تفسير سورة سورة محمد من كتاب جامع البيان في تفسير القرآن
.
لمؤلفه
الإيجي محيي الدين
.
المتوفي سنة 905 هـ
سورة محمد مدنية وقيل مكية
وهي ثماني أو تسع وثلاثون آية وأربع ركوعات
ﰡ
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿ الذين كفروا وصدوا ﴾ : أعرضوا، أو منعوا الناس،
﴿ عن سبيل الله ﴾ : عن الدخول في الإسلام،
﴿ أضل أعمالهم ﴾ : أبطلها، وما جعل لها ثوابا كتصدقهم وصلة أرحامهم،
﴿ والذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل على محمد ﴾ تخصيص بعد التعميم تعظيما لشأنه، وأكده بالجملة الاعتراضية يعني قوله :﴿ وهو الحق من ربهم ﴾، الظرف حال من ضمير الحق، ﴿ كفر عنهم سيئاتهم وأصلح بالهم ﴾ : حالهم وأمرهم،
﴿ ذلك ﴾ أي : الإضلال والتكفير، ﴿ بأن الذين كفروا اتبعوا الباطل ﴾ : الشيطان، ﴿ وأن الذين آمنوا اتبعوا الحق ﴾ : القرآن، ﴿ من ربهم ﴾ حال من الحق، ﴿ كذلك ﴾ : مثل ذلك الضرب، ﴿ يضرب الله للناس أمثالهم ﴾ أي : لأجل الناس أمثال الفريقين، أو أمثال الناس للناس بأن جعل إتباع الباطل والإضلال مثلا للكفار، وإتباع الحق والتكفير مثلا للمؤمنين،
﴿ فإذا لقيتم الذين كفروا ﴾ : حاربتموهم، ﴿ فضرب الرقاب ﴾ أي : فاضربوا رقابهم ضربا قدم المصدر مضافا إلى المفعول بعد حذف فعله، والمراد منه القتل بأي وجه كان، ﴿ حتى إذا أثخنتموهم ﴾ : أغلظتم قتلهم، وجعلتموه كثيرا كثيفا قال تعالى :﴿ ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض ﴾[ الأنفال : ٢٧ ] ﴿ فشدوا الوثاق ﴾ أي : فأسروهم، والوثاق ما يوثق به، ﴿ فإما منا بعد وإما فداء ﴾ أي : تمنون منا بعد الأسر، أو يفدون فداء أراد التخيير بين الإطلاق بلا عوض وبين العوض، وعند بعض السلف أنها منسوخة بقوله ﴿ فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ﴾ الآية [ التوبة : ٥ ]، والأكثرون على أنها محكمة، ثم قال بعضهم التخيير بين القسمين فلا يجوز قتله، والأكثرون منهم وهو قول أكثر السلف على التخيير بين المن والمفاداة والقتل والاسترقاق، ﴿ حتى تضع الحرب أوزارها ﴾ : أثقالها وآلاتها أي : لا يبقى حرب، وهو بأن لا يبقى كافر ﴿ وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة، ويكون الدين كله لله ﴾[ الأنفال : ٣٩ ] قيل : حتى تضع الحرب آثام أهلها بأن يتوبوا، أو شرك أهلها وقبائحهم، ﴿ ذلك ﴾ أي : الأمر ذلك، ﴿ ولو يشاء الله لانتصر ﴾ : لانتقم، ﴿ منهم ﴾ : بأن أهلكهم من غير قتال، ﴿ ولكن ﴾ شرع لكم الجهاد، ﴿ ليبلو ﴾ : الله تعالى :﴿ بعضكم ببعض ﴾ : فيمحص ويخلص المؤمنين بالجهاد، ويمحق الكافرين فهو من البلية، أو من الابتلاء أي : الاختبار قال تعالى :﴿ أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولم يعلم الله ﴾ الآية [ آل عمران : ١٤٢ ]، ﴿ والذين قتلوا ﴾ : جاهدوا، ﴿ في سبيل الله فلن يضل ﴾ : يضيع، ﴿ أعمالهم ﴾
