تفسير سورة القلم

تفسير ابن كثير
تفسير سورة سورة القلم من كتاب تفسير القرآن العظيم المعروف بـتفسير ابن كثير .
لمؤلفه ابن كثير . المتوفي سنة 774 هـ
تفسير سورة " ن "
وهي مدنية.

تَفْسِيرُ سُورَةِ "ن"
وَهِيَ مَدَنِيَّةٌ.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

﴿ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ (١) مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (٢) وَإِنَّ لَكَ لأجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ (٣) وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (٤) فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ (٥) بِأَيِّيكُمُ الْمَفْتُونُ (٦) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (٧) ﴾
قَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى حُرُوفِ الْهِجَاءِ فِي أَوَّلِ "سُورَةِ الْبَقَرَةِ"، وَأَنَّ قَوْلَهُ: ﴿ن﴾ كَقَوْلِهِ: ﴿ص﴾ ﴿ق﴾ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَةِ فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ، وَتَحْرِيرُ الْقَوْلُ فِي ذَلِكَ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ.
وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: ﴿ن﴾ حُوتٌ عَظِيمٌ عَلَى تَيَّارِ الْمَاءِ الْعَظِيمِ الْمُحِيطِ، وَهُوَ حَامِلٌ (١) لِلْأَرَضِينَ السَّبْعِ، كَمَا قَالَ الْإِمَامُ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ:
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ -هُوَ الثَّوْرِيُّ-حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ -هُوَ الْأَعْمَشِ-عَنْ أَبِي ظَبْيان، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمَ قَالَ: اكْتُبْ. قَالَ: وَمَا أَكْتُبُ؟ قَالَ: اكْتُبِ القَدَر. فَجَرَى بِمَا يَكُونُ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ إِلَى يَوْمِ قِيَامِ السَّاعَةِ. ثُمَّ خَلَقَ "النُّونَ" وَرَفَعَ بُخَارَ الْمَاءِ، ففُتِقت مِنْهُ السَّمَاءُ، وَبُسِطَتِ الْأَرْضُ عَلَى ظَهْرِ النُّونِ، فَاضْطَرَبَ النُّونُ فَمَادَتِ الْأَرْضُ، فَأُثْبِتَتْ بِالْجِبَالِ، فَإِنَّهَا لَتَفْخَرُ عَلَى الْأَرْضِ (٢).
وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ سِنان، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، بِهِ. وَهَكَذَا رَوَاهُ شُعْبَةُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ فُضَيل، وَوَكِيع، عَنِ الْأَعْمَشِ، بِهِ. وَزَادَ شُعْبَةُ فِي رِوَايَتِهِ: ثُمَّ قَرَأَ: ﴿ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ﴾ وَقَدْ رَوَاهُ شَرِيكٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ -أَوْ مُجَاهِدٍ-عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ. وَرَوَاهُ مَعْمَر، عَنِ الْأَعْمَشِ: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ... فَذَكَرَهُ، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ﴾ ثُمَّ قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِنَّ أَوَّلَ شَيْءٍ خَلَقَ رَبِّي، عَزَّ وَجَلَّ، الْقَلَمُ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: اكْتُبْ. فَكَتَبَ مَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ. ثُمَّ خَلَقَ "النُّونَ" فَوْقَ الْمَاءِ، ثُمَّ كَبَسَ الأرض عليه (٣).
(١) في أ: "وهو الحامل".
(٢) تفسير الطبري (٢٩/٩).
(٣) تفسير الطبري (٢٩/١٠).
184
وَقَدْ رَوَى الطَّبَرَانِيُّ ذَلِكَ مَرْفُوعًا فَقَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حَبِيبٍ (١) زَيْدُ بْنُ الْمُهْتَدِي الْمَرُّوذِيُّ (٢) حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَعْقُوبَ الطَّالَقَانِيُّ، حَدَّثَنَا مُؤَمَّل بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى مُسْلِمِ بْنِ صَبِيح، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمُ وَالْحُوتُ، قَالَ لِلْقَلَمِ: اكْتُبْ، قَالَ: مَا أَكْتُبُ، قَالَ: كُلَّ شَيْءٍ كَائِنٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ". ثُمَّ قَرَأَ: ﴿ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ﴾ فَالنُّونُ: الْحُوتُ. وَالْقَلَمُ: الْقَلَمُ (٣).
حَدِيثٌ آخَرُ فِي ذَلِكَ: رَوَاهُ ابْنُ عَسَاكِرَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مَوْلَى بَنِي أُمَيَّةَ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرة: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم يقول: "إِنَّ أَوَّلَ شَيْءٍ خَلَقَهُ اللَّهُ الْقَلَمُ، ثُمَّ خَلَقَ "النُّونَ" وَهِيَ: الدَّوَاةُ. ثُمَّ قَالَ لَهُ: اكْتُبْ. قَالَ وَمَا أَكْتُبُ؟ قَالَ: اكْتُبْ مَا يَكُونُ -أَوْ: مَا هُوَ كَائِنٌ-مِنْ عَمَلٍ أَوْ رِزْقٍ أَوْ أَثَرٍ أَوْ أَجَلٍ. فَكَتَبَ ذَلِكَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ﴾ ثُمَّ خَتَمَ عَلَى الْقَلَمِ فَلَمْ يَتَكَلَّمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ خَلَقَ الْعَقْلَ وَقَالَ: وَعِزَّتِي لَأُكَمِّلَنَّكَ فِيمَنْ أَحْبَبْتُ، وَلَأَنْقُصَنَّكَ مِمَّنْ أَبْغَضْتُ" (٤).
وَقَالَ ابْنُ أَبِي نَجِيح: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ أَخْبَرَهُ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: كَانَ يُقَالُ: النُّونُ: الْحُوتُ [الْعَظِيمُ] (٥) الَّذِي تَحْتَ الْأَرْضِ السَّابِعَةِ.
وَذَكَرَ الْبَغَوِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ: إِنَّ عَلَى ظَهْرِ هَذَا الْحُوتِ صَخْرَةً سمكها كغلظ السموات وَالْأَرْضِ، وَعَلَى ظَهْرِهَا ثَوْرٌ لَهُ أَرْبَعُونَ أَلْفَ قَرْنٍ، وَعَلَى مَتْنِهِ الْأَرَضُونَ السَّبْعُ وَمَا فِيهِنَّ وَمَا بَيْنَهُنَّ (٦) فَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَمِنَ الْعَجِيبِ (٧) أَنَّ بَعْضَهُمْ حَمَلَ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى الْحَدِيثَ الَّذِي رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ:
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنَا حُمَيد، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ بَلَغه مَقْدَم رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، فَأَتَاهُ فَسَأَلَهُ عَنْ أَشْيَاءَ، قَالَ: إِنِّي سَائِلُكَ عَنْ أَشْيَاءَ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا نَبِيٌّ، قَالَ: مَا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ؟ وَمَا أَوَّلُ طَعَامِ يَأْكُلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ؟ وَمَا بَالُ الْوَلَدِ يَنْزِعُ إِلَى أَبِيهِ؟ وَالْوَلَدُ يَنْزِعُ إِلَى أُمِّهِ؟ قَالَ: "أَخْبَرَنِي بِهِنَّ جِبْرِيلُ آنِفًا". قَالَ ابْنُ سَلَامٍ: فَذَاكَ عَدُوُّ الْيَهُودِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ. قَالَ: "أَمَّا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ فَنَارٌ تَحشرهم (٨) مِنَ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ. وَأَوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ زيادةُ كَبِدِ حُوتٍ. وَأَمَّا الْوَلَدُ فَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الرَّجُلِ مَاءَ الْمَرْأَةِ نَزَعَ الْوَلَدُ، وَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الْمَرْأَةِ مَاءَ الرَّجُلِ نَزَعَتْ".
(١) في أ: "أبو صهيب".
(٢) في أ: "المهدى".
(٣) المعجم الكبير (١١/٤٣٣) وقال: "لم يرفعه عن حماد بن زيد إلا مؤمل بن إسماعيل". ومؤمل كثير الخطأ، فلعله أخطأ في رفعه.
(٤) تاريخ دمشق (١٧/٤٩٢ "المخطوط") ورواه الحكيم الترمذي كما في إتحاف السادة المتقين (١/٤٥٤) من طريق يحيى الغساني، عن أبي عبد الله، عن أبي صالح، به. ورواه ابن عدي في الكامل (٦/٢٦٩) من طريق محمد بن وهب، عن مسلم، عن مَالِكٌ، عَنْ سُمَيٍّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا بنحوه، قال: "هذا بهذا الإسناد باطل منكر" وآفته محمد بن وهب. قال الذهبي في الميزان: "صدق ابن عدي في أن هذا الحديث باطل".
(٥) زيادة من م.
(٦) معالم التنزيل (٨/١٨٦) وهذا من الإسرائيليات كما ذكر ذلك الشيخ محمد أبو شهبة في كتابه: "الإسرائيليات والموضوعات في كتب التفسير" (ص٣٠٥) وقال الإمام ابن القيم في المنار المنيف (ص٧٦) في ذكر علامات الوضع: "أن يكون الحديث مما تشهد الشواهد الصحيحة على بطلانه، ومن هذا حديث: "إن الأرض على صخرة، والصخرة على قرن ثور، فإذا حرك الثور قرنه تحركت الصخرة، فتحركت الأرض، وهي الزلزلة" والعجب من مسود كتبه بهذه الهذيانات". أ. هـ.
(٧) في أ: "ومن العجب".
(٨) في أ: "تحشر الناس".
185
وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طُرُقٍ عَنْ حُمَيد، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا (١) وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ ثَوْبَانَ -مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-نَحْوُ هَذَا. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أَسْمَاءَ الرَّحْبِيِّ، عَنْ ثَوْبَانَ: أَنَّ حَبْرًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن مَسَائِلَ، فَكَانَ مِنْهَا أَنْ قَالَ: فَمَا تُحْفَتُهُمْ؟ -يَعْنِي أَهْلَ الْجَنَّةِ حِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ-قَالَ: "زِيَادَةُ كَبِدِ الْحُوتِ". قَالَ: فَمَا غِذَاؤُهُمْ عَلَى أَثَرِهَا؟ قَالَ: "يُنْحَرُ لَهُمْ ثَوْرُ الْجَنَّةِ الَّذِي كَانَ يَأْكُلُ مِنْ أَطْرَافِهَا". قَالَ: فَمَا شَرَابُهُمْ عَلَيْهِ؟ قَالَ: "مِنْ عَيْنٍ فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا " (٢).
وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: ﴿ن﴾ لَوْحٌ مِنْ نُورٍ.
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ شَبِيبٍ الْمُكْتِبُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ الْجَزَرِيُّ، عَنْ فُرَاتِ بْنِ أَبِي الْفُرَاتِ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرّة، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ﴿ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ﴾ لَوْحٌ مِنْ نُورٍ، وَقَلَمٌ مِنْ نُورٍ، يَجْرِي بِمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ" (٣) وَهَذَا مُرْسَلٌ غَرِيبٌ.
وَقَالَ ابْنُ جُرَيج (٤) أُخْبِرْتُ أَنَّ ذَلِكَ الْقَلَمَ مِنْ نُورٍ طُولُهُ مِائَةُ عَامٍ.
وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: ﴿ن﴾ دَوَاةٌ، وَالْقَلَمُ: الْقَلَمُ. قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ:
حَدَّثَنَا عَبْدِ الْأَعْلَى، حَدَّثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَر، عَنِ الْحَسَنِ وَقَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: ﴿ن﴾ قَالَا هِيَ الدَّوَاةُ.
وَقَدْ رُوِيَ فِي هَذَا حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ غَرِيبٌ جِدًّا فَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ:
حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مَوْلَى بَنِي أُمَيَّةَ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "خَلَقَ اللَّهُ النُّونَ، وَهِيَ الدَّوَاةُ" (٥).
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، حَدَّثَنَا أَخِي عِيسَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ الثُّمَالِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ النُّونَ -وَهِيَ الدَّوَاةُ-وَخَلَقَ الْقَلَمَ، فَقَالَ: اكْتُبْ. قَالَ: وَمَا أَكْتُبُ؟ قَالَ: اكْتُبْ مَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مِنْ عَمَلٍ مَعْمُولٍ، بِهِ بِرٍّ أَوْ فُجُورٍ، أَوْ رِزْقٍ مَقْسُومٍ حَلَالٍ أَوْ حَرَامٍ. ثُمَّ أَلْزَمَ كُلَّ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، شَأْنَهُ: دُخُولَهُ فِي الدُّنْيَا، وَمَقَامَهُ فِيهَا كَمْ؟ وَخُرُوجَهُ مِنْهَا كَيْفَ؟ ثُمَّ جَعَلَ عَلَى الْعِبَادِ حَفَظَةً، وَلِلْكِتَابِ خُزَّانًا، فَالْحَفَظَةُ يَنْسَخُونَ كُلَّ يَوْمٍ مِنَ الْخُزَّانِ عَمَلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ، فَإِذَا فَنِيَ الرِّزْقُ وَانْقَطَعَ الْأَثَرُ وَانْقَضَى الْأَجَلُ، أَتَتِ الْحَفَظَةُ الْخَزَنَةَ يَطْلُبُونَ عَمَلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ، فَتَقُولُ لَهُمُ الْخَزَنَةُ: مَا نَجِدُ لِصَاحِبِكُمْ عِنْدَنَا شَيْئًا فَتَرْجِعُ الْحَفَظَةُ فَيَجِدُونَهُمْ قَدْ مَاتُوا. قَالَ: فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَلَسْتُمْ قَوْمًا عَرَبا تَسْمَعُونَ الْحَفَظَةَ يَقُولُونَ: ﴿إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [الْجَاثِيَةِ: ٢٩] ؟ وَهَلْ يَكُونُ الاستنساخ إلا من أصل (٦).
(١) المسند (٣/١٨٩) وصحيح البخاري برقم (٣٩٣٨) ولم أقع عليه في صحيح مسلم.
(٢) صحيح مسلم برقم (٣١٥).
(٣) تفسير الطبري (٢٩/١٠).
(٤) في أ: "ابن جرير".
(٥) ورواه ابن عساكر في تاريخ دمشق (١٧/٤٩٢ "المخطوط") من طريق الفريابي، عن هشام عن الحسن بن يحيى به مطولاً، وقد تقدم قريبًا في هذه السورة.
(٦) تفسير الطبري (٢٩/١٠).
186
وَقَوْلُهُ: ﴿وَالْقَلَمِ﴾ الظَّاهِرُ أَنَّهُ جِنْسُ الْقَلَمِ الَّذِي يُكْتَبُ بِهِ كَقَوْلِهِ ﴿اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الإنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ [العاق: ٣ -٥]. فَهُوَ قَسَمٌ مِنْهُ تَعَالَى، وَتَنْبِيهٌ لِخَلْقِهِ عَلَى مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِمْ مِنْ تَعْلِيمِ الْكِتَابَةِ الَّتِي بِهَا تُنَالُ الْعُلُومُ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿وَمَا يَسْطُرُونَ﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ، وقَتَادَةُ: يَعْنِي: وَمَا يَكْتُبُونَ.
وَقَالَ أَبُو الضُّحى، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَمَا يَسْطُرُونَ﴾ أَيْ: وَمَا يَعْمَلُونَ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: ﴿وَمَا يَسْطُرُونَ﴾ يَعْنِي الْمَلَائِكَةَ وَمَا تَكْتُبُ مِنْ أَعْمَالِ الْعِبَادِ.
وَقَالَ آخَرُونَ: بَلِ الْمُرَادُ هاهنا بِالْقَلَمِ الَّذِي أَجْرَاهُ اللَّهُ بِالْقَدَرِ حِينَ كَتَبَ مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات وَالْأَرَضِينَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ. وَأَوْرَدُوا فِي ذَلِكَ الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ فِي ذِكْرِ الْقَلَمِ، فَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ:
حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ وَيُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ قَالَا حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ سُليم السُّلَمِيُّ، عَنْ عَطَاءٍ -هُوَ ابْنُ أَبِي رَبَاحٍ-حَدَّثَنِي الْوَلِيدُ بْنُ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: دَعَانِي أَبِي حِينِ حَضَرَهُ الْمَوْتُ فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمُ، فَقَالَ لَهُ: اكْتُبْ. قَالَ: يَا رَبِّ وَمَا أَكْتُبُ؟ قَالَ: اكْتُبِ الْقَدَرَ [مَا كَانَ] (١) وَمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى الْأَبَدِ".
وَهَذَا الْحَدِيثُ قَدْ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ مِنْ طُرُقٍ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ، بِهِ (٢) وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ، بِهِ (٣) وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي كِتَابِ "السُّنَّةِ" مِنْ سُنَنِهِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُسَافِرٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ حَسَّانَ، عَنِ ابْنِ رَبَاحٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي عَبْلَةَ (٤) عَنْ أَبِي حَفْصَةَ -وَاسْمُهُ حُبَيش بْنُ شُريح الحَبشي الشَّامِيُّ-عَنْ عُبَادَةَ، فَذَكَرَهُ (٥).
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطُّوسِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، حَدَّثَنَا رَبَاحُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ حَبِيبٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزة (٦) عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قَالَ: "إِنَّ أَوَّلَ شَيْءٍ خَلَقَهُ اللَّهُ الْقَلَمُ فَأَمَرَهُ فَكَتَبَ كُلَّ شَيْءٍ". غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَلَمْ يُخَرِّجُوهُ (٧)
وَقَالَ ابْنُ أَبِي نَجيح، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَالْقَلَمِ﴾ يَعْنِي: الَّذِي كُتِبَ بِهِ الذِّكْرُ..
وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَا يَسْطُرُونَ﴾ أَيْ: يَكْتُبُونَ كَمَا تقدم.
(١) زيادة من منحة المعبود. مستفادًا من هامش ط - الشعب.
(٢) المسند (٥/٣١٧).
(٣) سنن الترمذي برقم (٣٣١٩).
(٤) في أ: "عن ابن أبي عبلة".
(٥) سنن أبي داود برقم (٤٧٠٠).
(٦) في أ: "بن أبي مرة".
(٧) تفسير الطبري (٢٩/١١).
187
وَقَوْلُهُ: ﴿مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ﴾ أَيْ: لَسْتَ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ، بِمَجْنُونٍ، كَمَا قَدْ يَقُولُهُ الْجَهَلَةُ مَنْ قَوْمِكَ، الْمُكَذِّبُونَ بِمَا جِئْتَهُمْ بِهِ مِنَ الْهُدَى وَالْحَقِّ الْمُبِينِ، فَنَسَبُوكَ فِيهِ إِلَى الْجُنُونِ، ﴿وَإِنَّ لَكَ لأجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ﴾ أَيْ: بَلْ لَكَ الْأَجْرُ الْعَظِيمُ، وَالثَّوَابُ الْجَزِيلُ الَّذِي لَا يَنْقَطِعُ وَلَا يَبِيدُ، عَلَى إِبْلَاغِكَ رِسَالَةَ رَبِّكَ إِلَى الْخَلْقِ، وَصَبْرِكَ عَلَى أَذَاهُمْ. وَمَعْنَى ﴿غَيْرُ مَمْنُونٍ﴾ أَيْ: غَيْرُ مَقْطُوعٍ كَقَوْلِهِ: ﴿عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ﴾ [هُودٍ: ١٠٨] ﴿فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ﴾ [التِّينِ: ٦] أَيْ: غَيْرُ مَقْطُوعٍ عَنْهُمْ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: ﴿غَيْرُ مَمْنُونٍ﴾ أَيْ: غَيْرُ مَحْسُوبٍ، وَهُوَ يَرْجِعُ إِلَى مَا قُلْنَاهُ.
وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ قَالَ الْعَوْفِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَيْ: وَإِنَّكَ لَعَلَى دِينٍ (١) عَظِيمٍ، وَهُوَ الْإِسْلَامُ. وَكَذَلِكَ قَالَ مُجَاهِدٌ، وَأَبُو مَالِكٍ، وَالسُّدِّيُّ، وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ، وَالضَّحَّاكُ، وَابْنُ زَيْدٍ.
