغلهم عن مراعاة القلوب فالأخذ في الأمور الظاهرة بالسهولة والأخف أوْلى من الاستقصاء فيما يمنع من مراعاة السر، لأنه ترك بعض الأمور لما هو الأهم والأجَلُّ، فمن نزلت درجته عن الأخذ بالأوثق والأحوط فمباح له الانحدار إلى وصف الترخص.
ثم قال في آخر الآية :﴿ وَأَن تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ﴾ : يعني على مقاساة ما فيه الشدة، وفي هذا نوع استمالة للعبيد حيث لم يقل اصبروا بل قال :﴿ وَأَن تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ﴾.
﴿ يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾
لما عرَّف النبي - صلى الله عليه وسلم - وأمَّته أخبار مَنْ مضى من الأمم، وما عملوا، وما عاملهم به انتظروا ما الذي يفعل بهم ؛ فإن فيهم أيضاً من ارتكب ما لا يجوز، فقالوا : ليت شِعْرنا بأيِّ نوع يعاملنا. . . أبا لخسف أو بالمسخ أو بالعذاب أو بماذا ؟
فقال تعالى :﴿ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ ﴾ نعرِّفكم ما الذي عملنا بهم.
﴿ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ ﴾ أمَّا أنتم فأتوب عليكم، أمّا من تقدَّم فلقد دمّرتُ عليهم.
ويقال :﴿ يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ ﴾ : أي يكاشفكم بأسراره فيظهر لكم ما خفي على غيركم.
ويقال يريد الله ليبيِّن لكم انفرادَه - سبحانه - بالإيجاد والإبداع، وأنه ليس لأحد شيء.
﴿ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ ﴾ طريقة الأنبياء والأولياء وهو التفويض والرضاء، والاستسلام للحكم والقضاء.
وقيل :﴿ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ ﴾ أي يتقَبَّلُ توبتكم بعدما خلقَ توبتكم، ثم يُثيبُكُم على ما خلق لكم من توبتكم
عزل بهذا الحديث حديث الأولين والآخرين.
ومن أراد اللهُ توبتَه فلا يُشمِتُ به عدوَّا، ولا يناله في الدارين سوء.
﴿ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ ﴾ : إرادتهم منكوسة، وهي عند إرادة الحق - سبحانه - ضائعة مردودة.
﴿ يُرِيدُ اللهُ أَن يُخَفِّفَ عَنْكُمْ ﴾ : يعني ثقل الأوزار بمواترة الأوراد إلى قلوبكم، ويقال يريد الله أن يخفف عنكم مقاساة المجاهدات بما يلج لقلوبكم من أنوار المشاهدات.
ويقال يريد الله أن يخفف عنكم أتعاب الخدمة بحلاوة الطاعات.
ويقال يخفف عنكم كلف الأمانة بحملها عنكم.
ويقال يخفف عنكم أتعاب الطلب بروح الوصول.
﴿ وَخُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفًا ﴾ : وصف بهذا فقرهم وضُرّهم، و (. . . . ) بها عذرهم.
كل نفقة كانت لغير الله فهي أكل مالٍ بالباطل.
ويقال القبض إذا كان على غفلةٍ، والبذل إذا لم يكن بمشهد الحقيقة، فكل ذلك باطل، ﴿ وَلاَ تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ﴾ : يعني بارتكاب الذنوب، ويقال تعريضها لمساخطته سبحانه. ويقال بنظركم إليها وملاحظتكم إياها.
ويقال باستحسانكم شيئاً منها بإيثارها دون رضاء الحق.
ومن يفعل ذلك عدواناً وظلماً فإنَّا لا نُخليه من عقوبة شديدة، وهو أن نَكِلَها إلى صاحبها، ونلقي حبْلَها على غاربها.
الكبائر - على لسان العلم - ها هنا الشِّرْكُ بالله، وعلى بيان الإشارة أيضاً الشِّركُ الخَفِيّ. ومن جملة ذلك ملاحظة الخلق، واستحلاء قبولهم، والتودد إليهم، والإغماض على حق الله بسببهم.
ويقال إذا سلم العهد فما حصل من مجاوزة الحد فهو بعيد عن التكفير.
ويقال أكبر الكبائر إثباتك نَفْسَك فإذا شاهدت نَفْيَها تخلَّصْتَ من أسر المحن. ﴿ وَنُدْخِلْكُم ﴾ في أموركم ﴿ مُدْخَلاً كَرِيمًا ﴾ إدخالاً حسناً لا ترون منكم دخولكم ولا خروجكم وإنما ترون المُصَرِّفَ لكم.
لسان المعاملة أن الأمر بالتعني لا بالتمني، ولسان التوحيد أن الأمر بالحُكْم والقضاء لا بالإرادة والمنى. ويقال اسلكوا سبيل من تقدَّمكم في قيامكم بحق الله، ولا تتعرضوا لنَيْلِ ما خُصُّوا به من فضل الله. قوموا بحقِّ مولاكم ولا تقوموا بمتابعة هواكم واختيار مناكم.
ويقال لا تتمنوا مقام السادة دون أن تسلكوا سُبُلَهُم، وتلازموا سيرهم، وتعملوا عملهم. . فإن ذلك جَوْرٌ من الظن.
ويقال : كُن طالب حقوقه لا طالب نصيبك على أي وجه شئت : دنيا وآخرة ( وإلاَّ ) أشركت في توحيدك من حيث لم تشعر.
ويقال لا تتمنَّ مقامات الرجال فإنَّ لكل مقام أهلاً عند الله، وهم معدودون ؛ فما لم يمت واحد منهم لا يورثَ مكانه غيرُه، قال تعالى :﴿ جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ ﴾
[ الأنعام : ١٦٥، وفاطر : ٣٩ ] والخليفة من يخلف من تقدَّمه، فإذا تمنَّيْتَ مقام وليَّ من الأولياء فكأنَّكَ استعجلتَ وفاتَه ؛ على الجملة تمنيت أو على التفصيل، وذلك غير مُسَلَّم.
ويقال خمودُك تحت جريان حكمه - على ما سبق به اختياره - أحظَى لكَ من تعرضك لوجود مناك، إذ قد يكون حتفك في مُنيتك.
ويقال مَنْ لم يؤدّب ظاهرهُ بفنون المعاملات، ولم يهذِّب باطنه بوجوه المنازلات فلا ينبغي أن يتصدَّى لنيل المواصلات، وهيهات هيهات متى يكون ذلك !
﴿ وَسْئَلُوا اللهَ مِن فَضْلِهِ ﴾ : الفرق بين التمني وبين السؤال من فضله من وجوه : يكون التمني للشيء مع غفلتك عن ربك ؛ فتتمنى بقلبك وجود ذلك الشيء من غير توقعه من الله، فإذا سألت الله فلا محالة تذكره، والآخر أن السائل لا يرى استحقاق نفسه فيحْمِلُه صِدْقُ الإرادة على التملُّق والتضرع، والتمني يخلو عن هذه الجملة.
والآخر أن الله نهى عن تمني ما فضل الله به غيرك إذ معناه أن يسلب صاحبك ما أعطاه ويعطيك إياه، وأباح السؤال من فضله بأن يعطيك مثل ما أعطى صاحبك.
ويقال لا تتمنَّ العطاء وسَلْ الله أن يعطيك من فضله الرضا بِفَقْدِ العطاء وذلك أتمُّ من العطاء، فإنَّ التَّحرُّرَ من رقِّ الأشياء أتمُّ مِنْ تملُّكِها.
جعل المعاقدة في ابتداء الإسلام نظيرةَ النَّسَبِ في ثبوت الميراث بها فَنَسَخَ حكم الميراث وبقي حكم الاحترام، فإذا كانت المعاقدة بين الناس بهذه المثابة فما ظنُّك بالمعاهدة مع الله ؟ قال الله تعالى :﴿ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ ﴾[ الأحزاب : ٢٣ ]. وأنشدوا :
إنَّ الأُلى ماتوا على دين الهوى وجدوا المنيَّةَ منهلاً معسولا
خصَّ الرجال بالقوة فزيد بالحمل عليهم ؛ فالحمل على حسب القوة. والعبرة بالقلوب والهمم لا بالنفوس والجثث.
قوله :﴿ وَاللاَّتِى تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعَظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي المَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ﴾ : أي ارتقوا في تهذيبهن بالتدريج والرفق، وإنْ صَلُحَ الأمر بالوعظ فلا تستعمل العصا بالضرب، فالآية تتضمن آداب العِشْرة.
ثم قال :﴿ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً ﴾ : يعني إن وَقَفَتْ في الحال عن سوء العشرة (. . . . . ) ورجعت إلى الطاعة فلا تَنْتَقِمْ منها عمَّا سَلَفَ، ولا تتمنع من قبول عذرها والتأبِّي عليها.
يقال :﴿ فَلاَ تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً ﴾ بمجاوزتك عن مقدار ما تستوجب من نقمتك.
يقال لك عليها الطاعة بالبدن، فأمَّا المحبة والميل إليك بالقلب فذلك إلى الله، فلا تكلِّفها ما لا يرزقك الله منها ؛ فإن القلوب بقدرة الله، يُحبِّبُ إليها من يشاء، ويُبَغِّضُ إليها من يشاء.
ويقال :﴿ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً ﴾ أي لا تَنسَ وفاءها في الماضي بنادر جفاءٍ يبدو في الحال فربما يعود الأمر إلى الجميل.
قوله :﴿ وَاعْبُدُوا اللهَ ﴾ : العبودية معانقة الأمر ومفارقة الزجر.
﴿ وَلاَ تُشْرِكُوا ﴾ الشِّركُ جَلِيُّه اعتقادُ معبودٍ سواه، وخفِيُّه : ملاحظةُ موجود سواه، والتوحيد أن تعرف أنَّ الحادثاتِ كلَّها حاصلةٌ بالله، قائمةٌ به ؛ فهو مجريها ومنشيها ومبقيها، وليس لأحد ذوة ولا شظية ولا سينة ولا شمة من الإيجاد والإبداع.
ودقائق الرياء وخفايا المصانعات وكوامن الإعجاب والعمل على رؤية الخلْق، واستحلاء مدحهم والذبول تحت ردّهم وذمِّهم - كلُّ ذلك من الشِّرْكِ الخَفِّي.
قوله :﴿ وَبِالوَالِدَيْنِ ﴾ الإحسان إلى الوالدين على وجه التدريج إلى صحبة فإنك أُمِرْتَ أولاً بحقوقهما لأنهما من جِنْسِك ومنها تربيتك، ومنهما تصل إلى استحقاق زيادتك وتتحقق بمعرفتك. وإذا صَلُحْتَ للصحبة والعِشْرة مع ذوي القربى والفقراء والمساكين واليتامى ومن في طبقتهم - رُقِّيتَ عن ذلك إلى استيجاب صحبته - سبحانه.
قوله :﴿ وَالجَارِ ذِي القُرْبَى وَالجَارِ الجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ ﴾. . . الآية من جيرانك (. . . . ) فلا تؤذوهما بعصيانك، وراعِ حقهما بما تُولِي عليهما من إحسانك.
فإذا كان جار دارك مستوجباً للإحسان إليه ومراعاة حقه فجارُ نفسِك - وهو قلبك - أوْلى بألا تضيِّعه ولا تَغْفَل عنه، ولا تُمكِّنَ حلول الخواطر الرديئة به.
وإذا كان جار نفسك هذا حكمه فجار قلبك - وهو روحك - أوْلى أن تحامي على حقِّها، ولا تُمكِّن لما يخالفها من مساكنتها ومجاورتها. وجار روحك - وهو سِرُّك - أوْلى أن ترعى حقّه، فلا تمكنه من الغيبة عن أوطان الشهود على دوام الساعات.
قوله :﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ ﴾[ الحديد : ٤ ] الإشارة منه غير ملتبسة على قلوب ذوي التحقيق.
ويقال بخل الأغنياء بمنع النعمة، وبخْلُ الفقراء بمنع الهمة.
أدخل هؤلاء أيضاً تحت قوله :﴿ إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا ﴾ فعقوبتهم في العاجل أنهم ليسوا من جملة مُحِبِّيه، وكفى بذلك محنة.
والمختال الذي ينظر إلى نفسه والمرائي الذي ينظر إلى أبناء جنسه، وكلاهما مُسَوَّمَان بالشرك الخفيِّ والله لا يحب المشركين. والفخور من الإبل كالمصراة من الغنم وهو الذي سُدَّت أخلافه ليجتمع فيها الدر، فيتوهم المشتري أن جميع ذلك معتاد لها وليس كذلك، فكذلك الذي يرى من نفسه حالاً ورتبة وهو في ذلك مدعٍ وهو الفخور، والله لا يحبه، وكذلك المرائي الذي ينفق ماله رئاء الناس.
قوله :﴿ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ ﴾. . . الآية البخل على لسان العلم منع الواجب، وعلى بيان الإشارة ترك الإيثار في زمان الاضطرار. وأمرُ الناسِ بالبخل معناه مَنْعُهم عن مطالبات الحقائق في معرِض الشفقة عليهم بموجب الشرع، وبيان هذا أن يقع بلسانك الانسلاخ عن العلائق وحذف فضولات الحالة فَمَن نصحه بأن يقول :" ربما لا تَقْوَى على هذا، ولأن تكون مع معلومك الحلال أولى بأن تصير مكدياً، وربما تخرج إلى سؤال الناس وأن تكون كَلاًّ على المسلمين - ويَرْوِي له في هذا الباب الأخبار والآثار أمثال هذا. . . " فلولا بُخْلُه المستكن في قلبه لأعانه بهمته فيما يسنح لقلبه بَدَلَ أن يمنع عنه ما ( يجب أن ) يقول في معرض النصح. ومن كانت هذه صفته أدركه عاجل المقت حيث أطفأ شرر إرادة ذلك المُسْتَضْعَفِ بما هو عند نفسه أنه نصيحة وشفقة في الشرع.
