ﰡ
قال الكسائي : سمعت العرب تقول : مرت بنا غنمان سودان وَسود.
قال الفراء : وسود أجود من سودان ؛ لأنه نعت يأتي على الاثنين، فإذا كان أحد الاثنين مؤنثاً مثل : الشاء والإبل قالوا : الشاء والإبل مقبلة ؛ لأن الشاء ذكر، والإبل أنثى، ولو قلت : مقبلان لجاز، ولو قلت : مقبلتان تذهب إلى تأنيث الشاء مع تأنيث الإبل كان صواباً، إلا أن التوحيد أكثر وأجود.
فإذا قلت : هؤلاء قومك وإبلهم قد أقبلوا ذهب بالفعل إلى الناس خاصة ؛ لأن الفعل لهم، وهم الذين يقبلون بالإبل، ولو أردت إقبال هؤلاء وهؤلاء لجاز قد أقبلوا ؛ لأن الناس إذا خالطهم شيء من البهائم، صار فعلهم كفعل الناس كما قال :
﴿ وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الماء قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ ﴾ فصارت الناقة بمنزلة الناس.
ومنه قول الله عز وجل :﴿ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي على بَطْنِهِ ﴾، و «مَنْ » إنما تكون للناس، فلما فسَّرهم وقد كانوا اجتمعوا في قوله :﴿ وَاللهُ خَالِقُ كُلِّ دَابّةٍ مِنْ ماء ﴾ فسرهم بتفسير الناس.
وفي قراءة عبد الله : وخَفْض الميزان، والخفض والوضع متقاربان في المعنى.
وفي قراءة عبد الله : لا تطغوا بغير أن في الوزن وأقيموا اللسان.
وقوله :﴿ أَلاَّ تَطْغَوْا ﴾ إن شئت جعلتها مجزومة بنية النهي، وإن شئت جعلتها منصوبة بأن، كما قال الله :﴿ إِنِّي أمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلا تَكونَنَّ ﴾ وأن تكون ( تطغوا ) في موضع جزم أحبُّ إليّ ؛ لأن بعدها أمراً.
ولو قرأ قارئ :«والحبّ ذا العصف والريحانَ » لكان جائزاً، أي : خَلَقَ ذا وذا، وهي في مصاحف أهل الشام : والحبّ ذا العصف، وَلم نسمع بها قارئا، كما أن في بعض مصاحف أهل الكوفة :
﴿ والجار ذا القربى ﴾ [ ١٨٩/ا ] ولم يقرأ به أحد، وربما كتب الحرف على جهة واحدة، وهو في ذلك يقرأ بالوجوه.
وبلغني : أن كتاب على بن أبي طالب رحمه الله كان مكتوبا : هذا كتاب من علي بن أبو طالب كتابها : أبو. في كل الجهات، وهي تعرّب في الكلام إذا قرئت.
أحدهما : أن العرب تخاطب الواحد بفعل الاثنين، فيقال : ارحلاها، ازجراها يا غلام.
والوجه الآخر : أن الذِّكر أريد في الإنسان والجان، فجرى لهما من أول السورة إلى آخرها.
وهو طين خُلط برمل، فصلصل كما يصلصل الفخار، ويقال : من صلصال منتن يريدون به : صلّ، فيقال : صلصال كما يقال : صرّ الباب عند الإغلاق، وصرصر، والعرب تردد اللام في التضعيف فيقال : كركرت الرجلَ يريدون : كررْته وكبكبته، يريدون : كببته.
وسمعت بعض العرب يقول : أتيت فلانا فبشبش بي من البشاشة، وإنما فعلوا ذلك كراهية اجتماع ثلاثة أحرف من جنس واحد.
والمارج : نار دون الحجاب فيما ذكر الكلبي منها هذه الصواعق، ويُرى جلد السماء منها.
اجتمع القراء على رفعه، ولو خفض يعني في الإعراب على قوله : فبأي آلاء ربكما، ربّ المشرقين كان صوابا.
والمشرقان : مشرق الشتاء، ومشرق الصيف، وكذلك المغربان.