وَقَالَ عَطِيَّةُ: لَعَلَى أَدَبٍ عَظِيمٍ. وَقَالَ مَعْمَر، عَنْ قَتَادَةَ: سُئلت عائشةُ عَنْ خُلُقِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَتِ: كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ، تَقُولُ كَمَا هُوَ فِي الْقُرْآنِ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَة، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ سَعْدَ (٢) بْنَ هِشَامٍ سَأَلَ عَائِشَةَ عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَتْ: أَلَسْتَ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ؟ قَالَ: بَلَى. قَالَتْ: فَإِنَّ خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ الْقُرْآنَ.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَر، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ زُرارة بْنِ أَوْفَى (٣) عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ فَقُلْتُ: أَخْبِرِينِي يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ -عَنْ خُلُق رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَتْ: أَتَقْرَأُ الْقُرْآنَ؟ فقلتُ: نَعَمْ. فَقَالَتْ: كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ (٤).
هَذَا حَدِيثٌ طَوِيلٌ. وَقَدْ رَوَاهُ الْإِمَامُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ، مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ بِطُولِهِ (٥) وَسَيَأْتِي فِي سُورَةِ "الْمُزَّمِّلِ" إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ (٦).
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَسْوَدُ، حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ قَيْسِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي سَوَادٍ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَتْ: أَمَا تَقْرَأُ الْقُرْآنَ: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ ؟ قَالَ: قُلْتُ: حَدِّثِينِي عَنْ ذَاكَ. قَالَتْ: صَنَعْتُ لَهُ طَعَامًا، وَصَنَعَتْ لَهُ حَفْصَةُ طَعَامًا، فَقُلْتُ لِجَارِيَتِي: اذْهَبِي فَإِنْ جَاءَتْ هِيَ بِالطَّعَامِ فَوَضَعَتْهُ قبلُ فَاطْرَحِي الطَّعَامَ! قَالَتْ: فَجَاءَتْ بِالطَّعَامِ. قَالَتْ: فَأَلْقَتِ (٧) الْجَارِيَةُ، فَوَقَعَتِ الْقَصْعَةُ فَانْكَسَرَتْ -وَكَانَ نِطْعًا (٨) -قالت: فجمعه رسول الله
(١) في أ: "لعلى خلق".
(٢) في أ: "أ، سعيد".
(٣) في أ: "زرارة بن أبي أوفي".
(٤) تفسير عبد الرزاق (٢/٢٤٥).
(٥) صحيح مسلم برقم (٧٤٦).
(٦) المسند (٦/٢١٦).
(٧) في أ: "فالتفتت".
(٨) في هـ، م، أ: "نطع"، والمثبت من المسند.
188
وَقَالَ: "اقْتَضُوا -أَوِ: اقْتَضِي-شَكَّ أَسْوَدُ -ظَرفًا مَكَانَ ظَرفِك". قَالَتْ: فَمَا قَالَ شَيْئًا (١).
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ آدَمَ بْنِ أَبِي إِيَاسٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَعْدِ (٢) بْنِ هِشَامٍ: قَالَ: أَتَيْتُ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ فَقُلْتُ لَهَا: أَخْبِرِينِي بخلُق النَّبِيِّ (٣) صَلَّى لِلَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَتْ: كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ. أَمَا تَقْرَأُ: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾
وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ، مِنْ حَدِيثِ الْحَسَنِ، نَحْوَهُ (٤)
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، أَنْبَأَنَا ابْنُ وَهْبٍ، وَأَخْبَرَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ أَبِي الزَّاهِرِيَّةِ، عَنْ جُبَير بْنِ نُفَيْرٍ قَالَ: حججتُ فدخلتُ عَلَى عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، فَسَأَلْتُهَا عَنْ خُلُق رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فقالت: كَانَ خُلُق رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقُرْآنَ.
وَهَكَذَا رَوَاهُ أَحْمَدُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ. وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي التَّفْسِيرِ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ، عَنْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، بِهِ (٥)
وَمَعْنَى هَذَا أَنَّهُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، صَارَ امتثالُ الْقُرْآنِ، أَمْرًا وَنَهْيًا، سَجِيَّةً لَهُ، وَخُلُقًا تَطَبَّعَه، وَتَرَكَ طَبْعَهُ الجِبِلِّي، فَمَهْمَا أَمَرَهُ الْقُرْآنُ فَعَلَهُ، وَمَهْمَا نَهَاهُ عَنْهُ تَرَكَهُ. هَذَا مَعَ مَا جَبَله اللَّهُ عَلَيْهِ مِنَ الْخُلُقِ الْعَظِيمِ، مِنَ الْحَيَاءِ وَالْكَرَمِ وَالشَّجَاعَةِ، وَالصَّفْحِ وَالْحِلْمِ، وَكُلِّ خُلُقٍ جَمِيلٍ. كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: خدمتُ رسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرٌ سِنِينَ فَمَا قَالَ لِي: "أُفٍّ" قَطُّ، وَلَا قَالَ لِشَيْءٍ فَعَلْتُهُ: لِمَ فَعَلْتَهُ؟ وَلَا لِشَيْءٍ لَمْ أَفْعَلْهُ: أَلَا فَعَلْتَهُ؟ وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا وَلَا مَسسْتُ خَزًّا وَلَا حَرِيرًا وَلَا شَيْئًا كَانَ أَلْيَنَ مِنْ كَفَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا شَمَمْتُ مِسْكًا وَلَا عِطْرًا كَانَ أَطْيَبَ مِنْ عَرَق رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (٦)
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: [حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ] (٧) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ وَجْهًا، وَأَحْسَنَ النَّاسِ خَلْقًا، لَيْسَ بِالطَّوِيلِ الْبَائِنِ، وَلَا بِالْقَصِيرِ (٨)
وَالْأَحَادِيثُ فِي هَذَا كَثِيرَةٌ، وَلِأَبِي عِيسَى التِّرْمِذِيِّ فِي هَذَا كِتَابُ "الشَّمَائِلِ".
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَر، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَة، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَا ضَرَبَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ خَادِمًا لَهُ قَطُّ، وَلَا امْرَأَةً، وَلَا ضَرَبَ بِيَدِهِ شيئًا قط، إلا أن
(١) المسند (٦/١١).
(٢) في هـ، أ: "سعيد"، والمثبت من م وتفسير الطبري.
(٣) في م: "رسول الله".
(٤) تفسير الطبري (٢٩/١٣) وسنن أبي داود برقم (١٣٥٢) وسنن النسائي (٣/٢٢٠).
(٥) تفسير الطبري (٢٩/١٣) والمسند (٦/١٨٨) وسنن النسائي الكبرى برقم (١١١٣٨).
(٦) صحيح البخاري برقم (٦٠٣٨) وصحيح مسلم برقم (٢٣٠٩).
(٧) زيادة من م، أ، وصحيح البخاري.
(٨) صحيح البخاري برقم (٣٥٤٩).
189
وقوله :﴿ مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ ﴾ أي : لست، ولله الحمد، بمجنون، كما قد يقوله الجهلة من قومك، المكذبون بما جئتهم به من الهدى والحق المبين، فنسبوك فيه إلى الجنون،
﴿ وَإِنَّ لَكَ لأجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ ﴾ أي : بل لك الأجر العظيم، والثواب الجزيل الذي لا ينقطع ولا يبيد، على إبلاغك رسالة ربك إلى الخلق، وصبرك على أذاهم. ومعنى ﴿ غَيْرُ مَمْنُونٍ ﴾ أي : غير مقطوع كقوله :﴿ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ ﴾ [ هود : ١٠٨ ] ﴿ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ ﴾ [ التين : ٦ ] أي : غير مقطوع عنهم. وقال مجاهد :﴿ غَيْرُ مَمْنُونٍ ﴾ أي : غير محسوب، وهو يرجع إلى ما قلناه.
وقوله :﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ قال العوفي، عن ابن عباس : أي : وإنك لعلى دين١ عظيم، وهو الإسلام. وكذلك قال مجاهد، وأبو مالك، والسدي، والربيع بن أنس، والضحاك، وابن زيد.
وقال عطية : لعلى أدب عظيم. وقال مَعْمَر، عن قتادة : سُئلت عائشةُ عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم. قالت : كان خلقه القرآن، تقول كما هو في القرآن.
وقال سعيد بن أبي عَرُوبَة، عن قتادة قوله :﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ ذكر لنا أن سعد٢ بن هشام سأل عائشة عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقالت : ألست تقرأ القرآن ؟ قال : بلى. قالت : فإن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم كان القرآن.
وقال عبد الرزاق، عن مَعْمَر، عن قتادة، عن زُرارة بن أوفى٣ عن سعد بن هشام قال : سألت عائشة فقلت : أخبريني يا أم المؤمنين - عن خُلُق رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقالت : أتقرأ القرآن ؟ فقلتُ : نعم. فقالت : كان خلقه القرآن٤.
هذا حديث طويل. وقد رواه الإمام مسلم في صحيحه، من حديث قتادة بطوله٥ وسيأتي في سورة " المزمل " إن شاء الله تعالى.
وقال الإمام أحمد : حدثنا إسماعيل، حدثنا يونس، عن الحسن قال : سألت عائشة عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت : كان خلقه القرآن٦.
وقال الإمام أحمد : حدثنا أسود، حدثنا شريك، عن قيس بن وهب، عن رجل من بني سواد قال : سألت عائشة عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقالت : أما تقرأ القرآن :﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ ؟ قال : قلت : حدثيني عن ذاك. قالت : صنعت له طعامًا، وصنعت له حفصة طعامًا، فقلت لجاريتي : اذهبي فإن جاءت هي بالطعام فوضعته قبلُ فاطرحي الطعام ! قالت : فجاءت بالطعام. قالت : فألقت٧ الجارية، فوقعت القصعة فانكسرت - وكان نِطْعًا ٨ - قالت : فجمعه رسول الله وقال :" اقتضوا - أو : اقتضى - شك أسود - ظَرفًا مكان ظَرفِك ". قالت : فما قال شيئًا٩.
وقال ابن جرير : حدثنا عبيد بن آدم بن أبي إياس، حدثنا أبي، حدثنا المبارك بن فضالة، عن الحسن، عن سعد١٠ بن هشام : قال : أتيت عائشة أم المؤمنين فقلت لها : أخبريني بخلُق النبي١١ صلى لله عليه وسلم. فقالت : كان خلقه القرآن. أما تقرأ :﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾
وقد روى أبو داود والنسائي، من حديث الحسن، نحوه١٢
وقال ابن جرير : حدثني يونس، أنبأنا ابن وهب، وأخبرني معاوية بن صالح، عن أبي الزاهرية، عن جُبَير بن نفير قال : حججتُ فدخلتُ على عائشة، رضي الله عنها، فسألتها عن خُلُق رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقالت : كان خُلُق رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن.
وهكذا رواه أحمد، عن عبد الرحمن بن مهدي. ورواه النسائي في التفسير، عن إسحاق بن منصور، عن عبد الرحمن بن مهدي، عن معاوية بن صالح، به١٣
ومعنى هذا أنه، عليه السلام، صار امتثالُ القرآن، أمرًا ونهيًا، سجية له، وخلقًا تَطَبَّعَه، وترك طبعه الجِبِلِّي، فمهما أمره القرآن فعله، ومهما نهاه عنه تركه. هذا مع ما جَبَله الله عليه من الخلق العظيم، من الحياء والكرم والشجاعة، والصفح والحلم، وكل خلق جميل. كما ثبت في الصحيحين عن أنس قال : خدمتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما قال لي :" أف " قط، ولا قال لشيء فعلته : لم فعلته ؟ ولا لشيء لم أفعله : ألا فعلته ؟ وكان صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقًا ولا مَسسْتُ خزًا ولا حريرًا ولا شيئًا كان ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا شَمَمْتُ مسكًا ولا عطرًا كان أطيب من عَرَق رسول الله صلى الله عليه وسلم١٤
وقال البخاري :[ حدثنا أحمد بن سعيد أبو عبد الله ]١٥ حدثنا إسحاق بن منصور، حدثنا إبراهيم بن يوسف، عن أبيه، عن أبي إسحاق قال : سمعت البراء يقول : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وجها، وأحسن الناس خلقًا، ليس بالطويل البائن، ولا بالقصير١٦
والأحاديث في هذا كثيرة، ولأبي عيسى الترمذي في هذا كتاب " الشمائل ".
قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق، حدثنا مَعْمَر، عن الزهري، عن عُرْوَة، عن عائشة قالت : ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده خادمًا له قط، ولا امرأة، ولا ضرب بيده شيئًا قط، إلا أن يجاهد في سبيل الله. ولا خُيِّر بين شيئين قط إلا كان أحبهما إليه أيسرهما حتى يكون إثمًا، فإذا كان إثما كان أبعد الناس من الإثم، ولا انتقم لنفسه من شيء يؤتى إليه إلا أن تنتهك حرمات الله، فيكون هو ينتقم لله، عز وجل١٧
وقال الإمام أحمد : حدثنا سعيد بن منصور، حدثنا عبد العزيز بن محمد، عن محمد بن عَجْلان، عن القعقاع بن حكيم، عن أبي صالح، عن أبي هُرَيرة قال : قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم :" إنما بُعِثتُ لأتمم صالح الأخلاق ". تفرد به١٨
١ - (١) في أ: "لعلى خلق"..
٢ - (٢) في أ: "أ، سعيد"..
٣ - (٣) في أ: "زرارة بن أبي أوفي"..
٤ - (٤) تفسير عبد الرزاق (٢/٢٤٥)..
٥ - (٥) صحيح مسلم برقم (٧٤٦)..
٦ - (٦) المسند (٦/٢١٦)..
٧ - (٧) في أ: "فالتفتت"..
٨ - (٨) في هـ، م، أ: "نطع"، والمثبت من المسند..
٩ - (١) المسند (٦/١١)..
١٠ - (٢) في هـ، أ: "سعيد"، والمثبت من م وتفسير الطبري..
١١ - (٣) في م: "رسول الله"..
١٢ - (٤) تفسير الطبري (٢٩/١٣) وسنن أبي داود برقم (١٣٥٢) وسنن النسائي (٣/٢٢٠)..
١٣ - (٥) تفسير الطبري (٢٩/١٣) والمسند (٦/١٨٨) وسنن النسائي الكبرى برقم (١١١٣٨)..
١٤ - (٦) صحيح البخاري برقم (٦٠٣٨) وصحيح مسلم برقم (٢٣٠٩)..
١٥ - (٧) زيادة من م، أ، وصحيح البخاري..
١٦ - (٨) صحيح البخاري برقم (٣٥٤٩)..
١٧ - (١) المسند (٦/٢٣٢)..
١٨ - (٢) المسند (٢/٣٨١)..
وقوله :﴿ فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ بِأَيِّيكُمُ الْمَفْتُونُ ﴾ أي : فستعلم يا محمد، وسيعلم مخالفوك ومكذبوك : من المفتون الضال منك ومنهم. وهذا كقوله تعالى :﴿ سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنِ الْكَذَّابُ الأشِرُ ﴾ [ القمر : ٢٦ ]، وكقوله :﴿ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ ﴾ [ سبأ : ٢٤ ].
قال ابن جريج : قال ابن عباس في هذه الآية : ستعلم ويعلمون يوم القيامة.
وقال العوفي، عن ابن عباس :﴿ بِأَيِّيكُمُ الْمَفْتُونُ ﴾ أي : الجنون. وكذا قال مجاهد، وغيره. وقال قتادة وغيره :﴿ بِأَيِّيكُمُ الْمَفْتُونُ ﴾ أي : أولى بالشيطان.
ومعنى المفتون ظاهر، أي : الذي قد افتتن عن الحق وضل عنه، وإنما دخلت الباء في قوله :﴿ بِأَيِّيكُمُ الْمَفْتُونُ ﴾ لتدل على تضمين الفعل في قوله :﴿ فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ ﴾ وتقديره : فستعلم ويعلمون، أو : فستُخْبَر ويُخْبَرون بأيكم المفتون. والله أعلم.
ثم قال تعالى :﴿ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴾ أي : هو يعلم تعالى أي الفريقين منكم ومنهم هو المهتدي، ويعلم الحزب الضال عن الحق.
يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. وَلَا خُيِّر بَيْنَ شَيْئَيْنِ قَطُّ إِلَّا كَانَ أَحَبُّهُمَا إِلَيْهِ أَيْسَرَهُمَا حَتَّى يَكُونَ إِثْمًا، فَإِذَا كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنَ الْإِثْمِ، وَلَا انْتَقَمَ لِنَفْسِهِ مِنْ شَيْءٍ يُؤْتَى إِلَيْهِ إِلَّا أَنْ تُنْتَهَكَ حُرُمَاتُ اللَّهِ، فَيَكُونُ هُوَ يَنْتَقِمُ لِلَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ (١)
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلان، عَنِ الْقَعْقَاعِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرة قَالَ: قَالَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّمَا بُعِثتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ". تَفَرَّدَ بِهِ (٢)
وقوله: ﴿فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ بِأَيِّيكُمُ الْمَفْتُونُ﴾ أَيْ: فَسَتَعْلَمُ يَا مُحَمَّدُ، وَسَيَعْلَمُ مُخَالِفُوكَ وَمُكَذِّبُوكَ: مَنِ الْمَفْتُونُ الضَّالُّ مِنْكَ وَمِنْهُمْ. وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنِ الْكَذَّابُ الأشِرُ﴾ [الْقَمَرِ: ٢٦]، وَكَقَوْلِهِ: ﴿وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ [سَبَإٍ: ٢٤].
قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: سَتَعْلَمُ وَيَعْلَمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
وَقَالَ الْعَوْفِيُّ، عَنِ ابن عباس: ﴿بِأَيِّيكُمُ الْمَفْتُونُ﴾ أَيِ: الْجُنُونُ. وَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ، وَغَيْرُهُ. وقال قتادة وغيره: ﴿بِأَيِّيكُمُ الْمَفْتُونُ﴾ أَيْ: أَوْلَى بِالشَّيْطَانِ.
وَمَعْنَى الْمَفْتُونِ ظَاهِرٌ، أَيِ: الَّذِي قَدِ افْتُتِنَ عَنِ الْحَقِّ وَضَلَّ عنه، وإنما دخلت الباء في قوله: ﴿بِأَيِّيكُمُ الْمَفْتُونُ﴾ لِتَدُلَّ عَلَى تَضْمِينِ الْفِعْلِ فِي قَوْلِهِ: ﴿فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ﴾ وَتَقْدِيرُهُ: فَسَتَعْلَمُ وَيَعْلَمُونَ، أَوْ: فستُخْبَر ويُخْبَرون بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ أَيْ: هُوَ يَعْلَمُ تَعَالَى أَيَّ الْفَرِيقَيْنِ مِنْكُمْ وَمِنْهُمْ هُوَ الْمُهْتَدِي، وَيَعْلَمُ الْحِزْبَ الضَّالَّ عَنِ الْحَقِّ.
﴿فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ (٨) وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ (٩) وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلافٍ مَهِينٍ (١٠) هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (١١) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (١٢) عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ (١٣) أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ (١٤) إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ (١٥) ﴾
(١) المسند (٦/٢٣٢).
(٢) المسند (٢/٣٨١).
﴿ وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ ﴾ قال ابن عباس : لو تُرَخِّص لهم فَيُرَخِّصون.
وقال مجاهد : ودوا لو تركن إلى آلهتهم وتترك ما أنت عليه من الحق.
ثم قال تعالى :﴿ وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلافٍ مَهِينٍ ﴾ وذلك أن الكاذب لضعفه ومهانته إنما يتقي بأيمانه الكاذبة التي يجترئ بها على أسماء الله تعالى، واستعمالها في كل وقت في غير محلها.
قال ابن عباس : المهين الكاذب. وقال مجاهد : هو الضعيف القلب. قال الحسن : كل حلاف مكابر مهين ضعيف.
وقوله ﴿ هَمَّازٍ ﴾ قال ابن عباس وقتادة : يعني الاغتياب.
﴿ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ ﴾ يعني : الذي يمشي بين الناس، ويحرش بينهم وينقل الحديث لفساد ذات البين وهي الحالقة، وقد ثبت في الصحيحين من حديث مجاهد، عن طاوس، عن ابن عباس قال : مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبرين فقال :" إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستتر١ من البول، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة " الحديث. وأخرجه بقية الجماعة في كتبهم، من طرق عن مجاهد، به٢.
وقال أحمد : حدثنا أبو معاوية، حدثنا الأعمش، عن إبراهيم، عن هَمّام ؛ أن حُذَيفة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :" لا يدخل الجنة قَتَّات ".
رواه الجماعة - إلا ابن ماجة - من طرق، عن إبراهيم، به٣.