وقوله :﴿ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ ﴾ : إن كان الله أغناهم عن طلب الفضيلة بما خوَّلهم وآتاهم كتموا ذلك طمعاً في الزيادة على غير وجه الإذن.
ويقال يكتمون ما آتاهم الله من فضله إذا سألهم مريدٌ شيئاً عندهم فيه نجاته، وضنوا عليه بإرشاده.
ويقال بخل الأغنياء بمنع النعمة، وبخْلُ الفقراء بمنع الهمة.
أدخل هؤلاء أيضاً تحت قوله :﴿ إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا ﴾ فعقوبتهم في العاجل أنهم ليسوا من جملة مُحِبِّيه، وكفى بذلك محنة.
والمختال الذي ينظر إلى نفسه والمرائي الذي ينظر إلى أبناء جنسه، وكلاهما مُسَوَّمَان بالشرك الخفيِّ والله لا يحب المشركين. والفخور من الإبل كالمصراة من الغنم وهو الذي سُدَّت أخلافه ليجتمع فيها الدر، فيتوهم المشتري أن جميع ذلك معتاد لها وليس كذلك، فكذلك الذي يرى من نفسه حالاً ورتبة وهو في ذلك مدعٍ وهو الفخور، والله لا يحبه، وكذلك المرائي الذي ينفق ماله رئاء الناس.
ويقال بخل الأغنياء بمنع النعمة، وبخْلُ الفقراء بمنع الهمة.
أدخل هؤلاء أيضاً تحت قوله :﴿ إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا ﴾ فعقوبتهم في العاجل أنهم ليسوا من جملة مُحِبِّيه، وكفى بذلك محنة.
والمختال الذي ينظر إلى نفسه والمرائي الذي ينظر إلى أبناء جنسه، وكلاهما مُسَوَّمَان بالشرك الخفيِّ والله لا يحب المشركين. والفخور من الإبل كالمصراة من الغنم وهو الذي سُدَّت أخلافه ليجتمع فيها الدر، فيتوهم المشتري أن جميع ذلك معتاد لها وليس كذلك، فكذلك الذي يرى من نفسه حالاً ورتبة وهو في ذلك مدعٍ وهو الفخور، والله لا يحبه، وكذلك المرائي الذي ينفق ماله رئاء الناس.
ليس في إيمانهم بالله عليهم مشقة، بل لو آمنوا لوصلوا إلى عِزِّ الدنيا والآخرة، ولا يحملهم على الإعراض عنه إلا قلة الوفاء والحرمة
لا ينقص من ثوابهم شيئاً بل يبتدئهم - من غير استحقاقهم - بفضله، ويضاعف أجورَهم على أعمالهم ؛ فأمَّا الظلم فمحالٌ تقديره في وصفه لأن الخلقَ خلْقُه، والمُلْكَ ملكه. والظالم من يعتدي حداً رُسِمَ له - وهو في وصفه مُحال لِعزِّه في جلال قدره.
إذا كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - الشهيد على أمته، وهو الشفيع لهم، فإنما يشهد بما يُبْقي للشفاعة موضِعَها.
قوله تعالى :﴿ يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾. . . الآية : يحصلون على ندم ثم لا ينفعهم، ويعضون على أناملهم ثم لا يسكن عنهم جزعهم، فيتقنعون بِخِمار الذُّل، وينقلبون إلى أوطان المحن والضر
النُّهيُ عن موجب السكر من الشراب لا من الصلاة، أي لا تصادفنكم الصلاة وأنتم بصفة السُّكْر، أي امتنعوا عن شُرْبِ ما يُسْكِر فإنكم إن شربتم سكرتم، ثم إذا صادفكم الصلاة على تلك الحالة لا تُقْبَل منكم صلاتكم.
والسُّكْر ذهاب العقل والاستشعار، ولا تَصحُّ معه المناجاة مع الحق.
المُصَلِّي يناجي ربَّه ؛ فكلُّ ما أوجب للقلب الذهول عن الله فهو ملحق بهذا من حيث الإشارة ؛ ولأجل هذه الجملة حَصَلَ، والسُكْرُ على أقسام :
فسُكْرٌ من الخمر وسُكْرٌ من الغفلة لاستيلاء حب الدنيا.
وأصعب السكر سكرك من نفسك فهو الذي يلقيك في الفرقة عنه، فإنَّ مَنْ سَكِرَ من الخمر فقصاراه الحرقة - إن لم يُغْفَر له. ومن سكر من نفسه فحاله الفرقة - في الوقت - عن الحقيقة.
فأمَّا السُكْر الذي يشير إليه القوم فصاحبه محفوظٌ عليه وقته حتى يصلي والأمر مخفف عليه :( فإذا خرج عن الصلاة هجم عليه غالبُه فاختطفه عنه ومن لم يكن محفوظاً ) عليه أحكام الشرع ( فمشوبُ بحظ ).
وقوله تعالى :﴿ وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِى سَبِيلٍ ﴾. . . الآية : أذن للمضطر أن يترخَّص في عبور المسجد وهو على وصف الجنابة، فإذا عرج زائداً على قدر الضرورة فمُعَاتَبٌ غيرُ معذور، وكذلك فيما يحصل من محاذير الوقت في القيام بشرائط الوقت فمرفوعةٌ عن صاحبه المطالبة به.
ثم إنه - سبحانه - بفضله جعل التيمم بدلاً من الطهارة بالماء عند عَوَزِ الماء كذلك النزولُ إلى ساحات الفَرْقِ عن ارتقاء ذرة الجمع - بِقَدْر ما يحصل من الضعف - بَدَلٌ لأهل الحقائق.
ثم إن التيمم - الذي هو بَدَلُ الماء - أعمُّ وجوداً من الماء، وأقلُّ استعمالاً من الأصل، فإن كل من كان أقرب كانت المطالبات عليه أصعب.
ثم في الظاهر أمَرْنا باستعمال التراب وفي الباطن باستشعار الخضوع واستدامة الذبول.
وردَّ التيمم إلى التقليل، وراعى فيه صيانةً لرأسِك عن التُّراب ولقَدَمِك ؛ فإنَّ العزَّ بالمؤمن - ومولاه باستحقاق الجلال - أوْلى من الذل لِمَا هو مفلس فيه من الحال، ولئن كان إفلاسه عن أعماله يوجب له التذلُّل فعرفانُه بجلال سيِّده يوجب كل تَعَزُّزٍ وتَجَمُّل.
ومكروا مكراً ولم يشعروا وجهة مكرهم أن أُعْطُوا الكتابَ ثم حُرِمُوا بركاتِ الفهم حتى حرَّفوا وأصَرُّوا.
قوله :﴿ مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا ﴾. . . الآية : تركوا حشمة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ورفضوا حرمته، فعوقبوا بالشك في أمره، ولذلك لم يترك أحد حشمته ( محتشم ) إلا حيل بينه وبين نيل بركات صحبته وزوائد خدمته. ولو أنهم عاجلوا في نفي ما دَاخَلَهم من الحسد وقابلوا حاله بالتبجيل والإعظام لوجدوا بركات متابعته، فأُسْعِدوا به في الدارين، وكيف لم يكونوا كذلك وقد أقصتهم السوابق فأقعدتهم القسمة عن بساط الخدمة ؟ وإنَّ مَنْ قعدت به الأقدار لم ينهض به الاحتيال.
صرف القلوب عن الإرادة إلى أحوال أهل العادة حتى كانت دواعيه يتوفر في رفض الدنيا فعاد لا يصبر عن جمعِها ومنعِها.
العوام طولبوا بترك الشِرْكِ الجليّ، والخواص طولبوا بترك الشرك الخفيّ، فمن توسَّل إليه بعمله ويظنه منه، أو توهَّم أن أحكامه - سبحانه - معلولة بحركاته وسكناته، أو راعى خَلْقاً أو لاحظ نَفْساً فوطنه الشرك عند أهل الحقائق.
والله لا يغفر أن يُشْرَكَ به وكذلك من توهَّم أن مخالفته حصلت من غير تقديره فهو ملتحق بهم
مَن ركن إلى تزكية الناس له، واستحلى قبول الخواص له - فضلاً عن العوام - فهو من زكَّى نَفْسه، ورؤية النَّفْس أعظم حجاب، ومن توهَّم أنه بِتَكَلُّفِه يزكِّي نفسه : بأوراده أو اجتهاده، بحركاته أو سكناته - فهو في غطاء جهله.
قوله :﴿ انظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ ﴾. . . الآية. الإشارة إلى من أطلق لسان الدعوى من غير تحقيق، والمُفْتَرِي - في قالته في هذا الأمر - ينطق بشيءٍ إلا أجبَّتْه الآذان وانزجرت له القلوب، فإذا سكت عاد إلى قلب خراب.
طاغوتُ كلِّ أحدٍ نَفسُه وهواه وجِبْتُه وهو (. . . . ) مقصوده من الأغيار، فمن لاحظ شخصاً أو طالع سبباً أو عرَّجَ على عِلَّةٍ أو أطاع هوىً، فذلك جبته وطاغوته. وأصحاب الجبت والطاغوت يستوجبون اللعن ؛ وهو الطرد عن بساط العبودية، والحجاب عن شهود الربوبية.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٥١:طاغوتُ كلِّ أحدٍ نَفسُه وهواه وجِبْتُه وهو (.... ) مقصوده من الأغيار، فمن لاحظ شخصاً أو طالع سبباً أو عرَّجَ على عِلَّةٍ أو أطاع هوىً، فذلك جبته وطاغوته. وأصحاب الجبت والطاغوت يستوجبون اللعن ؛ وهو الطرد عن بساط العبودية، والحجاب عن شهود الربوبية.
من جبل على الشح لا يزداد بسعة يده إلا تأسفا على راحة ينالها الخلق، كأن من شرب قطرة ماء قد تحسى بل رشف من ماء حياته !
قوله :﴿ أم يحسدون الناس ﴾ : بل ينكرون تخصيص الحق سبحانه لأوليائه بما يشاء حسدا من عند أنفسهم فلا يقابلونهم بالإجلال، وسنة الله سبحانه مع أوليائه مضت بالتعزيز والتوقير لهم. ودأب الكافرين جرى بالارتياب في القدرة، فمنهم من آمن بهم، ومنهم من رد ذلك وجحد، وكفى بعقوبة الله منتقما عنهم.
قوله :﴿ وآتيناهم ملكا عظيما ﴾ : الملك العظيم معرفة الملك، ويقال هو الملك على النفس.
ويقال الإشراف على أسرار المملكة حتى لا يخفى عليه شيء.
ويقال الاطلاع على أسرار الخلق.
الإشارة منه إلى الجاحدين لآيات الأولياء، يُقيمهم بوصف الصغار ويبقيهم في وحشة الإنكار ؛ كلَّما لاح لقلوبهم شيء من هذه القصة جرَّهم إنكارُهم إلى ترك الإيمان بها والإزراء بأهلها على وجه الاستبعاد، فهم مؤبدة عقوبتهم.
هم اليوم في ظل الرعاية، وغداً في ظل الحماية والكفاية، بل هم في الدنيا والعقبى في ظل العناية.
والناس في هذه الدنيا متفاوتون : فمنهم من هو في ظل رحمته، ومنهم من هو في ظل رعايته، ومنهم من هو في ظل كرامته، ومنهم من هو في ظل عنايته، ومنهم من هو في ظل قربته.
ردُّ الأمانات إلى أهلها تسليم أموال الخلق لهم بعد إشرافك عليها بحيث لا تفسد عليهم.
ويقال لله - سبحانه وتعالى - أماناتٌ وَضَعَها عِنْدَك ؛ فردُّ الأمانة إلى أهلها تسليمها إلى الله - سبحانه - سالمةً مِنْ خيانتِكَ فيها ؛ فالخيانة في أمانة القلب ادعاؤك فيها، والخيانة في أمانة السِّرِّ ملاحظتك إياها.
والحُكْمُ بين الناس بالعدل تسويةُ القريب والبعيد في العطاء والبذل، وألا تحملك مخامرةُ حقدٍ على انتقام لنفسٍ.
قَرَنَ طاعته بطاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - تفخيماً لشأنه ورفعاً لِقَدْرِه.
وأمَّا أولو الأمر - فعلى لسان العلم - السلطان، وعلى بيان المعرفة العارفُ ذو الأمر على المستأنف، والشيخُ أولو الأمر على المريد، وإمامُ كل طائفة ذو الأمر عليهم.
ويقال الولي أولى بالمريد ( من المريد ) للمريد.
