تفسير سورة ق

إعراب القرآن و بيانه
تفسير سورة سورة ق من كتاب إعراب القرآن وبيانه المعروف بـإعراب القرآن و بيانه .
لمؤلفه محيي الدين الدرويش . المتوفي سنة 1403 هـ

(٥٠) سورة ق مكيّة وآياتها خمس وأربعون
[سورة ق (٥٠) : الآيات ١ الى ٨]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ (١) بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقالَ الْكافِرُونَ هذا شَيْءٌ عَجِيبٌ (٢) أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ (٣) قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ (٤)
بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ (٥) أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْناها وَزَيَّنَّاها وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ (٦) وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (٧) تَبْصِرَةً وَذِكْرى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (٨)
اللغة:
(مَرِيجٍ) مضطرب وأصله من الحركة والاضطراب ومنه مرج الخاتم في إصبعه إذا قلق من الهزال، وفي المختار: «مرج الأمر والدين اختلط وبابه طرب وأمر مريج مختلط» والمعنى أنهم لا يثبتون على رأي واحد فتارة يقولون: شاعر وتارة ساحر وتارة كاهن.
280
الإعراب:
(ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ) تقدم القول في فواتح السور فجدد به عهدا، والواو حرف قسم وجر والقرآن مقسم به والمجيد صفة والجواب محذوف يدل عليه ما بعده وتقديره أنك جئتهم منذرا بالبعث فلم يقبلوا بل عجبوا وقيل هو مذكور واختلفوا في تقديره فقيل هو قد علمنا وقيل هو قوله ما يلفظ من قول والأول أولى وأرسخ عرقا في البلاغة، وقدره أبو البقاء لتبعثنّ أو لترجعنّ على ما دلّ عليه سياق الآيات (بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقالَ الْكافِرُونَ هذا شَيْءٌ عَجِيبٌ) بل حرف عطف وإضراب، أضرب عن جواب القسم المحذوف لبيان حالتهم الزائدة في الشناعة والقبح، وعجبوا فعل وفاعل وأن وما في حيزها في تأويل مصدر منصوب بنزع الخافض أي من أن جاءهم ومنذر فاعل جاءهم ومنهم صفة لمنذر، فقال الفاء عاطفة وقال الكافرون فعل وفاعل وهذا مبتدأ وشيء خبر وعجيب صفة والجملة مقول القول (أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ) الهمزة للاستفهام الإنكاري وإذا ظرف لما يستقبل من الزمن متضمن معنى الشرط ومتنا فعل وفاعل وجملة متنا في محل جر بإضافة الظرف إليها، وناصب الظرف مضمر معناه أحين نموت ونبلى نرجع لأن ما بعده دلّ عليه، وكنّا كان واسمها وترابا خبرها وذلك مبتدأ ورجع خبر وبعيد صفة أي مستبعد مستنكر من قولك هذا كلام بعيد أي بعيد من الوهم والعادة (قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ) كلام مستأنف مسوق للردّ على استبعادهم ما هو قريب من مفهوم المؤمنين الذين شرح الله صدورهم، وقد حرف تحقيق وعلمنا فعل وفاعل وما موصول مفعول به وجملة تنقص الأرض صلة ومنهم متعلق بتنقص والواو حالية وعندنا ظرف متعلق بمحذوف خبر مقدّم وكتاب مبتدأ مؤخر وحفيظ صفة والجملة حال (بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ فَهُمْ
281
فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ)
بل حرف إضراب وعطف إضراب انتقالي مما هو شنيع إلى ما هو أشنع وأقبح وهو تكذيب النبوّة بعد إنكار البعث، وكذبوا فعل وفاعل وبالحق متعلقان بكذبوا ولما ظرفية حينية أو رابطة، فهم الفاء عاطفة وهم مبتدأ وأمر خبر ومريج صفة (أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْناها وَزَيَّنَّاها وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ) الهمزة للاستفهام الإنكاري والفاء عاطفة على محذوف يطيح بكل ما قالوه افتئاتا على الحق وإنكارا له أي أغفلوا وعملوا فلم ينظروا ولم حرف نفي وقلب وجزم وإلى السماء متعلقان بينظروا وكيف اسم استفهام في محل نصب حال وبنيناها فعل وفاعل ومفعول به والجملة بدل من السماء والواو للحال وما نافية ولها خبر مقدّم ومن حرف جر زائد وفروج مجرور لفظا مبتدأ مؤخر محلا، وفروج: فتوق وشقوق وصدوع، وهو جمع فرج (وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ) الواو حرف عطف والأرض عطف على محل إلى السماء وهو النصب على المفعولية، ولك أن تنصب الأرض بفعل محذوف تقديره ومددنا الأرض وعلى الأول تكون جملة مددناها حالية، وألقينا عطف على مددنا وفيها متعلقان بألقينا ورواسي مفعول به أي جبالا راسية ثوابت (وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) وأنبتنا عطف على ما تقدم أيضا وفيها متعلقان بأنبتنا ومن كل زوج متعلقان بأنبتنا أيضا وبهيج صفة لزوج (تَبْصِرَةً وَذِكْرى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ) تبصرة وذكرى مفعول من أجله وقيل نصب بفعل مقدّر من لفظهما أي على المفعولية المطلقة وقيل حالان من الفاعل أي مبصرين ومذكرين أو حال من المفعول أي ذات تبصرة وذات تذكرة ولكل متعلقان بتبصرة وبذكرى وعبد مضاف إليه ومنيب نعت لعبد.
