سورة والنجم
مكية
سورة والنجم مكية١
ﰡ
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة والنجممكية
سورة والنجم مكية قوله: (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى) إلى قوله: (مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى) الآيات [١ - ١٨].
قال مجاهد: النجم: الثريا، إذا هوى: إذا سقطت، فالمعنى: ورب الثريا، وعنه أن النجم هنا: القرآن، إذا هوى: إذا نزل، فالمعنى: والقرآن إذا نزل من السماء الدنيا.
[قال ابن عباس: والنجم إذا هوى يعني به القرآن إذا نزل من السماء الدنيا].
وروى قتادة أن عتبة بن أبي لهب قال: " كفرت برب النجم، فقال له النبي ﷺ: أما تخاف أن يأكلك كلب الله / فخرج في تجارة إلى اليمن فبينما هم قد عَرَّسُوا إذا سمع صوت الأسد، فقال لأصحابه: أنا مأكول فحدّقوا به وضرب على أصمختهم فناموا فجاء الأسد حتى أخذه فما سمعوا إلا صوته ".
وقال الحسن: أقسم الله تعالى بالنجم إذا غاب.
وقيل: يراد به النجم الذي ترمى به الشياطين.
أي: ما جار محمد عن الحق ولا مال عنه، بل هو على استقامة وسداد.
ومعنى ﴿وَمَا غوى﴾: أي: ما خاب فيها طلبه من الرحمة.
وقيل: معناه: ما صار غاوياً ولكنه رشيد سديد.
يقال: غَوَى يَغْوِي مِنَ الغَيِّ، وغَوَى الفَصِيلُ يَغْوِي إِذَا لم يُرْوَ مِنْ لَبَن أُمِّهِ حَتَّى يَمُوتَ هَزَالاً.
قال: ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهوى﴾ أي: ليس ينطق محمد ﷺ بهذا القرآن عن هواه، بل هو وحي أوحي إليه.
٢ ساقط من ع..
٣ ساقط من ع..
٤ ساقط من ع..
٢ انظر: معاني الفراء ٣/٩٥..
٣ انظر : العمدة ٢٨٥ وتفسير الغريب ٤٢٧..
﴿عَلَّمَهُ شَدِيدُ القوى﴾ أي: علَّم محمداً هذا القرآن ملك شديد القوى هو جبريل ﷺ. قال الفراء وغيره: قالت قريش إنما يقول من تلقائه فنزل نكذيبهم في هذه الآية وعلى هذا التفسير جميع المفسرين من الصحابة والتابيعن ومن بعدهم في هذه الآية، والقوى جمع قوة، وقيل: شديد الأسباب.
قال: ﴿ذُو مِرَّةٍ﴾ قال ابن عباس: ذو منظر حسن.
وقال قتادة: ذو خلق طويل حسن.
وقال مجاهد: ذو مرة: ذو قوة، وكذلك [قال] سفيان وابن زيد يعني به
وكان الحسن يقول ذو مرة: هو الله تعالى.
وتم الكلام عند قوله: ذو مرة، ثم ابتداء بالفاء فقال: ﴿فاستوى﴾ (أي: استوى جبريل ومحمد بالأفق الأعلى.
وقيل: هو الله سبحانه: أي: استوى) على العرش، وكذا أهل التفسير غير الحسن على أنه جبريل.
وقيل: ذو مرة: ذو صحة جسم وسلامة من الآفات وهو اختيار الطبري ومنه قول النبي ﷺ: " لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مِرَّةٍ سوى ".
روي: أن من قُوَّته اقتلع مدائن لوط الأربع، في كل مدينة مائة ألف من الناس بمساكنهم وأنعامهم بقادمتي جناحه حتى بلغ تخوم الأرض السابعة السفلى، فاقتلع المدائن من أصولها حتى بلغ بهن قرب سماء الدنيا، فسمع أهل السماء صياح الدجاج ونباح الكلاب ونهيق الحمير، ثم أهوى بها إلى الأرض ثم غشّاها بالحجارة، وهو قوله: ﴿جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ﴾ [هود: ٨٢] وهو قوله في جبريل: ﴿ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي العرش مَكِينٍ﴾ [التكوير: ٢٠].
وقول: ﴿فاستوى﴾ أي: فاستوى هذا الشديد القوي بصاحبكم محمد ﷺ بالأفق الأعلى، وذلك لما أسري به عليهما السلام، استوى هو وجبريل بمطلع الشمس الأعلى، وهو الأفق الأعلى، وهذا القول قال به الطبري والفراء.
[لأن وهو بالأفق معطوف على المضمر في فاستوى وكان القياس عند البصريين] فاستوى هو، وهو، أي: جبريل والنبي ﷺ.
وقال الزجاج: الضمير لجبريل، يعني الضمير في فاستوى، وضمير " هو " كلاهما لجبريل عليه السلام، فلا يلزم في هذا القول عطف على مضمر مرفوع لأن الضميرين لواحد. لكن يكون " وهو بالأفق الأعلى " جملة في موضع الحال من المضمر في " فاستوى " أي: استوى جبريل في حال كونه بالأفق العلى.
والمعنى: فاستوى جبريل وهو بالأفق الأعلى على صورته لأنه كان يتمثل للنبي على صورة رجل فأحب رسول الله ﷺ أن يراه على صورته، فاستوى في أفق المشرق فملأ الأفق، فالمعنى: فاستوى جبريل عليه السلام في الأفق الأعلى على صورته على قول الزجاج، وأكثر المفسرين عليه، فالمضمر الذي هو في " استوى " لجبريل
وقوله: " وهو " / لمحمد ﷺ، وقد وقع في العدد: " فاستوى وامرأته " فهذا يدل على أن " فاستوى " يتصل بما قبله.
قال قتادة: الأفق: الذي يأتي منه النهار.
وقال الحسن: أفق المشرق الأعلى بينهما.
