ﰡ
نصب على الأمر، وَالذي نصب به مضمر، وَكذلك كل أمر أظهرَتَ فيه الأسماء، وَتركت الأفعال فانصب فيه الأسماء، وَذكر : أنه أدبٌ من الله وتعليم للمؤمنين للقتال.
وقوله :﴿ فَإِما مَنا بَعْدُ وَإِما فِدَاء ﴾.
منصوب أيضاً على فعل مضمر، فإما أن تمنُّوا، وَإما أن تفدوا، فالمن : أن تترك الأسير بغير فداء، وَالفداء : أن يفدىَ المأسورُ نفسه.
وقوله :﴿ حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَها ﴾.
آثامها وَشركها حتى لا يبقى إِلاّ مسلم، أو مسالم. وَالهاء التي في أوزارها تكون للحرب وَأنت تعنى : أوزار أهلها، وَتكون لأهل الشرك خاصةً، كقولك : حتى تنفي الحرب أوزار المشركين.
وقوله :﴿ ذَلِكَ وَلَوْ يشاء اللَّهُ لاَنْتَصَرَ مِنْهُمْ ﴾.
بملائكة غيركم، ويقال : بغير قتال : ولكن ليبلو بعضكم ببعض، المؤمن بالكافر، والكافر بالمؤمن.
وقوله :﴿ وَالَّذِينَ قَاتَلوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾.
قرأها الأعمش وعاصم وزيد بن ثابت [ حدثنا محمد ] حدثنا الفراء قال : حدثني بذلك محمد بن الفضل الخراساني عن [ عطاء عن أبي ] عبد الرحمن عن زيد بن ثابت : قاتَلوا، وقرأها الحسن : قُتِّلوا مشددة، وقد خففها بعضهم فقال : قُتِلوا مخفف، وكل ذلك صواب.
يعرفون منازلهم إذا دخلوها، حتى يكون أحدهم أعرف بمنزله في الجنة منه بمنزله إذا رجع من الجمعة.
كأنه قال : فأتعسهم الله وأضل أعمالهم ؛ لأنّ الدعاء قد يجرى مجرى الأمر والنهي، ألا ترى أنّ أضل فعل، وأنها مردودة على التعس، وهو اسم لأن فيه معنى أتعسهم، وكذلك قوله :﴿ حتّى إِذَا أَثْخَنْتُموهمْ فَشُدُّوا ﴾ مردودة [ ١٧٧/ب ] على أمر مضمر ناصبٍ لضرب الرقاب.
يقول : لأهل مكة أمثال ما أصاب قوم لوط وعاد وثمود وعيدٌ من الله.
يريد : وَلِيّ الذين آمنوا، وكذلك هي في قراءة عبدالله «ذلك بأن الله ولِيّ الذين آمنوا » وهي مثل التي في المائدة في قراءتنا :﴿ إنما وَلِيّكم اللهُ ورسولُه ﴾، ومعناهما واحد، والله أعلم.
ترفع النار بالمثوى، ولو نصبت المثوى، ورفعت النار باللام التي في ( لهم ) كان وجها.
يريد : التي أخرجك أهلها إلى المدينة، ولو كان من قريتك التي أخرجوك كان وجها، كما قال :﴿ فَجاءها بَأْسُنا بَيَاتاً أَوْ هُمْ قائلون ﴾، فقال :( قائلون )، وفي أول الكلمة :( فجاءها ).
وقوله :﴿ فَلاَ ناصِرَ لَهُمْ ﴾.
جاء في التفسير : فلم يكن لهم ناصر حين أهلكناهم، فهذا وجه، وقد يجوز إضمار كان، وإن كنت قد نصبت الناصر بالتبرية، وبكون : أهلكناهم فلا ناصر لهم الآن من عذاب الله.