قوله :﴿ فَإِن تَنَازَعْتُمْ في شَيء فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ ﴾ على لسان العلم - إلى الكتاب والسُّنَّة، وعلى بيان التوحيد فوَّض ذلك وَوَكلَ علمَهُ إلى الله سبحانه، وإذا اختلف الخاطران في قلب المؤمن فإن كان له اجتهاد العلماء تأمل ما يسنح لخاطره بإشارة فهمه، ومن كان صاحب قلب وكَلَ ذلك إلى الحق - سبحانه - وراعى ما خوطب به في سرائره، وأُلْقِيَ - بلا واسطة - في قلبه
أظهروا الإخلاص، ونافقوا في السِّر، ففضحهم - سبحانه - على لسان جبريل عليه السلام بقوله :﴿ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِهِ ﴾ أي يرفضوه. فمن حاد عن طريقه ورجع إلى غير أستاذه استوجب الحرمان والذم.
كل شيء سوى كلمة الحق فهو خفيف على المنافقين، فأمّا التوحيد فلا يسمع كلمته إلا مخلص، وأهل الفترة في الله وأصحاب النفرة لا يسمعون ما هو الحق ؛ لأن خلافَ الهوى يَشُقُّ على غير الصديقين. وكما أن ناظِرَ الخلق لا يقوى على مقابلة الشمس فكذلك المنافقون لم يطيقوا الثبات له - صلى الله عليه وسلم - فلذلك كان صدودهم.
تَضَرُّعُ غير المخلص عند هجوم الضُّر لا أصل له، فلا ينبغي أن يكون به اعتبار لأن بقاءه إلى زوال المحنة، والمصيبة العظمى ترك المبالاة ( بما يحصل من التقصير ).
ويقال من المصيبة أن يمحقك وقتك فيما لا يجدي عليك.
أُبْسُطْ لهم لسانَ الوعظِ بمقتضى الشفقة عليهم، ولكن انْقَبِضْ بقلبك عن المبالاة بهم والسكون إليهم، واعلم أن من لا نكون نحن له لا يغني عنه أن تعينه شيئاً.
ما أَمَرْنَا الرسلَ إلاَّ بدعوة الخلْقِ إلينا.
وقوله :﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ ﴾. لو جعلوك ذريعتهم لوصلوا إلينا، ويقال لو لازموا التذلل والافتقار وركبوا مطية الاستغفار لأناخوا بعقوة المبار.
سدَّ الطريق - إلى نفسه - على الكافة إلا بعد الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم، فمَنْ لم يمشِ تحت رايتِه فليس له من الله نفس.
ثم جعل من شرط الإيمان زوال المعارضات بالكلية بقلبك.
قوله :﴿ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا ﴾ : فلا بُدَّ لك من (. . . ) تلك المهالك بوجه ضاحك، كما قال بعضهم :
وحبيبٍ إنْ لم يكن منصفاً كنتُ منصفا *** أتحسّى له الأمَرَّ وأسقيه ما صفا
إن يقل لي انشقَّ *** اخترتُ رضاً لا تَكَلَّفَا
أخبر عن سُقم إخلاصهم وقوة إفلاسهم، ثم أخبر الله بعلمه بتقصيرهم.
خلاهم عن كثير من الامتحانات ثم قال ولو أنهم جنحوا إلى الخدمة، وشدُّوا نطاق الطاعة لكان ذلك خيراً لهم من إصرارهم على كفرهم واستكبارهم. ولو أنهم فعلوا ذلك لآتيناهم من عندنا ثواباً عظيماً، ولأرشدناهم صراطاً مستقيماً ولأوليناهم عطاء مقيماً.
والأمر - على بيان الإشارة - يرجع إلى مخالفة الهوى وذبح النفوس بمنعها عن المألوفات، والخروج من ديار ( تَقَبُّل النَّفْس }، ومفارقة أوطان ( إرادة ) الدنيا.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٦٦:أخبر عن سُقم إخلاصهم وقوة إفلاسهم، ثم أخبر الله بعلمه بتقصيرهم.
خلاهم عن كثير من الامتحانات ثم قال ولو أنهم جنحوا إلى الخدمة، وشدُّوا نطاق الطاعة لكان ذلك خيراً لهم من إصرارهم على كفرهم واستكبارهم. ولو أنهم فعلوا ذلك لآتيناهم من عندنا ثواباً عظيماً، ولأرشدناهم صراطاً مستقيماً ولأوليناهم عطاء مقيماً.
والأمر - على بيان الإشارة - يرجع إلى مخالفة الهوى وذبح النفوس بمنعها عن المألوفات، والخروج من ديار ( تَقَبُّل النَّفْس }، ومفارقة أوطان ( إرادة ) الدنيا.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٦٦:أخبر عن سُقم إخلاصهم وقوة إفلاسهم، ثم أخبر الله بعلمه بتقصيرهم.
خلاهم عن كثير من الامتحانات ثم قال ولو أنهم جنحوا إلى الخدمة، وشدُّوا نطاق الطاعة لكان ذلك خيراً لهم من إصرارهم على كفرهم واستكبارهم. ولو أنهم فعلوا ذلك لآتيناهم من عندنا ثواباً عظيماً، ولأرشدناهم صراطاً مستقيماً ولأوليناهم عطاء مقيماً.
والأمر - على بيان الإشارة - يرجع إلى مخالفة الهوى وذبح النفوس بمنعها عن المألوفات، والخروج من ديار ( تَقَبُّل النَّفْس }، ومفارقة أوطان ( إرادة ) الدنيا.

جعل طاعة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - مفتاحَ الوصول إلى مقامات النبيين والصديقين والشهداء على الوجه الذي يصحُّ للأُمة وكفى له عليه السلام بذلك شرفاً.
ثم قال :﴿ ذَلِكَ الفَضْلُ مِنَ اللَّهِ ﴾ : جرَّد عليهم محلّهم عن كل علة واستحقاق وسبب ؛ فإن ما لاح لهم وأصابهم صرفُ فضله وابتداء كرمه.
الفرار إلى الله من صفات القاصدين، والفرار مع الله من صفات الواصلين ؛ فلا يجد القرار مع الله إلا من صدق في الفرار إلى الله. والفرارُ من كل غَيْرٍ شأنُ كل مُوَحِّد.
قوله تعالى :﴿ وَإِنَّ مِنكُمْ لَمَن لَّيُبَطِئَنَّ ﴾ الآية : أي لم تستقر عقائدهم على وصفٍ واحد، فكانوا مرتبطين بالحظوظ ؛ فإذا رأوا مكروهاً يظِلُّ المسلمين شكروا وقالوا : الحمد لله الذي حفظنا من متابعتهم فكان يصيبنا ما أصابهم، وإن كانت لكم نعمة وخير سكنوا إليكم، وتمنوا أن لو كانوا معكم، خسروا في الدنيا والآخرة : فَهُمْ لا كافرٌ قبيحٌ ولا مؤمنٌ مخلصٌ.
قوله :﴿ كََأَن لَّمْ تَكُن بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ ﴾ : يعني طرحوا حشمة الحياة فلم يراعوا حرمتكم.
مَن لم يَقْتُلْ نَفْسَه في نَفْسِه لا يصحُّ جهادُه بنفسِه ؛ فأولا ( إخراج خطر الروح ) من القلب ثم تسليم النفس للقتل.
وقوله :﴿ فَسَوْفَ نُؤْتِيهَ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ يعني بقاؤنا بعده خيرٌ له من حياته بنفسه لنفسه، قال قائلهم :
ألست لي عِوَضاً مني ؟ كفى شَرَفاً فما وراءك لي قصدٌ ومطلوب
أي شيء يمنعكم عن القتال في سبيل الله ؟ وما الذي لا يُرَغِّبُكُم في بذل المهجة لله ؟ وماذا عليكم لو بذلتم أرواحكم في الله ولله ؟ أتخافون أن تخسِرُوا على الله ؟ أم لا تعلمون أنكم تُحشَرُونَ إلى الله ؟ فلم لا تكتفون ببقائه بعد فنائكم في الله ؟
المخلصَون لله لا يؤثِرُون شيئاً على الله، ولا يضنون بشيء عن الله، فهم أبداً على نفوسهم لأجل الله، والذين كفروا على العكس من أحوال المؤمنين. ثم قوَّاهم وشجعهم بقوله :﴿ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ ﴾ أي لا تُضْمِرُوا لهم مخافة، فإني متوليكم وكافيكم على أعدائكم.
أخْرِجُوا أيديَكُمْ عن أمورِكم، وكِلُوها إلى معبودكم.
ويقال اقصروها عن أخذ الحرام والتصرف فيه.
ويقال امْتَنِعُوا عن الشهوات.
ويقال :﴿ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ ﴾ إلا عن رَفْعِها إلى الله في السؤال بوصف الابتهال.
فلمَّا كتب عليهم القتال استثقلوا أمره، واستعجلوا لطفه. والعبودية في تَرْكِ الاستثقال، ونفي الاستعجال، والتباعد عن التبرم والاستثقال.
قوله جلّ ذكره :﴿ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ والآخرة خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاُ ﴾.
مَكَّنَكَ من الدنيا ثم قال :﴿ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ ﴾ فلم يَعُدَّها شيئاً لك ثم لو تَصَدَّقْتَ منها بِشقِّ تمرةٍ لتَخَلَّصْتَ من النار، وحظيت بالجنة، وهذا غاية الكرم.
واستقلالُ الكثير من نفسك - لأجل حبيبك - أقوى أمارات صُحْبتك.
ويقال لما زَهَّدَهم في الدنيا قلَّلَها في أعينهم ليهون ( عليها ) تركها.
ويقال قل متاعُ الدنيا بجملتها قليلٌ، والذي هو نصيبك منها أقلُّ من القليل، فمتى يناقشك لأجلها ( بالتخليل )، ولو سَلِم عهدك من التبديل ؟
وإذا كانت قيمة الدنيا قليلة فأخَسُّ من الخسيس مَنْ رَضِيَ بالخسيس بدلاً عن النفيس.
وقد اخْتَلَعَ المؤمن من الكون بالتدريج. فقال أولاً :﴿ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ ﴾ ( فأحفظهم ) عن الدنيا بالعقبى، ثم سلبهم عن الكونين بقوله :
﴿ وَاللهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴾[ طه : ٧٣ ]
الموت فرح للمؤمن، فالخبرُ عن قرْبه بِشارةٌ له، لأنه سببٌ يوصله إلى الحق، ومن أحبَّ لقاء الله أحبَّ اللهُ لقاءه.
ويقال إذا كان الموت لا بد منه فالاستسلام لحكمه طوعاً خيرٌ من أن يحمل كرهاً.
ثم أخبر أنهم - لضَعْفِ بصائرهم ومرض عقائدهم - إذا أصابتهم حَسَنَةٌ فَرِحُوا بها، وأظهروا الشكر، وإن أصابتهم سيئة لم يهتدوا إلى الله فجرى فيهم العرْقُ المجوسي فأضافوه إلى المخلوق، فَرَدَّ عليهم وقال : قل لهم يا محمد كلُّ من عند الله خلقاً وإبداعاً، وإنشاء واختراعاً، وتقديراً وتيسيراً.
ما أصابك من حسنة فمن الله فضلاً، وما أصابك من سيئة فمن نفسك كسباً وكلاهما من الله سبحانه خَلْقاً.
هذه الآية تشير إلى الجَمْع لحال الرسول - صلى الله عليه وسلم، فقال سبحانه طاعته طاعتنا، فمن تقرَّبَ منه تقرَّبَ منا، ومقبولُه مقبولُنا، ومردودُه مردودنا.
يعني إذا حضروك استسلموا في مشاهدتك، فإذا خرجوا انقطع عنهم نور إقبالك، فعادوا إلى ظلمات، كما قالوا :
إذا ارعوى عاد إلى جهله كذي الضنى عاد إلى نكسه
تدبرُ إشارة المعاني بغوص الأفكار، واستخراجُ جواهر المعاني بدقائق الاستنباط.
قوله :﴿ وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ ﴾ : لمَّا كانوا غافلين عن الحق لم يكن لهم من ينقل إليه أسرارهم فأظهروا السرَّ بعضُهم لبعض. فأمَّا المؤمنون فعالِمُ أسرارهم مولاهم، وما يسنح لهم خَاطَبُوه فيه فلم يحتاجوا إلى إذاعة السِّر لمخلوق ؛ فسامِعُ نجواهم الله، وعالِم خطابهم الله.
قوله تعالى :﴿ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِى الأَمْرِ مِنْهُمْ ﴾ أي لو بَثوا أسرارهم عند من هو (. . . . ) ومَنْ هو من أهل القصد لأزالوا عنهم الإشكال، وأمدوهم بنور الهداية والإرشاد.
﴿ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللهِ ﴾ مع أوليائه لهاموا في كل وادٍ من التفرقة كأشكالهم في الوقت
اسْتَقِمْ معنا بتسليم الكُلِّ مِنْكَ إلى أمرنا ؛ فإنَّك - كما لا يقارنُكَ أحَدٌ في رتبتك لعلوِّك على الكل - فنحن لا نكلِّف غيرك بمثل ما تكلفت، ولا نُحَمِّل غيرك ما تحملت لانفرادك عن أشكالك في القدوة.
الشفيع يخلِّص للمشفوع له حاله. ويستوجب الشفيعُ - من الله سبحانه على شفاعته - عظيمَ الرتبة، ومَنْ سعى في أمرنا بالفساد تحمَّل الوِزْرَ واحتقب الإثم.
تعليم لهم حُسْنَ العِشْرة وآداب الصحبة. وإن من حمَّلَكَ فَضلاً صار ذلك - في ذمتك - له قرضاً، فإمَّا زِدْتَ على فِعله وإلاَّ فلا تنقص عن مثله.
