تفسير سورة ق

أيسر التفاسير للجزائري
تفسير سورة سورة ق من كتاب أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير المعروف بـأيسر التفاسير للجزائري .
لمؤلفه أبو بكر الجزائري . المتوفي سنة 1439 هـ

سورة ق١
مكية
وآياتها خمس وأربعون آية

بسم الله الرحمن الرحيم

ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ (١) بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ (٢) أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ (٣) قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ (٤) بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ (٥)
شرح الكلمات:
ق: هذا أحد الحروف المقطعة التي تكتب هكذا ق وتقرأ هكذا قاف.
والقرآن المجيد: أي والقرآن المجيد أي الكريم قسمي لقد أرسلنا محمدا مبلغا عنا.
بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم: أي بل عجب أهل مكة من مجيء منذر أي رسول منهم ينذرهم عذاب الله يوم القيامة.
فقال الكافرون هذا شيء عجيب: أي فقال المكذبون بالبعث هذا أي البعث بعد الموت والبلى شيء عجيب.
أئذا متنا وكنا ترابا: أئذا متنا وصرنا ترابا أي رفاة وعظاما نخرة نرجع أحياء.
ذلك رجع بعيد: أي بعيد بالإمكان في غاية البعد.
قد علمنا ما تنقص الأرض منهم: أي قد أحاط علمنا بكل شيء فعلمنا ما تنقص الأرض من
١ صح في الموطأ وفي مسلم أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قرأ بهذه السورة في صلاة الصبح وفي عيدي الأضحى والفطر أيضاً مع سورة القمر.
136
أجساد الموتى وما تأكل من لحومهم وعظامهم فكيف يستبعد منا إحياؤهم بعد موتهم.
وعندنا كتاب حفيظ: أي كتاب المقادير الذي قد كتب فيه كل شيء ومن بين ذلك أعداد الموتى وأسماؤهم وصورهم وأجسامهم ويوم إعادتهم.
بل كذبوا بالحق لما جاءهم: بل كذب المشركون بما هو أقبح من تكذيبهم بالبعث وهو تكذيبهم بالنبوة المحمدية وبالقرآن ومن نزل عليه.
فهم في أمر مريج: أي مختلط عليهم فهم فيه مضطربون لا يثبتون على شيء إذ قالوا مرة سحر ومرة قالوا شعر ومرة كهانة وأخرى أساطير.
معنى الآيات:
قوله تعالى ﴿ق﴾ الله أعلم بمراده به إذ هو من الحروف المقطعة الأحادية نحو ص. ون وقوله تعالى ﴿وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ١﴾ أي الكريم فالقرآن مجيد كريم بما فيه من الخير والبركة إذ قراءة الحرف الواحد منه بعشر حسنات. وقوله والقرآن المجيد قسم والجواب محذوف تقديره إن محمداً لرسول أمين. وقوله تعالى ﴿بَلْ عَجِبُوا٢ أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ﴾ أي إنهم لم يستنكروا أصل الإرسال إليهم وإنما أنكروا كون المرسل بشراً مثلهم ينذرهم عذاب يوم القيامة وهم لا يؤمنون بالبعث الآخر فلذا قالوا ما أخبر تعالى به عنهم وقوله ﴿فَقَالَ الْكَافِرُونَ﴾ أي بالبعث ﴿هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ﴾ أي أمر يدعو إلى التعجب إذ من مات وصار ترابا لا يعقل أن يبعث مرة أخرى فيسأل ويحاسب ويجزي وقد أفصحوا عن معتقدهم بقولهم ﴿أَإِذَا مِتْنَا٣ وَكُنَّا تُرَاباً﴾ ذلك الرجوع إلى الحياة رجوع بعيد التحقيق. قال تعالى ﴿قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ٤ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ٥ حَفِيظٌ﴾ هذه برهنة واضحة على إبطال دعواهم وتحقيق عقيدة البعث أي قد علمنا ما تنقص الأرض منهم بعد الموت من لحم وعظم، وعندنا كتاب حفيظ قد حوى كل شيء وحفظه مادة وكمية وكيفية بمقتضاه يعود
١ المجيد: المتصف بقوة المجد، والمجد والمجادة: الشرف الكامل، وكرم النوع ولذا فالقرآن يفوق في مجده كل كلام على الإطلاق حتى الكلام الموحى به إلى رسل الله عليهم السلام.
(بل) للإضراب الانتقالي، وهو انتقال من تقرير النبوة المحمدية التي أثبتها بالقسم إلى تقرير عقيدة البعث والجزاء إذ أورد قول الكافرين المنكرين لها ثم أثبتها بالأدلة القاطعة من عدة آيات كأنما قال: دع ذا واسمع ما أقول. و (أن جاءهم) مجرور بمن محذوفة أي من أن جاء وبعد السبك من مجيئهم.
٣ الاستفهام للإبطال والتعجيب والمتعجب منه محذوف تقديره أنرجع إلى الحياة بعد انعدامنا بالموت وصيرورتنا ترابا؟
٤ قوله (ما تنقص الأرض) إشارة إلى أن هناك أجساداً لا تبيد كلها بل يبقى أبعاضها، وإلى أن عجب الذنب لا يفنى ولا يبيد بل يبقى كما هو ليعاد الخلق به يوم القيامة.
٥ التنكير في (كتاب) للتعظيم ويدل عليه قوله (حفيظ).
137
الخلق كما بدأ لا ينقص منه شيء وقوله، ﴿بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ﴾ أي إن هناك ما هو أشنع من إنكارهم وأقبح عقلا وهو تكذيبهم بالقرآن ومن أنزل عليه وهو الحق من الله فلذا هم فيه في أمر مريج أي مختلط فمرة قالوا في الرسول إنه ساحر وقالوا شاعر وقالوا مفتر كذاب وقالوا في القرآن أساطير الأولين فهم حقا في أمر مريج مختلط عليهم لا يدرون ما يقولون ويثبتون عليه.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- بيان شرف القرآن ومجده وكرمه.
