تفسير سورة مريم

حاشية الصاوي على تفسير الجلالين
تفسير سورة سورة مريم من كتاب حاشية الصاوي على تفسير الجلالين .
لمؤلفه الصاوي . المتوفي سنة 1241 هـ

قوله: ﴿ كۤهيعۤصۤ ﴾ اعلم أن الكاف والصاد يمدان مداً لازماً باتفاق السبعة، وهو قادر ثلاث ألفات، والهاء والياء يمدان مداً طبيعياً باتفاقهم وهو قدر ألف، ويجوز في العين المد اللازم المذكور والقصر بقدر ألفين قراءتان سبعيتان، ويتعين في النون من عين إخفاؤها في الصاد وغنتها وفتح العين، ويجوز في الدال الإظهار والإدغام في ذال ذكر، والقراءتان سبعيتان. قوله: (الله أعلم بمراده بذلك) هذا هو الحق، وللسلف أقوال أخر، منها ما قاله ابن عباس: إنه اسم من أسماء الله تعالى، وقال قتادة: هو اسم من أسماء القرآن، وقيل: هو اسم الله الأعظم، ولذا يذكره العارفون في أحزابهم، كالسيد الدسوقي، وأبي الحسن الشاذلي، وقيل هو اسم السورة، وقيل قسم أقسم الله به، وعن الكلبي: هو ثناء أثنى الله به على نفسه، وقيل معناه كاف لخلقه، هاد لعباده، يده فوق أيديهم، عالم ببريته، صادق في وعده، فكل حرف يشير لمعنى من هذه المعاني، وقيل غير ذلك قوله: (هذا) قدره إشارة إلى أن ذكر خبر لمحذوف. قوله: ﴿ ذِكْرُ رَحْمَتِ ﴾ هو مصدر مضاف لمفعوله، والفاعل محذوف أي ذكر الله رحمته عبده زكريا. قوله: (مفعول رحمة) أي ورحمته من إضافة المصدر لفاعله، وهذه التاء لا تمنع عمل المصدر، لأنها من بنية الكملة لا للوحدة، ومعنى ذكر الرحمة، بلوغها وإصابتها لعبده زكريا، بمعنى عامله بالرحمة والنعمة، لا بالغضب والنقمة، وليس المراد بالذكر حقيقته، وهو ضد النسيان، لأنه مستحيل. قوله: (متعلق برحمة) أي على أنه ظرف له، أي رحمة الله إياه وقت أن ناداه. قوله: (مشتملاً على دعاء) أي وهو قوله: ﴿ رَبِّ إِنَّي وَهَنَ ٱلْعَظْمُ ﴾ إلى قوله: ﴿ وَٱجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً ﴾ فجملة النداء ثمان جمل، والدعاء منه هو قوله: ﴿ فَهَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ﴾ إلخ. قوله: (جوف الليل) أي في جوفه. قوله: (لأنه أسرع للإجابة) أي ما ذكر من كونه خفياً حاصلاً في جوف الليل، فتحصل أن إخفاء الدعاء والذل والتواضع والانكسار فيه من أسباب الإجابة، سيما إذا كان في جوف الليل. قوله: ﴿ قَالَ رَبِّ ﴾ أي يا مالكي ومربي. قوله: ﴿ وَهَنَ ﴾ من باب وعد، بفتح الهاء للسبعية، وقرئ بضمها وكسرها. قوله: (جميعه) أشار بذلك إلى أن أل في العظم للاستغراق. قوله: (أي انتشر) أشار بذلك إلى أن في ﴿ ٱشْتَعَلَ ﴾ استعارة تبعية، حيث شبه انتشار الشيب، باشتعال النار في الحطب، واستعير الاشتعال للانتشار، واشتق منه اشتعل بمعنى انتشر، والجامع أن كلاً يضعف ما نزل له، وأعاد الضمير على الرأس مذكراً لأنها تذكر لا غير. قوله: (وإني أريد أن أدعوك) تمهيد لقوله: ﴿ وَلَمْ أَكُنْ ﴾ الخ. قوله: (أي بدعائي إياك) أشار بذلك إلى أن دعاء مصدر مضاف لمفعوله، والفاعل محذوف. قوله: (فيما مضى) أي أنت قد أجبتني في الزمان الماضي حال شبوبيتي، وعودتني منك بالإحسان والإجابة، فلا تخيبني فيما يأتي في حال شيخوختي. قوله: ﴿ وَإِنِّي خِفْتُ ٱلْمَوَالِيَ ﴾ جمع مولى وهو العاصب. قوله: (كبني العم) أي لأنهم كانوا شرار بني إسرائيل، فخاف أن يبدلوا دينهم. قوله: ﴿ مِن وَرَآءِى ﴾ متعلق بمحذوف، أي جور الموالي من ورائي. قوله: (على الدين) متعلق بخفت. قوله: (من تبديل الدين) بيان لما. قوله: ﴿ وَكَانَتِ ٱمْرَأَتِي ﴾ أي وهي أشاع أخت حنة، كلتاهما بنت فاقود، فولد لأشاع يحيى، ولحنة مريم. قوله: (لا تلد) أي لم تلد أصلاً لا في صغرها، ولا كبرها. قوله: (وبالرفع صفة وليا) هي سبعية أيضاً، وهي أظهر معنى، لأنها تفيد أن هذا الوصف من جملة مطلوبة. قوله: (العلم والنبوة) أي لا المال، لأن الأنبياء لا يورثون درهماً ولا ديناراً. قوله: (قال تعالى) أشار بذلك إلى أن هذا من كلام الله، ولا ينافيه ما تقدم في سورة آل عمران من أنه من كلام الملائكة، لأنه يمكن أن يكون الخطاب وقع مرتين، أو المعنى على لسان الملائكة. قوله: (والحاصل به) نعت للابن. قوله: ﴿ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلاَمٍ ﴾ بين هذه البشارة، ووجود الولد في الخارج بالفعل ثلاث عشرة سنة. قوله: ﴿ ٱسْمُهُ يَحْيَىٰ ﴾ إنما سماه بذلك، لأن رحم أمه حيي به بعد موته بالعقم، أو لحياة القلوب به، وهو ممنوع من الصرف للعملية والعجمة، وتقول في تثنيته يحييان رفعاً، ويحيين نصباً وجراً، وتقول في جمعه للسلامة يحييون رفعاً، ويحيين نصباً وجراً. قوله: (أي مسمى بيحيى) أي لم يسم بيحيى قوله: (كيف) اسم استفهام سؤال عن جهة حصول الولد لاستبعاد ذلك، بحسب العادة لا بحسب القدرة الإلهية، أو استفهام تعجب وسرور في هذا الأمر العجيب. قوله: ﴿ وَكَانَتِ ٱمْرَأَتِي عَاقِراً ﴾ أي ولم تزل. قوله: (يبس) بالباء المثناة بعدها باء موحدة من اليبس، يقال عتا العود بمعنى يبس وجف، ومعناه بس العظم والعصب والجلد. قوله:(عتوو) هو بضمتين وواوين. قوله: (كسرت التاء) الخ، اشتمل كلامه على أربع إعمالات في الكلمة، غير كسر التاء وقلب الواو الأولى ياء، وقلب الثانية كذلك لاجتماعها مع الواو، وسبق إحداهما بالسكون وإدغام الياء في الياء وهذا على غير قراءة حفص، وأما على قراءته من كسر العين إتباعاً للتاء، ففيه خمس إعمالات. قوله: (الأمر) قدره إشارة إلى أن كذلك خبر لمحذوف.
قوله: ﴿ قَالَ رَبُّكَ ﴾ أي على لسان ملك أو إلقاء في القلب، وأما الخطاب جهراً مشافهة، فلم يكن لغير موسى وسيدنا محمد عليهما الصلاة والسلام. قوله: (وأفتق) من باب نصر أي أشق. قوله: (للعلوق) بفتح العين أو المني ويصح ضمها مصدر علق. قوله: ﴿ وَقَدْ خَلَقْتُكَ ﴾ الجملة حالية. قوله: (ولما تاقت نفسه) أي تطلعت وتشوقت، وأشار بذلك إلى أن قوله: ﴿ قَالَ رَبِّ ٱجْعَل لِيۤ آيَةً ﴾ مرتب على محذوف. قوله: (إلى سرعة المبشر به) أي بعلامة تدل على حصوله بالفعل، وليس عند زكريا شك في إجابة الله دعاءه، بل قصد تعجيل المسرة ليزداد فرحاً وشكراً. قوله: (أي تمنع) أي قهراً بلا آفة. قوله: (أي بأيامها) أشار بذلك إلى وجه الجمع بين ما هنا وبين آية آل عمران. وحكمة ذكر الليالي هنا، أن الليل سابق على النهار، وهذه السورة مكية، والمكي مقدم على المدني، وآل عمران مدنية، فأعطى السابق للسابق، والمتأخر للمتأخر. قوله: (حال من فاعل تكلم) أي ينعدم منك الكلام حال كونك سليماً، لم يطرأ عليك آفة ولا علة تمنعك من الكلام، ويصح أن يكون صفة لثلاث، أي ثلاثاً كاملات لا نقص فيهن. قوله: ﴿ فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ ﴾ أي متغير اللون، عاجزاً عن الكلام، فأنكر ذلك عليه وقالوا له: ما لك؟ فأشار إليهم أن صلوا بكرة وعشياً. قوله: ﴿ مِنَ ٱلْمِحْرَابِ ﴾ يطلق على الغرفة، وصدر البيت، وأكرم مواضعه، ومقام الإمام من المسجد، والموضع ينفرد به الملك وعلى المسجد جميعه، فالمحراب المعروف الآن يوافق اللغة قديماً. قوله: (أي المسجد) أي موضع الصلاة. قوله: (وكانوا ينتظرون فتحه) أي فكان مقيماً به، ولا يفتحه إلا وقت الصلاة، ولا يدخلونه إلا بإذنه. قوله: (أشار) ﴿ إِلَيْهِمْ ﴾ أي بأصبعه وقيل كتب لهم. قوله: (أوائل النهار وأواخره) أي فالمراد بالصلاة في هذين الوقتين، صلاة الصبح وصلاة العصر، والمعنى صلوا صلاتكم على عادتكم، ولا تنتظروني أكلمكم، بل دعوني وحالي. قوله: (فعلم) أي زكريا. قوله: (وبعد ولادته) الخ، قدر ذلك إشارة إلى أن قوله: ﴿ يٰيَحْيَىٰ ﴾ الخ، مرتب على محذوف. قوله: (قال تعالى له) أي على لسان الملك. قوله: ﴿ خُذِ ٱلْكِتَابَ ﴾ أي اعمل بأحكامه، وليس المراد اشتغل بحفظه في المكتب مثلاً، لأن الله ألقاه على قلبه بمجرد قوله: ﴿ خُذِ ٱلْكِتَابَ ﴾.