قوله: ﴿ثُمَّ دَنَا فتدلى﴾ أي: ثم دنا جبريل من محمد ﷺ فتدلى إليه. وهو قول قتادة والحسن.
وعن ابن عباس: ثم دنا الله تعالى ذكره من محمد فتدلى إليه؛ أي: أمره وحكمه.
قال أنس: عرج جبريل برسول الله صلى الله عليهما وسلم ليلة الإسراء إلى السماء السابعة ثم علا به بما لا يعلمه إلا الله تعالى حتى جاء به سدرة المنتهى ودنا الجبار رب العزة (سبحانه وتعالى) فتدلى حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى فأوحى
وقال الفراء: " الفاء " بمعنى " الواو " وتقديره عنده " ثم (دنا وتدلى "، ودنا) يعني جبريل / ﷺ وهو عنده مثل قوله تعالى: ﴿اقتربت الساعة وانشق القمر﴾ [القمر: ١] [أي: انشق القمر واقتربت الساعة، لأن انشقاق القمر من علامة اقتراب الساعة].
وقيل: معناه فكان جبريل من محمد صلى الله عليهما وسلم قاب قوسين أو أدنى. وقاب: معناه قدر، أو أدنى: فمعناه أو أقرب منه، و " أو " هنا جيء بها على ما تعقل العرب من مخاطباتها، والمعنى: فكان على مقدار يقدره الرائي منكم قدر
قال سفيان: قوسين: ذراعين، وكذلك روي عن ابن عباس.
وقال مجاهد: وقتادة قاب قوسين: مقدار قوسين.
وقيل معناه: كان منه على مقدار مثل، حيث يكون الوتر من القوس أو أقل من ذلك.
قال عبد الله بن عمر: دنا منه جبريل حتى كان قدر ذراع وذراعين. (قال النبي ﷺ) :" رأيت جبريل له ست مائة جناح " وقال الكوفيون
أوحى الله إلى محمد ﷺ ما شاء.
وقيل: أوحى جبريل إلى عبد الله وهو محمد ﷺ ما شاء الله.
وقيل معنى الآية: فكان الله جل ذكره من جبريل ﷺ قاب قوسين أو أدنى فأوحى الله إلى عبده جبريل ما شاء ليبلغه إلى محمد ﷺ.
وقد تقدم قول من قال هو محمد قرب من ربه سبحانه هذا القرب.
وروي أن النبي ﷺ سئل: " هل رأيت ربك؟ فقال: لم أراه بعيني ولكن رأيته بفؤادي. مرتين ثم تلا ﴿ثُمَّ دَنَا فتدلى﴾ ".
عن أنس قال: قال رسول الله ﷺ: " لما عرج بي مضى جبريل حتى جاء الجنة قال: فدخلت فأعطيت الكوثر ثم مضى حتى جاء السدرة المنتهى فدنا ربك فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى ".
أي: ما كذب فؤاد محمد على محمد
قال ابن عباس: رأى ربه بفؤاده ولم يره بعينه، وقاله عكرمة.
قال ابن عباس: اصطفى الله إبراهيم بالمَخَلَّة، واصطفى موسى بالكلام واصطفى محمد بالرؤية.
وقال ابن مسعود: الذي رأى فؤاده جبريل، وقاله الحسن وقتادة. قالوا: وهو الذي أراه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى.
أي: أفتجادلونه على ما يرى، ويقل: معناه أفتحاجونه على ما يرى، ومن قرأه بغير ألف فمعناه أفتجحدونه على ما يرى).
أي: رأى محمد جبريل مرة أخرى في هذا الموضع على صورته قاله مجاهد. وقاله الربيع، وهو قول ابن مسعود.
وروي: " أن عائشة رضي الله عنها سألت رسول الله ﷺ عن رؤية جبريل فقال: لم أره على صورته إلا هاتين المرتين، رأيته منهبطاً من / السماء ساداً عظيم خلقه بين السماء والأرض ".
وقال ابن عباس: رأى ربه بقلبه، فقال له رجل عند ذلك أليس قد قال: ﴿لاَّ تُدْرِكُهُ الأبصار﴾ [الأنعام: ١٠٤] فقال له عكرمة: أليس ترى السماء؟ فقال: بلى، قال: أفكلها ترى.
وقال كعب: هي سدرة في أصل العرش إليها ينتهي علم كل ملك مقرب أو نبي مرسل ما خلفها غيب لا يعلمه إلا الله.
وعن كعب أنه قال: إنها سدرة على رؤوس حملة العرش فإليها ينتهي علم الخلائق.
وقال عبد الله: هي سدرة في السماء السادسة إليها ينتهي من يعرج من الأرض وإليها ينتهي ما يهبط من فوقها.
وقال الضحاك: في سدرة المنتهى: إليها ينتهي كل شيء من أمر الله جل ذكره لا يعدوها.
وقيل هي الجنة التي آوى إليها آدم عليه السلام وإنها في السماء الرابعة.
وقيل: هي سدرة إليها ينتهي كل من كان على سنّة رسول الله، روى ذلك عن النبي ﷺ وأنه لما انتهى إليها ليلة الإسراء قيل له: إلى هذه السدرة ينتهي كل أحد خلا من أمتك على سنتك.
وقال الربيع بن أنس: إليها تنتهي أرواح الشهداء، فلذلك سميت سدرة المنتهى.
وقال قتادة: أخبرني أنس بن مالك عن مالك بن صعصعة أن النبي ﷺ قال: " رأيت سدرة منتهاها في السماء السابعة نَبَقُهَا كَقِلالٍ هَجَرَ وورقها كأذان الفيلة يخرج من ساقها نهران باطنان ونهران ظاهران فقال: يا جبريل / ما هذا؟ فقال: أما
وعنه ﷺ أنه قال: " في صفتها: يسير الراكب في ظلها سبعين عاماً لا يقطعها ".
أي: عند سدرة المنتهى جنة مأوى أرواح الشهداء.