وحدثنا عبد الرزاق، حدثنا الثوري، عن منصور، عن إبراهيم، عن همام، عن حذيفة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :" لا يدخل الجنة قتات " يعني : نماما٤.
وحدثنا يحيى بن سعيد القطان أبو سعيد الأحول، عن الأعمش، حدثني إبراهيم - منذ نحو ستين سنة - عن همام بن الحارث قال : مر رجل على حذيفة فقيل : إن هذا يرفع الحديث إلى الأمراء. فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول - أو : قال - : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لا يدخل الجنة قتات " ٥.
وقال أحمد : حدثنا هاشم، حدثنا مهدي، عن واصل الأحدب، عن أبي وائل قال : بلغ حذيفة عن رجل أنه ينم الحديث، فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" لا يدخل الجنة نمام " ٦.
وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق، أنبأنا مَعْمَر، عن ابن خُثَيم، عن شَهْر بن حَوْشَب، عن أسماء بنت يزيد بن السكن ؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" ألا أخبركم بخياركم ؟ ". قالوا : بلى يا رسول الله. قال :" الذين إذا رُؤوا ذُكر الله، عز وجل ". ثم قال :" ألا أخبركم بشراركم ؟ المشاءون بالنميمة، المفسدون بين الأحبة، والباغون للبرآء العَنَت ".
ورواه ابن ماجة، عن سويد بن سعيد، عن يحيى بن سليم، عن ابن خُثَيم، به٧.
وقال الإمام أحمد حدثنا سفيان، عن ابن أبي حُسَين، عن شهر بن حوشب، عن عبد الرحمن بن غَنْم - يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم :" خيار عباد الله الذين إذا رؤوا ذكر الله، وشرار عباد الله المشاؤون بالنميمة، المفرقون بين الأحبة، الباغون للبرآء العنت " ٨
١ - (١) في أ: "لا يستبرئ"..
٢ - (٢) صحيح البخاري برقم (٢١٨) وصحيح مسلم برقم (٢٩٢) وسنن أبي داود برقم (٢٠) وسنن الترمذي برقم (٧٠) وسنن النسائي (١/٢٨) وسنن ابن ماجة برقم (٣٤٧)..
٣ - (٣) المسند (٥/٣٨٢) وصحيح البخاري برقم (٦٥٠٦) وصحيح مسلم برقم (١٠٥) وسنن أبي داود برقم (٤٨٧١) وسنن الترمذي برقم (٢٠٢٦) وسنن النسائي الكبرى برقم (١١٦٤)..
٤ - (٤) المسند (٥/٣٨٩)..
٥ - (٥) المسند (٥/٣٨٩)..
٦ - (٦) المسند (٥/٣٩١)..
٧ - (٧) المسند (٦/٤٥٩) وسنن ابن ماجة برقم (٤١١٩) وقال البوصيري في الزوائد (٣/٢٧٣): "هذا إسناد حسن، شهر وسويد مختلف فيهما، وباقي رجال الإسناد ثقات"..
٨ - (١) المسند (٤/٢٢٧)..
وقوله :﴿ مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ ﴾ أي : يمنع ما عليه وما لديه من الخير، ﴿ مُعْتَدٍ ﴾ في متناول ما أحل الله له، يتجاوز فيها الحد المشروع ﴿ أَثِيمٍ ﴾ أي : يتناول المحرمات.
وقوله :﴿ عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ ﴾ أما العتل : فهو الفظ الغليظ الصحيح، الجموع المَنُوعُ.
وقال الإمام أحمد : حدثنا وَكِيع وعبد الرحمن، عن سفيان، عن مَعْبَد١ بن خالد، عن حارثة بن وهب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ألا أنبئكم بأهل الجنة ؟ كل ضعيف مُتَضَعَّف لو أقسم على الله لأبره، ألا أنبئكم بأهل النار ؟ كل عُتل جَوّاظ مستكبر ". وقال وَكِيع :" كل جَوَّاظ جعظري مستكبر ".
أخرجاه في الصحيحين بقية الجماعة، إلا أبا داود، من حديث سفيان الثوري وشعبة، كلاهما عن معبد بن خالد، به٢.
وقال الإمام أحمد أيضًا : حدثنا أبو عبد الرحمن، حدثنا موسى بن علي قال : سمعت أبي يحدِّث عن عبد الله بن عمرو بن العاص ؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عند ذكر أهل النار :" كل جعظري جواظ مستكبر جماع مناع ". تفرد به أحمد٣.
قال أهل اللغة : الجعظري : الفَظُّ الغَليظ، والجَوّاظ : الجَمُوع المَنُوع.
وقال الإمام أحمد : حدثنا وَكِيع، حدثنا عبد الحميد، عن شَهْر بن حَوْشب، عن عبد الرحمن بن غَنْم، قال : سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العُتلِّ الزنيم، فقال :" هو الشديد الخَلْق المصحح، الأكول الشروب، الواجد للطعام والشراب، الظلوم للناس، رحيب الجوف " ٤.
وبهذا الإسناد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لا يدخل الجنة الجَواظ الجعظري، العتل الزنيم " ٥ وقد أرسله أيضًا غير واحد من التابعين.
وقال ابن جرير : حدثنا ابن عبد الأعلى، حدثنا ابن ثور، عن مَعْمر، عن زيد بن أسلم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" تبكي السماء من عبد أصح الله جسمه، وأرحب جوفه، وأعطاه من الدنيا مِقضَمًا فكان للناس ظلومًا. قال : فذلك العُتُل٦ الزنيم " ٧.
وهكذا رواه ابن أبي حاتم من طريقين مرسلين، ونص عليه غير واحد من السلف، منهم مجاهد، وعكرمة، والحسن، وقتادة، وغيرهم : أن العتل هو : المُصحَّح الخَلْق، الشديد القوي في المأكل والمشرب والمنكح، وغير ذلك، وأما الزنيم فقال البخاري :
حدثنا محمود، حدثنا عُبَيد الله، عن٨ إسرائيل، عن أبي حَصِين، عن مجاهد، عن ابن عباس :﴿ عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ ﴾ قال : رجلٌ من قريش له زَنمة مثل زَنَمة الشاة.
ومعنى هذا : أنه كان مشهورًا بالشر٩ كشهرة الشاة ذات الزنمة من بين أخواتها. وإنما الزنيم في لغة العرب : هو الدّعِيُّ في القوم. قاله ابن جرير وغير واحد من الأئمة، قال : ومنه قول حسان بن ثابت، يعني يذم بعض كفار قريش :
وأنتَ زَنيم نِيطَ في آل هاشم كَمَا نِيطَ خَلْفَ الرّاكِب القَدَحُ الفَرْدُ١٠
وقال آخر :
زَنيمٌ لَيْسَ يُعرَفُ مَن أبوهُ بَغيُّ الأم ذُو حَسَب لَئيم
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا عمار بن خالد الواسطي، حدثنا أسباط، عن هشام، عن عِكْرِمَة، عن ابن عباس في قوله :﴿ زَنِيمٍ ﴾ قال : الدعيُّ الفاحش اللئيم. ثم قال ابن عباس :
زَنيمٌ تَداعاه الرجالُ زيادَةً كَما زيدَ في عَرضِ الأديم الأكَارعُ١١
وقال العوفي عن ابن عباس : الزنيم : الدعي. ويقال : الزنيم : رجل كانت به زنمة، يعرف بها. ويقال : هو الأخنس بن شَريق الثقفي، حليف بني زهرة. وزعم أناس من بني زهرة أن الزنيم الأسودُ بن عبد يغوث الزهري، وليس به.
وقال ابن أبي نَجِيح، عن مجاهد، عن ابن عباس : أنه زعم أن الزنيم المُلحَق النسب.
وقال ابن أبي حاتم : حدثني يونس حدثنا ابن وهب، حدثني سليمان بن بلال، عن عبد الرحمن بن حرملة، عن سعيد بن المُسيَّب، أنه سمعه يقول في هذه الآية :﴿ عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ ﴾ قال سعيد : هو الملصق بالقوم، ليس منهم.
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج، حدثنا عقبة بن خالد، عن عامر بن قدامة قال : سئل عكرمة عن الزنيم، قال : هو ولد الزنا.
وقال الحكم بن أبان، عن عكرمة في قوله تعالى :﴿ عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ ﴾ قال : يعرف المؤمن من الكافر مثل الشاة الزنماء. والزنماء من الشياه : التي في عنقها هَنتان معلقتان في حلقها. وقال الثوري، عن جابر، عن الحسن، عن سعيد بن جبير قال : الزنيم : الذي يعرف بالشر كما تعرف الشاة بزنمتها. والزنيم : الملصق. رواه ابن جرير.
وروى أيضا من طريق داود بن أبي هند عن عكرمة، عن ابن عباس أنه قال في الزنيم : قال : نُعِتَ فلم يعرف حتى قيل : زنيم. قال : وكانت له زَنَمَةٌ في عنقه يُعرَف بها. وقال آخرون : كان دَعيًا.
وقال ابن جرير : حدثنا أبو كُرَيْب، حدثنا ابن إدريس، عن أبيه، عن أصحاب التفسير قالوا ١٢ هو الذي تكون له زَنَمَة مثل زنمة الشاة.
وقال الضحاك : كانت له زَنَمَة في أصل أذنه، ويقال : هو اللئيم الملصق في النسب.
وقال أبو إسحاق : عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس : هو المريب الذي يعرف بالشر.
وقال مجاهد : الزنيم الذي يعرف بهذا الوصف كما تعرف الشاة. وقال أبو رَزِين : الزنيم علامة الكفر. وقال عكرمة : الزنيم الذي يعرف باللؤم كما تعرف الشاة بزنمتها.
والأقوال في هذا كثيرة، وترجع إلى ما قلناه، وهو أن الزنيم هو : المشهور بالشر، الذي يعرف به من بين الناس، وغالبًا يكون دعيًا ولد زنا، فإنه في الغالب يتسلط الشيطان عليه ما لا يتسلط على غيره، كما جاء في الحديث :" لا يدخل الجنة ولد زنا " ١٣ وفي الحديث الآخر :" ولد الزنا شَرُّ الثلاثة إذا عمل بعمل أبويه " ١٤.
١ - (٢) في أ: "سعيد"..
٢ - (٣) المسند (٤/٣٠٦) وصحيح البخاري برقم (٤٩١٨) وصحيح مسلم برقم (٢٨٥٣) وسنن الترمذي برقم (٢٦٠٥) وسنن النسائي الكبرى برقم (١١٦١٥) وسنن ابن ماجة برقم (٤١١٦)..
٣ - (٤) المسند (٢/١٦٩) وقال الهيثمي في المجمع (١٠/٣٩٣): "رجاله رجال الصحيح"..
٤ - (٥) المسند (٤/٢٢٧) وقال الهيثمي في المجمع (١٠/٣٩٣): "إسناده حسن، إلا أن ابن غنم لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم" وقال في موضع آخر (٧/١٢٨): "فيه شهر بن حوشب وثقه جماعة وفيه ضعف، وعبد الرحمن بن غنم ليس له صحبة على الصحيح"..
٥ - (٦) المسند (٤/٢٢٧)..
٦ - (٧) في م، أ: "العبد"..
٧ - (٨) تفسير الطبري (١٩/١٦) وهو مرسل..
٨ - (١) في أ: "بن"..
٩ - (٢) في أ: "بالسوء"..
١٠ - (٣) تفسير الطبري(١٩/١٧)..
١١ - (٤) البيت في اللسان، مادة "زنم" منسوبًا إلى الخطيم التميمي..
١٢ - (١) في أ: "قال"..
١٣ - (٢) رواه الإمام أحمد في المسند (٢/٢٠٣) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، رضي الله عنه، ورواه النسائي في السنن الكبرى برقم (٤٩٢٥، ٤٩٢٦) من حديث أبي هريرة، رضي الله عنه، وقد ذكره ابن الجوزي في الموضوعات (٣/١١١) قال: "وفيه مخالفة للأصول وأعظمها قوله تعالى: "ولا تزر وازرة أخرى". قال الإمام ابن القيم متعقبًا على ابن الجوزي في المنارالمنيف (ص١٣٣): "ليست معرضة بها إن صحت، فإنه لم يحرم الجنة بفعل والديه، بل لأن النطفة الخبيثة لا يتخلق منها طيب في الغالب، ولا يدخل الجنة إلا نفس طيبة، فإن كانت في هذا الجنس طيبة دخلت الجنة، وكان الحديث من العام المخصوص، وقد ورد في ذمة: "أنه شر الثلاثة" وهو حديث حسن ومعناه صحيح بهذا الاعتبار، فإن شر الأبوين عارض، وهذه نطفة خبيثة فشره في أصله وشر الأبوين في فعلهما". قلت: ويوجه أيضًا بالتقييد الذي في حديث عائشة الآتي بأنه شر الثلاثة إذا عمل عمل أبويه، وكلام ابن الجوزي منطبق على حديث: "ولد الزنا في النار إلى سبعة أبناء". وهو موضوع..
١٤ - (٣) رواه الإمام أحمد (٦/١٠٩) من حديث عائشة، رضي الله عنها، و (٢/٣١١) من حديث أبي هريرة، رضي الله عنه..
وقوله :﴿ أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ ﴾ يقول تعالى : هذا مقابلة ما أنعم الله عليه من المال والبنين، كفر بآيات الله وأعرض عنها، وزعم أنها كَذب مأخوذ من أساطير الأولين، كقوله :﴿ ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا وَجَعَلْتُ لَهُ مَالا مَمْدُودًا وَبَنِينَ شُهُودًا وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ كَلا إِنَّهُ كَانَ لآيَاتِنَا عَنِيدًا سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ نَظَرَ ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ يُؤْثَرُ إِنْ هَذَا إِلا قَوْلُ الْبَشَرِ ﴾ قال الله تعالى :﴿ سَأُصْلِيهِ سَقَرَ ﴾ [ المدثر : ١١ - ٢٦ ].
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٤:وقوله :﴿ أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ ﴾ يقول تعالى : هذا مقابلة ما أنعم الله عليه من المال والبنين، كفر بآيات الله وأعرض عنها، وزعم أنها كَذب مأخوذ من أساطير الأولين، كقوله :﴿ ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا وَجَعَلْتُ لَهُ مَالا مَمْدُودًا وَبَنِينَ شُهُودًا وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ كَلا إِنَّهُ كَانَ لآيَاتِنَا عَنِيدًا سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ نَظَرَ ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ يُؤْثَرُ إِنْ هَذَا إِلا قَوْلُ الْبَشَرِ ﴾ قال الله تعالى :﴿ سَأُصْلِيهِ سَقَرَ ﴾ [ المدثر : ١١ - ٢٦ ].
﴿سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ (١٦) ﴾
يَقُولُ تَعَالَى: كَمَا أَنْعَمْنَا عَلَيْكَ وَأَعْطَيْنَاكَ الشَّرْعَ الْمُسْتَقِيمَ وَالْخُلُقَ الْعَظِيمَ ﴿فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ﴾ ﴿وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَوْ تُرَخِّص لَهُمْ فَيُرَخِّصون.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: وَدُّوا لَوْ تَرْكَنُ إِلَى آلِهَتِهِمْ وَتَتْرُكُ مَا أَنْتَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَقِّ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلافٍ مَهِينٍ﴾ وَذَلِكَ أَنَّ الْكَاذِبَ لِضَعْفِهِ وَمَهَانَتِهِ إِنَّمَا يَتَّقِي بِأَيْمَانِهِ الْكَاذِبَةِ الَّتِي يَجْتَرِئُ بِهَا عَلَى أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، وَاسْتِعْمَالِهَا فِي كُلِّ وَقْتٍ فِي غَيْرِ محلها.
190
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْمَهِينُ الْكَاذِبُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هُوَ الضَّعِيفُ الْقَلْبِ. قَالَ الْحَسَنُ: كُلَّ حَلَّافٍ مُكَابِرٍ مَهِينٍ ضَعِيفٍ.
وَقَوْلُهُ ﴿هَمَّازٍ﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وقَتَادَةُ: يَعْنِي الِاغْتِيَابَ.
﴿مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ﴾ يَعْنِي: الَّذِي يَمْشِي بَيْنَ النَّاسِ، وَيُحَرِّشُ بَيْنَهُمْ وَيَنْقُلُ الْحَدِيثَ لِفَسَادِ ذَاتِ الْبَيْنِ وَهِيَ الْحَالِقَةُ، وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ مُجَاهِدٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَبْرَيْنِ فَقَالَ: "إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ، أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لَا يَسْتَتِرُ (١) مِنَ الْبَوْلِ، وَأَمَّا الْآخَرُ فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ" الْحَدِيثَ. وَأَخْرَجَهُ بَقِيَّةُ الْجَمَاعَةِ فِي كُتُبِهِمْ، مِنْ طُرُقٍ عَنْ مُجَاهِدٍ، بِهِ (٢).
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ هَمّام؛ أَنَّ حُذَيفة قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَتَّات".
رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ -إِلَّا ابْنُ مَاجَهْ-مِنْ طُرُقٍ، عَنِ إِبْرَاهِيمَ، بِهِ (٣).
وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَتَّاتٌ" يَعْنِي: نَمَّامًا (٤).
وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ أَبُو سَعِيدٍ الْأَحْوَلُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ -مُنْذُ نَحْوِ سِتِّينَ سَنَةً-عَنْ هَمَّامِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: مَرَّ رَجُلٌ عَلَى حُذَيْفَةَ فَقِيلَ: إِنَّ هَذَا يَرْفَعُ الْحَدِيثَ إِلَى الْأُمَرَاءِ. فَقَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يَقُولُ -أَوْ: قَالَ-: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَتَّاتٌ" (٥).
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا هَاشِمٌ، حَدَّثَنَا مَهْدِيٌّ، عَنْ وَاصِلٍ الْأَحْدَبِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: بَلَغَ حُذَيْفَةَ عَنْ رَجُلٍ أَنَّهُ يَنُمُّ الْحَدِيثَ، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قَالَ: "لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ نَمَّامٌ" (٦).
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنْبَأَنَا مَعْمَر، عَنِ ابْنِ خُثَيم، عَنْ شَهْر بْنِ حَوْشَب، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ بْنِ السَّكَنِ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخِيَارِكُمْ؟ ". قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: "الذين إذا رُؤوا ذُكر اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ". ثُمَّ قَالَ: "أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِشِرَارِكُمْ؟ الْمَشَّاءُونَ بِالنَّمِيمَةِ، الْمُفْسِدُونَ بَيْنَ الْأَحِبَّةِ، وَالْبَاغُونَ لِلْبُرَآءِ العَنَت".
وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، عَنْ سُوَيْدِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سُلَيْمٍ، عن ابن خُثَيم، به (٧).
(١) في أ: "لا يستبرئ".
(٢) صحيح البخاري برقم (٢١٨) وصحيح مسلم برقم (٢٩٢) وسنن أبي داود برقم (٢٠) وسنن الترمذي برقم (٧٠) وسنن النسائي (١/٢٨) وسنن ابن ماجة برقم (٣٤٧).
(٣) المسند (٥/٣٨٢) وصحيح البخاري برقم (٦٥٠٦) وصحيح مسلم برقم (١٠٥) وسنن أبي داود برقم (٤٨٧١) وسنن الترمذي برقم (٢٠٢٦) وسنن النسائي الكبري برقم (١١٦٤).
(٤) المسند (٥/٣٨٩).
(٥) المسند (٥/٣٨٩).
(٦) المسند (٥/٣٩١).
(٧) المسند (٦/٤٥٩) وسنن ابن ماجة برقم (٤١١٩) وقال البوصيري في الزوائد (٣/٢٧٣) :"هذا إسناد حسن، شهر وسويد مختلف فيهما، وباقي رجال الإسناد ثقات".
191
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي حُسَين، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْم -يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "خِيَارُ عِبَادِ اللَّهِ الذين إذا رؤوا ذكر الله، وشرار عباد الله المشاؤون بِالنَّمِيمَةِ، الْمُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْأَحِبَّةِ، الْبَاغُونَ لِلْبُرَآءِ الْعَنَتَ" (١)
وَقَوْلُهُ ﴿مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ﴾ أَيْ: يَمْنَعُ ما عليه وما لديه من الخير ﴿ِ مُعْتَدٍ﴾ فِي مُتَنَاوَلِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَهُ، يَتَجَاوَزُ فِيهَا الْحَدَّ الْمَشْرُوعَ ﴿أَثِيمٍ﴾ أَيْ: يَتَنَاوَلُ الْمُحَرَّمَاتِ.