٢- تقرير البعث والوحي الإلهي.
٣- البرهنة الصحيحة الواضحة على صحة البعث والجزاء وإمكانهما.
٤- تقرير عقيدة القضاء والقدر بتقرير كتاب المقادير.
أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ (٦) وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (٧) تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (٨) وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكاً فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (٩) وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ (١٠) رِزْقاً لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذَلِكَ الْخُرُوجُ (١١)
شرح الكلمات:
أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم: أي أعملوا فلم ينظروا بعيونهم معتبرين بعقولهم إلى السماء كائنة فوقهم فيعلموا أن استبعادهم للبعث غير صحيح.
كيف بنيناها وزيناها: أي كيف بنيناها بلا عمد. وزيناها بالكواكب.
وما لها من فروج: أي وليس لها من شقوق تعيبها.
والأرض مددناها١: أي بسطناها
(الأرض) منصوب على الاشتغال أي: مددنا الأرض مددناها.
138
وألقينا فيها رواسي: أي جبالا رواسي ثوابت لا تسير ولا تتحرك مثبتة للأرض كي لا تميد بأهلها.
وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج١: أي وأنبتنا في الأرض من كل صنف من أنواع النباتات حسن.
تبصرة وذكرى لكل عبد منيب: أي جعلنا ذلك تبصرة وذكرى منا لكل عبد منيب إلى طاعتنا رجاع إلينا.
ونزلنا من السماء ماء مباركا: أي ماء المطر كثير البركة.
فأنبتنا به جنات وحب الحصيد: أي أنبتنا بماء السماء بساتين وحب الحصيد أي المحصود من البر والشعير.
والنخل باسقات٢: أي وأنبتنا بالماء النخيل الطوال العاليات.
لها طلع نضيد: أي لها طلع منضد متراكب بعضه فوق بعض.
رزقا للعباد: أي أنبتنا ما أنبتنا من الجنات والحب الحصيد والنخل الباسقات قوتا للعباد ورزقا لهم مؤمنهم وكافرهم.
وأحيينا به بلدة ميتة: وأحيينا بذلك الماء الذي أنزلناه بلدة ميتة لا نبات فيها من الجدب الذي أصابها والقحط.
كذلك الخروج: أي كما أخرجنا النبات من الأرض الميتة بالماء نخرجكم أحياء من قبوركم يوم القيامة بماء ننزله من السماء على الأرض فتنبتون كما ينبت البقل.
معنى الآيات:
ما زال السياق في تقرير عقيدة البعث وهي العقيدة التي بني عليها كل إصلاح يراد للإنسان بعد عقيدة الإيمان بالله تعالى ربا وإلهاً قال تعالى ﴿أَفَلَمْ يَنْظُرُوا٣ إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ٤ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ﴾ أي أعمي أولئك المنكرون للبعث المكذبون بلقاء ربهم يوم القيامة فلم ينظروا بعيونهم معتبرين بعقولهم إلى حجم السماء الواسع العالي الرفيع الكائن فوقهم وقد رفع بلا عمد ولا سند. وقد زينه خالقه بكواكب نيرة وأقمار منيرة وشموس مضيئة ولم ير في السماء
(من) ليست للتبعيض بل هي للتأكيد إلا أن زيادتها مع الإثبات نادرة كما هنا.
٢ لا يقال للطويل: باسق إلا إذا كان طوله في علو وارتفاع أما ما يكون طوله في امتداد وانبساط فلا يقال له باسق.
٣ الاستفهام للإنكار عليهم عدم النظر لتقرر به عقيدة البعث والجزاء، والفاء تفريعية على إنكارهم السابق للبعث الآخر.
(فوقهم) ظرف في محل الحال، وأطلق البناء على خلق العلويات بجامع الارتفاع والاستمساك وعدم السقوط والانهيار.
139
من تصدع ولا شقوق١ ولا تفطر الحياة كلها أليس على خلق السماء قادر على إحياء موتى خلقهم وأماتهم بقدرته أليس القادر على الخلق ابتداء وعلى الإماتة ثانية بقادر على إحياء من خلق وأمات؟ ٢ وقوله ﴿وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ﴾ أي مالهم لا ينظرون إلى الأرض أي بسطها وألقى فيها الجبال لتثبيتها حتى لا تميد بهم، وقوله ﴿وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ﴾ أي صنف من النباتات والزروع بهيج المنظر حسنه، وقوله ﴿تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ﴾ وقوله ﴿وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكاً فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيد وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ رِزْقاً لِلْعِبَادِ٣﴾ أي أليس الذي أنزل من السماء ماء مباركاً لما يكثر به من الخيرات والبركات من النبات والحيوان فأنبت به جنات أي بساتين من أشجار ونخيل وأعناب، وأنبت به حب الحصيد وهو كل حب يحصد عند طيبه من قمح وشعير وذرة وغيرها وأنبت به النخل الباسقات العاليات المرتفعات في السماء لها طلعها النضيد المتراكب بعضه فوق بعض ليتحول إلى رطب شهي يأكله الإنسان وقوله رزقا للعباد أي قوتا لهم يقتاتون به مؤمنين وكافرين إلا أن المؤمن إذا أكل شكر والكافر إذا أكل كفر، وقوله ﴿وَأَحْيَيْنَا بِهِ﴾ أي بالماء الذي أنزلناه من السماء مباركاً بلدة ميتا لا نبات بها ولا عشب ولا كلأ فأصبحت تهتز رابية كذلك الخروج أي هكذا يكون خروجكم من قبوركم أيها المنكرون للبعث ينزل الله من السماء ماء فتنبتون وتخرجون من قبوركم كما يخرج الشجر والزرع من الأرض بواسطة الماء المبارك فبأي عقل تنكرون البعث أيها المنكرون. إنها كما قال تعالى ﴿لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- تقرير عقيدة البعث بمظاهر القدرة الإلهية في الكون.