قوله: ﴿ بِقُوَّةٍ ﴾ أي بجد واجتهاد، وإما أمر بذلك، لأن كلام الله عظيم جليل القدر، فيحتاج للاهتمام به والاجتهاد فيه، ومن هنا ينبغي لطالب العلم الجد والاجتهاد فيه، ولا يتراخى في طلبه، فإنك إن أعطيت العلم كلك، أعطاك بعضه، وإن أعطيته بعضك، لم يعطك شيئاً منه، ولذا قال الإمام الشافعي رضي الله عنه: أَخِي لَنْ تَنَالَ الْعِلم إِلاَّ بِستة   سَأُنبيك عَنْهَا مخبراً بِبَيَانذكاء وَحِرْص وَاجْتِهَاد وَبِلُغَة   نَصيحة أستاذ وَطُول زَمَانولم يأمر الله سيدنا محمداً بتلقي ما أوحى بقوة، لأن الله أعطاه عزماً وقة عظيمة، فلم يحتج للأمر، بل قيل له (إنا سنقلي عليك قولاً ثقيلاً). قوله: (ابن ثلاث سنين) أي فأحكم الله عقله وقوى فهمه، وقولهم النبوة على رأس الأربعين، محله في غير يحيى وعيسى على ما يأتي، وقيل المراد بالحكم فهم التوراة وقراءتها، وأما النبوة فتأخرت للأربعين كغيره. قوله: ﴿ وَحَنَاناً ﴾ أي رحمة ورقة في قلبه، وتعطفاً على الناس. قوله: (صدقة عليهم) أي توفيقاً للتصدق، وقيل المراد بالزكاة طهارته من الأوساخ، أو طهارة من اتبعه، أو المراد أن الله تصدق به على والديه. قوله: ﴿ وَكَانَ تَقِيّاً ﴾ أي مجبولاً على التقوى، ومن جملة تقواه، أنه كان يتقوت بالعشب، وكان كثير البكاء، فكان لدمعه مجار على خده. قوله: (ولم يهم بها) أي لم تخطر بباله، ولا خصوصية له بذلك، بل جميع الأنبياء كذلك. قوله: (عاصياً لربه) أشار بذلك إلى أن المبالغة ليست مرادة، بل المنفي أصل العصيان لا المبالغة. قوله: ﴿ وَسَلاَمٌ عَلَيْهِ ﴾ أي أمان له من المخاوف ونكرهنا، وعرف في قصة عيسى، لأن ما هنا حاصل من الله، والقليل منه كثير، وما ذكر في قصة عيسى آل فيه للعهد أي السلام والمعهود، وهو الكائن من الله. قوله: ﴿ يَوْمَ وُلِدَ ﴾ أي من أن يناله الشيطان بمكروه. قوله: ﴿ وَيَوْمَ يَمُوتُ ﴾ أي من عذاب القبر. قوله: ﴿ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَياً ﴾ أي من هول الموقف، ولا ينافي هذا ما ورد أن الأنبياء يوم القيامة يجثون على الركب ويقولون: رب سلم سلم، لأن جلال الله محيط بهم، فهم خائفون من هيبته وجلاله، لا من عذابه وعقابه، لصدق وعد الله في تأمينهم، فلا يخلف وعده. بقي شيء آخر وهو أنه ورد أن يحيى قتل في حياة والده، فكيف ذلك مع طلبه ولداً يرثه، وإجابة الله له بقوله: (كذلك هو علي هين). أجيب: بأن هذه الرواية ضعيفة، والحق أنه عاش بعد أبيه الزمن الطويل، وحينئذ فقد سقط السؤال والجواب.
قوله: ﴿ وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ مَرْيَمَ ﴾ أي قصة ولادتها لعيسى وحملها به، فإنها من الآيات الكبرى، وتقدم أن معنى مريم العابدة خادمة الرب. قوله: (القرآن) أشار بذلك إلى أن أل في الكتاب للعهد. قوله: ﴿ إِذِ ٱنتَبَذَتْ ﴾ ظرف لمحذوف قدره المفسر بقوله: (أي خبرها) وهو بدل اشتمال، وليس المراد خصوص الخبر الواقع في وقت الانتباذ، بل هو وما بعده إلى آخر القصة. قوله: (أي اعتزلت في مكان) أشار بذلك إلى أن مكان منصوب على الظرفية، ويصح أن يكون مفعولاً به؛ على أن معنى ﴿ ٱنتَبَذَتْ ﴾ أتت مكاناً. قوله: (من الدار) أي دار زوج خالتها، وهو زكريا القيم عليها، وفي بعض النسخ أو شرق بيت المقدس، أي فقوله في الآية: ﴿ شَرْقِياً ﴾ يحتمل أن يكون شرقياً من دارها، أو من بيت المقدس. قوله: (أو تغتسل من حيضها) أي لأنها كانت تتحول من المسجد إلى بيت خالتها إذا حاضت، وتعود إليه إذا طهرت، وقد حاضت قبل حملها بعيسى مرتين. قوله: ﴿ رُوحَنَا ﴾ سمي بذلك لأن الله أحيا به القلوب والأديان، كما أن الروح به حياة الأجساد، أو كناية عن محبة الله له، كما يقول الإنسان لمن يحبه أنت روحي. قوله: ﴿ فَتَمَثَّلَ لَهَا ﴾ اختلف في كيفية تمثل الملك في غير صورته الأصلية، هل تنعدم بقية أجزائه الزائدة أو تنفصل، مع كونها باقية، أو لا تنفصل؟ وإنما تخفى عن الرائي، وهو الذي ندين الله به، لأن لهم قدرة على التشكيلات بالصور الجميلة ولا تحكم عليهم. قوله: (بعد لبسها ثيابها) جواب عما يقال: إن الملك لا يدخل على امرأة مكشوفة الرأس، فضلاً عن كونها مكشوفة البدن، فيكف أتى مريم وهي تغتسل؟ فأجاب المفسر: بأنه إنما تمثل لها بعد أن لبست ثيابها. قوله: ﴿ بَشَراً سَوِيّاً ﴾ أي بصورة شاب أمرد معتدل الخلقة لتأنس بكلامه، ولعله يهيج شهوتها، فتنحدر نطفتها إلى رحمها، ولا يقال إن النظر المهيج للشهوة حرام، لأن ذلك إذا كان مع اختيار، وأما الميل الطبيعي فلا يؤاخذ به الإنسان. قوله: ﴿ بِٱلرَّحْمَـٰنِ ﴾ خصته بالذكر ليرحم ضعفها وعجزها عن دفعه، لعدم المغيث لها من الخلق. قوله: ﴿ إِن كُنتَ تَقِيّاً ﴾ أي عاملاً بمقتضى تقواك وإيمانك. قوله: (فتنتهي عني) هو جواب الشرط، وقدره فعلاً مضارعاً مقروناً بالفاء، فهو على تقدير المبتدأ، ليكون الجواب جملة اسمية، حتى يسوغ اقترانه بالفاء، أي فأنت تنتهي عني. قوله: ﴿ رَسُولُ رَبِّكِ ﴾ أي جبريل، وقولهم إن الوحي لم ينزل على امرأة قط أي برسالة، وأما بغيرها فلا مانع منه. قوله: ﴿ لأَهَبَ لَكِ ﴾ بالياء والهمزة قراءتان سبعيتان، فعلى الأولى الإسناد لله، وعلى الثانية الإسناد لجبريل، لكونه سبباً فيه. قوله: ﴿ غُلاَماً زَكِيّاً ﴾ يه مجاز الأول، لأنه حينئذ لم يكن غلاماً.
قوله: (بتزوج) دفع به ما يقال إن قولها ﴿ لَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ ﴾ يدخل تحته ﴿ وَلَمْ أَكُ بَغِيّاً ﴾ فأجاب: بأن المس عبارة عن النكاح في الحلال، والزنا ليس كذلك، بل يقال فجر بها وما أشبه. قوله: ﴿ بَغِيّاً ﴾ لم يقل بغية لأن بغياً غالب في النساء، فأجروه إجراء حائض وطامث وعاقر، أو يقال إن أصله بغوياً بوزن فعول، اجتمعت الواو والياء، وسبقت أحداهما بالسكون، قلبت الواو ياء، وأدغمت في الياء، وكسرت الغين لتصح الياء، وحيث كان بزنة فعول فلا تلحقه التاء، كما قال ابن مالك: وَلاَ تَلِي فَارِقة فَعولا   أَصْلاً وَلاَ المفعَال وَالمفعِيلاَوهذا ليس استبعاداً منها لقدرة الله، وإنما هو تعجب من مخالفة العادة. قوله: (الأمر) قدره إشارة إلى أن كذلك خبر لمحذوف. قوله: ﴿ قَالَ رَبُّكِ ﴾ بمنزلة العلة كأنه قيل: الأمر كذلك لأنه علينا هين ولنجعله الخ. قوله: (على قدرتنا) أي كمال قدرتنا على أنواع الخلق، فإنه تعالى خلق آدم من غير ذكر ولا أنثى، وخلق حواء من ذكر بلا انثى، وخلق عيسى من إنثى بلا ذكر، وخلق بقية الخلق من ذكر وأنثى. قوله: ﴿ أَمْراً مَّقْضِيّاً ﴾ أي لا يتغير ولا يتبدل. قوله: (فنفخ جبريل) أي نفخة وصلت إلى فرجها ودخلت منه جوفها، وليس المراد أنه نفخ في فرجها مباشرة. قوله: (درعها) أي قميصها. قوله: ﴿ مَكَاناً قَصِيّاً ﴾ أي بعيداً من أهلها، وهو بيت لحم، فراراً من تعيير قومها بولادتها من غير زوج.
