تفسير سورة النساء

الموسوعة القرآنية
تفسير سورة سورة النساء من كتاب الموسوعة القرآنية المعروف بـالموسوعة القرآنية .
لمؤلفه إبراهيم الإبياري . المتوفي سنة 1414 هـ

(٤) سورة النساء

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[سورة النساء (٤) : الآيات ١ الى ٢]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثِيراً وَنِساءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً (١) وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً (٢)
١- يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالًا كَثِيراً وَنِساءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً:
يا أَيُّهَا النَّاسُ يا بنى آدم.
الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ فرعكم من أصل واحد، وهو نفس آدم أبيكم.
وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها عطف على محذوف، كأنه قيل: من نفس واحدة أنشأها، أو ابتدأها وخلق منها زوجها، وحذف لدلالة المعنى عليه.
أو هو عطف على خَلَقَكُمْ ويكون الخطاب فى يا أَيُّهَا النَّاسُ للذين بعث إليهم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم، ويكون المعنى: خلقكم من نفس آدم، لأنهم من جملة الجنس المفرع منه، وخلق منها أمكم حواء.
وَبَثَّ مِنْهُما نوعى جنس الإنس، وهما الذكور والإناث.
رِجالًا كَثِيراً وَنِساءً ما تسلسل منهما.
تَسائَلُونَ بِهِ أي تتساءلون، أي يسأل بعضكم بعضا بالله وبالرحم أفعل كذا، أو تسألون غيركم بالله والرحم.
وَالْأَرْحامَ بالنصب عطفا على لفظ الجلالة، أو على محل الجار والمجرور.
٢- وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً:
الْيَتامى الذين مات آباؤهم فانفردوا عنهم.
أَمْوالَهُمْ أي لا يطمع فيها الأولياء والأوصياء.
وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ أي ولا تستبدلوا الحرام، وهو مال اليتامى، بالحلال، وهو ما أبيح لكم من المكاسب.
وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ أي لا تضموها إليها فى الإنفاق، حتى لا تفرقوا بين أموالكم وأموالهم قلة مبالاة بما لا يحل لكم.
حُوباً ذنبا عظيما.
[سورة النساء (٤) : الآيات ٣ الى ٤]
وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ذلِكَ أَدْنى أَلاَّ تَعُولُوا (٣) وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً (٤)
٣- وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ذلِكَ أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا:
وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا أي وإن خفتم أن تجوروا، وألا تعدلوا فى مهورهن، وفى النفقة عليهن.
فِي الْيَتامى جمع يتيمة تكون فى حجر وليها تشاركه فى ماله فيعجبه مالها وجمالها فيريد وليها أن يتزوجها من غير أن يقسط فى صداقها.
ما طابَ ما حل، لأن منهن ما حرم.
فَواحِدَةً فالزموا أو فاختاروا واحدة وذروا الجمع.
أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ يريد الإماء.
ذلِكَ إشارة إلى اختيار الواحدة أو التسرى.
أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا أقرب من أن لا تميلوا.
٤- وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً:
صَدُقاتِهِنَّ مهورهن.
نِحْلَةً عطية.

[سورة النساء (٤) : الآيات ٥ الى ٦]

وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِياماً وَارْزُقُوهُمْ فِيها وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً (٥) وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيباً (٦)
٥- وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِياماً وَارْزُقُوهُمْ فِيها وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفاً:
وَلا تُؤْتُوا الخطاب للأولياء.
السُّفَهاءَ المبذرون أموالهم الذين ينفقونها فيما لا ينبغى ولا يدى لهم بإصلاحها وتثميرها والتصرف فيها.
أَمْوالَكُمُ أضاف الأموال إليهم لأنها من جنس ما يقيم به الناس معايشهم.
جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِياماً أي تقومون بها وتنتعشون، ولو ضيعتموها لضعتم فكأنها فى أنفسها قيامكم وانتعاشكم.
وَارْزُقُوهُمْ فِيها واجعلوها مكانا لرزقهم بأن تتجروا فيها وتتربحوا، حتى تكون نفقتهم من الأرباح لا من صلب المال فلا يأكلها فى الإنفاق.
قَوْلًا مَعْرُوفاً عدة جميلة، إن صلحتم ورشدتم ثم سلمنا إليكم أموالكم.
٦- وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيباً:
وَابْتَلُوا الْيَتامى واختبروا عقولهم وذوقوا أحوالهم ومعرفتهم بالتصرف قبل البلوغ.
النِّكاحَ أي الحلم.
آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً أي حتى إذا تبينتم منهم هداية.
فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ دفعتم إليهم أموالهم من غير تأخير عن حد البلوغ.
إِسْرافاً وَبِداراً مسرفين ومبادرين كبرهم، أو لإسرافكم ومبادرتكم كبرهم تفرطون فى إنفاقها وتقولون ننفق كما نشتهى قبل أن يكبر اليتامى فينتزعونها من أيدينا.
فَلْيَسْتَعْفِفْ أي يستعف من أكلها ولا يطمع، ويقنع بما رزقه الله من الغنى إشفاقا على اليتيم، وإبقاء على ماله.
فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ بأنهم تسلموها وقبضوها وبرئت عنها ذممكم، وذلك أبعد من التخاصم والتجاحد وأدخل فى الأمانة وبراءة للساحة.
وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيباً أي كافيا فى الشهادة عليكم بالدفع والقبض.
أو محاسبا، فعليكم بالتصادق، وإياكم والتكاذب.
[سورة النساء (٤) : الآيات ٧ الى ٨]
لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً (٧) وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً (٨)
٧- لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً:
وَالْأَقْرَبُونَ هم المتوارثون من ذوى القرابات دون غيرهم.
مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ بدل مِمَّا تَرَكَ بتكرير العامل.
نَصِيباً مَفْرُوضاً نصب على الاختصاص، بمعنى: أعنى نصيبا مفروضا مقطوعا واجبا لا بد لهم من أن يحوزوه.
ويجوز أن ينتصب انتصاب المصدر المؤكد، كأنه قيل: قسمة مفروضة.
٨- وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفاً:
وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أي قسمة التركة.
أُولُوا الْقُرْبى ممن لا يرث.
فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ الضمير فى مِنْهُ لما ترك الوالدان والأقربون، وهو أمر على الندب.
[سورة النساء (٤) : آية ٩]
وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (٩)
٩- وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيداً:
لَوْ تَرَكُوا صلة الَّذِينَ. والمراد بهم: الأوصياء، أمروا بأن يخشوا الله فيخافوا على من فى حجورهم من اليتامى، ويشفقوا عليهم.
خوفهم على ذريتهم لو تركوهم ضعافا.
قَوْلًا سَدِيداً عدلا صوابا.
[سورة النساء (٤) : الآيات ١٠ الى ١١]
إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً (١٠) يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (١١)
١٠- إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً:
ظُلْماً ظالمين.
فِي بُطُونِهِمْ ملء بطونهم.
ناراً ما يجر إلى النار، فكأنه نار فى الحقيقة.
سَعِيراً نارا من النيران مبهمة الوصف.
١١- يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً:
يُوصِيكُمُ يعهد إليكم ويأمركم.
فِي أَوْلادِكُمْ فى شأن ميراثهم بما هو العدل والمصلحة.
وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً وإن كانت البنت أو المولودة منفردة فذة ليس معها أخرى.
وَلِأَبَوَيْهِ الضمير للميت.
لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا بدل من لِأَبَوَيْهِ.
فَرِيضَةً نصبت نصب المصدر المؤكد.
إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً بمصالح خلقه.
حَكِيماً فى كل ما فرض وقسم من المواريث وغيرها.
[سورة النساء (٤) : آية ١٢]
وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِها أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِها أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصى بِها أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ (١٢)
١٢- وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِها أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِها أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصى بِها أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ:
فَإِنْ كانَ لَهُنَّ وَلَدٌ منكم أو من غيركم.
وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يعنى الميت.
يُورَثُ أي يورث منه.
كَلالَةً خبر كانَ أي وإن كان رجل موروث منه كلالة. وكلالة، حال من الضمير فى يُورَثُ. والكلالة: من لم يخلف ولدا ولا والدا، ومن ليس بولد ولا والد من المخلفين، والقرابة من غير جهة الولد والوالد.
فإذا مات الرجل وليس له ولد ولا والد فورثته كلالة.
غَيْرَ مُضَارٍّ حال، أي يوصى بها وهو غير مضار لورثته، وذلك بأن يوصى بزيادة على الثلث أو يوصى بالثلث فما دونه، ونيته مضارة ورثته ومغاضبتهم لا وجه الله تعالى.
وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ مصدر مؤكد، أي يوصيكم بذلك وصية.
وَاللَّهُ عَلِيمٌ بمن جار أو عدل فى وصيته.
حَلِيمٌ عن الجائر لا يعاجله.
[سورة النساء (٤) : الآيات ١٣ الى ١٥]
تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٣) وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها وَلَهُ عَذابٌ مُهِينٌ (١٤) وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً (١٥)
١٣- تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ:
تِلْكَ إشارة الى الأحكام التي ذكرت فى باب اليتامى والوصايا والمواريث، وسماها حدودا لأن الشرائع كالحدود المضروبة المؤقتة للمكلفين لا يجوز لهم أن يتجاوزوها ويتخطوها الى ما ليس لهم بحق.
١٤- وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها وَلَهُ عَذابٌ مُهِينٌ:
وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أي فى قسمة المواريث فلم يقسمها ولم يعمل بها.
وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ أي يخالف أمره.
١٥- وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا:
يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ الفاحشة: الزنا.
أَرْبَعَةً مِنْكُمْ أي من المسلمين.
فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ هذه أول عقوبات الزناة، وكان هذا فى ابتداء الإسلام، ثم نسخ بآية النور بقوله تعالى الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي.
ويجوز أن تكون غير منسوخة بأن يترك ذكر الحد لكونه معلوما بالكتاب والسنة ويوصى بإمساكهن فى البيوت بعد أن يحددن صيانة لهن عن مثل ما جرى عليهن بسبب الخروج من البيوت والتعرض للرجال.
أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا هو النكاح الذي يستغنين به عن السفاح. وقيل: السبيل هو الحد.
[سورة النساء (٤) : الآيات ١٦ الى ١٨]
وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما فَإِنْ تابا وَأَصْلَحا فَأَعْرِضُوا عَنْهُما إِنَّ اللَّهَ كانَ تَوَّاباً رَحِيماً (١٦) إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (١٧) وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (١٨)
١٦- وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما فَإِنْ تابا وَأَصْلَحا فَأَعْرِضُوا عَنْهُما إِنَّ اللَّهَ كانَ تَوَّاباً رَحِيماً:
وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ يريد الزاني والزانية.
فَآذُوهُما أي وبخوهما وذموهما.
فَإِنْ تابا وَأَصْلَحا وغيرا الحال.
فَأَعْرِضُوا عَنْهُما فاقطعوا التوبيخ والمذمة، فإن التوبة تمنع استحقاق الذم والعقاب.
١٧- إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً:
إِنَّمَا التَّوْبَةُ يعنى إنما القبول والغفران أمرهما الى الله تعالى.
بِجَهالَةٍ فى موضع الحال، أي يعملون السوء جاهلين سفهاء، لأن ارتكاب القبيح مما يدعو إليه السفه والشهوة لا مما تدعو إليه الحكمة والعقل.
مِنْ قَرِيبٍ من زمان قريب. والزمان القريب: ما قبل حضرة الموت.
١٨- وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً:
وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ يعنى قبول التوبة للذين أصروا على فعلهم.
حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ يعنى الشرق والفزع.
قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ فليس لهذا توبة.
[سورة النساء (٤) : الآيات ١٩ الى ٢٠]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً (١٩) وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً (٢٠)
١٩- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً:
لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً أي أن تأخذوهن على سبيل الإرث كما تحاز المواريث وهن كارهات لذلك أو مكرهات.
وقيل: كان يمسكها حتى تموت، فقيل: لا يحل لكم أن تمسكوهن حتى ترثوا منهن وهن غير راضيات بإمساككم.
وَلا تَعْضُلُوهُنَّ العضل: الحبس والتضييق.
لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ كان الرجل إذا تزوج امرأة ولم تكن من حاجته حبسها مع سوء العشرة والقهر لتفتدى منه بمالها وتختلع، فقيل: ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن.
إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وهى النشوز وشكاسة الخلق وإيذاء الزوج وأهله بالبذاءة والسلاطة.
وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وهو النصفة فى البيت والنفقة والإجمال فى القول.
فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فلا تفارقوهن لكراهة الأنفس وحدها، فربما كرهت النفس ما هو أصلح فى الدين وأحمد وأدنى إلى الخير، وأحبت ما هو ضد ذلك.
٢٠- وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً:
بُهْتاناً على الحال، أي باهتين وآثمين. والبهتان: أن تستقبل الرجل بأمر قبيح تقذفه به وهو برىء منه.