﴿ سيهديهم ﴾ : إلى سبل السلام، ﴿ ويصلح بالهم ﴾ : حالهم فيما بقى من عمرهم، وفي الآخرة،
﴿ ويدخلهم الجنة عرفها لهم ﴾ : بينها لهم فكل منهم يعرف منزله، وفي البخاري " والذي نفس محمد بيده إن أحدهم بمنزله في الجنة أهدى به بمنزله كان في الدنيا " وعن بعض : طيبها لهم من العرف وهو طيب الرائحة قيل : عرفها لهم في الدنيا حتى اشتاقوا إليها،
﴿ يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ﴾ أي : في دينه، ﴿ ينصركم ﴾ : على عدوكم، ﴿ ويثبت أقدامكم ﴾ : في الجهاد والطاعات،
﴿ والذين كفروا فتعسا لهم ﴾، مفعول مطلق وجب حذف فعله أي : تعس أو أتعسه الله تعالى تعسا أي : أهلكه إهلاكا، والجملة خبر الذين كفروا كأنه قال والذين كفروا أهلكهم الله ﴿ وأضل أعمالهم ﴾، عطف على ناصب تعسا،
﴿ ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله ﴾ : القرآن، ﴿ فأحبط أعمالهم ﴾
﴿ أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم دمر ﴾ : استأصل، ﴿ الله عليهم وللكافرين أمثالها ﴾ أي : ولمطلق الكافرين أمثال تلك العاقبة، فيه وعيد لقريش،
﴿ ذلك بأن الله مولى ﴾ : ناصر، ﴿ الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم ﴾ : لا ناصر لهم، ولكن هو مولاهم بمعنى مالكهم.
﴿ إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار والذين كفروا يتمتعون ﴾ : في الدنيا بها، ﴿ ويأكلون كما تأكل الأنعام ﴾ : لا يهتمون بالحل، والحرمة، ولا بالقلة والكثرة لا شكر ولا حمد، ﴿ والنار مثوى ﴾ : منزل،
﴿ لهم وكأين من قرية ﴾ أي : وكم من أهل قرية، ﴿ هي أشد قوة من قريتك ﴾ : مكة، أي : من أهلها، ﴿ التي أخرجتك ﴾ : كانوا سبب خروجك، ﴿ أهلكناهم ﴾ : بأنواع العذاب، ﴿ فلا ناصر لهم ﴾، معناه على المضي أي : لم يكن لهم ناصر فهو كالحال المحكية نزلت حين قال- عليه السلام- في الغار ملتفتا إلى مكة :" أنت أحب بلاد الله إلى الله وأحب بلاد الله إلي ولو أن المشركين لم يخرجوني لم أخرج منك "، فأعدى الأعداء من عدا على الله في حرمه، أو قتل غير قاتله،
﴿ أفمن كان على بينة ﴾ : حجة، ﴿ من ربه ﴾ : كالقرآن والدلائل، ﴿ كمن زين له سوء عمله واتبعوا ﴾، جمع الضمير باعتبار المعنى، ﴿ أهواءهم ﴾ : لا حجة لهم أصلا،
