تفسير سورة الشعراء

تفسير ابن عرفة - النسخة الكاملة
تفسير سورة سورة الشعراء من كتاب تفسير ابن عرفة المعروف بـتفسير ابن عرفة - النسخة الكاملة .
لمؤلفه ابن عرفة . المتوفي سنة 803 هـ

سُورَةُ الشُّعَرَاءِ
قوله تعالى: ﴿أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا... (١٨)﴾
قال ابن عرفة: إن قلت: ما وجه الربط بين هذه وبين قوله: (فِينَا)، قلت: أفاد الترتيب، تارة يكون للتعليم، وتارة يكون للاستخدام، فتربيته لنتخذه خديما فهذه نقمة، وتارة تكون نعمة، وهو أن يريه محبته وشفقته عليه، ولم يدخلها على ما بعد؛ لأنه يحنث عنه بالمخالفة، فإن قلت: ما أفاد قوله: (مِنْ عُمُرِكَ)، دلنا: لفظ العمر نعمة؛ لأنه مأخوذ من العمرى المذكورة في الفقه، فإنها هبة المنافع، وذلك نعمة، فإن قلت: هلا قال: ولبثت فينا من عمرك أعواما، فهو داخل في باب النعمة والامتنان، قلت: لفظ العمر تغني عنه.
قوله تعالى: ﴿وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (١٩)﴾
الظاهر أن الكفر فيه الإيمان، وحكى الآمدي وابن الحاجب عن المعتزلة امتناع اتصاف النبي بالكفر قبل النبوة وبعدها عقلا، وجوز عليهم ذلك أهل السنة عقلا، قالوا: لكنه لم يقع، وزعم فرعون أنه وقع، وهذا لَا أذكره بمحضر العوام، وهكذا هنا فإن الله تعالى عاصم من يريد بنبوته من كل بدع، ومن بعض الصغائر، وهي صغائر [الخسة*] فما بال الكفر، وهذا على أصل مذهبه.
قوله تعالى: ﴿قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ (٢٠)﴾
قال سيبويه: (إِذًا) جواب وجزاء، قال ابن الصفار: فهم الشلوبين على أنه شرط وجواب، فأخذ الجزاء بمعنى الشرط، فقوله: إِذًا أكرمك، لمن قال: أنا أزورك، معناه: إن تزرني أكرمك، قال في هذه الآية معناه: إن كنت فعلتها فأنا ضال، فلزمه إثبات الضلال لموسى صلى الله على نبينا محمد وعليه وعلى آلهما وسلم، وأجاب: بأن المعنى قوله: (وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ)، بالنعم فقال موسى عليه السلام: إن كنت كافرا بأنعمك فأنا ضال، أي جاهل بأن الوكزة تقتل القبطي، ورده ابن الصفار، بأن الكفر إذا ذكر مطلقا فهو ضد الإيمان، وإن أريد به [غيره*] قيد له، وكذلك إنما هو على هذا المعنى، ولو سلمناه ففيه عكس المعنى؛ لأنه إذا كان فعله ذلك كافرا بالنعمة عليه فليس من الضالين بل من المبين، وهذا [بناء*] على شرط وجواب، وقال: [لا يحتاج*] إلى هذا بل مراد سيبويه في (نعم) إنها عدة وتصديق، وذلك لَا يجتمع فيه بل هي تصديق لما مضى عدة في المستقبل، فقولك: نعم لمن قال: فعلت كذا تصديق، ولمن قال: افعله عدة، وكذلك إذا قال: أنا أزورك، فيقول: إِذًا أكرمك فهو جواب وجزاء، وإذا
قلت: لم أنا أكرمك، فهذا جواب خافيه، والآية لَا إشكال فيها على هذا؛ لأنه يقول: إذا فعلت وأنا جاهل فيكون قبيحا له واعتذارا بالجهل. [انتهي كلامه*].
قال ابن عرفة: عادتهم يفرقون بين نعم وإذا، وإن الجائية لازمة لإذا لَا تفارقها، وإنما اختلفوا في كونها جزاء بخلاف نعم، فإنها تارة تكون عدة وتارة تكون تصديقا، قال: وقول ابن الصفار لو كان كما قال الشلوبين لكان [... ] بإعادتهم يردون عليه بوجهين:
الأول: مقصودة باعتبار حالها لَا باعتبار ما لها، ولذلك قال الفقهاء فيها: إذا ضرب الأب ولده يلكزه حتى مات أنه يقتص منه، خلاف غير الأب حتى أن بعض الطلبة يغلط ويقول: اللكزة لَا يقتص منها، إذا آلت إلى القتل، وليس كذلك، فقصد موسى الضربة ولم يقصد القتل.