[سورة النساء (٤) : الآيات ٢١ الى ٢٤]

وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً (٢١) وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلاَّ ما قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَمَقْتاً وَساءَ سَبِيلاً (٢٢) حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ وَبَناتُ الْأَخِ وَبَناتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَرَبائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلاَّ ما قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (٢٣) وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلاَّ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ كِتابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (٢٤)
٢١- وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً:
وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ قد خلا بعضكم ببعض خلو مضاجعة.
مِيثاقاً غَلِيظاً الميثاق الغليظ: حق الصحبة والمضاجعة.
٢٢- وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَمَقْتاً وَساءَ سَبِيلًا:
فاحِشَةً بالغة فى القبح.
وَمَقْتاً ممقوت فى المروءة ولا مزيد عليه.
٢٣- حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ وَبَناتُ الْأَخِ وَبَناتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً:
حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ تحريم نكاحهن، وهو ما يفهم من تحريمهن، كما يفهم من تحريم الخمر تحريم شربها.
وَرَبائِبُكُمُ الربائب: أولاد المرأة من غير زوجها.
وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ: زوجات أبنائكم.
الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ دون من تبنيتم.
٢٤- وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ كِتابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً:
297
وَالْمُحْصَناتُ ذوات الأزواج لأنهن أحصن فروجهن بالتزويج، فهن محصنات، بفتح الصاد وكسرها.
إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ من اللاتي سبين.
كِتابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ مصدر مؤكد، أي كتب الله ذلك عليكم كتابا وفرضه فرضا، وهو تحريم، أي كتب الله عليكم تحريم ذلك.
وَأُحِلَّ لَكُمْ على البناء للمفعول.
أَنْ تَبْتَغُوا مفعول له، بمعنى: بين لكم ما يحل مما يحرم إرادة أن يكون ابتغاؤكم:
بِأَمْوالِكُمْ أي المهور وما يخرج فى المناكح.
مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ أي فى حال كونكم محصنين غير مسافحين، فلا تضيعوا أموالكم وتفقروا أنفسكم فيما لا يحل فتخسروا دنياكم ودينكم. والإحصان: العفة وتحصين النفس من الوقوع فى الحرام.
والمسافح: الزاني.
فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ أي فما استمتعتم به من المنكوحات من جماع أو خلوة صحيحة أو عقد عليهن.
فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ عليه. فأسقط الراجع الى (ما) لأنه لا يلبس.
ويجوز أن تكون (ما) فى معنى النساء، و (من) للتبعيض أو للبيان، ويرجع الضمير إليه على اللفظ فى (به)، وعلى المعنى فى فَآتُوهُنَّ.
أُجُورَهُنَّ مهورهن، لأن المهر ثواب على البضع.
فَرِيضَةً حال من (الأجور) بمعنى: مفروضة، أو وضعت موضع (إيتاء) لأن الإيتاء مفروض.
أو مصدر مؤكد، أي فرض الله فريضة.
298
فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ أي فيما تحط عنه من المهر، أو تهب له من كله، أو يزيد لها على مقداره.
وقيل: فيما تراضياه من مقام أو فراق.
[سورة النساء (٤) : آية ٢٥]
وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٥)
٢٥- وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ:
طَوْلًا فضلا وزيادة، أي زيادة فى المال وسعة يبلغ بها نكاح الحرة.
فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ فلينكح أمة.
مِنْ فَتَياتِكُمُ أي من فتيات المسلمين لا من فتيات غيركم.
وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ أي إن الله أعلم بتفاضل ما بينكم وبين أرقائكم فى الإيمان، ورجحانه ونقصانه فيهم وفيكم، وربما كان إيمان الأمة أرجح من إيمان الحرة، والمرأة أفضل فى الإيمان من الرجل، وحق المؤمنين ألا يعتبروا إلا فضل الإيمان لا فضل الأحساب والأنساب، وهذا تأنيس بنكاح الإماء، وترك الاستنكاف منه.
بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ أي أنتم وأرقاؤكم متواصلون متناسبون لاشتراككم فى الإيمان لا يفضل حر عبدا إلا برجحان فيه.
بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ اشتراط لإذن الموالي فى نكاحهن.
وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وأدوا إليهن مهورهن بغير مطل وضرار.
مُحْصَناتٍ عفائف.
غَيْرَ مُسافِحاتٍ غير مقترفات زنا.
وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ الأخلاء فى السر.
كأنه قيل: غير مجاهرات بالسفاح ولا مسرات له.
فَإِذا أُحْصِنَّ بالتزويج.
نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ الحرائر.
مِنَ الْعَذابِ من الحد.
ذلِكَ إشارة إلى نكاح الإماء.
لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ لمن خاف الإثم الذي تؤدى إليه غلبة الشهوة.
وقيل: العنت: الحد، لأنه إذا هويها خشى أن يواقعها فيحد فيتزوجها.
وَأَنْ تَصْبِرُوا فى محل الرفع على الابتداء، أي وصبركم عن نكاح الإماء متعففين خَيْرٌ لَكُمْ.
[سورة النساء (٤) : الآيات ٢٦ الى ٢٧]
يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٢٦) وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً (٢٧)
٢٦- يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ:
يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ أصله: يريد الله أن يبين لكم، فزيدت اللام مؤكد لإرادة التبيين، والمعنى: يريد الله أن يبين لكم ما هو خفى عنكم من مصالحكم وأفاضل أعمالكم.
وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وأن يهديكم مناهج من كان قبلكم من الأنبياء والصالحين والطرق التي سلكوها فى دينهم لتقتدوا بها.
وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ ويرشدكم إلى طاعات إن قمتم بها كانت كفارات لسيئاتكم ليتوب عليكم ويكفر لكم.
٢٧- وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيماً:
وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ أن تفعلوا ما تستوجبون به أن يتوب عليكم.
وَيُرِيدُ الفجرة.
الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ النزوات والأهواء.
أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيماً وهو الميل عن القصد والحق، ولا ميل أعظم.
[سورة النساء (٤) : الآيات ٢٨ الى ٣٠]
يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً (٢٨) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً (٢٩) وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْواناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ ناراً وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً (٣٠)
٢٨- يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً:
أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ إحلال نكاح الأمة وغيره من الرخص.
وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً لا يصبر عن الشهوات ولا على مشاق الطاعات.
٢٩- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً:
بِالْباطِلِ بما لم تبحه الشريعة.
إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً إلا أن تقع تجارة. والاستثناء منقطع.
عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ صفة لتجارة، أي تجارة صادرة عن تراض، وخص التجارة بالذكر لأن أسباب الرزق أكثرها متعلق بها.
والتراضي: رضا المتبايعين بما تعاقدا عليه فى حال البيع وقت الإيجاب والقبول.
وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ من كان من جنسكم من المؤمنين.
وقيل: أن يقتل الرجل نفسه مع الطيش.
إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً أي ما نهاكم عما يضركم إلا لرحمته عليكم.
٣٠- وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْواناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ ناراً وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً:
ذلِكَ إشارة إلى القتل. أي ومن يقدم على قتل الأنفس.
عُدْواناً وَظُلْماً لا خطأ ولا اقتصاصا.
فَسَوْفَ نُصْلِيهِ ناراً نجعله يصلى بنار.
وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً لأن الحكمة تدعو إليه.
[سورة النساء (٤) : الآيات ٣١ الى ٣٢]
إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً (٣١) وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَسْئَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (٣٢)
٣١- إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيماً:
كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ أي ما كبر من المعاصي التي ينهاكم الله عنها، والرسول.
نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ نمط ما تستحقونه من العقاب فى كل وقت على صغائركم، ونجعلها كأن لم تكن، لزيادة الثواب المستحق على اجتنابكم الكبائر وصبركم عنها، على عقاب السيئات. والكبيرة والصغيرة إنما وصفتا بالكبر والصغر بإضافتهما إما إلى طاعة أو معصية. والتكفير إماطة المستحق من العقاب بثواب أزيد أو بتوبة.
مُدْخَلًا بضم الميم وفتحها، بمعنى المكان والمصدر، فيهما.
٣٢- وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَسْئَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً:
وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ نهى عن التحاسد وعن تمنى ما فضل الله به بعض الناس على بعض من الجاه والمال، لأن ذلك التفضيل قسمة من الله.
لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ جعل ما قسم لكل من الرجال والنساء على حسب ما عرف الله من حاله الموجبة للبسط أو القبض كسبا له.
وَسْئَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ ولا تتمنوا أنصباء غيركم من الفضل ولكن سلوا الله من خزائنه التي لا تنفد.
[سورة النساء (٤) : الآيات ٣٣ الى ٣٤]
وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً (٣٣) الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ بِما حَفِظَ اللَّهُ وَاللاَّتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً (٣٤)
٣٣- وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً:
وَلِكُلٍّ أي: ولكل قوم.
جَعَلْنا مَوالِيَ وراثا.
مِمَّا تَرَكَ تبيين لقوله وَلِكُلٍّ. أي: ولكل شىء مما ترك. أي من المال.
وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ مبتدأ ضمن معنى الشرط، فوقع خبره، وهو فَآتُوهُمْ مع الفاء، ويجوز أن يكون منصوبا، أي فآتوهم الذين.
ويجوز أن يعطف على قوله الْوالِدانِ ويكون المضمر فى فَآتُوهُمْ للموالى.
والمراد بالذين عقدت أيمانكم، أي الذين عقد المتوفى لهم عقدا مقتضاه أن يرثوه إذا مات من غير قرابة، وينصروه إذا احتاج إلى نصرتهم فى مقابل ذلك.
فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ أي فآتوا كل ذى حق حقه.
إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً أي كان رقيبا على كل شىء، حاضرا معكم، يشهد ما تتصرفون به.
٣٤- الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ بِما حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً:
قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ يقومون بشئونهن.
بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ بما أعطى الله الرجال من صفات تهيئهم للقيام بهذا الحق.
وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ أي بسبب أنهم هم يكدون ويكدحون لكسب المال الذي ينفقونه.
قانِتاتٌ مطيعات بما عليهن للأزواج.
حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ أي حافظات لمواجب الغيب من الفروج، والبيوت، والأموال.
وقيل: للأسرار.
بِما حَفِظَ اللَّهُ أي بما حفظهن الله حين أوصى بهن الأزواج.
أو بما حفظهن الله وعصمهن ووفقهن لحفظ الغيب.
أو بما حفظهن حين وعدهن الثواب العظيم على حفظ الغيب.
نُشُوزَهُنَّ أي تظهر منهن بوادر العصيان.
فَعِظُوهُنَّ بالقول المؤثر.
وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ أي اعتزلوهن فى الفراش.
وَاضْرِبُوهُنَّ أي وعاقبوهن بضرب خفيف غير مبرح ولا مهين.
فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا فلا تطلبوا السبيل التي هى أشد منها بغيا عليهن.
إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً أي إن الله فوقكم وينتقم منكم إذا آذيتموهن أو بغيتم عليهن.
[سورة النساء (٤) : آية ٣٥]
وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُما إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً خَبِيراً (٣٥)
٣٥- وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُما إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً خَبِيراً:
وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما أصله: شقاقا بينهما، فأضيف الشقاق إلى الظروف على طريق الاتساع.
حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ رجلا مرضيا يصلح لحكومة العدل والإصلاح بينهما.
إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً أي الحكمان.
يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُما أي الزوجين.
أي إن قصد الحكمان إصلاح ذات البين، وكانت نيتهما صحيحة، وقلوبهما ناصحة لوجه الله، بورك فى وساطتهما.
[سورة النساء (٤) : الآيات ٣٦ الى ٣٧]
وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَبِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى وَالْجارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالاً فَخُوراً (٣٦) الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً (٣٧)
٣٦- وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَبِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى وَالْجارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالًا فَخُوراً:
وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً أي وأحسنوا بهما إحسانا.
وَبِذِي الْقُرْبى أي وبكل من بينكم وبينه قربى من أخ أو عم أو غيرهما.
وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى الذي قرب جواره، أو النسيب القريب.
وَالْجارِ الْجُنُبِ الذي جواره بعيد، أو الأجنبى.
وَابْنِ السَّبِيلِ المسافر المنقطع به. وقيل: الضيف.
مُخْتالًا تياها جهولا يتكبر عن إكرام أقاربه، وأصحابه، فلا يحتفى بهم ولا يلتفت إليهم.
٣٧- الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً:
الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بدل من قوله فى ختام الآية السابقة مَنْ كانَ مُخْتالًا فَخُوراً ويجوز نصبه على الذم.
ويجوز أن يكون رفعا على الذم، وأن يكون مبتدأ خبره محذوف، كأنه قيل: الذين يبخلون ويفعلون، ويصنعون، أحقاء بكل ملامة.
ويبخلون، أي يبخلون بذات أيديهم.
وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ أي يأمرونهم بأن يبخلوا به مقتا للسخاء ممن وجد.
وَيَكْتُمُونَ ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ أي يخفون نعمة الله، وفضله عليهم، فلا ينفعون أنفسهم ولا الناس بذلك.
وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً وأعددنا للجاحدين أمثالهم عذابا مؤلما مذلا.
[سورة النساء (٤) : الآيات ٣٨ الى ٤٠]
وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطانُ لَهُ قَرِيناً فَساءَ قَرِيناً (٣٨) وَماذا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ وَكانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيماً (٣٩) إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً (٤٠)
٣٨- وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطانُ لَهُ قَرِيناً فَساءَ قَرِيناً:
رِئاءَ النَّاسِ للفخار.
وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطانُ لَهُ قَرِيناً صاحبا يزين له الشر.
فَساءَ قَرِيناً حيث حملهم على البخل والرياء، وكل شر.
٣٩-وَماذا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ وَكانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيماً:
وَماذا عَلَيْهِمْ أي وأي تبعة ووبال عليهم فى الإيمان، والإنفاق فى سبيل الله. والمراد الذم والتوبيخ.
وَكانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيماً وعيد.
٤٠- إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً:
مِثْقالَ ذَرَّةٍ الذرة: النملة الصغيرة، وكل جزء من أجزاء الهباء.
وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً أي وإن يكن مثقال ذرة حسنة، وإنما أنت ضمير المثقال لكونه مضافا إلى مؤنث.
يُضاعِفْها يضاعف ثوابها لاستحقاقها عنده الثواب فى كل وقت من الأوقات المستقبلة غير المتناهية.
وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً أي ويعط صاحبها من عنده على سبيل المتفضل عطاء عظيما، وسماه أَجْراً لأنه تابع للأجر لا يثبت إلا بثباته.
[سورة النساء (٤) : الآيات ٤١ الى ٤٣]
فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً (٤١) يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً (٤٢) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلاَّ عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَفُوًّا غَفُوراً (٤٣)
٤١- فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً:
فَكَيْفَ يصنع هؤلاء الكفرة.
إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ يشهد عليهم بما فعلوا وهو نبيهم.
وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ المكذبين.
شَهِيداً شاهدا.
٤٢- يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً:
لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ لو يدفنون فتسوى بهم الأرض كما تسوى بالموتى.
وقيل: يودون أنهم لم يبعثوا، وأنهم كانوا والأرض سواء.
وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً ولا يقدرون على كتمانه لأن جوارحهم تشهد عليهم.
وقيل: الواو للحال، أي يودون أن يدفنوا تحت الأرض، وأنهم لا يكتمون الله حديثا، ولا يكذبون لأنهم إذا كذبوا شهدت عليهم أيديهم، وأرجلهم فلشدة الأمر يتمنون أن تسوى بهم الأرض.
٤٣- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ
307
مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَفُوًّا غَفُوراً
لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ لا تغشوها، ولا تقوموا إليها، واجتنبوها.
وقيل: لا تقربوا مواضعها، وهى المساجد.
وَأَنْتُمْ سُكارى قد فعلت الخمر فعلها برؤوسكم.
وَلا جُنُباً لم تغتسلوا من الجنابة عن ملامسة النساء أو الإمناء على صورة ما، وهى عطف على قوله وَأَنْتُمْ سُكارى.
أي لا تقربوا الصلاة سكارى، ولا جنبا.
والجنب يستوى فيه الواحد، والجمع، والمذكر، والمؤنث، لأنه اسم جرى مجرى المصدر، الذي هو الإجناب.
إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ استثناء من عامة أحوال المخاطبين، وانتصابه على الحال أي لا تقربوا الصلاة فى حال الجنابة إلا ومعكم حال أخرى تعذرون عليها، وهى حال السفر. وعبور السبيل عبارة عن السفر.
ويجوز ألا يكون حالا، ويكون صفة، أي ولا تقربوا الصلاة جنبا غير عابرى سبيل، أي جنبا مقيمين غير معذورين.
ومن فسر الصلاة بمعناها المتعارف كان المعنى: لا تقربوا الصلاة غير مغتسلين حتى تغتسلوا إلا أن تكونوا مسافرين.
ومن فسر الصلاة بمعنى مكانها وهو المسجد كان المعنى: لا تقربوا الصلاة جنبا إلا مجتازين فيه، إذا كان الطريق فيه إلى الماء، أو كان الماء فيه.
فَتَيَمَّمُوا اقصدوا.
صَعِيداً طَيِّباً ترابا طيبا طاهرا.
308
فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ أي بعضه.
[سورة النساء (٤) : الآيات ٤٤ الى ٤٦]
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ (٤٤) وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدائِكُمْ وَكَفى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفى بِاللَّهِ نَصِيراً (٤٥) مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنا وَعَصَيْنا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَراعِنا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنا لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (٤٦)
٤٤- أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ:
أَلَمْ تَرَ من رؤية القلب، وعدى بالحرف إِلَى على معنى:
ألم ينته علمك إليهم، أو بمعنى: ألم تنظر إليهم.
نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ حظا من علم التوراة، وهم أحبار اليهود.
يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ يستبدلونها بالهدى، وهو البقاء على اليهودية، بعد، وضوح الآيات لهم على صحة نبوة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم.
وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا أنتم أيها المؤمنون سبيل الحق كما ضلوه، لا تكفيهم ضلالتهم بل يحبون أن يضل معهم غيرهم.
٤٥- وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدائِكُمْ وَكَفى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفى بِاللَّهِ نَصِيراً:
وَاللَّهُ أَعْلَمُ منكم.
بِأَعْدائِكُمْ وقد أخبركم بعداوة هؤلاء، وأطلعكم على أحوالهم، وما يريدون بكم.
وَكَفى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفى بِاللَّهِ نَصِيراً أي فثقوا بولايته ونصرته دونهم، أو لا تبالوا بهم فإن الله ينصركم عليهم ويكفيكم مكرهم.
٤٦- مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنا وَعَصَيْنا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَراعِنا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنا لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا:
مِنَ الَّذِينَ هادُوا أي من اليهود.
يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ يميلونه عنها ويزيلونه.
غَيْرَ مُسْمَعٍ حال من المخاطب، أي اسمع وأنت غير مسمع، وهو كلام يحتمل وجهين:
(أ) يحتمل الذم، أي اسمع منا مدعوا عليك بقولهم (لا سمعت)، لأنه لو أجيبت دعوتهم عليه لم يسمع، فكأنه أصم غير مسمع.
(ب) ويحتمل المدح، أي اسمع غير مسمع مكروها، من قولك:
أسمع فلان فلانا، إذا سبه وَراعِنا أي راعنا نكلمك، أي ارقبنا وانتظرنا، وقد تكون بمعناها فى لغتهم: راعينا كلمة كانوا يتسابون بها، ويكون المراد السخرية والاستهزاء بمن تخاطب.
وهكذا استخدموا كلمة ذات معنيين متضادين كما فى قولهم قبل غَيْرَ مُسْمَعٍ.
لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ فتلا بها وتحريفا، أي يفتلون بألسنتهم الحق إلى الباطل حيث يضعون غَيْرَ مُسْمَعٍ مكان: لا سمعت مكروها، وراعِنا مكان: انظرنا.
وَانْظُرْنا وقرىء: وأنظرنا، من الإنظار، وهو الإمهال.
لَكانَ خَيْراً لَهُمْ أي لكان قولهم ذلك خيرا لهم، إذ الضمير يرجع إلى قوله لَوْ أَنَّهُمْ قالُوا:
وَأَقْوَمَ أعدل وأسد.
وَلكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ أي خذلهم بسبب كفرهم، وأبعدهم عن ألطافه.
إِلَّا قَلِيلًا أي إلا إيمانا قليلا، أي ضعيفا ركيكا لا يعبأ به.
[سورة النساء (٤) : آية ٤٧]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَما لَعَنَّا أَصْحابَ السَّبْتِ وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً (٤٧)
٤٧- يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَما لَعَنَّا أَصْحابَ السَّبْتِ وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا:
أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً أي نمحو تخطيط صورها.
فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها أي فنجعلها على هيئة أدبارها، وهى الأقفاء مطموسة مثلها.
وقيل: الطمس، هنا بمعنى القلب والتغيير. والوجوه: رؤوسهم، أي من قبل أن نغير الحال ونكتب عليهم الصغار حيث كانوا أولا.
أَوْ نَلْعَنَهُمْ أي الوجوه، إن أريد الوجهاء، أو أصحاب الوجوه.
وقد يكون الضمير راجعا إلى الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ على طريقة الالتفات.
ويكون المعنى: أن نجزيهم بالمسخ كما مسخنا أصحاب السبت.
أو نطردهم من رحمتنا كما طردنا الذين خالفوا نهينا عن الصيد يوم السبت.
وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا نافذا لا مرد له.
[سورة النساء (٤) : الآيات ٤٨ الى ٥٠]
إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظِيماً (٤٨) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً (٤٩) انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفى بِهِ إِثْماً مُبِيناً (٥٠)
٤٨- إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظِيماً:
الوجه أن يكون الفعل المنفي والمثبت جميعا موجهين إلى قوله تعالى لِمَنْ يَشاءُ كأنه قيل: إن الله لا يغفر لمن يشاء الشرك، ويغفر لمن يشاء دون الشرك، على أن يكون المراد بالأول: من لم يتب، وبالثاني: من تاب.
٤٩- أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا:
الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ اليهود والنصارى، قالوا: نحن أبناء الله وأحباؤه، وقالوا: لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى.
بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ أي إن تزكية الله هى التي يعتد بها لا تزكية غيره، لأنه هو العالم بمن هو أهل للتزكية.
ومعنى يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ أي يزكى المرتضين من عباده الذين عرف منهم الزكاء فوصفهم به.
وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا أي ولا يظلم إنسان قدره مهما كان ضئيلا.
٥٠- انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفى بِهِ إِثْماً مُبِيناً:
كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ فى زعمهم أنهم عند الله أزكياء.
وَكَفى بِهِ أي بزعمهم هذا.
إِثْماً مُبِيناً من بين سائر آثامهم.
[سورة النساء (٤) : الآيات ٥١ الى ٥٣]
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً (٥١) أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً (٥٢) أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً (٥٣)
٥١- أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا:
بِالْجِبْتِ بالأصنام وكل ما عبد من دون الله.
وَالطَّاغُوتِ والشيطان.
وكان حيى بن أخطب وكعب بن الأشرف اليهوديان خرجا إلى مكة مع جماعة من اليهود يحالفون قريشا على محاربة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم، فقالت لهم قريش: أنتم أهل كتاب وأنتم أقرب إلى محمد صلّى الله عليه وآله وسلم منكم إلينا، فلا نأمن مكركم، فاسجدوا لآلهتنا حتى نطمئن إليكم، ففعلوا، فهذا إيمانهم بالجبت، والطاغوت، لأنهم سجدوا للأصنام وأطاعوا إبليس فيما فعلوا وكان أن أبا سفيان قال لليهود: أنحن أهدى سبيلا أم محمدا صلّى الله عليه وآله وسلم؟
وسألهم كعب عن دينهم، فذكروا له ما يفعلون من ولاية البيت وسقاية الحاج، فقال لهم: أنتم أهدى سبيلا.
٥٢- أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً:
أي أولئك الذين خذلهم الله وطردهم من رحمته، ومن يخذله الله ويطرده من رحمته فليس له من ينصره ويحميه من غضب الله.
٥٣- أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً:
أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ أم، منقطعة، أنكر أن يكون لهم نصيب من الملك.
فَإِذاً لا يُؤْتُونَ أي لو كان لهم نصيب من الملك فإذا لا يؤتون أحدا مقدار نقير لفرط بخلهم. والنقير: النقرة فى ظهر النواة، وهو مثل فى القلة.