هذا الخطاب يتضمن نفياً وإثباتاً ؛ فالنفي يعود إلى الأغيار ويستحيل لغيره ما نفاه، والإثبات له بالإلهية ويستحيل له النفي فيما أثبته.
(. . . . . ) العهد فيهم أنهم أعدائي، لا ينالون مِنِّي في الدنيا والعقبى رضائي، وإنكم لا تُنْقِذون بهممكم من أقمته بقسمتي فإن المدار على القُسَم دون (. . . . ).
الإشارة إلى أرباب التخليط والأحوال السقيمة يتمنون أن يكون الصديقون منهم، وهيهات أن يكون لمناهم تحقيق ! وما دام المخالفون لكم غير موافقين فبائنوهم وخالفوهم ولا تطابقوهم بحال، ولا تعاشروهم، ولا تتخذوا منهم ولياً ولا نصيراً ؛ وموافِقٌ لك في قصدِك خيرٌ لك من مخالفٍ على الكره تعاشره.
قوله :﴿ إِلاَّ الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ ﴾ الإشارة من هذه الآية أن عند الأعذار أذِن في معاشرة في الظاهر رفقاً بالمستضعفين.
﴿ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ ﴾ الإشارة منه أنه إذا عاشركم من ليس من أهل القصة معرجين في أوطان نصيبهم فلا تدعوهم إلى طريقتكم وسلِّموا لهم أحوالهم. فإن أمكنكم أن تلاحظوهم بعين الرحمة بحيث تؤثر فيهم همتكم وإلا فسلِّموا لهم أحوالهم.
إن من رام الجمع بين الضدين خاب سعيُه، ولم يرتفع عزمُه، فكما لا يكون شخص واحد منافقاً ومسلماً، لا يكون شخص واحد مريداً للحق ومقيماً على أحكام أهل العادة. فإن الإرادة والعادة ضدان، والواجب مباينة الأضداد، ومجانبة الأجانب.
خفَّف أمْرَ الخطأ على فاعله حتى حَمَّل موجب قتل الخطأ على العاقلة ؛ فالخواص عاقلة المستضعفين من الأمة، وأهل المعرفة عاقلة المريدين، والشيوخ عاقلة الفقراء ؛ فسبيلُهم أن يحْمِلوا أثقال المستضعفين فيما ينوبهم.
كما يُحرَّم قتلُ غيرك يحرَّمُ قتلُ نفسك عليك، ومن اتَّبعَ هواه سعى في دَمِ نفسه، ومن لم ينصح مريداً بحسنِ وعظِه ولم يُعِنْه بهمته فقد سعى في دمِه، وهو مأخوذ بحاله وخليق بأن تكون له عقوبة الأذية بألا يتمتع بما ضنّ به على المريدين من أحواله : ولقد قال - سبحانه - : يا داود إذا رأيت لي طالباً فكن له ( خادماً ).
عَاشِرُوا الناسَ على ما يُظْهِرُون من أحوالهم، ولا تَتَفَرَّسوا فيهم بالبطلان ؛ فإنَّ مُتَوَلِّيَ الأسرار الله. هذا إذا كان غرضٌ فاسدٌ يحملكم عليه من أحكام النَفْس، فأمَّا من كان نظرُه بالله ولم يَنْسَتِرْ عليه شيءٌ فَلْيَحْفَظْ سِرَّ الله فيما كوشِفَ به، ولا يظهر لصاحبه ما أراد الله فيه
الحقُّ سبحانه جمع جميع أوليائه في أفضاله لكنه غَايَرَ بينهم في الدرجات، فَمِنْ غنيٍّ ومن عبدٍ هو أغنى منه، ومِنْ كبيرٍ ومن هو أكبر منه، هذه الكواكب دُرِّية ولكن القمرَ فوقها، وإذا طلعت الشمسُ بهرت الجميع بنورها !
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٩٥:الحقُّ سبحانه جمع جميع أوليائه في أفضاله لكنه غَايَرَ بينهم في الدرجات، فَمِنْ غنيٍّ ومن عبدٍ هو أغنى منه، ومِنْ كبيرٍ ومن هو أكبر منه، هذه الكواكب دُرِّية ولكن القمرَ فوقها، وإذا طلعت الشمسُ بهرت الجميع بنورها !
الإشارة منه إلى من أدركه الأجلُ وهو في أسْر نَفْسه وفي رِقِّ شهواته - ليس له عذر حيث لم يهاجر إلى ظِلِّ قُربته ليتخلَّصَ مِنْ هوى نفسِه إذ لا حجابَ بينك وبين هذا الحديث إلا هواك
الإشارة منه إلى الذين مَلَكَتْهُم المعاني فأفنتهم عنهم، فَبَقُوا مُصَرَّفِين له، لا لهم حَوْلٌ ولا قوة، يبدو عليهم ما يُجْرِيه - سبحانه - عليهم، فهم بعد عود نفوسهم بحق الحقّ محوٌ عنهم، فلا يهتدون إلى غيره سبيلاً، ولا يتنفَّسون لغيره نَفَساً.
ويقال على موجب ظاهر الآية إن الذين أقعدتهم الأعذار عن الاختيار فعسى أن يتفضَّل الحقُّ - سبحانه - عليهم بالعفو.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٩٨:الإشارة منه إلى الذين مَلَكَتْهُم المعاني فأفنتهم عنهم، فَبَقُوا مُصَرَّفِين له، لا لهم حَوْلٌ ولا قوة، يبدو عليهم ما يُجْرِيه - سبحانه - عليهم، فهم بعد عود نفوسهم بحق الحقّ محوٌ عنهم، فلا يهتدون إلى غيره سبيلاً، ولا يتنفَّسون لغيره نَفَساً.
ويقال على موجب ظاهر الآية إن الذين أقعدتهم الأعذار عن الاختيار فعسى أن يتفضَّل الحقُّ - سبحانه - عليهم بالعفو.

مَنْ هَاجَرَ في الله عما سوى الله، وصحح قَصَده إلى الله وَجَدَ فسحة في عقوة الكَرَم، ومقيلاً في ذرى القبول، وحياة وَسَعةً في كنف القرب.
والمهاجر - في الحقيقة - من هجر نَفْسَه وهواه، ولا يصحُّ ذلك إلا بانسلاخه عن جميع مراداته، ومَنْ قَصَدَه ثم أدركه الأجلُ قبل وصوله فلا ينزل إلا بساحات وصله، ولا يكون محطُّ روحه إلا أوطان قربه.
القَصْرُ في الصلاة سُنَّةٌ في السفر، وكان في ابتداء الشرع عند الخوف، فأقرَّ ذلك مع زوال الخوف رفقاً بالعباد، فلما دخل الفرضَ القَصرُ لأجل السفر عوضوا بإباحة النَّفل في السفر على الراحلة أينما توجهت به دابته من غير استقبال، فكذلك الماشي ؛ ليُعْلَم أنَّ الإذنَ في المناجاة مستديمٌ في كل وقت ؛ فإن أردْتَ الدخول فمتى شئت، وإن أردت التباعد مترخصاً فلك ما شئت، وهذا غاية الكرم، وحفظ سُنَّة الوفاء، وتحقق معنى الولاء.
تدل هذه الآية على أن الصلاة لا ترتفع عن العبد ما دام فيه نَفَسٌ من الاختيار لا في الخوف ولا في الأمن، ولا عند غلبات أحكام الشرع إذا كنت بوصف التفرقة، ولا عند استيلاء سلطان الحققة إذا كنتَ بعين الجمع.
الوظائف الظاهرة مُوَقته وحضور القلب بالذكر مسرمد غير منقطع ؛ أمَّا بالرسوم فوقتاً دون وقت، وأمَّا بالقلوب فإياكم والغيبة عن الحقيقة لحظة كيفما اختلفت بكم الأحوال. . الذكرُ كيفما كنتم وكما كنتم، وأما الصلاةُ فإذا اطمأننتم.
قوموا بالله وليكن استنادكم في جهادكم إلى الله.
﴿ إِن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ ﴾ : القومُ شاركوكم في إحساس الألم، ولكن خالفوكم في شهود القلب، وأنتم تشهدون ما لا يشهدون، وتجدون لقلوبكم ما لا يجدون، فلا ينبغي أن تستأخروا عنهم في الجد والجهد.
لم يأمرُك بالحكم بينهم على عمًى ولكن بما أراك الله أي كاشفك به من أنوار البصيرة حتى وقفت عليه بتعريفنا إياك وتسديدنا لك، وكذلك من يحكم بالحق من أمتك.
قوله :﴿ وَلاَ تَكُن لِّلْخَائِنِينَ خَصِيمًا ﴾ : أي لا تناضِل عن أرباب الحظوظ ولكن مع أبناء الحقوق، ومن جنح إلى الهوى خان فيما أودع نفسه من التقوى، ومَنْ رَكَنَ إلى أنواع نوازع المنى خان فيما طولب به من الحياء لاطلاع المولى.
﴿ وَاسْتَغْفِرِ اللهَ ﴾ لأمتك ؛ فإنا قد كفيناك حديثك بقولنا : ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك.
هم المؤثرون حظوظهم على حقوقه، والراضون بالتعريج في أوطان هواهم دون النقلة إلى منازل الرضا، إن الله لا يحب أهل الخيانة فيذلهم - لا جَرَم - ولا يكرمهم.
قوله :﴿ يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ ﴾ الغالب على قلوبهم رؤية الخلق ولا يشعرون أنَّ الحق مُطَّلِعٌ على قلوبهم أولئك الذين وَسَمَ الله قلوبهم بوسم الفرقة.
أي ندفع عنهم - بحرمتك - لأنك فيهم، فكيف حالهم يوم القيامة إذ زالت عنهم بركاتكم أيها المؤمنون ؟
" ثم " : حرفٌ يدل على التراخي ؛ أي يزجون عمرهم في البطالات والمخالفات ثم في آخر أعمارهم يستغفرون الله.
وقوله :﴿ يَجِدِ اللهَ ﴾ : الوجود غاية الحديث، والعاصي لا يطلب غير الغفران، ولكن الله - سبحانه يوصله إلى النهاية بفضله - إذا شاء، فسُنَّتُه تحقيق ما فوق المأمول لمن رجاه.
الحَقُّ غنيٌّ عن طاعة المطيعين، وزلة العاصين، فمن أطاع فحظُّه حَصَّلَ، ومن عصى فحظه أخذ.
من نسب إلى بريء ما هو صفته من المخازي عكس الله عليه الحال، وألبس ذلك البريء ثواب محاسن راميه، وسحب ذيل العفو على مساويه، وقَلَبَ الحال على المتعدِّي بما يفضحه بين أشكاله، في عامة أحواله.
الفضلُ إحسانٌ غيرُ مستحق، والإشارة ههنا - من الفضل - إلى عصمته إياه، فالحقُّ - سبحانه - عَصَمَه تخصيصاً له بتلك العصمة، وكما عصمه عن تَرْكِ حقه - سبحانه - عصمته بأن كفَّ عنه كيد خلقه فقال :﴿ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ ﴾ الآية.
كلاَّ، لن يكونَ لأحدٍ سبيلُ إلى إضلالك فأنت في قبضة العزة، وما يُضِلُّونَ إلا أنفسهم، وما يضرونك بشيء، إذ المحفوظ منا محروس عن كل غير، وإنَّ الله سبحانه قد اختصك بإنزال الكتاب، واستخلصك بوجوه الاختصاص والإيجاب، وعلَّمك ما لم تكن تعلم، ولم يمن عليك بشيءٍ بمثل ما مَنَّ به على من خصَّه به من العلم. ويحتمل أنه أراد به علمه - صلى الله عليه وسلم - بالله وبجلاله، وعلمه بعبودية نَفْسه، ومقدار حاله في استحقاق عِزِّه وجماله.
ويقال علَّمك ما لم تكن تعلم من آداب الخدمة إذ لم تكن ملتبساً عليك معرفة الحقيقة.
ويقال أغناك عن تعليم الأغيار حتى لا يكون لأحدٍ نور إلا مُقْتَبَساً مِنْ نورِك، ومَنْ لم يمشِ تحت رايتك لا يصل غلى جميع برِّنا، ولا يحظى بقربنا وَوصْلنا.
﴿ وَكَان فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا ﴾ : في الآباد ؛ أنَّكَ كنت - لنا بشرف العز وكرم الربوبية في الآزال - معلوماً. ويقال وعلَّمك ما لم تكن تعلم من عُلُوِّ رُتْبَتِكَ على الكافة.
ويقال :﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ ﴾ أنَّ أحَداً لا يُقَدِّرُ قَدْرَنا إلا بمقدار مُوافَقَتِه لأمْرِنا.
أفضل الأعمال ما كانت بركاته تتعدى صاحبَه إلى غيره ؛ ففضيلة الصَدَقَة يتعدى نفعها إلى من تصل إليه، والفُتُوةُ أن يكون سعيك لغيرك، ففي الخبر :" شَرُّ الناسِ مَنْ أكَلَ وَحْدَه " وكلُّ أصناف الإحسان ينطبق عليها لفظ الصدقة.
قال صلى الله عليه وسلم في قَصْرِ الصلاة في السفر :" هذه صدقة تصدَّقها الله عليكم فاقبلوا صَدَقَته ".