البلاغة:
١- في قوله: «ق» إلى قوله «عجيب» فن التسجيع أو الإسجاع
282
وهو بحث طويل ألّف فيه علماء هذا الفن الكتب المطوّلة، وهو أن يتوخى المتكلم تسجيع جمل كلامه، وهو على ضربين: ضرب تأتي فيه الجمل المسجعة مجملة مندمجة في الجمل المهملة وضرب تأتي فيه الجمل المسجعة منفردة، ومن الأول قول عبد السلام بن غياث الحمصي المعروف بديك الجن: حر الإهاب وسيمه، بر الإياب كريمه، محض النصاب حميمه. وسيأتي ذكر الضرب الثاني في سورة الرحمن.
٢- في قوله «المجيد» مجاز بالإسناد لأنه حال المتكلم لأن من علم أحكامه ومراميه، وامتثل لأوامره ونواهيه مجد.
[سورة ق (٥٠) : الآيات ٩ الى ١٥]
وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (٩) وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ (١٠) رِزْقاً لِلْعِبادِ وَأَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ الْخُرُوجُ (١١) كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ (١٢) وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوانُ لُوطٍ (١٣)
وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ (١٤) أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ (١٥)
اللغة:
(الْحَصِيدِ) الذي من شأنه يحصد.
(باسِقاتٍ) البسوق: الطول وفي المصباح: «بسقت النخلة بسوقا من باب فقد طالت فهي باسقة والجمع باسقات وبواسق وبسق الرجل:
مهر في عمله» قال الشاعر:
283
لنا خمر وليست خمر كرم... ولكن من نتاج الباسقات
كرام في السماء ذهبن طولا... وفات ثمارها أيدي الجناة
ومن قولهم في المعنى الثاني قول ابن نوفل في ابن هبيرة:
يا ابن الذين بمجدهم... بسقت على قيس فزاره
(نَضِيدٌ) متراكب بعضه فوق بغض وقد تقدم شرح معنى الطلع في قوله تعالى «ومن طلعها قنوان».
(أَفَعَيِينا) من عيي بالأمر إذا لم يهتد لوجه علمه، وعيي عن حجته يعيا من باب عيا عجز عنه وقد يدغم الماضي فيقال عيّ فالرجل عيّ فالرجل عي وعيي على فعل وفعيل وعيي بالأمر لم يهتد لوجهه وأعياني بالألف أتعبني، فأعييت يستعمل متعديا ولازما وأعيا في مشيه فهو معي منقوص. وفي المختار: «العيّ ضد البيان وقد عيي في منطقه فهو عي على فعل وعيي يعيا بوزن رضي يرضى فهو عيي على فعيل ويقال أيضا عي وعيي إذا لم يهتد لوجهه والإدغام أكثر وأعياه أمره».
(لَبْسٍ) شك وخلط وشبهة.
الإعراب:
(وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ) الواو عاطفة ونزلنا فعل وفاعل ومن السماء متعلقان بنزلنا وماء مفعول به ومباركا صفة، فأنبتنا عطف على نزلنا وبه متعلقان بأنبتنا وجنات مفعول به وحب الحصيد عطف على جنات، أي وحب النبت المحصود، وحذف الموصوف (وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ) والنخل عطف على جنات وحب الحصيد وباسقات حال مقدّرة لأنها في وقت الإنبات لم تكن طوالا ولها خبر مقدّم وطلع مبتدأ مؤخر ونضيد نعت لطلع والجملة
284
حال من النخل الباسقات بطريق الترادف أو من الضمير في باسقات على طريق التداخل (رِزْقاً لِلْعِبادِ وَأَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ الْخُرُوجُ) يجوز في رزقا أن يكون مفعولا من أجله أو مفعولا مطلقا على أنه مصدر من معنى أنبتنا أو حالا أي مرزوقا للعباد أو ذا رزق وللعباد صفة لرزقا ومتعلق به على أنه مصدر وأحيينا عطف على فأنبتنا وبه متعلق بأحيينا وبلدة مفعول به وميتا نعت وكذلك خبر مقدم والخروج مبتدأ مؤخر وتقديم الخبر للحصر (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ) كلام مستأنف لبيان حقيقة راهنة عن البعث واتفاق جميع الرسل عليه وقبلهم ظرف متعلق بكذبت وقوم نوح فاعل وما بعده عطف عليه (وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوانُ لُوطٍ) عطف على ما تقدم أيضا (وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ) عطف أيضا وقد مرّت جميعا (كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ) كل مبتدأ والتنوين فيه عوض عن كلمة أي كل رسول من المذكورين وجملة كذب الرسل خبره والفاء عاطفة وحق فعل ماض ووعيد فاعل مضاف لياء المتكلم وأصله وعيدي فحذفت الياء وبقيت الكسرة دليلا عليها (أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ) الهمزة للاستفهام أي لم نع به فلا نعيا بإعادته والفاء عاطفة على محذوف تقديره أقصدنا الخلق فعجزنا عنه حتى يتوهم أحد عجزنا عن إعادته وعيينا فعل وفاعل وبالخلق متعلقان بعيينا فالأول صفة للخلق وبل عطف على مقدّر مستأنف مسوق لبيان شبهتهم وفضح سفسطتهم والتقدير هم غير منكرين لقدرتنا بل هم في خلط وشبهة، وهم مبتدأ وفي لبس خبر ومن خلق نعت للبس وجديد نعت لخلق.