[سورة النساء (٤) : الآيات ٥٤ الى ٥٧]

أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً (٥٤) فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً (٥٥) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ ناراً كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَزِيزاً حَكِيماً (٥٦) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً لَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلاًّ ظَلِيلاً (٥٧)
٥٤- أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً:
أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ أي: بل أيحسدون رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين على إنكار الحسد واستقباحه وكانوا يحسدونهم على ما آتاهم الله من النصرة والغلبة وازدياد العز والتقدم كل يوم.
فَقَدْ آتَيْنا إلزام لهم بما عرفوه من إيتاء الله الكتاب والحكمة.
آلَ إِبْراهِيمَ الذين هم أسلاف محمد صلّى الله عليه وآله وسلم، وأنه ليس ببدع أن يؤتيه الله مثل ما آتى أسلافه.
وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً الملك فى آل إبراهيم: ملك يوسف وداود وسليمان.
٥٥- فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً:
فَمِنْهُمْ من اليهود.
مَنْ آمَنَ بِهِ أي بما ذكر من حديث آل إبراهيم.
وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وأنكره مع علمه بصحته.
أو من اليهود من آمن برسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم، ومنهم من أنكر نبوته.
أو من آل إبراهيم من آمن بإبراهيم، ومنهم من كفر.
٥٦- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ ناراً كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَزِيزاً حَكِيماً:
بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها أبدلناهم إياها.
لِيَذُوقُوا الْعَذابَ ليدوم لهم ذوقه ولا ينقطع.
عَزِيزاً لا يمتنع عليه شىء.
حَكِيماً لا يعذب الا بعدل من يستحق العذاب.
٥٧- وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي
مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً لَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا
ظَلِيلًا صفة مشتقة من لفظ (الظل) لتأكيد معناه. وهو ما كان فينانا لا جوب فيه، ودائما لا تنسخه الشمس، وسجسجا لا حر فيه ولا برد.
[سورة النساء (٤) : الآيات ٥٨ الى ٥٩]
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ سَمِيعاً بَصِيراً (٥٨) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (٥٩)
٥٨- إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ سَمِيعاً بَصِيراً:
أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ الخطاب عام لكل أحد فى كل أمانة.
نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ ما، إما أن تكون منصوبة بالفعل يَعِظُكُمْ، وإما أن تكون مرفوعة موصولة به، كأنه قيل: نعم شيئا يعظكم به، أو نعم الشيء الذي يعظكم به، والمخصوص بالمدح محذوف أي نعما يعظكم به ذاك، وهو المأمور به من أداء الأمانات، والعدل فى الحكم.
٥٩- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا:
وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ أي أمراء الحق. قيل: هم العلماء الدينون الذين يعلمون الناس الدين ويأمرونهم بالمعروف وينهونهم عن المنكر.
فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فإن اختلفتم أنتم وأولو الأمر منكم فى شىء من أمور الدين فردوه إلى الله ورسوله، أي فيه إلى الكتاب والسنة.
ذلِكَ إشارة إلى الرد إلى الكتاب والسنة.
خَيْرٌ لكم وأصلح.
وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا وأحسن عاقبة.

[سورة النساء (٤) : الآيات ٦٠ الى ٦٢]

أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً (٦٠) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً (٦١) فَكَيْفَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جاؤُكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنا إِلاَّ إِحْساناً وَتَوْفِيقاً (٦٢)
٦٠- أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالًا بَعِيداً:
الطَّاغُوتِ كعب بن الأشرف، سماه الله طاغوتا لإفراطه فى الطغيان وعداوة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم.
أو على التشبيه بالشيطان والتسمية باسمه.
أو جعل اختيار التحاكم إلى غير رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم على التحاكم إليه تحاكما إلى الشيطان.
فقد روى أن بشرا المنافق خاصم يهوديا، فدعاه اليهودي إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم ودعاه المنافق إلى كعب بن الأشرف، ثم إنهما احتكما إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم، فقضى لليهودى، فلم يرض المنافق وقال: تعال نتحاكم إلى عمر بن الخطاب، فقال اليهودي لعمر: قضى لنا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم فلم يرض بقضائه. فقال للمنافق: أكذلك؟ قال: نعم. فقال عمر: مكانكما حتى أخرج إليكما. فدخل عمر فاشتمل على سيفه ثم خرج فضرب به عنق المنافق حتى برد. ثم قال: هكذا أقضى لمن لم يرض بقضاء الله ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلم.
فنزلت الآية.
٦١- وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً:
أي: إذا قيل لهم: أقبلوا على ما أنزل من قرآن وشريعة، وعلى رسوله صلّى الله عليه وآله وسلم ليبين لكم، رأيت الذين ينافقون يعرضون عنك إعراضا شديدا.
٦٢- فَكَيْفَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جاؤُكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنا إِلَّا إِحْساناً وَتَوْفِيقاً:
فَكَيْفَ يكون حالهم، وكيف يصنعون. يعنى أنهم يعجزون عند ذلك فلا يصدرون أمرا ولا يؤدونه.
إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ من التحاكم إلى غيرك واتهامهم لك فى الحكم.
ثُمَّ جاؤُكَ حين يصابون فيعتذرون إليك.
يَحْلِفُونَ ما أردنا بتحاكمنا إلى غيرك.
إِلَّا إِحْساناً لا إساءة.
وَتَوْفِيقاً بين الخصمين ولم نرد مخالفة لك ولا تسخطا لحكمك ففرج عنا بدعائك. وهذا وعيد لهم على فعلهم، وأنهم سيندمون عليه حين لا ينفعهم الندم، ولا يغنى عنهم الاعتذار عند حلول بأس الله.
وقيل: جاء أولياء المنافق يطلبون بدمه وقد أهدره الله فقالوا:
ما أردنا بالتحاكم إلى عمر إلا أن يحسن إلى صاحبنا بحكومة العدل، والتوفيق بينه وبين خصمه، وما خطر ببالنا أنه يحكم له بما حكم به.
[سورة النساء (٤) : الآيات ٦٣ الى ٦٤]
أُولئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً (٦٣) وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً (٦٤)
٦٣- أُولئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغاً:
فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ لا تعاقبهم لمصلحة استبقائهم.
وَعِظْهُمْ ولا تزد على كفهم بالموعظة والنصيحة عما هم عليه.
وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغاً بالغ فى وعظهم بالتخفيف والإنذار. والجار والمجرور فِي أَنْفُسِهِمْ متعلق بقوله بَلِيغاً أي قل لهم قولا بليغا فى أنفسهم مؤثرا فى قلوبهم يغتمون به اغتماما، ويستشعرون منه الخوف استشعارا.
٦٤- وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً:
وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ وما أرسلنا رسولا قط.
إِلَّا لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ بسبب إذن الله فى طاعته، وبأنه أمر المبعوث إليهم بأن يطيعوه ويتبعوه، لأنه مؤد عن الله، فطاعته طاعة الله ومعصيته معصية الله.
وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ بالتحاكم إلى الطاغوت.
جاؤُكَ تائبين من النفاق متنصلين عما ارتكبوا.
فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ من ذلك بالإخلاص، وبالغوا فى الاعتذار إليك من إيذائك برد قضائك، حتى انتصبت شفيعا لهم ومستغفرا.
لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً أي ليعلموه توابا، أي تاب عليهم.
[سورة النساء (٤) : الآيات ٦٥ الى ٦٦]
فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً (٦٥) وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ ما فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً (٦٦)
٦٥- فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً:
فَلا وَرَبِّكَ فوربك، ولا، مزيدة.
لا يُؤْمِنُونَ جواب القسم.
فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ فيما اختلف بينهم واختلط.
حَرَجاً ضيقا.
مِمَّا قَضَيْتَ أي لا تضيق صدورهم من حكمك.
وَيُسَلِّمُوا وينقادوا ويذعنوا لما تأتى به من قضائك، لا يعارضوه بشىء.
تَسْلِيماً تأكيد للفعل بمنزلة تكريره.
٦٦- وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ ما فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً:
وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ أي لو أوجبنا عليهم مثل ما أوجبنا على بنى إسرائيل من قتلهم أنفسهم، أو خروجهم من ديارهم حين استتيبوا من عبادة العجل.
ما فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ إلا ناس قليل منهم.
وقرىء (إلا قليلا) بالنصب على أصل الاستثناء، أو على: إلا فعلا قليلا.
ما يُوعَظُونَ بِهِ من اتباع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم، وطاعته، والانقياد لما يراه ويحكم به.
لَكانَ خَيْراً لَهُمْ فى عاجلهم وآجلهم.
وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً لإيمانهم، وأبعد من الاضطراب فيه.
[سورة النساء (٤) : الآيات ٦٧ الى ٧٠]
وَإِذاً لَآتَيْناهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْراً عَظِيماً (٦٧) وَلَهَدَيْناهُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً (٦٨) وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً (٦٩) ذلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ عَلِيماً (٧٠)
٦٧- وَإِذاً لَآتَيْناهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْراً عَظِيماً:
وَإِذاً جواب لسؤال مقدر، كأنه قيل: وماذا يكون لهم أيضا بعد التثبيت، فقيل: وإذا لو ثبتوا:
لَآتَيْناهُمْ جواب وجزاء.
أَجْراً عَظِيماً أي عطاء عظيما متفضلا به من عند الله، وتسميته أجرا، لأنه تابع للأجر لا يثبت إلا بثباته.
٦٨- وَلَهَدَيْناهُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً:
أي وللطفنا بهم ووفقناهم لازدياد الخيرات لا إفراط ولا تفريط.
٦٩- وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً:
وَالصِّدِّيقِينَ الصديقون أفاضل صحابة الأنبياء والذين تقدموا فى تصديقهم، وصدقوا أقوالهم لأفعالهم.
وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً فيه معنى التعجب. كأنه قيل: وما أحسن أولئك رفيقا. والرفيق، كالصديق والخليط فى استواء الواحد والجمع فيه. ويجوز أن يكون مفردا، بين به الجنس فى باب التمييز.
٧٠- ذلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ عَلِيماً:
ذلِكَ مبتدأ.
الْفَضْلُ صفته.
مِنَ اللَّهِ الخبر.
ويجوز أن يكون الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ الخبر.
وَكَفى بِاللَّهِ عَلِيماً بجزاء من أطاعه.
[سورة النساء (٤) : الآيات ٧١ الى ٧٣]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُباتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً (٧١) وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيداً (٧٢) وَلَئِنْ أَصابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً (٧٣)
٧١- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُباتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً:
خُذُوا حِذْرَكُمْ تيقظوا واحترزوا من المخوف، أو احترزوا من العدو ولا تمكنوه من أنفسكم.
فَانْفِرُوا أي إذا نفرتم إلى العدو.
ثُباتٍ جماعات متفرقة سرية بعد سرية.
أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً أي مجتمعين كوكبة واحدة.
٧٢- وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيداً:
لَمَنْ اللام للابتداء.
لَيُبَطِّئَنَّ جواب قسم محذوف، تقديره: وإن منكم لمن أقسم بالله ليبطئن. والقسم وجوابه صلة (من).
والخطاب لعسكر الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم. والمبطئون منهم: المنافقون، لأنهم كانوا يغزون معهم نفاقا.
ومعنى لَيُبَطِّئَنَّ ليتثاقلن عن الجهاد.
فَإِنْ أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ من قتل أو هزيمة.
٧٣- وَلَئِنْ أَصابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً:
فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ من فتح أو غنيمة.
لَيَقُولَنَّ وقرىء (ليقولن) بضم اللام، إعادة الضمير إلى معنى (من) لأن قوله لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فى معنى الجماعة.
كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ اعتراض بين الفعل لَيَقُولَنَّ وبين مفعوله وهو يا لَيْتَنِي أي: كأن لم تتقدم له معكم مودة، لأن المنافقين كانوا يوادون المؤمنين ويصادقونهم فى الظاهر وإن كانوا يبغون لهم الغوائل فى الباطن.
فَأَفُوزَ قرىء: فأفوز، بالرفع عطفا على كُنْتُ مَعَهُمْ لينتظم الكون معهم، والفوز معنى التمني، فيكونا متمنين جميعا.
ويجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف، بمعنى: فأنا أفوز فى ذلك الوقت.
[سورة النساء (٤) : الآيات ٧٤ الى ٧٥]
فَلْيُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ وَمَنْ يُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (٧٤) وَما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُها وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً (٧٥)
٧٤- فَلْيُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ وَمَنْ يُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً:
يَشْرُونَ يشترون ويبيعون.
فالذين يشترون الحياة الدنيا بالآخرة هم المبطئون، وعظوا بأن يغيروا ما بهم من النفاق ويخلصوا الإيمان لله ورسوله، ويجاهدوا فى سبيل الله حق الجهاد.
والذين يبيعون هم المؤمنون الذين يستحبون الآجلة على العاجلة ويستبدلونها بها. والمعنى: إن صد الذين مرضت قلوبهم وضعفت نياتهم عن القتال فليقاتل التائبون المخلصون. ووعد المقاتل فى سبيل الله، ظافرا أو مظفورا به، إيتاء الأجر العظيم على اجتهاده فى إعزاز دين الله.
٧٥- وَما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُها وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً:
وَالْمُسْتَضْعَفِينَ إما أن يكون مجرورا عطفا على سَبِيلِ اللَّهِ أي: فى سبيل الله، وفى خلاص المستضعفين.
وإما أن يكون منصوبا على الاختصاص، يعنى: واختص من سبيل الله خلاص المستضعفين، لأن سبيل الله عام فى كل خير، وخلاص المستضعفين من المسلمين من أيدى الكفار من أعظم الخير وأخصه.
والمستضعفون هم الذين أسلموا بمكة، وصدهم المشركون عن الهجرة، فبقوا بين أظهرهم مستذلين مستضعفين يلقون منهم الأذى الشديد، وكانوا يدعون الله بالخلاص ويستنصرونه فيسر الله لبعضهم الخروج إلى المدينة، وبقي بعضهم إلى الفتح حتى جعل الله لهم من لدنه خير ولى وناصر، وهو محمد صلّى الله عليه وآله وسلم.
[سورة النساء (٤) : الآيات ٧٦ الى ٧٧]
الَّذِينَ آمَنُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقاتِلُوا أَوْلِياءَ الشَّيْطانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً (٧٦) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْلا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً (٧٧)
٧٦- الَّذِينَ آمَنُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقاتِلُوا أَوْلِياءَ الشَّيْطانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً:
الطَّاغُوتِ الشيطان.
٧٧- أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْلا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا:
كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ أي كفوها عن القتال وذلك أن المسلمين كانوا مكفوفين عن مقاتلة الكفار ما داموا بمكة وكانوا يتمنون أن يؤذن لهم فيه.
فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ بالمدينة جبن فريق منهم، لا شكا فى الدين ولا رغبة عنه، ولكن نفورا عن الإخطار بالأرواح وخوفا من الموت.
كَخَشْيَةِ اللَّهِ من إضافة المصدر إلى المفعول. ومحله النصب على الحال من الضمير فى يَخْشَوْنَ أي يخشون الناس مثل خشية الله، أي مشبهين لأهل خشية الله.
أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً أي: أو أشد خشية من أهل خشية الله.
لَوْلا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ استزادة فى مدة الكف، واستمهال إلى وقت آخر.
وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا أي ولا تنقصون أدنى شىء من أجوركم على مشاق القتال فلا ترغبوا عنه.
[سورة النساء (٤) : الآيات ٧٨ الى ٧٩]
أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمالِ هؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً (٧٨) ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً (٧٩)
٧٨- أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمالِ هؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً:
يُدْرِكْكُمُ قرىء بالرفع، على حذف الفاء، كأنه قيل: فيدرككم الموت.
وقيل: حمل ما يقع موقع أَيْنَما تَكُونُوا وهو: أينما كنتم.
ويجوز أن يتصل بقوله وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا أي ولا تنقصون شيئا مما كتب من آجالكم أينما تكونوا فى ملاحم حروب أو غيرها، ثم ابتدأ قوله يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ والوقف على هذا على أَيْنَما تَكُونُوا.
فِي بُرُوجٍ حصون.
وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ نعمة من خصب ورخاء نسبوها إلى الله.
وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ أي بلية من قحط وشدة أضافوها إليك، وقالوا: هى من عندك.
لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً فيعلموا أن الله هو الباسط القابض، وكل ذلك صادر عن حكمة وصواب.
٧٩- ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً:
ما أَصابَكَ يا إنسان، خطابا عاما.
مِنْ حَسَنَةٍ أي من نعمة وإحسان.
فَمِنَ اللَّهِ تفضلا منه وإحسانا وامتنانا وامتحانا.
وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ أي من بلية ومصيبة.
فَمِنْ نَفْسِكَ أي فمن عندك، لأنك السبب فيما اكتسبت يداك.
وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا أي رسولا للناس جميعا لست برسول العرب وحدهم.
وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً على ذلك، فما ينبغى لأحد أن يخرج عن طاعتك واتباعك.
[سورة النساء (٤) : الآيات ٨٠ الى ٨١]
مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً (٨٠) وَيَقُولُونَ طاعَةٌ فَإِذا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ ما يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلاً (٨١)
٨٠- مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً:
مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ لأنه لا يأمر إلا بما أمر الله به ولا ينهى إلا عما نهى الله عنه، فكانت طاعته فى امتثال ما أمر به والانتهاء عما ينهى عنه، طاعة لله.
وَمَنْ تَوَلَّى عن الطاعة فأعرض عنه.
فَما أَرْسَلْناكَ إلا نذيرا.
حَفِيظاً لا حفيظا ومهيمنا عليهم تحفظ عليهم أعمالهم وتحاسبهم عليها وتعاقبهم.
٨١- وَيَقُولُونَ طاعَةٌ فَإِذا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ ما يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا:
وَيَقُولُونَ إذا أمرتهم بشىء.
طاعَةٌ بالرفع، أي أمرنا وشأننا طاعة.
ويجوز النصب، بمعنى: أطعناك طاعة.
بَيَّتَ طائِفَةٌ زورت طائفة وسوت.
غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ خلاف ما قلت وأمرت به، أو خلاف ما قالت وما ضمنت من الطاعة، لأنهم أبطنوا الرد لا القبول، والعصيان لا الطاعة، وإنما ينافقون بما يقولون ويظهرون.
وَاللَّهُ يَكْتُبُ ما يُبَيِّتُونَ أي يثبت فى صحائف أعمالهم، ويجازيهم عليه لا على سبيل الوعيد، أو يكتبه فى جملة ما يوحى إليك فيطلعك على أسرارهم فلا يحسبوا أن إبطائهم يغنى عنهم.
فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ ولا تحدث نفسك بالانتقام منهم.
وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فى شأنهم فإن الله يكفيك معونتهم وينتقم لك منهم إذا قوى الإسلام وعز أنصاره.
[سورة النساء (٤) : الآيات ٨٢ الى ٨٣]
أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً (٨٢) وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلاَّ قَلِيلاً (٨٣)
٨٢- أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً:
أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ تدبره: تأمل معانيه وتبصر ما فيه.
لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً لكان الكثير منه مختلفا متناقضا قد تفاوت نظمه وبلاغته ومعانيه فكان بعضه بالغا حد الإعجاز، وبعضه قاصرا عنه تمكن معارضته.
٨٣- وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلَّا قَلِيلًا:
وَإِذا جاءَهُمْ هم ناس من ضعفاء المسلمين.
أَذاعُوا بِهِ كانوا إذا بلغهم خبر عن سرايا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم من أمن وسلامة أو خوف وخلل أعلنوه. يقال: أذاع السر، وأذاع به.
وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ وقالوا نسكت حتى نسمعه منهم ونعلم هل هو مما يذاع، أو لا يذاع.
لَعَلِمَهُ لعلم تدبير ما أخبروا به.
الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ الذين يستخرجون تدبيره بفطنتهم وتجاربهم ومعرفتهم بأمور الحرب ومكايدها.
وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وهو إرسال الرسول وإنزال الكتاب والتوفيق.
لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ لبقيتم على الكفر.
إِلَّا قَلِيلًا منكم، أو إلا اتباعا قليلا.
[سورة النساء (٤) : الآيات ٨٤ الى ٨٥]
فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنْكِيلاً (٨٤) مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْها وَمَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْها وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً (٨٥)
٨٤- فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا:
فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إن أفردوك وتركوك وحدك.
لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ غير نفسك وحدها أن تقدمها إلى الجهاد، فإن الله هو ناصرك لا الجنود، فإن شاء نصرك وحدك كما ينصرك وحولك الألوف.
وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ وما عليك فى شأنهم إلا التحريض فحسب لا التعنيف بهم.
عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وهم قريش، وقد كف بأسهم، فقد بدا لأبى سفيان فى بدر الصغرى، وقال: هذا عام مجدب، وما كان معهم زاد إلا السويق، ولا يلقون إلا فى عام مخصب، فرجع بهم.
وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً من قريش.
وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا تعذيبا.
٨٥- مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْها وَمَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْها وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً:
مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً الشفاعة الحسنة هى التي روعى بها حق مسلم، ودفع بها عنه شرا، أو جلب إليه خيرا، وابتغى بها وجه الله.
ولم تؤخذ عليها رشوة، وكانت فى أمر جائز، لا فى حد من حدود الله، ولا فى حق من الحقوق.
شَفاعَةً سَيِّئَةً ما كان بخلاف الشفاعة الحسنة.
مُقِيتاً شهيدا حفيظا. وقيل: مقتدرا.
[سورة النساء (٤) : الآيات ٨٦ الى ٨٧]
وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً (٨٦) اللَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً (٨٧)
٨٦- وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً:
بِأَحْسَنَ مِنْها أن تزيد فيها، فإذا قيل لك: السلام عليكم، زدت فقلت: السلام عليكم ورحمة الله. وإذا قيل لك: السلام عليكم ورحمة الله، زدت فقلت: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أَوْ رُدُّوها أي كما حييتم.
عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً أي يحاسبكم على كل شىء من التحية وغيرها.
٨٧- اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً:
لا إِلهَ إِلَّا هُوَ خبر للمبتدأ. ويصح أن يكون اعتراضا والخبر لَيَجْمَعَنَّكُمْ والمعنى الله والله ليجمعنكم.
إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ أي ليحشرنكم إليه. وهو قيامهم من القبور، أو قيامهم للحساب.
لا رَيْبَ فِيهِ لا شك بل هو حق وصدق.
وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً لأنه عز وجل صادق لا يجوز عليه الكذب.