والصدقة على أقسام : صدقتك على نفسك، وصدقتك على غيرك ؛ فأمَّا صدقتك ( على نفسك فَحْملُها على أداء حقوقه تعالى، ومَنْعُها عن مخالفة أمره، وقصرُ يدها عن أذية الخَلْق وصَوْنُ خواطرها وعقائدها عن السوء. وأمَّا صدقتك ) على الغير فَصَدقةٌ بالمال وصدقة بالقلب وصدقة بالبدن.
فصدقة بالمال بإنفاق النعمة، وصدقة بالبدن بالقيام بالخدمة، وصدقة بالقلب بحسن النية وتوكيد الهمة.
والصدقة على الفقراء ظاهرة لا إشكالَ فيها، أمَّا الصدقة على الأغنياء فتكون بأن تجود عليهم بهم، فتقطع رجاءك عنهم فلا تطمع فيهم.
وأمّا المعروف : فكلُّ حَسَنٍ في الشرع فهو معروف، ومن ذلك إنجاد المسلمين وإسعادهم فيما لهم فيه قربة إلى الله، وزلفى عنده، وإعلاء النواصي بالطاعة.
ومن تصدَّق بنفسه على طاعة ربه، وتصدَّقَ بقلبه على الرضا بحكمه، ولم يخرج بالانتقام لنفسه، وحثَّ الناس على ما فيه نجاتهم بالهداية إلى ربه، وأصلح بين الناس بِصِدْقه في حاله - فإنَّ لسان فعله أبلغ في الوعظ من لسان نطقه، فهو الصِّدِيق في وقته. ومن لم يؤدِّبْ نَفْسَه لم يتأدبْ به غيرُه، وكذلك من لم يهذِّب حالَه لم يتهذَّبْ به غيره.
﴿ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللهِ ﴾ غيرَ سائلٍ به مالاً أو حائزٍ لنفسه به حالاً فعن قريب يبلغ رتبة الإمامة في طريق الله، وهذا هو الأجر الموعود في هذه الآية.
﴿ وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَآءَتْ مَصِيراً ﴾
خواطر الحق سفراؤه تعالى إلى العبد، فمن خَالَفَ إشارات ما طولب به مِنْ طريق الباطن استوجب عقوبات القلوب، ومنها أنْ يَعْمَى عن إبصار رشده. وكما أن مخالفَ الإجماع عن الدين خارجٌ فمخالِفُ ما عرف من الحقيقة بعد ما تبين له الطريق.
قوله :﴿ إنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ ﴾ : إثبات الغير في توهم ذرة من الإبداع عين الشِرْك، فلا للعفو فيه مساغ. وما دون الشرك فللعفو فيه مساغ، ومن توسَّل إليه سبحانه بما توهَّم من نفسه فقد أشرك من حيث لم يعلم. كلاّ، بل هو الله الواحد.
قوله :﴿ إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثًا ﴾ : أوقعوا على الجماداتِ تسمياتٍ، وانخرطوا في سلك التوهم، وركنوا إلى مغاليط الحسبان، فَضَلُّوا عن الحقيقة.
﴿ وَإِنْ يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَانًا مَّرِيدًا لَّعَنَهُ اللهُ ﴾، أي ما يدعون إلا إبليس الذي أبعده الحقُّ عن رحمته، وأسحقه بِبُعده، وما إبليس إلا مُقَلَّبٌ في القبضة على ما يريده المنشئ، ولو كان به ذرة من الإثبات لكان به شريكاً في الإلهية. كلاَّ، إنما يُجرِي الحقُّ - سبحانه - على الخلْقِ أحوالاً، ويخلق عقيب وساوسه للخلق ضلالاً، فهو الهادي والمُضِل، وهو - سبحانه - المُصَرِّفُ للكل، فيخلق (. . . . ) في قلوبهم عُقَيْبَ وساوسه إليهم طول الآمال، ويُحَسِّن في أعينهم قبيح الأعمال، ثم لا يجعل لأمانيِّهم تحقيقاً، ولا يعقب لما أمَّلُوه تصديقاً، فهو تعالى مُوجِد تلك الآثار جملةً، ويضيفها إلى الشيطان مرةً، وإلى الكافر مرة، وهذا معنى قوله :﴿ وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ ﴾. . . الآية ومعنى قوله تعالى :﴿ يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ ﴾.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١١٧:قوله :﴿ إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثًا ﴾ : أوقعوا على الجماداتِ تسمياتٍ، وانخرطوا في سلك التوهم، وركنوا إلى مغاليط الحسبان، فَضَلُّوا عن الحقيقة.
﴿ وَإِنْ يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَانًا مَّرِيدًا لَّعَنَهُ اللهُ ﴾، أي ما يدعون إلا إبليس الذي أبعده الحقُّ عن رحمته، وأسحقه بِبُعده، وما إبليس إلا مُقَلَّبٌ في القبضة على ما يريده المنشئ، ولو كان به ذرة من الإثبات لكان به شريكاً في الإلهية. كلاَّ، إنما يُجرِي الحقُّ - سبحانه - على الخلْقِ أحوالاً، ويخلق عقيب وساوسه للخلق ضلالاً، فهو الهادي والمُضِل، وهو - سبحانه - المُصَرِّفُ للكل، فيخلق (.... ) في قلوبهم عُقَيْبَ وساوسه إليهم طول الآمال، ويُحَسِّن في أعينهم قبيح الأعمال، ثم لا يجعل لأمانيِّهم تحقيقاً، ولا يعقب لما أمَّلُوه تصديقاً، فهو تعالى مُوجِد تلك الآثار جملةً، ويضيفها إلى الشيطان مرةً، وإلى الكافر مرة، وهذا معنى قوله :﴿ وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ ﴾... الآية ومعنى قوله تعالى :﴿ يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ ﴾.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١١٧:قوله :﴿ إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثًا ﴾ : أوقعوا على الجماداتِ تسمياتٍ، وانخرطوا في سلك التوهم، وركنوا إلى مغاليط الحسبان، فَضَلُّوا عن الحقيقة.
﴿ وَإِنْ يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَانًا مَّرِيدًا لَّعَنَهُ اللهُ ﴾، أي ما يدعون إلا إبليس الذي أبعده الحقُّ عن رحمته، وأسحقه بِبُعده، وما إبليس إلا مُقَلَّبٌ في القبضة على ما يريده المنشئ، ولو كان به ذرة من الإثبات لكان به شريكاً في الإلهية. كلاَّ، إنما يُجرِي الحقُّ - سبحانه - على الخلْقِ أحوالاً، ويخلق عقيب وساوسه للخلق ضلالاً، فهو الهادي والمُضِل، وهو - سبحانه - المُصَرِّفُ للكل، فيخلق (.... ) في قلوبهم عُقَيْبَ وساوسه إليهم طول الآمال، ويُحَسِّن في أعينهم قبيح الأعمال، ثم لا يجعل لأمانيِّهم تحقيقاً، ولا يعقب لما أمَّلُوه تصديقاً، فهو تعالى مُوجِد تلك الآثار جملةً، ويضيفها إلى الشيطان مرةً، وإلى الكافر مرة، وهذا معنى قوله :﴿ وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ ﴾... الآية ومعنى قوله تعالى :﴿ يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ ﴾.

الذين قسم لهم الضلالة في الحال حكم عليهم بالعقوبة في المآل، ولولا أنه أظهر ما أظهر بقدرته وإلا متى كانت شظية من الضلالة والهداية لأربابها ؟ ! والوقوفُ على صدق التوحيد عزيزٌ، وأربابُ التوحيد قليلٌ
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٢٠:الذين قسم لهم الضلالة في الحال حكم عليهم بالعقوبة في المآل، ولولا أنه أظهر ما أظهر بقدرته وإلا متى كانت شظية من الضلالة والهداية لأربابها ؟ ! والوقوفُ على صدق التوحيد عزيزٌ، وأربابُ التوحيد قليلٌ
الذين أسعدناهم حكماً وقَوْلاً، أنجدناهم حين أوجدناهم كرماً وطَوْلاً، ثم إنَّا نُحقِّق لهم الموعودَ من الثواب، بما نُكْرِمُهم به من حسن المآب.
مَنْ زَرَعَ الحنظل لم يجتْنِ الورد والعبهر، ومن شرب السُّمَّ الزَّعاف لم يجد طعم العسل، كذلك مَنْ ضيَّعَ حقَّ الخدمة لم يستمكِنْ على بساط القربة، وَمَنْ وُسِمَ بالشِّقوة لم يُرْزَقْ الصفوة، ومَنْ نَفَتْه القضية فلا ناصرَ له من البَريَّة.
قوله :﴿ وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ ﴾ الآية. مَنْ تَعَنَّي في خدمتنا لم يبق عن نَيْلِ نعمتنا، بل من أغنيناه في طلبنا أكرمناه بوجودنا، بل من جرَّعْنَاه كأسَ اشتياقنا أنلناه أُنْسَ لقائنا.
لا أحدَ أحسنُ ديناً ممن أسلم وجهه لله ؛ يعني أفرد قصده إلى الله، وأخلص عقده لله عما سوى الله، ثم استسلم في عموم أحواله لله بالله، ولم يدَّخِرْ شيئاً عن الله ؛ لا من ماله ولا من جَسَدِه، ولا من روحه ولا من جَلَدِه، ولا من أهله ولا من وَلَدِه، وكذلك كان حال إبراهيم عليه السلام.
وقوله :﴿ وَهُوَ مُحْسِنٌ ﴾ : الإحسان - بشهادة الشرع - أن تعبد الله كأنك تراه، ولا بد للعبد من بقية من عين الفرق حتى يصحّ قيامه بحقوقه - سبحانه - لأنه إذا حصل مستوفيّ بالحقيقة لم يصح إسلامه ولا إحسانه، وهذا اتِّباع إبراهيم عليه السلام الحنيف الذي لم يبق منه شيء على وصف الدوام.
وقوله :﴿ وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً ﴾ : جرَّد الحديث عن كل سعي وكدٍ وطلبٍ وجهدٍ حيث قال :﴿ وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً ﴾ فعُلِمَ أَنَّ الخلَّة لُبسةٌ يُلبِسها الحقُّ لا صفةٌ يكتسبها العبد.
ويقال الخليل المحتاج بالكلية إلى الحق في كل نَفَسٍ ليس له شيء منه بل هو بالله لله في جميع أنفاسه وأحواله، اشتقاقاً من الخُلَّة التي هي الخَصَاصة وهي الحاجة.
ويقال إنه من الخلة التي هي المحبة، والخلة أن تباشِر المحبةُ جميع أجزائه، وتتخلل سِرَّه حتى لا يكون فيه مساغ للغير.
فلمَّا صفَّاه الله - سبحانه - ( عليه السلام ) عنه، وأخلاه منه نَصَبَه للقيام بحقه بعد امتحائه عن كل شيء ليس لله سبحانه.
ثم قال :﴿ وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً ﴾[ الحج : ٢٧ ] لا يلبي الحاج إلا لله، وهذه إشارة إلى جمع الجمع.
نهاهم عن الطمع الذي يحملهم على الحيف والظلم على المستضعفين من النِّسْوان واليتامى، وبَيَّنَ أنَّ المنتقِمَ به لهم الله، فَمَنْ راقب الله فيهم لم يخسر على الله بل يجد جميل الجزاء، ومن تجاسر عليهم قاسى لذلك أليمَ البلاء.
صحبة الخلق بعضهم مع بعض إن تجردت عن حديث الحق فإنها تتعرض للوحشة والملامة، وممازجة النفرة والسامة. فمَنْ أعرض عن الله بقلبه أعرض الخلْقُ عن مراعاة حقه، وخرج الكافة عليه باستصغار أمره واستحقار قَدْرِه. ومَنْ رجع إلى الله بقلبه، استوى له - في الجملة والتفصيل - أمرُه، واتسع لاحتمال ما يستقبل من سوء خُلُقِ الخَلْق صدرُه فهو يسحب ذيلَ العفو على هَنَاتِ جميعهم، ويُؤثِرُ الصلح بترك نصيبه وتسليم نصيبهم قال الله تعالى :﴿ وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ﴾.
واتضاعك في نفسك عن منافرة مَنْ يخاصمك أجدى عليك، وأحرى لك من تطاولك على خصمك باغياً الانتقام، وشهودِ مَالَكَ في مزية المقام. وأكثر المنافقين في أسْرِ هذه المحنة.
قوله تعالى :﴿ وَأُحْضِرَتِ الأَنْفُسُ الشُّحَّ ﴾ : وشُحُّ النَفْس قيام العبد بحظِّه.
فلا محالة مَنْ حُجِبَ عن شهود الحق رُدَّ إلى شهود النَّفْس.
قوله تعالى :﴿ وَإِن تُحْسِنُوا ﴾ : يعني يكن ذلك خيراً لكم. والإحسان أن تعبد الله كأنك تراه.
﴿ وَتَتَّقُوا ﴾ : يعني عن رؤيتكم مقامَ أنفسكم، وشهود قَدْرِكم، يعني وأنْ تروا ربَّكم، وتفنوا برؤيته عن رؤية قدْرِكم.
﴿ إِنَّ اللهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ﴾ يعني إذا فنيتم عنكم وعن عملكم، فكفى بالله عليماً بعد فنائكم، وكفى به موجداً عقب امتحائكم.
يعني أنكم إذا (. . . . ) في أموركم انعكس الحال عليكم، وانعكس صلاح ذات بينكم فساداً لكم، فإذا قمتم بالله في أموركم استوى العيشُ لكم، وصفا عن الكدر وقتكم.
