ﰡ
«١» قوله جل ذكره: «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ».
«بِسْمِ اللَّهِ» اسم عزيز لربّ عزيز، سماعه يحتاج إلى سمع عزيز، وذكره يحتاج إلى وقت عزيز، وفهمه يحتاج إلى قلب عزيز.
وأنّى لصاحب سمع بالغيبة مبتذل، ووقت معطّل في الخسائس مستغرق، وقلب فى الاشتغال بالأغيار مستعمل.. أنّى له أن يصلح لسماع هذا الاسم؟!.
قوله جل ذكره:
[سورة النازعات (٧٩) : الآيات ١ الى ١٢]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
وَالنَّازِعاتِ غَرْقاً (١) وَالنَّاشِطاتِ نَشْطاً (٢) وَالسَّابِحاتِ سَبْحاً (٣) فَالسَّابِقاتِ سَبْقاً (٤)فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً (٥) يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ (٦) تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ (٧) قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ واجِفَةٌ (٨) أَبْصارُها خاشِعَةٌ (٩)
يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ (١٠) أَإِذا كُنَّا عِظاماً نَخِرَةً (١١) قالُوا تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ (١٢)
أي الملائكة تنزع أرواح الكفّار من أبدانهم.
«غَرْقاً» : أي إغراقا كالمغرق في قوسه «٢».
ويقال: هى النجوم تنزع من مكان إلى مكان.
«وَالنَّاشِطاتِ نَشْطاً» هى أنفس المؤمنين تنشط للخروج عند الموت.
ويقال: هى الملائكة تنشط أرواح الكفّار، وتنزعها فيشتدّ عليهم خروجها.
ويقال: هى الوحوش تنشط من بلد إلى بلد.
ويقال: هى الأوهاق «٣».
(٢) إغراق النازع في القوس أن يبلغ مداها ويستوفى شدها.
(٣) هكذا في م وهي فى (ص الارهاق) بالراء وهي خطأ في النسخ، والأوهاق جمع وهق بحركتين وقد يسكن: الحبل تشد به الإبل والخيل حتى تؤخذ وفي طرفه أنشوطة. وأوهق الدابة أي طرح في عنقها الوهق، وعن عكرمة وعطاء: الأوهاق تنشط السهام.
«وَالسَّابِحاتِ سَبْحاً» الملائكة تسبح في نزولها.
ويقال: هى النجوم تسبح في أفلاكها.
ويقال: هى السفن في البحار.
ويقال: هى أرواح المؤمنين تخرج بسهولة لشوقها إلى الله.
«فَالسَّابِقاتِ سَبْقاً» الملائكة يسبقون إلى الخير والبركة، أو لأنها تسبق الشياطين عند نزول الوحى، أو لأنها تسبق بأرواح الكفار إلى النار.
ويقال: هى النجوم يسبق بعضها بعضا في الأفول.
«فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً» الملائكة تنزل بالحرام والحلال.
ويقال: جبريل بالوحى، وميكائيل بالقطر والنبات، وإسرافيل بالصّور، وملك الموت يقبض الأرواح.. عليهم السلام.
وجواب القسم قوله: «إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى» «١» قوله جل ذكره: «يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ» تتحرك الأرض حركة شديدة.
«تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ» النفخة الأولى في الصّور. وقيل: الراجفة النفخة الأولى والرادفة النفخة الثانية.
ويرى القرطبي: أنه قسم جوابه: إن القيامة حق. [.....]
«يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ» «١» أي إلى أول أمرنا وحالنا، يعنى أئذا متنا نبعث ونردّ إلى الدنيا (ونمشى على الأرض بأقدامنا) ؟. قالوه على جهة الاستبعاد.
«أَإِذا كُنَّا عِظاماً نَخِرَةً» أي بالية.
«تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ» رجعة ذات خسران (مادام المصير إلى النار).
قوله جل ذكره:
[سورة النازعات (٧٩) : الآيات ١٣ الى ١٩]
فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ (١٣) فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ (١٤) هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى (١٥) إِذْ ناداهُ رَبُّهُ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً (١٦) اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (١٧)
فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى (١٨) وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى (١٩)
«٢» جاء في التفسير إنها أرض المحشر، ويقال: إنها أرض بيضاء لم يعص الله فيها «٣» ويقال: الساهرة نفخة الصّور تذهب بنومهم وتسهرهم.
قوله جل ذكره: «هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى إِذْ ناداهُ رَبُّهُ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً» أي الأرض المطهرة المباركة. «طُوىً» اسم الوادي هناك.
«اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى».