٢- مشروعية النظر والاعتبار فيما يحيط بالإنسان من مظاهر الكون والحياة للعبرة طلبا لزيادة الإيمان والوصول به إلى مستوى اليقين.
٣- فضل العبد المنيب وفضيلة الإنابة إلى الله تعالى والمنيب هو الذي يرجع إلى ربه في كل ما يهمه والإنابة التوبة إلى الله والرجوع إلى طاعته بعد معصيته.
كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ (١٢) وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ
١ من آيات القدرة والعلم الإلهيين: كون السماء على شكل قبة مرفوعة في قالب لا تشقق فبها ولا تصدع مزينة بأنواع النجوم والكواكب.
٢ بلى إنه لقادر بلا مرية ولا شك.
(رزقا) منصوب على أنه مفعول لأجله.
140
لُوطٍ (١٣) وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ (١٤) أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ (١٥)
شرح الكلمات:
كذبت قبلهم قوم نوح: أي قبل قومك يا رسولنا بالبعث والتوحيد والنبوة قوم نوح.
وأصحاب الرس وثمود: أي وكذب أصحاب الرس وهي بئر كانوا مقيمين حولها يعبدون الأصنام وثمود وهم أصحاب الحجر قوم صالح.
وعاد وفرعون: وكذبت عاد قوم هود، وكذب فرعون موسى عليه السلام.
وإخوان لوط وأصحاب الأيكة: أي وكذب قوم لوط أخاهم لوطا، وكذب أصحاب الأيكة شعيبا.
وقوم تبع: أي وكذب قوم تبع الحميري اليمني.
كل قد كذب الرسل: أي كل من ذكر قد كذب الرسل فلست وحدك المكذب يا محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فحق وعيد: أي فوجب وعيدي لهم بنزول العذاب عليهم فنزل فهلكوا.
أفعيينا بالخلق الأول١: أي أفعيينا بخلق الناس أولا والجواب لا إذاً فكيف نعي بخلقهم ثانية وإعادتهم كما كانوا؟.
بل هم في لبس من خلق جديد: أي هم غير منكرين لقدرة الله عن الخلق الأول بل هم في خلط وشك من خلق جديد لما فيه من مخالفة العادة وهي أن كل من مات منهم يرونه يفنى ولا يعود حياً.
معنى الآيات:
ما زال السياق في تقرير عقيدة البعث والجزاء وإثبات النبوة للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال تعالى ﴿كَذَّبَتْ٢ قَبْلَهُمْ﴾ أي قبل قريش المكذبين بالبعث والجزاء وبالنبوة المحمدية كذبت قبلهم قوم نوح وهي أول أمة كذبت وعاش نوح نبيها ألف سنة إلا خمسين عاما يدعوها إلى الله فلم يؤمن منهم أكثر من نيف وثمانين نسمة، وأصحاب الرس أيضا قد أخذوا نبيهم ورسوه في بئر فقتلوه فأهلكهم الله
١ أي: (أفعيينا) به فنعني بالبعث وهو توبيخ لمنكري البعث وجواب على قولهم ذلك رجع بعيد يقال: عييت بالأمر: إذا لم تعرف وجهه هذا في المعاني أما في الذوات فعيي بمعنى عجز ولم يقدر عليه.
٢ هذا استئناف ابتدائي الغرض منه تسلية الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بإعلامه أن أمما كثيرة قد كذبت رسلها قبل تكذيب قومه له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
141
تعالى في بئر كانوا يقيمون على أصنام حولها يعبدونها فأهلكهم في تلك البئر وأهلك ثموداً وهم قوم صالح، وعاداً وهم قود هود وفرعون موسى وقوم لوط١، وأصحاب الأيكة أي الشجر الملتف إذ كانوا يعبدون أشجار تلك الأيكة، وقوم تبع وهو تبع الحميري اليمني. وقوله تعالى ﴿كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ﴾ أي كل تلك الأمم التي ذكرنا كذبوا الرسل ولم يؤمنوا بهم ولا بما جاءوهم به من التوحيد والشرع ﴿فَحَقَّ وَعِيدِ﴾ ٢ أي فوجب لذلك عذابهم الذي وعدتهم به على ألسنة رسلي إن لم يؤمنوا فأهلكناهم أجمعين وقومك يا محمد هم موعودون أيضاً بالعذاب إن لم يبادروا بالإيمان والطاعة. قوله تعالى ﴿أَفَعَيِينَا٣ بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ﴾ والجواب لا إذ الاستفهام للنفي أي لم يعي الله تعالى بخلق كل ما خلق من الملائكة والإنس والجن فكيف إذاً يعيى بالإعادة وهي أهون من البدء والبداية، وقوله تعالى ﴿بَلْ هُمْ٤ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ أي أنهم غير منكرين لقدرتنا على الخلق الأول بل هم في لبس أي خلط وشك من خلق جديد لما فيه من مخالفة العادة حيث هم يرون الناس يموتون ولا يحيون.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- تعزية الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتسليته بإعلامه بأن قومه ليسوا أول من كذب الرسل.
٢- تهديد المصرين على التكذيب من كفار قريش بالعذاب إذ ليسوا بأفضل من غيرهم وقد أهلكوا لما كذبوا.
٣- تقرير البعث والجزاء وإثبات عقيدتهما بالأدلة العقلية كبدء الخلق.
٤- ضعف إدراك المنكرين للبعث لظلمة نفوسهم بالشرك والمعاصي.
وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (١٦) إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ
١ قوله تعالى: ﴿وَإِخْوَانُ لُوطٍ﴾ عبر بالإخوان دون القوم تنويع للأسلوب والمراد بهم قوم لوط، والأخوة هنا أخوة تلازم ومواطنه وما هي بأخوة دين ولا نسب وأصحاب الأيكة: هم قوم شعيب عليه السلام.