قال ابن عباس: هي عن يمين العرش وهي منزل الشهداء، وقاله قتادة وغيره.
وقرأ ابن الزبير ﴿جَنَّةُ المأوى﴾ بالهاء، أي جنهُ المساء عندها أي: عند السدرة.
جنَّ المساء يجنُّ: أي: سَتَرَهُ. يقال جنَّه الليل وأَجَنَّه.
أي: ولقد رأى محمد جبريل ﷺ في صورته مرة أخرى حين يغشى السدرة ما يغشى.
قال عبد الله ومسروق ومجاهد والنخعي: غشي السدرة فراش من ذهب.
قال يعقوب بن زيد " سئل النبي ﷺ عن قوله تعالى: ﴿إِذْ يغشى السدرة مَا يغشى﴾.
فقال: رأيتها يغشاها فراش من ذهب، ورأيت على كل ورقة من ورقها ملكاً قائماً يسبح الله ".
وقال ابن عباس: غشيها رب القوة.
قال مجاهد: كانت (أغصان السدرة) لؤلؤاً وياقوتاً وزبرجداً فرآها محمد ورأى ربه بقلبه.
أي: ما مال بصر محمد صلة الله عليه وسلم عن ما رأى ولا عدل ولا جاوز ما رأى.
قال ابن عباس: معناه ما زاغ بصر محمد يمسناً ولا شمالاً، وما طغى. ما جاوز أمر ربه.
أي: لقد رأى محمد ﷺ هناك من أعلام ربه سبحانه وأدلته الأدلة الكبرى. إن جعلت " من " زائدة كانت " الكبرى " نعتاً للآيات على اللفظ أو على الموضع، وإن جعلت " من " للتبعيض كانت " الكبرى " في موضع نصب برأَى، والكبرى في الأصل نعت تقديره: لقد رأَى الآية الكبرى من آيات ربه.
قال عبد الله: رأَى رفرفاً أخضر من / الجنة قد سَدَّ الأُفُق.
وقال ابن زيد: رأى جبريل في خلته التي خلق عليها في السماوات والأرض بينه وبينه قدر قوسين أو أدنى.
رأيت من رؤية العين، ولذلك نصب بها، ولو كانت التي للسؤال والاستفتاء لم تتعدد نحو قوله ﴿أَرَأَيْتَ إِن كَذَّبَ وتولى﴾ [العلق: ١٣] فالمعنى: أفرأيتم أيها المشركون هذه الأصنام التي جعلتموها بنات الله.
أي: أتجعلون له البنات ولكم الذكور (أي: هذه إذاً).
﴿قِسْمَةٌ ضيزى﴾ أي: قسمة جائرة على الحق، وذلك أن المشركين أخذوا اسم الباري وهو الله، وزادوا فيه التأنيث وسموا به أصنامهم فقالوا اللات، وكذلك أخذوا العزى من العزيز وأخذوا منات من: منى الله الشيء: إذا قدره، وزعموا أنها بنات الله تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، فجعلوا لله ما لا يرضون لأنفسهم.
قال أبو عبيدة: هي أصنام كانت في جوف الكعبة يعبدونها.
وقيل: كان يقوم على ألهتهم ويلِت السويق لهم، وكان بالطائف قاله أبو صالح والسدي. وقيل: كان يلِت السويق ويبيعه عند ذلك الصنم، فسمى الصنم اللات بتشديد التاء. وحكى خلف عن سليم عن حمزة وأبو عبد الرحمن عن
وروي عن الكسائي أنه وقف بالهاء، والمشهور عن جميعهم الوقف على التاء اتباعاً للمصحف وإبعاداً أن يشبه الوقف على الله.
والعُزّى: حجراً أبيض كانوا يعبدونه قاله ابن جبير.
وقال مجاهد: العُزى شجرة كانوا يعبدونها.
وقال ابن زيد: العُزى بيت بالطائف لثقيف كانوا يعبدونه.
وقال قتادة: هو نبت كان ببطن نخلة، وأما منات فصنم كان لخزاعة.
قال أبو إسحاق: " منات " صخرة لهذيل وخزاعة كانوا يعبدونها من دون الله / جل وعز وتعالى عن ذلك.
وقيل: الَّلات صنم كان لثقيف، والعزى سمرة عبدوها.
وقوله: ﴿تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضيزى﴾ أي: قسمة جائرة ناقصة إذ رضيتم أن تجعلوا لخالقكم ورازقكم ما تكرهونه لأنفسكم وآثرتم أنفسكم بما تحبون.
(وضيزى فُعلى) ولكن كسرت، وإنما كان أصلها الضم إذ ليس في الكلام فعلى صفة وفيه (فُعلى وفَعلى) فكسرت الضاد لتصح الياء، كما قالوا بيضٌ وأصله بوض. ومن همزه فهي لغة يقال ضَازَهُ يَضِيزُهُ ويَضُوزُهُ وضَأَزَهُ يَضْأَزَهُ.
ويقال: ضِزتَهُ وضَزْته إذا نَقَصتَهُ حَقَّهُ، فيقال على هذا ضِئزَى بالهمز وضُؤْزَى أيضاً.
وقال أبو عبيدة: التقدير أَلَكُمْ الذكر وله الأُنثى كيف يكون هذا لأنهم قالوا الملائكة بنات الله جل ذكره. وقيل الجواب: ﴿تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضيزى﴾.
قال: ﴿إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْمَآءٌ سَمَّيْتُمُوهَآ أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم﴾ أي: ما اللات والعزى ومنات الثالثة الأخرى إلا أسماء أحدثتموها أيها المشركون أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بهذه الأسماء من سلطان أي: من حجة في هذه الأسماء.
ثم قال: ﴿إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظن﴾؛ أي: ما يتبع هؤلاء المشركون في هذه [الأسماء] إلا الظن، وهوى أنفسهم فاخترقوا ما لم يؤمروا به من قبل أنفسهم ومن ما وجدوا عليه آباءهم الكفار بالله تعالى.