البلاغة:
التعريف والتنكير في تعريف الخلق الأول وتنكير اللبس والخلق الجديد لأغراض بلاغية معجزة، فالتعريف تنويه بفخامة ما قصد تعريفه
285
وتعظيمه، ومثله تعريف الذكور في قوله تعالى «ويهب لمن يشاء الذكور» والقصد منه جعله دليلا على إمكان الخلق الثاني بطريق الأولى لأنه إذا لم يع تعالى بالخلق على عظمته وانفساحه واستيعابه لما يدهش العقول ويحير الأفكار فالخلق الآخر هو مجرد إعادة أولى أن لا يعبأ به وأن لا يتجاوز مدى القدرة والإمكان فهذا سرّ تعريف الخلق الأول، وأما التنكير فأمره منقسم، فمرة يقصد به تفخيم المنكر من حيث ما فيه من الإبهام كأنه أفخم من أن يخاطبه معرفة، ومرة يقصد به التقليل من المنكر والوضع منه، ومن الأول قوله تعالى «سلام قولا من رب رحيم» وقوله «لهم مغفرة وأجر عظيم» وقوله «إن المتقين في جنات ونعيم» وهو أكثر من أن يحصى، والثاني هو الأصل في التنكير فلا يحتاج إلى تمثيله فتنكير اللبس من التعظيم والتفخيم كأنه قال: في لبس أي وتنكير الخلق الجديد للتقليل منه والتهوين لأمره بالنسبة إلى الخلق الأول يحتمل أن يكون للتفخيم وكأنه أمر أعظم من أن يرضى الإنسان بكونه ملتبسا عليه مع أنه أول ما تبصر فيه صحته.
[سورة ق (٥٠) : الآيات ١٦ الى ٢٠]
وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (١٦) إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ (١٧) ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (١٨) وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (١٩) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ (٢٠)
اللغة:
(تُوَسْوِسُ) الوسوسة الصوت الخفي ومنها وسواس الحلي،
286
ووسوسة النفس ما يخطر ببال الإنسان ويهجس في ضميره من حديث النفس.
(حَبْلِ الْوَرِيدِ) قال الزمخشري: «وحبل الوريد مثل في فرط القرب كقولهم هو منّي معقد القابلة ومعقد الإزار وقال ذو الرمّة:
هل أغدونّ في عيشة رغيد والموت أدنى لي من الوريد
أي لا أكون في عيشة واسعة والحال أن الموت أقرب إليّ من الوريد، والوريدان عرقان في مقدّم صفحتي العنق سمّيا بذلك لأنهما يردان من الرأس أو لأن الروح تردهما وقد تقدم بحث وجه إضافة الحبل إلى الوريد.
(عَتِيدٌ) حاضر، وفي المصباح «عتد الشيء بالضم عتادا بالفتح حضر فهو عتد بفتحتين وعتيد أيضا ويتعدى بالهمزة والتضعيف فيقال أعتده صاحبه وعتده إذا أعدّه وهيأه، وفي التنزيل: وأعتدت لهنّ متكأ»
.