﴿ مثل الجنة التي وعد المتقون ﴾ أي : وعدها، ﴿ فيها أنهار من ماء غير آسن ﴾ : غير متغير طعمه ولا ريحه، ﴿ وأنهار من لبن لم يتغير طعمه ﴾ : لم يصر حامضا ولا قارصا، ﴿ وأنهار من خمر لذة للشاربين ﴾ : طيبة الطعم والرائحة لا فيها غول، وهي تأنيث لذ، وهو اللذيذ أو مصدر وصف به للمبالغة، ﴿ وأنهار من عسل مصفى ﴾ : من الشمع الوسخ، ﴿ ولهم فيها من كل الثمرات ﴾ أي : بعضه، ﴿ ومغفرة ﴾، عطف على معنى من كل الثمرات، ﴿ من ربهم كمن هو خالد في النار وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم ﴾ : من شدة الحرارة، واعلم أن " مثل الجنة " مبتدأ خبره " كمن هو خالد " بتقدير في الخبر والمبتدأ على حاله أي : كمثل جزاء من هو خالد أو في المبتدأ، أو الخبر على حاله أي : مثل أهل الجنة كمن هو خالد وقوله " فيها أنهار " إما صلة لا بعد صلة، أو استئناف، أو مثل مبتدأ، وفيه أنهار خبره من غير احتياج بتقدير أي : صفتها هذه، أو مبتدأ خبره محذوف أي : فيما قصصنا عليكم مثل الجنة ثم أخذ يبين، وعلى هذين الوجهين كمن هو خالد خبر محذوف أي : المنفي الذي له تلك الجنة كمن هو خالد، والقرينة وعد المتقون،
﴿ ومنهم من يستمع إليك ﴾ : المنافقون يحضرون ويسمعون كلامه الأشرف، ﴿ حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم ﴾ : علماء الصحابة، ﴿ ماذا قال ﴾ : محمد، ﴿ آنفا ﴾ : الساعة استهزاء وإعلاما بأنا ما كنا ملتفتين إليه مستمعين له، آنفا ظرف بمعنى أول وقت يقرب منا، ﴿ أولئك الذين طبع الله على قلوبهم ﴾ : ختم عليها فلا يدخل فيها الهدى، ﴿ واتبعوا أهواءهم ﴾
﴿ والذين اهتدوا زادهم ﴾ : الله، أو قول الرسول، ﴿ هدى ﴾ : وفقهم على تكثير الحسنات وتقليل السيئات، ﴿ وآتاهم تقواهم ﴾ : أعانهم على التقوى أو أعطاهم ثواب التقوى أو بين لهم ما يتقون،
﴿ فهل ينظرون ﴾ : ينتظرون، ﴿ إلا الساعة ﴾ أي : لا يؤخرون الإيمان إلا لانتظار القيامة، ﴿ أن تأتيهم بغتة ﴾، بدل اشتمال من الساعة، ﴿ فقد جاء أشراطها ﴾ كالعلة كأنه قال لا ينتظرون إلا إتيانها بغتة ؛ لأنه قد جاء أشراطها، وبعد مجيء الأشراط لابد من وقوع الساعة، ومن أشراطها مبعث رسول الله- صلى الله عليه وسلم ﴿ فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم ﴾ : فمن أين لهم التذكر والاتعاظ إذا جاءتهم الساعة ؟ يعني حينئذ لا تنفعهم،
﴿ فاعلم أنه لا إله إلا الله ﴾ أي : إذا علمت حال الفريقين فاثبت على التوحيد، ﴿ واستغفر لذنبك ﴾، ذكره للتوطئة والتمهيد لقوله :﴿ وللمؤمنين والمؤمنات ﴾، فالمقصود الاستغفار لهم، وأمره به لتستن به أمته، ﴿ والله يعلم متقلبكم ﴾ : متصرفكم بالنهار، ﴿ ومثواكم ﴾ : مستقركم في الليل، أو متقلبكم في الدنيا ومثواكم في الآخرة، أو متقلبكم من ظهر إلى بطن، ومثواكم مقامكم في الأرض أو في القبور.