قوله: ﴿ فَأَجَآءَهَا ٱلْمَخَاضُ ﴾ أي ألجأها. قوله: (لتعتمد عليه) أي فاعتمدت عليه، وقيل حضنته وكان يابساً فاخضر وأثمر لوقته. قوله: (فولدت) أي ببيت لحم، فخافت عليه، فجاءت به إلى بيت المقدس، فوضعته على صخرة، فانخضت الصخرة له وصارت كالهمد، وهي الآن موجودة تزار بحرم بيت المقدس، ثم بعد أيام توجهت به إلى بحر الأردن فغمسته فيه، وهو اليوم الذي يتخذه النصارى عيداً ويسمونه يوم الغطاس، وهم يظنون أن المياه في ذلك اليوم تقدست، فلذلك يغطسون في كل ماء. قوله: (في ساعة) هو الصحيح، وقيل حملته في ساعة، وصور في ساعة، ووضعته في ساعة، وقيل كان مدة حملها تسعة أشهر، وقيل ثمانية أشهر، وقيل ستة أشهر، وسنها إذ ذاك عشر سنين، وقيل ثلاث عشرة سنة، وقيل ست عشرة سنة. قوله: ﴿ يٰلَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَـٰذَا ﴾ إنما تمنت الموت لئلا تقع المصيبة بمن تتكلم في شأنها بسوء، وإلا فهي راضية بما بشرت به. قوله: ﴿ وَكُنتُ نَسْياً ﴾ بكسر النون وفتحها قراءتان سبعيتان، وقوله: ﴿ مَّنسِيّاً ﴾ تأكيد لنسياً. قوله: ﴿ فَنَادَاهَا ﴾ أي لما شق عليها الأمر وعلمت أنها تتهم، ولا بعد لعدم وجود بينة ظاهرة تشهد لها، قيل أول من علم بها يوسف النجار، وكان رفيقاً لها يخدمان المسجد، ولا يعلم من أهل زمانهما أحد أشد عبادة واجتهاداً منهما، فبقي متحيراً في أمرها، ثم قال لها: قد وقع في نفسي من أمرك شيء، وقد حرصت على كتمانه، فغلبني ذلك، فرأيت أن أتكلم به أشفي صدري، فقالت: قل قولاً جميلاً، قال: أخبريني يا مريم، هل ينبت زرع بغير بذر؟ فقالت: نعم، ألم تعلم أن الله أنبت الشجرة بالقدرة من غير بذر ولا غيث؟ أو تقول: إن الله تعالى لا يقدر أن ينبت الشجرة حتى استعان بالماء، ولولا ذلك لم يقدر على إنباتها؟ قال يوسف: لا أقول هذا، ولكني أقول: إن الله يقدر على ما يشاء، يقول له كن فيكون، قالت مريم: ألم تعلم أن الله تعالى خلق آدم وامرأته من غير ذكر ولا أنثى، فعند ذلك زال ما في نفسه من التهمة، كان ينوب عنها في خدمة المسجد مدة نفاسها. قوله: ﴿ مِن تَحْتِهَآ ﴾ بفتح الميم وكسرها قراءتان سبعيتان، فعلى الأولى الفاعل هو الموصول وتحتها صلته، وعلى الثانية الفاعل ضمير مستتر، والجار والمجرور متعلق بنادي. قوله: (أي جبريل) تفسير لمن على الفتح، والضمير المستتر في نادى على الكسر، وقيل المنادي لها عيسى، ومعنى كونه تحتها أسفل ثيابها، وحينئذ فيكون قوله: ﴿ أَلاَّ تَحْزَنِي ﴾ إلى قوله: ﴿ فَلَنْ أُكَلِّمَ ٱلْيَوْمَ إِنسِيّاً ﴾ أول كلام عيسى. قوله: (وكان أسفل منها) أي كان جبريل في مكان أسفل من مريم. قوله: ﴿ أَلاَّ تَحْزَنِي ﴾ يحتمل أن تكون ﴿ أَنْ ﴾ مفسرة وقد وجد شرطها، وهو تقدم ما هو بمعنى القول، و ﴿ لاَ ﴾ ناهية وحذفت النون للجازم، أو ناصبة ولا نافية، وحذفت النون للناصب. قوله: (نهر ماء) أي وجمعه سريان كرغيف ورغفان، ويطلق السري على الشريف الرئيس، وأصله سريو، اجمتعت الواو والياء، وسبقت إحداهما بالسكون، قلبت الواو ياء وأدغمت في الياء كسيد، ويكون المراد به عيسى، وما مسى عليه المفسر، أظهر لمناسبة قوله: ﴿ فَكُلِي وَٱشْرَبِي ﴾.
قوله: (كان انقطع) أي ثم جرى واملأ ماء ببركة عيسى وأمه. قوله: (والباء زائدة) أي ويصح أن تكون أصلية، والمفعول محذوف، والجار والمجرور متعلق بمحذوف صفة لرطباً، والتقدير وهزي إليك رطباً كائناً بجذع النخلة. قوله: (وفي قراءة بتركها) أي التاء مع تخفيف السين وفتح القاف وبقي قراءة سبعية أيضاً وهي ضم التاء مع كسر القاف بمعنى تسقط فرطباً مفعول به. قوله: (تمييز) أي على القراءتين اللتي ذكرهما المفسر على الثالثة. قوله: ﴿ جَنِيّاً ﴾ أي تاماً نضجه صالحاً للاجتناء. قوله: ﴿ وَقَرِّي عَيْناً ﴾ العامة على فتح القاف من قر يقر، بكسر العين في الماضي، وفتحها في المضارع من باب تعب، وقرئ شذوذاً بكسر القاف، وهي لغة نجد فتح العين في الماضي وكسرها في المضارع من باب ضرب. قوله: (أي تسكن) أي فهو من القرار بمعنى عدم الحركة، ويصح أن يكون من القر وهو البرد، لأن العين إذا فرح صاحبها، كان دمعها بارداً، وإذا حزن كان دمعها حاراً، كأنه قال: اتركي الحزن وافرحي بما أعطاك ربك. قوله: (حذفت منه لام الفعل) أي وأصله ترأيين، بمهزه عين الكلمة وياء مكسورة، هي لامها، وأخرى ساكنة هي ياء الضمير، والنون علامة الرفع، نقلت حركة الهمزة إلى الراء فسقطت الهمزة، فتحركت الياء وانفتح ما قبلها، قلبت ألفاً فالتقى ساكنان حذفت لالتقائهما، ثم أكد بالنون وحرك بالكسر، ففيه ست إعمالات، نقل الحركة وسكون الهمزة وقلب الياء ألفاً وحذفها وتأكيد بالنون وتحريكه بالكسر، وإن نظرت لحذف نون الرفع للجازم كانت سبعة، أفاد المفسر منها خمساً، ولم يرتبها كما يعلم بالتأمل. قوله: (فسألك عن ولدك) جواب عما يقال إن قولها ﴿ فَلَنْ أُكَلِّمَ ٱلْيَوْمَ إِنسِيّاً ﴾ كلام فقد حصل التناقض، فأجاب: بأن المراد: إذا رأيت أحداً من البشر، وسألك عن أمرك فقولي الخ، ويكون إنشاء النذر من حين قولها للسائل تلك المقالة. قوله: ﴿ صَوْماً ﴾ قيل كان في بني إسرائيل من أراد أن يجتهد، صام عن الكلام كما يصوم عن الطعام، فلا يتكلم حتى يمسي، وفي هذا دلالة على ترك مجادلة السفهاء والتكلم معهم فإنه أغيظ لهم. قوله: (مع الأناسي) أي لا مع الله كالذكر ولا مع الملائكة، لما ورد أنها كانت تكلم الملائكة، ولا تكلم الإنس، والأناسي بفتح الهمزة جمع إنسي أو إنسان، وأصله على هذا أناسين، قلبت النون ياء وأدغمت في الياء. قوله: (أي بعد ذلك) أي بعد قولها: ﴿ إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَـٰنِ صَوْماً ﴾.
قوله: ﴿ فَأَتَتْ بِهِ ﴾ أي في يوم وضعه، وقيل بعد أربعين يوماً لما طهرت من نفاسها. قوله: (فرأوه) أي أبصروه. قوله: ﴿ قَالُواْ ﴾ أي أهلها وكانوا أهل بيت صالحين، بمصدوق قوله تعالى:﴿ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَىٰ ءَادَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى ٱلْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ ﴾[آل عمران: ٣٣-٣٤].
قوله: ﴿ لَقَدْ جِئْتِ ﴾ أي فعلت وأتيت. قوله: ﴿ فَرِيّاً ﴾ من فريت الجلد قطعته، أي شيئاً قاطعاً وخارقاً للعادة، ومقطعاً للعرض. قوله: (هو رجل صالح) أي في بني إسرائيل، شبهت به في عفتها وصلاحها، قيل إنه تبع جنازته يوم مات أربعون ألفاً من بني إسرائيل، كلهم يسمون هارون سوى سائر الناس. قوله: ﴿ مَا كَانَ أَبُوكِ ﴾ أي عمران، وقوله: ﴿ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ ﴾ أي حنة.
قوله: ﴿ فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ ﴾ أي وحينئذٍ غضب القوم وقالوا: أتسخرين بنا؟ ثم قالوا: ﴿ كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي ٱلْمَهْدِ صَبِيّاً ﴾.
قوله: (وجد) أشار المفسر إلى أن ﴿ كَانَ ﴾ تامة، وحينئذ فصبياً حال، ويصح أن تكون ناقصة وصبياً خبرها. قوله: ﴿ فِي ٱلْمَهْدِ ﴾ قيل المرد به حجرها، وقيل هو المهد بعينه، ورد أنه لما أشارت إليه ترك الرضاع، واتكأ على يساره، وأقبل عليهم؛ وجعل يشير بيمينه وقال: ﴿ إِنِّي عَبْدُ ٱللَّهِ ﴾ الخ. قوله: ﴿ عَبْدُ ٱللَّهِ ﴾ وصف نفسه بذلك لئلا يتخذ إلهاً، وكل هذه الأوصاف تقتضي براءة أمه، لأن هذه أوصاف الكاملين المطهرين من الأرجاس. قوله: ﴿ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً ﴾ أي في الحال، وقيل المراد سيجعلني بعد الأربعين قولان للعلماء، والله أعلم بحقيقة الحال. قوله: (أي نفاعاً للناس) أي لأنه يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى ويهدي من ضل. قوله: (إخبار بما كتب له) أي فالماضي بمعنى المستقبل، وقيل على حقيقته. قوله: (أمرني بهما) بفعلهما. قوله: ﴿ وَبَرّاً ﴾ العامة على فتح الباء وقرئ بكسرها، إما على حذف مضاف أي ذا بر، أو مبالغة. قوله: (متعاظماً) أي بل جعلني متواضعاً، ومن تواضعه أنه كان يأكل ورق الشجر، ويجلس على التراب، ولم يتخذ له مسكناً. قوله: ﴿ وَٱلسَّلاَمُ ﴾ أل فيه للعهد، أي السلام الحاصل ليحيى حاصل لي، فلا يقال إن يحيى سلم عليه ربه، وعيسى سلم على نفسه، بل هو حاك السلام عن الله. قوله: ﴿ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً ﴾ هذا آخر كلامه، ثم سكت بعد ذلك، فلم يتكلم حتى بلغ المدة التي يتكلم فيها الأطفال. قوله: (قال تعالى) أشار بذلك إلى أن هذا من كلام الله تعالى، وأما كلام عيسى فقد انتهى إلى قوله: ﴿ حَيّاً ﴾.
قوله: ﴿ ذٰلِكَ ﴾ أي المذكور بتلك الأوصاف، واسم الإشارة مبتدأ، و ﴿ عِيسَى ﴾ خبره، و ﴿ ٱبْنُ مَرْيَمَ ﴾ صفته.
﴿ قَوْلَ ٱلْحَقِّ ﴾ خبر مبتدأ محذوف، أي قول أبن مريم قول الحق، وهو من إضافة الموصوف للصفة، أي القول الحق، والمعنى أن الموصوف بما ذكر من الأوصاف، هو عيسى ابن مريم، وقوله: القول الحق أي الصدق المطابق للواقع. قوله: (وبالنصب) أي فهما قراءتان سبعيتان. قوله: (بتقدير قلت) أي فهو مصدر مؤكد لعامله. قوله: (والمعنى) أي على كل من القراءتين، فعلى الرفع يكون المعنى قول عيسى القول الحق، وعلى النصب يكون المعنى قلت حاكياً عن عيسى القول الحق، والقائل ذلك هو الله تعالى. قوله: ﴿ ٱلَّذِي فِيهِ يَمْتُرُونَ ﴾ خبر لمحذوف أي هو عيسى الذي فيه يترددون ويتحيرون. قوله: (قالوا إن عيسى ابن الله) أي وقالوا غير هذه المقالة في قوله:﴿ فَٱخْتَلَفَ ٱلأَحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ ﴾[مريم: ٣٧] وإنما اقتصر على هذه هنا، لأنها التي يتضح إبطالها بقوله: ﴿ مَا كَانَ للَّهِ ﴾ الخ. قوله: ﴿ مَا كَانَ للَّهِ ﴾ أي لا يمكن ولا يتأتى لأنه مستحيل، لا تتعلق به القدرة. قوله: ﴿ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ ﴾ ﴿ أَن ﴾ وما دخلت عليه في تأويل مصدر اسم كان، والمعنى ما كان اتخاذ الولد من صفته بل هو محال، قال تعالى:﴿ تَكَادُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ ٱلأَرْضُ وَتَخِرُّ ٱلْجِبَالُ هَدّاً * أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَداً * وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَـٰنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً ﴾[مريم: ٩٠-٩٢].