وَقَوْلُهُ: ﴿عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ﴾ أَمَّا الْعُتُلُّ: فَهُوَ الْفَظُّ الْغَلِيظُ الصَّحِيحُ، الْجَمُوعُ المَنُوعُ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا وَكِيع وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَعْبَد (٢) بْنِ خَالِدٍ، عَنْ حَارِثَةَ بْنِ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَلَّا أُنَبِّئُكُمْ بِأَهْلِ الْجَنَّةِ؟ كُلُّ ضَعِيفٍ مُتَضَعَّف لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ، أَلَّا أُنَبِّئُكُمْ بِأَهْلِ النَّارِ؟ كُلُّ عُتل جَوّاظ مُسْتَكْبِرٍ". وَقَالَ وَكِيع: "كُلُّ جَوَّاظ جعظري مستكبر".
أخرجاه في الصحيحين بَقِيَّةُ الْجَمَاعَةِ، إِلَّا أَبَا دَاوُدَ، مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَشُعْبَةَ، كِلَاهُمَا عَنْ مَعْبَدِ بْنِ خَالِدٍ، بِهِ (٣).
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ أَيْضًا: حَدَّثَنَا أَبُو عبد الرحمن، حدثنا موسى بن علي قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يحدِّث عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ عِنْدَ ذِكْرِ أَهْلِ النَّارِ: "كُلُّ جَعْظَرِيٍّ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ جَمَّاعٍ مَنَّاعٍ". تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ (٤).
قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: الْجَعْظَرِيُّ: الفَظُّ الغَليظ، والجَوّاظ: الجَمُوع المَنُوع.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا وَكِيع، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ، عَنْ شَهْر بْنِ حَوْشب، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْم، قَالَ: سُئل رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ العُتلِّ الزَّنِيمِ، فَقَالَ: "هُوَ الشَّدِيدُ الخَلْق الْمُصَحَّحُ، الْأَكُولُ الشَّرُوبُ، الْوَاجِدُ لِلطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، الظَّلُومُ لِلنَّاسِ، رَحِيبُ الْجَوْفِ" (٥).
وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ الجَواظ الْجَعْظَرِيُّ، الْعُتُلُّ الزَّنِيمُ" (٦) وَقَدْ أَرْسَلَهُ أَيْضًا غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ التَّابِعِينَ.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، حَدَّثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمر، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "تَبْكِي السَّمَاءُ مِنْ عَبْدٍ أَصَحَّ اللَّهُ جِسْمَهُ، وَأَرْحَبَ جَوْفَهُ، وَأَعْطَاهُ مِنَ الدُّنْيَا مِقضَمًا فَكَانَ لِلنَّاسِ ظَلُومًا. قَالَ: فَذَلِكَ العُتُل (٧) الزنيم" (٨).
(١) المسند (٤/٢٢٧).
(٢) في أ: "سعيد".
(٣) المسند (٤/٣٠٦) وصحيح البخاري برقم (٤٩١٨) وصحيح مسلم برقم (٢٨٥٣) وسنن الترمذي برقم (٢٦٠٥) وسنن النسائي الكبرى برقم (١١٦١٥) وسنن ابن ماجة برقم (٤١١٦).
(٤) المسند (٢/١٦٩) وقال الهيثمي في المجمع (١٠/٣٩٣) :"رجاله رجال الصحيح".
(٥) المسند (٤/٢٢٧) وقال الهيثمي في المجمع (١٠/٣٩٣) :"إسناده حسن، إلا أن ابن غنم لم يسمع مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" وَقَالَ في موضع آخر (٧/١٢٨) :"فيه شهر بن حوشب وثقه جماعة وفيه ضعف، وعبد الرحمن بن غنم ليس له صحبة على الصحيح".
(٦) المسند (٤/٢٢٧).
(٧) في م، أ: "العبد".
(٨) تفسير الطبري (١٩/١٦) وهو مرسل.
192
وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقَيْنِ مُرْسَلَيْنِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ، مِنْهُمْ مُجَاهِدٌ، وَعِكْرِمَةُ، وَالْحَسَنُ، وقَتَادَةُ، وَغَيْرُهُمْ: أَنَّ الْعُتُلَّ هُوَ: المُصحَّح الخَلْق، الشَّدِيدُ الْقَوِيُّ فِي الْمَأْكَلِ وَالْمَشْرَبِ وَالْمَنْكَحِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَأَمَّا الزَّنِيمُ فَقَالَ الْبُخَارِيُّ:
حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ، حَدَّثَنَا عُبَيد اللَّهِ، عَنْ (١) إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي حَصِين، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ﴾ قَالَ: رجلٌ مِنْ قُرَيْشٍ لَهُ زَنمة مِثْلُ زَنَمة الشَّاةِ.
وَمَعْنَى هَذَا: أَنَّهُ كَانَ مَشْهُورًا بِالشَّرِّ (٢) كَشُهْرَةِ الشَّاةِ ذَاتِ الزَّنَمَةِ مِنْ بَيْنِ أَخَوَاتِهَا. وَإِنَّمَا الزَّنِيمُ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ: هُوَ الدّعِيُّ فِي الْقَوْمِ. قَالَهُ ابْنُ جَرِيرٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ، قَالَ: وَمِنْهُ قَوْلُ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ، يَعْنِي يَذُمُّ بَعْضَ كُفَّارِ قُرَيْشٍ:
وأنتَ زَنيم نِيطَ فِي آلِ هَاشِمٍ كَمَا نِيطَ خَلْفَ الرّاكِب القَدَحُ الفَرْدُ (٣)
وَقَالَ آخَرُ:
زَنيمٌ لَيْسَ يُعرَفُ مَن أبوهُ... بَغيُّ الْأُمِّ ذُو حَسَب لَئيم...
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا عَمَّارُ بْنُ خَالِدٍ الْوَاسِطِيُّ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ عِكْرِمَة، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿زَنِيمٍ﴾ قَالَ: الدعيُّ الْفَاحِشُ اللَّئِيمُ. ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:
زَنيمٌ تَداعاه الرجالُ زيادَةً كَما زيدَ فِي عَرضِ الْأَدِيمِ الأكَارعُ (٤)
وَقَالَ الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: الزَّنِيمُ: الدَّعِيُّ. وَيُقَالُ: الزَّنِيمُ: رَجُلٌ كَانَتْ بِهِ زَنَمَةٌ، يُعْرَفُ بِهَا. وَيُقَالُ: هُوَ الْأَخْنَسُ بْنُ شَريق الثَّقَفِيُّ، حَلِيفُ بَنِي زُهْرَةَ. وَزَعَمَ أُنَاسٌ مِنْ بَنِي زُهْرَةَ أَنَّ الزَّنِيمَ الأسودُ بْنُ عَبْدِ يَغُوثَ الزُّهْرِيُّ، وَلَيْسَ بِهِ.
وَقَالَ ابْنِ أَبِي نَجِيح، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ زَعَمَ أَنَّ الزَّنِيمَ المُلحَق النَّسَبِ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنِي يُونُسُ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَرْمَلَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسيَّب، أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ﴾ قَالَ سَعِيدٌ: هُوَ الْمُلْصَقُ بِالْقَوْمِ، لَيْسَ مِنْهُمْ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ، حَدَّثَنَا عُقْبَةُ بْنُ خَالِدٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ قُدَامَةَ قَالَ: سُئِلَ عِكْرِمَةُ عَنِ الزَّنِيمِ، قَالَ: هُوَ وَلَدُ الزِّنَا.
وَقَالَ الْحَكَمِ بْنِ أَبَانَ، عَنْ عِكْرِمَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ﴾ قَالَ: يُعْرَفُ الْمُؤْمِنُ مِنَ الْكَافِرِ مِثْلُ الشَّاةِ الزَّنْمَاءِ. وَالزَّنْمَاءُ مِنَ الشِّيَاهِ: الَّتِي فِي عُنُقِهَا هَنتان مُعَلَّقَتَانِ فِي حَلْقِهَا. وَقَالَ الثَّوْرِيُّ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: الزَّنِيمُ: الَّذِي يُعْرَفُ بِالشَّرِّ كَمَا تُعْرَفُ الشَّاةُ بِزَنَمَتِهَا. وَالزَّنِيمُ: الملصق. رواه ابن جرير.
(١) في أ: "بن".
(٢) في أ: "بالسوء".
(٣) تفسير الطبري (١٩/١٧).
(٤) البيت في اللسان، مادة "زنم" منسوبًا إلى الخطيم التميمي.
193
وَرَوَى أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدَ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ فِي الزَّنِيمِ: قَالَ: نُعِتَ فَلَمْ يُعْرَفْ حَتَّى قِيلَ: زَنِيمٌ. قَالَ: وَكَانَتْ لَهُ زَنَمَةٌ فِي عُنُقِهِ يُعرَف بِهَا. وَقَالَ آخَرُونَ: كَانَ دَعيًا.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب، حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَصْحَابِ التَّفْسِيرِ قَالُوا (١) هُوَ الَّذِي تَكُونُ لَهُ زَنَمَة مِثْلُ زَنَمَةِ الشَّاةِ.
وَقَالَ الضَّحَّاكُ: كَانَتْ لَهُ زَنَمَة فِي أَصْلِ أُذُنِهِ، وَيُقَالُ: هُوَ اللَّئِيمُ الْمُلْصَقُ فِي النَّسَبِ.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: هُوَ الْمُرِيبُ الَّذِي يُعْرَفُ بِالشَّرِّ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الزَّنِيمُ الَّذِي يُعْرَفُ بِهَذَا الْوَصْفِ كَمَا تُعْرَفُ الشَّاةُ. وَقَالَ أَبُو رَزِين: الزَّنِيمُ عَلَامَةُ الْكُفْرِ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: الزَّنِيمُ الَّذِي يُعْرَفُ بِاللُّؤْمِ كَمَا تُعْرَفُ الشَّاةُ بِزَنَمَتِهَا.
وَالْأَقْوَالُ فِي هَذَا كَثِيرَةٌ، وَتَرْجِعُ إِلَى مَا قُلْنَاهُ، وَهُوَ أَنَّ الزَّنِيمَ هُوَ: الْمَشْهُورُ بِالشَّرِّ، الَّذِي يُعْرَفُ بِهِ مِنْ بَيْنِ الناس، وغالبًا يكون دعيًا وله زِنًا، فَإِنَّهُ فِي الْغَالِبِ يَتَسَلَّطُ الشَّيْطَانُ عَلَيْهِ مَا لَا يَتَسَلَّطُ عَلَى غَيْرِهِ، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: "لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ وَلَدُ زِنًا" (٢) وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: "وَلَدُ الزِّنَا شَرُّ الثَّلَاثَةِ إِذَا عَمِلَ بِعَمَلِ أَبَوَيْهِ" (٣).
وَقَوْلُهُ: ﴿أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ﴾ يَقُولُ تَعَالَى: هَذَا مُقَابَلَةُ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنَ الْمَالِ وَالْبَنِينَ، كَفَرَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأَعْرَضَ عَنْهَا، وَزَعَمَ أَنَّهَا كَذب مَأْخُوذٌ مِنْ أَسَاطِيرِ الْأَوَّلِينَ، كَقَوْلِهِ: ﴿ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا وَجَعَلْتُ لَهُ مَالا مَمْدُودًا وَبَنِينَ شُهُودًا وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ كَلا إِنَّهُ كَانَ لآيَاتِنَا عَنِيدًا سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ نَظَرَ ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ يُؤْثَرُ إِنْ هَذَا إِلا قَوْلُ الْبَشَرِ﴾ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿سَأُصْلِيهِ سَقَرَ﴾ [المدثر: ١١ -٢٦]. قال تعالى هاهنا: ﴿سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ﴾
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: سَنَبِينُ أَمْرَهُ بَيَانًا وَاضِحًا، حَتَّى يَعْرِفُوهُ وَلَا يَخْفَى عَلَيْهِمْ، كَمَا لَا تَخْفَى السِّمَةُ عَلَى الْخَرَاطِيمِ (٤) وَهَكَذَا قَالَ قَتَادَةُ: ﴿سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ﴾ شَيْنٌ لا يفارقه آخر ما عليه.
(١) في أ: "قال".
(٢) رواه الإمام أحمد في المسند (٢/٢٠٣) مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، رَضِيَ الله عنه، ورواه النسائي في السنن الكبرى برقم (٤٩٢٥، ٤٩٢٦) من حديث أبي هريرة، رضي الله عنه، وقد ذكره ابن الجوزي في الموضوعات (٣/١١١) قال: "وفيه مخالفة للأصول وأعظمها قوله تعالى: "ولا تزر وازرة أخرى". قال الإمام ابن القيم متعقبًا على ابن الجوزي في المنارالمنيف (ص١٣٣) :"ليست معرضة بها إن صحت، فإنه لم يحرم الجنة بفعل والديه، بل لأن النطفة الخبيثة لا يتخلق منها طيب في الغالب، ولا يدخل الجنة إلا نفس طيبة، فإن كانت في هذا الجنس طيبة دخلت الجنة، وكان الحديث من العام المخصوص، وقد ورد في ذمة: "أنه شر الثلاثة" وهو حديث حسن ومعناه صحيح بهذا الاعتبار، فإن شر الأبوين عارض، وهذه نطفة خبيثة فشره في أصله وشر الأبوين في فعلهما". قلت: ويوجه أيضًا بالتقييد الذي في حديث عائشة الآتي بأنه شر الثلاثة إذا عمل عمل أبويه، وكلام ابن الجوزي منطبق على حديث: "ولد الزنا في النار إلى سبعة أبناء". وهو موضوع.
(٣) رواه الإمام أحمد (٦/١٠٩) من حديث عائشة، رضي الله عنها، و (٢/٣١١) من حديث أبي هريرة، رضي الله عنه.
(٤) في م: "على الخرطوم".
194
وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ: سِيمَا (١) عَلَى أَنْفِهِ. وَكَذَا قَالَ السُّدِّيُّ.
وَقَالَ الْعَوْفِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ﴾ يُقَاتِلُ يَوْمَ بَدْرٍ، فيُخطم بِالسَّيْفِ فِي الْقِتَالِ. وَقَالَ آخَرُونَ: ﴿سَنَسِمُهُ﴾ سِمَةَ أَهْلِ النَّارِ، يَعْنِي نُسَوِّدُ وَجْهَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَعَبَّرَ عَنِ الْوَجْهِ بِالْخُرْطُومِ. حَكَى ذَلِكَ كُلَّهُ أبو جعفر ابن جَرِيرٍ، وَمَالَ إِلَى أَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنَ اجْتِمَاعِ الْجَمِيعِ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَهُوَ مُتّجه.
وَقَدْ (٢) قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي سُورَةِ ﴿عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ﴾ حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ كَاتِبُ اللَّيْثِ، حَدَّثَنِي اللَّيْثُ حَدَّثَنِي خَالِدٌ عَنْ (٣) سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عِيسَى بْنِ هِلَالٍ الصَّدَفِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "إِنَّ الْعَبْدَ يُكْتَبُ مُؤْمِنًا أَحْقَابًا ثُمَّ أَحْقَابًا (٤) ثُمَّ يَمُوتُ وَاللَّهُ عَلَيْهِ سَاخِطٌ. وَإِنَّ الْعَبْدَ يُكْتَبُ كَافِرًا أَحْقَابًا ثُمَّ أَحْقَابًا، ثُمَّ يَمُوتُ وَاللَّهُ عَلَيْهِ (٥) رَاضٍ. وَمَنْ مَاتَ هَمَّازًا لمَّازًا مُلَقَّبا للناس، كان علامته يوم القيامة أن يسميه اللَّهُ عَلَى الْخُرْطُومِ، مِنْ كِلَا الشَّفَتَيْنِ" (٦).
﴿إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ (١٧) وَلا يَسْتَثْنُونَ (١٨) فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ (١٩) فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ (٢٠) فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ (٢١) أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ (٢٢) فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ (٢٣) أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ (٢٤) وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ (٢٥) فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ (٢٦) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (٢٧) قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ (٢٨) قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (٢٩) فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ (٣٠) قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ (٣١) عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ (٣٢) كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (٣٣) ﴾
هَذَا مَثَل ضَرَبه اللَّهُ تَعَالَى لِكُفَّارِ قُرَيْشٍ فِيمَا أَهْدَى إِلَيْهِمْ مِنَ الرَّحْمَةِ الْعَظِيمَةِ، وَأَعْطَاهُمْ مِنَ النِّعَمِ الْجَسِيمَةِ، وَهُوَ بَعْثُهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ، فَقَابَلُوهُ بِالتَّكْذِيبِ وَالرَّدِّ وَالْمُحَارَبَةِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ﴾ أَيِ: اخْتَبَرْنَاهُمْ، ﴿كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ﴾ وَهِيَ الْبُسْتَانُ الْمُشْتَمِلُ على أنواع الثمار
(١) في م: "سنسمه سيما".
(٢) في م: "ولهذا".
(٣) في م، أ، هـ: " بن" والصواب ما أثبتناه من المعجم الكبير للطبراني.
(٤) في أ: "أحيانا ثم أحيانا".
(٥) في م: "عنه".
(٦) ورواه الطبراني في المعجم الكبير برقم (٦٠) "القطعة المفقودة" والمعجم الأوسط برقم (٣٢٣٤) "مجمع البحرين" عن المطلب الأزدى، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَالِحٍ بِهِ. وَقَالَ في الأوسط: "لا يروى عن عبد الله بن عمرو إلا بهذا الإسناد، تفرد به الليث".
195
وَالْفَوَاكِهِ ﴿إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ﴾ أَيْ: حَلَفُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ لَيجُذَّنَ ثَمرها لَيْلًا لِئَلَّا يَعْلَمَ بِهِمْ فَقِيرٌ وَلَا سَائِلٌ، لِيَتَوَفَّرَ ثَمَرُهَا عَلَيْهِمْ وَلَا يَتَصَدَّقُوا مِنْهُ بِشَيْءٍ، ﴿وَلا يَسْتَثْنُونَ﴾ أَيْ: فِيمَا حَلَفُوا بِهِ. وَلِهَذَا حَنَّثَهُمُ اللَّهُ فِي أَيْمَانِهِمْ، فَقَالَ: ﴿فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ﴾ أَيْ: أَصَابَتْهَا آفَةٌ سَمَاوِيَّةٌ، ﴿فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَيْ كَاللَّيْلِ الْأَسْوَدِ. وَقَالَ الثَّوْرِيُّ، وَالسُّدِّيُّ: مِثْلَ الزَّرْعِ إِذَا حُصِد، أَيْ هَشِيمًا يَبَسًا.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: ذُكِرَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الصَّبَّاحِ: أَنْبَأَنَا بِشْرُ بْنُ زَاذَانَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ صُبْحٍ (١) عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِيَّاكُمْ وَالْمَعَاصِيَ، إِنَّ الْعَبْدَ لَيُذْنِبُ الذَّنْبَ فَيُحْرَمُ بِهِ رِزْقًا قَدْ كَانَ هُيِّئ لَهُ"، ثُمَّ تَلَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ﴿فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ﴾ قَدْ حُرِمُوا خَير جَنّتهم بِذَنْبِهِمْ (٢).
﴿فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ﴾ أَيْ: لَمَّا كَانَ وَقْتُ الصُّبْحِ نَادَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا لِيَذْهَبُوا إِلَى الجَذَاذ،
﴿أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ﴾ أَيْ: تُرِيدُونَ الصِرَامَ. قَالَ مُجَاهِدٌ: كَانَ حَرْثُهُمْ عِنَبًا.
﴿فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ﴾ أَيْ: يَتَنَاجَوْنَ فِيمَا بَيْنَهُمْ بِحَيْثُ لَا يُسمعون أَحَدًا كَلَامَهُمْ. ثُمَّ فَسَّرَ اللَّهُ عَالِمُ السِّرِّ وَالنَّجْوَى مَا كَانُوا يَتَخَافَتُونَ بِهِ، فَقَالَ: ﴿فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ﴾ أَيْ: يَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: لَا تُمَكِّنُوا الْيَوْمَ فَقِيرًا يَدْخُلُهَا عَلَيْكُمْ!