[ حدثنا أبو العباس قال : حدثنا محمد قال :] حدثنا الفراء قال : أخبرني حبّان بن على عن الكلبي عن أبى صالح عن ابن عباس قال :
مثل الجنة، أمثال الجنة، صفات الجنة. قال ابن عباس : وكذلك قرأها علي بن أبي طالب : أمثال.
وقوله :﴿ مِّن ماء غَيْرِ آسِنٍ ﴾.
غير متغير، غير آجن.
وقوله :﴿ وَأَنْهارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ ﴾ لم يخرج من ضروع الإِبل ولا الغنم برغوته.
وقوله :﴿ وَأَنْهارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ ﴾.
اللذة مخفوضة، وهي الخمر بعينها، وإن شئت جعلتها تابعة للأَنهار، وأنهارٌ لذةٌ، وإن شئت نصبتها على يتلذذ بها لذة، كما تقول : هذا لك هبةً وشبهه، ثم قال :﴿ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ ﴾ لم يقل : أمَن كان في هذا كَمَن هو خالد في النار ؟ ولكنه فيه ذلك المعنى فَبُني عليه.
يعنى خطبتك في الجمعة [ ١٧٨/ا ] فلا يستمعون ولا يعون [ حتى ] إذا انصرفوا، وخرج الناس قالوا للمسلمين : ماذا قال آنفا، يعنون النبي صلى الله عليه وسلم استهزاء منهم.
قال الله عز وجل :﴿ أُولئك الَّذِينَ طَبعَ اللهُ على قُلوبهم ﴾.
زادهم استهزاؤهم هدى، وآتاهم الله تقواهم، يقال : أثابهم ثواب تقواهم، ويقال : ألهمهم تقواهم، ويقال : آتاهم تقواهم من المنسوخ إذا نزل الناسخ.
( أنْ ) مفتوحة في القراءة كلها. حدثنا الفراء قال : وَحدثني أبو جعفر الرؤاسي قال : قلت لأبى عمرو بن العلاء : ما هذه الفاء التي في قوله :﴿ فَقَدْ جَاء أَشْرَاطُها ﴾ ؟ قال : جواب للجزاء. قال : قلت : إنها ﴿ أَنْ تأتيهم ﴾ مفتوحة ؟ قال : فقال : معاذ الله إنما هي ( إِنْ تَأْتِهِمْ ). قال الفراء : فظننت أنه أخذها عن أهل مكة ؛ لأنه عليهم قرأ، وهي أيضاً في بعض مصاحف الكوفيين : تأتهم بسينة واحدة، ولم يقرأ بها أحد منهم، وهو من المكرّر : هل ينظرون إلا الساعة، هل ينظرون إلا أَن تأتيهم بغتة. والدليل على ذلك أن التي في الزخرف في قراءة عبد الله :﴿ هَلْ يَنْظُرونَ إِلاَّ أَنْ تَأْتيهم الساعةُ ﴾، ومثله :﴿ وَلَوْلاَ رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساء مؤمِناتٌ ﴾ لولا أن تطْئوهم فإن في موضع رفع عند الفتح، وأن في الزخرف وههنا نصب مردودة على الساعة، والجزم جائز تجعل : هل ينظرون إلا الساعة مكتفيا، ثم تبتدئ : إِن تأتهم، وتجيئها بالفاء على الجزاء، والجزم جائز.
وقوله :﴿ فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ ﴾.
«ذكراهم » في موضع رفع بلهم، والمعنى : فأنى لهم ذكراهم إذا جاءتهم الساعة ؟ ومثله :﴿ يَوْمَئذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنْسانُ وأنّى لَهُ الذِّكْرَى ﴾ أي : ليس ينفعه ذكره، ولا ندامته.