قوله: (عن ذلك) أي اتخاذ الولد. قوله: ﴿ إِذَا قَضَىٰ أَمْراً ﴾ هذا كالدليل لما قبله كأنه قال: إن اتخاذ الولد والسعي في أسبابه، شأن العاجز الضعيف المتحاج الذي لا يقدر على شيء، وأما القادر الغني الذي يقول للشيء ﴿ كُن فَيَكُونُ ﴾، فلا يحتاج في اتخاذ الولد إلى إحبال الأنثى، وحيث أوجده بقول ﴿ كُن ﴾ لا يسمى ابناً له، بل هو عبده ومخلوقه، فهو تبكيت وإلزام لهم بالحجج الباهرة. قوله: (بتقدير أن) أي بعد وفاء السببية الواقعة بعد الأمر. قوله: ﴿ وَإِنَّ ٱللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ ﴾ هذا من كلام عيسى، سواء قرئ بكسر إن أو فتحها، فهو من تعلقات قوله:﴿ وَأَوْصَانِي بِٱلصَّلاَةِ وَٱلزَّكَاةِ ﴾[مريم: ٣١] قوله: (بتقدير اذكر) أي اذكر يا عيسى أن الله الخ. قوله: (بتقدير قل) أي وإن تكسر بعد القول. قوله: ﴿ هَـٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ ﴾ من كلام عيسى أيضاً. قوله: (المذكور) يعني القول بالتوحيد ونفي الولد.
قوله: ﴿ فَٱخْتَلَفَ ٱلأَحْزَابُ ﴾ أي أن النصارى تحزبوا وتفرقوا في شأن عسى بعد رفعه إلى السماء أربع فرق: اليعقوبية والنسطورية والملكانية والإسلامية، لما روي أنه اجتمع بنو إسرائيل، فأخرجوا منهم أربعة نفر، من كل قوم عالمهم، فامتروا في شأن عيسى حين رفع، فقال أحدهم: هو الله هبط إلى الأرض، فأحيا من أحيا، وأمات من أمات، ثم صعد إلى السماء، وهم اليعقوبية، فقالت الثلاثة: كذبت. ثم قال اثنان منهم للثالث: قل فيه، قال: هو ابن الله، وهم النسطورية، قال الاثنان: كذب: ثم قال أحد الاثنين للآخر: قل فيه، فقال: هو ثاث ثلاثة، الله إله وهو إله، وأمه إله، وهم الملكانية. قال الرابع: كذبت بل هو عبد الله ورسوله وكلمته، وهم المسلمون وكان لكل رجل منهم أتباع على ماقال، فاقتتلوا وظهروا على المسلمين، وكفر الفرقة الأخيرة بعدم اتباعهم لنبينا صلى الله عليه وسلم من حين البعث، وأما الذين اتبعوه منهم، فهم الذين يعطون أجرهم مرتين، كالنجاشي وأتباعه، وهم الذين قال تعالى فيهم:﴿ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ ﴾[المائدة: ٨٢] الآيات. قوله: (فشدة عذاب) وقيل المراد بالويل واد في جهنم، يأكل الحجارة والحديد، قوتهم فيه الجيف. قوله: ﴿ مِن مَّشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾ يطلق المشهد على الشهادة وعلى الحضور، وهو المراد هنا، وسمي بذلك لشهادة الأعضاء عليهم بما كسبوا، قال تعالى:﴿ يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾[النور: ٢٤].
قوله: ﴿ أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ ﴾ هو فعل ماض جاء على صورة الأمر، ومعناه التعجب، وإعرابه: أسمع فعل ماض للتعجب، والباء زائدة، والضمير فاعله، وأبصر مثله، وحذف بهم من الثاني لدلالة الأول عليه، وليس المراد التعجب من المتكلم وهو الله لاستحالته عليه، بل المراد التعجيب، وهو حمل المخاطب على التعجب، أي اعجبوا يا عبادي، من شدة سمعهم وبصرهم في ذلك اليوم. قوله: (من إقامة الظاهر مقام المضمر) أي أشار إلى أن من اتصف بصفاتهم يسمى ظالماً. قوله: ﴿ فِي ضَلاَلٍ ﴾ أي خطأ وعدم اهتداء للحق. قوله: (به صموا) أي بسبب الضلال حصل لهم الصمم الخ في الدنيا، فالعجب منهم في الحالتين، شدة الإسماع والإبصار في الآخرة؛ وضدهما في الدنيا. قوله: (يوم القيامة) أي وله أسماء كثيرة منها: يوم الدين، ويوم الجزاء، ويوم الحساب، والحاقة، والقارعة، واليوم الموعود، وغير ذلك. قوله: (يتحسر فيه المسيء) الخ، أي والمحسن على ترك الزيادة في الإحسان، كما في الحديث. قوله: ﴿ إِذْ قُضِيَ ٱلأَمْرُ ﴾ أي حكم وأمضى، وذلك أنه ورد: إذا استقر أهل الجنة في الجنة، وأهل النار في النار، يؤتى بالموت في صورة كبش، فيذبح بين الجنة والنار، وينادي المنادي: يا أهل الجنة خلود بلا موت، ويا أهل النار خلود بلا موت، فعند ذلك يزداد أهل النار حسرة على حسرتهم، وأهل الجنة فرحاً على فرحهم. قول: ﴿ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ ﴾ الجملة الحالية، وكذا قوله: ﴿ وَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ﴾ وهذا الإنذار لكل مكلف، وإنما خصه المفسر بأهل مكة لأنهم سبب نزولها، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. قوله: (بإهلاكهم) أي فلا يبقى حي سوى الله تعالى لما ورد: أن الله تعالى ينادي بعد انقراض الدنيا بأهلها: لمن الملك اليوم؟ فيجب نفسه بقوله: لله الواحد القهار. قوله: ﴿ وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ ﴾ أي يردون فيجازى كل أحد بما قدمه من خير وشر.
قوله: ﴿ وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ ﴾ يحتمل أن معطوف على قوله:﴿ وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ ٱلْحَسْرَةِ ﴾[مريم: ٣٩] والمعنى واذكر لأهل مكة قصة إبراهيم، لعلهم يعتبرون فيؤمنوا، ويحتمل أنه معطوف على قوله:﴿ وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ مَرْيَمَ ﴾[مريم: ١٦] عطف قصة على قصة، وهو الأقرب. قوله: (مبالغاً في الصدق) أي في أقواله وأفعاله وأحواله. قوله: ﴿ نَّبِيّاً ﴾ وصف خاص، لأن كل نبي صديق ولا عكس، وبين الولاية والصديقية عموم وخصوص مطلق أيضاً، فكل صديق ولي ولا عكس، لأن الصديقية مرتبة تحت مرتبة النبوة. قوله: (ويبدل منه) أي بدل اشتمال، وحينئذ فقوله: ﴿ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيّاً ﴾ معترض بين البدل والمبدل منه. قوله: ﴿ لأَبِيهِ ﴾ قيل حقيقة، وهو ما مشى عليه السيوطي في سورة الأنعام تبعاً للمفسر هنا، ولا يضر كفر أصول الأنبياء، فإن الله يخرج الجي من الميت، ولا ينافيه قوله: صلى الله عليه وسلم:" ما زلت أنتقل من الأصلاب الطاهرة إلى الأرحام الفاخرة "لأن المعنى الطاهرة من سفاح الجاهلية، وإن كانوا كفاراً، أو يقال إن آزر لم يتحقق كفره إلا بعد بعثة إبراهيم، وحينئذٍ فقد انتقل منه النور المحمدي إلت ولده، وهو في حالة الفترة، وقيل هو عمه، واسم أبيه تاريخ، وسمي أباً على عادة الأكابر، من تسمية العم أباً، وعليه فلا يرد الحديث المتقدم، وهما قولان للمفسرين. قوله: (التاء عوض عن ياء الإضافة) أي فأصله أبي، فيقال في إعرابه: يا حرف نداء، وأب منادى منصوب بفتحة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم، منع من ظهورها اشتغال المحل بالحركة المناسبة، والتاء عوض عن الباء. قوله: (ولا يجمع بينهما) أي فلا يقال يا أبتي، لأن فيه الجمع بين العوض والمعوض، ويقال يا أبتا، لأن الألف عوض عن الياء أيضاً، ففيه جمع بين عوضين. قوله: ﴿ لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ ﴾ أي لأي سبب تعبد ما لاسمع فيه لا بصر. قوله: (أو ضر) أي أو دفع ضر. قوله: ﴿ مِنَ ٱلْعِلْمِ ﴾ أي العلم بالتوحيد والشرع. قوله: ﴿ فَٱتَّبِعْنِيۤ ﴾ أي امتثل أمري فيما آمرك به. قوله: (مستقيماً) أي لا اعوجاج فيه. قوله: (بطاعتك إياه) أي فالمراد بعبادته امتثال أمره في عبادة الأصنام، حيث حسنها له بوسوسته. قوله: ﴿ عَصِيّاً ﴾ أي وطاعة العاصي عصيان.
قوله: ﴿ إِنِّيۤ أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ ﴾ أي في المستقبل إن لم ترجع، وإنما عبر بالخوف، لأنه لم يكن قاطعاً بموته على الكفر، بل كان مترجياً إيمانه، وقيل المراد بالخوف العلم والأقرب الأول، لأنه لو علم عدم هدايته ما خاطبته بهذا الخطاب اللطيف. قوله: (ناصراً وقريناً) المناسب الاقتصار على تفسيره بالقرين، لأنه بعد الدخول في العذاب، لا يتأتى معاونة ولا مناصرة. قوله: ﴿ أَرَاغِبٌ ﴾ مبتدأ و ﴿ أَنتَ ﴾ فاعل سد مسد الخبر، وسوغه اعتماده على الاستفهام، وهو أولى من جعله خبراً مقدماً، و ﴿ أَنتَ ﴾ مبتدأ مؤخر لأنه يلزم عليه الفصل بين العامل وهو ﴿ أَرَاغِبٌ ﴾ والمعمول وهو ﴿ عَنْ آلِهَتِي ﴾ بأجنبي وهو أنت، لأن المبتدأ غير المعمول للخبر. قوله: ﴿ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ ﴾ الخ قابل التعطف واللطافة في الخطاب بالفظاظة والغلظة، فناداه باسمه وصدر كلامه الإنكار وهدده بقوله: ﴿ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ ﴾.