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ﴾ أَيْ: قُوَّةٍ وَشِدَّةٍ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: ﴿وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ﴾ أَيْ: جِدٍّ وَقَالَ عِكْرِمَةُ: غَيْظٍ. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: ﴿عَلَى حَرْدٍ﴾ عَلَى الْمَسَاكِينِ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: ﴿عَلَى حَرْدٍ﴾ أي: كان اسم قريتهم حرد. فَأَبْعَدَ السُّدِّيُّ فِي قَوْلِهِ هَذَا!
﴿قَادِرِينَ﴾ أَيْ: عَلَيْهَا فِيمَا يَزْعُمُونَ ويَرومون.
﴿فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ﴾ أَيْ: فَلَمَّا وَصَلُوا إِلَيْهَا وَأَشْرَفُوا عَلَيْهَا، وَهِيَ عَلَى الْحَالَةِ الَّتِي قَالَ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، قَدِ اسْتَحَالَتْ عَنْ تِلْكَ النَّضَارَةِ وَالزَّهْرَةِ وَكَثْرَةِ الثِّمَارِ إِلَى أَنْ صَارَتْ سَوْدَاءَ مُدْلَهِمَّة، لَا يُنْتَفَعُ بِشَيْءٍ مِنْهَا، فَاعْتَقَدُوا أَنَّهُمْ قَدْ أَخْطَئُوا الطَّرِيقَ؛ وَلِهَذَا قَالُوا: ﴿إِنَّا لَضَالُّونَ﴾ أَيْ: قَدْ سَلَكْنَا إِلَيْهَا غَيْرَ الطَّرِيقِ فتُهنا عَنْهَا. قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ. ثُمَّ رَجَعُوا عَمَّا كَانُوا فِيهِ، وَتَيَقَّنُوا أَنَّهَا هِيَ فَقَالُوا: ﴿بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ﴾ أَيْ: بَلْ هَذِهِ هِيَ، وَلَكِنْ نَحْنُ لَا حَظّ لَنَا وَلَا نَصِيبَ.
﴿قَالَ أَوْسَطُهُمْ﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَعِكْرِمَةُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ، وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ، وَالضَّحَّاكُ، وقَتَادَةُ: أَيْ: أَعْدَلُهُمْ وَخَيْرُهُمْ: ﴿أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ﴾ ! قَالَ مُجَاهِدٌ، وَالسُّدِّيُّ، وَابْنُ جُرَيْجٍ: ﴿لَوْلا تُسَبِّحُونَ﴾ أَيْ: لَوْلَا تَسْتَثْنُونَ. قَالَ السُّدِّيُّ: وَكَانَ اسْتِثْنَاؤُهُمْ فِي ذَلِكَ الزمان تسبيحًا.
(١) في أ: "بن صبيح".
(٢) وفي إسناد عمر بن صبح قال ابن حيان: كان ممن يضع الحديث. وقال الدارقطنى: متروك. وقال الأذي: كذاب. وله شاهد من حديث ثوبان، رضي الله عنه، رواه الإمام أحمد في المسند (٥/٢٧٧).
196
﴿ وَلا يَسْتَثْنُونَ ﴾ أي : فيما حلفوا به.
ولهذا حنثهم الله في أيمانهم، فقال :﴿ فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ ﴾
أي : أصابتها آفة سماوية،
﴿ فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ ﴾ قال ابن عباس : أي كالليل الأسود. وقال الثوري، والسدي : مثل الزرع إذا حُصِد، أي هشيمًا يبسًا.
وقال ابن أبي حاتم : ذكر عن أحمد بن الصباح : أنبأنا بشر بن زاذان، عن عمر بن صبح١ عن ليث بن أبي سليم، عن عبد الرحمن بن سابط، عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إياكم والمعاصي، إن العبد ليذنب الذنب فيحرم به رزقًا قد كان هُيِّئ له "، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم :﴿ فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ ﴾ قد حرموا خَير جَنّتهم بذنبهم٢.
١ - (١) في أ: "بن صبيح"..
٢ - (٢) وفي إسناد عمر بن صبح قال ابن حيان: كان ممن يضع الحديث. وقال الدارقطني: متروك. وقال الأزدي: كذاب. وله شاهد من حديث ثوبان، رضي الله عنه، رواه الإمام أحمد في المسند (٥/٢٧٧)..
﴿ فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ ﴾ أي : لما كان وقت الصبح نادى بعضهم بعضًا ليذهبوا إلى الجَذَاذ،
﴿ أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ ﴾ أي : تريدون الصرام. قال مجاهد : كان حرثهم عِنَبًا.
﴿ فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ ﴾ أي : يتناجون فيما بينهم بحيث لا يُسمعون أحدًا كلامهم.
ثم فسر الله عالم السر والنجوى ما كانوا يتخافتون به،
فقال :﴿ فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ ﴾ أي : يقول بعضهم لبعض : لا تمكنوا اليوم فقيرًا يدخلها عليكم !
ثم فسر الله عالم السر والنجوى ما كانوا يتخافتون به،
فقال :﴿ فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ ﴾ أي : يقول بعضهم لبعض : لا تمكنوا اليوم فقيرًا يدخلها عليكم !
قال الله تعالى :﴿ وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ ﴾ أي : قوة وشدة. وقال مجاهد :﴿ وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ ﴾ أي : جد وقال عكرمة : غيظ. وقال الشعبي :﴿ عَلَى حَرْدٍ ﴾ على المساكين. وقال السدي :﴿ عَلَى حَرْدٍ ﴾ أي : كان اسم قريتهم حرد. فأبعد السدي في قوله هذا !
﴿ قَادِرِينَ ﴾ أي : عليها فيما يزعمون ويَرومون.
﴿ فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ ﴾ أي : فلما وصلوا إليها وأشرفوا عليها، وهي على الحالة التي قال الله، عز وجل، قد استحالت عن تلك النضارة والزهرة وكثرة الثمار إلى أن صارت سوداء مُدْلَهِمَّة، لا ينتفع بشيء منها، فاعتقدوا أنهم قد أخطئوا الطريق ؛ ولهذا قالوا :﴿ إِنَّا لَضَالُّونَ ﴾ أي : قد سلكنا إليها غير الطريق فتُهنا عنها. قاله ابن عباس وغيره.
ثم رجعوا عما كانوا فيه، وتيقنوا أنها هي فقالوا :﴿ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ ﴾ أي : بل هذه هي، ولكن نحن لا حَظّ لنا ولا نصيب.
﴿ قَالَ أَوْسَطُهُمْ ﴾ قال ابن عباس، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وعكرمة، ومحمد بن كعب، والربيع بن أنس، والضحاك، وقتادة : أي : أعدلهم وخيرهم :﴿ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ ﴾ ! قال مجاهد، والسدي، وابن جريج :﴿ لَوْلا تُسَبِّحُونَ ﴾ أي : لولا تستثنون. قال السدي : وكان استثناؤهم في ذلك الزمان تسبيحًا.
وقال ابن جريج : هو قول القائل : إن شاء الله. وقيل : معناه :﴿ قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ ﴾ أي : هلا تسبحون الله وتشكرونه على ما أعطاكم وأنعم به عليكم،
﴿ قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ ﴾ أتوا بالطاعة حيث لا تنفع، وندموا واعترفوا حيث لا ينجع ؛
ولهذا قالوا :﴿ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ ﴾
أي : يلوم بعضهم بعضًا على ما كانوا أصروا عليه من منع المساكين من حق الجذاذ، فما كان جواب بعضهم لبعض إلا الاعتراف بالخطيئة والذنب،
﴿ قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ ﴾ أي : اعتدينا وبَغَينا وطغينا وجاوزنا الحد حتى أصابنا ما أصابنا،
﴿ عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ ﴾ قيل : رغبوا في بذلها لهم في الدنيا. وقيل : احتسبوا ثوابها في الدار الآخرة، والله أعلم.
ثم قد ذكر بعض السلف أن هؤلاء قد كانوا من أهل اليمن - قال سعيد بن جبير : كانوا من قرية يقال لها ضروان١ على ستة أميال من صنعاء. وقيل : كانوا من أهل الحبشة - وكان أبوهم قد خلف لهم هذه الجنة، وكانوا من أهل الكتاب، وقد كان أبوهم يسير فيها سيرة حسنة، فكان ما استغله منها يرد فيها ما يحتاج إليها ويدّخر لعياله قوت سنتهم، ويتصدق بالفاضل. فلما مات ورثه بنوه، قالوا : لقد كان أبونا أحمقَ إذ كان يصرف من هذه شيئًا للفقراء، ولو أنَّا منعناهم لتوفر ذلك علينا. فلما عزموا على ذلك عُوقِبوا بنقيض قصدهم، فأذهب الله ما بأيديهم بالكلية، رأس المال الربح والصدقة، فلم يبق لهم شيء.
١ - (١) في أ: "جردان"..
قال الله تعالى :﴿ كَذَلِكَ الْعَذَابُ ﴾ أي : هكذا عذاب من خالف أمر الله، وبخل بما آتاه الله وأنعم به عليه، ومنع حق المسكين والفقراء١ وذوي الحاجات، وبدل نعمة الله كفرا ﴿ وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾ أي : هذه عقوبة الدنيا كما سمعتم، وعذاب الآخرة أشق. وقد ورد في حديث رواه الحافظ البيهقي من طريق جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، عن أبيه، عن جده ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الجداد٢ بالليل، والحصاد بالليل٣.
١ - (٢) في أ: "حق المسكين والفقير"..
٢ - (٣) في م، أ، هـ: "الجذاذ" بالذال وهو خطأ والمثبت من سنن البيهقي..
٣ - (٤) سنن البيهقي الكبرى (٤/١٣٣) والجداد - بالدال بالفتح والكسر - قال ابن الأثير في النهاية (١/٢٤٤): "هي صرام النخل، وهو قطع ثمرتها، يقال: جد الثمرة يجدها جدا، وإنما نهى عن ذلك لأجل المساكين حتى يحضروا في النهار فيتصدق عليهم منه"..
وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: هُوَ قَوْلُ الْقَائِلِ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ: ﴿قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ﴾ أَيْ: هَلَّا تُسَبِّحُونَ اللَّهَ وَتَشْكُرُونَهُ عَلَى مَا أَعْطَاكُمْ وَأَنْعَمَ بِهِ عَلَيْكُمْ، ﴿قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ﴾ أَتَوْا بِالطَّاعَةِ حَيْثُ لَا تَنْفَعُ، وَنَدِمُوا وَاعْتَرَفُوا حَيْثُ لَا يَنْجَعُ؛ وَلِهَذَا قَالُوا: ﴿إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ﴾ أَيْ: يَلُومُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا عَلَى مَا كَانُوا أَصَرُّوا عَلَيْهِ مِنْ مَنْعِ الْمَسَاكِينِ مِنْ حَقِّ الْجُذَاذِ، فَمَا كَانَ جَوَابُ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ إِلَّا الِاعْتِرَافَ بِالْخَطِيئَةِ وَالذَّنْبِ، ﴿قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ﴾ أَيِ: اعْتَدَيْنَا وبَغَينا وَطَغَيْنَا وَجَاوَزْنَا الْحَدَّ حَتَّى أَصَابَنَا مَا أَصَابَنَا، ﴿عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ﴾ قِيلَ: رَغِبُوا فِي بَذْلِهَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا. وَقِيلَ: احْتَسَبُوا ثَوَابَهَا فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
ثُمَّ قَدْ ذَكَرَ بَعْضُ السَّلَفِ أَنَّ هَؤُلَاءِ قَدْ كَانُوا مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ -قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: كَانُوا مِنْ قَرْيَةٍ يُقَالُ لَهَا ضَرَوَانُ (١) عَلَى سِتَّةِ أَمْيَالٍ مِنْ صَنْعَاءَ. وَقِيلَ: كَانُوا مِنْ أَهْلِ الْحَبَشَةِ-وَكَانَ أَبُوهُمْ قَدْ خَلَّفَ لَهُمْ هَذِهِ الْجَنَّةَ، وَكَانُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَقَدْ كَانَ أَبُوهُمْ يَسِيرُ فِيهَا سِيرَةً حَسَنَةً، فَكَانَ مَا اسْتَغَلَّهُ مِنْهَا يَرُدُّ فِيهَا مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهَا وَيَدَّخِرُ لِعِيَالِهِ قُوتَ سَنَتِهِمْ، وَيَتَصَدَّقُ بِالْفَاضِلِ. فَلَمَّا مَاتَ وَرِثَهُ بَنُوهُ، قَالُوا: لَقَدْ كَانَ أَبُونَا أحمقَ إِذْ كَانَ يَصْرِفُ مِنْ هَذِهِ شَيْئًا لِلْفُقَرَاءِ، وَلَوْ أنَّا مَنَعْنَاهُمْ لَتَوَفَّرَ ذَلِكَ عَلَيْنَا. فَلَمَّا عَزَمُوا عَلَى ذَلِكَ عُوقِبوا بِنَقِيضِ قَصْدِهِمْ، فَأَذْهَبَ اللَّهُ مَا بأيديهم بالكلية، رأس المال الربح وَالصَّدَقَةَ، فَلَمْ يَبْقَ لَهُمْ شَيْءٌ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿كَذَلِكَ الْعَذَابُ﴾ أَيْ: هَكَذَا عَذَابُ مَنْ خَالَفَ أَمْرَ اللَّهِ، وَبَخِلَ بِمَا آتَاهُ اللَّهُ وَأَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِ، وَمَنَعَ حَقَّ الْمِسْكِينِ وَالْفُقَرَاءِ (٢) وَذَوِي الْحَاجَاتِ، وَبَدَّلَ نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا ﴿وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ أَيْ: هَذِهِ عُقُوبَةُ الدُّنْيَا كَمَا سَمِعْتُمْ، وَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ. وَقَدْ وَرَدَ فِي حَدِيثٍ رَوَاهُ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الْجِدَادِ (٣) بِاللَّيْلِ، وَالْحَصَادِ بِاللَّيْلِ (٤).
﴿إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٣٤) أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (٣٥) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (٣٦) أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ (٣٧) إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ (٣٨) أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ (٣٩) سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ (٤٠) أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ (٤١) ﴾
(١) في أ: "جردان".
(٢) في أ: "حق المسكين والفقير".
(٣) في م، أ، هـ: "الجذاذ" بالذال وهو خطأ والمثبت من سنن البيهقي.
(٤) سنن البيهقي الكبرى (٤/١٣٣) والجداد -بالدال بالفتح والكسر- قال ابن الأثير في النهاية (١/٢٤٤) :"هي صرام النخل، وهو قطع ثمرتها، يقال: جد الثمرة يجدها جدا، وإنما نهى عن ذلك لأجل المساكين حتى يحضروا في النهار فيتصدق عليهم منه".
ثم قال :﴿ أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ ﴾ ؟ أي : أفنساوي بين هؤلاء وهؤلاء في الجزاء ؟ كلا ورب الأرض والسماء ؛ ولهذا قال ﴿ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ﴾ !
أي : كيف تظنون ذلك ؟.
ثم قال :﴿ أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ ﴾ يقول : أفبأيديكم كتاب منزل من السماء تدرسونه وتحفظونه وتتداولونه بنقل الخلف عن السلف، مُتضمن حكما مؤكدًا كما تدعونه ؟
﴿ إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ ﴾ أي : أمعكم عهود منا ومواثيق مؤكدة، ﴿ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ ﴾
﴿ إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ ﴾ أي : أمعكم عهود منا ومواثيق مؤكدة، ﴿ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ ﴾
أي : أنه سيحصل لكم ما تريدون وتشتهون،
﴿ سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ ﴾ ؟ أي : قل لهم : من هو المتضمن المتكفل بهذا ؟
﴿ أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ ﴾ أي : من الأصنام والأنداد، ﴿ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ ﴾
لَمَّا ذَكَرَ [اللَّهُ] (١) تَعَالَى حَالَ أَهْلِ الْجَنَّةِ الدُّنْيَوِيَّةِ، وَمَا أَصَابَهُمْ فِيهَا مِنَ النِّقْمَةِ حِينَ عَصَوُا اللَّهَ، عَزَّ وَجَلَّ، وَخَالَفُوا أَمْرَهُ، بَيَّنَ أَنَّ لِمَنِ اتَّقَاهُ وَأَطَاعَهُ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ جَنَّاتِ النَّعِيمِ الَّتِي لَا تَبيد وَلَا تَفْرَغُ وَلَا يَنْقَضِي نَعِيمُهَا.
ثُمَّ قَالَ: ﴿أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ﴾ ؟ أَيْ: أَفَنُسَاوِي بَيْنَ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ فِي الْجَزَاءِ؟ كَلَّا وَرَبِّ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ؛ وَلِهَذَا قَالَ ﴿مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾ ! أَيْ: كَيْفَ تَظُنُّونَ ذَلِكَ؟.
ثُمَّ قَالَ: ﴿أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ﴾ يَقُولُ: أَفَبِأَيْدِيكُمْ كِتَابٌ مُنَزَّلٌ مِنَ السَّمَاءِ تَدْرُسُونَهُ وَتَحْفَظُونَهُ وَتَتَدَاوَلُونَهُ بِنَقْلِ الْخَلَفِ عَنِ السَّلَفِ، مُتضمن حُكْمًا مُؤَكَّدًا كَمَا تَدَّعُونَهُ؟ ﴿إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ﴾ أَيْ: أَمَعَكُمْ عُهُودٌ مِنَّا وَمَوَاثِيقُ مُؤَكَّدَةٌ، ﴿إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ﴾ أَيْ: إِنَّهُ سَيَحْصُلُ لَكُمْ مَا تُرِيدُونَ وَتَشْتَهُونَ، ﴿سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ﴾ ؟ أَيْ: قُلْ لَهُمْ: مَنْ هُوَ الْمُتَضَمِّنُ الْمُتَكَفِّلُ بِهَذَا؟
﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ﴾ أَيْ: مِنَ الْأَصْنَامِ وَالْأَنْدَادِ، ﴿فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ﴾
﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ (٤٢) ﴾
(١) زياده من م.
﴿خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ (٤٣) فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (٤٤) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (٤٥) أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (٤٦) أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (٤٧) ﴾
لَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى أَنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَهُ (١) جَنَّاتِ النَّعِيمِ، بَيَّنَ مَتَى ذَلِكَ كَائِنٌ وَوَاقِعٌ، فَقَالَ: ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ﴾ يَعْنِي: يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَا يَكُونُ فِيهِ مِنَ الْأَهْوَالِ وَالزَّلَازِلِ وَالْبَلَاءِ وَالِامْتِحَانِ وَالْأُمُورِ الْعِظَامِ. وَقَدْ قَالَ الْبُخَارِيُّ هاهنا:
حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثِ، عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَار، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "يَكشِفُ رَبّنا عَنْ سَاقِهِ، فَيَسْجُدُ لَهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ، وَيَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ فِي الدُّنْيَا رِيَاءً وَسُمْعَةً، فَيَذْهَبُ لِيَسْجُدَ فَيَعُودُ ظَهْرُهُ طَبَقًا وَاحِدًا" (٢).
وَهَذَا الْحَدِيثُ مُخَرَّجٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَفِي غَيْرِهِمَا مِنْ طُرُقٍ (٣) وَلَهُ أَلْفَاظٌ، وَهُوَ حَدِيثٌ طَوِيلٌ مَشْهُورٌ.
وَقَدْ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ عِكْرِمة، عَنِ ابن عباس: ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ﴾
(١) في م: "عند ربهم".
(٢) صحيح البخاري برقم (٤٩١٩).
(٣) وهو حديث الشفاعة وقد سبق سياقه بطريقه وألفاظه عند تفسير أول سورة الإسراء.
198
قَالَ: هُوَ يَوْمُ كَرْب وَشِدَّةٍ. رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ ثُمَّ قَالَ:
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا مِهْران، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ -أَوِ: ابْنِ عَبَّاسٍ، الشَّكُّ مِنِ ابْنِ جَرِيرٍ-: ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ﴾ قَالَ: عَنْ أَمْرٍ عَظِيمٍ، كَقَوْلِ الشَّاعِرِ:
وَقَامَتِ الْحَرْبُ بِنَا عَنْ سَاقٍ (١)
وَقَالَ ابْنُ أَبِي نَجِيح، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ﴾ قَالَ: شِدَّةُ الْأَمْرِ (٢)
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هِيَ أَوَّلُ (٣) سَاعَةٍ تَكُونُ فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
وَقَالَ ابن جُرَيح، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ﴾ قَالَ: شِدَّةُ الْأَمْرِ وَجِدُّهُ.