٢ أي: صدق وعده فيهم ووجب وقوعه عليهم.
٣ الاستفهام للإنكار والتغليظ إذ لا يسعهم إلا الاعتراف بأن الله تعالى الذي خلق كل شيء في الأرض والسماء ومن جملة ذلك خلقهم هم المنكرون للبعث فكيف يعجز عن إعادة خلقهم مرة أخرى للجزاء والحساب.
(بل) للإضراب الإبطالي أي: ما عيينا بالخلق الأول.
142
(١٧) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (١٨) وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (١٩) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ (٢٠) َقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (٢٢)
شرح الكلمات:
ولقد خلقنا الإنسان: أي خلقناه بقدرتنا وعلمنا لحكمة١ اقتضت خلقه فلم نخلقه عبثا.
ونعلم ما توسوس به نفسه: أي ونعلم ما تحدث به نفسه أي نعلم ما في نفسه من خواطر وإرادات.
ونحن أقرب إليه من حبل الوريد: أي نحن بقدرتنا على الأخذ منه والعطاء والعلم بما يسر ويظهر أقرب إليه من حبل الوريد الذي هو في حلقه.
إذ يتلقى المتلقيان: أي نحن أقرب إليه من حبل الوريد إذ يتلقى المتلقيان عمله فيكتبانه.
عن اليمين وعن الشمال قعيد٢: أي أحدهما عن يمينه قعيد والثاني عن شماله قعيد أيضا.
ما يلفظ من قول: أي ما يقول من قول.
إلا لديه رقيب عتيد: أي إلا عنده ملك رقيب حافظ عتيد حاضر معد للكتابة.
وجاءت سكرة الموت بالحق: أي غمرة الموت وشدته بالحق من أمر الآخرة حتى يراه المنكر لها عيانا.
ذلك ما كنت منه تحيد: أي ذلك الموت الذي كنت تهرب منه وتفزع.
ونفخ في الصور ذلك يوم الوعيد: أي ونفخ إسرافيل في الصور الذي هو القرن ذلك يوم الوعيد للكفار بالعذاب.
معها سائق وشهيد: أي معها سائق يسوقها إلى المحشر وشهيد يشهد عليها.
١ هذه الحكمة هي ذكره تعالى وشكره بأنواع العبادات بقوله تعالى ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ وسائر المخلوقات هي لأجل الناس فعاد الأمر إلى أن المخلوقات كلها مخلوقة لعلة العبادة.
٢ القعيد معنى القاعد كالجليس بمعنى الجالس.
143
لقد كنت في غفلة من هذا: أي من هذا العذاب النازل بك الآن.
فكشفنا عنك غطاءك: أي أزلنا عنك غفلتك بما تشاهده اليوم.
فبصرك اليوم حديد: أي حاد تدرك به ما كنت تنكره في الدنيا من البعث والجزاء.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في تقرير عقيدة البعث والجزاء فقال تعالى ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإنْسَانَ﴾ حسب سنتنا في الخلق خلقناه بقدرتنا وعلمنا لحكمة١ اقتضت خلقه منا ولم نخلقه عبثا ونحن نعلم ما توسوس به نفسه أي ما تتحدث به نفسه من إرادات أو خواطر، ونحن أي رب العزة والجلال أقرب إليه من حبل الوريد٢ فلو أردنا أن نأخذ منه أو نعطيه أو نسمع منه أو نعلم به لكنا على ذلك قادرين وقربنا في ذلك منه أقرب من حبل عنقه إلى نفسه وذلك في الوقت الذي يتلقى فيه الملكان المتلقيان سائر أقواله وأعماله يثبتانها ويحفظانها وقوله عن اليمين وعن الشمال قعيد أي أحد الملكين وهو المتلقيان عن يمينه قاعد والثاني عن شماله قاعد هذا يكتب الحسنات وذاك يكتب السيئات.
ولفظ قعيد معناه قاعد كجليس بمعنى مجالس أو جالس، وقوله تعالى ﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ﴾ أي ما يقول الإنسان إلا لديه رقيب عتيد أي إلا عنده ملك رقيب حافظ، وعتيد حاضر لا يفارقانه مدى الحياة إلا أنهما يتناوبان ملكان بالنهار وملكان بالليل ويجتمعون في صلاتي الصبح والعصر وقوله تعالى ﴿وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ٣ بِالْحَقِّ﴾ أي وإن طال العمر فلابد من الموت وها هي ذي قد جاءت سكرة الموت أي غمرته وشدته بالحق من أمر الآخرة حتى يراه المنكر للبعث والدار الآخرة المكذب به يراه عياناً. ﴿ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ﴾ أي قال له هذا الموت الذي كنت منه تحيد أي تهرب وتفزع. قوله تعالى ﴿وَنُفِخَ فِي الصُّور﴾ أي نفخ إسرافيل في الصور أي القرن الذي قد التقمه وجعله في فيه من يوم بعث النبي الخاتم نبي آخر الزمان محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو ينتظر متى يؤمر فينفخ نفخة الفناء ذلك أي يوم ينفخ في الصور هو يوم الوعيد٤ بالعذاب للكافرين، وفعلا نفخ في الصور نفخة البعث بعد نفخة الفناء ﴿وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ﴾ أي ملك يسوقها إلى
١ تقدم بيان الحكمة للخلق تحت رقم واحد من هذا السياق في شرح الكلمات.
٢ الوريد: واحد الشرايين، وهو ثاني شريانين يخرجان من التجويف الأيسر من القلب وهما عرقان يكتنفان صفحتي العنق في مقدميهما متصلان بالوتين يردان من الرأس إليه، والحبل: العرق والجمع عروق ويختلف اسمه باختلاف موضعه من الجسم.
٣ السكرة: اسم لما يعتري الإنسان من ألم واختلال في المزاج يحد من إدراك العقل فيختل الإدراك ويعتري العقل غيبوبة وهو مشتق من السكر وهو الغلق لأنه يغلق العقل، ومنه جاء وصف السكران.