ويقال مَنْ حَكَم الله بنقصان عقله في حاله فلا تقتدرون أن تجبروا نقصانهم بكفايتُكم.
قوله تعالى :﴿ فَلاَ تَمِيلُوا كُلَّ المَيْلِ ﴾ : يعني لا تزيغوا عن نهج الأمر. قِفوا حيثما وُقْفتم، وأنفذوا فيما أُمِرْتُم.
وقوله :﴿ فَتَذَرُوهَا كَالمُعَلَّقَةِ ﴾ يعني أنكم إذا منعتموهن عن صحبة أغياركم ثم قطعتم عنهن ما هو حظوظهن منكم أضررتم بهن من الوجهين ؛ لا منكم نصيب، ولا إلى غيركم سبيل، وإن هذا الحيف عظيم. والإشارة من هذا أنه إذا انسد عليك طريق حظوظك فَتَحَ - سبحانه - عليك شهود حقه، ووجود لطفه ؛ فإنَّ من كان في الله تلَفُه فالحق - سبحانه - خَلَفُه، وإنْ تُصْلِحوا ما بينكم وبين الخَلْق، وتثقوا فيما بينكم وبين الحق فإن الله غفور لعيوبكم، رحيم بالعفو عن ذنوبكم.
الصحبة التي لا بُدَّ منها صحبةُ القلب مع دوام افتقارٍ إلى الله ؛ إذ الحقُّ لا بُدَّ منه. فأمَّا الأغيار فلا حاجة لبعضهم إلى بعض إلا من حيث الظاهر، وذلك في ظنون أصحاب التفرقة، فأمَّا أهل التحقيق فلا تحرية لهم أن حاجة الخلق بجملتها إلى الله سبحانه.
كلَّف الكافة بالرجوع إليه، ومجانبة مَنْ سِواه، والوقوف على أمره، ولكن فريقاً وُفِّق وَفَرِيقًا خُذِل. ثم عَرَّفَ أهلَ التحقيق أنه غَنِيٌّ عن طاعة كلِّ وليِّ، وبريء عن زلة كل غويٍّ.
قَطَعَ الأسرار عن التَّعلُّق بالأغيار بأن عرَّفهم انفراده بمُلْكِ ما في السموات والأرض، ثم أطمعهم في حسن تولِّيه، وقيامه بما يحتاجون إليه بجميل اللطف وحسن الكفاية بقوله :﴿ وَكَفَى بِاللهِ وَكِيلاً ﴾ يصلح يملك حالك ولا يختزل مالك
من استغنى عنه في آزاله فلا حاجة له إليه في آباده. ويقال لا يحتاج إلى أحدٍ والعبد لا يستغني عنه في نَفَسٍ.
ويقال لا نهاية للمقدورات فإن لم يكن عمرو فَزَيْدٌ، وإن لم يكن عبدٌ فعبيد، والذي لا بَدَلَ عنه ولا خَلَفَ فهو الواحد أحد.
لمَّا علَّقوا قلوبهم بالعاجل من الدنيا ذكَّرهم حديث الآخرة، فقال :﴿ فَعِندَ اللهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ﴾ تعريفاً لهم أنَّ فوق هممهم من هذه الخسيسة ما هو أعلى منها من نعيم الآخرة، فلمَّا سَمَتْ إلى الآخرة قصودُهم قطعهم عن كل مرسوم ومخلوق بقوله :﴿ وَاللهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴾
[ طه : ٧٣ ].
القسط العدل، والقيام بالله العدل بإيفاء حقوقه من نفسك، واستيفاء حقوقه مِنْ كلِّ مَنْ هو لَكَ عليه أمر، وإلى تحصيل ذلك الحق سبيل إمَّا أمر بمعروف أو زجر عن مكروه أو وعظ بنصح أو إرشاد إلى شرع أو هداية إلى حق.
ومَنْ بقي لله عليه حق لم يباشر خلاصة التحقيق سره لله.
وأصل الدِّين إيثار حق الحق على حق الخلق، فمن آثر على الله - سبحانه أحداً إمَّا والداً أو أُمّاً أو وَلَداً أو قريباً أو نسيباً، أو ادَّخر عنه نصيباً فهو بمعزل عن القيام بالقسط.
يا أيها الذين آمنوا من حيث البرهان آمِنوا من حيث البيان إلى أن تؤمنوا من حيث الكشف والعيان.
ويقال يا أيها الذين آمنوا تصديقاً آمنوا تحقيقاً بأن نجاتكم بفضله لا بإيمانكم.
ويقال يا أيها الذين آمنوا في الحال آمنوا باستدامة الإيمان إلى المآل.
ويقال يا أيها الذين آمنوا وراء كل وصل وفصل ووجد وفقد.
ويقال يا أيها الذين آمنوا باستعمال أدلة العقول آمنوا إذا أنختم بعقوة الوصول، واستمكنت منكم حيرة البديهة وغلبات الذهول ثم أفقتم عن تلك الغيبة فآمنوا أن الذي كان غالباً عليكم كان شاهد الحق لا حقيقة الذات فإن الصمدية منزهة متقدسة عن كل قرب وبعد، ووصل وفصل.
الذين تبدَّلَتْ بهم الأحوال فقاموا وسقطوا ثم انتعضوا ثم ختم بالسوء أحوالهم، أولئك الذين قصمتهم سطوة العزة حكماً، وأدركتهم شقاوة القسمة خاتمة وحالاً - فالحقُّ سبحانه لا يهديهم لقصد، ولا يدلهم على رشد، فبَشِّرْهم بالفُرْقة الأبدية، وأخبرهم بالعقوبة السرمدية
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٣٧:الذين تبدَّلَتْ بهم الأحوال فقاموا وسقطوا ثم انتعضوا ثم ختم بالسوء أحوالهم، أولئك الذين قصمتهم سطوة العزة حكماً، وأدركتهم شقاوة القسمة خاتمة وحالاً - فالحقُّ سبحانه لا يهديهم لقصد، ولا يدلهم على رشد، فبَشِّرْهم بالفُرْقة الأبدية، وأخبرهم بالعقوبة السرمدية
من اعتصم بمخلوقٍ فقد التجأ إلى غير مُجير، واستند إلى غير كهفٍ، وسقط في مهواة من الغلط بعيد قعرها، شديد مكرها. أيبتغون العِزَّ عند الذي أصابه ذلّ التكوين ؟ ! متى يكون له عزٌّ على التحقيق ؟ ومَنْ لا عزَّ له يلزمه فكيف يكون له عز يتعدَّى إلى غيره ؟
ويقال لا ندري أي حالتهم أقبح : طلب العز وهم في ذل القهر وأسر القبضة أم حسبان ذلك وتوهمه من غير الله ؟
ويقال مَنْ طَلَبَ الشيء من غير وجهه فالإخفاق غاية جهده، ومن رام الغنى في مواطن الفاقة فالإملاق قصارى كدِّه.
ويقال لو هُدُوا بوجدان العِزِّ لما صُرِفَتْ قُصُودُهم إلى من ليس بيده شيء من الأمر.
قوله :﴿ فَإِنَّ العِزَّةَ للهِ جَمِيعًا ﴾ العزُّ على قسمين : عزٌّ قديمٌ فهو لله وصفاً، وعزٌّ حادثٌ يختص به سبحانه من يشاء فهو له - تعالى - مِلْكاً ومنه لطفاً.
قوله :﴿ وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِى الكِتَابِ ﴾ الآية : لا تجاوروا أرباب الوحشة فإن ظلماتِ أنفسِهم تتعدى إلى قلوبكم عند استنشاقكم ما يَرُدُّون من أنفاسهم، فمن كان بوصفٍ ما متحققاً شاركه حاضروه فيه ؛ فجليسُ مَنْ هو في أُنْسٍ مستأنِسِ، وجليسُ من هو في ظلمةٍ مستوحِش.
ويقال هجرانُ أعداء الحقِّ فرضٌ، ومخالفة الأضداد ومفارقتهم دين، والركون إلى أصحاب الغفلة قَرْعُ بابِ الفرقة.
قوله :﴿ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ ﴾ : أوضحُ برهانٍ على سريرة (. . . . . ) صحبة من يقارنه وعِشْرة مَنْ يخادنه ؛ فالشكل مقيد بشكله، والفرعُ منتشِرٌ عن أصله.
لمّا عَدِمُوا الإخلاص في الحقيقة، وما ذقوا فيما استشعروا من العقيدة، امتازوا عن المسلمين في الحُكْم، وباينوا الكافرين في الاسم، وواجبٌ على أهل الحقِّ التحرُّزُ عنهم والتحفُّظ منهم، ثم ضمن لهم - سبحانه - جميلَ الكفاية بقوله :﴿ وَلَن يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى المُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ﴾ وهذا على العموم ؛ فإن وبال كيدهم إليهم مصروف، وجزاء مَكْرِهم عليهم موقوف، والحقُّ - من قِبَلِ الحقِّ سبحانه - منصورٌ أهلُه، والباطلُ - بنصر الحقِّ سبحانه - مُجْتثٌ أصلُه.
خداع المنافقين : إظهار الوفاق في الطريقة واستشعار الشِرْك في العقيدة.
وخداع الحق إياهم : ما توهموه من الخلاص، وحكموا به لأنفسهم من استحقاق الاختصاص، فإذا كُشِفَ الغطاء أيقنوا أن الذي ظنُّوه شراباً كان سراباً، قال تعالى :﴿ وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ ﴾ [ الزمر : ٤٧ ].
وقوله :﴿ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاَةِ قَامُوا ﴾ الآية : علامة النفاق وجود النشاط عند شهود الخلق، وفتور العزم عند فوات رؤية الخلق.
وقوله :﴿ مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ ﴾ الآية : أخَسُّ الخَلْقِ من يَدَعُ صدار العبودية، ولم يجد سبيلاً إلى حقيقة الحرية، فلا له من العز شظية، ولا في الغفلة عيشة هنية.
كرَّر عليهم الوعظ، وأكَّد بمباينة الأعداء عليهم الأمر، إبلاغاً في الإنذار، وتغليظاً في الزجر، وإلزاماً للحجة (. . . . ) موضع العذر.
قوله :﴿ أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُوا للهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُّبِينًا ﴾ : تَوَعَّدَهم على موالاتهم للكفار بما لم يتوعَّد على غيره من المخالفات، لما فيه من إيثار الغير على المعبود ؛ وإيثارُ الغير على المحبوب من أعظم الكبائر في أحكام الوداد. فإذا شَغَلَ من قلبه محلاً - كان للمؤمنين - بالأغيار استوجب ذلك العقوبة فكيف إذا شغل محلاً من قلبه - هو للحق - بالغير ؟ !
والعقوبة التي تَوَعَّدَهم بها أنْ يَكِلهَم وما اختاروه من موالاة الكفار، وبئس البدل !
كذلك مَنْ بقي عن الحق تركه مع الخَلْق ؛ فيتضاعف عليه البلاءُ للبقاء عن الحق والبقاء مع الخلق، وكلاهما شديدٌ مِنَ العقوبة
دلَّت الآية على أنَّ المنافق ليس بمُسْتأمنٍ لأنَّ الإيمان ما يوجب الأمان، فالمؤمن يتخلَّص بإيمانه من النار، فما يكون سبب وقوعه في الدرك الأسفل من النار لا يكون إيماناً، ويقال هذا تحقيق قوله :﴿ وَاللهُ خَيْرُ المَاكِرِينَ ﴾
[ آل عمران : ٥٤، والأنفال : ٣٠ ] أي مَكْرُه فوق كل مَكْرٍ. لمَّا أظهر المنافق ما هو مكر مع المؤمنين كانت عقوبتهم أشد من عقوبة من جاهر بكفره.
ويقال نقلهم في آجلهم إلى أشد ما هم عليه في عاجلهم، لِمَا في الخبر :" من كان بحالةٍ لقي الله بها " فالمنافق - اليومَ - في الدرك - الأسفل من الحجر - فكذلك ينقلون إلى الدرك الأسفل من النار. والدرك الأسفل من الحجر - اليوم - لهم ما عليهم من اسم الإيمان وليس لهم من الله شظية وهذا هو البلاء الأكبر.
ويقال استوجبوا الدرك الأسفل من النار لأنهم صحبوا اليوم اسم الله الأعظم لا على طريقة الحرمة. ويقال استوجبوا ذلك لأنهم أساءوا الأدب في حال حضورهم بألسنتهم، وسوءُ الأدبِ يوجِبُ الطردَ
لم يشترط كل هذه الشرائط في رجوع أحدٍ عن جُرْمِه ما اشترط في رجوع المنافقين عن نفاقهم لصعوبة حالهم في كفرهم. وبعد تحصيلهم هذه الشروط قال لهم :﴿ فَأُوْلَئِكَ مَعَ المُؤْمِنِينَ ﴾ ولم يقل من المؤمنين، وفي هذا إشارة أيضاً إلى نقصان رتبتهم وإن تداركوا بإخلاصهم ما سبق من آفتهم، وفي معناه أنشدوا :
والعُذر مبسوطٌ ولكنما شتان بين العذر والشكر
ويقال إن حرف ( مع ) للمصاحبة، فإذا كانوا مع المؤمنين استوجبوا ما يستوجب جماعة المؤمنين، فالتوبة ههنا أي رجعوا عن نفاقهم، وأصلحوا - بصدقهم في إيمانهم، واعتصموا بالله بالتبرؤ من حولهم وقوتهم، وشاهدوا المِنَّة لله عليهم حيث هداهم، وعن نفاقهم نجَّاهم.