وكل إناء بالذي فيه ينضح. قوله: (بالحجارة) أي حتى تموت أو تخلي سبيلي. قوله: (أو الكلام القبيح) أي الشتم والذم. قوله: (فاحذرني) قدره إشارة إلى أن قوله.
﴿ وَٱهْجُرْنِي ﴾ معطوف على محذوف ليحصل التناسب بين المعطوف والمعطوف عليه، فإن جملة ﴿ ٱهْجُرْنِي ﴾ إنشائية، وجملة ﴿ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ ﴾ الخ خبرية، ولا يصح عطف الإنشاء على الخبر. قوله: ﴿ مَلِيّاً ﴾ إما منصوب على الظرفية، وإليه يشير المفسر بقوله: (دهراً طويلاً) أو على الحال من فاعل اهجرني، أي اعتزلني سالماً لا يصيبك مني مضرة. قوله: (أي لا أصيبك بمكروه) أي فهو سلام متاركة ومقاطعة. قوله: ﴿ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّيۤ ﴾ أي أطلب غفرانه لك، المترتب على هدايتك وإسلامك. قوله: ﴿ حَفِيّاً ﴾ أي مبالغاً في إكرامي، واللطف بي، والاعتناء بشأني، ويطلق الخفي على المستقصي في السؤال، ومنه قوله تعالى:﴿ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا ﴾[الأعراف: ١٨٧].
قوله: (وهذا قبل أن يتبين له أنه عدو لله) هذا جواب عما يقال: كيف يجوز الاستغفار للكفار؟ فأجاب: بأنه استغفر له قبل علمه أنه عدو لله، فلما علم ذلك تبرأ منه، وبهذا تعلم أنه يجوز الدعاء بالمغفرة للكافر، إن قصد بها هدايته وإسلامه، فإن قطع بكفره فلا يجوز. قوله: ﴿ وَأَعْتَزِلُكُمْ ﴾ أي ارتحل من أرضكم وبلادكم، وقد فعل ذلك. قوله: (بأن ذهب) أي من باب العراق إلى الأرض المقدسة. قوله: (يأنس بهما) استفيد منه أنه رأى يعقوب وهو كذلك، لما تقدم أنه بشر بإسحاق، ومن وراء إسحاق يعقوب، وقد عاش إبراهيم مائة وخمساً وسبعين سنة، وبينه وبين آدم ألفا سنة، وبينه وبين نوح ألف سنة.
قوله: ﴿ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ﴾ خصهما لأنه سيذكر إسماعيل بمزايا تخصه. قوله: (للثلاثة) أي إبراهيم وولديه. قوله: (المال والولد) أي فبسط لهم الدنيا، ووسع لهم الأرزاق، وأكثر لهم الأولاد، فجميع الأنبياء الذين جاؤوا بعده من ذريته. قوله: (في جميع أهل الأديان) أي فكل أهل دين، يترضون عن إبراهيم وإسحاق ويعقوب، ويذكرونهم بخير إلى يوم القيامة. قوله: ﴿ وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ مُوسَىٰ ﴾ معطوف على قوله:﴿ وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ مَرْيَمَ ﴾[مريم: ١٦] عطف قصة على قصة. والحاصل: أن الله تعالى ذكر في هذه السورة أسماء عشرة من الأنبياء: زكريا ويحيى وعيسى وإبراهيم وإسحاق ويعقوب وإسماعيل وموسى وهارون وإدريس. وذكر لكل أوصافاً ومناقب يجب الإيمان بها، تنبيهاً على عظيم شأنهم، وتعليماً للأمة المحمدية ليقتدوا بهم، وكذا يقال في جميع قصص الأنبياء المذكورة في القرآن. قوله: (بكسر اللام وفتحها) أي فهما قراءتان سبعيتان. قوله:(من أخلص في عبادته) أي لم يلتفت لغير مولاه، وهذا راجع لقراءة الكسر. قوله: (وخلصه الله) أي صفاه وبقاه، وهو راجع لقراءة الفتح، فيكون لفاً ونشراً مرتباً، فموسى عليه السلام صفاه مولاه، واختاره لخدمته ومحبته، فتسبب عن ذلك إخلاصه في عبادته. قوله: ﴿ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً ﴾ أي ثبت واستقر أزلاً في علمنا نبوته ورسالته، وإلا فرسالته في الخارج حين المناداة. قوله: (بقوله يا موسى) أي في سورة القصص في قوله تعالى:﴿ فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى ٱلأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ ﴾[القصص: ٢٩] الآيات. قوله: (اسم جبل) هو معروف بين مدين ومصر. قوله: (يلي يمين موسى) هذا صريح في أن المراد به الطور الذي عند بيت المقدس، لا الطور الذي عند السويس، لأنه على يسار المتوجه من مدين إلى مصر، كما هو مشاهد، والأيمن صفة للجانب، بدليل تبعيته له في الإعراب في قوله تعالى:﴿ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ ٱلطُّورِ ٱلأَيْمَنَ ﴾[طه: ٨٠] والمعنى أنه سمع النداء في ذلك المكان، بجميع أجزائه من كل جهة. قوله: ﴿ وَقَرَّبْنَاهُ ﴾ أي تقريب شرف ومكانة لا مكان. قوله: (من كل جهة) أي جارحة قوله: (بدل أو عطف بيان) أي و ﴿ أَخَاهُ ﴾ مفعول به، وقوله: ﴿ مِن رَّحْمَتِنَآ ﴾ أي من أجل رحمتنا. قوله: (هي المقصود بالهبة) جواب عما يقال: ما معنى هبته له مع كونه أسن منه، والموهوب يكون متأخراً عن الموهوب له؟ فأجاب: بأن المراد نبياً بعينه ويشد عضده. قوله: (إجابة لسؤاله) تعليل لقوله: ﴿ وَهَبْنَا ﴾ حي قال:﴿ وَٱجْعَل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي ﴾[طه: ٢٩].
قوله: (وكان أسن منه) أي بسنة، وقيل بأربع سنين.
قوله: ﴿ إِسْمَاعِيلَ ﴾ أي ابن إبراهيم، وكان من هاجر جارية سارة التي وهبتها له، فلما ولدت له إسماعيل نقلها إلى الحجز قبل بناء البيت، فتربى إسماعيل بين جرهم عرب من اليمن فزوجوه، فلما كبر أرسله الله إليهم، كما قال المفسر، ثم تناسلت منه العرب الذين منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكفاه بهذا فخراً، ولما كان أعظم مزية من أولاد إبراهيم، أفرده بالذكر والثناء. قوله: ﴿ صَادِقَ ٱلْوَعْدِ ﴾ خص بهذا الوصف، وإن كان موجوداً في غيره من الأنبياء، لأنه المشهور بين خصاله. قوله: (وانتظر من وعده) أي شخصاً وعده إسماعيل، وكان عليه إبراز الضمير، لأن الصلة جرت على غير من هي له، والمعنى إن إسماعيل وعد شخصاً أن ينتظره في مكان ليذهب الرجل ويأتي له. فمكث ثلاثة أيام أو حولاً. قوله: ﴿ وَكَانَ رَسُولاً ﴾ أي بشريعة أبيه. قوله: (قلبت الواوان) الخ أي فوقعت الواو الثانية متطرفة، قلبت ياء فاجتمعت الواو والياء، وسبقت إحداهما بالسكون، قلبت الواو ياء وأدغمت في الياء، وهذا الوصف جامع لكل خير، لأن من كانت أفعاله مرضية لربه، ولا يصدر عنه إلا كل وبر وإحسان، ولا شك أن الأنبياء كذلك، لأن الله أعلم حيث يجعل رسالته. قوله: ﴿ إِدْرِيسَ ﴾ هذا لقبه، واسمه أخنوخ بن شيث بن آدم، ولقب بذلك لأنه أو من درس الكتب، لأن الله أنزل عليه ثلاثين صحيفة، قيل هي التي نزلت على أبيه وقيل غيرها، وهو أول من خط بالقلم، وخاط الثياب، واتخذ السلاح، وقاتل الكفار، ونظر في علم النجوم والحساب. قوله: (هو جد أبي نوح) أي لأن نوحاً بن لمك، بفتح اللام وسكون الميم، ابن متوشلخ بن إدريس. قوله: ﴿ وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً ﴾ اختلف المفسرون في المكان العلي، فقيل المراد به المكان المعنوي، وهو الرفعة وعلو المنزلة، وقيل المراد به المكان الحسي، وعليه فقيل هو السماء الرابعة، وقيل الجنة، واختلفوا في سبب رفعه، فقيل إنه كان يرفع لإدريس كل يوم من العبادة، مثل ما يرفع لجميع أهل الأرض في زمانه، فعجب منه الملائكة، واشتقاق إليه ملك الموت، فاستأذن ربه في زيارته فأذن له، فأتاه في صورة بني آدم، وكان إدريس يصوم الدهر، فلما كان وقت إفطاره، دعاه إلى طعامه، فأبى أن يأكل معه، ففعل ثلاث ليال، فأنكره إدريس وقال له في الليلة الثالثة: إني إريد أن أعلم من أنت؟ قال: أنا ملك الموت، استأذنت ربي أن أصحبك، فقال إدريس: لي إليك حاجة، قال: ما هي؟ قال: تقبض رومحي، فأوحى الله إليه أن أقبض روحه، فقبضها وردها إليه في ساعة، فقال له ملك الموت: ما الفائدة في سؤالك قبض الروح؟ قال: لأذوق الموت وغمته، فأكون أشد استعداداً، ثم قال له أدريس: إن لي إليك حاجة، قال: وما هي؟ قال ترفعني إلى السماء، لأنظر إليها وإلى الجنة والنار، فأذن الله له فرفعه، فلما قرب من النار قال: لي إليك حاجة، قال: وما تريد؟ قال: تسأل مالكاً حتى يفتح أبوابها ففعل، فقال له: كما أريتني النار فأرني الجنة، فذهب به إلى الجنة، فاستفتح أبوابها، فأدخله الجنة، ثم قال له ملك الموت: اخرج لتعود إلى مقرك، فتعلق بشجرة وقال: ما أخرج منها، فبع ثالله ملكاً حكماً بينهما، فقال له الملك: ما لك لا تخرج؟ قال: لأن الله تعالى قال:﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ ٱلْمَوْتِ ﴾[آل عمران: ١٨٥] وقد ذقته، وقال:﴿ وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا ﴾[مريم: ٧١] وقد وردتها، وقال:﴿ وَمَا هُمْ مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ ﴾[الحجر: ٤٨] ولست أخرج، فأوحى الله إلى ملك الموت، بإذني دخل الجنة، وبأمري لا يخرج منها، فهو حي هناك، وقيل سببه أنه نام ذات يوم، فاشتد عليه حر الشمس فقال: اللهم خفف عن ملك الشمس وأعنه، فإنه يمارس ناراً حامية فأصبح ملك الشمس، وقد نصب له كرسي من نور عنده سبعون ألف ملك عن يمينه، ومثلها عن يساره، يخدمونه ويتولون عمله من تحت حكمه، فقال ملك الشمس: يا رب، من أين لي هذا؟ قال: دعا لك رجل من بني آدم يقال له إدريس فقال: يا رب اجعل بيني وبينه خلة، فأذن له في ذلك، فصار يتردد على إدريس فقال له: إنك أكرم الملائكة عند ملك الموت، فاشفع لي عنده ليؤخر أجلي فأزداد عبادة وشكراً، فقال الملك: لا يؤخر الله نفساً إذا جاء أجلها، فرفعه في مكانه، ثم أتى ملك الموت فقال له: صديق من بني آدم، يتشفع بي إليك لتؤخر أجله، فقال: ليس ذلك إلي، ولكن إن أحببت أعلمته متى يموت فيقدم لنفسه، قال: نعم، فنظر في ديوانه فقال: إنك كلمتني في إنسان يموت الساعة عند مطلع الشمس، قال: إني أتيتك وتركته هناك، فانطلق فوجده قد مات ثم أحياه الله، فهو يرفع في الجنة تارة، ويعبد الله مع الملائكة في السماء الرابعة تارة أخرى، قال العلماء: أربعة من الأنبياء أحياء، اثنان في الأرض وهما الخضر وإلياس، واثنان في السماء وهما عيسى وإدريس.