الإعراب:
(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) الواو استئنافية واللام جواب للقسم المحذوف وقد حرف تحقيق وخلقنا الإنسان فعل ماض وفاعل ومفعول به والواو للحال بتقدير نحن وجملة نعلم خبر مبتدأ مقدّر والجملة الاسمية في محل نصب على الحال المقدّرة ولك أن تجعل الواو استئنافية فتكون الجملة مستأنفة وما مفعول به وجملة توسوس صلة ولك أن تجعل ما مصدرية والتقدير ونعلم وسوسة نفسه له وبه متعلقان بتوسوس ونفسه فاعل، ونحن الواو عاطفة ونحن مبتدأ وأقرب خبر وإليه متعلقان بأقرب ومن حبل الوريد متعلقان بأقرب أيضا (إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ عَنِ الْيَمِينِ
287
وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ)
إذ يجوز أن يكون ظرفا لأقرب وأن يكون التقدير اذكر وجملة يتلقى في محل جر بإضافة الظرف إليه والمتلقيان فاعل وعن اليمين خبر مقدم والشمال عطف على اليمين وقعيد مبتدأ مؤخر والجملة في محل نصب على الحال من المتلقيان (ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) ما نافية ويلفظ فعل مضارع وفاعله ضمير مستتر تقديره هو يعود على الإنسان ومن حرف جر زائد وقول مجرور لفظا منصوب محلا على أنه مفعول يلفظ وإلا أداة حصر ولديه ظرف مكان متعلق بمحذوف خبر مقدم ورقيب عتيد مبتدأ مؤخر وهو واحد في اللفظ والمعنى رقيبان عتيدان أو ملكان موصوفان بأنهما رقيبان عتيدان وقيل لا حاجة إلى هذا التقدير بل الأولى جعل الوصفين لشيء واحد أي إلا لديه ملك موصوف بأنه رقيب عتيد أي حافظ حاضر (وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ) كلام مستأنف مسوق لبيان ما يلاقونه من الموت والبعث وما يترتب عليهما من الأهوال، وجاءت سكرة الموت فعل وفاعل وبالحق حال أي حال كونها ملتبسة بالحق فالباء للملابسة وقيل هي للتعدية يعني وأحضرت سكرة الموت حقيقة الأمر الذي أنطق الله به كتبه وبعث به رسله ورجح الزمخشري هذا الوجه، وذلك مبتدأ وما خبر وكان واسمها ومنه متعلقان بتحيد وجملة تحيد خبر كنت وجملة كنت صلة ما وجملة ذلك ما كنت مقول قول محذوف أي ويقال له في وقت الموت ذلك الأمر الذي رأيته لا الذي كنت منه تحيد في حياتك فلم ينفعك الهرب وما أنجاك الفرار (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ) عطف على وجاءت سكرة الموت ونفخ فعل ماض مبني للمجهول وفي الصور متعلقان بنفخ وذلك مبتدأ ويوم الوعيد خبره والإشارة إلى مصدر نفخ.
[سورة ق (٥٠) : الآيات ٢١ الى ٣٠]
وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ (٢١) لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (٢٢) وَقالَ قَرِينُهُ هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ (٢٣) أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (٢٤) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ (٢٥)
الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَأَلْقِياهُ فِي الْعَذابِ الشَّدِيدِ (٢٦) قالَ قَرِينُهُ رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ وَلكِنْ كانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (٢٧) قالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (٢٨) ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَما أَنَا بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (٢٩) يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (٣٠)
288
الإعراب:
(وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ) الواو عاطفة وجاءت كل نفس فعل وفاعل ومعها ظرف مكان متعلق بمحذوف خبر مقدم وسائق مبتدأ مؤخر وشهيد عطف على سائق والجملة الاسمية في محل رفع صفة لكل أو في محل نصب صفة لها أي معها من يسوقها ويشهد عليها ولك أن تجعلها حالية (لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) الجملة مقول قول محذوف أي يقال لكل نفس واللام جواب للقسم المحذوف وقد حرف تحقيق وكان واسمها وفي غفلة خبرها ومن هذا متعلقان بغفلة والفاء حرف عطف وكشفنا فعل وفاعل وعنك متعلقان بكشفنا وغطاءك مفعول به والفاء عاطفة وبصرك مبتدأ واليوم ظرف متعلق بمحذوف حال وحديد خبر بصرك (وَقالَ قَرِينُهُ هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ) الواو عاطفة وقال قرينه فعل وفاعل والمراد بالقرين
289
الملك الموكل به أو الشيطان الذي سوّل له الشر وهذا مبتدأ وما يجوز أن تكون نكرة موصوفة وعتيد صفتها ولدي ظرف متعلق بعتيد أي هذا شيء عتيد لدي أي حاضر عندي ويجوز على هذا أن يكون لدي وصفا لما وعتيد صفة ثانية أو خبر لمبتدأ محذوف أي هو عتيد ويجوز أن تكون ما موصولة بمعنى الذي ولدي صلتها وعتيد خبر الموصول والموصول وصلته خبر اسم الإشارة ويجوز أن تكون ما بدلا من هذا موصولة أو موصوفة بلدي وعتيد خبر هذا، وجوّز الزمخشري في عتيد أن يكون بدلا أو خبرا بعد خبر أو خبر مبتدأ محذوف وفيما يلي نص إعراب الزمخشري قال: «فإن قلت: كيف إعراب هذا الكلام؟ قلت: إن جعلت ما موصوفة فعتيد صفة لها وإن جعلتها موصولة فهو بدل أو خبر بعد خبر أو خبر مبتدأ محذوف». وقال أبو البقاء: «قوله تعالى: هذا مبتدأ وفي ما وجهان أحدهما هي نكرة وعتيد صفتها ولدي معمول عتيد ويجوز أن يكون لدي صفة أيضا فيتعلق بمحذوف وما وصفتها خبر هذا والوجه الثاني أن تكون ما بمعنى الذي فعلى هذا تكون ما مبتدأ ولدي صلة وعتيد خبر ما والجملة خبر هذا ويجوز أن تكون ما بدلا من هذا ويجوز أن يكون عتيد خبر مبتدأ محذوف ويكون ما لدي خبرا عن هذا أي هو عتيد ولو جاء ذلك في غير القرآن لجاز نصبه على الحال».
(أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ) الجملة مقول قول محذوف أي يقال ألقيا، وألقيا فعل أمر مبني على حذف النون لاتصاله بألف الاثنين، قيل خاطب الملكين السائق والشهيد وقيل هو خطاب للواحد وأخرج الكلام مخرج الخطاب مع الاثنين لأن العرب من عادتهم إجراء خطاب الاثنين على الواحد والجمع فمن ذلك قول امرئ القيس:
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل بسقط اللوى بين الدخول فحومل
وقول الآخر:
290
فإن تزجراني يا ابن عفان أنزجر وإن ترعياني أحم عرضا ممنعا
خاطب الواحد خطاب الاثنين وإنما فعلت العرب ذلك لأن الرجل يكون أدنى أعوانه اثنين: راعي إبله وراعي غنمه، وكذلك الرفقة أدنى ما تكون ثلاثة فجرى خطاب الاثنين على الواحد لمرور ألسنتهم عليه ويجوز أن يكون المراد به ألق ألق وقف قف فإلحاق الألف أمارة دالّة على أن المراد تكرير اللفظ كما قال أبو عثمان المازني في قوله تعالى:
رب ارجعون، والمراد منه أرجعني أرجعني أرجعني فجعلت الواو علما مشعرا بأن المعنى تكرير اللفظ مرارا وقيل أراد ألقين وأراد امرؤ القيس فقن على جهة التأكيد فقلب النون ألفا في حال الوصل لأن هذه النون تقلب أيضا في حال الوقف فحمل الوصل على الوقف، ألا ترى أنك لو وقفت على قوله تعالى «لنسفعن» قلت: لنسفعا ومنه قول الأعشى:
وصلّ على حين العشيات والضحى ولا تحمد الشيطان والله فاحمدا
أراد فاحمدن فقلب نون التوكيد ألفا. وفي جهنم متعلقان بألقيا وكلّ كفّار مفعول به وعنيد صفة لكفّار (مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ) صفات متتابعة (الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَأَلْقِياهُ فِي الْعَذابِ الشَّدِيدِ) الذي يجوز أن يكون بدلا من كل فيكون في محل نصب أو بدلا من كفّار فيكون في محل جر وأن يكون منصوبا على الذم وأن يكون مبتدأ فيكون في محل رفع وجملة جعل صلة ومع الله ظرف متعلق بمحذوف مفعول به ثان وإلها آخر مفعول به أول والفاء رابطة لشبه الموصول بالشرط في العموم، وألقياه فعل أمر وفاعل ومفعول به والجملة خبر الذي إذا جعلت خبرا والأول أرجح وفي العذاب متعلقان بألقياه والشديد نعت للعذاب (قالَ قَرِينُهُ رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ وَلكِنْ كانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ) قال قرينه فعل وفاعل وربنا منادى مضاف وما نافية وأطغيته فعل وفاعل ومفعول به ولكن حرف استدراك مهمل لأنه خفّف وكان فعل ماض ناقص واسمها
291
مستتر تقديره هو وفي ضلال متعلقان بمحذوف خبر كان وبعيد صفة لضلال وجملة قال قرينه مستأنفة ولذلك جاءت بلا واو، قال الزمخشري: «فإن قلت لم أخليت هذه الجملة عن الواو وأدخلت على الأولى قلت لأنها استؤنفت كما تستأنف الجمل الواقعة في حكاية التقاول كما رأيت في حكاية المقاولة بين موسى وفرعون فإن قلت: فأين التقاول هاهنا؟
قلت: لما قال قرينه هذا ما لديّ عتيد، وتبعه قوله: قال ربنا ما أطغيته، وتلاه: لا تختصموا لديّ، علم أن ثم مقاولة من الكافر لكنها طرحت لما يدل عليها كأنه قال رب هو أطغاني فقال قرينه ربنا ما أطغيته، وأما الجملة الأولى فواجب عطفها للدلالة على الجمع بين معناها ومعنى ما قبلها في الحصول أعني مجيء كل نفس مع الملكين وقول قرينه ما قال له»
(قالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ) لا ناهية وتختصموا فعل مضارع مجزوم والجملة مقول القول ولدي ظرف متعلق بتختصموا والواو للحال وقد حرف تحقيق وقدمت فعل وفاعل وإليكم متعلقان بقدمت والباء في بالوعيد مزيدة مثلها في ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة أو معدية، على أن قدم مطاوع بمعنى تقدم ويجوز أن يقع الفعل على جملة قوله ما يبدل القول لدي وما أنا بظلّام للعبيد ويكون بالوعيد حالا أي قدمت إليكم هذا ملتبسا بالوعيد مقترنا به أو قدمته إليكم موعدا لكم به (ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) ما نافية ويبدل فعل مضارع مبني للمجهول والقول نائب فاعل ولدي ظرف متعلق بيبدل والواو حرف عطف وما نافية حجازية وأنا اسمها والباء حرف جر زائد وظلّام مجرور لفظا منصوب محلا على أنه خبر ما وللعبيد متعلقان بظلّام (يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ) يوم لك في ناصبه وجهان: أن تجعله منصوبا باذكر مقدّرا أو تعلقه بظلام لأنه إذا لم يظلم في هذا اليوم فنفى الظلم عنه في غيره أولى وجملة نقول لجهنم في محل جر بإضافة الظرف إليه وجملة هل
292
امتلأت مقول القول وتقول عطف على نقول وهل حرف استفهام ومن حرف جر زائد ومزيد مجرور لفظا مرفوع على الابتداء محلا وخبره محذوف تقديره موجود.