قوله :﴿ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ للهِ ﴾ : ونجاتهم بفضل ربهم لا بإيمانهم في الحال، ورجوعهم عن نفاقهم فيما مضى عليهم من الأحوال.
ويقال أخلصوا دينهم لله وهو دوام الاستعانة بالله في أن يثبتهم على الإيمان، ويعصمهم عن الرجوع إلى ما كانوا عليه من النفاق.
ويُقال : تابوا عن النفاق، وأصلحوا بالإخلاص في الاعتقاد، واعتصموا بالله باستدعاء التوفيق وأخلصوا دينهم لله في أن نجاتهم بفضل الله ولطفه لا بإتيانهم بهذه الأشياء - في التحقيق.
هذه الآية من الآيات التي توجب حُسْنَ الرجاء وقوة الأمل، لأنه جعل من أمارات الأمان من العقوبات شيئين اثنين : الشكر والإيمان، وهما خصلتان يسيرتان خفيفتان ؛ فإن الشكر قالة، والإيمان حالة، ولقد هوَّن السبيل على العبد حين رضي منه بقالته وحالته. والشكر لا يصح إلا من المؤمنين فأمَّا الكافر فلا يصح منه الشكر ؛ لأن الشكر طاعته والطاعة لا تصح من غير المؤمن.
وقوله :﴿ وَآمَنتُمْ ﴾ يعني في المآل ؛ فكأنه بيَّن ان النجاة إنما تكون لمن كانت عاقبته على الإيمان، فمعنى الآية لا يعذبكم الله عذاب التخليد، إن شكرتم في الحال وآمنتم في المآل.
ويقال : إن شكرتم وآمنتم صدقتم بأن نجاتكم بالله لا بشكركم وبإيمانكم.
ويقال الشكر شهود النعمة من الله والإيمان رؤية الله في النعمة، فكأنه قال : إن شاهدتم النعمة من الله فلا يقطعنَّكم شهودها عن شهود المُنْعِم.
وقوله :﴿ وَكَانَ اللهُ شَاكِرًا عَلِيمًا ﴾ أي والله شاكر عليم، ومعنى كونه شاكراً أنه مادِحٌ للعبد ومُشْهِدٌ عليه فيما يفعله لأن حقيقة الشكر وحَدَّه الثناء على المُحْسِن بذكر إحسانه ؛ فالعبد يشكر الله أي يثني عليه بذكر إحسانه إليه الذي هو نعمته عليه، والربُّ يشكر للعبد أن يثني عليه بذكر إحسانه الذي هو طاعته له، فإن الله يثني عليه بما يفعله من الطاعة مع علمه بأن له ذنوباً كثيرة.
ويقال يشكره - وإنْ عِلِمَ أنه سيرجع في المستأنف إلى قبيح أعماله.
ويقال يشكره لأنه يعلم ضعفه، ويقال يشكره لأنه يعلم أنه لا يعصي وقَصْدُه مخالفةُ ربِّه ولكنه يُذْنِبُ لاستيلاء أحوال البشرية عليه من شهوات غالبة.
ويقال يشكره لأن العبد يعلم في حالة ذنوبه أنه له ربّاً يغفر له.
قول المظلوم في ظالمه - على وجه الإذن له - ليس بسوءٍ في الحقيقة، لكنه يصح وقوع لفظة السوء عليه كقوله تعالى :﴿ وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا ﴾[ الشورى : ٤٠ ] والجزاء ليس بسيئة.
ويقال مَنْ عَلِمَ أن مولاه يسمع استحيا من النطق بكثيرٍ مما تدعو نفسه إليه.
ويقال الجهر بالسوء هو ما تسمعه نفسك منك فيما تُحدِّثُ في نفسك من مساءة الخلق ؛ فإن الخواص يحاسبون على ما يتحدثون في أنفسهم بما ( يعد ) لا يُطالَب به كثيرٌ من العوام فيما يَسمعُ منهم الناس.
قوله :﴿ إلاَّ مَن ظُلِمَ ﴾ : قيل ولا من ظُلِمَ. وقيل معناه ولكن مَنْ ظُلِمَ فله أنْ يذكرَ ظالمَه بالسوء.
ويقال من لم يُؤثِرْ مدحَ الحقِّ على القَدْحِ في الخَلْق فهو المغبون في الحال.
ويقال من طَالَعَ الخلْقَ بعين الإضافة إلى الحق بأنهم عبيد الله لم يبسط فيهم لسان اللوم ؛ يقول الرجل لصاحبه :" أنا أحْتَمِل من (. . . . ) خدمتك لك ما لا أحتمله من ولدي "، فإذا كان مثل هذا معهوداً بين الخلق فالعبد بمراعاة هذا الأدب - بينه وبين مولاه - أوْلى.
ويقال لا يحب الله الجهر بالسوء من القول من العوام، ولا يحب ذلك بخطوره من الخواص.
ويقال الجهر بالسوء من القول من العوام أن يقول في صفة الله ما لم يَرِدْ به الإذن والتوفيق.
والجهر بالسوء من القول في صفة الخَلْق أن تقول ما ورد الشرع بالمنع منه، وتقول في صفة الحق ما لا يتصف به فإنك تكون فيه كاذباً، وفي صفة الخلق عن الخواص ما اتصفوا به من النقصان - وإن كنت فيه صادقاً.
قوله :﴿ وَكَانَ اللهُ سَمِيعًا عَلِيمًا ﴾ : سميعاً لأقوالكم، عليماً بعيوبكم، يعني لا تقولوا للأغيار ما تعلمون أنكم بمثابتهم.
ويقال سميعاً لأقوالكم عليماً ببراءةِ ساحةِ مَنْ تَقَوَّلْتُم عليه، فيكون فيه تهديد للقائل - لبرئ الساحة - بما يتقوَّلُ عليه.
ويقال سميعاً : أيها الظالم، عليمًا : أيها المظلوم ؛ تهديدٌ لهؤلاء وتبشيرٌ لهؤلاء.
﴿ إِن تُبْدُوا خَيْرًا ﴾ تخلقاً بآداب الشريعة، وتخفوه تحققاً بأحكام الحقيقة.
﴿ أَوْ تَعْفُوا عَن سُوءٍ ﴾ أخذاً من الله ما ندبكم إليه من محاسن الخُلُق.
﴿ فَإِنَّ اللهَ كَانَ عَفُوًّا ﴾ لعيوبكم ﴿ قَدِيرًا ﴾ على تحصيل محبوبكم وتحقيق مطلوبكم.
ويقال إن تبدوا خيراً لتكونوا للناس قدوة فيما تُسِنُّون وما تعينون غيركم على ما يُهَدْون به من سلوك سُنَّتكم، وإن تخفوه اكتفاءً بعلمه، وصيانة لنفوسكم عن آفات التصنَّع، وثقةً بأن من تعملون له يرى ذلك ويعلمه منكم، وإن تعفوا عن سوءٍ أي تتركوا ما تدعوكم إليه نفوسكم فالله يجازيكم بعفوه على ما تفعلون، وهو قادر على أن يبتليكم بما ابتلى به الظالم، فيكون تحذيراً لهم من أن يغفلوا عن شهود المنَّة، وتنبيهاً على أن يستعيذوا أن يُسلَبوا العصمة، وأنْ يُخْذَلُوا حتى يقعوا في الفتنة والمحنة.
ويقال إنْ تبدوا خيراً فتحسنوا إلى الناس، أو تخفوه بأن تدعوا لهم في السرِّ، أو تعفوا عن سوءٍ إنْ ظُلِمْتم.
ويقال من أحسن إليك فأبْدِ معه خيراً جهراً، ومن كفاك شرَّه فأخلِصْ بالولاء والدعاء له سِرَّاً، ومن أساء إليك فاعفُ عنه كرمًا وفضلاً ؛ تجِدْ من الله عفوَه عنك عما ارتكبت، فإن ذنوبَك أكثرُ، وهو قادرٌ على أنْ يُعطيَك من الفضل والإنعام ما لا تصل إليه بالانتصاف من خصمك، وما تجده بالانتقام.
أخبر عنهم أنهم أضافوا إلى قبيح كفرهم ما عُدَّ من ذميم فعلهم، ثم بَيَّنَ أنه ضاعف من عذابهم ما كان جزاء جرمهم، لِتَعْلَمَ أنه لأهل الفساد بالمرصاد.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٥٠:أخبر عنهم أنهم أضافوا إلى قبيح كفرهم ما عُدَّ من ذميم فعلهم، ثم بَيَّنَ أنه ضاعف من عذابهم ما كان جزاء جرمهم، لِتَعْلَمَ أنه لأهل الفساد بالمرصاد.
لما آمنوا بجميع الرسل، وصَدَقُوا في جميع ما أُمِروا به استوجبوا القبول وحسن الجزاء. وتقاصر الإيمان عن بعض الأعيان كتقاصره عن بعض الأزمان، فكما أنه لا يقبل إيمان من لم يستغرق إيمانه جميع (. . . . ) إلى آخر ما له - كذلك لا يقبل إيمان من لم يستغرق إيمانه جميع من أُمِرَ بالإيمان به ؛ إذ جعل ذلك شرط تحقيقه وكماله. فالإشارة في هذا أن من لم يخرج عن عهدة الإلزام بالكلية فليس له من حقيقة الوصل شظية، قال صلى الله عليه وسلم :" الحجُّ عرفة " فمن قطع المسافة - وإن كان من فج عميق - ثم بقي عن عرفات بأدنى بقية لم يُدْرِك الحج.
وقال صلى الله عليه وسلم :" المكاتَبُ عَبْدٌ ما بقي عليه درهم ".
اشتملت الآية على جنسين من قبيح ما فعلوه : أحدهما سؤالهم الرؤية والثاني عبادة العجل بعدما ظهرت لهم الآيات الباهرة.
فأمّا سؤالهم الرؤية فَذُمُّوا عليه لأنهم اقترحوا عليه ذلك بعد ما قطع عذرهم بإقامة المعجزات، ثم طلبوا الرؤية لا على وجه التعليم، أو على موجب التصديق به، أو على ما تحملهم عليه شدة الاشتياق، و كل ذلك سوء أدب.
الإشارة فيه أيضاً أنْ مَنْ يكتفي بأن يكون العجلُ معبودَه - متى - يسلم له أن يكون الحقُّ مشهودَه ؟
ويقال القومُ لم يباشِرْ العرفانُ أسرارَهم فلذلك عكفوا بعقولهم على ما يليق بهم من محدودٍ جوَّزوا أنْ يكون معبودَهم.
قوله جلّ ذكره :﴿ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُّبِينًا ﴾.
حجةً ظاهرةً، بل تفرداً صَانَه من التمثيل والتعطيل.
والسلطان المبين التحصيل والتنزيه المانع من التعطيل والتشبيه.
ويقال السلطان المبين القوة بسماع الخطاب من غير واسطة.
ويقال السلطان المبين لهذه الأمة غداً، وهو بقاؤهم في حال لقائهم - قال صلى الله عليه وسلم :" لا تضامون في رؤيته " - في خبر الرؤية
ما زادهم في الظاهر آيةً إلا زادوا في قلوبهم جحداً ونُكْراً، فلم تنفعهم زيادة نصيب الإعلام ؛ لمَّا لم تنفتح لشهودها بصائرُ قلوبهم، قال تعالى :﴿ وَمَا تُغْنِى الآيَاتُ وَالنَّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ ﴾[ يونس : ١٠١ ]
معناه لارتكابهم هذه المناهي، ولاتصافهم بهذه المخازي، أحللناهم منازل الهوان، وأنزلنا بهم من العقوبة فنون الألوان.
ويقال لَحِقَهُمْ شؤم المخالفات حالة بعد حالة، لأن من عقوبات المعاصي الخذلان لغيرها من ارتكاب المناهي ؛ فَبِنَقْضِهم الميثاق، ثم لم يتوبوا، جرَّهم إلى كفرهم بالآيات، ثم لشؤم كفرهم خذِلُوا حتى قتلوا أنبياءهم - عليهم السلام- بغير حقٍ، ثم لشؤم ذلك تجاسروا حتى ادَّعوا شدةَ التفَهُّم، وقالوا : قلوبنا أوعية العلوم، فَرَدَّ الله عليهم وقال :﴿ بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ ﴾ فحَجَبَهُمْ عن محلِّ العرفان، فعمهوا في ضلالتهم
مجاوزةُ الحدِّ ضلالٌ، كما أن النقصانَ والتقاصرَ عن الحقِّ ضلالٌ، فقومٌ تَقَوَّلُوا على مريم ورموها بالزنا، وآخرون جاوزوا الحدَّ في تعظيمها فقالوا : ابنُها ابنُ الله، وكلا الطائفتين وقعوا في الضلال.
ويقال مريم - رضي الله عنها - كانت وليَّةَ الله، فَشَقِيَ بها فرقتان : أهل الإفراط وأهل التفريط. وكذلك كان أولياؤه - سبحانه - فمُنْكِرُهَم يَشْقَى بِتَرْكِ احترامهم، والذين يعتقدون فيهم ما لا يستوجبونه يَشْقَوْن بالزيادة في إعظامهم، وعلى هذه الجملة دَرَجَ الأكثرون من الأكابر.