[سورة النساء (٤) : الآيات ٨٨ الى ٨٩]

فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً (٨٨) وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَواءً فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِياءَ حَتَّى يُهاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (٨٩)
٨٨- فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا:
فِئَتَيْنِ نصب على الحال.
قيل: إن قوما من المنافقين استأذنوا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم فى الخروج إلى البدو معتلين باجتواء المدينة، فلما خرجوا لم يزالوا راحلين مرحلة مرحلة حتى لحقوا بالمشركين، فاختلف المسلمون فيهم فقال بعضهم: هم كفار.
وقال بعضهم: هم مسلمون.
وقيل: كانوا قوما هاجروا من مكة، ثم بدا لهم فرجعوا وكتبوا إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم: إنا على دينك، وما أخرجنا إلا اجتواء المدينة والاشتياق إلى بلدنا.
وقيل: هم قوم خرجوا مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم يوم أحد ثم رجعوا.
وقيل: هم العرنيون الذين أغاروا على السرح وقتلوا يسارا.
أي ما لكم اختلفتم فى شأن قوم نافقوا نفاقا ظاهرا وتفرقتم فيهم فرقتين، وما لكم لم تثبتوا القول بكفرهم.
وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ أي ردهم فى حكم المشركين كما كانوا.
بِما كَسَبُوا من ارتدادهم ولحوقهم بالمشركين، واحتيالهم على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم.
أو أركسهم فى الكفر، بأن خذلهم حتى أركسوا فيه، لما علم من مرض قلوبهم.
أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا أن تجعلوا من جملة المهتدين.
مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ من جعله من جملة الضلال، وحكم عليه بذلك، أو خذله حتى ضل.
٨٩- وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَواءً فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ
أَوْلِياءَ حَتَّى يُهاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً
فَتَكُونُونَ عطف على تَكْفُرُونَ. ويجوز أن ينصب فى جواب التمني.
فَإِنْ تَوَلَّوْا عن الإيمان الظاهر بالهجرة الصحيحة المستقيمة فحكمهم حكم سائر المشركين يقتلون حيث وجدوا فى الحل والحرم.
وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً جانبوهم مجانبة كلية، وإن بذلوا لكم الولاية والنصر فلا تقبلوا منهم.
[سورة النساء (٤) : آية ٩٠]
إِلاَّ الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقاتِلُوكُمْ أَوْ يُقاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَما جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً (٩٠)
٩٠- إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقاتِلُوكُمْ أَوْ يُقاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَما جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا:
إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ استثناء من قوله فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ.
ويصلون إلى قوم، أي ينتهون إليهم ويتصلون بهم، وهو من الانتساب.
والقوم هم الأسلميون، كان بينهم وبين رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم عهد، وذلك أنه وادع وقت خروجه إلى مكة هلال بن عويمر الأسلمى على ألا يعينه ولا يعين عليه، وعلى أن من وصل إلى هلال ولجأ إليه فله من الجوار مثل الذي لهلال.
وقيل: القوم: بنو بكر بن زيد مناة كانوا فى الصلح.
أَوْ جاؤُكُمْ لا يخلو من أن يكون معطوفا على صفة قَوْمٍ كأنه قيل: إلا الذين يصلون إلى قوم معاهدين أو قوم ممسكين عن القتال لا لكم ولا عليكم.
أو على صلة الَّذِينَ كأنه قيل: إلا الذين يتصلون بالمعاهدين، أو الذين لا يقاتلونكم.
حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ ضاقت وانقبضت. وهى فى موضع الحال بإضمار (قد) وهم بنو مدلج جاءوا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم غير مقاتلين.
أَنْ يُقاتِلُوكُمْ عن أن يقاتلوكم، أو كراهة أن يقاتلوكم.
وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ ما كانت مكانفتهم إلا لقذف الله الرعب فى قلوبهم، ولو شاء الله لمصلحة يراها من ابتلاء ونحوه لم يقذفه، فكانوا متسلطين مقاتلين غير مكافين، فهذا معنى التسلط.
فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فان لم يعترضوا لكم.
وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ أي الانقياد والاستسلام.
فَما جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا فما أذن لكم فى أخذهم وقتلهم.
[سورة النساء (٤) : آية ٩١]
سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّما رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيها فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُولئِكُمْ جَعَلْنا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطاناً مُبِيناً (٩١)
٩١- سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّما رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيها فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُولئِكُمْ جَعَلْنا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطاناً مُبِيناً:
سَتَجِدُونَ آخَرِينَ هم قوم من بنى أسد وغطفان كانوا إذا أتوا المدينة أسلموا وعاهدوا ليأمنوا المسلمين فإذا رجعوا إلى قومهم كفروا ونكثوا عهودهم.
كُلَّما رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ كلما دعاهم قومهم إلى قتال المسلمين.
أُرْكِسُوا فِيها قلبوا فيها أقبح قلب وأشنعه، وكانوا شرا فيها من كل عدو.
حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ حيث تمكنتم منهم.
سُلْطاناً مُبِيناً حجة واضحة لظهور عدوانهم وانكشاف حالهم فى
الكفر والغدر، وإضرارهم بأهل الإسلام، أو تسلطا ظاهرا حيث أذنا لكم فى قتلهم.
[سورة النساء (٤) : آية ٩٢]
وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ إِلاَّ أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (٩٢)
٩٢- وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً:
وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وما صح له ولا استقام ولا لاق بحاله.
أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً ابتداء غير قصاص.
إِلَّا خَطَأً إلا على وجه الخطأ. وهو منصوب على أنه مفعول له، أي ما ينبغى له أن يقتله لعلة من العلل وللخطأ وحده.
ويجوز أن يكون حالا، بمعنى: لا يقتله فى حال من الأحوال إلا فى حال الخطأ.
ويجوز أن يكون صفة للمصدر: إلا قتلا خطأ.
والمعنى: أن من شأن المؤمن أن ينتفى عنه وجود قتل المؤمن البتة إلا إذا وجد منه خطأ من غير قصد.
فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فعليه تحرير رقبة. والتحرير: الإعتاق. والرقبة:
النسمة. والمراد برقبة مؤمنة: كل رقبة تكون على حكم الإسلام. وقد قيل: لا تجزىء إلا رقبة من صلت وصامت. ولا تجزىء الصغيرة.
والعلة فى هذا أنه لما أخرج نفسا مؤمنة عن جملة الأحياء لزمه أن يدخل نفسا مثلها فى جملة الأحرار، لأن إطلاقها من قيد الرق كإحيائها، من قبل أن الرقيق ممنوع من تصرف الأحرار.
وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ مؤداة إلى ورثته يقتسمونها كما يقتسمون الميراث، لا فرق بينها وبين سائر التركة فى كل شىء، يقضى فيها الدين وتنفذ الوصية، وإن لم يكن وارث فهى لبيت المال.
إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا إلا أن يتصدقوا عليه بالدية، ومعناه العفو.
فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ أي من قوم كفار أهل حرب، وذلك أن رجلا أسلم فى قومه الكفار وهو بين أظهرهم لم يفارقهم، فعلى قاتله الكفارة إذا قتله خطأ، وليس على عاقلته لأهله شىء، لأنهم كفار محاربون.
وَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ كفرة لهم ذمة كالمشركين الذين عاهدوا المسلمين وأهل الذمة من الكتابيين فحكمه حكم مسلم من المسلمين.
فَمَنْ لَمْ يَجِدْ رقبة، أي لم يملكها ولم يتوصل به إليها.
فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ فعليه صيام شهرين متتابعين.
تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ قبولا من الله ورحمة منه، يعنى شرع ذلك توبة منه، أو نقلكم من الرقبة إلى الصوم توبة منه.
[سورة النساء (٤) : الآيات ٩٣ الى ٩٤]
وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً (٩٣) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (٩٤)
٩٣- وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً:
وَمَنْ يَقْتُلْ أي قاتل كان.
٩٤- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً:
فَتَبَيَّنُوا أي اطلبوا بيان الأمر وثباته ولا تتخبطوا فيه من غير روية.
وقرىء (فتثبتوا).
لَسْتَ مُؤْمِناً وقرىء: مؤمنا، بفتح الميم، اسم مفعول من آمنه، أي لا نؤمنك. وأصله أن مرداس بن نهيك رجلا من أهل فدك، أسلم ولم يسلم من قومه فغزتهم سرية لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم كان عليها غالب بن فضالة
الليثي، فهربوا وبقي مرداس لثقته بإسلامه، فلما رأى الخيل ألجأ غنمه إلى عاقول من الجبل وصعد، فلما تلاحقوا وكبروا كبر ونزل، وقال: لا إله إلا الله محمد رسول الله، السلام عليكم، فقتله أسامة بن زيد واستاق غنمه.
فأخبروا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم، فوجد وجدا شديدا، وقال: قتلتموه إرادة ما معه، وقرأ الآية على أسامة.
تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا تطلبون الغنيمة التي هى حطام سريع النفاد، فهو الذي يدعوكم إلى ترك التثبت وقلة البحث عن حال من تقتلونه.
فَعِنْدَ اللَّهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ يغنمكموها تغنيكم عن قتل رجل يظهر الإسلام ويتعوذ به من التعرض له لتأخذوا ماله.
كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ أول ما دخلتم فى الإسلام سمعت من أفواهكم كلمة الشهادة فحصنت دماءكم وأموالكم من غير انتظار الاطلاع على مواطأة قلوبكم لألسنتكم.
فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ بالاستقامة والاشتهار بالإيمان والتقدم، وإن صرتم أعلاما فعليكم أن تفعلوا بالداخلين فى الإسلام كما فعل بكم، وأن تعتبروا ظاهر الإسلام فى المكانة، ولا تقولوا ان تهليل هذا لاتقاء القتل لا لصدق النية، فتجعلوه سلما إلى استباحة دمه وماله وقد حرمهما الله.
فَتَبَيَّنُوا تكرير للأمر بالتبين ليؤكد عليهم.
إِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً فلا تتهافتوا فى القتل وكونوا محترزين محتاطين فى ذلك.
[سورة النساء (٤) : آية ٩٥]
لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً (٩٥)
٩٥- لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً:
غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ قرىء بالحركات الثلاث:
فالرفع، صفة لقوله تعالى الْقاعِدُونَ.
والنصب، استثناء منهم، أو حال عنهم.
والجر، صفة لقوله تعالى الْمُؤْمِنِينَ.
فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ جملة موضحة لما نفى من استواء القاعدين والمجاهدين، كأنه قيل: ما لهم يستوون؟ فأجيب بذلك.
عَلَى الْقاعِدِينَ غير أولى الضرر، لكون الجملة بيانا للجملة الأولى المتضمنة لهذا الوصف.
دَرَجَةً نصبت لوقوعها موقع المرة من التفضيل، كأنه قيل:
فضلهم تفضيلة واحدة.
وَكُلًّا وكل فريق من القاعدين، والمجاهدين.
وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى أي المثوبة الحسنى، وهى الجنة، وإن كان المجاهدون مفضلين على القاعدين درجة.
أَجْراً عَظِيماً نصب على أنه حال عن النكرة التي هى دَرَجاتٍ مقدمة عليها.
[سورة النساء (٤) : الآيات ٩٦ الى ٩٧]
دَرَجاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (٩٦) إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيراً (٩٧)
٩٦- دَرَجاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً.
دَرَجاتٍ انتصبت على البدل من قوله أجرا. أو لوقوعها موقع المرة من التفضيل.
مَغْفِرَةً وَرَحْمَةً انتصبا بإضمار فعليهما، أي غفر لهم ورحمهم مغفرة ورحمة.
٩٧- إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيراً
تَوَفَّاهُمُ يجوز أن يكون ماضيا، ومضارعا بمعنى: تتوفاهم.
ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ فى حال ظلمهم أنفسهم.
قالُوا الملائكة للمتوفين.
فِيمَ كُنْتُمْ فى أي شىء كنتم من أمر دينكم. وهم ناس من أهل مكة أسلموا ولم يهاجروا حين كانت الهجرة فريضة.
والمعنى للتوبيخ بأنهم لم يكونوا فى شىء من الدين حيث قدروا على المهاجرة ولم يهاجروا.
كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ اعتذار مما وبخوا به واعتلال بالاستضعاف وأنهم لم يتمكنوا من الهجرة حتى يكونوا فى شىء.
أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها تبكيت لهم من الملائكة، أي إنكم كنتم قادرين على الخروج من مكة إلى بعض البلاد التي لا تمنعون فيها من إظهار دينكم، ومن الهجرة إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم كما فعل المهاجرون إلى أرض الحبشة.
مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ أي مثواهم النار.
وَساءَتْ مَصِيراً نصب على التفسير.
[سورة النساء (٤) : آية ٩٨]
إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً (٩٨)
٩٨- إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا:
إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ استثناء من أهل الوعيد. والمستضعفون هم الذين لا يستطيعون حيلة فى الخروج لفقرهم وعجزهم ولا معرفة لهم بالمسالك.
وَالْوِلْدانِ لا يكونون إلا عاجزين فلا يتوجه إليهم وعيده لأن سبب خروج الرجال والنساء من جملة أهل الوعيد إنما هو كونهم عاجزين، فإذا كان العجز متمكنا فى الولدان لا ينفكون عنه كانوا خارجين من جملتهم ضرورة.
هذا إذا أريد بالولدان الأطفال.
ويجوز أن يراد المراهقون منهم الذين عقلوا ما يعقل الرجال والنساء فيلحقوا بهم فى التكليف.
لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً صفة للرجال والنساء، وجاز ذلك والجمل نكرات، لأن الموصوف وإن كان فيه حرف التعريف فليس لشىء بعينه.
[سورة النساء (٤) : آية ٩٩]
فَأُولئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُوراً (٩٩)
٩٩- فَأُولئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُوراً:
عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ أي لا يستقصى عليهم فى المحاسبة، ويرجى عفو الله عنهم، والله تعالى من شأنه العفو والغفران.
[سورة النساء (٤) : الآيات ١٠٠ الى ١٠١]
وَمَنْ يُهاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (١٠٠) وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكافِرِينَ كانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِيناً (١٠١)
١٠٠- وَمَنْ يُهاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً:
مُراغَماً مهاجرا وطريقا يراغم بسلوكه قومه، أي يفارقهم على رغم أنوفهم.
ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف.
وقرىء (يدركه) بالنصب على إضمار (أن).
فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ فقد وجب ثوابه على الله.
١٠١- وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكافِرِينَ كانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِيناً:
وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ الضرب فى الأرض: السفر وأدنى مدة السفر الذي يجوز فيه القصر عند أبى حنيفة مسيرة ثلاثة أيام ولياليهن سير الإبل ومشى الأقدام على القصد.
فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ ظاهره التخيير بين القصر والإتمام، وأن الإتمام أفضل.
إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فالقصر ثابت بنص الكتاب فى حال الخوف خاصة.
[سورة النساء (٤) : آية ١٠٢]
وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً واحِدَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً (١٠٢)
١٠٢- وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً واحِدَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً.
فِيهِمْ الضمير للخائفين.
فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ الخطاب للرسول صلّى الله عليه وآله وسلم ويمتد إلى الأئمة بعده، إذ هم نواب عن الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم فى كل عصر.
فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ فاجعلهم طائفتين فلتقم إحداهما معك فصل بهم.
وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ الضمير إما للمصلين، وإما لغيرهم:
فإذا كان الضمير للمصلين كان المراد: يأخذون من السلاح ما لا بشغلهم عن الصلاة كالسيف والخنجر ونحوهما.
وإن كان لغيرهم فلا كلام فيه.
فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا يعنى غير المصلين.
مِنْ وَرائِكُمْ يحرسونكم.
وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ.
وصفة صلاة الخوف أن يصلى الإمام بإحدى الطائفتين ركعة إن كانت الصلاة ركعتين، والأخرى بإزاء العدو. ثم تقف هذه الطائفة بإزاء العدو وتأتى الأخرى فيصلى بها ركعة ويتم صلاته، ثم تقف بإزاء العدو،
وتأتى الأولى فتؤدى الركعة بغير قراءة وتتم صلاتها ثم تحرس، وتأتى الأخرى فتؤدى الركعة بقراءة وتتم صلاتها.
فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ فيشدون عليكم شدة واحدة.
وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ رخص لهم فى وضع الأسلحة إن ثقل عليهم حملها بسبب ما يبلهم من مطر أو يضعفهم من مرض.
وَخُذُوا حِذْرَكُمْ وأمرهم مع ذلك بأخذ الحذر لئلا يغفلوا فيهجم عليهم العدو.
إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً ولما كان الأمر بالحذر من العدو يوهم توقع غلبته واعتزازه، نفى عنهم ذلك الإيهام بإخبارهم أن الله يهين عدوهم، ويخذله، وينصرهم عليه لتقوى قلوبهم.
[سورة النساء (٤) : آية ١٠٣]
فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً (١٠٣)
١٠٣- فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً:
فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فإذا صليتم فى حال الخوف والقتال.
فَاذْكُرُوا اللَّهَ فصلوها.
قِياماً مسايفين ومقارعين.
وَقُعُوداً جاثمين على الركب مرامين.
وَعَلى جُنُوبِكُمْ مثخنين بالجراح.
فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ حين تضع الحرب أوزارها وأمنتم.
فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ فاقضوا ما صليتم فى تلك الأحوال التي هى أحوال القلق والانزعاج.
إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً محدودا بأوقات لا يجوز إخراجها عن أوقاتها على أي حال كنتم، خوف أو أمن.
وقيل المعنى: فإذا قضيتم صلاة الخوف فأديموا ذكر الله مهللين مكبرين مسبحين داعين بالنصرة والتأييد فى كافة أحوالكم من قيام، وقعود، واضطجاع، فإن أمنتم فيه من خوف وحرب جدير بذكر الله ودعائه واللجوء اليه. فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فإذا أقمتم فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ فأتموها.
[سورة النساء (٤) : الآيات ١٠٤ الى ١٠٦]
وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ ما لا يَرْجُونَ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (١٠٤) إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً (١٠٥) وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (١٠٦)
١٠٤- وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ ما لا يَرْجُونَ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً:
وَلا تَهِنُوا ولا تضعفوا ولا تتوانوا.
فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ فى طلب الكفار بالقتال، والتعرض به لهم.
إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ أي ليس ما تكابدون من الألم بالجرح، والقتل مختصا بكم، إنما هو أمر مشترك بينكم وبينهم، يصيبهم كما يصيبكم، ثم إنهم يصبرون عليه ويتشجعون، فما لكم لا تصبرون مثل صبرهم مع أنكم أولى منهم بالصبر.
وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ ما لا يَرْجُونَ من إظهار دينكم على سائر الأديان، ومن الثواب العظيم فى الآخرة.
وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً لا يكلفكم شيئا ولا يأمركم ولا ينهاكم إلا لما هو عالم به مما يصلحكم.
١٠٥- إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً:
بِما أَراكَ اللَّهُ بما عرفك وأوحى به إليك.
وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً ولا تكن لأجل الخائنين مخاصما للبرآء.
يعنى لا تخاصم اليهود لأجل بنى ظفر.
١٠٦- وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً:
وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ مما هممت به من عقاب اليهود.
فيروى أن طعمة بن أبيرق، أحد بنى ظفر، سرق درعا من جار له، اسمت قتادة بن النعمان، فى جراب دقيق فجعل الدقيق ينتثر من خرق فيه، وخبأها عند زيد بن السمين، رجل من اليهود، فالتمست الدرع عند طعمة فلم توجد وحلف ما أخذها، وما له بها علم، فتركوه واتبعوا أثر الدقيق حتى انتهى إلى منزل اليهودي فأخذوها. فقال: دفعها إلى طعمة، وشهد له ناس من اليهود. فقالت بنو ظفر: انطلقوا بنا إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم، فسألوه أن يجادل عن صاحبهم وقالوا: إن لم تفعل هلك وافتضح وبرىء اليهودي، فهم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم أن يفعل وأن يعاقب اليهودي.
فنزلت.
[سورة النساء (٤) : الآيات ١٠٧ الى ١٠٩]
وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ خَوَّاناً أَثِيماً (١٠٧) يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ وَكانَ اللَّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطاً (١٠٨) ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ جادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا فَمَنْ يُجادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً (١٠٩)
١٠٧- وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ خَوَّاناً أَثِيماً
يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ
يخونونها بالمعصية.
خَوَّاناً أَثِيماً
على المبالغة.
١٠٨- يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ وَكانَ اللَّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطاً
يَسْتَخْفُونَ
يستترون.
مِنَ النَّاسِ
حياء منهم، وخوفا من ضررهم.
وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ
ولا يستحيون منه.
وَهُوَ مَعَهُمْ
وهو عالم بهم مطلع عليهم لا يخفى عليه خاف من سرهم.
يُبَيِّتُونَ
يدبرون ويزورون.
ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ
وهو تدبير طعمة أن يرمى بالدرع فى دار زيد ليسرّق دونه ويحلف ببراءته.
١٠٩- ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ جادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا فَمَنْ يُجادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا
ها أَنْتُمْ
ها، للتنبيه فى (أنتم) و (أولاء) وهما مبتدأ وخبر.
جادَلْتُمْ
جملة مبنية لوقوع (أولاء) خبرا.
ويجوز أن يكون (أولاء) اسما موصولا بمعنى: الذين، وجادَلْتُمْ
صلته.
وَكِيلًا
حافظا ومحاسبا من بأس الله وانتقامه.
والمعنى: هبوا أنكم خاصمتم عن طعمة وقومه فى الدنيا فمن يخاصم عنهم فى الآخرة إذا أخذهم الله بعذابه.
[سورة النساء (٤) : الآيات ١١٠ الى ١١٣]
وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً (١١٠) وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّما يَكْسِبُهُ عَلى نَفْسِهِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (١١١) وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً (١١٢) وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَما يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً (١١٣)
١١٠- وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً
وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً
قبيحا متعديا يسوء به غيره، كما فعل طعمة بقتادة واليهودي.
أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ
بما يختص به كالحلف الكاذب.
١١١- وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّما يَكْسِبُهُ عَلى نَفْسِهِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً
فَإِنَّما يَكْسِبُهُ عَلى نَفْسِهِ
أي لا يتعداه ضرره إلى غيره فليبق على نفسه من كسب السوء.
١١٢- وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً
خَطِيئَةً
صغيرة.
أَوْ إِثْماً
أو كبيرة.
ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً
كما رمى طعمة زيدا.
فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً
لأنه بكسب الإثم أثم، وبرمى البريء باهت، فهو جامع بين الأمرين.
١١٣- وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ
وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً
وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ
أي عصمته وألطافه، وما أوحى إليك من الاطلاع على سرهم.
لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ
من بنى ظفر.
أَنْ يُضِلُّوكَ
عن القضاء بالحق وتوخى طريق العدل، مع علمهم بأن الجاني هو صاحبهم.
وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ
لأن وباله عليهم.
وَما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ
لأنك معصوم.
وقيل: الواو، للحال، فالكلام متصل، أي ما يضرونك من شىء مع إنزال الله عليك القرآن والحكمة، والحكمة القضاء بالوحى.
وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ
هذا ابتداء كلام.
وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ
من خفيات الأمور وضمائر القلوب.
[سورة النساء (٤) : آية ١١٤]
لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (١١٤)
١١٤- لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً:
مِنْ نَجْواهُمْ من تناجى الناس.
إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ إلا نجوى من أمر، على أنه مجرور بدل من كَثِيرٍ.
ويجوز أن يكون منصوبا على الانقطاع، أي: ولكن من أمر بصدقة ففى نجواه الخير.
أَوْ مَعْرُوفٍ المعروف: القرض.
وقيل: إغاثة الملهوف.
وقيل: هو عام فى كل جميل.
ويجوز أن يراد بالصدقة الواجب، وبالمعروف ما يتصدق به على سبيل التطوع.
أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ عام فى الدماء، والأموال والأعراض، وفى كل شىء يقع التداعي والاختلاف فيه بين المسلمين، وفى كلام يراد به وجه الله تعالى.
وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ ذكر الفاعل وقرن به الوعد بالأجر العظيم.
وذكر الأمر بالخير ليدل به على فاعله، لأنه إذا دخل الآمر فى زمرة الخيرين كان الفاعل فيهم أدخل.
ويجوز أن يراد: ومن يأمر بذلك، فعبر عن الأمر بالفعل، كما يعبر به عن سائر الأفعال.
[سورة النساء (٤) : الآيات ١١٥ الى ١١٧]
وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً (١١٥) إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً (١١٦) إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاَّ إِناثاً وَإِنْ يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطاناً مَرِيداً (١١٧)
١١٥- وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً:
وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ ومن يعاد الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم.
وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ سبيل المؤمنين هو ما هم عليه من الدين الحنيف القيم.
نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى نجعله واليا لما تولى من الضلال بأن نخذله ونخلى بينه وبين ما اختاره.
وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ نجعله يذوق نارها.
١١٦- إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيداً:
إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ تكرير للتأكيد.
١١٧- إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِناثاً وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطاناً مَرِيداً:
إِلَّا إِناثاً هى اللات العزى ومناة.
وَإِنْ يَدْعُونَ وإن يعبدون بعبادة الأصنام.
إِلَّا شَيْطاناً لأنه هو الذي أغراهم على عبادتها فأطاعوه، فجعلت طاعتهم له عبادة.
مَرِيداً المراد: العاتي المتمرد.
[سورة النساء (٤) : الآيات ١١٨ الى ١٢١]
لَعَنَهُ اللَّهُ وَقالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً (١١٨) وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْراناً مُبِيناً (١١٩) يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلاَّ غُرُوراً (١٢٠) أُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَلا يَجِدُونَ عَنْها مَحِيصاً (١٢١)
١١٨- لَعَنَهُ اللَّهُ وَقالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً:
لَعَنَهُ اللَّهُ وَقالَ صفتان، والمعنى: شيطانا مريدا جمع بين لعنة الله، وهذا القول الشنيع.
نَصِيباً مَفْرُوضاً مقطوعا واجبا فرضته لنفسى.
١١٩- وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْراناً مُبِيناً:
وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ الأمانى الباطلة.
فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ كانوا يشقون أذن الناقة إذا ولدت خمسة أبطن وجاء الخامس ذكرا وحرموا على أنفسهم الانتفاع بها.
فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ تغييرهم خلق الله فقء عين الحامى وإعفاؤه عن الركوب.
١٢٠- يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً:
يَعِدُهُمْ أباطيله وترهاته من المال والجاه والرياسة.
وَيُمَنِّيهِمْ ألا بعث ولا عقاب.
إِلَّا غُرُوراً إلا خديعة.
١٢١- أُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَلا يَجِدُونَ عَنْها مَحِيصاً:
أُولئِكَ ابتداء.
مَأْواهُمْ ابتداء ثان.
جَهَنَّمُ خبر المبتدأ الثاني والجملة خبر الأول.
مَحِيصاً ملجأ.
[سورة النساء (٤) : الآيات ١٢٢ الى ١٢٥]
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً (١٢٢) لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (١٢٣) وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً (١٢٤) وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً (١٢٥)
١٢٢- وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا:
وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا مصدران، الأول مؤكد لنفسه، والثاني مؤكد لغيره.
وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا توكيد ثالث. وهو مبتدأ وخبر. وقيلا، منصوب على البيان قال: قيلا وقولا وقالا: أي لا أحد أصدق من الله.
١٢٣- لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً:
لَيْسَ أي ليس ينال ما وعد الله من الثواب.
بِأَمانِيِّكُمْ الخطاب للمسلمين لأنه لا يتمنى وعد الله إلا من آمن به. ويحتمل أن يكون الخطاب للمشركين.
وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ ولا بأمانى أهل الكتاب، لمشاركتهم المسلمين فى الإيمان بوعد الله.
مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً السوء: الشرك.
١٢٤- وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً:
نَقِيراً النقير: النكتة فى ظهر النواة، يضرب به المثل فى الشيء القليل.
١٢٥- وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا:
أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ أخلص نفسه لله وجعلها سالمة له لا تعرف لها ربا ولا معبودا سواه.
وَهُوَ مُحْسِنٌ وهو عامل للحسنات تارك للسيئات.
حَنِيفاً حال من المتبع، أو من إبراهيم.
وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا مجاز عن اصطفائه واختصاصه بكرامة تشبه كرامة الخليل عند خليله.
والخليل، هو الذي يخالك، أي يوافقك فى خلالك.
[سورة النساء (٤) : الآيات ١٢٦ الى ١٢٧]
وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطاً (١٢٦) وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ فِي يَتامَى النِّساءِ اللاَّتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ ما كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتامى بِالْقِسْطِ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِهِ عَلِيماً (١٢٧)
١٢٦- وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطاً:
وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ أي له ملك السموات والأرض، فطاعته واجبة عليهم.
وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطاً فكان الله عالما بأعمالهم مجازيهم على خيرها وشرها، فعليهم أن يختاروا لأنفسهم ما هو أصلح لها.
١٢٧- وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ فِي يَتامَى النِّساءِ اللَّاتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ ما كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتامى بِالْقِسْطِ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِهِ عَلِيماً:
ما يُتْلى عَلَيْكُمْ فى محل رفع، أي الله يفتيكم والمتلو فى الكتاب فى معنى اليتامى. ويجوز أن يكون ما يُتْلى عَلَيْكُمْ مبتدأ، وخبره فِي الْكِتابِ على أنها جملة معترضة.
فِي الْكِتابِ يعنى اللوح المحفوظ، تعظيما للمتلو عليهم.
فِي يَتامَى النِّساءِ صلة لقوله تعالى يُتْلى عليكم فى معناهن.
ما كُتِبَ لَهُنَّ أي ما فرض لهن من الميراث. وكان الرجل منهم يضم اليتيمة إلى نفسه، ومالها إلى ماله، فإن كانت جميلة تزوجها، وأكل المال، وإن كانت دميمة عضلها عن التزوج حتى تموت فيرثها.
وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ أي لجمالهن، ويجوز أن تنكحوهن لدمامتهن.
وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مجرور عطفا على يتامى النساء، أي يفتيكم فى يتامى النساء وفى المستضعفين.
وَأَنْ تَقُومُوا عطف على ما قبله، أي وفى أن تقوموا. ويجوز أن يكون منصوبا بمعنى: ويأمركم أن تقوموا.
وهو خطاب للأئمة فى أن ينظروا لهم ويستوفوا لهم حقوقهم، ولا يدعوا أحدا يهتضمهم.
[سورة النساء (٤) : آية ١٢٨]
وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (١٢٨)
١٢٨- وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً:
خافَتْ مِنْ بَعْلِها توقعت منه ذلك لما لاح لها من مخايلة وأماراته.
نُشُوزاً النشوز: أن يتجافى عنها بأن يمنعها نفسه ونفقته، والمودة والرحمة التي بين الرجل والمرأة، وأن يؤذيها بسب أو ضرب.
أَوْ إِعْراضاً الإعراض: أن يعرض عنها بأن يقل محادثتها ومؤانستها.
فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فلا بأس بهما أن يصلحا بينهما.
صُلْحاً أي أن يتصالحا على أن تطيب له نفسا عن القسمة أو عن بعضها.
وَالصُّلْحُ خَيْرٌ من الفرقة، أو من النشوز والإعراض وسوء العشرة، أو هو من الخصومة فى كل شىء.
وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ جعل الشح حاضرا لها لا يغيب عنها أبدا، ولا تنفك عنه. أي إنها مطبوعة عليه. والغرض أن المرأة لا تكاد تسمح بقسمتها وبغير قسمتها، والرجل لا تكاد نفسه تسمح بأن يقسم لها، وأن يمسكها إذا رغب وأحب غيرها.
وَإِنْ تُحْسِنُوا بالإقامة على نسائكم وإن كرهتموهن وأحببتم غيرهن، وتصبروا على ذلك مراعاة لحق الصحبة.
وَتَتَّقُوا النشوز والإعراض وما يؤدى إلى الأذى والخصومة.
فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ من الإحسان والتقوى.
خَبِيراً وهو يثيبكم عليه.