البلاغة:
١- في قوله «فكشفنا عنك غطاءك» كناية عن الغفلة كأنها غطّت جميعه أو عينيه فهو لا يبصر، فإذا كانت القيامة زالت عنه الغفلة فتكشفت له الحقائق وانجلى عنه الرين الذي كان مسدولا أمامه فأبصر ما لم يكن يبصره في حياته، ويجوز أن يكون الغطاء استعارة تصريحية جعلت الغفلة كأنها غطاء غطى به جسده كله أو غشاوة غطى بها عينيه فهو لا يبصر شيئا.
٢- الاستعارة المكنية: يجوز حمل قوله تعالى «يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد» على الاستعارة المكنية التخييلية، وعلى هذا درج المعتزلة ومن قال بقولهم من أهل السنّة، قال الزمخشري: «وسؤال جهنم وجوابها من باب التخييل الذي يقصد به تصوير المعنى في القلب وتثبيته، وفيه معنيان أحدهما أنها تمتلئ مع اتساعها وتباعد أطرافها حتى لا يسعها شيء ولا يزاد على امتلائها لقوله تعالى: لأملأنّ جهنم، والثاني أنها من السعة بحيث يدخلها من يدخلها وفيها موضع للمزيد، ويجوز أن يكون هل من مزيد استكثارا للداخلين فيها أو طلبا للزيادة غيظا على العصاة والمزيد إما مصدر كالمحيد والمحيد وإما اسم مفعول كالمبيع» ويجوز حمله على الحقيقة، وقد جرى جمهور أهل السنّة على الحقيقة وأنكروا على الزمخشري وغيره إطلاق التخييل وقالوا هو منكر لفظا ومعنى. أما لفظا فلأنه من الألفاظ الموهمة في حق جلال الله تعالى وإن كانت معانيها صحيحة وأيّ إيهام
293
أشد من إيهام لفظ التخييل، ألا ترى كيف استعمله الله فيما أخبر أنه سحر وباطل في قوله يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى فلا يشك في وجوب اجتنابه، وأما المعنى فلأن أهل السنّة يعتقدون أن سؤال جهنم وجوابها حقيقة وأن الله تعالى يخلق فيها الإدراك بذلك بشرطه. هذا وقد تعلق الشعراء بأهداب هذه البلاغة العالية وكان أول من رمق سماءها الفرزدق إذ قال في زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب في قصيدته التي أولها:
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته والبيت يعرفه والحلّ والحرم
فقال:
يكاد يمسكه عرفان راحته ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم
وتبعه أبو تمام:
لو يعلم الركن من قد جاء يلثمه لخرّ يلثم منه موطئ القدم
وأخذه البحتري وأجاد:
فلو أن مشتاقا تكلف فوق ما في سعة لسعى إليك المنبر
ونهج المتنبي هذا النهج بقوله:
لو تعقل الشجر التي قابلتها مدّت محيّية إليك الأغصنا
أما في الجاهلية فقد ورد هذا المعنى في قول عنترة واصفا فرسه من معلقته:
فازور من وقع القنا بلبانه وشكا إليّ بعبرة وتحمحم
هذا ولا يفوتنّك ما في هذه الاستعارة من جمال التخييل الحسّي والتجسيم لجهنم المتغيظة والنهمة التي لا تشبع وقد تهافت عليها أولئك
294
الذين كانوا يصمّون في دنياهم آذانهم عن الدعوة إلى الهدى، ويصرّون على غيّهم ولجاجهم وها هم الآن يستجيبون لدعوتها مرغمين.