ثم قال: ﴿وَلَقَدْ جَآءَهُم مِّن رَّبِّهِمُ الهدى﴾ أي: جاءهم محمد من عند ربهم تعالى بالبيان والوحي الحق.
قال: ﴿أَمْ لِلإِنسَانِ مَا تمنى﴾ أي: ليس ذلك فيكون الأمر على ما يشتهون، بل الله تعالى يعطي من يشاء ما شاء، إذ له الآخرة والأولى.
قال: ﴿إِنَّ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة لَيُسَمُّونَ الملائكة تَسْمِيَةَ الأنثى * وَمَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظن﴾.
أي: أن الذين لا يصدقون بالبعث ليسمون الملائكة تسمية الإناث لأنهم كانوا يقولون هم بنات الله تعالى (الله عن ذلك علواً كبيراً). ﴿وَمَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظن﴾ أي: ما يقولون [ذلك] إلا ظناً بغير علم، والهاء تعود على السماء لأن التسمية والأسماء واحد، ﴿وَإِنَّ الظن لاَ يُغْنِي مِنَ الحق شَيْئاً﴾ [أي] يقوم مقام الحق.
قال: ﴿فَأَعْرِضْ عَن مَّن تولى عَن ذِكْرِنَا﴾ أي: فدع من أدبر عن الإيمان بما جئته به
﴿وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ الحياة الدنيا﴾ أي: طلب الدنيا ولم يطلب ما عند الله.
﴿ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِّنَ العلم﴾ أي: ليس لهم علم إلا علم معائشهم وإلا إيثار الدنيا على الآخرة وقولهم الملائكة بنات الله.
ثم قال: ﴿إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ﴾ أي: هو عالم لهم قد علمهم في سابق علمه أنهم لا يؤمنون، وهو أعلم في سابق علمه بمن يهتدي فيؤمن.
ثم قال: ﴿وَلِلَّهِ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض لِيَجْزِيَ الذين أَسَاءُواْ بِمَا عَمِلُواْ وَيِجْزِيَ الذين أَحْسَنُواْ بالحسنى﴾ أي: لله ملكهما وما فيهما. ولام ليجزي (متعلقة بقوله: ﴿إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يوحى﴾ ﴿لِيَجْزِيَ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات﴾.
وقيل المعنى: ولله ما في السماوات وما في الأرض يضل من يشاء ويهدي من يشاء، فهو أعلم بهم ليجزي الذين أساءوا ويجزي الذين أطاعوا. وقيل هي متعلقة بقوله: ﴿وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهتدى... لِيَجْزِيَ﴾.
وقوله: ﴿بالحسنى﴾ يعني بالجنة.
قال زيد بن أسلم: ﴿الذين أَسَاءُواْ﴾: المشركون، ﴿الذين أَحْسَنُواْ﴾ المؤمنون.
وقوله: ﴿إِلاَّ اللمم﴾ قال ابن عباس: إلا ما سلف منهم في الجاهلية قبل الإسلام.
وقال زيد بن أسلم: الكبائر: الشرك، والفواحش، والزنا، تركوا ذلك حين أسلموا فغفر الله تعالى لهم ما كانوا أتوا به وأصابوه من ذلك قبل الإسلام.
وقيل: اللمم: الصغائر. /
وقيل: هي أن تلم بالشيء ولا تفعله. وقيل اللمم كنظر العين والتقبيل والجس.
وقال الشعبي: هو ما دون الزنا، وقيل: " إلا " بمعنى الواو، وليس بشيء هذا نقض كلام العرب.
وعن ابن عباس أن اللمم أن تأتي الذنب ثم تتوب منه ولا تعود.
وعن أبي هريرة أيضاً مثله، (وهو قول أهل اللغة قالوا: اللمم بالذنب أن تناول منه ولا تمر عليه، ويقال ألْمَمْتُ أتيت ونزلت عليه).
(وعن ابن عباس وابن الزبير) هو ما بين الحدين، حد الدنيا والآخرة وبه قال عكرمة وقتادة والضحاك.
وروى ابن وهب عن عبد الله بن عمر وابن العاص أنه قال: اللَّمم ما دون الشرك.
ثم قال: ﴿إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ المغفرة﴾ أي: لمن اجتنب الكبائر. ﴿هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُمْ مِّنَ الأرض﴾ يعني آدم عليه السلام.
والكبائر مثل الزنا وقتل النفس التي حرم الله، وشرب الخمر وعقوق الوالدين، (وأكل مال اليتيم).
وقال نفطويه: اللمم هو أن تأتي ذنباً لم يكن لك بعادة، والعرب تقول: ما تَأْتِينَا إلاَّ لِماماً: أي: في الحين بعد الحين.
قال: ولا يكون اللمم أن تهم ولا تفعل؛ لأن العرب إذا قالت: ألم بنا فلان معناه فعل الإتيان لا أنه همَّ ولم يفعل، ويدل على أنه فعل الذنب قوله ﴿وَاسِعُ المغفرة﴾ فهل تكون المغفرة إلا لمن فعل ذنباً /، وهل يغفر ما لم يفعل.
وروى الحسن أنه قال: اللمم هو أن يلم الرجل اللمة من الخمر واللمة من الزنا، واللمة من السرقة ثم لا يعوده.
ثم قال :﴿ إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله ﴾ أي : هو عالم لهم قد علمهم في سابق علمه أنهم لا يؤمنون، وهو أعلم في سابق علمه بمن يهتدي فيؤمن.
وقيل المعنى : ولله ما في السماوات وما في الأرض يضل من يشاء ويهدي من يشاء، فهو أعلم بمن اهتدى.... ليجزى ٣ }.
وقوله :﴿ بالحسنى ﴾ يعني بالجنة.