قوله: ﴿ أُولَـٰئِكَ ﴾ اسم الإشارة عائد على الأنبياء المذكورين في هذه السورة وهم عشرة، أولهم زكرياً وآخرهم إدريس كما تقدم. قوله: (صفة له) أي لاسم الإشارة، أي أولئك الموصوفون بإنعام الله عليهم، وذلك أن الله لما وصف كلاً من الأنبياء بأوصاف تخصه أولاً، ذكر ثانياً لهم صفة تعمهم. قوله: (بيان لهم) أي للمنعم عليهم. قوله: (أي إدريس) تفسير للذرية، أي إن إدريس من ذرية آدم، لأنه تقدم أنه ابن شيث بن آدم. قوله: ﴿ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا ﴾ أي ومن ذرية من حملنا. قوله: (أي إبراهيم) تفسير لبعض ذرية من حمل مع نوح، لأن من حمل معه أولاده الثلاثة، وإبراهيم من ذرية أحدهم وهو سام، لكن بوسائط، فإن بين إبراهيم ونوح عشرة قرون. قوله: (وعيسى) أي فأولاد البنات من الذرية، والحاصل أن من ذرية آدم لصلبه إدريس، ومن ذرية نوح بوسائط إبراهيم ومن ذريته إسماعيل وإسحاق ويعقوب ومن ذرية يعقوب موسى وهارون ويحيى وعيسى. قوله: ﴿ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا ﴾ عطف على ﴿ مِن ذُرِّيَّةِ ءَادَمَ ﴾ زيادة في تمجيدهم. قوله: ﴿ خَرُّواْ سُجَّداً وَبُكِيّاً ﴾ أي أن الأنبياء إذا سمعوا آيات الله التي خصهم بها في الكتب المنزلة عليهم، سجدوا وبكوا خضوعاً وخشوعاً. قوله: (وباك) أي على غير قياس، وقياسه بكاة كقاض وقضاة. قوله: (فكونوا مثلهم) أي في السجود والخشوع والخضوع والبكاء عند تلاوة القرآن كما في الحديث:" اتلوا القرآن وابكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا ". قوله: ﴿ فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ ﴾ أي وجد من بعد النبيين. قوله: ﴿ خَلْفٌ ﴾ هو بالسكون في الشر، وبالفتح في الخير، يقال خلف سوء وخلف صدق. قوله: (هو واد في جهنم) أي تستعيذ من حره أوديتها. قوله: ﴿ إِلاَّ مَن تَابَ ﴾ قدر المفسر لكن إشارة إلى أن الاستثناء منقطع، لأن المستثنى المؤمنون والمستثنى منه الكفار. قوله: (بدل من الجنة) قال بعضهم: إنه يدل كل من بعض، لأن الجنة بعض الجنات، ورد بأن أل في الجنة جنسية، فهو بدل كل من كل. قوله: (أي غائبين عنها) أي غير مشاهدين لها، لأن الوعد حاصل في الدنيا، ومن فيها لا يشاهد الجنة. قوله: (أي موعوده) أي الذي وعد به من الجنة وغيرها له. قوله: (بمعنى آتياً) أي فاسم المفعول بمعنى اسم الفاعل. قوله: (أو موعوده) الخ أشار لتفسير آخر، وعليه فاسم المفعول باق على ما هو عليه، وحينئذ فيكون المراد بالموعود خصوص الجنة. قوله: ﴿ لَغْواً ﴾ هو الكلام الزائد المستغنى عنه. قوله: (لكن يسمعون) ﴿ سَلاَماً ﴾ أشار بذلك إلى أن الاستثناء منقطع، لأن السلام ليس من جنس اللغو. قوله: (وليس في الجنة نهار ولا ليل) وإنما يعرفون الليل، بارخاء الحجب وغلق الأبواب، والنهار بفتحها ورفع الحجب كما روي، وليس معرفة الليل للاستراحة فيه والنوم، إذ لا نوم ولا تعب فيها، بل ذلك على عادة الملوك في الدنيا، من تهيئة تحف في الصباح والمساء ليتم نظامهم. قوله: ﴿ تِلْكَ ٱلْجَنَّةُ ﴾ إسم الإشارة عائد على الجنة في قوله: ﴿ فَأُوْلَـٰئِكَ يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ شَيْئاً ﴾ وأتى باسم الإشارة البعيد، إشارة لعلو رتبتها ورفيع منزلتها. قوله: ﴿ نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا ﴾ عبر بالميراث إشارة إلى أنهم يعطونها عطاء لا يرد ولا يبطل، كالميراث. قوله: ﴿ مَن كَانَ تَقِيّاً ﴾ أي سعيداً، وهو من مات على كلمة الإخلاص، ولو مصراً على الكبائر فمآله للجنة، وإن أدخل النار وعذب فيها بقدر جرمه، لأن الجنة جعلت مسكناً للموحدين، والنار جعلت مسكناً للمشركين، ويشهد لهذا المعنى قوله تعالى في سورة فاطر:﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا ٱلْكِتَابَ ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ ﴾[فاطر: ٣٢] إلى أن قال:﴿ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا ﴾[فاطر: ٣٣].
وقوله صلى الله عليه وسلم:" من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة، وإن زنى وإن سرق وإن شرب الخمر "ولكن الجنة مراتب ودرجات، على حسب التفاوت في الأعمال الصالحة. قوله: (بطاعته) أي ولا بمجرد الإسلام. قوله: (ونزل لما تأخر الوحي) أي حين سأله اليهود، عن الروح وأصحاب الكهف وذي القرنين، فقال: أخبركم غداً، ولم يقل إن شاء الله، فتأخر الوحي حتى شق على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم نزل بعد أربعين يوماً، وقيل خمسة عشر، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبطأت علي حتى ساءني واشتقت إليك، فقال جبريل: إني كنت أشوق، ولكني عبد مأمور، إذا بعثت نزلت، وإذا حبست احتبست. قوله: (أكثر مما تزورنا) هذا عتاب من رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل، كأنه قال له: إن شوقي إليك في ازدياد، فكان الرجاء فيك الزيارة لا الهجر.
قوله: ﴿ وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ ﴾ هذا على لسان جبريل، أمره الله تعالى بذلك اعتذاراً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وجواباً لسؤاله المذكور، والتنزل النزول شيئاً فشيئاً. قوله: (من أمور الآخرة) بيان لما، ويصح أن تمهل. قوله: ﴿ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا ﴾ على ما يأتي، وقوله: ﴿ وَمَا خَلْفَنَا ﴾ على ما سبق، وقوله: ﴿ وَمَا بَيْنَ ذٰلِكَ ﴾ على الحالة الراهنة. قوله: (له علم ذلك جميعه) أي تفصيلاً، وأما علم بعضه إجمالاً، فيكون لبعض الحوادث، كالأنبياء والأولياء، بإلهام من الله تعالى، ومع ذلك فيكتمونه، ولا يفشون منه إلا ما أذن لهم فيه، إذا علمت ذلك، فالتشدق بالتجري على المغيبات من الضلال المبين؛ لأنه لو استند لقواعد فهي كاذبة، ولو صادفت الحق بمصداق قوله صلى الله عليه وسلم:" كذب المنجمون ولو صدقوا "وإن استند لكشف، فصاحبه لا يطلع إلا على بعض جزئيات، ومع ذلك هو مأمور بكتمها، لأن الله قال لنبيه على لسان جبريل: ﴿ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذٰلِكَ ﴾ فكيف بغيره من آحاد الخق. قوله: (أي تاركاً لك) إي إن عدم التنزل لحكمة يعلمها الله لا تركاً لك وهجراناً، وهذه الآية بمعنى قوله تعالى:﴿ مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ ﴾[الضحى: ٣].
قوله: (هو) قدره إشارة إلى أن رب خبر لمحذوف. قوله: ﴿ فَٱعْبُدْهُ ﴾ أي دم على عبادته، ولا تحزن بإبطاء الوحي واستهزاء الكفر. قوله: (أي مسمى بذلك) أي بفلظ الجلالة وبرب السماوات والأرض، وقيل معنى سيما مثلاً يستحق أن يسمى إلهاً واحداً يسمى بالله. فإن المشركين وإن سموا الصنم إلهاً، لم يسموه الله قط، لظهور أحديته وأنه ﴿ رَّبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ﴾ قال تعالى:﴿ وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ ﴾[الزخرف: ٨٧].
وقد ورد أن امرأة سمت ولدها الله، فنزلت عليه نار فأحرقته. قوله: (المنكر للبعث) أشار بذلك إلى أن المراد بالإنسان، خصوص الكافر المنكر للبعث. قوله: (أو الوليد) أو لتنويع الخلاف في المارد بالإنسان الذي قال تلك المقالة، وفي الحقيقة كل من الشخصين قد قالها.
قوله: ﴿ أَءِذَا ﴾ منصوبة بقوله: ﴿ أُخْرَجُ حَيّاً ﴾ ولا يقال إن ما بعد اللام لا يعمل فيما قبلها، لأن ذلك في لام الابتداء، وأما هذه فهي زائدة كما قال المفسر. قوله: (وإدخال ألف بينها) أي الثانية، وقوله: (وبين الأخرى) أي الأولى، وكان المناسب أن يقول وتركه، فتكون القراءات أربعاً، وهي سبيعات. قوله: ﴿ أَوَلاَ يَذْكُرُ ﴾ الاستفهام للتوبيخ. قوله: (وفي قراءة) أي وهي سبعية أيضاً. قوله: ﴿ مِن قَبْلُ ﴾ أي من بعثه. قوله: (فيستدل بالابتداء على الإعادة) أي لأنها أهون، قال تعالى:﴿ وَهُوَ ٱلَّذِي يَبْدَؤُاْ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ ﴾[الروم: ٢٧].