[سورة ق (٥٠) : الآيات ٣١ الى ٣٧]
وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (٣١) هذا ما تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (٣٢) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ وَجاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (٣٣) ادْخُلُوها بِسَلامٍ ذلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (٣٤) لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها وَلَدَيْنا مَزِيدٌ (٣٥)
وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ (٣٦) إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (٣٧)
اللغة:
(وَأُزْلِفَتِ) وقربت تقول أزلفه: قربه وأزلف الأشياء: جمعها وأزلف الدليل القوم: حملهم على التقدم، وأزعجهم مزلفة بعد مزلفة أي مرحلة بعد مرحلة.
(مَحِيصٍ) : معدل وفي القاموس: «حاص عنه يحيص حيصا وحيصة وحيوصا ومحيصا ومحاصا وحيصانا عدل وحاد كانحاص أو يقال للأولياء حاصوا وللأعداء انهزموا والمحيص المحيد والمعدل والمميل والمهرب ودابة حيوص نفور والحيصاء الضيقة الحياء» وقال في مادة بيص «ووقع في حيص بيص وحيص بيص وحيص بيص وحيص بيص بفتح أولهما وآخرهما وبكسرهما وبفتح أولهما وكسر آخرهما وقد
295
يجريان في الثانية وفي حاص باص أي اختلاط لا محيص عنه وجعلتم الأرض عليه حيص بيص وحيصا بيصا ضيقتم عليه حتى لا يتصرف فيها» وحيص بيص لقب الشاعر التميمي شهاب الدين، وحيصة بيصة لفظتان رويتا عنه في وصفه زحمة الناس فتغلبتا على اسمه ولقب بهما، له شعر في الوصف والهجاء والمديح، لغته عربية قحة، توفي في بغداد سنة ١١٧٩ م.
الإعراب:
(وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ) الواو حرف عطف وأزلفت فعل ماض مبني للمجهول والجنة نائب فاعل وللمتقين متعلقان بأزلفت وغير بعيد منصوب على الظرفية لقيامه مقام الظرف لأنه صفته أي مكانا غير بعيد، وأجاز الزمخشري نصبه على الحال قال: «وتذكيره لأنه على زنة المصدر كالزئير والصليل والمصادر يستوي في الوصف بها المذكر والمؤنث أو على حذف الموصوف أي شيئا غير بعيد» (هذا ما تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ) هذا مبتدأ وما خبره وجملة توعدون صلة ولكل جار ومجرور بدل من قوله للمتقين بتكرير الجار وجملة هذا ما توعدون اعتراضية فصل بها بين البدل والمبدل منه (مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ وَجاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ) من بدل من كل بعد كون كل بدلا من المتقين إلا أنه بدل من المتقين أيضا لأن تكرر البدل مع كون المبدل منه واحدا لا يجوز، ويجوز أن يكون خبرا لمبتدأ محذوف أي هم من خشي أو مبتدأ خبره جملة ادخلوها بسلام كما سيأتي لأن من في معنى الجمع، وأجاز الزمخشري أن يكون منادى كقولهم من لا يزال محسنا أحسن إليّ، وحذف حرف النداء للتقريب وجملة خشي الرحمن صلة وبالغيب حال من المفعول به أي خشيه وهو غائب لا يعرفه (ادْخُلُوها بِسَلامٍ ذلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ) الجملة مقول قول محذوف كما تقدم وادخلوها فعل وفاعل
296
ومفعول به وبسلام حال من الفاعل أي سالمين من كل مخوفة فهي حال مقارنة وذلك مبتدأ ويوم الخلود خير (لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها وَلَدَيْنا مَزِيدٌ) لهم خبر مقدم ما ومبتدأ مؤخر وجملة يشاءون صلة وفيها حال من الموصول أو متعلق بيشاءون ولدينا ظرف متعلق بمحذوف خبر مقدم ومزيد مبتدأ مؤخر (وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ) الواو استئنافية والكلام مستأنف مسوق لذكر إهلاك قرون ماضية وكم خبرية منصوبة بما بعدها على المفعولية وأهلكنا فعل وفاعل وقبلهم ظرف متعلق بمحذوف حال ومن قرن تمييز كم الخبرية وهم مبتدأ وأشد خبر والجملة صفة لكم أو لتمييزها ومنهم متعلقان بأشد وبطشا تمييز، فنقبوا الفاء عاطفة ونقبوا فعل وفاعل والعطف على المعنى كأنه اشتد بطشهم فنقبوا وفي البلاد متعلقان بنقبوا، وهل حرف استفهام ومن حرف جر زائد ومحيص مجرور لفظا مرفوع على الابتداء محلا والخبر محذوف تقديره لهم أو لغيرهم وجملة هل من محيص مقول قول محذوف وجملة القول حالية من واو نقبوا أي فنقبوا في البلاد قائلين هل من محيص (إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) إن حرف مشبّه بالفعل وفي ذلك خبر إن المقدّم واللام المزحلقة للتأكيد وذكرى اسم إن ولمن متعلقان بمحذوف صفة لذكرى وجملة كان صلة وله خبر كان المقدم وقلب اسمها المؤخر وأو حرف عطف وألقى السمع فعل وفاعل مستتر ومفعول به والواو حالية وهو مبتدأ وشهيد خبر.