والثاني: أجاب بعض الطلبة: بأنه قصد القتل وظن أنه الحكم، ثم تبين له الحكم بخلاف ذلك.
قال ابن عرفة: وعادتهم يقررون كونها جزاء، فإنها جزاء عن استغاثة من استغاثة من استغاثه، لقوله تعالى: (فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ)، فهي جزاء من استغاثة المستغيث له، قلت: قال صاحبنا ابن القصار: قوله واعتذاره بالجهل جزاء مشكل أن الجزاء غير الفعل، وهو هنا نفس الفعل، والمراد بالضالين إما المخاطبين والنَّاسين والذاهلين عن الصواب، وهذه معان متقاربة.
قوله تعالى: ﴿فَوَهَبَ... (٢١)﴾
الآن [نبوته*] ورسالته كان في زمن واحد.
قوله تعالى: ﴿أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (٢٢)﴾
قال الجوهري في الصحاح: التعبد الاستعباد، وهو أن يتخذه عبدا، وكذلك الاعتبار، وفي الحديث: "ورجل اعتبد محررا"، قلت: أي اتخذ عبدا وهو حر والاعتبار مثله، قال الشاعر:
علام تعبدني قومي وقد كثرت... فيهم أباعر ما شاءوا وعبدان
قال ابن عرفة: وكذلك التعبد، قال الشاعر:
تعبدني غير ابن سعد قطعته... وغير ابن سعد لي مطيع ومقطع
أي اتخذني عبدا، وكان النَّاس يرونه عبدا مطيعا لأمري.
قوله تعالى: ﴿قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ (٢٣)﴾
إن قلت: لو أعاد الفاعل ظاهرا أو هو من تمام جملة تقدم ذكره فيها بدليل قوله: تقدم حرف العطف، قلنا: لقرابة مقالة القبح، ولذلك يقول ابن الحاجب: قالوا كذا، ويقول سيبويه: زعم الخليل فى قوله: انفرد به في الحسن والقبح.
قوله تعالى: (وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ).
وقال تعالى في طه: (فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى).
قال ابن عرفة: السؤال بـ (مَنْ) عن الحقيقة باعتبار المعقول منها، والسؤال بـ (ما) عن الحقيقة على الإطلاق والإبهام.
قال ابن عرفة: والحكماء قالوا: لَا يجوز إدراك [حقيقة الذات*] الكريمة والعلم، لأن ذلك [إما*] ضروري أو نظري، فلو كان ضروريا لعلمه كل، والنظري يعلم إما بالحد أو بالرسم، والحد مركب من الجنس والفصل، فيلزم عليه تركيب الذات الكريمة وهو محال، والرسم لَا [يفيد*] إدراك الحقيقة بوجه، ومذهب أكثر المتكلمين بأن إدراكها جائز عقلا غير واقع، قال ابن الخطيب في المطالب العالية: روي أن بعض الزنادقة قد أنكر الصانع عند جعفر بن محمد الصادق، فقال له جعفر: ما حرفتك؟ قال: التجارة، فقال: هل ركبت البحر؟ قال: نعم، قال: هل رأيت أهواله؟ قال: نعم، هاجت مرة رياح هائلة فكسرت السفينة، وغرق النَّاس، فتعلقت ببعض ألواحها وبقيت في ملاطم الأمواج حتى اندفعت إلى الساحل، قال له: فلما [ذهبت*] هذه الأشياء عنك أسلمت نفسك إلى الهلاك، أم كنت ترجوا النجاة؟ فقال: كنت أرجو النجاة، فقال: ممن كنت ترجوها؟ فسكت، فقال جعفر: من إلهك الذي كنت ترجو، هو الذي سلمك من الغرق، وهو مأخوذ من قوله تعالى: (فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ)، وكان أبو حنيفة شديداً على الدهرية، وكانوا ينتهزون الفرصة في قتله، بينما هو قاعد في مسجده يوما إذ هجم عليه جماعة بسيوفهم مسلولة وهموا بقتله، فقال: أجيبوا عن مسألة ثم افعلوا ما شئتم، فقالوا: هات، فقال: ما تقولون في رجل يقول لكم إني رأيت سفينة مملوءة بالأحمال والأثقال، أخذتها أمواج متلاطمة وأرياح مختلفة، وهي تجري مستوية ليس لها ملاح يجريها، هل يجوز ذلك بالعقل؟ فقالوا: لَا، فقال أبو حنيفة رضي الله عنه: يا سبحان الله، إذا لم يجز هذا، فكيف تجوز قيام هذه الدنيا على اختلاف أحوالها وسعة أطرافها
من غير مانع ولا حافظ؟! فسكتوا، وقال: صدقت، وقال: هذا مأخوذ من قوله تعالى: (اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيرِ عَمَدِ تَرَوْنَهَا)، ومن قوله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ)، قال: وسئل الإمام الشافعي رضي الله عنه عن الدليلَ على [وُجُودِ الصَّانِعِ*] فقال: [ورق*] الفرصاد وطعمها ولونها وطيبها وريحها، تأكلها الدود فيخرج الإبريسم، ويأكلها النحل فيخرج [منه*] العسل، [وَتَأْكُلْهُ الظِّبَاءُ فَيَخْرُجُ مِنْهَا الْمِسْكُ*]، ويأكلها سائر الحيوانات، [فَتُلْقِيهِ بَعْرًا وَرَوَثًا*] (١)، قلت: الفرصاد هو التوت، فالذي دبر هذه الأحكام هو الله سبحانه وتعالى، قال: وسأل هارون الرشيد مالكا رضي الله عنه، فاستدل باختلاف الأصوات، وتردد النغمات، وتفاوت النبات، قال تعالى (وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ)، قال: وسئل أبو نواس عن هذا، فقال:
تَأَمَّلْ في رِيَاضِ الرِّوضِ وانظر إلَى آثارِ مَا صَنَعَ المَلِيكُ
عُيُونٍ مِنْ لجينٍ شاخصاتٍ بأحداقٍ كما الذَّهَب السَّبيك
عَلَى قَضِيبِ الزَّبَرْجَدِ شَاهِداتٍ بأَنَّ اللهَ ليسَ لَهُ شَرِيك
قوله تعالى: ﴿قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ (٣٠) قَالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٣١)﴾
قال الزمخشري: في هذه الآية دليل بها أنه لَا يأتي بالمعجزة إلا الصادق في دعواه، لأن المعجزة تصديق من الله تعالى لمدعي النبوة، [والحكيم*] لَا يصدِّق الكاذب، ومن العجب أن مثل فرعون عليه اللعنة لَا يخفى عليه هذا، ويخفى على ناس من أهل القبلة [حيث*] جوزوا [القبيح*] على الله تعالى حتى لزمهم تصديق الكاذبين [بالمعجزة*].
قال ابن عرفة: تقديره لو لم [يجزم*] العقل بحسن وبقبح؛ لصح صدور المعجزة على يد الكاذب، واللازم باطل والملزوم مثله، وأجاب الطيبي عن ذلك بأن قال: استقرأنا المعجزات كلها فوجدناها لَا تظهر إلا على يد الصادق.
قال ابن عرفة: هذا الكلام دليل على ضعفه في أصول الدين، حيث لم يرد على الزمخشري إلا بالاستقراء، قال: والجواب عن كلام الزمخشري بوجهين:
الأول: منع الملازمة؛ لأن دلالة المعجزة أن تنزلت منزلة صدق عبدي وظهورها على يد الكاذب كذب، فيلزم وقوع [الخلف*] في خبره تعالى، وهو باطل وإن لم يتنزل منزلة صدق عبدي فدلالتها إما عقلية أو عادية، والدلالة العقلية في العلوم العادية.
الجواب الثاني: [بمنع*] الملازمة؛ لأن ظهور المعجزة على يد الكاذب يوجب [تباين الشيء بالشيء*]، وذلك باطل.
