تفسير سورة الفتح

معاني القرآن
تفسير سورة سورة الفتح من كتاب معاني القرآن .
لمؤلفه الفراء . المتوفي سنة 207 هـ

بسم الله الرحمن الرحيم.
قوله :﴿ إِنا فَتَحْنا لَكَ فَتْحا مُّبِينا ﴾.
كان فتح وفيه قتال [ قليل ] مراماة بالحجارة، فالفتح قد يكون صلحا، ويكون أخذ الشيء عنوة، ويكون القتال إنما [ ١٧٩/ا ] أريد به يوم الحديبية.
وقوله :﴿ دائرَةُ السَّوْءِ ﴾.
مثل قولك : رجل السَّوء، ودائرة السوء : العذاب، والسَّوء أفشى في اللغة وأكثر، وقلما تقول العرب : دائرة السُّوء.
وقوله :﴿ إِنا أَرْسَلْناكَ شَاهِداً ﴾ ثم قال :﴿ لِّتُؤْمِنُواْ ﴾.
ومعناه : ليؤمن بك من آمن، ولو قيل : ليؤمنوا ؛ لأن المؤمن غير المخاطَب، فيكون المعنى : إنا أرسلناك ليؤمنوا بك، والمعنى في الأول يراد به مثل هذا، وإن كان كالمخاطب ؛ لأنك تقول للقوم : قد فعلتم وليسوا بفاعلين كلهم، أي فعلَ بعضكم، فهذا دليل على ذلك.
وقوله :﴿ وَتُعَزِّرُوهُ ﴾.
تنصروه بالسيف كذلك ذكره عن الكلبي.
وقوله :﴿ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ﴾ بالوفاء والعهد.
وقوله :﴿ سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الأَعْرَابِ ﴾.
الذين تخلفوا عن الحديبية : شغلتنا أموالنا وأهلونا، وهم أعراب : أسلم، وجهينة، ومزينة، وغِفَار ظنوا أن لن ينقلب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتخلفوا.
وقوله :﴿ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرّاً ﴾.
ضم يحيى بن وثاب وحده الضاد، ونصبها عاصم، وأهل المدينة والحسن «ضَراً ».
وقوله :﴿ أَن لَّن يَنقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَداً ﴾ وفي قراءة عبدالله :«إلى أهلهم » بغير ياء، والأهل جمع وواحد.
وقوله :﴿ وَكُنتُمْ قَوْما بُوراً ﴾.
[ حدثنا محمد قال ] : حدثنا الفراء قال : حدثني حِبان عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال : البُور في لغة أَزْدعُمانَ : الفاسد، وكنتم قوما بورا، قوما فاسدين، والبور في كلام العرب : لاشيء يقال : أصبَحتْ أعمالهم بورا، ومساكنهم قبورا.
وقوله عز وجل :﴿ سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوها ﴾.
يعنى خيبر ؛ لأن الله فتحها على رسوله من فوره من الحديبية، فقالوا ذلك لرسول الله : ذرنا نتبعك، قال : نعم على ألاّ يُسْهَم لكم، فإن خرجتم على ذا فاخرجوا فقالوا للمسلمين : ما هذا لكم ما فعلتموه بنا إلا حسدا ؟ قال المسلمون : كذلكم قال الله لنا من قبل أن تقولوا.
وقوله :﴿ يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُواْ كلاَمَ اللَّهِ ﴾.
قرأها يحيى ( كَلِم ) وحده، والقراء بعدُ ( كلام الله ) بألف، والكلام مصدرٌ، والكلمُ جمع الكلمة والمعنى في قوله :«يريدُونَ أن يبدلوا كلم الله » : طمعوا أن يأذن لهم فيبدِّل كلام الله، ثم قيل : إن كنتم إنما ترغبون في الغزو والجهاد لا في الغنائم، فستدعون غدا إلى أهل اليمامة إلى قوم أولي بأس شديد بني حنيفة أتباع مسيلمة هذا من تفسير الكلبي.
وقوله :﴿ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ ﴾.
وفي إحدى القراءتين : أو يُسْلِموا. والمعنى : تقاتلونهم أبداً حتى يسلموا، وإلاّ أن يسلموا تقاتلونهم، أو يكون [ ١٧٩/ب ] منهم الإسلام.
وقوله :﴿ لَّيْسَ على الأَعْمَى حَرَجٌ ﴾ في ترك الغزو إلى آخر الآية.
وقوله :﴿ تَحْتَ الشَّجَرَةِ ﴾ كانت سَمُرةً.