قوله تعالى :﴿ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ ﴾ ﴿ عَزِيزًا حَكِيمًا ﴾ قيل أوقع الله شَبَهَهُ على الساعي به فقُتِلَ وصُلِبَ مكانه، وقد قيل : مَنْ حفر بئراً لأخيه وقع فيها.
وقيل إن عيسى عليه السلام قال : مَنْ رَضِيَ بأن يُلْقَى عليه شَبَهِي فيُقتَل دوني فله الجنة، فرضي به بعضُ أصحابه، فيقال لمَّا صبر على مقاساة التلف لم يعدِم من الله الخلف، قال الله تعالى :﴿ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً ﴾[ الكهف : ٣٠ ].
ويقال لمَّا صَحَّتْ صحبةُ الرجل مع عيسى - عليه السلام - بِنَفْسِهِ صَحِبَه بروحه، فلمَّا رُفِعَ عيسى - عليه السلام - إلى محل الزلفة، رفع روح هذا الذي فداه بنفسه إلى محل القربة.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٥٧:قوله تعالى :﴿ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ ﴾ ﴿ عَزِيزًا حَكِيمًا ﴾ قيل أوقع الله شَبَهَهُ على الساعي به فقُتِلَ وصُلِبَ مكانه، وقد قيل : مَنْ حفر بئراً لأخيه وقع فيها.
وقيل إن عيسى عليه السلام قال : مَنْ رَضِيَ بأن يُلْقَى عليه شَبَهِي فيُقتَل دوني فله الجنة، فرضي به بعضُ أصحابه، فيقال لمَّا صبر على مقاساة التلف لم يعدِم من الله الخلف، قال الله تعالى :﴿ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً ﴾[ الكهف : ٣٠ ].
ويقال لمَّا صَحَّتْ صحبةُ الرجل مع عيسى - عليه السلام - بِنَفْسِهِ صَحِبَه بروحه، فلمَّا رُفِعَ عيسى - عليه السلام - إلى محل الزلفة، رفع روح هذا الذي فداه بنفسه إلى محل القربة.

لما حكم بأن لا أمَان لهم في وقت اليأس لم ينفعهم الإيمان في تلك الحالة، فعُلِمَ أنَّ العِبْرَةَ بأمان الحقِّ لا بإيمان العبد.
يقال ارتكاب المحظورات يوجب تحريم المُبَاحَات.
فَمَنْ ركب محظوراً بظاهره حُرِم ما كان يجده من الأحوال المباحة، والألطاف الحاصلة في سرائره.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٦٠:يقال ارتكاب المحظورات يوجب تحريم المُبَاحَات.
فَمَنْ ركب محظوراً بظاهره حُرِم ما كان يجده من الأحوال المباحة، والألطاف الحاصلة في سرائره.

الراسخ في العلم هو ألا يكون في الدليل مُقَلِّداً، كما لا يكون في الحكم مقلداً، بل يضع النظر موضعه إلى أن ينتهي إلى حد لا يكون للشكِّ في عقله مساغ.
ويقال الراسخ في العلم من يرتقي عن حد تأمل البرهان ويصل إلى حقائق البيان.
ويقال الراسخ في العلم أن يكون بعلمه عامِلاً حتى يفيد عِلمَ ما خفي على غيره، ففي الخبر :" من عمل بما علمه ورَّثه الله علم ما لم يعلم ".
وخَصَّ ﴿ وَالمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ ﴾ في الإعراب فَنَصَب اللفظ بإضمار أعني على المدح لِمَا للصلاة من التخصيص من بين العبادات لأنها تالية الإيمان في أكثر المواضع في القرآن، ولأن الله - سبحانه - أمر الرسول صلى الله عليه وسلم ( بها ) ليلةَ المعراج بغير واسطة جبريل عليه السلام. . . وغير هذا من الوجوه.
قوله تعالى :﴿ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ : الأجر العظيم هو الذي يزيد على قدر الاستحقاق بالعمل
إفراد النبي صلى الله عليه وسلم من الأنبياء بالإيمان لإفرادهم بالتخصيص والفضيلة ؛ فأفرد نوحاً على ما استحقه من المقام وأفرد رسولنا عليه السلام على ما استحقه هو، فاشتركا في الإفراد لكنهما تباينا في الفضيلة على حسب المقام، فتفرَّد واحد من بين أشكاله بغير فضائل، وتفرَّد آخر من بين أضرابه بألف فضيلة.
سُنَّةُ الله في أوليائه سترُ قومٍ، وشَهْرُ قومٍ، وبذلك جَرَتْ سُنَّتُه أيضاً في الأنبياء - عليهم السلام - أظهر أسماء قومٍ وأجمل تفصيل آخرين. والإيمان واجب بجميع الأنبياء جملة وتفصيلاً، كما أنّ الاحترام واجب لجميع الأولياء جملة وتفصيلاً، وكذلك أحوال العباد ستر عليهم بعضاً وأظهر لهم بعضها، فما أظهرها لهم - طالبهم بالإخلاص فيها، وما سترها عليهم - فلأنه غار على قلوبهم من ملاحظة أحوالهم تأهيلاً لهم للاختصاص بحقائق أفردهم بمعانيها.
﴿ وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِيمًا ﴾ : إخبار عن تخصيصه إياه باستماع كلامه بلا واسطة
قوله جلّ ذكره :﴿ رُّسُلاً مُّبَشْرِينَ وَمُنذِرِينَ ﴾.
وقَفَ الخلْقَ عند مقاديرهم ؛ وبيَّن أنه أرسل إليهم الرسل فتفردوا عليهم إلى اجتباء ثوابهم، واجتناب ما فيه استحقاق عذابهم، وأنه ليس للخلْق سبيل إلى راحة يطلبونها ولا إلى آفة يجتنبونها إما في الحال أو في المآل.
قوله جلّ ذكره :﴿ لِئِلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ﴾.
أنَّى يكون لمن له إلى الله حاجة على الله حُجَّة ؟ ! ولكنَّ الله خاطبهم على حسب عقولهم.
سلاّه الله عن تكذيب الخلق إياه بما ذكره من علم الله بصدقه، ولذلك قال :﴿ وَكَفَى بِاللهِ شَهِيدًا ﴾.
جعْل صدَّهم المؤمنين من اتباع الحقِّ كفرهم بالله، واللهُ تعالى عظَّم حقوق أوليائه كتعظيم حقِّ نفسه، ثم قال :﴿ إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا ﴾ جعل ظُلْمَهُم سبيلَ كفرهم، فَعَلَّقَ استحقاق العقوبة المؤبَّدة عليها جميعاً. والظلم - وإنْ لم يكن كالكفر في استحقاق وعيد الأبد - فَلِشُؤْمِ الظلم لا يبعد أن يخذلَه اللهُ حتى يُوَافِيَ ربَّه على الكفر
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٦٧:جعْل صدَّهم المؤمنين من اتباع الحقِّ كفرهم بالله، واللهُ تعالى عظَّم حقوق أوليائه كتعظيم حقِّ نفسه، ثم قال :﴿ إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا ﴾ جعل ظُلْمَهُم سبيلَ كفرهم، فَعَلَّقَ استحقاق العقوبة المؤبَّدة عليها جميعاً. والظلم - وإنْ لم يكن كالكفر في استحقاق وعيد الأبد - فَلِشُؤْمِ الظلم لا يبعد أن يخذلَه اللهُ حتى يُوَافِيَ ربَّه على الكفر
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٦٧:جعْل صدَّهم المؤمنين من اتباع الحقِّ كفرهم بالله، واللهُ تعالى عظَّم حقوق أوليائه كتعظيم حقِّ نفسه، ثم قال :﴿ إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا ﴾ جعل ظُلْمَهُم سبيلَ كفرهم، فَعَلَّقَ استحقاق العقوبة المؤبَّدة عليها جميعاً. والظلم - وإنْ لم يكن كالكفر في استحقاق وعيد الأبد - فَلِشُؤْمِ الظلم لا يبعد أن يخذلَه اللهُ حتى يُوَافِيَ ربَّه على الكفر
﴿ يَا أَهْلَ الكِتَابِ ﴾ : أخبر أنه سبحانه غني عنهم، فإنْ آمنوا فحظوظ أنفسهم اكتسبوها وإن كفروا فَبَلاَيَاهُم لأنفسهم اجتلبوها. والحقُّ - تعالى - مُنَزَّه الوصف عن ( الجهل ) لوفاق أحدٍ، والنقص لخلاف أحد.
قوله :﴿ وَإِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ للهِ مَا فِى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ﴾ يعني إن خرجوا عن استعمال العبودية - فعلاً، لم يخرجوا عن حقيقة كونهم عبيده - خلْقاً، قال تعالى :﴿ إِن كُلُّ مَن فِى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ أَتِى الرَّحْمَنِ عَبْدًا ﴾
[ مريم : ٩٣ ].
غُلُوُّهم في دينهم جَرْيهُم على مقتضى حسبانهم ؛ حيث وصفوا - بمشابهة الخلْق - معبودَهم، ثم مناقضتهم ؛ حيث قالوا الواحد ثلاثة والثلاثة واحد، والتمادي في الباطل لا يزيد غير الباطل
قوله جلّ ذكره :﴿ لَّن يَسْتَنكِفَ المَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلاَ المَلاَئِكَةُ المُقَرَبُونَ وَمَن يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً فَأَمَّأ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيَوَفِّيهِم أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ ﴾.
كيف يستنكف عن عبوديته وبالعبودية شَرَفُه، وكيف يستكبر عن التذلُّلِ وفي استكباره تَلَفُه، ولهذا الشأن نطق المسيح أول ما نطق بقوله : إني عبد الله، وتجمُّل العبيد في التذلل للسَّادة، هذا معلوم لا تدخله ريبة.
وقوله :﴿ وَلاَ المَلاَئِكَةُ المُقَرَّبُونَ ﴾ لا يدل على أنهم أفضل من المسيح، لأنه إنما خاطبهم على حسب عقائدهم، والقوم اعتقدوا تفضيل الملائكة على بني آدم.
قوله جلّ ذكره :﴿ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَلاَ يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا ﴾.
العذاب الأليم ألا يصلوا إليه أبداً بعدما عرفوا جلاله، فإذا صارت معارفُهم ضروريةً فإنهم يعرفون أنهم عنه بقوا، فَحَسَراتُهم حينئذ على ما فاتهم أشدُّ عقوبة لهم.
قوله جلّ ذكره :﴿ لَّن يَسْتَنكِفَ المَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلاَ المَلاَئِكَةُ المُقَرَبُونَ وَمَن يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً فَأَمَّأ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيَوَفِّيهِم أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ ﴾.
كيف يستنكف عن عبوديته وبالعبودية شَرَفُه، وكيف يستكبر عن التذلُّلِ وفي استكباره تَلَفُه، ولهذا الشأن نطق المسيح أول ما نطق بقوله : إني عبد الله، وتجمُّل العبيد في التذلل للسَّادة، هذا معلوم لا تدخله ريبة.
وقوله :﴿ وَلاَ المَلاَئِكَةُ المُقَرَّبُونَ ﴾ لا يدل على أنهم أفضل من المسيح، لأنه إنما خاطبهم على حسب عقائدهم، والقوم اعتقدوا تفضيل الملائكة على بني آدم.
قوله جلّ ذكره :﴿ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَلاَ يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا ﴾.
العذاب الأليم ألا يصلوا إليه أبداً بعدما عرفوا جلاله، فإذا صارت معارفُهم ضروريةً فإنهم يعرفون أنهم عنه بقوا، فَحَسَراتُهم حينئذ على ما فاتهم أشدُّ عقوبة لهم
قوله جلّ ذكره :﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَآءَكُمْ بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ ﴾.
البرهان ما لاح في سرائرهم من شواهد الحق.
قوله جلّ ذكره :﴿ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا ﴾.
وهو خطابه الذي في تأملهم معانيه حصولُ استبصارِهم
قوله جلّ ذكره :﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ ءَامَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِى رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ ﴾.
﴿ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِى رَحْمَةِ ﴾ : والسين للاستقبال أي يحفظ عليهم إيمانهم في المآل عند التوفي، كما أكرمهم بالعرفان والإيمان في الحال.
قوله جلّ ذكره :﴿ وَيَهْدِيَهُمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا ﴾.
هذه الهداية هي إكرامهم بأن عرفوا أن هذه الهداية من الله فضل لا لأنهم استوجبوها بطلبهم وجهدهم، ولا بتعبهم وكدِّهم.
قطع الخصومة بينهم في قسمة الميراث فيما أظهر لهم من النصِّ على الحكم، فإن المال محبَّبٌ إلى الإنسان، وجُبِلَت النفوس على الشحِّ ؛ فلو لم ينص على مقادير الاستحقاق ( لقابلة الأشباه ) في الاجتهاد، فكان يؤدي ذلك إلى التجاذب والتواثب ؛ فَحَسَمَ تلك الجملة بما نصَّ على المقادير في الميراث قطعاً للخصام. ولتوريثه للنسوان - وإن لم يوجد منهن الذبُّ عن العشيرة - دلالة على النظر لضعفهن. وفي تفضيل الذكور عليهن لِمَا عليهم مِنْ حَمْلِ المؤن وكذا السعي في تحصيل المال، والقيام عليهن.
Icon