(١) النص هكذا عند ابن كثير:
"سُئِلَ عَنْ وُجُودِ الصَّانِعِ، فَقَالَ: هَذَا وَرَقُ التُّوتِ طَعْمُهُ وَاحِدٌ تَأْكُلُهُ الدُّودُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْإِبْرَيْسِمُ، وَتَأْكُلُهُ النَّحْلُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْعَسَلُ، وَتَأْكُلُهُ الشَّاةُ وَالْبَعِيرُ وَالْأَنْعَامُ فَتُلْقِيهِ بَعْرًا وَرَوَثًا، وَتَأْكُلْهُ الظِّبَاءُ فَيَخْرُجُ مِنْهَا الْمِسْكُ وَهُوَ شَيْءٌ وَاحِدٌ.". اهـ (تفسير ابن كثير. ١/ ١٩٧).
قوله تعالى: ﴿فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ (٣٢)﴾
قال ابن عرفة: الرمي والطرح والإلقاء بمعنى واحد [ومن لغات القرآن الإلقاء*]؛ لأنه أبلغ في الدلالة على القصد، قال: وحمل الخبر على المبتدأ يكون على سبيل [المواطأة*]، مثل الإنسان عالم، ويكون على سبيل [التشبيه*] مثل: أبو يوسف، أبو حنيفة، والآية محتملة للثلاثة، قيل لابن عرفة: ليس فيها على سبيل المواطأة؛ لأن العصا ليست ثعبانا موجه، فقال: تدعى المواطأة باعتبار العصاة الملقاة [وهي ثعبان*].
قوله تعالى: ﴿وَنَزَعَ يَدَهُ... (٣٣)﴾
عبر بالنزع دون الإخراج، إشارة إلى أنه ينزل نفسه منزلة من فارق يده لشدة مخالفة [لونها للوْنِهِ*].
قوله تعالى: (فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ).
قال: [وذَكَر في الأول ما لَمْ يذْكرْ في الثاني وبالعكس، فيحتملُ كونُهُ منْ حذْف التَّقابُلِ*]، أي ["ألقَى عَصاهُ فإذا هيَ ثعبانٌ مبينٌ لَلنَّاظرينَ، ونزَعَ يدَهُ فإذا هي بيضاءُ للناظرينَ مبينةٌ"*]، ومما يؤكد هذا أن المنطقيين ذكروا أنه لَا بد من الفاعل، [**والقائل لكرسي مثل خشبة فاعل، ونجاره فاعل]، وقوله تعالى: (فَإِذَا هِيَ)، صفة للفاعل، وقوله تعالى: (لِلنَّاظِرِينَ) صفة للفاعل الثاني؛ لأن الثعبان جرم كبير يدركه البصر؛ فلذلك قرن الأول بقوله تعالى: (مُبِينٌ)، والثاني بالنظر، والمعجزة أمر محسوس خارجي للعادة، والسحر أمر وهم محسوس، وقوله تعالى: (لِلنَّاظِرِينَ)، يشمل الحسي والمعنوي القلبي، فيكون من استعمال اللفظ المشترك في مفهوميه معا.
قوله تعالى: ﴿قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (٣٤)﴾
نص هذه المقالة لفرعون وحده، وقال في الأعراف (قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ) [نسبها*] للملأ دون فرعون، فأجاب أبو جعفر ابن الزبير: بأن المقابلة في تلك الآية وقعت بين موسى مع فرعون وقومه، وهنا وقعت بين موسى عليه السلام وفرعون فقط، وقال: [هنا*] [يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِ*]، وأسقطها في الأعراف، فأجاب: بأن القائل هنا فرعون، [وهو أحنق عليه من الملأ بجمعهم وأعظمهم بغضا له وكراهة لما جاء به موسى فأكد بقوله "بسحره"*] (١)، وهناك قالها الملأ من القوم؛ فلذلك لم يبالغوا في قولهم.
قوله تعالى: ﴿فَمَاذَا تَأْمُرُونَ (٣٥)﴾
(١) العبارة في المطبوع هكذا:
"مراده ابن عرفة: يستحيل في قومه صالح في مقالته"، والتصويب من (ملاك التأويل. ١/ ٢١٥).
قال الزمخشري: هو في غاية [الإذلال*] من فرعون والانخفاض لَا سيما على مذهب المعتزلة، لأنهم يشترطون في الأمر [العلو*]، وخصوصيته ترجع إلى المتكلم بالأمر، وأهل السنة إنما [شرطوا الاستعلاء*] وخصوصيته ترجع إلى نفس الأمر.