﴿ ويقول الذين آمنوا لولا ﴾ : هلا، ﴿ نزلت سورة ﴾ : تأمرنا بالجهاد، ﴿ فإذا أنزلت سورة محكمة ﴾ : غير منسوخة، ﴿ وذكر فيها القتال ﴾ : الأمر به، ﴿ رأيت الذين في قلوبهم مرض ﴾ : من كان له ضعف دين، ﴿ ينظرون إليك ﴾ : عند الموت، ﴿ نظر المغشي عليه من الموت ﴾ أي : كنظر من أصابته الغشية عند الموت من رعبهم وجبنهم،
﴿ فأولى لهم طاعة وقول معروف ﴾ أي : كان الأولى بهم طاعة الله، وقول معروف بالإجابة، أو معناه فالويل لهم من الولي، وأصله أولاه الله ما يكرهه، واللام مزيدة أي : هذا الويل لهم، ثم قال ﴿ طاعة ﴾ أي : أمرهم طاعة أو طاعة خير لهم، ﴿ فإذا عزم ﴾ : جد، ﴿ الأمر ﴾ : وفرض القتال، ﴿ فلو صدقوا الله ﴾ : في الإيمان والطاعة، ﴿ لكان ﴾ : الصدق، ﴿ خيرا لهم ﴾، وعن بعضهم إذا عزم الأمر حضر القتال فلو صدقوا الله : أخلصوا له النية لكان خيرا لهم،
﴿ فهل عسيتم ﴾ : يتوقع منكم، ﴿ إن توليتم ﴾ : بمعنى الإعراض أي : أعرضتم عن الدين أو رجعتم عن الجهاد، ﴿ أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم ﴾ : أن تعودوا إلى أمر الجاهلية، أو بمعنى الولاية أي : تأمرتم أن تظلموا ولم تعدلوا فدخلت هل على ما يتضمنه عسى من معنى التوقع يعني : هم لضعف دينهم بحيث يتوقع من عرفهم ذلك منهم، ويقول لهم هل عسيتم
﴿ أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم ﴾ : فلا يستمعون الحق ولا يهتدون،
﴿ أفلا يتدبرون القرآن ﴾ : فيتعظون بمواعظه، ﴿ أم على قلوب أقفالها ﴾ أي : أم يتدبرون لكن عليها القفل، فلا يدخل فيها الحق، وتنكير قلوب للتهويل كأنه قيل لا يقادر قدرها في القسوة والإقفال، أو لأن المراد قلوب بعض، وإضافة الأقفال للدلالة على أقفال مناسبة لها لا تجانس الأقفال المعهودة، وقيل : أم منقطعة والهمزة للتقرير،
﴿ إن الذين ارتدوا على أدبارهم ﴾ : رجعوا إلى كفرهم وهم المنافقون، ﴿ من بعد ما تبين لهم الهدى ﴾ : بالمعجزات، أو هم كفار أهل الكتاب كفروا بمحمد- عليه الصلاة والسلام- بعد ما عرفوه من كتابهم، ﴿ الشيطان سول ﴾ : زين وسهل، ﴿ لهم وأملى لهم ﴾ : مد لهم في الآمال، أو أمهلهم الله تعالى، وقراءة أملى على فعل المتكلم يدل على الثاني أي : وأنا أمهلهم ولا أعجلهم بالعقوبة،
﴿ ذلك بأنهم ﴾ : المنافقين، ﴿ قالوا ﴾ : سرا، ﴿ للذين كرهوا ما نزل الله ﴾، هم المشركون، أو كفار أهل الكتاب، أو قال كفار أهل الكتاب للمشركين :﴿ سنطيعكم في بعض الأمر ﴾ : بعض أموركم في عداوة الإسلام، ﴿ والله يعلم إسرارهم ﴾ : أفشا الله تعالى أسرارهم وأفضحهم،
﴿ فكيف ﴾ : يعملون، ﴿ إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم ﴾ : ليستخرجوا أرواحهم بالقهر،
﴿ ذلك ﴾ : التوفي بالموصوف ﴿ بأنهم اتبعوا ما أسخط الله ﴾ : من الكفر وعداوة الإسلام، ﴿ وكرهوا رضوانه ﴾ : ما يرضاه، ﴿ فأحبط أعمالهم ﴾ : حسناتهم التي عملوا.