قال زيد بن أسلم :﴿ الذين أساؤوا ﴾ : المشركون، ﴿ الذين أحسنوا ﴾ المؤمنون ٤.
٢ ع: متعلقة بقوله لا تغني شفاعتهم شيئا ﴿ليجزي الذين أساؤوا بما عملوا﴾ وقيل هي متعلقة بقوله ﴿إن هو إلا وحي يوحى﴾، وانظر: إعراب النحاس ٤/٢٧٤..
٣ انظر: جامع البيان ٢٧/٣٨، انظر: إعراب النحاس ٤/٢٧٤..
٤ انظر: جامع البيان ٢٧/٣٨..
وقوله :﴿ إلا اللمم ﴾ قال ابن عباس : إلا ما سلف منهم في الجاهلية قبل الإسلام ٣.
وقال زيد بن أسلم : الكبائر : الشرك، والفواحش، والزنا، تركوا ذلك حين أسلموا فغفر الله عز وجل ٤ لهم ما كانوا أتوا به وأصابوه من ذلك قبل الإسلام ٥.
وقيل : اللمم : الصغائر ٦/.
وقيل : هي ٧ أن تلم بالشيء ولا تفعله. وقيل اللمم كنظر العين والتقبيل والجس.
وقال الشعبي : هو ما دون الزنا ٨، وقيل : " إلا " بمعنى الواو، وليس بشيء هذا نقض كلام العرب.
وقال أبو هريرة : هو مثل القبلة والغمزة والنظرة والمباشرة ٩.
وعن ابن عباس أن اللمم أن تأتي ١٠ الذنب ثم تتوب ١١ منه ولا تعود ١٢ ١٣.
وعن أبي هريرة أيضا مثله ١٤، ( وهو قول أهل اللغة قالوا : اللمم بالذنب أن تناول منه ولا تمر عليه، ويقال ألممت أتيت ونزلت عليه ) ١٥.
( وعن ابن عباس وابن الزبير ) ١٦ هو ما بين الحدين، حد الدنيا والآخرة وبه قال عكرمة وقتادة والضحاك ١٧.
وروى ابن وهب عن عبد الله بن عمر وابن العاص أنه قال : اللمم ما دون الشرك ١٨.
ثم قال :﴿ إن ربك واسع المغفرة ﴾ أي : لمن اجتنب الكبائر.
﴿ هو أعلم إذ أنشأكم من الأرض ﴾ يعني آدم عليه السلام ١٩.
﴿ وإذا أنتم أجنة في بطون أمهاتكم ﴾ أجنة : جمع جنين ٢٠، أي : أعلم بكم في ذلك الوقت وفي كل وقت، وهو أعلم بمن أتقى. وقيل اللمم هو الذنب [ بين ] ٢١ الحدين مما لم يأت عليه حد في الدنيا، ولا توعد عليه بنار في الآخرة تكفره ٢٢ الصلوات الخمس.
والكبائر مثل الزنا وقتل النفس التي حرم الله، وشرب الخمر وعقوق الوالدين، ( وأكل مال اليتيم ) ٢٣.
وقال نفطويه ٢٤ : اللمم هو أن تأتي ذنبا لم يكن لك بعادة ٢٥، والعرب تقول : ما تأتينا إلا لماما : أي : في الحين بعد الحين ٢٦.
قال : ولا يكون اللمم أن تهم ولا تفعل ؛ لأن العرب إذا قالت : ألم بنا فلان معناه فعل الإتيان لا أنه هم ولم يفعل ٢٧، ويدل على أنه فعل الذنب قوله ﴿ واسع المغفرة ﴾ فهل تكون المغفرة إلا لمن فعل ذنبا/، وهل يغفر ما لم يفعل.
وروى الحسن أنه قال : اللمم هو أن يلم الرجل اللمة من الخمر واللمة من الزنا، و اللمة من السرقة ثم لا يعوده ٢٨ ٢٩.
قال عمرو بن العاص : اللمم ما دون الشرك ٣٠.
وقوله :﴿ إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم ﴾ ٣١ يدل على أن اللمم : الصغائر يغفرها لم اجتنب الكبائر حتما.
وقوله :﴿ إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ﴾ ٣٢ هذه المغفرة ليست بحتم إنما هي إلى مشيئة الله يفعلها لمن يشاء، ومغفرة الصغائر لمن أجتنب الكبائر حتم من الله جل ذكره ( فعلها ) ٣٣.
ثم قال :﴿ هو أعلم بكم إذا نشأكم من الأرض ﴾ أي : الله عالم بما تعملون حين خلق أباكم آدم من الأرض، وحين أنتم أجنة في بطون أمهاتكم يعلم ما تصير إليه أموركم، وما أنتم عاملون، فلا تزكوا أنفسكم فإن الله يعلم المتقي من الفساد. وأجنة جمع جنين.
٢ ع: "ما"..
٣ انظر: جامع البيان ٢٧/٣٨..
٤ ساقط من ع..
٥ انظر: جامع البيان ٢٧/٣٨، والدر المنثور ٧/٦٥٦..
٦ انظر: تفسير الغريب ٤٢٩، والصحاح ٥/٢٠٢، واللسان ٣/٣٩٧، والقاموس المحيط ٤/١٧٧..
٧ ع: "وهو"..
٨ انظر: العمدة ٢٨٧، وجامع البيان ٢٧/٣٩، وتفسير القرطبي ١٧/١٠٦، وابن كثير ٤/٢٥٧..
٩ انظر: جامع البيان ٢٧/٣٩، وابن كثير ٤/٢٥٧، و الدر المنثور ٧/٦٥٦..
١٠ ع: "يأتي"..
١١ ع: "يتوب"..
١٢ ع: "يعاود"..
١٣ انظر: جامع البيان ٢٧/٣٩، وتفسير القرطبي ١٧/١٠٧، و الدر المنثور ٧/٦٥٦..