قوله تعالى: ﴿قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ... (٣٦)﴾
وقال ابن عرفة: إنما عبر بلفظ الإرجاء دون غيره دون لفظ التأخير والنظرة، مع أنهما مترادفان؛ لأن في مادة الإرجاء ما يدل على حصول الطمع؛ لأن الإنسان ما يترجى إلا ما يطمع في حصوله، قلت: ولهذا قال الإمام الغزالي رحمه الله: إن الطائع يترجى دخول الجنة، والعاصي يتمنى دخولها.
قوله تعالى: ﴿قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ (٤٣)﴾
قال ابن عرفة: عوائد الطلبة يقولون: إن المعجزة هي ظهور الأمر الخارق للعادة في الخارج وفي نفس الأمر، والسحر هو الأمر الوهمي المخالف لما في نفس الأمر، وجاءت هذه على عكس هذه القاعدة، لأنها إذا كانت بيضاء للناظرين فقط، فبياضها وهمي مخالف لما في نفس الأمر، وإن كان معجزة فهي بيضاء فقط؛ لأن بياضها موقوف على الناظرين من هولهم، ولما في نفس الأمر، قلت: لعل المراد بالناظرين النظر المعنوي، وهو التدبر فيها والتفكر في دلالتها.
قوله تعالى: ﴿فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (٤٥)﴾
قال ابن عطية: [روى البزي وفليح عن ابن كثير شد التاء وفتح اللام وشد القاف (تَّلَقَّفُ)، ويلزم على هذه القراءة إذا ابتدأ أن يجلب همزة الوصل وهمزة الوصل لا تدخل على الأفعال المضارعة كما لا تدخل على أسماء الفاعلين*]، مع أنه لم يقرأ بذلك إلا في الوصل.
قوله تعالى: ﴿فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (٤٦)﴾
قال الزمخشري: فاعل ألقي هو الله تعالى [بما خوّلهم من التوفيق. أو إيمانهم. أو ما عاينوا من المعجزات الباهرة*] ولك أن لَا تقدر فاعلا؛ لأن (أُلْقِيَ) بمعنى خروا وسقطوا.
قال ابن عرفة: يريد أنهم ألقوا أنفسهم، وهذا يناسب مذهبه في أن الغالب خلق أفعاله.
قوله تعالى: ﴿قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (٤٧)﴾
انظر كيف [العلم*] كله حسن حتى السحر؛ لأن علمهم هو الذي هداهم إلى إيمانهم بموسى عليه الصلاة والسلام، والعالم إن كتم مِن علمه شيئا يختص به مما لا يجب له [**ليماريه على المعلم]، وحكي عن الشيخ أبي علي ناصر ابن البخاري: أنه كان
يقرئ ابن الحاجب [... ] فيه زيادات، فلما مات وجد عنده شرحه للشيرازي وفيه تلك الزيادات، ولقد دخلت على شيخنا ابن الحاجب في [**مرضه]، فجعلت أنظر في كتبه فمنعني من استيفاء النظر فيها، قال: لأن الشيخ يمتاز عن طلبته [بزيادات لأحراهم بها*].
قوله تعالى: ﴿قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ... (٤٩)﴾
قال ابن عرفة: كان [ابن*] عبد السلام ينقد على البرادعي في قوله في التهذيب [ويؤمر الْجُنُب*] بالوضوء قبل الغسل، فإن أخره بعده أجزأه، ويقال: إنما في أصل المدونة فإن غسل قبل وضوئه أجزأه، فظاهره أنه الغسل، وإن لم يؤمن [الحدث، فإن الوضوء*] أعم من الغسل، فبدل أبو سعيد اللفظ بلفظ لَا يدل على هذا، لأنك إذا قلت: جاء زيد قبل عمرو فإنه يقتضي الإخبار بمجيء زيد فقط، أعم من أن يكون عمرو جاء بعده ولم يجئ من أصل، ونظيره، قوله تعالى: (وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ) إذ لَا يقع بعد الطلاق مس، وكذلك قوله تعالى: (قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي)، لكن تلك الآية في جواب الشرط، والشرط لَا يدل على وقوع الشيء، ولا إمكان وقوعه، وهذه الآية من ذلك المعنى، لأن فرعون عليه اللعنة لم يقصد الإذن لهم بوجه لَا قبل الإيمان ولا بعده.