﴿ أم حسب الذين في قلوبهم مرض ﴾ : نفاق، ﴿ أن لن يخرج الله ﴾ : يبرز ويظهر، ﴿ أضغانهم ﴾ : أحقادهم، وأم منقطعة، والهمزة للإنكار،
﴿ ولو نشاء لأريناكهم ﴾ : عرّفناهم بأشخاصهم، ﴿ فلعرفتهم بسيماهم ﴾ : بأن جعلنا على المنافقين علامة تعرفهم بها، لكن لم يفعل سترا منه على خلقه، وعن ابن عباس- رضي الله عنهما- ما خفى على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بعد نزول هذه الآية أحد من المنافقين يعرفهم بسيماهم، فكأنه- رضي الله عنه- حمله على أنه وعد بالوقوع دال على الامتناع فيما سلف، ولام الجواب كررت في المعطوف، ﴿ ولتعرفنهم في لحن القول ﴾ هو إزالة الكلام عن جهته إلى تورية فكان بعد ذلك ما تكلم منافق عند رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلا استدل بفحوى كلامه على فساد باطنه، وهو جواب قسم محذوف، والواو لعطف القسمية على الشرطية، ﴿ والله يعلم أعمالكم ﴾
﴿ ولنبلونكم ﴾ : نعاملكم معاملة المختبر بالتكاليف، ﴿ حتى نعلم ﴾ : نرى ونميز، ﴿ المجاهدين منكم والصابرين ﴾ : على مشاقها، ﴿ ونبلو أخباركم ﴾ : نعلم أو تطهر أحوالكم وأعمالكم أو نختبر أخباركم عن الإيمان أنه عن صدق القلب أو عن اللسان وحده،
﴿ إن الذين كفروا وصدوا ﴾ : الناس :﴿ عن سبيل الله وشاقوا الرسول ﴾ : خاصموه، ﴿ من بعد ما تبين لهم الهدى لن يضروا الله شيئا ﴾ : من المضرة إنما يضرون أنفسهم، ﴿ وسيحبط أعمالهم ﴾ : ثواب حسناتهم،
﴿ يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالكم ﴾ : بالردة، والنفاق أو بالرياء والمن والأذى أو بالكبائر، وعن أبي العالية : كنا معاشر الصحابة نرى أنه لا يضر مع الإيمان ذنب كما لا ينفع مع الشرك عمل حتى نزلت ﴿ ولا تبطلوا أعمالكم ﴾، فخفنا أن يبطل الذنب العمل، وعن ابن عمر- رضي الله عنهما- قريب منه،
﴿ إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله ثم ماتوا وهم كفار فلن يغفر الله لهم ﴾، دل بمفهومه على أنه قد يغفر الذنوب لمن لم يمت على الكفر،
﴿ فلا تهنوا ﴾ : تضعفوا، ﴿ وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون ﴾ : ولا تدعوهم إلى الصلح حال كونكم الأغلبين، ﴿ والله معكم ﴾ : بالنصر، ﴿ ولن يتركم أعمالكم ﴾، منصوب بنزغ الخافض أي : لن يفردكم الله منها بأن يضيع، أو بالمفعول لتضمين معنى السلب،
﴿ إنما الحياة الدنيا لعب ولهو ﴾ : لا أصل لها ولا ثبات، ﴿ وإن تؤمنوا وتتقوا يؤتكم أجوركم ﴾ : ثواب أعمالكم، ﴿ ولا يسألكم ﴾ : ربكم، ﴿ أموالكم ﴾ أي : شيئا منها، فإنه غني عنها، والأمر بالصدقات لنفعكم ما أريد منهم رزق، أو جميع أموالكم، بل يسأل شيئا يسيرا منها،
﴿ إن يسألكموها فيحفكم ﴾ : يطلب منكم جميعه، ﴿ تبخلوا ﴾ : فلا تعطوا، ﴿ ويخرج ﴾ : الله، ﴿ أضغانكم ﴾ : عداوتكم على من يطلب منكم،
﴿ هأنتم هؤلاء ﴾، مبتدأ وخبر أي : أنتم هؤلاء الموصوفون وحينئذ قوله :﴿ تدعون لتنفقوا ﴾، استئناف مقرر لذلك، أو هؤلاء موصول، وتدعون صلته، ﴿ في سبيل الله ﴾ : طرق الخير، ﴿ فمنكم من يبخل ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه ﴾ : ضرر البخل راجع إليها، ﴿ والله الغني وأنتم الفقراء ﴾ : فلا يأمركم إلا بما يسد احتياجكم، ﴿ وإن تتولوا ﴾، عطف على وإن تؤمنوا، ﴿ يستبدل قوما غيركم ﴾ : يقم مقامكم قوما آخرين، ﴿ ثم لا يكونوا أمثالكم ﴾ : في التولي ؛ بل سامعين طائعين، وفي الحديث " من هؤلاء الذين إن تولينا استبدلوا بنا، ثم لا يكونا أمثالنا، فضرب عليه السلام يده على كتف سلمان، ثم قال : هذا وقومه، ولو كان الدين عند الثريا لتناوله رجال من الفرس " وعن الحسن : هم العجم، وعن عكرمة : فارس والروم.
ولله الحمد والمنة.