٤ يوم وعيد للكافرين ويم وعد صادق للمؤمنين، ولما كان السياق في دعوة الكافرين إلى الإيمان ذكر الوعيد دون الوعد.
144
المحشر وملك شاهد يشهد عليها. ويقال لذلك الذي جاء به سائق يسوقه وشاهد يشهد عليه لقد كنت في غفلة من هذا أي كنت في الدنيا في غفلة عن الآخرة وما فيها وغفلتك من شهواتك ولذاتك وغرورك بالحياة الدنيا من هذا العذاب النازل بك الآن فكشفنا عنك غفلتك بما تشاهده اليوم عيانا بيانا من ألوان العذاب فبصرك اليوم حديد أي حاد تدرك به وتبصر ما كنت تكفر به في الدنيا وتنكره.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- بيان قدرة الله وعلمه وأنه أقرب إلى الإنسان من حبل وريده ألا فليتق الله امرؤ.
٢- تقرير عقيدة أن لكل إنسان مكلف ملكين يكتبان حسناته وسيئاته.
٣- بيان أن للموت سكرات قطعا اللهم هون علينا سكرات الموت.
٤- ساعة الاحتضار يؤمن كل إنسان بالدار الآخرة إذ يرى ما كان ينكره يراه بعينه.
٥- تقرير عقيدة البعث والجزاء بعرض بعض أحوال وأهوال الآخرة.
وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ (٢٣) أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (٢٤) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ (٢٥) الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللهِ إِلَهاً آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ (٢٦) قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (٢٧) قَالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (٢٨) مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (٢٩) ١يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (٣٠)
شرح الكلمات:
وقال قرينه: أي الملك الموكل به.
هذا ما لدي عتيد: أي هذا عمله حاضر لدي.
١ قرأ نافع: (يوم يقول) بالياء، وقرأ حفص (نقول) بالنون.
145
كل كفار عنيد: أي كثير الكفر والجحود لتوحيد الله وللقائه ولرسوله معاند كثير العناد.
مناع للخير معتد مريب: أي مناع للحقوق والواجبات من مال وغيره.
الذي جعل مع الله إلهاً آخر: أي أشرك بالله فجعل معه آلهة أخرى يعبدها.
ربنا ما أطغيته: أي يقول قرينه من الشياطين يا ربنا ما أطغيته أي ما حملته على الطغيان.
ولكن كان في ضلال بعيد: أي ولكن الرجل كان في ضلال بعيد عن كل هدى متوغلا في الشرك والشر.
وقد قدمت إليكم بالوعيد: أي قدمت إليكم وعيدي بالعذاب في كتبي وعلى لسان رسلي.
ما يبدل القول لدي: أي ما يغير القول عندي وهو قوله لأملأن جهنم منكم أجمعين.
يوم نقول لجهنم هل امتلأت: أي وما الله بظلام للعبيد يوم يقول لجهنم هل امتلأت.
وتقول هل من مزيد: أي لم أمتليء هل من زيادة فيضع الجبار عليها قدمه فتقول قط قط.
معنى الآيات:
ما زال السياق في تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر مشاهد القيامة وأحوال الناس فيها فقال تعالى ﴿وَقَالَ قَرِينُهُ١﴾ أي قال قرين٢ ذلك الكافر الذي جيئ به إلى ساحة فصل القضاء ومعه سائق يسوقه وشهيد يشهد عليه. قال قرينه وهو الملك الموكل به هذا ما لدي أي من أعمال هذا الرجل الذي وكلت بحفظ أعماله وكتابتها عتيد أي حاضر. وهنا يقال لمن استحق النار ﴿أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ﴾ وهو الخطاب لمن٣ جاءا به وهما السائق والشهيد ﴿كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ﴾ فهذه خمس صفات قد اجتمعت في شخص واحد فأوبقته الأولى ﴿كَفَّارٍ﴾ أي كثير الكفر الذي هو الجحود لما يجب الإيمان به والتصديق من سائر أركان الإيمان الستة، والثانية عنيد والعنيد التارك لكل ما يوجب عليه المعاند في الحق المعاكس في المعروف وهي شر صفة، الثالثة مناع للخير أي كثير المنع للخير مالاً كان أو غيره لا يبذل معروفاً قط؛ الرابعة معتدٍ أي على حدود
١ الواو واو الحال، والجملة حالية، وصاحب الحال تاء الخطاب في قوله تعالى ﴿لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا﴾ والقرين، بمعنى مقرون وهو مأخوذ من القرن بفتح القاف والراء وهو الحبل إذ كانوا يقرنون البعير بمثله بحبل سموه القرن.
٢ اختلف في تحديد القرين على ثلاثة أقوال وما ذكر في التفسير هو أرجحها.
٣ وجائز أن يكون خطاباً لواحد بصيغة التثنية على حد قول الشاعر: قفا بنك من ذكرى حبيب ومنزل.
146
الشرع معتد على الناس ظالم لهم بأكل حقوقهم وأذيتهم في أعراضهم وأموالهم وأبدانهم الخامسة مريب أي شاك لا يعرف التصديق بشيء من أمور الدين فهو جامع لكل أنواع الكفر وقوله ﴿الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللهِ إِلَهاً﴾ وهذا وصف سادس وهو أسوأ تلك الصفات وهو اتخاذه إلهاً آخر يعبده دون الله تعالى وقوله تعالى ﴿فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ﴾ هذا أمر آخر أكد به الأمر الأول وهو ألقيا في جهنم كل كفار عنيد. وقوله تعالى ﴿قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ﴾ قال هذا القول القرين لما قال المشرك معتذراً رب إن قريني من الشياطين أطغاني فرد عليه القرين بما أخبر تعالى به عنه في قوله قال قرينه ربنا ما أطغيته ولكن كان في ضلال بعيد فقال الرب تعالى ﴿لا تَخْتَصِمُوا١ لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ﴾ فرد الله حجة كل من الكافر والقرين من الشياطين وأعلمهما أنه قد قدم إليهما بالوعيد في كتبه وعلى ألسن رسله من كفر بالله وأشرك به وعصى رسله فإن له نار جهنم خالداً فيها أبداً.