وفي قراءة عبد الله : سُورةٌ مُحْدَثةٌ. كان المسلمون إذا نزلت الآية فيها القتال وذِكْره شق عليهم وتواقعوا أن تنسخ، فذلك قوله :«لولا نزلت سورة » أي هلاّ أنزلت سوى هذه، فإذا نزلت وقد أُمروا فيها بالقتال كرهوها، قال الله :﴿ فَأَوْلَى لَهُمْ ﴾ لمن كرهها، ثم وصف قولهم قبل أن تنزَّل : سمع وطاعة، قد يقولون : سمع وطاعة، فإذا نزل الأمر كرهوه، فلو صدقوا الله لكان خيراً لهم، فالطاعة مرفوعة في كلام العرب إذا قيل لهم : افعلوا كذا وكذا، فثقل عليهم أو لم يثقل قالوا : سمع وطاعة.
[ حدثنا أبو العباس قال : حدثنا محمد قال ] : حدثنا الفراء قال : أخبرني حبان عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال :
قال الله عزّ وجل :﴿ فَأَوْلَى ﴾ ثم قال لَهُمْ لِلَّذِين آمنوا مِنْهم طاعةٌ وَقَوْلٌ مَعْروف، فصارت : فأولى وعيدا لمن كرهها، واستأنف الطاعة بلهم، والأول عندنا كلام العرب، وقول الكلبي هذا غير مردود.
قرأها العوام بنصب السين، وقرأها نافع المدني : فهل عَسِيْتُم، بكسر السين، ولو كانت كذلك لقال : عَسِيَ [ في موضع عسى ]. ولعلها لغة بادرة، وربما اجترأت العرب على تغيير بعض اللغة إذا كان الفعل لا يناله قد. قالوا : لُسْتُم يُريدون لستُم، ثم يقولون : لَيْسَ وليسُوا سواء، لأنه فعل لا يتصرف ليس له يفعل وكذلك عسى ليس له يفعل فلعله اجترى عليه كما اجترى على لستم.
وقوله :«هَلْ عَسَيْتُم »... إن توليتم أمور الناس أن تفسدوا في الأرض، وتُقطعوا أرحامكم، ويقال : ولعلكم إن انصرفتم عن محمد صلى الله عليه وسلم، وتوليتم عنه أن تصيروا إلى أمركم الأول من قطيعة الرحم والكفر والفساد.
زين لهم وأملى لهم الله، وكذلك قرأها الأعمش وعاصم، وذُكر عن علي بن أبي طالب وابن مسعود وزيد بن ثابت ( رحمهم الله ) أنهم قرءوها كذلك بفتح الألف.
وذُكر عن مجاهد أنه قرأها :( وأُمْليِ لهم ) مرسلة الياء، يخبر الله جل وعز عن نفسه، وقرأ بعض أهل المدينة : وأُمْلِيَ لهم بنصب الياء وضم الألف، يجعله فعلاً لم يسمّ فاعله، والمعنى متقارب.
قرأها الناس : أسرارهم : جمع سر، وقرأها يحيى بن وثاب وحده : إسرارهم بكسر الألف، واتبعه الأعمش وحمزة والكسائي، وهو مصدر، ومثله :﴿ وإِدْبَارَ السجود ﴾.
يريد : لعرفناكهم، تقول للرجل : قد أريتك كذا وكذا، ومعناه عرفتكه وعلمتكه، ومثله :﴿ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ في لَحْنِ الْقَوْلِ ﴾، في نحو القول، وفي معنى القول.
كلاهما مجزومتان بالنهي : لا تهنوا ولا تدعوا، وقد يكون منصوباً على الصرف يقول : لا تدعوا إلى السلم، وهو الصلح، وأنتم الأعلون، أنتم الغالبون آخر الأمر لكم.
وقوله :﴿ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ ﴾.
من وترت الرجل إذا قتلت له قتيلا، أو أخذت له مالا فقد وترته. وجاء في الحديث :( من فاتته العصر فكأنما وتر أهله وماله ) قال الفراء، وبعض الفقهاء يقول : أوتر، والصواب وتر.
أي يجهدكم تبخلوا ويخرج أضغانكم، ويخرج ذلك البخل عداوتكم، ويكون يخرج الله أضغناكم أحفيت الرجل : أجهدته.