حاجز لا يبغيان : لا يبغي العذب على الملح فيكونا عذبا، ولا يبغي الملح على العذب فيكونا ملحا.
وإنما يخرج من الملح دون العذب. واللؤلؤ : العظام، والمرجان : ما صغر من اللؤلؤ.
قرأ عاصم ويحيى بن وَثاب :( المنشِئات ) بكسر الشين، يجعلن اللاتي يُقبلن وَيدبرن في قراءة عبد الله بن مسعود ( المنشآت )، وَكذلك قرأها الحسن وأهل الحجاز يفتح الشين يجعلونهن مفعولاً بهن أُقْبِل بهن وأُدْبر.
وقوله :﴿ كَالأَعْلاَمِ ﴾.
كالجبال شبه السفينة بالجبل، وكل جبل إذا طال فهو عَلَم.
هذه، والتي في آخرها ذي كلتاهما في قراءة عبد الله ذي تخفضان في الإعراب ؛ لأنهما من صفة ربك تبارك وتعالى، وهي في قراءتنا :﴿ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ ﴾
[ ذو ] تكون من صفة وجه ربنا تبارك وتعالى.
قال : وسألت الفراء [ /ب ] عن ( شان ) فقال : أَهمِزه في كل القرآن إلاّ في سورة الرحمن، لأنه مع آيات غير مهموزات، وشانه في كل يوم أن يميت ميتاً، ويولد مولوداً، ويغني ذا، ويفقر ذا فيما لا يحصى من الفعل.
[ حدثنا أبو العباس قال : حدثنا محمد بن الجهم قال ] حدثنا الفراء قال : حدثني أبو إسرائيل قال : سمعت طلحة بن مصرّف يقرأ :«سَيَفْرغُ لكم » ويحيى بن وثاب كذلك والقراء بعد :«سَنَفْرُغُ لكم » وبعضهم يقرأ «سيُفرغ لكم ».
وهذا من الله وعيد لأنه عز وجل لا يشغله شيء عن شيء، وأنت قائل للرجل الذي لا شغل له : قد فرغت لي، قد فرغت لشتمي. أي : قد أخذت فيه، وأقبلت عليه.
ولم يقل : إن استطعتما، ولو كان لكان صوابا.
والشواظ : النار المحضة. والنحاس : الدخان : أنشدني بعضهم :
يضيء كضوء سراج السلي | ط لم يجعل الله منه نحاسا |
وقرأ الحسن :( شِواظ ) بكسر الشين كما يقال للصوار من البقر صِوار وصُوَار.
أراد بالوردة الفَرس، الوردةَ تكون في الربيع وردة إلى الصفرة، فإذا اشتد البرد كانت وردة حمراء، فإذا كان بعد ذلك كانت وردة إلى الغُبْرة، فشبه تلوّن السماء بتلون الوردة من الخيل، وشبهت الوردة في اختلاف ألوانها بالدهن واختلاف ألوانه.
ويقال : إن الدهان الأديم الأحمر.
والمعنى : لا يسأل إنس عن ذنبه، ولا جان عن ذنبه ؛ لأنهم يعرفون بسيماهم كما وصف الله : فالكافر يعرف بسواد وجهه، ورزقة عينه، والمؤمن أغر محجل من أثر وضوئه.
وهي في قراءة عبد الله : هذه جهنم التي كنتما بها تكذبان، تَصليانها لا تموتان فيها ولا تحييان تطوفان.
بين عذاب جهنم وبين الحميم إذا عطشوا، والآني : الذي قد انتهت شدّة حره.
ذكر المفسرون : أنهما بستانان من بساتين الجنة، وقد يكون في العربية : جنة تثنيها العرب في أشعارها ؛ أنشدني بعضهم :
ومَهْمَين قَذَفَين مَرْتَين | قطعته [ بالأََمِّ ] لا بالسَّمْتين |
يسعى بكيداء ولهذمين | قد جعل الأرطاة جنتين |
قال الفراء : الكيداء : القوس، ويقال : لهذِم ولهذَم لغتان، وهو السهم.