١٤ انظر: جامع البيان ٢٧/٣٩، والدر المنثور ٧/٦٥٦..
١٥ ساقط من ع..
١٦ "وعن ابن الزبير وابن عباس"..
١٧ انظر: جامع البيان ٢٧/٤٠، وتفسير القرطبي ١٧/١٠٨، وابن كثير ٤/٢٥٧ وهو قول ابن الزبير في الدر المنثور ٧/٦٥٦..
١٨ انظر: جامع البيان ٢٧/٤٠، والدر المنثور ٧/٦٥٧..
١٩ ساقط من ع..
٢٠ انظر: العمدة ٢٨٧، ومجاز أبي عبيدة ٢/٢٣٨، وغريب القرآن وتفسيره ١٧١..
٢١ ساقط من ح..
٢٢ ح: "تكفيره"..
٢٣ ع: "وأكل مال اليتيم وشبهه"..
٢٤ ح: "نطفويه" وهو تحريف..
٢٥ انظر: البحر المحيط ٨/١٦٤..
٢٦ انظر: الصحاح مادة "لمم" ٥/٢٠٣٢، واللسان ٣/٣٩٧، و القاموس المحيط ٤/١٧٧..
٢٧ انظر: تفسير القرطبي ١٧/١٠٨، واللسان ٣/٣٩٧..
٢٨ ح: "ثم لا يعودون"..
٢٩ انظر: جامع البيان ٢٧/٤٠، وتفسير القرطبي ١٧/١٠٨..
٣٠ انظر: جامع البيان ٢٧/٤٠، وتفسير القرطبي ١٧/١٠٨..
٣١ النساء: ٣١..
٣٢ النساء: ٤٧..
٣٣ ساقط من ع..
وقوله: ﴿إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ﴾ [النساء: ٣١] يدل على أن اللمم: الصغائر يغفرها الله لمن اجتنب الكبائر حتماً.
وقوله: ﴿إِنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ﴾ [النساء: ٤٨] هذه المغفرة ليست بحتم إنما هي إلى مشيئة الله يفعلها لمن يشاء، ومغفرة الصغائر لمن أجتنب الكبائر حتم من الله جل ذكره (فعلها).
ثم قال: ﴿هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُمْ مِّنَ الأرض﴾ أي: الله عالم بما تعملون حين خلق أباكم آدم من الأرض، وحين أنتم أجنة في بطون أمهاتكم يعلم ما تصير إليه أموركم، وما أنتم عاملون، فلا تزكوا أنفسكم فإن الله يعلم المتقي من الفساد. وأجنة جمع جنين.
قوله: ﴿أَفَرَأَيْتَ الذي تولى﴾.
أي: أفرأيت يا محمد الذي أدبر عن الإيمان بالله تعالى وأعرض وأعطى صاحبه قليلاً من ماله ثم منعه فلم يعطه وبخل عليه.
هذه الآية نزلت في الوليد بن المغيرة وذلك أنه عاتبه بعض المشركين لما أتبع
ومعنى وأكدى: قطع العطية ولم يتمها قاله ابن عباس ومجاهد، وقتادة.
أي: أعند هذا الذي ضمن له العذاب أن يتحمله عنه في الآخرة علم الغيب فهو يرى حقيقة قوله ووفائه بما وعده.
وقيل: المعنى أعَلِمَ الوليد أن هذا الذي يتحمل عنه العذاب في الآخرة كما قال: ويرى: بمعنى: يعلم.
أي: أم لم يخبر هذا المضمون له أن يحتمل عنه العذاب في الآخرة بالذي في صحف موسى.
﴿وَإِبْرَاهِيمَ الذي وفى﴾ أي: وفي الرسالة وبلغها إلى من أرسلت إليه.
وقيل معناه: وَفَّى ما عهد إليه ربه من تبليغ الرسالة وهو ﴿أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى﴾ أي: بلغ ألا يحمل أحد ذنب أحد.
وقال قتادة: وفى طاعة الله ورسوله إلى خلقه.
وقال ابن جبير: بلَّغ ما أمره به ربه وهو قول (ابن زيد وسفيان) والنخعي.
وعن ابن عباس أيضاً: أن إبراهيم ﷺ وفَّى بما أمره ربه تعالى من الذبح والرؤيا، والذي في صحف موسى: ﴿أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى﴾.
وعن ابن عباس أيضاً: أن إبراهيم وفى شرائع الإسلام ثلاثين سهماً، وما ابتلي بهذا الذين أحد فأقامه إلاَّ إبراهيم فإنه وفَّى به.
وقال مجاهد: وفى ما فرض عليه، وعن النبي ﷺ أنه قال: " ألا أخبركم لم
وعنه ﷺ أنه قال: " وفى إبراهيم بحمد ربه أربع ركعات في النهار ".
وقوله: ﴿أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى﴾ أكثر المفسرين على أنه ما في صحف موسى وإبراهيم، وفَّى بالشرائع والأوامر على ما تقدم من الاختلاف.
قال أبو مالك الغفاري: ﴿أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى﴾ إلى قوله: ﴿هذا نَذِيرٌ مِّنَ النذر الأولى﴾ هذا كله في مصحف إبراهيم وموسى.
وعنى بقوله: / ﴿أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى﴾ الذي ضمن للوليد أن يتحمل عنه عذاب الآخرة يقول الله ألم نخبر هذا المضمون.
أي: بهذا الذي في صحف إبراهيم وموسى أن أحداً لا يحمل ذنب أحد.
ثم قال: (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى) [٣٨].
قال ابن عباس : كانوا قبل إبراهيم يأخذون الولي بالولي حتى كان إبراهيم عليه السلام فبلغ ٣ ﴿ ألا تزر وازرة وزر أخرى ﴾ ٤، ﴿ وأن عليه النشأة الأخرى ﴾ ٥.
وقال قتادة : وفي طاعة الله ورسوله ٦ إلى خلقه ٧.