قوله: ﴿ فَوَرَبِّكَ ﴾ أضاف اسمه تعالى إليه صلى الله عليه وسلم تشريفاً وتعظيماً. قوله: ﴿ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيّاً ﴾ أي وهو الموقف. قوله: (وأصله جثووا) أي بواوين قلبت الثانية ياء لتطرفها، فاجتمعت مع الواو الساكنة، قلبت الواو ياء، وأدغمت في الياء. قوله: (أو جثوي) أي بياء بعد الواو، قلبت الواو ياء، وأدغمت في الياء، وعلى كل كسرت التاء لتصح الياء. قوله: ﴿ ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ ﴾ أي من كل أمة. قوله: ﴿ أَيُّهُمْ ﴾ موصولة بمعنى الذي، بنيت على الضم لإضافتها، وحذف صدر صلتها، وقوله: ﴿ أَشَدُّ ﴾ خبر لمحذوف، والجملة صلتها، وهي وصلتها في محل نصب مفعول ﴿ لَنَنزِعَنَّ ﴾، و ﴿ عِتِيّاً ﴾ تمييز محول عن المبتدأ المحذوف، أي عتوة أشد. والمعنى أنه يميز طوائف الكفار، فيطرح الأعتى فالأعتى على الترتيب، لأن عذاب الضال المضل، يكون فوق عذاب من يضل تعباً لغيره، وليس عذاب من يتمرد ويتجبر، كعذاب المقلد. قوله: ﴿ صِلِيّاً ﴾ بضم الصاد وكسرها، قراءتان سبعيتان، جمع صال، كجثياً جمع جاث. قوله: (فنبدأ بهم) أي بالذين هم أولى بها. قوله: (من صلي بكسر اللام) أي كرضي، وقوله: (وفتحها) أي كرمى.
قوله: ﴿ وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا ﴾ أي مسلماً أو كافراً. والحاصل أنه اختلف المفسرون في المراد بالورود، فقيل الدخول، وقيل الحضور معها في الموقف، والذي عول عليه الأشياخ، أن المراد به المرور على الصراط، وهو على ظهرها أحد من السيف، وأرق من الشعرة، ويتسع للمؤمن بقدر عمله، ومن هنا تقول النار للمؤمن: جز يا مؤمن، فقد أطفأ نورك لهبي، وهم في المرور مختلفون، لما في الحديث:" يرد الناس النار ثم يصدون عنها بأعمالهم، فأولهم كلمح البصر، ثم الريح، ثم كعدو الفرس، ثم كالراكب المجد، ثم كشد الرجل في مشيه ". قوله: (أي داخل جهنم) أي وتكون على المؤمنين، ولو ماتوا عصاة، غير من تحقق فيهم الوعيد برداً وسلاماً لدخولهم فيها وهي خامدة، فلا يشعرون بها. قوله: ﴿ كَانَ ﴾ أي الورود. قوله: ﴿ حَتْماً مَّقْضِيّاً ﴾ أي بمقضتى حكمته لا بإيجاب عليه. قوله: ﴿ ثُمَّ نُنَجِّي ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ ﴾ أي نخرجهم منها من غير أن يمسهم عذابها، وهم من لم ينفذ فيهم الوعيد، أو بعد العذاب، وهم من نفذ فيهم الوعيد. قوله: ﴿ وَّنَذَرُ ٱلظَّالِمِينَ ﴾ أي نتركهم فيها على سبيل الخلود، وقوله: ﴿ جِثِيّاً ﴾ حال من الظالمين. قوله: ﴿ وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ ﴾ الخ، أي حين نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم آيات القرآن، وتلاها على المؤمنين والكافرين، وعجزوا عن معارضتها، أخذ أغنياء الكفار في الافتخار على فقراء المؤمنين، بما لهم من حظوظ الدنيا، حيث قالوا لهم: انظروا إلى منازلنا، فتروها أحسن من منازلكم، وإلى مجالسنا، فتروها أحسن من مجالسكم، نجلس في صدر المجلس، وتجلسون في طرفه الحقير، فإذا كان ذلك لنا في الدنيا، فنحن عند الله خير منكم، ولو كنتم على خير لأكرمكم كما أكرمنا، وقصدهم بذلك فتنة فقراء المدينة بزينة الدنيا، قال تعالى:﴿ وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ ﴾[الزخرف: ٣٥].
قوله: ﴿ قَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾ أي أغنياؤهم. قوله: ﴿ لِلَّذِينَ آمَنُوۤ ﴾ أي الفقراء منهم. قوله: (نحن وأنتم) بيان للفريقين. قوله: (بالفتح والضم) أي فهما قراءتان سبعيتان، فالفتح على أنه من قام ثلاثياً، والضم على أنه من أقام رباعياً، وكان يحتمل أن يكون اسم مكان، أو اسم مصدر. قوله: (قال تعالى) أي رداً عليهم. قوله: ﴿ هُمْ أَحْسَنُ ﴾ مبتدأ وخبر، والجملة صفة لقرن و ﴿ أَثَاثاً وَرِءْياً ﴾ تمييز. قوله: ﴿ وَرِءْياً ﴾ أي مرئياً كالذبح بمعنى المذبوح، وقوله: (منظراً) أي هيئة وصورة. قوله: ﴿ قُلْ ﴾ أي للكفار المفتخرين على فقراء المؤمنين. قوله: ﴿ فِي ٱلضَّلَـٰلَةِ ﴾ أي الكفر والغفلة عن عواقب الأمور. قوله: (بمعنى الخبر) أي وأتى به على صورة الأمر، إعلاماً بأنه يحصل ولا بد بمقتضى حكمته، كما أنه ألزم نفسه بذلك. قوله: (أي يمد) ﴿ لَهُ ٱلرَّحْمَـٰنُ ﴾ إنما ذكر الرحمن إشارة إلى أن رحمته سبقت غضبه. قوله: (يستدرجه) أي يطيل عمره ويكثر ماله، ويمكنه من التصرف فيه. قوله: ﴿ حَتَّىٰ إِذَا رَأَوْاْ مَا يُوعَدُونَ ﴾ غاية في قوله: ﴿ فَلْيَمْدُدْ لَهُ ٱلرَّحْمَـٰنُ ﴾.
قوله: ﴿ وَإِمَّا ٱلسَّاعَةَ ﴾ إما حرف تفصيل، وهي مانعة خلو تجوز الجمع والعذاب والساعة بدلان من ما، والمعنى يستمرون في الطغيان، إلى أن يعلموا إذا رأوا العذاب أو الساعة من هو شر مكاناً وأضعف جنداً. قوله: ﴿ فَسَيَعْلَمُونَ ﴾ جواب ﴿ إِذَا ﴾، وقوله: ﴿ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَاناً ﴾ راجع لقوله: ﴿ خَيْرٌ مَّقَاماً ﴾، وقوله: ﴿ وَأَضْعَفُ جُنداً ﴾ راجع لقوله: ﴿ وَأَحْسَنُ نَدِيّاً ﴾ على طريف اللف والنشر المرتب. قوله: (أهم أم المؤمنون) أشار بذلك إلى أن من استفهامية، ويصح كونها موصولة مفعول يعلمون. قوله: (عليهم) متعلق بجنداً، لتضيمنه، معنى المعاونين، وذلك كما وقع لهم في بدر، فالكفار كان جندهم إبليس وأعوانه، جاءوا إليهم ليعينوهم ثم انخذلوا عنهم، والمؤمنون كان جندهم الملائكة التي قاتلت معهم، كما تقدم في الأنفال وآل عمران. قوله: ﴿ وَيَزِيدُ ٱللَّهُ ﴾ هذه الجملة مستأنفة أو معطوفة على جملة الشرط المحكية بالقول، وكأنه قال: قل لهم من كان في الضلالة، الخ، وقل لهم يزيد الله الذين اهتدوا، الخ. قوله: (بما ينزل عليهم من الآيات) أي فكلما نزلت عليهم آية من القرآن، ازدادوا بها هدى وإيماناً، قال تعالى:﴿ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ ءَايَٰتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَٰناً ﴾[الأنفال: ٢].
قوله: (هي الطاعة) تقدم أن هذا أحد تفاسير في الباقيات الصالحات، وهو الأحسن. قوله: ﴿ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ﴾ أي من زينة الدنيا التي يتنعم بها الكفار. قوله: (بخلاف أعمال الكفار) أي فإنها شر مرداً، لكونهم يردون إلى جهنم، فتحصل أن الأعمال كلها باقية لأصحابها، فالمؤمنون تبقى لهم الأعمال الصالحة، فيتنعمون بها في الجنة، والكفار تبقى لهم الأعمال السيئة، فيعذبون بها في النار، فالعاقل يختار لنفسه أي العملين يبقى له؟ قوله: (والخيرية) الخ، أي أفعل التفضيل، ذكر على سبيل المشاكلة للكلام السابق، فاندفع ما يقال: إن أعمال الكفار لا خير فيها أصلاً، فكيف تصح المفاضلة؟
قوله: ﴿ أَفَرَأَيْتَ ٱلَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا ﴾ الاستفهام تعجبي، أي تعجب يا محمد من مقالة هذا الكافر الشنيعة. قوله: (العاص بن وائل) هو أبو سيدنا عمرو، الذي فتح مصر في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، وهو والد عبد الله أحد العبادلة المشهورة، قوله: (الخباب بن الأرث) هو بدري من فقراء الصحابة، وذلك أن خباباً كان صائغاً، فصاغ العاصي حلياً، ثم طالبه بأجرته فقال له: لن أقضيك حتى تكفر بمحمد، فقال خباب: لن أكفر به حتى تموت ثم تبعث، قال: وإني لمبعوث من بعد الموت، فسوف أعطيك إذا رجعت إلى مال وولد. قوله: (واستغنى بهمزة الاستفهام) الخ، أي فأصله أأطلع، حذفت همزة الوصل تخفيفاً. قوله: ﴿ كَلاَّ ﴾ ذكر النحويون في هذه اللفظة ستة مذاهب أحسنها أنها حرف ردع وزجر، والثاني أنها حرف تصديق بمعنى نعم، الثالث بمعنى أنها حق، الرابع أنها رد لما قبلها، الخامس أنها صلة في الكلام بمعنى أي، السادس أنها حرف استفتاح، وذكرت في القرآن في ثلاثة وثلاثين موضعاً، وكلها في النصف الثاني منه، في خمس عشرة سورة، كلها مكية، ترجع إلى ثلاثة أقسام: قسم يجوز الوقف عليها وعلى ما قبلها فيبتدأ بها، وذلك في خمسة مواضع، اللتان في هذه السورة، واللتان في الشعراء، وواحدة في سبأ. وقسم اختلف فيه، هل يجوز الوقف عليها، أو يتعين على ما قبلها؟ وذلك في تسعة مواضع: واحدة في المؤمنون، واثنتان في سأل سائل، والأولى والثالثة في المدثر، والأولى في سورة القيامة، والثانية في سورة ويل للمطففين، والأولى في سورة الفجر، والتي في سورة ويل لكل. وقسم لا يجوز الوقف عليها باتفاق، وهو التسع عشرة الباقية. قوله: ﴿ سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ ﴾ أي نظهره له ونعلمه أنا كتبناه، فاندفع ما يقال: إن الكتابة لا تتأخر عن القول، قال تعالى:﴿ مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾[ق: ١٨].