قوله تعالى: ﴿إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ (٥١)﴾
لأن الموجب (أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ)، فالجواب: أنه أفاد الوعد بالنظرة مطلقا سواء اتبعهم أو لم يتبعهم؛ لأن الوعد بالنظرة إذا كان مطلقا غير مقيد بالإتباع لا تحصل الطمأنينة لإمكان كونه في نفس الآية يقدر بعدم الاتباع، فإذا هم ينصرون عليهم، وإن اتبعوهم، قيل لابن عرفة: سواء متعد، فإذا دخلت عليه الهمزة صار متعديا بنفسه، فلم جمع بين الهمزة والباء، فقال: ذكر الجوهري في [سرى وأسرى بمعنى واحد*]، وقال السهيلي: في أول سورة الإسراء ذكروا أنهما غير متعدين، وهو غير صحيح، وإنما زعموا ذلك لعدم ذكر مفعول أسرى مع أنه مقدر تقديره: (سُبْحَانَ الَّذِي أسْرَى)، أي بعبده، إلى أن قال: (لَيلا)، سلمنا أنه متعد لكن الباء هنا ليست للتعدية، فلذلك صح الجمع بينهما.
قوله تعالى: ﴿إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (٥٤)﴾
الشرذمة تقليل لهم باعتبار العدد.
قوله تعالى: ﴿كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (٥٩)﴾
شبه حالتهم المعقولة بحالتهم المحسوسة.
قوله تعالى: (أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ... (٦٣).. ، ولم يقل فضرب فانفلق، وكذلك في سورة البقرة (فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ)، وفيِ الأعراف: ﴿فَانْبَجَسَتْ)، ولم يقل: فضرب، وفي طه (أَلْقِهَا يَا مُوسَى (١٩)﴾ فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى)، فذكر فعل المطاوع في طه، ولم يذكره في الآخر، قال: فعادتهم يجيبون: بأنه إن كان الحادث عن الضرب مما يعهد في الخارج صدوره منه لم يحتج إلى إبراز الفعل المطاوع، كالحجر يعهد عادة بخلاف صيرورة [الأجسام*]، [فإن*] انقلاب الأجسام غير معهود، وكان بعضهم يضمر في الآية فعلين [أي: ضربَهُ وفلقَهُ فانفلق*]؛ لأن فعل المطاوعة يفيد تقدم فعل عليه فهو مطاوع له، وقال تعالى (اضرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ).
ينفلق فضربه فانفلق.
قوله تعالى: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً... (٦٧)﴾
الإشارة إلى المجموع باعتبار الكلي والكلية، فهل كل جزء من ذلك أو مجموع ذلك آية؟
قوله تعالى: ﴿الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (٧٨)﴾
قال أبو حيان: أجاز الْحَوْفِيُّ: أن يكون (الَّذِي) مبتدأ، و [(فَهُوَ يَهْدِينِ)] ابْتِدَاءٌ [وَخَبَرٌ فِي مَوْضِعِ الْخَبَرِ عَنِ الَّذِي*]، ودخلت الفاء لما في الكلام من معنى الشرط، ورد بأن الموضع هنا خاص، فليس فيه معنى الشرط، فليس نظير الذي يأتيني فله درهم، وأيضا فليس الفعل الذي هو (خَلَقَ) لَا يُمْكِنُ فِيهِ [تَحَدُّدٌ بِالنِّسْبَةِ*] إلى إبراهيم عليه السلام، قلت: وكذا قال أبو حيان، في قوله تعالى: (أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ) إن الفاء إنما تدخل في خبر الموصول إذا كان عائداً وفيه معنى التعليل، وعادتهم يردون عليه بهذه الآية؛ لأنه ليس يعلم وليس الخلق علة في الهداية، [وإلا*] لزم عليه مذهب المعتزلة في [أن*] خالق لجميع النَّاس عندهم منزه عن فعل القبيح وإرادته، ونحن نقول: خلق جميعهم ليهدي بعضهم ويضل بعضهم؛ لأنه يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد سبحانه وتعالى، وأجيب: بأن المراد الذي خلقني على هذه الصفة الخاصة فهو يهديني، فذلك الخلق الخاص سبب في الهداية، وانظر
ما تقدم في سورة قد أفلح، في قوله تعالى: (ثَقُلَتْ مَوَازينُهُ).