وقوله تعالى ﴿مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾ أخبر٢ تعالى أن حكمه نافذ فيمن كفر به وعصى رسله إذ سبق قوله لإبليس عندما أخرج آدم من الجنة بوسواسه وهو لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين. فهذا القول الإلهي لا يبدل ولا يقدر أحد على تبديله وتغيريه وقوله ﴿وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾ نفى تعالى الظلم عن نفسه والظلم هو أن يعذب مطيعا، أو يدخل الجنة كافراً عاصياً. وقوله تعالى ﴿يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ﴾ أي اذكر يا نبينا لقومك المنهمكين في الشرك والمعاصي ما ينتظر أمثالهم من عذاب جهنم اذكر لهم يوم نقول لجهنم هل امتلأت فتقول هل من مزيد بعدما يدخل فيها كل كافر وكافرة من الإنس والجن وتقول طالبة الزيادة هل من مزيد؟ ولما لم يبق أحد يستحق عذاب النار يضع الجبار فيها قدمه فينزوي بعضها في بعض وتقول قط قط والحديث معناه في الصحيحين وغيرهما.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- تقرير عقيدة البعث والجزاء.
٢- التحذير من الصفات الست التي جاءت في الآية وهي الكفر والعناد ومنع الخير والاعتداء
١ النهي عن المخاصمة دال على أن النفوس الكافرة ادعت أن قرناءها أطغوها، وأن القرناء تنصلوا من ذلك، وأن النفوس أعادت القول فكانت بذلك خصومة فأسكتهم الحق عز وجل بقوله: ﴿لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ﴾.
٢ المبالغة في وصف (ظلام) راجعة إلى تأكيد النفي المطلق إذ المراد لا أظلم شيئا من الظلم، وليس المعنى ما أنا بكثير الظلم أو شديده إذ الأمر في أمثلة المبالغة أن يقصد بها المبالغة في النفي. قال طرفة:
ولست بحلال التلاع مخافة
ولكن متى يسترفد القوم أرفد
إذ لم يرد نفي كثرة حلوله التلاع وإنما أراد كثرة النفي إذ هو لم يحل في تلعة بالمرة جبناً وخوفاً.
147
والشك والشرك.
٣- بيان خصومة أهل النار من إنسان وشيطان.
٤- نفي الظلم عن الله تعالى وهو كذلك فلا يظلم الله أحدا من خلقه.
٥- إثبات١ صفة القدم للرب تعالى كما يليق هذا الوصف بذاته التي لا تشبه الذوات سبحانه وتعالى عن صفات المحدثين من خلقه.
وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (٣١) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (٣٢) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (٣٣) ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (٣٤) لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ (٣٥)
شرح الكلمات:
وأزلفت الجنة للمتقين: أي قربت الجنة للمتقين الذي اتقوا الشرك والمعاصي.
غير بعيد٢: أي مكانا غير بعيد منهم بحيث يرونها.
لكل أواب حفيظ: أي رجاع إلى طاعة الله كلما ترك طاعة عاد إليها حافظ لحدود الله.
من خشي الرحمن بالغيب: أي خاف الله تعالى فلم يعصه وإن عصاه تاب إليه وهو لم يره.
وجاء بقلب منيب: أي مقبل على طاعته تعالى.
ادخلوها بسلام: أي ويقال لهم وهم المتقون ادخلوها أي الجنة بسلام أي مع سلام وحال كونكم سالمين من كل مخوف.
ولدينا مزيد: أي مزيد من الإنعام والتكريم في الجنة وهو النظر إلى وجه الله الكريم.
١ أخرج مسلم في صحيحه أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لا تزال جهنم يلقى فيها وتقول هل من مزيد؟ حتى يضع رب العزة فيها قدمه فينزوي بعضها إلى بعض، وتقول قط قط بعزتك وكرمك ولا يزال في الجنة فضل حتى ينشء الله لها خلقاً فيسكنهم فضل الجنة " نزع هنا بعض أهل العلم كالقرطبي إلى تأويل القدم ففسرها بما يقدم للنار من أقوام وأولوا كذلك لفظ الرجل في حديث "حتى يضع الله عليها رجله" وقال الرجل بمعنى العدد الكثير من الناس كالرجل من الجراد، ولا داعي لهذا التأويل الذي لم يؤوله رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يحدث به أصحابه فالأسلم للمؤمن أن يؤمن بصفات الله ويمرها كما جاءت فالقدم، والرجل كاليد والعين صفات ذات لله يؤمن العبد بها وهو يعتقد أنها لا تشبه صفات العباد وهي كذلك والحمد لله.
(غير بعيد) نعت لمحذوف تقديره مكانا غير بعيد من المتقين والإزلاف للتقريب.
148
معنى الآيات:
ما زال السياق في تقرير البعث والجزاء بذكر بعض مظاهره قال تعالى بعدما ذكر ما لأهل النار من عذاب ﴿وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ﴾ أي١ أدنيت وقربت ﴿للمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ﴾ وهم الذين اتقوا الله تعالى بترك الشرك والمعاصي فلا تركوا فريضة ولا غشوا كبيرة. ٢ وقوله تعالى هذا ما توعدون أي يقال لهم هذا ما توعدون أي من النعيم المقيم، لكل أواب حفيظ أي رجاع إلى طاعة الله تعالى حفيظ أي حافظ لحدود الله. حفيظ أيضا بذنوبه لا ينساها كلما ذكرها استغفر الله تعالى منها. وقوله من خشي الرحمن بالغيب هذا بيان للأواب الحفيظ وهو من خاف الرحمن تعالى بالغيب أي وهو غائب عنه لا يراه ولم يعصه بترك واجب ولا بفعل حرام، وقوله وجاء بقلب منيب٣ أي إلى ربه أي مقبل على طاعته بذكر الله فلا ينساه ويطيعه فلا يعصيه، وقوله تعالى ادخلوها أي يقال لهم أي للمتقين ادخلوها أي الجنة٤ بسلام أي مسلما عليكم مسالمين من كل مخوف كالموت والمرض والألم والحزن وذلك يوم الخلود أي في الجنة وفي النار فأهل اللجنة خالدون فيها وأهل النار خالدون٥ فيها وقوله لهم ما يشاءون فيها أي لأهل الجنة ما يشاءون أي ما تشتهيه أنفسهم وتلذه أعينهم وقوله ولدينا مزيد أي وعندنا لكم مزيد من النعيم وهو النظر إلى وجهه الكريم.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- فضل التقوى وكرامة المتقين على رب العالمين.