[سورة النساء (٤) : الآيات ١٢٩ الى ١٣١]

وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (١٢٩) وَإِنْ يَتَفَرَّقا يُغْنِ اللَّهُ كُلاًّ مِنْ سَعَتِهِ وَكانَ اللَّهُ واسِعاً حَكِيماً (١٣٠) وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيداً (١٣١)
١٢٩- وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً:
وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا ومحال أن تستطيعوا العدل.
بَيْنَ النِّساءِ حتى لا يقع ميل البتة ولا زيادة ولا نقصان فيما يجب لهن، فرفع لذلك عنكم تمام العدل وغايته، وما كلفتم منه إلا ما تستطيعون بشرط أن تبذلوا فيه وسعكم وطاقتكم، لأن تكليف ما لا يستطاع داخل فى حد الظلم.
فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ وهى التي ليست بذات بعل ولا مطلقة.
وَإِنْ تُصْلِحُوا ما مضى من ميلكم وتتداركوه بالتوبة.
وَتَتَّقُوا فيما يستقبل.
فَإِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً غفر الله لكم.
١٣٠- وَإِنْ يَتَفَرَّقا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكانَ اللَّهُ واسِعاً حَكِيماً:
وَإِنْ يَتَفَرَّقا وإن يفارق كل واحد منهما صاحبه.
يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا يرزقه زوجا خيرا من زوجه، وعيشا أهنأ من عيشه.
مِنْ سَعَتِهِ السعة: الغنى والمقدرة.
واسِعاً الواسع: الغنى المقتدر.
١٣١- وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيداً:
وَلَقَدْ وَصَّيْنَا أي بالأمر بالتقوى.
مِنْ قَبْلِكُمْ متعلق بقوله تعالى وَصَّيْنَا أو بالفعل أُوتُوا.
وَإِيَّاكُمْ عطف على الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ.
الْكِتابَ اسم جنس يتناول الكتب السماوية.
أَنِ اتَّقُوا أي: بأن اتقوا، وتكون أن التفسيرية، لأن التوصية فى معنى القول.
وَإِنْ تَكْفُرُوا عطف على اتَّقُوا إذ المعنى: أمرناهم وأمرناكم بالتقوى، وقلنا لهم ولكم: إن تكفروا فإن لله. أي إن الله الخلق كله، وهو خالقهم ومالكهم، والمنعم عليهم بأصناف النعم كلها، فحقه أن يكون مطاعا فى خلقه غير معصى، يتقون عقابه ويرجون ثوابه. ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من الأمم السالفة ووصيناكم أن اتقوا الله. يعنى أنها وصية قديمة مازال يوصى الله بها عباده، لستم بها مخصوصين، وقلنا لهم ولكم: وإن تكفروا فإن لله فى سماواته وأرضه من الملائكة والثقلين من يوحده ويعبده ويتقيه.
وَكانَ اللَّهُ مع ذلك.
غَنِيًّا عن خلقه، وعن عبادتهم جميعا.
حَمِيداً مستحقا لأن يحمد لكثرة نعمه وإن لم يحمده أحد منهم.
[سورة النساء (٤) : الآيات ١٣٢ الى ١٣٣]
وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلاً (١٣٢) إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكانَ اللَّهُ عَلى ذلِكَ قَدِيراً (١٣٣)
١٣٢- وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا:
وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ فى التكرير تقرير لما هو موجب تقواه ليتقوه فيطيعوه ولا يعصوه، لأن الخشية والتقوى أصل الخير كله.
وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا إعلام بحفظه خلقه وتدبيره إياهم.
١٣٣- إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكانَ اللَّهُ عَلى ذلِكَ قَدِيراً:
إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ يفنيكم كما أوجدكم وأنشأكم.
وَيَأْتِ بِآخَرِينَ ويوجد إنسا آخرين مكانكم، أو خلقا آخرين غير الإنس.
وَكانَ اللَّهُ عَلى ذلِكَ من الإفناء والإيجاد.
قَدِيراً بليغ القدرة لا يمتنع عليه شىء أراده.
[سورة النساء (٤) : الآيات ١٣٤ الى ١٣٥]
مَنْ كانَ يُرِيدُ ثَوابَ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوابُ الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَكانَ اللَّهُ سَمِيعاً بَصِيراً (١٣٤) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلى بِهِما فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (١٣٥)
١٣٤- مَنْ كانَ يُرِيدُ ثَوابَ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوابُ الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَكانَ اللَّهُ سَمِيعاً بَصِيراً:
مَنْ كانَ يُرِيدُ ثَوابَ الدُّنْيا كالمجاهد يريد بجهاده الغنيمة.
فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوابُ الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ فما له يطلب أحدهما دون الآخرة، والذي يطلبه أخسهما، لأن من جاهد خالصا لم تخطئه الغنيمة، وله من ثواب الآخرة ما الغنيمة إلى جنبه كلا شىء.
والمعنى: فعند الله ثواب الدنيا، والآخرة له إن أراده، حتى يتعلق الجزاء بالشرط.
١٣٥- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلى بِهِما فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً
قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ مجتهدين فى إقامة العدل حتى لا تجوروا.
شُهَداءَ لِلَّهِ تقيمون شهاداتكم لوجه الله كما أمرتم بإقامتها.
وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ ولو كانت الشهادة على أنفسكم أو آبائكم أو أقاربكم.
إِنْ يَكُنْ إن يكن المشهود عليه.
غَنِيًّا فلا تمنع الشهادة لغناه طلبا لرضاه.
أَوْ فَقِيراً فلا تمنعها ترحما عليه.
فَاللَّهُ أَوْلى بِهِما بالغنى والفقير. وثنى الضمير فى بِهِما وكان حقه أن يوحده لأن قوله إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فى معنى إن يكن أحد هذين، فلقد رجع الضمير إلى ما دل عليه قوله إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً لا إلى المذكور، فلذلك ثنى ولم يفرد، وهو جنس الغنى وجنس الفقير، كأنه قيل: فالله أولى بجنس الغنى والفقير، أي بالأغنياء والفقراء.
أَنْ تَعْدِلُوا يحتمل العدل والعدول، كأنه قيل: فلا تتبعوا الهوى كراهة أن تعدلوا بين الناس، أو إرادة أن تعدلوا عن الحق.
وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا وإن تلووا ألسنتكم عن شهادة الحق أو حكومة العدل، أو تعرضوا عن الشهادة بما عندكم وتمنعوها.
فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً وبمجازاتكم عليه.
[سورة النساء (٤) : الآيات ١٣٦ الى ١٣٧]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلى رَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً (١٣٦) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً (١٣٧)
١٣٦- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلى رَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيداً:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خطاب للمسلمين.
آمَنُوا اثبتوا على الإيمان وداوموا عليه وازدادوه.
وَالْكِتابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ المراد به جنس ما أنزل على الأنبياء قبله من الكتب.
وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ومن يكفر بشىء من ذلك.
فَقَدْ ضَلَّ لأن الكفر ببعضه كفر بكله.
١٣٧- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا:
لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ نفى الغفران والهداية، والمراد بنفيهما نفى ما يقتضيهما وهو الإيمان الخالص الثابت. والمعنى: إن الذين تكرر منهم الارتداد، وعهد منهم ازدياد الكفر والإصرار عليه، يستبعد منهم أن يحدثوا ما يستحقون به المغفرة، من إيمان صحيح ثابت يرضاه الله، لأن قلوب أولئك الذين هذا ديدنهم قلوب قد ضريت بالكفر ومرنت على الردة، وكان الايمان أهون شىء عندهم، حيث يبدو لهم فيه كرة بعد أخرى. وليس المعنى أنهم لو أخلصوا الإيمان بعد تكرار الردة ونصحت
توبتهم لم يقبل منهم ولم يغفر لهم، لأن ذلك مقبول حيث هو بذل للطاقة واستفراغ للوسع، ولكنه استبعاد له واستغراب وأنه أمر لا يكاد يكون.
[سورة النساء (٤) : الآيات ١٣٨ الى ١٤١]
بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (١٣٨) الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً (١٣٩) وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَالْكافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً (١٤٠) الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كانَ لِلْكافِرِينَ نَصِيبٌ قالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً (١٤١)
١٣٨- بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً:
بَشِّرِ وضعت مكان (أخبر) تهكما بهم.
١٣٩- الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً:
الَّذِينَ نصب على الذم، أو رفع، بمعنى: أريد الذين، أو هم الذين.
وكانوا يمالئون الكفرة ويوالونهم.
فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً يريد لأوليائه الذين كتب لهم العز والغلبة.
١٤٠- وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَالْكافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً:
أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ أن، هى المخففة من الثقيلة. أي إنه إذا سمعتم.
والمنزل عليهم فى الكتاب هو ما نزل عليهم بمكة من قوله وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ.
وذلك أن المشركين كانوا يخوضون فى ذكر القرآن فى مجالسهم فيستهزئون به، فنهى المسلمون عن القعود معهم ماداموا خائضين فيه.
وكان المنافقون يجلسون إلى هؤلاء يستمعون إليهم وهم يستهزئون بآيات الله.
إِنَّ اللَّهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَالْكافِرِينَ يعنى القاعدين والمقعود معهم.
١٤١- الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كانَ لِلْكافِرِينَ نَصِيبٌ قالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ
مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا
الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ أي ينتظرون بكم ما يتجدد لكم من ظفر أو إخفاق.
أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ مظاهرين فأسهموا لنا فى الغنيمة.
أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ ألم نغلبكم ونتمكن من قتلكم وأسركم فأبقينا عليكم.
وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أي ثبطناهم عنكم وخيلنا لهم ما ضعفت به قلوبهم، ومرضوا فى قتالكم وتوانينا فى مظاهرتهم عليكم، فهاتوا لنا نصيبا بما أصبتم.
[سورة النساء (٤) : آية ١٤٢]
إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى يُراؤُنَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً (١٤٢)
١٤٢- إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى يُراؤُنَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا
يُخادِعُونَ اللَّهَ
يفعلون ما يفعل المخادع من إظهار الإيمان وإبطان الكفر.
وَهُوَ خادِعُهُمْ
وهو فاعل بهم ما يفعل الغالب فى الخداع حيث تركهم معصومى الدماء والأموال فى الدنيا وأعد لهم الدرك الأسفل من النار فى الآخرة.
كُسالى
قرىء بضم أوله وفتحه، جمع كسلان، أي يقومون متقاعسين، كما ترى من يفعل شيئا على كره لا عن طيبة ورغبة.
يُراؤُنَ النَّاسَ
يقصدون بصلاتهم الرياء والسمعة.
وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا
ولا يصلون إلا قليلا لأنهم لا يصلون قط غائبين عن عيون الناس إلا ما يجاهرون به، وما يجاهرون به قليل أيضا لأنهم ما وجدوا مندوحة من تكلف ما ليس فى قلوبهم لم يتكلفوه.
أولا يذكرون الله بالتسبيح، والتهليل إلا ذكرا قليلا فى الندرة.

[سورة النساء (٤) : الآيات ١٤٣ الى ١٤٦]

مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ لا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً (١٤٣) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً مُبِيناً (١٤٤) إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً (١٤٥) إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً (١٤٦)
١٤٣- مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ لا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا:
مُذَبْذَبِينَ ذبذبهم الشيطان والهوى بين الإيمان والكفر، فهم يترددون بينهما متحيرون.
ذلِكَ إشارة إلى الكفر والإيمان.
لا إِلى هؤُلاءِ لا منسوبين إلى هؤلاء، فيكونوا مؤمنين.
وَلا إِلى هؤُلاءِ ولا منسوبين إلى هؤلاء فيسمون مشركين.
١٤٤- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً مُبِيناً:
لا تَتَّخِذُوا الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ لا تتشبهوا بالمنافقين فى اتخاذهم اليهود وغيرهم من أعداء الإسلام أولياء.
سُلْطاناً مُبِيناً حجة بينة.
١٤٥- إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً:
فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ الطبق الذي فى مقر جهنم.
١٤٦- إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً:
وَأَصْلَحُوا ما أفسدوا من أسرارهم وأحوالهم فى حال النفاق.
وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ ووثقوا به كما يثق المؤمنون الخلص.
وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ لا يبتغون بطاعتهم إلا وجهه.
فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ فهم أصحاب المؤمنين ورفقاؤهم فى الدارين.
وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً فيشاركونهم فيه ويساهمونهم.