قوله تعالى: ﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ (١٠٥)﴾
إنما جمع المرسلين بناء على أن آدم عليه الصلاة والسلام رسول، وكذلك إدريس عليه السلام رسول، وهو سابق على نوح عليه السلام، ولأنهم إذا كذبوا نوحا فقد كذبوا المرسلين، لأنهم جاءوا بمثل ما جاء به نوح عليهم السلام، ولأن المعجزات متحدة، فتكذيبهم لمن جاء بشيء منها تكذيب للجميع، [وجمعه*] باعتبار تفسير حالاته، فهو في حالة يدعوهم إلى الله بشيرا، وفي حالة يدعوهم إلى الله نذيرا مخوفا، كقوله:
[فقلت اجعلي ضوء الفراقد كلّها يمينا ومهوى النّسر من عن شمالك*]
قوله تعالى: ﴿وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ... (١٠٩)﴾.. ، ولم يقل: ما أقبل منكم عليه أجرا، فهو أعم؛ لأن الدعاء إلى الله تعالى وطلب الامتثال له يقتضي التشوف للأجر على ذلك، فلهذا قال: (وَمَا أسْأَلُكُم).
قوله تعالى: ﴿قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ (١١١)﴾
أي أنؤمن لك حالة كونك اتبعك أراذل النَّاس؟ فلا يرضى بحالهم في الإيمان بك.
قوله تعالى: ﴿وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١١٢)﴾
وتقرير هذا الجواب بوجهين:
الأول: أنكم وقفتم مع الأمر العادي الدنيوي في كون قومي المتبعين [لي*] متصفين بأرذل الصنائع، وأنا وقفت مع العادي [الديني*]، لأنهم وإن كانوا أرذل في الظاهر، فهم أخيار في الباطن؛ لاتصافهم بالإيمان والعمل الصالح.
الوجه الثاني: أنه تقرر في [العقول أن الأمرين إن تساويا*] يستحيل ترجيح أحدهما على الآخر، وهؤلاء رجحوا المرجوح؛ كأنهم رجحوا الاتصاف بأرذل الصنائع على أشرفها، فاختار الحياكة، والحجامة، والجزارة، وهي أرذل الصفات فلا عقل له، فكيف يتبع من لَا عقل له؟ فأجابهم نوح عليه السلام: بأنهم لعل لهم علما بالسبب المرجح لذلك غيره، أي: وما علمي بسبب ما كانوا يعملون، فما رجحوا علم ذلك إلا لسبب خفي ظهر لهم ولم يظهر لكم.
قوله تعالى: ﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ (١٦٠)﴾
التكذيب إما لحكم بعدم مطابقة الخبر للمخبر عنه، أو عدم الحكم بالمطابقة، وينبني على هذا أن الشاك هل هو مكذب أم لَا؟ وفي الآية إشكال: وهو أن التكذيب لا يصح أن يكون متعلقه (أَلَا تَتَّقُونَ)؛ لأنه طلب غير محتمل للصدق والكذب، ولا يصح أن يرجع لقوله تعالى: (إِنِّي لَكُم رَسُولٌ أَمِينٌ)؛ لأنه تعليل لذلك الطلب وتابع له، وليس مقصود بالذات، والجواب أنهم كذبوه في دعوى الرسالة المستلزم لتكذيبهم في كل ما جاء به.
قوله تعالى: ﴿أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ (١٦٥) وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ... (١٦٦)﴾
قيل لشيخنا ابن عرفة: هذا استفهام في معنى الإنكار عليهم، فإن تسلط الإنكار على كل واحد من المحتملين لزم عليه مخالفة القاعدة الشرعية، وهي اعتقاد وجوب النكاح لأجل ذمه على تركه، والذم على الترك من خصائص الوجوب، وإن تسلط على مجموع الجملتين [يفيد*] الجملة الجمعية، لزم عليه مخالفة القاعدة الشرعية، وهي اعتقاد وجوب النكاح لأجل ذمهم إن كان كون الثاني منصوبا فنحذف النون، مثل: لا تأكل السمك وتشرب اللبن، وأجاب ابن عرفة: باختيار الأول، ويكون الذم على ترك وطء الأزواج التي انعقد عليهن النكاح؛ لأن ذلك يصير حقا لهن عليهم فهو واجب، ونقول: بأن النكاح كان واجبا عليهم، لأنهم تركوه وهم واجدون الطول، قادرون على [**تزويج الحرام] وقد وقعوا في الزنا واللواط، وإما بأن نقول تسلط الإنكار على الجملة الأولى فقط، وهو أحد وجهين:
الرفع: من جواب الاستفهام أنه على الاستئناف، لكن فيه حذف الجملة الخبرية على الطلبية، وهو ممتنع عند أهل علم البيان، وأجازه جماعة من النحويين، قال ابن أبي الربيع: والصحيح منعه، قلت: هذا الجواب مجموع من كلام شيخنا ابن عرفة، وصاحبنا ابن القصار.