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ﴾ هُوَ الْأَمْرُ الشَّدِيدُ المُفظِع مِنَ الْهَوْلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
وَقَالَ الْعَوْفِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ﴾ يَقُولُ: حِينَ يُكْشَفُ الْأَمْرُ وَتَبْدُو الْأَعْمَالُ. وَكَشْفُهُ دُخُولُ الْآخِرَةِ، وَكَشْفُ الْأَمْرِ عَنْهُ. وَكَذَا رَوَى الضَّحَّاكُ وَغَيْرُهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. أَوْرَدَ ذَلِكَ كُلَّهُ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ ثُمَّ قَالَ:
حَدَّثَنِي أَبُو زَيْدٍ عُمَرُ بْنُ شَبَّة، حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ عُمَرَ الْمَخْزُومِيُّ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ رَوْحُ بْنِ جَنَاحٍ، عَنْ مَوْلًى لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ﴾ قَالَ: "عَنْ نُورٍ عَظِيمٍ، يَخِرُّونَ لَهُ سُجَّدًا".
وَرَوَاهُ أَبُو يَعْلَى، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ يَحْيَى، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ، به (٤) وفيه رجل مبهم (٥) والله أعلم.
(١) البيت في تفسير الطبري (٢٩/٢٤).
(٢) في أ: "الأمر وجده".
(٣) في م: "هي أشد".
(٤) تفسير الطبري (٢٩/٢٧) ومسند أبي يعلى (١٣/٢٦٩).
تنبيه: ظن بعض الناس أن الحافظ ابن كثير سلك هنا مسلك التأويل لصفة الساق، وهذا فهم خاطئ؛ وذلك لأن الحافظ ابن كثير فسر هذه الآية بحديث أبي سعيد، رضي الله عنه، ثم ذكر ما قيل في هذه الآية، وقد تكلم الإمام ابن القيم عن هذه الآية كلامًا بديعًا قال، رحمه الله، في الصواعق المرسلة (١/٢٥٢، ٢٥٣) :"والصحابة متنازعون في تفسير هذه الآية: هل المراد الكشف عن الشدة؟ أو المراد بها أن الرب تعالى يكشف عن ساقه؟ ولا يحفظ عن الصحابة والتابعين نزاع فيها يذكر أنه من الصفات أم لا في غير هذا الموضوع، وليس في ظاهر القرآن ما يدل على أن ذلك صفة لله؛ لأنه سبحانه لم يضف الساق إليه، وإنما ذكره مجردًا عن الإضافة منكرًا، والذين أثبتوا ذلك صفة كاليدين والأصبع لم يأخذ ذلك من ظاهر القرآن، وإنما أثبتوه بحديث أبي سعيد الخدري المتفق على صحته، وهو حديث الشفاعة الطويل وفيه: "فيكشف الرب عن ساقه فيخرون له سجدًا". ومن حمل الآية على ذلك قال: قوله تَعَالَى: "يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ" القلم: ٤٢: مطابق لقوله صلى الله عليه وسلم: "فيكشف عن ساقة فيخرون له سجدًا". وتنكيره للتعظيم والتفخيم كأنه قال: يكشف عن ساق عظيمة، جلت عظمتها وتعالى شأنها أن يكون لها نظير أو مثل أو شبيه، قالوا: وحمل الآية على الشدة لا يصح بوجه؛ فإن لغة القوم في مثل ذلك أن يقال: كشف الشدة عن القوم لا كشف عنها كما قال تعالى: "فلما كشفنا عنهم العذاب إذا هم ينكثون" الزخرف: ٥٠، وقال "ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر" المؤمنون: ٧٥، فالعذاب والشدة هو المكشوف لا المكشوف عنه، وأيضًا فهناك تحدث الشدة وتشتد، ولا تزال إلا بدخول الجنة، وهناك لا يدعون إلى السجود، وإنما يدعون إليه أشد ما كانت الشدة" انتهى نقلا عن التحذير من مختصرات الصابوني، وانظر: عقيدة الحافظ ابن كثير للشيخ عبد الآخر الغنيمي (ص٤٨، ٤٩) والتحذير للشيخ بكر أبو زيد (ص٣٥٠ - ٣٥٣).
(٥) في أ: "رجل متهم".
199
ثم قال تعالى :﴿ فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ ﴾ يعني : القرآن. وهذا تهديد شديد، أي : دعني وإياه مني ومنه، أنا أعلم به كيف أستدرجه، وأمده في غيه وأنظر١ ثم آخذه أخذ عزيز مقتدر ؛ ولهذا قال :﴿ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ ﴾ أي : وهم لا يشعرون، بل يعتقدون أن ذلك من الله كرامة، وهو في نفس الأمر إهانة، كما قال :﴿ أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لا يَشْعُرُونَ ﴾ [ المؤمنون : ٥٥، ٥٦ ]، وقال :﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ ﴾ [ الأنعام : ٤٤ ]. ولهذا قال هاهنا :﴿ وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ ﴾
١ - (١) في أ: "وأنظره"..
أي : وأؤخرهم وأنظرهم وأمدهم١ وذلك من كيدي ومكري بهم ؛ ولهذا قال تعالى :﴿ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ ﴾ أي : عظيم لمن خالف أمري، وكذب رسلي، واجترأ على معصيتي.
وفي الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :" إن الله تعالى ليُمْلي للظالم، حتى إذا أخذه لم يُفْلِتْه ". ثم قرأ :﴿ وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ﴾ [ هود : ١٠٢ ] ٢.
١ - (٢) في أ: "وأمد لهم"..
٢ - (٣) صحيح البخاري برقم (٤٦٨٦) وصحيح مسلم برقم (٢٥٨٣) من حديث أبي موسى الأشعري، رضي الله عنه..
وقوله :﴿ أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ ﴾ تقدم تفسيرهما في سورة " الطور " ١ ٢ والمعنى في ذلك : أنك يا محمد تدعوهم إلى الله، عز وجل، بلا أجر تأخذه منهم، بل ترجو ثواب ذلك عند الله، عز وجل، وهم يكذبون بما جئتهم به، بمجرد الجهل والكفر والعناد.
١ - (٤) في م: "في سورة النور"..
٢ - (٥) عند تفسير الآيتين: ٤٠، ٤١..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٤٦:وقوله :﴿ أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ ﴾ تقدم تفسيرهما في سورة " الطور " ١ ٢ والمعنى في ذلك : أنك يا محمد تدعوهم إلى الله، عز وجل، بلا أجر تأخذه منهم، بل ترجو ثواب ذلك عند الله، عز وجل، وهم يكذبون بما جئتهم به، بمجرد الجهل والكفر والعناد.
١ - (٤) في م: "في سورة النور"..
٢ - (٥) عند تفسير الآيتين: ٤٠، ٤١..

وَقَوْلُهُ: ﴿خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ﴾ أَيْ: فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ بِإِجْرَامِهِمْ وَتَكَبُّرِهِمْ فِي الدُّنْيَا، فَعُوقِبُوا بِنَقِيضِ مَا كَانُوا عَلَيْهِ. وَلَمَّا دُعُوا إِلَى السُّجُودِ فِي الدُّنْيَا فَامْتَنَعُوا مِنْهُ مَعَ صِحَّتِهِمْ وَسَلَامَتِهِمْ كَذَلِكَ عُوقِبُوا بِعَدَمِ قُدْرَتِهِمْ عَلَيْهِ فِي الْآخِرَةِ، إِذَا تَجَلَّى الرَّبُّ، عَزَّ وَجَلَّ، فَيَسْجُدُ لَهُ الْمُؤْمِنُونَ، لَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ مِنَ الْكَافِرِينَ وَلَا الْمُنَافِقِينَ أَنْ يسجُد، بَلْ يَعُودُ ظَهْرُ أَحَدِهِمْ طَبَقًا وَاحِدًا، كُلَّمَا أَرَادَ أَحَدُهُمْ أَنْ يَسْجُدَ خَرّ لِقَفَاهُ، عَكْسَ السُّجُودِ، كَمَا كَانُوا فِي الدُّنْيَا، بِخِلَافِ مَا عَلَيْهِ الْمُؤْمِنُونَ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: ﴿فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ﴾ يَعْنِي: الْقُرْآنَ. وَهَذَا تَهْدِيدٌ شَدِيدٌ، أَيْ: دَعْنِي وَإِيَّاهُ مِنِّي وَمِنْهُ، أَنَا أَعْلَمُ بِهِ كَيْفَ أَسْتَدْرِجُهُ، وَأَمُدُّهُ فِي غَيِّهِ وَأَنْظُرُ (١) ثُمَّ آخُذُهُ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ﴾ أَيْ: وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ، بَلْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ ذَلِكَ مِنَ اللَّهِ كَرَامَةٌ، وَهُوَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ إِهَانَةٌ، كَمَا قَالَ: ﴿أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لَا يَشْعُرُونَ﴾ [الْمُؤْمِنُونَ: ٥٥، ٥٦]، وَقَالَ: ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ﴾ [الأنعام: ٤٤]. ولهذا قال هاهنا: ﴿وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ﴾ أَيْ: وَأُؤَخِّرُهُمْ وَأُنْظِرُهُمْ وَأَمُدُّهُمْ (٢) وَذَلِكَ مِنْ كَيْدِي وَمَكْرِي بِهِمْ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ﴾ أَيْ: عَظِيمٌ لِمَنْ خَالَفَ أَمْرِي، وَكَذَّبَ رُسُلِي، وَاجْتَرَأَ عَلَى مَعْصِيَتِي.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ليُمْلي لِلظَّالِمِ، حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْه". ثُمَّ قَرَأَ: ﴿وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ﴾ [هُودٍ: ١٠٢] (٣).
وَقَوْلُهُ: ﴿أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ﴾ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُمَا فِي سُورَةِ "الطُّورِ" (٤) (٥) وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ: أَنَّكَ يَا مُحَمَّدُ تَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، بِلَا أَجْرٍ تَأْخُذُهُ مِنْهُمْ، بَلْ تَرْجُو ثَوَابَ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، وَهُمْ يُكَذِّبُونَ بِمَا جِئْتَهُمْ بِهِ، بِمُجَرَّدِ الْجَهْلِ وَالْكُفْرِ وَالْعِنَادِ.
﴿فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ (٤٨) لَوْلا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ (٤٩) فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (٥٠) وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ (٥١) وَمَا هُوَ إِلا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (٥٢) ﴾
(١) في أ: "وأنظره".
(٢) في أ: "وأمد لهم".
(٣) صحيح البخاري برقم (٤٦٨٦) وصحيح مسلم برقم (٢٥٨٣) مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، رَضِيَ اللَّهُ عنه.
(٤) في م: "في سورة النور".
(٥) عند تفسير الآيتين: ٤٠، ٤١.
200
يَقُولُ تَعَالَى: ﴿فَاصْبِرْ﴾ يَا مُحَمَّدُ عَلَى أَذَى قَوْمِكَ لَكَ وَتَكْذِيبِهِمْ؛ فَإِنَّ اللَّهَ سَيَحْكُمُ لَكَ عَلَيْهِمْ، وَيَجْعَلُ الْعَاقِبَةَ لَكَ وَلِأَتْبَاعِكَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، ﴿وَلا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ﴾ يَعْنِي: ذَا النُّونِ، وَهُوَ يُونُسُ بْنُ مَتَّى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، حِينَ ذَهَبَ مُغَاضِبًا عَلَى قَوْمِهِ، فَكَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا كَانَ مِنْ رُكُوبِهِ فِي الْبَحْرِ وَالْتِقَامِ الْحُوتِ لَهُ، وَشُرُودِ الْحُوتِ بِهِ فِي الْبِحَارِ وَظُلُمَاتِ غَمَرَاتِ الْيَمِّ، وَسَمَاعِهِ تَسْبِيحَ الْبَحْرِ بِمَا فِيهِ لِلْعَلِيِّ الْقَدِيرِ، الَّذِي لَا يُرَدّ مَا أَنْفَذَهُ مِنَ التَّقْدِيرِ، فَحِينَئِذٍ نَادَى فِي الظُّلُمَاتِ. ﴿أَنْ لَا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ [الْأَنْبِيَاءِ: ٨٧]. قَالَ اللَّهُ ﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الْأَنْبِيَاءِ: ٨٨]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ [الصَّافَّاتِ: ١٤٣، ١٤٤] وَقَالَ هَاهُنَا: ﴿إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَالسُّدِّيُّ: وَهُوَ مَغْمُومٌ. وَقَالَ عَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ، وَأَبُو مَالِكٍ: مَكْرُوبٌ. وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَمَّا قَالَ: ﴿لَا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ خَرَجَتِ الْكَلِمَةُ تَحُفّ حَوْلَ الْعَرْشِ، فَقَالَتِ الْمَلَائِكَةُ: يَا رَبِّ، هَذَا صَوْتٌ ضَعِيفٌ مَعْرُوفٌ مِنْ بِلَادٍ غَرِيبَةٍ. فَقَالَ اللَّهُ: أَمَا تَعْرِفُونَ هَذَا؟ قَالُوا: لَا. قَالَ: هَذَا يُونُسُ. قَالُوا: يَا رَبُّ، عَبْدُكُ الَّذِي لَا يَزَالُ يُرْفَعُ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ وَدَعْوَةٌ مُجَابَةٌ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالُوا: أَفَلَا تَرْحَمُ مَا كَانَ يَعْمَلُهُ فِي الرَّخَاءِ فَتُنْجِيهِ مِنَ الْبَلَاءِ؟ فَأَمَرَ اللَّهُ الْحُوتَ فَأَلْقَاهُ بِالْعَرَاءِ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: ﴿فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾
وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ: أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى".
وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حديث سفيان الثَّوْرِيِّ (١) وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هريرة (٢).
وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَغَيْرُهُمَا: ﴿لَيُزْلِقُونَكَ﴾ لَيُنْفِذُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ، أَيْ: لَيُعِينُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ، بِمَعْنَى: يَحْسُدُونَكَ لِبُغْضِهِمْ إِيَّاكَ لَوْلَا وِقَايَةُ اللَّهِ لَكَ، وَحِمَايَتُهُ إِيَّاكَ مِنْهُمْ. وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْعَيْنَ إِصَابَتُهَا وَتَأْثِيرُهَا حَقٌّ، بِأَمْرِ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، كَمَا وَرَدَتْ بِذَلِكَ الْأَحَادِيثُ الْمَرْوِيَّةُ مِنْ طُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ كَثِيرَةٍ.
حَدِيثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ العَتَكي، حَدَّثَنَا شَرِيكٌ (ح)، وَحَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ العَنْبَريّ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَنْبَأَنَا شَرِيكٌ، عَنْ الْعَبَّاسِ بْنِ ذَرِيح، عَنِ الشَّعْبِيِّ -قَالَ الْعَبَّاسُ: عَنْ أَنَسٍ-قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا رُقْيَةَ إِلَّا مِنْ عَيْنٍ أَوْ حُمة أَوْ دَمٍ لَا يُرْقَأُ". لَمْ يَذْكُرِ الْعَبَّاسُ الْعَيْنَ. وَهَذَا لَفْظُ سُلَيْمَانَ (٣).
حَدِيثُ بُرَيدة بْنِ الحُصَيب، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ابْنُ مَاجَهْ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَير، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ، عَنْ حُصَين، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ
(١) المسند (١/٣٩٠) وصحيح البخاري برقم (٤٦٠٣).
(٢) صحيح البخاري برقم (٤٦٣١) وصحيح مسلم برقم (٢٣٧٦).
(٣) سنن أبي داود برقم (٣٨٨٩).
201
بُرَيدة بْنِ الْحُصَيْبِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا رُقْيَةَ إِلَّا مِنْ عَيْنٍ أَوْ حُمة" (١).
هَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، عَنْ هُشَيْمٌ، عَنْ حُصَين بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ، عَنْ بُرَيْدَةَ مَوْقُوفًا، وَفِيهِ قِصَّةٌ (٢) وَقَدْ رَوَاهُ شُعْبَةُ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ بُرَيْدَةَ. قَالَهُ التِّرْمِذِيُّ (٣) وَرَوَى هَذَا الْحَدِيثَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ، وَأَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ مَالِكِ بْنِ مِغْول، وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ عَامِرٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عِمَرَانَ بْنِ حُصَين مَوْقُوفًا (٤).
حَدِيثُ أَبِي جُنْدُبِ بْنِ جُنَادَةَ: قَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ، رَحِمَهُ اللَّهُ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَرْعَرَةَ بْنِ البِرِند السَّامِيُّ، حَدَّثَنَا دَيْلَمُ بْنُ غَزوان، حَدَّثَنَا وهْب بْنُ أَبِي دُبَيٍّ، عَنْ أَبِي حَرْبٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ الْعَيْنَ لَتُولِعُ الرجلَ بِإِذْنِ اللَّهِ، فَيَتَصَاعَدُ حَالِقًا، ثُمَّ يَتَرَدَّى مِنْهُ" إِسْنَادُهُ غَرِيبٌ، وَلَمْ يُخَرِّجُوهُ (٥).
حَدِيثُ حَابِسٍ التَّمِيمِيِّ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا حَرْبٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، حَدَّثَنِي حَيَّة بْنُ حَابِسٍ التَّمِيمِيُّ: أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ: أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "لَا شَيْءَ فِي الْهَامِّ، وَالْعَيْنُ حَقٌّ، وَأَصْدَقُ الطيَرَة (٦) الفَألُ" (٧).
وَقَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِي غَسَّانَ يَحْيَى بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، بِهِ (٨) ثُمَّ قَالَ غَرِيبٌ. قَالَ وَرَوَى شَيْبَانُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ حَيَّة بْنِ حَابِسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قُلْتُ: كَذَلِكَ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، عَنْ حَسَنِ بْنِ مُوسَى وحُسَين بن محمد، عن شيبان، يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ حَيَّة، حَدَّثَهُ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَا بَأْسَ فِي الْهَامِّ، وَالْعَيْنُ حَقٌّ، وَأَصْدَقُ الطِّيرَةِ الْفَأْلُ " (٩).
حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْوَلِيدِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ دُوَيد، حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ ثَوْبَانَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "العين
(١) سنن ابن ماجة برقم (٣٥١٣).
(٢) صحيح مسلم برقم (٢٢٠).
(٣) سنن الترمذي (٤/٣٤٥).
(٤) صحيح البخاري برقم (٥٧٠٥) وسنن أبي داود برقم (٣٨٨٤) وسنن التلامذي برقم (٢٠٧٥).
(٥) ورواه ابن عدي في الكامل (٣/١٠٤) من طريق أبي يعلى لكنه وقع فيه: إبراهيم، عن ديلم، عن وهب بن أبي دبي، عن محجن، عن أبي زر به، فأسقط أبو حرب، وسيأتي توجيه ذلك من كلام ابن عدى، ورواه الإمام أحمد في المسند (٥/١٤٦) من طريق يونس بن محمد، وابن عدى في الكامل (٣/١٠٤) من طريق الصلت بن مسعود كلاهما عن ديلم بن غزوان عن وهب عن أبي حرب عن محجن عن أبي ذر به، قال ابن عدي: وهذا حديث يرويه ديلم عن وهب بن أبي دبي، وأظن أنه وهم من رواية الصلت حيث قال: عن وَهْبُ بْنُ أَبِي دُبَيٍّ، عَنْ أَبِي حَرْبٍ، عن محجن، ولعل أبا حرب هو محجن".
(٦) في م: "الطير"، وفي أ: "الظن".
(٧) المسند (٥/٧٠).
(٨) سنن الترمذي برقم (٢٠٦١).
(٩) المسند (٥/٧٠).
202
حَقٌّ، الْعَيْنُ حَقٌّ، تَسْتَنْزِلُ الْحَالِقَ" (١) غَرِيبٌ.
طَرِيقٌ أُخْرَى: قَالَ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا وُهَيب، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "الْعَيْنُ حَقٌّ، وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ سَابَقَ القَدَرَ سَبَقَت الْعَيْنُ، وَإِذَا اغْتُسلتم فَاغْسِلُوا". انْفَرَدَ بِهِ دُونَ الْبُخَارِيِّ (٢).
وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ المِنْهال بْنِ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَير، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَوِّذ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ، يَقُولُ: "أُعِيذُكُمَا بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ، مَنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وهَامَّة، وَمَنْ كُلِّ عَيْنٍ لامَّة"، وَيَقُولُ هَكَذَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يُعَوِّذ إِسْحَاقَ وَإِسْمَاعِيلَ، عَلَيْهِمَا السَّلَامُ".
أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَهْلُ السُّنَنِ مِنْ حَدِيثِ الْمِنْهَالِ، بِهِ (٣)
حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ أَسْعَدَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: "قَالَ ابْنُ مَاجَهْ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ ابْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيف قَالَ: مَرَّ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ بِسَهْلِ بْنِ حُنَيف، وَهُوَ يَغْتَسِلُ، فَقَالَ: لَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ وَلَا جلدَ مُخَبَّأَةٍ. فَمَا لَبِثَ أَنْ لُبِطَ بِهِ، فَأُتِيَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقِيلَ لَهُ: أَدْرِكْ سَهْلًا صَرِيعًا. قَالَ: "مَنْ تَتَّهِمُونَ بِهِ؟ ". قَالُوا: عَامِرَ بْنَ رَبِيعَةَ. قَالَ: "عَلَامَ يَقْتُلُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ؟ إِذَا رَأَى أَحَدَكُمْ مِنْ أَخِيهِ مَا يُعجبه فَلْيَدعُ لَهُ بِالْبَرَكَةِ". ثُم دَعَا بِمَاءٍ فَأَمَرَ عَامِرًا أَنْ يَتَوَضَّأَ فَيَغْسِلُ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفِقَيْنِ، وَرُكْبَتَيْهِ، ودَاخِلة إِزَارِهِ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَصُبَّ عَلَيْهِ.
قَالَ سُفْيَانُ: قَالَ مَعْمَر، عَنِ الزُّهْرِيِّ: وَأَمَرَ أَنْ يكفَأ الْإِنَاءُ مِنْ خَلْفِهِ (٤).
وَقَدْ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، كِلَاهُمَا عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِهِ. وَمِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ أَيْضًا عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ: ويكفَأ الْإِنَاءُ مِنْ خَلْفِهِ. وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَسْعَدَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيف، عَنْ أَبِيهِ، بِهِ. وَمِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ أَيْضًا، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ، عَنْ أَبِيهِ، بِهِ (٥).
حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: قَالَ ابْنُ مَاجَهْ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا عَبَّادٌ، عَنْ الْجُرَيْرِيُّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَعَوَّذُ مِنْ أَعْيُنِ (٦) الْجَانِّ وَأَعْيُنِ الْإِنْسِ. فَلَمَّا نَزَلَ (٧) الْمُعَوِّذَتَانِ أَخَذَ بهما وترك ما سوى ذلك.
(١) المسند (١/٢٧٤).
(٢) صحيح مسلم برقم (٢١٨٨).
(٣) صحيح البخاري برقم (٣٣٧١) وسنن أبي داود برقم (٤٧٣٧) وسنن النرمذي برقم (٢٠٦٠) وسنن النسائي الكبرى برقم (١٠٨٤٤) وسنن ابن ماجة برقم (٣٥٢٥).
(٤) سنن ابن ماجة برقم (٣٥٠٩).
(٥) سنن النسائي الكبرى برقم (٧٦١٧ - ٧٦١٩).
(٦) في م: "من عين".
(٧) في م: "فلما نزلت".
203
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ إِيَاسٍ (١) أَبِي مَسْعُودٍ الجُرَيري، بِهِ (٢) وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ.
حَدِيثٌ آخَرُ عَنْهُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ، حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهيب، حَدَّثَنِي أَبُو نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ: أَنَّ جِبْرِيلَ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: اشْتَكَيْتَ يَا مُحَمَّدُ؟ قَالَ: "نَعَمْ". قَالَ بِاسْمِ اللَّهِ أَرْقِيكَ، مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يُؤْذِيكَ، من شر كل نفس وعين يَشْفِيكَ، بِاسْمِ اللَّهِ أَرْقِيكَ (٣).
وَرَوَاهُ عَنْ عَفَّانَ، عَنْ عَبْدِ الْوَارِثِ، مِثْلَهُ. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَهْلُ السُّنَنِ -إِلَّا أَبَا دَاوُدَ-مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْوَارِثِ، بِهِ (٤).
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ أَيْضًا: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ، عَنْ أَبِي نَضرة، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ -أَوْ: جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشْتَكَى، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ: بِاسْمِ اللَّهِ أَرْقِيكَ، مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يُؤْذِيكَ، مِنْ كل حاسد وعين والله يُشفيك (٥).
وَرَوَاهُ أَيْضًا، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطَّفَاوِيِّ، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ أَبِي نَضرة، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ بِهِ (٦).
قَالَ أَبُو زُرْعَة الرَّازِيُّ: رَوَى عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، وَعَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَنَسٍ، فِي معناه، وكلاهما صحيح.
حديث أبى هُرَيرة: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنْبَأَنَا مَعْمَر، عَنْ هَمَّام بْنِ مُنَبِّه قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيرة عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ الْعَيْنَ حَقٌّ" (٧).
أَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ (٨).
وَقَالَ ابْنُ مَاجَهْ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّة، عَنِ الجُرَيري، عَنْ مُضَارب بْنِ حَزن، عَنْ أَبِي هُرَيرة قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْعَيْنُ حَقٌّ". تَفَرَّدَ بِهِ.
وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُلَيَّة، عَنْ سَعِيدٍ الْجُرَيْرِيِّ، بِهِ (٩).
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا ثَوْرٌ -يَعْنِي ابْنَ يزيد-عن مكحول، عن أبي
(١) في م: "سعيد بن أبي إياس".
(٢) سنن ابن ماجة برقم (٣٥١١) وسنن الترمذي برقم (٢٠٥٨) وسنن النسائي (٨/٢٧١).
(٣) المسند (٣/٢٨).
(٤) المسند (٣/٥٦) وصحيح مسلم برقم (٢١٨٦) وسنن الترمذي برقم (٩٧٥) وسنن النسائي الكبري برقم (١٠٨٤٣) وسنن ابن ماجة برقم (٣٥٢٣).
(٥) المسند (٣/٧٥).
(٦) المسند (٣/٥٨).
(٧) المسند (٢/٣١٨).
(٨) صحيح البخاري برقم (٥٧٤٠) وصحيح مسلم برقم (٢١٨٧).
(٩) سنن ابن ماجة برقم (٣٥٠٧) والمسند (٢/٤٨٧).
204
هُرَيرة قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "الْعَيْنُ حَقٌّ، ويحضُرها الشيطانُ، وَحَسَدُ ابْنِ آدَمَ" (١)
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا أَبُو مَعْشَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قيس: سُئل أبو هُرَيرة: هَلْ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: الطِّيرَةُ فِي ثَلَاثٍ: فِي الْمَسْكَنِ وَالْفَرَسِ وَالْمَرْأَةِ؟ قَالَ: قُلْتُ: إِذًا أَقُولُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَمْ يَقُلْ! وَلَكِنِّي سَمِعْتُ رسول الله ﷺ يقول: "أَصْدَقُ الطِّيرَةِ الفألُ، وَالْعَيْنُ حَقٌّ" (٢).
حَدِيثُ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيس: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنِ عُروةَ بْنِ عَامِرٍ، عَنْ عُبَيد بْنِ رَفَاعَةَ الزُرقي قَالَ: قَالَتْ أَسْمَاءُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ بَنِي جَعْفَرٍ تُصِيبُهُمُ الْعَيْنُ، أَفَأَسْتَرْقِي لَهُمْ؟ قَالَ: "نَعَمْ، فَلَوْ كَانَ شَيْءٌ يَسْبِقُ القدرَ لَسَبَقَتْهُ الْعَيْنُ".
وَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، بِهِ (٣) وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا وَالنَّسَائِيُّ، مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَر، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عُرْوَة بْنِ عَامِرٍ، عَنْ عُبَيد بْنِ رَفَاعَةَ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ، بِهِ (٤) وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.
حَدِيثُ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: قَالَ ابْنُ مَاجَهْ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي الخَصِيب، حَدَّثَنَا وَكِيع، عَنْ سُفْيَانَ، ومِسْعَر، عَنْ مَعْبَدِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّاد، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهَا أَنْ تَسْتَرِقِيَ مِنَ الْعَيْنِ (٥).
وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَعْبَدِ بْنِ خَالِدٍ، بِهِ. وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ سُفيانَ ومِسْعَر، كِلَاهُمَا عَنْ مَعْبَدٍ، بِهِ (٦) ثُمَّ قَالَ ابْنُ مَاجَهْ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ الْمَخْزُومِيُّ، حَدَّثَنَا وُهَيب، عَنْ أَبِي وَاقِدٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اسْتَعِيذُوا بِاللَّهِ فَإِنَّ النَّفْسَ حَقٌّ". تَفَرَّدَ بِهِ (٧)
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ يُؤْمَرُ الْعَائِنُ فَيَتَوَضَّأُ وَيَغْسِلُ مِنْهُ المَعين (٨).
حَدِيثُ سَهْلِ بْنِ حُنَيف: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حُسَين بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُوَيْسٍ (٩) حَدَّثَنَا الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهل بْنِ حُنَيف: أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ وَسَارُوا مَعَهُ
(١) المسند (٢/٤٣٩).
(٢) المسند (٢/٢٨٩).
(٣) المسند (٦/٤٣٨) وسنن الترمذي برقم (٢٠٥٩) وسنن ابن ماجة برقم (٣٥١٠).
(٤) سنن الترمذي برقم (٢٠٥٩) وسنن النسائي الكبرى برقم (٧٥٣٧).
(٥) سنن ابن ماجة برقم (٣٥١٠).
(٦) صحيح البخاري برقم (٥٧٣٨) وصحيح مسلم برقم (٢١٩٥).
(٧) سنن ابن ماجة برقم (٣٥٠٨) وقال البوصيري في الزوائد (٣/١٣٤) ك "هذا إسناد فيه مقال".
(٨) سنن أبي داود برقم (٣٨٨٠).
(٩) في م: "أبو إدريس".
205
نَحْوَ مَكَّةَ، حَتَّى إِذَا كَانُوا بِشِعْبِ الخَرَار -مِنَ الْجُحْفَةِ-اغْتَسَلَ سهلُ بْنُ حُنَيف -وَكَانَ رَجُلًا أَبْيَضَ حَسن الْجِسْمِ وَالْجِلْدِ-فَنَظَرَ إِلَيْهِ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ، أَخُو بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَهُوَ يَغْتَسِلُ، فَقَالَ: مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ وَلَا جِلْدَ مُخَبَّأة. فلُبِطَ سَهْلٌ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ لَكَ فِي سَهْلٍ. وَاللَّهِ مَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ وَلَا يُفيق. قَالَ: "هَلْ تَتَّهِمُونَ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ؟ ". قَالُوا: نَظَرَ إِلَيْهِ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ. فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامِرًا، فَتَغَيَّظَ عَلَيْهِ، وَقَالَ: "عَلَامَ يَقْتُلُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ، هَلَّا إِذَا رَأَيْتَ مَا يُعْجِبُكَ بَركت؟ ". ثُمَّ قَالَ لَهُ: "اغْتَسِلْ لَهُ" -فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَمَرْفِقَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَأَطْرَافَ رِجْلَيْهِ ودَاخلَة إِزَارِهِ فِي قَدح-ثُمَّ صُب ذَلِكَ الْمَاءَ عَلَيْهِ. يَصُبَه رَجُلٌ عَلَى رَأْسِهِ وَظَهْرِهِ مِنْ خَلْفِهِ، ثُمَّ يُكْفَأُ (١). الْقَدَحُ وَرَاءَهُ. فَفَعَلَ ذَلِكَ، فَرَاحَ سَهْلٌ مَعَ النَّاسِ، لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ (٢).
حَدِيثُ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ: "قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِ عَامِرٍ: حَدَّثَنَا وَكِيع، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عِيسَى، عَنْ أمَيّة بْنِ هِنْدِ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْف، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: انْطَلَقَ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ وَسَهْلُ بْنُ حَنِيفٍ يُرِيدَانِ الْغُسْلَ، قَالَ: فَانْطَلَقَا يَلْتَمِسَانِ الخمرَ -قَالَ: فَوَضْعَ عَامِرٌ جُبَّة كَانَتْ عَلَيْهِ مِنْ صُوفٍ، فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ فَأَصَبْتُهُ بِعَيْنِي فَنَزَلَ الْمَاءَ يَغْتَسِلُ. قَالَ: فَسَمِعْتُ لَهُ فِي الْمَاءِ فَرْقَعَةً، فَأَتَيْتُهُ فَنَادَيْتُهُ ثَلَاثًا فَلَمْ يُجِبْنِي. فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ. قَالَ: فَجَاءَ يَمْشِي فَخَاضَ الْمَاءَ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى بَيَاضِ سَاقَيْهِ، قَالَ: فَضَرَبَ صَدْرَهُ بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ: "اللَّهُمَّ اصْرِفْ عَنْهُ حَرَّهَا وَبَرْدَهَا وَوَصَبَهَا". قَالَ: فَقَامَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مِنْ أَخِيهِ، أَوْ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ مِنْ مَالِهِ، مَا يُعْجِبُهُ، فَليُبَرِّك، فَإِنَّ الْعَيْنَ حَقٌّ" (٣).
حَدِيثُ جَابِرٍ: قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَر، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا طَالِبُ بْنُ حَبِيبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَهْلٍ الْأَنْصَارِيُّ -وَيُقَالُ لَهُ: ابْنُ الضَجِيع، ضَجِيعِ حَمْزَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَكْثَرُ مَنْ يَمُوتُ مِنْ أُمَّتِي بَعْدَ كِتَابِ اللَّهِ وَقَضَائِهِ وَقَدْرِهِ بِالْأَنْفُسِ" (٤).
قَالَ الْبَزَّارُ: يَعْنِي الْعَيْنَ. قَالَ وَلَا نَعْلَمُ يُرْوَى هَذَا الْحَدِيثِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ.
قُلْتُ: بَلْ قَدْ رُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ جَابِرٍ؛ قَالَ الْحَافِظُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْهَرَوِيُّ -الْمَعْرُوفُ بشَكَّر-فِي كِتَابِ الْعَجَائِبِ، وَهُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى فَوَائِدَ جَلِيلَةٍ وَغَرِيبَةٍ: حَدَّثَنَا الرَّهَاوِيُّ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي عَلِيٍّ الْهَاشِمِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُنكَدر، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "الْعَيْنُ حَقٌّ، لتُورِد الرَّجُلَ الْقَبْرَ، وَالْجَمَلَ القِدر، وَإِنَّ أَكْثَرَ هَلَاكِ أمتي في العين" (٥).
(١) في أ: "ثم يلقي".
(٢) المسند (٣/٤٨٦).
(٣) المسند (٣/٤٨٦).
(٤) مسند البزار برقم (٣٠٥٢) "كشف الأستار" وقال الهيثمي في المجمع (٥/١٠٦) :"رجاله رجال الصحيح، خلا طالب بن حبيب ابن عمرو، وهو ثقة".
(٥) ورواه ابن عدي في الكامل (٥/١٨٥) من طريق رحيم عن ابن أبي فديك عن علي بن أبي علي اللهبي، به. وقال [غير محفوظ] وعلي بن أبي علي هو آفنه، قال أحمد: يروي أحاديث مناكير عن جابر.
206
ثُمَّ رَوَاهُ عَنْ شُعَيْبِ بْنِ أَيُّوبَ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "قَدْ تُدخل الرجلَ العينُ فِي الْقَبْرِ، وَتُدْخِلُ الْجَمَلَ الْقِدْرَ" (١).
حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: "قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا رِشْدِينُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ ثَوْبَانَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ أَبِي رُقية، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا عَدْوَى وَلَا طيرةَ، وَلَا هَامة وَلَا حَسَد، وَالْعَيْنُ حَقٌّ". تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ (٢).
حَدِيثٌ عَنْ عَلِيٍّ: رَوَى الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ مِنْ طَرِيقِ خَيْثمة بْنِ سُلَيْمَانَ الْحَافِظِ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الكَشَوري، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ الْبَصْرِيُّ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَلِيٍّ؛ أَنَّ جِبْرِيلَ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَافَقَهُ مُغْتَمًّا، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، مَا هَذَا الْغَمُّ الَّذِي أَرَاهُ فِي وَجْهِكَ؟ قَالَ: "الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ أَصَابَتْهُمَا عَيْنٌ". قَالَ: صَدَق بِالْعَيْنِ، فَإِنَّ الْعَيْنَ حَقٌّ، أَفَلَا عَوَّذْتَهُمَا بِهَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ؟ قَالَ: "وَمَا هُنَّ يَا جِبْرِيلُ؟ ". قَالَ: قُلِ: اللَّهُمَّ ذَا السُّلْطَانِ الْعَظِيمِ، ذَا الْمَنِّ (٣) الْقَدِيمِ، ذَا الْوَجْهِ الْكَرِيمِ، وَلِيَّ الْكَلِمَاتِ التَّامَّاتِ، وَالدَّعَوَاتِ الْمُسْتَجَابَاتِ، عَافِ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ مِنْ أَنْفُسِ الْجِنِّ، وَأَعْيُنِ الْإِنْسِ. فَقَالَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَامَا يَلْعَبَانِ بَيْنَ يَدَيْهِ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "عَوِّذوا أَنْفُسَكُمْ وَنِسَاءَكُمْ وَأَوْلَادَكُمْ بِهَذَا التَّعْوِيذِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَتَعَوَّذِ الْمُتَعَوِّذُونَ بِمِثْلِهِ".
قَالَ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ: تَفَرَّدَ بِرِوَايَتِهِ أَبُو رَجَاءٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الحَيَطي (٤) مِنْ أَهْلِ تُسْتَر. ذَكَرَهُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَرْجَمَةِ "طَرَّادِ بْنِ الْحُسَيْنِ"، مِنْ تَارِيخِهِ (٥).
وَقَوْلُهُ: ﴿وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ﴾ أَيْ: يَزْدَرُونَهُ بِأَعْيُنِهِمْ وَيُؤْذُونَهُ بِأَلْسِنَتِهِمْ، وَيَقُولُونَ: ﴿إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ﴾ أَيْ: لِمَجِيئِهِ بِالْقُرْآنِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿وَمَا هُوَ إِلا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ﴾
(١) ورواه ابن عدى في الكامل (٦/٤٠٨) وأبو نعيم في الحلية (٧/٩٠) من طرق عن شعيب بن أيوب به، وقال أبو نعيم: "غريب من حديث الثوري، تفرد به معاويه" وكذا قال ابن عدى.
(٢) المسند (٢/٢٢٢).
(٣) في م: "والمن".
(٤) وقع في تاريخ دمشق: "محمد بن عبد الله الحنظلى" وفي كنز العمال: "محمد بن عبد الله الخطيبى" ولم يتبين لى الصواب، والله أعلم.
(٥) تاريخ دمشق (٨/٥٠٣ "المخطوط").
207
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٤٨:يقول تعالى :﴿ فَاصْبِرْ ﴾ يا محمد على أذى قومك لك وتكذيبهم ؛ فإن الله سيحكم لك عليهم، ويجعل العاقبة لك ولأتباعك في الدنيا والآخرة، ﴿ وَلا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ ﴾ يعني : ذا النون، وهو يونس بن متى، عليه السلام، حين ذهب مُغَاضِبًا على قومه، فكان من أمره ما كان من ركوبه في البحر والتقام الحوت له، وشرود الحوت به في البحار وظلمات غمرات اليم، وسماعه تسبيح البحر بما فيه للعلي القدير، الذي لا يُرَدّ ما أنفذه من التقدير، فحينئذ نادى في الظلمات. ﴿ أَنْ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ [ الأنبياء : ٨٧ ]. قال الله ﴿ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [ الأنبياء : ٨٨ ]، وقال تعالى :﴿ فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾ [ الصافات : ١٤٣، ١٤٤ ] وقال هاهنا :﴿ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ ﴾ قال ابن عباس، ومجاهد، والسدي : وهو مغموم. وقال عطاء الخراساني، وأبو مالك : مكروب.
وقد قدمنا في الحديث أنه لما قال :﴿ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ خرجت الكلمة تَحُفّ حول العرش، فقالت الملائكة : يا رب، هذا صوت ضعيف معروف من بلاد غريبة. فقال الله : أما تعرفون هذا ؟ قالوا : لا. قال : هذا يونس. قالوا : يا رب، عبدك الذي لا يزال يرفع له عمل صالح ودعوة مجابة ؟ قال : نعم. قالوا : أفلا ترحم ما كان يعمله في الرخاء فتنجيه من البلاء ؟ فأمر الله الحوت فألقاه بالعراء ؛ ولهذا قال تعالى :﴿ فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾
وقد قال الإمام أحمد : حدثنا وكيع، حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لا ينبغي لأحد أن يقول : أنا خير من يونس بن متى ".