٢- فضل الأواب الحفيظ وهو الذي كلما ذكر ذنبه استغفر ربه.
٣- بيان أكبر نعيم في الجنة وهو رضا الله والنظر إلى وجهه الكريم.
وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ (٣٦) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ
١ عطف على (يوم نقول لجهنم هل امتلأت).
٢ أ، تركوا وغشوا ولكن تابوا وصحت توبتهم فقبلت منهم فهم كمن لم يترك لم يترك فريضة ولم يغش كبيرة إذ التوبة تجب ما قبلها، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له.
٣ أي: حضر يوم القيامة مصاحباً قلبه المنيب إلى الله، وفي الحديث: "من مات على شيء بعث عليه" فهذا العبد عاش ومات على قلب منيب فبعثه به شاهد عليه بالإنابة إلى ربه.
٤ هذا كقوله تعالى: ﴿ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ﴾.
٥ هذا المطلق من الأخبار مقيد قطعاً بمن مات على الشرك والكفر أما من مات على الإيمان والتوحيد فإنه لا يخلد في النار بل يخرج منها إلى الجنة ومن ينكر هذا كالخوارج فقد كذب الله ورسوله ومن كذب الله ورسوله عامداً فقد كفر.
149
لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (٣٧) وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ (٣٨) فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ (٣٩) وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ (٤٠) وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ (٤١) يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ (٤٢) إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ (٤٣) يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعاً ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ (٤٤) نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ (٤ ٥)
شرح الكلمات:
وكم أهلكنا قبلهم من قرن: أي كثيرا من أهل القرون قبل كفار قريش وأهلكناهم.
هم أشد منهم بطشا: أي أهل القرون الذين أهلكناهم قبل كفار قريش هم أشد قوة وأعظم أخذا من كفار قريش ومع هذا أهلكناهم.
فنقبوا في البلاد هل من محيص: أي بحثوا وفتشوا في البلاد علهم يجدون مهرباً من الهلاك فلم يجدوا.
إن في ذلك لذكرى: أي إن في المذكور من إهلاك الأمم القوية موعظة.
لمن كان له قلب أو ألقى السمع: أي موعظة تحصل للذي له قلب حي وألقى سمعه يستمع.
وهو شهيد: وهو شهيد أي حاضر أثناء استماعه حاضر القلب والحواس.
وما مسنا من لغوب: أي من نصب ولا تعب.
فاصبر على ما يقولون: أي فاصبر يا رسولنا على ما يقوله اليهود وغيرهم من التشبيه لله والتكذيب بصفاته.
150
وسبح بحمد ربك قبل طلوع: أي صل حامداً لربك قبل طلوع الشمس وهي صلاة الفجر.
الشمس
وقبل الغروب: أي صل صلاة الظهر والعصر.
ومن الليل فسبحه: أي صل صلاتي المغرب والعشاء.
وأدبار السجود: أي بعد أداء الفرائض فسبح بألفاظ الذكر والتسبيح.
واستمع: أي أيها المخاطب إلى ما أقول لك.
يوم ينادي المناد من مكان قريب: أي يوم ينادي إسرافيل من مكان قريب من السماء وهو صخرة بيت المقدس فيقول أيتها العظام البالغة والأوصال المتقطعة واللحوم المتمزقة والشعور المتفرقة إن الله يأمركن أن تجتمعن لفصل القضاء.
يوم يسمعون الصيحة بالحق: أي نفخة إسرافيل الثانية وهي نفخة البعث يعلمون عاقبة تكذيبهم.
ذلك يوم الخروج: أي من القبور.
يوم تشقق الأرض عنهم سراعا: أي يخرجون من قبورهم مسرعين بعد تشقق القبور عنهم.
ذلك حشر علينا يسير: أي ذلك حشر للناس وجمع لهم في موقف الحساب يسير سهل علينا.
نحن أعلم بما يقولون: أي من الكفر والباطل فلا تيأس لذلك سننتقم منهم.
وما أنت عليهم بجبار: أي بحيث تجبرهم على الإيمان والتقوى.
فذكر بالقرآن: أي عظ مرغبا مرهبا بالقرآن فقرأه على المؤمنين فهم الذين يخافون وعيد الله تعالى ويطمعون في وعده.
معنى الآيات:
بعد ذلك العرض العظيم لأحوال القيامة وأهوالها على كفار قريش المكذبين بالتوحيد والنبوة والبعث ولم يؤمنوا فكانوا بذلك متعرضين للعذاب فأخبر تعالى رسوله أن هلاكهم يسير فكم١ أهلك تعالى ﴿قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً﴾ أي قوة وأخذاً ولما جاءهم العذاب فروا يبحثون
١ قوله تعالى: ﴿وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ﴾ هذا تعريض بالتهديد للمشركين وتسلية للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. و (كم) خبرية.