قوله تعالى: (كَذَّبَتْ ثَمُودُ)،
قال ابن عرفة: إنما هو في الخبر ومتعلقه هنا أمرا، لكن الجواب أن تكذيبهم له في دعوى الرسالة يستلزم عدم اشتمالهم أمره.
قوله تعالى: (نَافَةٌ لَهَا شِرْبٌ).
فيه الحذف من الأول لدلالة الثاني عليه، أي لها شرب يوم معلوم، ولكم شرب يوم معلوم.
قوله تعالى: ﴿أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ (١٨١) وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ (١٨٢)﴾
عبر عن الأول بالوفاء؛ لأنه الزيادة للقدر الواجب إذ هو محتاج إلى محاولة وتكلف مما [لا يتوصل فيه إلى تحقيق الخروج من العهدة إلا بالزيادة*] من القدر الواجب بخلاف القسطاس، فإنه يمكن فيه بتحقيق الخروج من العهد من غير زيادة.
قوله تعالى: ﴿كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (٢٠٠)﴾
قال الزمخشري: أي على مثل هذه الحال من الكفر به، ومعناه في قلوبهم فلا يتغير وأعماهم عليه بوجه، قال: فإن قلت: كيف أسند السلك بصفة التكذيب إلى نفسه، وهو منزه عن القبائح؟ قلنا: أراد الدلالة على تمكنه في قلوبهم، وإنه أمر [جبلوا عليه*].
قال ابن عرفة: وعلى مذهبنا لَا يحتاج إلى هذا السؤال.
قوله تعالى: ﴿لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (٢٠١)﴾
من باب نفي الشيء بإيجابه، أي حتى يروا العذاب فيؤمنوا فلا ينفعهم إيمانهم.
قوله تعالى: ﴿فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً... (٢٠٢)﴾
قال ابن عرفة: عادتهم يقولون: إن فيها تناقضا؛ لأنهم إذا رأو العذاب لم يكن إتيانهم بغتة؛ لأن البغتة هو إتيان الشيء على [غفلة*] من غير شعور به، قال: وأجيب بأنهم يرونه بعيدا منهم فيظنون أنه غير واقع بهم فينزل بهم بغتة، أي يراد بإتيانه لهم بغتة، بمعنى أنهم لَا يرونه حتى ينزل بهم.
قوله تعالى: ﴿وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ (٢١٠)﴾ وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ)
قال ابن عرفة: تنزل بعض من نزل؛ لأنه يقتضي تكلف الفعل بمشقة، ونفي الأخص لَا يستلزم نفي الأعم، لكنه هنا يستلزمه من باب أحرى، لأنه إذا نفى تنزيلهم لهم بمشقة فأحرى بغير مشقة، لأنهم إذا لم يقدروا عليه بمشقة فأحرى بغير مشقة.
قوله تعالى: ﴿وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ... (٢١١)﴾
أي وما يمكنهم فعله في أنفسهم، (وَمَا يَسْتَطِيعُونَ)، أي: ولا يجدون معينا على فعله، فالأول: يقتضي فعل قبولهم بفعله [بخاصة*] أنفسهم، والثاني: اقتضى تعين قبولهم بفعله [بمعينٍ*] عليه.
قوله تعالى: ﴿فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ... (٢١٣)﴾
هو من باب السلب، مثل: الحائط لَا يبصر لَا من باب العدم والملكة، مثل: زيد لا يبصر.
قوله تعالى: ﴿هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (٢٢١) تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (٢٢٢)﴾
أي هنا (تَنَزَّلُ) هذا مضارعا، وقال قبله، (وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ) فأتى به ماضيا، قال: والجواب: أن الماضي معلوم لكونه [مشاهدا مرئيا*]، والمستقبل غير معلوم، فلذلك أتى به في جملة الاستفهام المقتضية للجهل بالمسئول عنه.
* * *
Icon