وقوله :﴿ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ ﴾.
كان النبي صلى الله عليه وسلم أُرِيَ في منامه أنه يدخل مكة، فلما لم يتهيأ له ذلك، وصالح أهل مكة على أن يخلوها له ثلاثا من العام المقبل دخل المسلمين أمر عظيم، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم : إنما كانت رؤيا أُريتُها، ولم تكون وحيا من السماء، فعَلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم. والسكينة : الطمأنينة والوقار إلى ما أخبرهم به النبي صلى الله عليه وسلم : أنها إلى العام المقبل، وذلك قوله :﴿ فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَموا ﴾ من تأخير تأويل الرؤيا.
وقوله :﴿ وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها ﴾ مما يكون بعد اليوم فعجل لكم هذه : خيبر.
وقوله :﴿ وَكَفَّ أَيْدِيَ الناسِ عَنْكُمْ ﴾.
كانت أسد وغطفان مع أهل خيبر على رسول الله صلى الله عليه، فقصدهم النبي صلى الله عليه، فصالحوه، فكفوا، وخلّوا بينه وبين أهل خيبر، فذلك قوله :﴿ وَكَفَّ أَيْدِيَ الناسِ عَنْكُمْ ﴾.
وقوله :﴿ وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُواْ عَلَيْها ﴾.
فارس قد أحاط الله بها، أحاط لكم بها أن يفتحها لكم.
وقوله :﴿ وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم ﴾.
هذا لأهل الحديبية، لا لأهل خيبر.
وقوله :﴿ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً ﴾ محبوسا.
وقوله :﴿ أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ ﴾ مَنْحَره، أي : صدوا الهدى.
وقوله :﴿ وَلَوْلاَ رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَاء مُّؤْمِناتٌ ﴾.
كان مسلمون بمكة، فقال : لولا أن تقتلوهم، وأنتم لا تعرفونهم فتصيبكم منهم معرة، يريد : الدية، ثم قال الله جل وعز :﴿ لَوْ تَزَيَّلُواْ ﴾ لو تميّز وخلَص الكفار من المؤمنين، لأنزل الله بهم القتل والعذاب.
وقوله :﴿ إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ ﴾.
حموا أنفا أن يَدخلها عليهم رسول الله صلى الله عليه، فأنزل الله سكينته يقول : أذهب الله عن المؤمنين أن يَدخلهم ما دخل أولئك من الحمية، فيعصوا الله ورسوله.
وقوله :﴿ كَلِمَةَ التَّقْوَى ﴾ لا إله إلا الله.
وقوله :﴿ وَكَانُواْ أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها ﴾.
ورأيتها في مصحف الحارث بن سويد التيمي من أصحاب عبدالله، «وكانوا أهلها وأحق بها » وهو تقديم وتأخير، وكان مصحفه دفن أيام الحجاج.
وقوله :﴿ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ [ ١٨٠/ا ] الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ ﴾.
وفي قراءة عبد الله : لا تخافون مكان آمنين، «مُحلِّقين رءوسكم ومُقَصِّرِينَ »، ولو قيل : محلقون ومقصرون أي بعضكم محلقون وبعضكم مقصرون لكان صوابا [ كما ] قال الشاعر :
وغودر البقل ملوى ومحصود ***
وقوله :﴿ لِيُظْهِرَهُ على الدِّينِ كُلِّهِ ﴾.
يقال : لا تذهب الدنيا حتى يَغلب الإسلام على أهل كل دين، أو يؤدوا إليهم الجزية، فذلك قوله :﴿ لِيُظْهِرَهُ على الدِّينِ كُلِّه ﴾.
وقوله :﴿ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً ﴾. في الصلاة.
وقوله :﴿ سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ ﴾. وهي الصفرة من السهر بالليل.
وقوله :﴿ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ ﴾.
وفي الإنجيل : أيضاً كمثلهم في القرآن، ويقال : ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل، كزرع أخرج شطأه، وشطؤه : السنبل تُنبت الحبة عشراً وثمانياً وسبعاً، فيقوى بعضه ببعض، فذلك قوله :( فآزره ) فأعانه وقواه ؛ فاستغلظ [ ذلك ] فاستوى، ولو كانت واحدة لم تقم على ساق، وهو مَثَل ضربه الله عز وجل للنبي صلى الله عليه إذ خرج وحده ثم قوّاه بأصحابه، كما قوَّى الحبة بما نبت منها.
آزرت، أُؤازره، مؤازرة : قوّيته، وعاونته، وهي المؤازرة.
Icon