وقال ابن جبير : بلغ ما أمره به ربه وهو قول ( ابن زيد وسفيان ٨ ) والنخعي ٩.
وعن ابن عباس أيضا : إن إبراهيم صلى الله عليه وسلم ١٠ وفى بما أمره ربه عز وجل ١١ من الذبح والرؤيا، والذي في صحف موسى :﴿ ألا تزر وازة وزر أخرى ﴾ ١٢.
وعن ابن عباس أيضا : أن إبراهيم وفى شرائع الإسلام ثلاثين سهما، وما ابتلى بهذا الدين أحد فأقامه إلا إبراهيم فإنه وفى به ١٣.
وقال مجاهد : وفي ما فرض عليه ١٤، وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ألا أخبركم لم سمّ ١٥ الله جل ذكره إبراهيم خليله " الذي وفّى ". لأنه كان يقول لكما أصبح وكلما أمسى ﴿ فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون وله الحمد في السماوات ﴾ الآية ١٦ ١٧.
وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : وفي إبراهيم بحمد ١٨ ربه أربع ركعات في النهار ١٩.
وقوله :﴿ ألا تزر وازرة وزر أخرى ﴾ أكثر المفسرين على أنه ما في صحف موسى وإبراهيم، وفي بالشرائع والأوامر على ما تقدم من الاختلاف ٢٠.
قال أبو مالك الغفاري :﴿ ألا تزر وازرة وزر أخرى ﴾ إلى قوله :﴿ هذا نذير من النذر الأولى ﴾ هذا كله في مصحف إبراهيم وموسى.
وعنى بقوله :/ ﴿ ألا تزر وازرة وزر أخرى ﴾ الذي ضمن للوليد أن يتحمل عنه عذاب الآخرة يقول الله ألم نخبر هذا المضمون.
أي : بهذا الذي في صحف إبراهيم وموسى أن أحدا لا يحمل ذنب أحد ٢١.
٢ وهو قول ابن عباس في تفسير القرطبي ١٧/١١٣..
٣ ع: "فبلغ لأي لا تزر"..
٤ ع: "إلى وأن عليه النشأة الأخرى"..
٥ انظر: جامع البيان ٢٧/٤٢، وتفسير القرطبي ١٧/١١٣..
٦ ح: "ورسوله فسبحانه"..
٧ انظر: جامع البيان ٢٧/٤٣، وزاد المسير ٨/٨٠، وابن كثير ٤/٢٥٨، والدر المنثور ٧/٦٦٠..
٨ ع: "سفيان وابن زيد"..
٩ انظر: جامع البيان ٢٧/٤٣، وتفسير القرطبي ١٧/١١٣، وابن كثير ٤/٢٥٨، والدر المنثور ٧/٦٦٠..
١٠ ع: "عليه السلام"..
١١ ساقط من ع..
١٢ انظر: جامع البيان ٢٧/٤٣..
١٣ انظر: جامع البيان ٢٧/٤٣، وإعراب النحاس ٤/٢٧٦٥، وزاد المسير ٨/٨٠..
١٤ انظر: تفسير مجاهد ٦٢٨، وجامع البيان ٢٧/٤٣، وإعراب النحاس ٤/٢٧٦. وتفسير القرطبي ١٧/١١٣، والدر المنثور ٧/٦٦٠..
١٥ ع : "سمى"..
١٦ ساقط من ع..
١٧ أخرجه الإمام أحمد في مسنده ٥/٢١٩، و٣/٣٣٩ عن معاذ بن أنس رضي الله عنه، وذكره ابن جرير في جامع البيان ٢٧/٤٣، والشوكاني في فتح القدير ٥/١١٥..
١٨ ع: "عمل"..
١٩ ذكره السيوطي في الإتقان ١/٢٤٦، وعزاه إلى ابن جرير وابن أبي حاتم بسند ضعيف عن أبي أمامة. والطبري في جامع البيان ٢٧/٤٣. والزمخشري في الكشاف ٤/٤٢٧..
٢٠ ع: "الخلاف"..
٢١ انظر: جامع البيان ٢٧/٤٤..
وروى ابن عباس عن النبي / ﷺ أنه قال " إن الله جل ذكره ليرفع ذرية المؤمن معه في درجته إن كان لم يبلغها بعمله لِتَقَرَّبِهِم عينه ".
وقال قوم: الآية محكمة، ولا ينفع أحداً عمل أحد لا من صدقة ولا من حج ولا صلاة ولا غير ذلك، وقد أجمع العلماء أن الصلاة لا يجوز فيها أن يصلي أحد عن أحد وقد أتت أخبار عن النبي ﷺ في إجازة الحج عن الحي والميت والصيام عن الميت والصدقة عن الميت.
قال تعالى: ﴿وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يرى﴾ أي: وإن عمل كل عامل سوف يراه الله يوم القيامة، فيجازيه عليه الجزاء الأوفى من خير أو شر يثاب على عمله.
أي: وإن إلى ربك يا محمد انتهاء جميع خلقه ومرجعهم، وهو المجازي جميعهم بأعمالهم صالحهم وطالحهم.
أي: هو أمات من أمات من خلقه، وهو أحيا من أحيا منهم.
قال: ﴿وَأَنَّهُ خَلَقَ الزوجين الذكر والأنثى﴾ أي: ابتدع إنشاء الذكر والأنثى.
يقال لكل واحد من الذكر والأنثى زوج. خلقهما: ﴿مِن نُّطْفَةٍ إِذَا تمنى﴾ أي: إذا أمناها الرجل والمرأة.
وقيل معناه: إذا مناها الله تعالى، أي: قدرها أن تكون نسمة.
أي: عليه إعادتهم بعد موتهم خلقاً جديداً.
أي: أغنى بالمال من شاء، واقناه: أي: جعله يقتني الأشياء ويدخرها.
وقيل أقنى: ادخر. وهو قول مجاهد والحسن وقتادة.