البلاغة:
في قوله تعالى «لمن خشي الرحمن بالغيب» إذ كيف تقترن الخشية باسم الرحمن الدّال على سعة الرحمة والجواب أن في ذلك
297
مبالغة في الثناء على الخاشي لأنه إذا خشيه وهو عالم بسعة رحمته فناهيك بخشيته التي ما بعدها خشية، كما أثنى عليه بالخشية مع أن المخشي منه غائب.
[سورة ق (٥٠) : الآيات ٣٨ الى ٤٥]
وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ (٣٨) فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ (٣٩) وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبارَ السُّجُودِ (٤٠) وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ (٤١) يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ (٤٢)
إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ (٤٣) يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِراعاً ذلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنا يَسِيرٌ (٤٤) نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ (٤٥)
اللغة:
(لُغُوبٍ) تعب وفي المختار «اللغوب بضمتين التعب والإعياء وبابه دخل، ولغب بالكسر لغوبا لغة ضعيفة» وفي المصباح أنه من باب قتل وفي القاموس: أنه من باب منع وكرم أيضا.
(أَدْبارَ) بفتح الهمزة جمع دبر بضمتين وقرئ بكسر الهمزة على أنه مصدر قام مقام ظرف الزمان، وقد قرأها نافع وابن كثير وحمزة، وقال جماعة من الصحابة والتابعين: إدبار السجود الركعتان بعد المغرب وإدبار النجوم الركعتان قبل الفجر.
298
الإعراب:
(وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ) الواو استئنافية والكلام مستأنف مسوق للردّ على اليهود الذين قالوا إن الله خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استراح واستلقى على العرش يوم السبت فلذلك تركوا العمل فيه. واللام جواب للقسم المحذوف وقد حرف تحقيق وخلقنا فعل وفاعل والسموات مفعول به والأرض عطف على السموات وفي ستة أيام متعلقان بخلقنا والواو عاطفة أو حالية وما نافية ومسّنا فعل ماض ونا مفعول به ومن حرف جر زائد ولغوب مجرور لفظا مرفوع محلا لأنه فاعل (فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ) الفاء الفصيحة واصبر فعل أمر وفاعله مستتر تقديره أنت وعلى ما يقولون متعلقان باصبر وسبّح فعل أمر وبحمد ربك حال من فاعل سبّح أي صلّ حامدا وقبل طلوع الشمس ظرف متعلق بسبّح وقبل الغروب عطف على الظرف (وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبارَ السُّجُودِ) الواو عاطفة ومن الليل متعلق بسبّح والفاء عاطفة وسبّحه فعل أمر وفاعل مستتر والهاء مفعول به وأدبار السجود ظرف (وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ) عطف على ما تقدم واستمع فعل أمر وفاعله مستتر تقديره أنت ومفعوله محذوف أي واستمع نداء المنادي والظرف متعلق باستمع وقيل تقدير المفعول ما أقول لك فعلى هذا يكون يوم منصوبا بيخرجون مقدّرا مدلولا عليه بقوله ذلك يوم الخروج وحذفت ياء ينادي اتباعا للرسم والمناد فاعل وحذفت الياء في بعض القراءات للرسم أيضا ومن مكان متعلقان بينادي وقريب نعت والمنادي هو إسرافيل وقيل هو جبريل والنافخ إسرافيل ورجحه الشهاب الخفاجي (يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ) الظرف بدل من الظرف الأول وجملة يسمعون في محل جر
299
بإضافة إذا إليها والصيحة مفعول به وبالحق حال من الواو في يسمعون أو من الصيحة وذلك مبتدأ ويوم الخروج خبر (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ) إن واسمها ونحن ضمير فصل أو مبتدأ وجملة نحيي خبر إنا أو خبر نحن والجملة خبر إن وإلينا خبر مقدم والمصير مبتدأ مؤخر (يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِراعاً ذلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنا يَسِيرٌ) الظرف بدل مما قبله ومنعه بعضهم لتعدده وعلّقه بالمصير وجملة تشقق في محل جر بإضافة الظرف إليها وأصل تشقق تتشقق وقرئ بتشديد الشين بإدغام التاء الثانية فيها والأرض فاعل وعنهم متعلقان بتشقق وسراعا حال من الضمير في عنهم وذلك مبتدأ وحشر خبر وعلينا متعلق بيسير ويسير خبر ذلك (نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ) نحن مبتدأ وأعلم خبر وبما متعلقان بأعلم وما موصولة أو مصدرية والواو حرف عطف وما نافية حجازية وأنت اسمها وعليهم متعلقان بجبار والباء حرف جر زائد وجبار مجرور بالباء لفظا منصوب محلا على أنه خبر ما (فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ) الفاء الفصيحة وذكر فعل أمر وبالقرآن متعلقان بذكر ومن مفعول به وجملة يخاف صلة ووعيد مفعول يخاف وحذفت ياء المتكلم اتباعا للرسم.
300
Icon