الإستبرق : ما غلظ من الديباج، وقد تكون البطانة : ظهارة، والظهارة بطانة في كلام العرب، وذلك أن كل واحد منهما [ ١٩٠/ا ] قد يكون وجها، وقد تقول العرب : هذا ظهر السماء، وهذا بطن السماء لظاهرها الذي تراه.
قال : وأخبرني بعض فصحاء المحدثين عن ابن الزبير يعيب قتلة عثمان رحمه الله فقال : خرجوا عليه كاللصوص من وراء القرية، فقتلهم الله كلّ قتلة، ونجا من نجا منهم تحت بطون الكواكب. يريد : هربوا ليلا، فجعل ظهور الكواكب بطونا، وذلك جائز على ما أخبرتك به.
قرأت القراء كلهم بكسر الميم في يطمثهن. حدثنا الفراء قال : وحدثني رجل عن أبي اسحق قال : كنت أصلي خلف أصحاب علي، وأصحاب عبد الله فأسمعهم يقرءون ( لم يطمُثهن ) برفع الميم. وكان الكسائي يقرأ : واحدة برفع الميم، والأخرى بكسر الميم لئلا يخرج من هذين الأثرين وهما : لم يطمِثهن، لم يفتضضهن ( قال وطمثها أي : نكحها، وذلك لحال الدم ).
يقول بعض المفسرين : ليس الرمان ولا النخل بفاكهة، وقد ذهبوا مذهباً، ولكن العرب تجعل ذلك فاكهة.
فإن قلت : فكيف أعيد النخل والرمان إن كانا من الفاكهة ؟
قلت : ذلك كقوله :﴿ حافِظُوا على الصَّلواتِ والصلاةِ الوُسْطَى ﴾. وقد أمرهم بالمحافظة على كل الصلوات، ثم أعاد العصر تشديداً لها، كذلك أعيد النخل والرمان ترغيباً لأهل الجنة، ومثله قوله في الحج :﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ في السَّماواتِ وَمَنْ في الأَرْضِ ﴾ ثم قال :﴿ وكَثيرٌ مِّن الناسِ، وكثيرٌ حَقَّ عليه الْعَذابُ ﴾. وقد ذكرهم في أول الكلمة في قوله :﴿ مَنْ في السّماواتِ ومَن في الأرضِ ﴾، وقد قال بعض المفسرين : إنما أراد بقوله :﴿ مَنْ في السماواتِ ومن في الأرضِ ﴾ الملائكة، ثم ذكر الناس بعدهم.
رجع إلى الجنان الأربع : جنتان، وجنتان، فقال : فيهن، والعرب تقول : أعطني الخَيْرَة منهن، والخِيرة منهن، والخيّرة منهن، ولو قرأ قارئ، الخَيراتُ، أو الخيرات كانتا صوابا.
قُصرن عن أزواجهن، أي حُبِسَ، فلا يُرِدْنَ غيرهم، ولا يطمحن إلى سواهم، والعرب تسمى الحَجَلة المقصورة، والقصورة، ويسمون المقصورة من النساء : قصورة :
وقال الشاعر :
لعمري لقد حببِت كلَّ قَصورة | إليّ وما تدري بذاك القصائر |
عَنَيْتُ قصوراتِ الحجال ولم أرِد | قصارَ الخُطا، شرُّ النساء البحاتر |
ذكروا أنها رياض الجنة، وقال بعضهم : هي المخاد، ﴿ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ ﴾ الطنافس الثخان.
[ حدثنا أبو العباس قال : حدثنا محمد قال ] حدثنا الفراء قال : وحدثني معاذ بن مسلم بن أبي سادة قال :
كان [ ١٩٠/ب ] جارك زهير القُرقُبي يقرأ : متكئين على رفارف خضر وعباقري حسان.
قال : الرفارف قد يكون صوابا، وأما العباقري فلا ؛ لأن ألف الجماع لا يكون بعدها أربعة أحرف، ولا ثلاثة صحاح.