[سورة النساء (٤) : الآيات ١٤٧ الى ١٤٩]

ما يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكانَ اللَّهُ شاكِراً عَلِيماً (١٤٧) لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ وَكانَ اللَّهُ سَمِيعاً عَلِيماً (١٤٨) إِنْ تُبْدُوا خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ عَفُوًّا قَدِيراً (١٤٩)
١٤٧- ما يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكانَ اللَّهُ شاكِراً عَلِيماً:
ما يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذابِكُمْ أيتشفى به من الغيظ، أم يدرك به الثأر.
أم يستجلب به نفعا، أم يستدفع به ضررا كما يفعل الملوك بعذابهم، وهو الغنى الذي لا يجوز عليه شىء من ذلك، وإنما هو أمر أوجبته الحكمة أن يعاقب المسيء، فإن قمتم بشكر نعمته وآمنتم به فقد أبعدتم عن أنفسكم استحقاق العذاب.
وَكانَ اللَّهُ شاكِراً مثيبا موفيا أجوركم.
عَلِيماً بحق شكركم وإيمانكم.
١٤٨- لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكانَ اللَّهُ سَمِيعاً عَلِيماً:
إِلَّا مَنْ ظُلِمَ إلا من جهر من ظلم، استثنى من الجهر الذي لا يحبه الله جهر المظلوم وهو أن يدعو على الظالم ويذكره بما فيه من السوء.
١٤٩- إِنْ تُبْدُوا خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ عَفُوًّا قَدِيراً:
إِنْ تُبْدُوا خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ بعد ما أطلق الجهر بالسوء وجعله محبوبا حث على الأحب إليه والأفضل عنده والأدخل فى الكرم والتخشع والعبودية.
وذكره إبداء الخير وإخفائه تشبيبا للعفو.
أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ عطف العفو عليهما اعتدادا به وتنبيها على منزلته وأن له مكانا فى باب الخير وسيطا.
فَإِنَّ اللَّهَ كانَ عَفُوًّا قَدِيراً هذا التعقيب دليل على أن العفو هو الغرض المقصود بذكر إبداء الخير وإخفائه، أي يعفو عن الجانين مع قدرته على الانتقام، فعليكم أن تقتدوا بسنة الله.

[سورة النساء (٤) : الآيات ١٥٠ الى ١٥٣]

إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً (١٥٠) أُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً (١٥١) وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (١٥٢) يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ فَقالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ فَعَفَوْنا عَنْ ذلِكَ وَآتَيْنا مُوسى سُلْطاناً مُبِيناً (١٥٣)
١٥٠- إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا:
جعل الذين آمنوا بالله وكفروا برسله وآمنوا بالله وببعض رسله، وكفروا ببعض، كافرين بالله ورسله جميعا.
وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا أي أن يتخذوا دينا وسطا بين الإيمان والكفر.
١٥١- أُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً:
أُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ أي هم الكاملون فى الكفر.
حَقًّا تأكيد لمضمون الجملة، أي حق ذلك حقا، وهو كونهم كاملين فى الكفر. أو هو صفة لمصدر (الكافرين) أي هم الذين كفروا كفرا حقا ثابتا يقينا لا شك فيه.
١٥٢- وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً:
بَيْنَ أَحَدٍ جاز دخول بَيْنَ على أَحَدٍ وهو يقتضى شيئين فصاعدا، لأن (أحدا) عام فى الواحد المذكر والمؤنث وتثنيتهما وجمعهما.
والمعنى: ولم يفرقوا بين اثنين منهم أو بين جماعة.
١٥٣- يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ فَقالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ فَعَفَوْنا عَنْ ذلِكَ وَآتَيْنا مُوسى سُلْطاناً مُبِيناً:
يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ
روى أن كعب ابن الأشرف وفنحاص بن عازوراء وغيرهما من اليهود قالوا لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم: إن كنت نبيا صادقا فأتنا بكتاب من السماء جملة كما أتى به موسى.
وكانوا اقترحوا هذا على سبيل التعنت فنزلت.
فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى جواب لشرط مقدر، معناه: إن استكبرت ما سألوه منك فقد سألوا موسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ.
جَهْرَةً عيانا، أي أرنا نره جهرة.
بِظُلْمِهِمْ بسبب سؤالهم الرؤية، ولو طلبوا أمرا جائزا لما سموا ظالمين، ولما أخذتهم الصاعقة.
وَآتَيْنا مُوسى سُلْطاناً مُبِيناً تسلطا واستيلاء ظاهرا عليهم حين أمرهم أن يقتلوا أنفسهم حتى يتاب عليهم فأطاعوه.
[سورة النساء (٤) : الآيات ١٥٤ الى ١٥٦]
وَرَفَعْنا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثاقِهِمْ وَقُلْنا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُلْنا لَهُمْ لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً (١٥٤) فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآياتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (١٥٥) وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلى مَرْيَمَ بُهْتاناً عَظِيماً (١٥٦)
١٥٤- وَرَفَعْنا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثاقِهِمْ وَقُلْنا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُلْنا لَهُمْ لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً:
بِمِيثاقِهِمْ بسبب ميثاقهم ليخافوا فلا ينقضوه.
وَقُلْنا لَهُمُ والطور مطل عليهم.
ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً سجدا، نصب على الحال.
لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ باقتناص الحيتان.
١٥٥- فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآياتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا:
فَبِما نَقْضِهِمْ فبنقضهم، و (ما) مزيدة للتوكيد، أي إن العقاب، أو تحريم الطيبات، لم يكن إلا بنقض العهد، وما عطف عليه من الكفر وقتل الأنبياء وغير ذلك.
والباء متعلقة بمحذوف دل على قوله بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْها، فيكون التقدير: فبما نقضهم ميثاقهم طبع الله على قلوبهم.
١٥٦- وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلى مَرْيَمَ بُهْتاناً عَظِيماً:
وَبِكُفْرِهِمْ كرر ليخبر أنهم كفروا كفرا بعد كفر.
وقيل: وبكفرهم بالمسيح، فحذف لدلالة ما بعده عليه.
بُهْتاناً البهتان: الكذب المفرط الذي يتعجب منه، يعنى: التزنية.
[سورة النساء (٤) : الآيات ١٥٧ الى ١٥٩]
وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّباعَ الظَّنِّ وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً (١٥٧) بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً (١٥٨) وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً (١٥٩)
١٥٧- وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً:
وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ رد لقولهم.
وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ ألقى الشبه على غيره. والفعل مسند إلى الجار والمجرور، كما تقول: خيل إليه، كأنه قيل: ولكن وقع لهم التشبيه. ويجوز أن يسند إلى ضمير المقتول، لأن قوله إِنَّا قَتَلْنَا يدل عليه، كأنه قيل:
ولكن شبه لهم من قتلوه.
إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ استثناء منقطع، لأن اتباع الظن ليس من جنس العلم. يعنى: ولكنهم يتبعون الظن.
وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً وما قتلوه قتلا يقينا، أو ما قتلوه متيقنين، كما ادعوا ذلك فى قولهم إِنَّا قَتَلْنَا.
ويجوز أن يكون يَقِيناً تأكيدا لقوله وَما قَتَلُوهُ، كقولك:
ما قتلوه حقا. أي حق انتفاء قتله حقا.
وقيل: هو من قولك: قتلت الشيء علما، إذا تبالغ فيه علمك.
وفيه تهكم.
١٥٨- بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً:
بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ ابتداء كلام مستأنف، أي إلى السماء.
وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً أي قويا بالنقمة من اليهود تسلط عليهم من قتل منهم مقتلة عظيمة.
حَكِيماً حكم عليهم باللعنة والغضب.
١٥٩- وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً:
لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ جملة قسمية واقعة صفة لموصوف محذوف، تقديره:
وان من أهل الكتاب أحد إلا ليؤمنن به.
والمعنى: وما من اليهود والنصارى أحد إلا ليؤمنن قبل موته بعيسى، وبأنه عبد الله ورسوله. والمقصود الوعيد، وليكون علمهم بأنهم لا بد لهم من الإيمان به عن قرب عند المعاينة وأن ذلك لا ينفعهم، بعثا لهم على معاجلة الإيمان به فى أول الانتفاع به، وليكون إلزاما للحجة لهم.
وقيل: الضميران لعيسى، بمعنى: وان منهم أحد إلا ليؤمنن بعيسى قبل موت عيسى وهم أهل الكتاب الذين يكونون فى زمان نزوله. فقد روى أنه ينزل من السماء فى آخر الزمان فلا يبقى أحد من أهل الكتاب إلا يؤمن به، حتى تكون الملة واحدة وهى الإسلام، ويهلك الله فى زمانه الدجال.
وقيل: الضمير فى بِهِ يرجع إلى الله تعالى:
وقيل: إلى محمد صلّى الله عليه وآله وسلم.
وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً يشهد على اليهود بأنهم كذبوه، وعلى النصارى بأنهم دعوه ابن الله.
[سورة النساء (٤) : الآيات ١٦٠ الى ١٦١]
فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيراً (١٦٠) وَأَخْذِهِمُ الرِّبَوا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً (١٦١)
١٦٠- فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيراً:
فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا فبأى ظلم منهم.
والمعنى: ما حرمنا عليهم الطيبات إلا لظلم عظيم ارتكبوه. والطيبات التي حرمت عليهم ما ذكره تعالى فى قوله وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ.
وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيراً أي ناسا كثيرا، أو صدا كثيرا.
١٦١- وَأَخْذِهِمُ الرِّبَوا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً:
بِالْباطِلِ بغير حق.
[سورة النساء (٤) : الآيات ١٦٢ الى ١٦٥]
لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً (١٦٢) إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَعِيسى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهارُونَ وَسُلَيْمانَ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً (١٦٣) وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً (١٦٤) رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً (١٦٥)
١٦٢- لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً:
لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ الثابتون فيه المتقنون المستبصرون، رفع على الابتداء.
وَالْمُؤْمِنُونَ أي المؤمنون منهم، أو المؤمنون من المهاجرين والأنصار.
يُؤْمِنُونَ خبر.
وَالْمُقِيمِينَ نصب على المدح لبيان فضل الصلاة.
وقيل: هو عطف على بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ أي يؤمنون بالكتاب وبالمقيمين الصلاة، وهم الأنبياء.
١٦٣- إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَعِيسى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهارُونَ وَسُلَيْمانَ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً:
إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ جواب لأهل الكتاب عن سؤالهم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم أن ينزل عليهم كتابا من السماء، واحتجاج عليهم بأن شأنه فى الوحى إليه كشأن سائر الأنبياء الذين سلفوا.
١٦٤- وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً:
وَرُسُلًا نصب بمضمر فى معنى: أوحينا إليك، وهو أرسلنا، أو بما فسره قَصَصْناهُمْ.
١٦٥- رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً:
رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ نصب على المدح. وقيل على البدل من وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْناهُمْ.
لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ فيقولوا: ما أرسلت إلينا رسولا، وما أنزلت علينا كتابا.
[سورة النساء (٤) : الآيات ١٦٦ الى ١٦٩]
لكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً (١٦٦) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلالاً بَعِيداً (١٦٧) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً (١٦٨) إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً (١٦٩)
١٦٦- لكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً:
لكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ أي إن الله يشهد أنا أوحينا إليك، وهذا رد على قولهم لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم، حين نزل إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ: ما نشهد لك بهذا.
ومعنى شهادة الله بما أنزل إليه إثباته لصحته بإظهار المعجزات، كما تثبت الدعاوى بالبينات.
الْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ بأنه حق وصدق.
وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً وإن لم يشهد غيره. أي وتغنيك أيها الرسول شهادة الله عن كل شهادة.
١٦٧- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلالًا بَعِيداً:
أي إن الذين كفروا فلم يصدقوك، وصدوا الناس ومنعوهم عن الدخول فى دين الله، قد بعدوا عن الحق بعدا شديدا.
١٦٨- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً:
كَفَرُوا وَظَلَمُوا جمعوا بين الكفر والمعاصي.
١٦٩- إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً:
أي لا يهديهم يوم القيامة طريقا إلا طريق جهنم.
يَسِيراً أي لا صارف عنه.

[سورة النساء (٤) : الآيات ١٧٠ الى ١٧١]

يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (١٧٠) يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلهٌ واحِدٌ سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلاً (١٧١)
١٧٠- يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً:
فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ انتصابه بمضمر، أي اقصدوا، أو اثنوا خيرا لكم مما أنتم فيه من الكفر.
١٧١- يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلهٌ واحِدٌ سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا:
لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غلت اليهود فى حط المسيح عن منزلته حيث جعلته مولودا لغير رشدة وغلت النصارى فى رفعه عن مقداره حيث جعلوه إلها.
وَكَلِمَتُهُ لأنه وجد بكلمة منه وأمر لا غير.
أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ أوصلها إليها وحصلها فيها.
ثَلاثَةٌ خبر مبتدأ محذوف، أي الآلهة ثلاثة، أو لله ثلاثة أقانيم:
أقنوم الأب، وأقنوم الابن، وأقنوم روح القدس، ويريدون بأقنوم الأب: الذات، وبأقنوم الابن: العلم، وبأقنوم روح القدس: الحياة.
ومدلول القرآن صريح فى أنهم يريدون بالثلاثة: الله ومريم والمسيح.
يدل عليه قوله تعالى أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ.
سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ سبحه تسبيحا من أن يكون له ولد.
لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ بيان لتنزهه عما نسب إليه.
يعنى أن كل ما فيها خلقه وملكه، فكيف يكون بعضه جزءا منه، على أن الجزء إنما يصح فى الأجسام وهو متعال عن صفات الأجسام والأعراض.
وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا يكل إليه الخلق كلهم أمورهم، فهو الغنى عنهم وهم الفقراء إليه.
[سورة النساء (٤) : الآيات ١٧٢ الى ١٧٤]
لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً (١٧٢) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذاباً أَلِيماً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (١٧٣) يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً (١٧٤)
١٧٢-نْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً
ْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ
لن يأنف المسيح ولن يذهب بنفسه عزة.
لَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ
ولا من هو أعلى قدرا وأعظم منه خطرا وهم الملائكة الذين هم حول العرش.
١٧٣- فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذاباً أَلِيماً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً:
فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ فيوفيهم ثواب أعمالهم.
وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إكراما وإنعاما.
وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا أنفوا أن يعبدوه.
وَاسْتَكْبَرُوا وترفعوا أن يشكروه.
وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً لن يدفع عنهم العذاب معين، ولا يمنعهم منهم نصير.
١٧٤- يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً:
يا أَيُّهَا النَّاسُ جميعا.
قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ قد جاءتكم الدلائل الواضحة على صدق الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم.
وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً وأنزلنا إليكم على لسانه قرآنا كالنور، يضىء الطريق ويهديكم إلى النجاة.
[سورة النساء (٤) : الآيات ١٧٥ الى ١٧٦]
فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِراطاً مُسْتَقِيماً (١٧٥) يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُها إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كانُوا إِخْوَةً رِجالاً وَنِساءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١٧٦)
١٧٥- فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِراطاً مُسْتَقِيماً:
وَاعْتَصَمُوا بِهِ وتمسكوا بدينه.
فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ فسيدخلهم فى الآخرة جناته.
وَفَضْلٍ ويغمرهم بفيض رحمته ويشملهم بواسع فضله.
وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِراطاً مُسْتَقِيماً وسيوفقهم فى الدنيا إلى الثبات على صراطه المستقيم.
١٧٦- يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُها إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كانُوا إِخْوَةً رِجالًا وَنِساءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ:
(يسألونك) أيها النبي صلّى الله عليه وآله وسلم.
فِي الْكَلالَةِ عن ميراث من مات ولا ولد له ولا والد.
يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ يبين الله لكم هذا البيان.
أَنْ تَضِلُّوا حتى لا تضلوا فى تقسيم الأنصباء.
وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ والله عالم بكل شىء من أعمالكم وأفعالكم، ومجازيكم عليها.
Icon