(٢) سميت الأرض بالساهرة لأن فيها نوم الحيوان وسهره (الفراء)، وقال أبو كبير الهذلي:
يرتدن ساهرة كأن جميعها | وعميمها أسداف ليل مظلم |
وفي التفسير: لو قلت لا إله إلا الله فلك ملك لا يزول، وشبابك لا يهرم، وتعيش أربعمائة سنة في السرور والنعمة.. ثم لك الجنة في الآخرة.
«وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى» أقرّر لك بالآيات صحّة ما أقول، وأعرفك صحة الدين.. فهل لك ذلك؟ فلم يقبل.
ويقال: أظهر له كل هذا التلطّف ولكنه في خفيّ سرّه وواجب مكره به أنه صرف قلبه عن إرادة هذه الأشياء، وإيثار مراده على مراد ربّه، وألقى في قلبه الامتناع، وترك قبول النّصح.. وأيّ قلب يسمع هذا الخطاب فلا ينقطع لعذوبة هذا اللفظ؟ وأيّ كبد تعرف هذا فلا تتشقّق لصعوبة هذا المكر؟
قوله جل ذكره:
[سورة النازعات (٧٩) : الآيات ٢٠ الى ٢٤]
فَأَراهُ الْآيَةَ الْكُبْرى (٢٠) فَكَذَّبَ وَعَصى (٢١) ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعى (٢٢) فَحَشَرَ فَنادى (٢٣) فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى (٢٤)
جاء في التفسير: هى إخراج يده بيضاء لها شعاع كشعاع الشمس. فقال فرعون: حتى أشاور هامان «١»، فشاوره، فقال له هامان: أبعد ما كنت ربّا تكون مربوبا؟! وبعد ما كنت ملكا تكون مملوكا؟
فكذّب فرعون عند ذلك، وعصى، وجمع السّحرة، ونادى:
«فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى» ويقال: إنّ إبليس لمّا سمع هذا الخطاب فرّ وقال: لا أطيق هذا! ويقال قال: أنا ادّعيت الخيرية على آدم فلقيت ما لقيت.. وهذا يقول:
أنا ربّكم الأعلى.
قوله جل ذكره:
[سورة النازعات (٧٩) : الآيات ٢٦ الى ٤١]
إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى (٢٦) أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها (٢٧) رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها (٢٨) وَأَغْطَشَ لَيْلَها وَأَخْرَجَ ضُحاها (٢٩) وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها (٣٠)
أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاها (٣١) وَالْجِبالَ أَرْساها (٣٢) مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ (٣٣) فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرى (٣٤) يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ ما سَعى (٣٥)
وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرى (٣٦) فَأَمَّا مَنْ طَغى (٣٧) وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا (٣٨) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى (٣٩) وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى (٤٠)
فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى (٤١)
وثانيهما أن الصحبة السيئة قد تؤدى إلى هلاك الصاحب والمصحوب، وفي هذا تحذير لأرباب الطريق (راجع باب الصحبة في الرسالة ص ١٤٥).
قوله جل ذكره: «أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها وَأَغْطَشَ لَيْلَها وَأَخْرَجَ ضُحاها» «فَسَوَّاها» جعلها مستوية. «وَأَغْطَشَ لَيْلَها» أظلم ليلها. «ضُحاها» ضوؤها ونهارها.
«دَحاها» بسطها ومدّها.
«أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاها» أخرج من الأرض العيون المتفجرة بالماء، وأخرج النبات..
«وَالْجِبالَ أَرْساها» أثبتها أوتادا للأرض.
«مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ» أي أخرجنا النبات ليكون لكم به استمتاع، وكذلك لأنعامكم.
«فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرى» الداهية العظمى... وهي القيامة.
«يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ ما سَعى» وبرزت الجحيم لمن يرى، فأمّا من طغى وكفر وآثر الحياة الدنيا فإنّ الجحيم له المأوى والمستقرّ والمثوى.
«وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى» «مَقامَ رَبِّهِ» : وقوفه غدا في محل الحساب. ويقال: إقبال الله عليه وأنّه راء له.. وهذا عين المراقبة، والآخر محلّ المحاسبة.
قوله جل ذكره:
[سورة النازعات (٧٩) : الآيات ٤٢ الى ٤٦]
يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها (٤٢) فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها (٤٣) إِلى رَبِّكَ مُنْتَهاها (٤٤) إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها (٤٥) كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها (٤٦)
أي متى تقوم؟
«فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها» من أين لك علمها ولم نعلمك ذلك «١».
«إِلى رَبِّكَ مُنْتَهاها» أي إنما يعلم ذلك ربّك.
«إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها» أي تخوّف، فيقبل تخويفك من يخشاها ويؤمن.
«كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها» كأنهم يوم يرون القيامة لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها فلشدة ما يرون تقل عندهم كثرة ما لبثوا تحت الأرض.