ورواه البخاري من حديث سفيان الثوري١ وهو في الصحيحين من حديث أبي هريرة٢.
١ - (١) المسند (١/٣٩٠) وصحيح البخاري برقم (٤٦٠٣)..
٢ - (٢) صحيح البخاري برقم (٤٦٣١) وصحيح مسلم برقم (٢٣٧٦)..

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٤٨:يقول تعالى :﴿ فَاصْبِرْ ﴾ يا محمد على أذى قومك لك وتكذيبهم ؛ فإن الله سيحكم لك عليهم، ويجعل العاقبة لك ولأتباعك في الدنيا والآخرة، ﴿ وَلا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ ﴾ يعني : ذا النون، وهو يونس بن متى، عليه السلام، حين ذهب مُغَاضِبًا على قومه، فكان من أمره ما كان من ركوبه في البحر والتقام الحوت له، وشرود الحوت به في البحار وظلمات غمرات اليم، وسماعه تسبيح البحر بما فيه للعلي القدير، الذي لا يُرَدّ ما أنفذه من التقدير، فحينئذ نادى في الظلمات. ﴿ أَنْ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ [ الأنبياء : ٨٧ ]. قال الله ﴿ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [ الأنبياء : ٨٨ ]، وقال تعالى :﴿ فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾ [ الصافات : ١٤٣، ١٤٤ ] وقال هاهنا :﴿ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ ﴾ قال ابن عباس، ومجاهد، والسدي : وهو مغموم. وقال عطاء الخراساني، وأبو مالك : مكروب.
وقد قدمنا في الحديث أنه لما قال :﴿ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ خرجت الكلمة تَحُفّ حول العرش، فقالت الملائكة : يا رب، هذا صوت ضعيف معروف من بلاد غريبة. فقال الله : أما تعرفون هذا ؟ قالوا : لا. قال : هذا يونس. قالوا : يا رب، عبدك الذي لا يزال يرفع له عمل صالح ودعوة مجابة ؟ قال : نعم. قالوا : أفلا ترحم ما كان يعمله في الرخاء فتنجيه من البلاء ؟ فأمر الله الحوت فألقاه بالعراء ؛ ولهذا قال تعالى :﴿ فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾
وقد قال الإمام أحمد : حدثنا وكيع، حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لا ينبغي لأحد أن يقول : أنا خير من يونس بن متى ".
ورواه البخاري من حديث سفيان الثوري١ وهو في الصحيحين من حديث أبي هريرة٢.
١ - (١) المسند (١/٣٩٠) وصحيح البخاري برقم (٤٦٠٣)..
٢ - (٢) صحيح البخاري برقم (٤٦٣١) وصحيح مسلم برقم (٢٣٧٦)..

وقوله :﴿ وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ ﴾ قال ابن عباس، ومجاهد، وغيرهما :﴿ لَيُزْلِقُونَكَ ﴾ لينفذونك بأبصارهم، أي : ليعينونك بأبصارهم، بمعنى : يحسدونك لبغضهم إياك لولا وقاية الله لك، وحمايته إياك منهم. وفي هذه الآية دليل على أن العين إصابتها وتأثيرها حق، بأمر الله، عز وجل، كما وردت بذلك الأحاديث المروية من طرق متعددة كثيرة.
حديث أنس بن مالك، رضي الله عنه : قال أبو داود : حدثنا سليمان بن داود العَتَكي، حدثنا شريك( ح )، وحدثنا العباس العَنْبَريّ، حدثنا يزيد بن هارون، أنبأنا شريك، عن العباس بن ذَرِيح، عن الشعبي - قال العباس : عن أنس - قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم :" لا رقية إلا من عين أو حُمة أو دم لا يرقأ ". لم يذكر العباس العين. وهذا لفظ سليمان١.
حديث بُرَيدة بن الحُصَيب، رضي الله عنه : قال أبو عبد الله ابن ماجة : حدثنا محمد بن عبد الله بن نُمَير، حدثنا إسحاق بن سليمان، عن أبي جعفر الرازي، عن حُصَين، عن الشعبي، عن بُرَيدة بن الحصيب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لا رقية إلا من عين أو حُمة " ٢.
هكذا رواه ابن ماجة وقد أخرجه مسلم في صحيحه، عن سعيد بن منصور، عن هشيم، عن حُصَين بن عبد الرحمن، عن عامر الشعبي، عن بريدة موقوفًا، وفيه قصة٣ وقد رواه شعبة، عن حصين، عن الشعبي، عن بريدة. قاله الترمذي٤ وروى هذا الحديث الإمام البخاري من حديث محمد بن فضيل، وأبو داود من حديث مالك بن مِغْول، والترمذي من حديث سفيان بن عيينة، ثلاثتهم عن حصين، عن عامر عن الشعبي، عن عمران بن حُصَين موقوفًا٥.
حديث أبي جندب بن جنادة : قال الحافظ أبو يعلى الموصلي، رحمه الله : حدثنا إبراهيم بن محمد بن عرعرة بن البِرِند السامي، حدثنا ديلم بن غَزوان، حدثنا وهْب بن أبي دبي، عن أبي حرب عن أبي ذر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إن العين لتولع الرجلَ بإذن الله، فيتصاعد حالقا، ثم يتردى منه " إسناده غريب، ولم يخرجوه٦.
حديث حابس التميمي : قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الصمد، حدثنا حرب، حدثنا يحيى بن أبي كثير، حدثني حَيَّة بن حابس التميمي : أن أباه أخبره : أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :" لا شيء في الهام، والعين حق، وأصدق الطيَرَة٧ الفَألُ " ٨.
وقد رواه الترمذي عن عمرو بن علي، عن أبي غسان يحيى بن كثير، عن علي بن المبارك، عن يحيى بن أبي كثير، به٩ ثم قال غريب. قال وروى شيبان، عن يحيى بن أبي كثير، عن حَيَّة بن حابس، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قلت : كذلك رواه الإمام أحمد، عن حسن بن موسى وحُسَين بن محمد، عن شيبان، يحيى بن أبي كثير، عن حَيَّة، حدثه عن أبيه، عن أبي هريرة ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" لا بأس في الهام، والعين حق، وأصدق الطيرة الفأل " ١٠.
حديث ابن عباس : قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الله بن الوليد، عن سفيان، عن دُوَيد، حدثني إسماعيل بن ثوبان، عن جابر بن زيد، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" العين حق، العين حق، تستنزل الحالق " ١١ غريب.
طريق أخرى : قال مسلم في صحيحه : حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، أخبرنا مسلم بن إبراهيم، حدثنا وُهَيب، عن ابن طاوس، عن أبيه، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" العين حق، ولو كان شيء سَابَقَ القَدَرَ سَبَقَت العين، وإذا اغْتُسلتم فاغسلوا ". انفرد به دون البخاري١٢.
وقال عبد الرزاق، عن سفيان الثوري، عن منصور، عن المِنْهال بن عمرو، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُعَوِّذ الحسن والحسين، يقول :" أعيذكما بكلمات الله التامة، من كل شيطان وهَامَّة، ومن كل عين لامَّة "، ويقول هكذا كان إبراهيم يُعَوِّذ إسحاق وإسماعيل، عليهما السلام ".
أخرجه البخاري وأهل السنن من حديث المنهال، به١٣
حديث أبي أمامة أسعد بن سهل بن حنيف، رضي الله عنه :" قال ابن ماجة : حدثنا هشام بن عمار، حدثنا سفيان، عن الزهري، عن أبي أمامة ابن سهل بن حُنَيف قال : مر عامر بن ربيعة بسهل بن حُنَيف، وهو يغتسل، فقال : لم أر كاليوم ولا جلدَ مخبأة. فما لبث أن لُبِطَ به، فأتي به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل له : أدرك سهلا صريعًا. قال :" من تتهمون به ؟ ". قالوا : عامر بن ربيعة. قال :" علام يقتل أحدكم أخاه ؟ إذا رأى أحدكم من أخيه ما يُعجبه فَلْيَدعُ له بالبركة ". ثُم دعا بماء فأمر عامرًا أن يتوضأ فيغسل وجهه ويديه إلى المرفقين، وركبتيه، ودَاخِلة إزاره، وأمره أن يصب عليه.
قال سفيان : قال مَعْمَر، عن الزهري : وأمر أن يكفَأ الإناء من خلفه١٤.
وقد رواه النسائي، من حديث سفيان بن عيينة ومالك بن أنس، كلاهما عن الزهري، به. ومن حديث سفيان بن عيينة أيضًا عن معمر، عن الزهري، عن أبي أمامة : ويكفَأ الإناء من خلفه. ومن حديث ابن أبي ذئب عن الزهري، عن أبي أمامة أسعد بن سهل بن حُنَيف، عن أبيه، به. ومن حديث مالك أيضًا، عن محمد بن أبي أمامة بن سهل، عن أبيه، به١٥.
حديث أبي سعيد الخدري : قال ابن ماجة : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا سعيد بن سليمان، حدثنا عباد، عن الجريري، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ من أعين١٦ الجان وأعين الإنس. فلما نزل١٧ المعوذتان أخذ بهما وترك ما سوى ذلك.
ورواه الترمذي والنسائي من حديث سعيد بن إياس١٨ أبي مسعود الجُرَيري، به١٩ وقال الترمذي : حسن.
حديث آخر عنه : قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث، حدثني أبي، حدثني عبد العزيز بن صُهيب، حدثني أبو نضرة، عن أبي سعيد : أن جبريل أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : اشتكيت يا محمد ؟ قال :" نعم ". قال باسم الله أرقيك، من كل شيء يؤذيك، من شر كل نفس و عين يشفيك، باسم الله أرقيك٢٠.
ورواه عن عفان، عن عبد الوارث، مثله. ورواه مسلم وأهل السنن - إلا أبا داود - من حديث عبد الوارث، به٢١.
وقال الإمام أحمد أيضًا : حدثنا عفان، حدثنا وهيب، حدثنا داود، عن أبي نَضرة، عن أبي سعيد - أو : جابر بن عبد الله ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشتكى، فأتاه جبريل فقال : باسم الله أرقيك، من كل شيء يؤذيك، من كل حاسد وعين والله يُشفيك٢٢.
ورواه أيضًا، عن محمد بن عبد الرحمن الطفاوي، عن داود، عن أبي نَضرة، عن أبي سعيد به٢٣.
قال أبو زُرْعَة الرازي : روى عبد الصمد بن عبد الوارث، عن أبيه، عن عبد العزيز، عن أبي نضرة، وعن عبد العزيز، عن أنس، في معناه، وكلاهما صحيح.
حديث أبى هُرَيرة : قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق، أنبأنا مَعْمَر، عن هَمَّام بن مُنَبِّه قال : هذا ما حدثنا أبو هُرَيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إن العين حق " ٢٤.
أخرجاه من حديث عبد الرزاق٢٥.
وقال ابن ماجة : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا إسماعيل بن عُلَيَّة، عن الجُرَيري، عن مُضَارب بن حَزن، عن أبي هُرَيرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" العين حق ". تفرد به.
ورواه أحمد، عن إسماعيل بن عُلَيَّة، عن سعيد الجريري، به٢٦.
وقال الإمام أحمد حدثنا ابن نمير، حدثنا ثور - يعني ابن يزيد - عن مكحول، عن أبي هُرَيرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " العين حق، ويحضُرها الشيطانُ، وحسد ابن آدم " ٢٧
وقال أحمد : حدثنا خلف بن الوليد، حدثنا أبو معشر، عن محمد بن قيس : سُئل أبو هُرَيرة : هل سمعت رسول الله يقول : الطيرة في ثلاث : في المسكن والفرس والمرأة ؟ قال : قلت : إذًا أقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل ! ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :" أصدق الطيرة الفألُ، والعين حق " ٢٨.
حديث أسماء بنت عُمَيس : قال الإمام أحمد : حدثنا سفيان، عن عمرو بن دينار، عن عُروةَ بن عامر، عن عُبَيد بن رفاعة الزُرقي قال : قالت أسماء : يا رسول الله، إن بني جعفر تصيبهم العين، أفأسترقي لهم ؟ قال :" نعم، فلو كان شيء يسبق القدرَ لسبقته العين ".
وكذا رواه الترمذي وابن ماجة من حديث سفيان بن عيينة، به٢٩ ورواه الترمذي أيضًا والنسائي، من حديث عبد الرزاق، عن مَعْمَر، عن أيوب، عن عمرو بن دينار، عن عُرْوَة بن عامر، عن عُبَيد بن رفاعة، عن أسماء بنت عميس، به٣٠ وقال الترمذي : حسن صحيح.
حديث عائشة، رضي الله عنها : قال ابن ماجة : حدثنا علي بن أبي الخَصِيب، حدثنا وَكِيع، عن سفيان، ومِسْعَر، عن معبد بن خالد، عن عبد الله بن شَدَّاد، عن عائشة ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرها أن تسترقي من العين٣١.
ورواه البخاري عن محمد بن كثير، عن سفيان، عن معبد بن خالد، به. وأخرجه مسلم من حديث سُفيانَ ومِسْعَر، كلاهما عن معبد، به٣٢ ثم قال ابن ماجة :
حدثنا محمد بن بشار، حدثنا أبو هشام المخزومي، حدثنا وُهَيب، عن أبي واقد، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" استعيذوا بالله فإن النفس حق ". تفرد به٣٣
وقال أبو داود : حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا جرير، حدثنا الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة قالت : كان يؤمر العائن فيتوضأ ويغسل منه المَعين٣٤.
حديث سهل بن حُنَيف : قال الإمام أحمد : حدثنا حُسَين بن محمد، حدثنا أبو أويس٣٥ حدثنا الزهري، عن أبي أمامة بن سَهل بن حُنَيف : أن أباه حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج وساروا معه نحو مكة، حتى إذا كانوا بشعب الخَرَار - من الجحفة - اغتسل سهلُ بن حُنَيف - وكان رجلا أبيض حَسن الجسم والجلد - فنظر إليه عامر بن ربيعة، أخو بني عدي بن كعب، وهو يغتسل، فقال : ما رأيت كاليوم ولا جلد مُخَبَّأة. فلُبِطَ سهل، فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل له : يا رسول الله، هل لك في سهل. والله ما يرفع رأسه ولا يُفيق. قال :" هل تتهمون فيه من أحد ؟ ". قالوا : نظر إليه عامر بن ربيعة. فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عامرا، فتغيظ عليه، وقال :" علام يقتل أحدكم أخاه، هلا إذا رأيت ما يعجبك بَركت ؟ ". ثم قال له :" اغتسل له " - فغسل وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه ودَاخلَة إزاره في قَدح - ثم صُب ذلك الماء عليه. يَصُبَه رجل على رأسه وظهره من خلفه، ثم يكفأ٣٦. القدح وراءه. ففعل ذلك، فراح سهل مع الناس، ليس به بأس٣٧.
حديث عامر بن ربيعة :" قال الإمام أحمد في مسند عامر : حدثنا وَكِيع، حدثنا أبي، حدثنا عبد الله بن عيسى، عن أمَيّة بن هند بن سهل بن حُنَيْف، عن عبد الله بن عامر قال : انطلق عامر بن ربيعة وسهل بن حنيف يريدان الغسل، قال : فانطلقا يلتمسان الخمرَ - قال : فوضع عامر جُبَّة كانت عليه من صوف، فنظرت إليه فأصبته بعين
١ - (٣) سنن أبي داود برقم (٣٨٨٩)..
٢ - (١) سنن ابن ماجة برقم (٣٥١٣)..
٣ - (٢) صحيح مسلم برقم (٢٢٠)..
٤ - (٣) سنن الترمذي (٤/٣٤٥)..
٥ - (٤) صحيح البخاري برقم (٥٧٠٥) وسنن أبي داود برقم (٣٨٨٤) وسنن الترمذي برقم (٢٠٧٥)..
٦ - (٥) ورواه ابن عدي في الكامل (٣/١٠٤) من طريق أبي يعلى لكنه وقع فيه: إبراهيم، عن ديلم، عن وهب بن أبي دبي، عن محجن، عن أبي زر به، فأسقط أبو حرب، وسيأتي توجيه ذلك من كلام ابن عدى، ورواه الإمام أحمد في المسند (٥/١٤٦) من طريق يونس بن محمد، وابن عدى في الكامل (٣/١٠٤) من طريق الصلت بن مسعود كلاهما عن ديلم بن غزوان عن وهب عن أبي حرب عن محجن عن أبي ذر به، قال ابن عدي: وهذا حديث يرويه ديلم عن وهب بن أبي دبي، وأظن أنه وهم من رواية الصلت حيث قال: عن وهب بن أبي دبي، عن أبي حرب، عن محجن، ولعل أبا حرب هو محجن"..
٧ - (٦) في م: "الطير"، وفي أ: "الظن"..
٨ - (٧) المسند (٥/٧٠)..
٩ - (٨) سنن الترمذي برقم (٢٠٦١)..
١٠ - (٩) المسند (٥/٧٠)..
١١ - (١) المسند (١/٢٧٤)..
١٢ - (٢) صحيح مسلم برقم (٢١٨٨)..
١٣ - (٣) صحيح البخاري برقم (٣٣٧١) وسنن أبي داود برقم (٤٧٣٧) وسنن الترمذي برقم (٢٠٦٠) وسنن النسائي الكبرى برقم (١٠٨٤٤) وسنن ابن ماجة برقم (٣٥٢٥)..
١٤ - (٤) سنن ابن ماجة برقم (٣٥٠٩)..
١٥ - (٥) سنن النسائي الكبرى برقم (٧٦١٧ - ٧٦١٩)..
١٦ - (٦) في م: "من عين"..
١٧ - (٧) في م: "فلما نزلت"..
١٨ - (١) في م: "سعيد بن أبي إياس"..
١٩ - (٢) سنن ابن ماجة برقم (٣٥١١) وسنن الترمذي برقم (٢٠٥٨) وسنن النسائي (٨/٢٧١)..
٢٠ - (٣) المسند (٣/٢٨)..
٢١ - (٤) المسند (٣/٥٦) وصحيح مسلم برقم (٢١٨٦) وسنن الترمذي برقم (٩٧٥) وسنن النسائي الكبرى برقم (١٠٨٤٣) وسنن ابن ماجة برقم (٣٥٢٣)..
٢٢ - (٥) المسند (٣/٧٥)..
٢٣ - (٦) المسند (٣/٥٨)..
٢٤ - (٧) المسند (٢/٣١٨)..
٢٥ - (٨) صحيح البخاري برقم (٥٧٤٠) وصحيح مسلم برقم (٢١٨٧)..
٢٦ - (٩) سنن ابن ماجة برقم (٣٥٠٧) والمسند (٢/٤٨٧)..
٢٧ - (١) المسند (٢/٤٣٩)..
٢٨ - (٢) المسند (٢/٢٨٩)..
٢٩ - (٣) المسند (٦/٤٣٨) وسنن الترمذي برقم (٢٠٥٩) وسنن ابن ماجة برقم (٣٥١٠)..
٣٠ - (٤) سنن الترمذي برقم (٢٠٥٩) وسنن النسائي الكبرى برقم (٧٥٣٧)..
٣١ - (٥) سنن ابن ماجة برقم (٣٥١٠)..
٣٢ - (٦) صحيح البخاري برقم (٥٧٣٨) وصحيح مسلم برقم (٢١٩٥)..
٣٣ - (٧) سنن ابن ماجة برقم (٣٥٠٨) وقال البوصيري في الزوائد (٣/١٣٤) ك "هذا إسناد فيه مقال"..
٣٤ - (٨) سنن أبي داود برقم (٣٨٨٠)..
٣٥ - (٩) في م: "أبو إدريس"..
٣٦ - (١) في أ: "ثم يلقي"..
٣٧ - (٢) المسند (٣/٤٨٦)..
وقوله :﴿ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ ﴾ أي : يزدرونه بأعينهم ويؤذونه بألسنتهم، ويقولون :﴿ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ ﴾ أي : لمجيئه بالقرآن، قال الله تعالى ﴿ وَمَا هُوَ إِلا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ ﴾
Icon