قوله: (نزيد بذلك عذاباً) الخ، أي لما تقدم أن كل من كان أشد كفراً، كان أعظم عذاباً. قوله: ﴿ وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ ﴾ أي نسلبه ونأخذه منه، بأن يخرج من الدنيا خالياً من ذلك. قوله: ﴿ فَرْداً ﴾ أي منقطعاً من ماله وولده بالكلية، فلا يلقى مالاً ولا ولداً أصلاً لا في البعث، ولا في النار، لانقطاع الأسباب بينهم وبين أولادهم، بل وبين ما يشتهون، كما قال تعالى:﴿ وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ ﴾[سبأ: ٥٤] وأما المؤمنون وإن كانوا يبعثون فرداً، إلا أنهم يلاقون أحبابهم وأولادهم وما يشتهونه.
قوله: ﴿ وَٱتَّخَذُواْ ﴾ حكاية عما وقع للكفار عموماً. قوله: (الأوثان) هو مفعول أول و ﴿ آلِهَةً ﴾ مفعول ثان. قوله: ﴿ سَيَكْفُرُونَ ﴾ الخ في معنى التعليل. قوله: ﴿ ضِدّاً ﴾ أي أضداداً، وإنما أفرده، إما لكونه مصدراً في الأصل، أو لأنه مفرد في معنى الجمع. قوله: ﴿ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ ﴾ أي وأما المؤمنون فليس للشياطين عليهم سبيل، قال تعالى:﴿ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ ﴾[الحجر: ٤٢].
قوله: (تهيجهم إلى المعاصي) أي تغريهم بتزيين الشهوات لهم. قوله: ﴿ أَزّاً ﴾ مفعول مطلق لتؤزهم، والأز يطلق على الغليان، وعلى الحركة الشديدة، وعلى التهيج والإزعاج وهو المراد هنا. قوله: ﴿ فَلاَ تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ ﴾ أي لتستريح أنت والمؤمنون من شرهم، وتطهر الأرض من فسادهم، لأن لهم أياماً محصورة وأنفاساً معدودة، يعيشونها ثم يردون إلى عذاب. قوله: ﴿ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدّاً ﴾ أي نضبط ما يقع منهم، ولا نهمل منه شيئاً ليؤاخذوا به. قوله: (أو الأنفاس) تفسير ثاني قوله:(إلى وقت عذابهم) أي وهو موتهم، لأن بموتهم تصير قبورهم حفرة من حفر النار، فيعذبون فيها إلى قيام الساعة، فيعذبون في النار. قوله: ﴿ يَوْمَ نَحْشُرُ ﴾ ظرف معمول لمحذوف، قدره المفسر بقوله: (اذكر) أي اذكر يا محمد لقومك هذا اليوم العظيم، فإنه يوم الفصل بين أهل الجنة وأهل النار. قوله: (بمعنى راكب) هذا المعنى ليس مأخوذاً من معنى الوفد لأن الوفد في اللغة الجماعة الذين يقدمون على الملوك للعطايا، من غير تقييد بركوب؛ بل هو مأخوذ من قرينة مدح المتقي، لما ورد" أنهم يحشرون ركباناً، على نجائب سرجها من ياقوت، وعلى نوق رحالها من ذهب، وأزِّمتها من زبرجد، واختلف في وقت ركوبهم، فقيل من أول خروجهم من القبور، وقيل من منصرفهم من الموقف، وعلى كل، فيستمرون راكبين حتى يقرعوا باب الجنة، وجمع بأنهم يركبون من أول خروجهم من القبور حتى يأتوا الموقف، ثم بعد انفضاض الموقف، يركبون حتى يدخلوا الجنة "وعن ابن عباس: من كان يحب ركوب الخيل، وفد إلى الله تعالى على خيل لا تروث ولا تبول، لجمها من الياقوت الأحمر، ومن الزبرجد الأخضر، ومن الدر الأبيض، وسرجها السندس والاستبرق، ومن كان يحب ركوب الإبل فعلى نجائب، لا تبعر ولا تبول، أزمتها من الياقوت والزبرجد، ومن كان يحب ركوب السفن، فعلى سفن من زبرجد وياقوت، قد أمنوا الغرق، وأمنوا الأهوال، وورد أيضاً: يحشر الناس يوم القيامة على ثلاث طرائق: راغبين وراهبين، واثنان على بعير، وثلاثة على بعير، وأربعة على بعير، وعشرة على بعير. قوله: (بكفرهم) أشار بذلك إلى أن المراد بالمجرمين الكفار قوله: ﴿ وِرْداً ﴾ أي مشاة عطاشاً، قد تقطعت أعناقهم من العطش، ومع ذلك يحملون أوزارهم على ظهورهم، لما ورد:" أن المؤمن إذا خرج من قبره، استقبله عمله في أحسن صورة وأطيب ريح، فيقول: هل تعرفني؟ فيقول: لا، فيقول: أنا عملك الصالح، طالما ركبتك واتبعتك في الدنيا، اركبني اليوم، وإن الكافر يستقبله عمله في أقبح صورة وأنتنها ريحاً، فيقول: هل تعرفني؟ فيقول: لا، فيقول: أنا عملك السيء، طالما ركبتني واتعبتني في الدنيا، وأنا اليوم أركبك "قال تعالى:﴿ وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَىٰ ظُهُورِهِمْ ﴾[الأنعام: ٣١].
قوله: ﴿ لاَّ يَمْلِكُونَ ﴾ أي الخلق عموماً، مؤمنهم وكافرهم، وقوله: ﴿ ٱلشَّفَاعَةَ ﴾ أي كونه يشفع لغيره أو يشفع غيره فيه. قوله: ﴿ إِلاَّ مَنِ ٱتَّخَذَ ﴾ مستثنى من العموم المتقدم وهو متصل. قوله: ﴿ عِندَ ٱلرَّحْمَـٰنِ ﴾ كرر لفظ الرحمن في هذه السور ست عشرة مرة، إشارة إلى أن رحمته غلبت غضبه. قوله: (أي شهادة أن لا إله إلا الله) أي مع عديلتها، وهي محمد رسول الله. قوله: (ولا حول ولا قوة إلا بالله) في رواية، والتبري من الحول والقوة لله وعدم رجاء غيره. قوله: (ومن زعم أن الملائكة بنات الله) أيه وهم مشركو العرب، وهذا رجوع لذكر قبائح الكفار، وإثر بيان عاقبتهم وعاقبة المؤمنين. قوله: (قال تعالى) أي تقريعاً وتوبيخاً. قوله: (منكراً عظيماً) أي فظيعاً شديداً.
قوله: ﴿ تَكَادُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ ﴾ الخ بيان لكون ذلك الشيء منكراً عظيماً. قوله: ﴿ يَتَفَطَّرْنَ ﴾ أي يتفتتن ويتقطعن. قوله: (وفي قراءة) أي وهي سبعية أيضاً، وظاهره أن القراءات أربع وليس كذلك، بل هي ثلاث فقط، لأن في قراءة التاء من تكاد وجهين: التاء والنون من يتفطرن، وفي قراءة الياء وجهاً واحداً وهو التاء من يتفطرن، والثلاث سبيعات. قوله: ﴿ وَتَنشَقُّ ٱلأَرْضُ ﴾ أي تنخسف بهم. قوله: (من أجل) ﴿ أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَداً ﴾ المعنى أن هذه المقالة منهم، موجبة للغضب عليهم، الذي ينشأ عنه نزول السماء قطعاً قطعاً عليهم، وخسف الأرض بهم، وسقوط الجبال عليهم، لولا حلمه وسبق رحمته، أو المعنى: أن هذه المقالة من عظمها وشناعتها تفزع منها السماوات والأرض والجبال، وتتمنى أنها لو أهلكت من تفوه بها، لولا رحمة الله. قوله: (قال تعالى) أي رداً عليهم. قوله: ﴿ وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَـٰنِ ﴾ أي لا يليق به ذلك ولا يتأتى، لاستحالته عليه عقلاً ونقلاً، لأن الولد علامة الضعف والحدوث. قوله: ﴿ لَّقَدْ أَحْصَاهُمْ ﴾ أي أحاط بهم علمه. قوله: ﴿ وَعَدَّهُمْ عَدّاً ﴾ أي عد أشخاصهم وأنفاسهم وأفعالهم، فلا يخفى عليه شيء من أمورهم. قوله: (مبلغ جميعهم) راجع لقوله: ﴿ وَعَدَّهُمْ ﴾ وقوله: (ولا واحد منهم) راجع لقوله: ﴿ أَحْصَاهُمْ ﴾ فكأنه قال: أحاط بهم علمه جمعاً وفرادى. قوله: ﴿ فَرْداً ﴾ أي منفرداً.
قوله: ﴿ سَيَجْعَلُ لَهُمُ ٱلرَّحْمَـٰنُ وُدّاً ﴾ أي في الدنيا والآخرة، والتنوين للتعظيم، أي وداً عظيماً، فكلما عظمت طاعاتهم، عظم ودهم لربهم ولأحبابه، وعبر بالرحمن لعظم تلك النعمة، فإن المحبة رأس الإيمان وأساسه، لما في الحديث:" ألا لا إيمان لمن لا محبة له، فمن أعطي المحبة لله ولأحبابه، فقد أعطي خير الدنيا والآخرة "ولأن المحبة حكمة إيجاد الخلق، لما في الحديث القدسي" فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق فبي عرفوني "وبالجملة فالمحبة أمرها عظيم، ولذا كان تنافس العارفين فيها، فكل من عظمت معرفته، ازداد محبة وشغفاً، وعبر بأداء الاستقبال، لأن المؤمنين كانوا بمكة في مبدأ الإسلام مفرقين، فوعد الله رسوله، بأن يؤلف بين قلوب المؤمنين، ويضع فيه المحبة، فهذه الآية نزلت في مبدأ الإسلام تسلية له صلى الله عليه وسلم، و ﴿ وُدّاً ﴾ بضم الواو للسبعة، وقرئ بفتحها وكسرها فهو مثلث. قوله: ﴿ فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ ﴾ أي أنزلناه ميسراً. قوله: (العربي) أي فالمراد باللسان باللغة العربية. قوله: (جمع ألد) أي شديد الخصومة. قوله: ﴿ وَكَمْ أَهْلَكْنَا ﴾ الخ، تخويف لهم وتسلية له صلى الله عليه وسلم. قوله: ﴿ هَلْ تُحِسُّ ﴾ بضم التاء وكسر الحاء من أحسن رباعياً، والاستفهام إنكاري، كما أشار له بقوله: (لا)، وقرئ شذوذاً بفتح التاء وضم الحاء أو كسرها. قوله: ﴿ مِنْهُمْ ﴾ حال من ﴿ أَحَدٍ ﴾ لأنه نعت نكرة قدم عليها. قوله: (صوتاً خفياً) أي والمعنى استأصلناهم بالهلاك جميعاً، حتى لا يرى منهم أحد، ولا يسمع له صوت خفي.
Icon