وعن مجاهد أيضاً: أغنى: تولى، وأقنى: أرضى.
وقال السدي: اقنى من القنية، يعني ادخار الأشياء. وقال سفيان بن عيينة معناه: أغنى ورضي.
وقال أبو صفوان بن عوانة: أغنى وأقنى: (أخذ من الغنيمة).
وقال المعتمر بن سليمان: أغنى الإنسان وأقنى أي: أفقر الخلق إليه.
وقال ابن زيد " أعنى وأقنى أي: أغنى من شاء من خلقه وأفقر من شاء.
قال مجاهد: هو الكوكب الذي خلف الجوزاء كانوا يعبدونه، فقيل لهم: اتركوا عبادته واعبدوا ربه وهو الشعرى: العبور الخارج عن المجرة عبدت في الجاهلية، وقالوا: رأينا ما (عبرت عن المنازل) فأعلم الله أنه ربها وأنه خالقها الذي تجب له العبادة.
وهو عاد بن آدم بن عوص بن سام بن نوح وعاد الثانية من ولد عاد الأكبر، وكانت عاد الآخرة ساكنة بمكة مع أخوالهم من العمالقة ولد عمليق بن لاود بن سام بن نوح، فلم يصبهم من العذاب ما أصابه عاداً الأولى ثم هلكت [عاد] الآخرة بعد ذلك بغى بعضهم على بعض فتفانوا بالقتل، وعادٌ الأولى هي التي هلكت بالريح.
وقيل: إن عاداً الآخرة هي ثمود.
وقد قال زهير: " كَأَحْمُرِ عَادٍ ثُمَّ تُرْضِعُ فَتَفْطَم " يريد عاقر الناقة فسمى ثمود عاداً.
أي: ولم يبق الله ثموداً ولكن أهلكهم بكفرهم.
أي: ولم يبقَ الله قوم نوح من قبل عاد وثمود بل أهلكهم بكفرهم بربهم وظلمهم لأنفسهم.
قال قتادة: (لم يكن) قبيل من الناس هم أظلم وأطغى من قوم دعاهم نبي الله تعالى نوح إلى الإيمان ألف سنة إلا خمسين عاماً كلما هلك قرن نشأ قرن، حتى ذكر لنا
أي: والمقلوب أعلاها أهوى /، وهي سدوم قرية قوم لوط أمر الله جبريل فرفعها من الأرض السابعة بجناحه ثم أهواها مقلوبة. يقال: هوى إذا سقط، وأهواه غيره أسقطه.
قال مجاهد: رفعها جبريل ﷺ إلى السماء ثم أهواها.
قال ابن زيد أهواها جبريل عليه السلام [ثم أتبعها تلك الصخر].
قال قتادة: غشاها بصخر منضود، في قوله ﴿مَا غشى﴾ معنى التعظيم.
أي: فبأي نعم ربك يا ابن آدم أنعمها عليك تشك وترتاب وتجادل وهذا لمن شك وكذب.
ومن نصب المؤتفكة بأهوى (أجاز أن يبدأ بها) ومن نصبها على العطف على قوم نوح وثمود لم يبتدئ بها.
أي: محمد نذير لقومه كما أنذرت الرسل من قبله قاله قتادة.
وقيل المعنى: محمد نذير من النذر الأولى في أم الكتاب.
وقال أبو مالك معناه: هذا الذي خوفتم به من القرآن في هذه السورة نذير لكم
أي: دَنَت وقَرُبَت القيامة، يقال: أَزِفَ الأمر إذا دَنَا وقَرُبَ، وسميت القيامة بالأزفة لقربها.
أي: ليس تنكشف القيامة فتقوم إلا بإقامة الله إياها وكشفه لها من دون سواه من خلقة؛ لأنه لم يطلع عليها ملكاً مقرباً ولا نبياً مرسلاً.
وقيل: كاشفة. كما قيل: ﴿فَهَلْ ترى لَهُم مِّن بَاقِيَةٍ﴾ [الحاقة: ٨] أي: من بقاء.
والمعنى: ليس لها من دون الله كاشف لها.
وقيل " الهاء " للمبالغة، وكاشفة بمعنى كشف وتكون على القول الأولى بمعنى أنكشف.
هذا خطاب لمشركي قريش؛ أي: أفمن هذا القرآن تعجبون مما نزل على محمد وتضحكون استهزاء
أي: لاهون عما فيه من العبر والتذكر، معرضون عن آياته، والإيمان به يقال: سمد يسمد: إذا لها.
وروى شعبة عن المغيرة عن إبراهيم ﴿وَأَنتُمْ سَامِدُونَ﴾ قال: القيام [قبل الإمام] إلى الصلاة.
وحكي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنهـ: أنه دخل الصلاة فرأى الناس قياماً فقال ما لهم، أو قال ما شأنهم سامدين.
وقال ابن عباس: [سامدون] هو الغناء، وكانوا إذا سمعوا القرآن تغنوا وهي لغة أهل اليمن من خيبر يقولون: أسمد لنا (أي: تغنى لنا).
قال الضحاك كانوا يمرون على النبي ﷺ شامخين، والشامخ المتكبر.
وعن ابن عباس: سامدون: لاهون. وقال قتادة: سامدون: غافلون.
وقال مجاهد: سامدون: معرضون، وروي عن النبي ﷺ لما قرأ هذه الآية لم ير ضاحكاً ولا متبسماً [حتى مات].
أي: اسجدوا لله في صلاتكم أيها الناس دون من سواه من الآلهة واعبدوه دون غيره.
(قال ابن عباس: سجد النبي ﷺ بالنجم وسجد معه المسلمون والمشركون والجن والإنس).
(وقال ابن مسعود: أول سورة نزلت فيها السجدة، والنجم، قال: فسجد النبي وسجد من خلفه إلا رجلاً رأيته أخذ تراباً فسجد عليه، فرأيته بعد ذلك قتل كافراً