151
عن مكان يحيصون إليه أي يلجأون فلم يجدوا وهو معنى قوله تعالى ﴿فَنَقَّبُوا فِي١ الْبِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ٢﴾ وقوله تعالى ﴿إِنَّ ذَلِكَ﴾ ٣ أي الذي ذكرنا من قوله وكم أهلكنا قبلهم من قرن لذكرى أي موعظة يتعظ بها عبد كان له قلب حي وألقى سمعه يستمع وهو شهيد أي حاضر بكل مشاعره وأحاسيسه. وقوله تعالى ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ﴾ أولها الأحد وآخرها الجمعة ﴿وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ﴾ أي نصب أو تعب، هذا الخبر رد الله تعالى به على اليهود الذين قالوا أتم الله خلق السماوات والأرض في يوم الجمعة واستراح يوم السبت فلذا هم يسبتون أي يستريحون يوم السبت فرد تعالى عليهم بقوله ﴿وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ﴾ أي تعب، إذ التعب يلحق العامل من الممارسة والمباشرة لما يقوم بعمله والله تعالى يخلق بكلمة التكوين فلذا لا معنى لأن يصيبه تعب أو نصب أو لغوب وقوله تعالى ﴿فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ﴾ أي فاصبر يا رسولنا على ما يقوله يهود وغيرهم من الكفر والباطل واستعن على ذلك أي على الصبر وهو صعب بالصلاة والتسبيح قبل طلوع الشمس٤ وقبل الغروب، ومن الليل فسبحه وأدبار النجوم فشمل هذا الإرشاد والتعليم الإلهي الصلوات الخمس٥، إذ قبل طلوع الشمس فيه صلاة الصبح وقبل الغروب فيه صلاة الظهر والعصر ومن الليل فيه صلاة المغرب والعشاء، ولنعم العون على الصبر الصلاة، ولذا كان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ حزبه أمر فزع إلى الصلاة، وقوله أدبار السجود٦ أي بعد الصلوات الخمس سبح ربك متلبسا بحمده. نحو سبحان الله والحمد لله والله أكبر. وقوله ﴿وَاسْتَمِعْ٧ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ﴾ أي واستمع أيها الخاطب يوم ينادي إسرافيل من مكان
(النقب) الثقب فالتنقيب مأخوذ منه، ومعنى الآية أي: ذللوا وأخضعوا وتصرفوا في الأرض بالحفر والغرس والبناء ونحت الجبال وإقامة السدود والحصون وما إلى ذلك من مظاهر القوة في الأرض ولم يغني ذلك عنهم من الله شيئا وجاءهم الموت من حيث لا مهرب منه ولا محيص.
٢ المحيص: مصدر ميمي من: حاص: إذا عدل عن الطريق وهرب فالمحيص: المهرب، والاستفهام إنكاري وهو بمعنى النفي.
٣ الإشارة إلى كل ما ذكر من الاستدلال والتهديد في الآيات السابقة والذكرى: التذكرة العقلية لمن توفر له ثلاثة شروط: القلب الحي وإلقاء السمع للإصغاء وحضور البال.
٤ في الصحيح عن جرير بن عبد الله البجلي قال: كنا جلوساً عند النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "إذ نظر إلى القمر ليلة البدر فقال: أما إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا" ثم قرأ جرير (وسبح بحمد ربك..)
٥ وجائز أن يراد بها نوافل الصلاة فيكون الذي قبل طلوع الشمس ركعتا الفجر ولكن ما في التفسير أولى وأصح وأنها الصلوات الخمس إذ السورة مكية ونزلت بعد فرض الصلوات الخمس.
٦ قرأ نافع: (وإدبار) بكسر الهمزة، وقرأ حفص (وأدبار) بفتحها.
٧ التعبير بالاستماع فيه معنى التشويق لما يسمع، والمعنى، أقم الصلاة وهي زادك إلى الدار الآخرة وانتظر موعد الجزاء فإنه كائن يوم ينادي المنادي للقيام للجزاء على الصبر والصلاة كما هو على الشرك والعصيان، والآية تحمل التسلية وتدعو إلى الصبر والصلاة.
152
قريب وهو صخرة بيت المقدس وهو مكان قريب من السماء فيقول المنادي وهو إسرافيل أيتها العظام البالية والأوصال المتقطعة واللحوم المتمزقة والشعور المتفرقة إن الله يأمركن أن تجتمعن لفصل القضاء وقوله ﴿يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ﴾ وهي نفخة إسرافيل الثانية نفخة البعث ﴿ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ﴾ من القبور ويوم يرى المكذبون عاقبة تكذيبهم. وقوله ﴿يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ١ عَنْهُمْ سِرَاعا﴾ أي يخرجون مسرعين ذلك المذكور من تشقق الأرض وخروجهم مسرعين حشر علينا لهم يسير أي سهل لا صعوبة فيه، وقوله ﴿نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ﴾ فيه تسلية للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفيه تهديد لكفار قريش. وقوله ﴿وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ﴾ أي بذي قوة وقدرة فائقة تجبرهم بها على الإيمان والاستقامة وعليه فمهمتك ليست الإجبار وأنت عاجز عنه وإنما هي التذكير ﴿فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ﴾ إذاً ﴿مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ﴾ وهم المؤمنون الصادقون والمسلمون الصالحون.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- مشروعية تخويف العصاة والمكذبين بالعذاب الإلهي وقربه وعدم بعده.
٢- للانتفاع بالمواعظ شروط أن يكون السامع ذا قلب حي واعٍ وأن يلقي بسمعه كاملا وأن يكون حاضر الحواس شهيدها.
٣- وجوب الصبر والاستعانة على تحقيقه بالصلاة.
٤- مشروعية الذكر والدعاء بعد الصلاة فرادى لا جماعات.
٥- تقرير البعث وتفصيل مبادئه.
٦- المواعظ ينتفع بها أهل القلوب الحية.
١ قرأ نافع (تشقق) بفتح التاء وتشديد الشين بتائين فأدغمت التاء الثانية في الشين بعد قلبها شيناً، وقرأ حفص بتخفيف الشين على حذف إحدى التائين.
153
Icon