تفسير سورة الشعراء

تفسير مقاتل بن سليمان
تفسير سورة سورة الشعراء من كتاب تفسير مقاتل بن سليمان .
لمؤلفه مقاتل بن سليمان . المتوفي سنة 150 هـ
سورة الشعراء مكية، غير آيتين فإنهما مدنيتان أحدهما : قوله تعالى :﴿ أو لم يكن لهم آية أن يعلمه ﴾ الآية والأخرى قوله تعالى :﴿ والشعراء يتبعهم الغاون ﴾
وبعض أهل التفسير يقول : إن من قوله تعالى :﴿ والشعراء ﴾ إلى آخرها، وهن أربع آيات مدنيات، والله أعلم بما أنزل.

﴿ طسۤمۤ ﴾ [آية: ١] ﴿ تِلْكَ آيَاتُ ٱلْكِتَابِ ٱلْمُبِينِ ﴾ [آية: ٢]، يعنى عز وجل ما بين فيه من أمره، ونهيه، وحلاله، وحرامه.﴿ لَعَلَّكَ ﴾ يا محمد ﴿ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ ﴾، وذلك حين كذب به كفار مكة، منهم: الوليد بن المغيرة، وأبو جهل، وأمية بن خلف، فشق على النبى صلى الله عليه وسلم تكذيبهم إياه، فأنزل الله عز وجل: ﴿ لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ ﴾، يعنى قاتلاً نفسك حزناً ﴿ أَلاَّ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [آية: ٣]، يعنى ألا يكونوا مصدقين بالقول إنه من عند الله عز وجل، نظيرها فى الكهف:﴿ فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ ﴾[الكهف: ٦].
﴿ إِن نَّشَأْ ﴾، يعنى لو نشاء.
﴿ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ آيَةً فَظَلَّتْ ﴾، يعنى فمالت ﴿ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا ﴾، يعنى للآية.
﴿ خَاضِعِينَ ﴾، يعنى مقبلين إليها مؤمنين بالآية.﴿ وَمَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّنَ ٱلرَّحْمَـٰنِ مُحْدَثٍ ﴾، يقول: ما يحدث الله عز وجل إلى النبى صلى الله عليه وسلم من القرآن.
﴿ إِلاَّ كَانُواْ عَنْهُ ﴾، يعنى عن الإيمان بالقرآن ﴿ مُعْرِضِينَ ﴾ [آية: ٥].
﴿ فَقَدْ كَذَّبُواْ ﴾ بالحق، يعنى بالقرآن لما جاءهم، يعنى حين جاءهم محمد صلى الله عليه وسلم ﴿ فَسَيَأْتِيهِمْ أَنبَاءُ ﴾ يعنى حديث ﴿ مَا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴾ [آية: ٦] وذلك أنهم حين كذبوا بالقرآن، أوعدهم الله عز وجل بالقتل ببدر، ثم وعظهم ليعتبروا. فقال عز وجل: ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْاْ إِلَى ٱلأَرْضِ كَمْ أَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ ﴾ [آية: ٧] يقول: كم أخرجنا من الأرض من كل صنف من ألوان النبت حسن.﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً ﴾ يقول: إن فى النبت لعبرة فى توحيد الله عز وجل، أنه واحد ﴿ وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ ﴾ يعنى أهل مكة ﴿ مُّؤْمِنِينَ ﴾ [آية: ٨] يعنى مصدقين بالتوحيد.﴿ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ﴾ [آية: ٩] فى نقمته منهم ببدر ﴿ ٱلرَّحِيمُ ﴾ حين لا يعجل عليهم بالعقوبة إلى الوقت المحدد لهم.
﴿ وَإِذْ نَادَىٰ رَبُّكَ ﴾ يقول: وإذ أمر ربك يا محمد ﴿ مُوسَىٰ أَنِ ٱئْتَ ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ ﴾ [آية: ١٠] يعنى المشركين.﴿ قَوْمَ فِرْعَوْنَ ﴾ واسمه فيطوس بأرض مصر، وقل لهم يا موسى: ﴿ أَلا يَتَّقُونَ ﴾ [آية: ١١] يعنى ألا يعبدون الله عز وجل: ﴿ قَالَ ﴾ موسى: ﴿ رَبِّ إِنِّيۤ أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ ﴾ [آية: ١٢] فيما أقول.﴿ وَ ﴾ أخاف أن ﴿ وَيَضِيقُ صَدْرِي ﴾ يعنى يضيق قلبى.
﴿ وَلاَ يَنطَلِقُ لِسَانِي ﴾ بالبلاغ ﴿ فَأَرْسِلْ إِلَىٰ هَارُونَ ﴾ [آية: ١٣] يقول: فأرسل معى هارون، كقوله فى النساء:﴿ وَلاَ تَأْكُلُوۤاْ أَمْوَالَهُمْ إِلَىٰ أَمْوَالِكُمْ ﴾[النساء: ٢]، يعنى مع أموالكم. ﴿ وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنبٌ ﴾ يعنى عندى ذنب، يعنى قتل النفس ﴿ فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ ﴾ [آية: ١٤].
﴿ قَالَ كَلاَّ فَٱذْهَبَا بِآيَاتِنَآ ﴾ لا تخافا القتل ﴿ إِنَّا مَعَكُمْ مُّسْتَمِعُونَ ﴾ [آية: ١٥].
﴿ فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولاۤ إِنَّا رَسُولُ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ ﴾ [آية: ١٦] كقوله سبحانه:﴿ فَأْتِيَاهُ فَقُولاۤ إِنَّا رَسُولاَ رَبِّكَ ﴾[طه: ٤٧]، يعنى نفسه وهارون، رسولا ربك لقول فرعون: أنا الرب والإله، ثم انقطع الكلام. ثم انطلق موسى صلى الله عليه وسلم إلى مصر وهارون بمصر، فأنطلقا كلاهما إلى فرعون، فلم يأذن لهما سنة فى الدخول، فلما دخلا عليه، قال موسى لفرعون: ﴿ أنَّا ﴾، يعنى نفسه وهارون، عليه السلام.
﴿ رَسُولُ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ ﴾.
﴿ أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ ﴾ [آية: ١٧] إلى أرض فلسطين لا تستعبدهم، فعرف فرعون موسى، لأنه رباه فى بيته، فلما قتل موسى، عليه السلام، النفس هرب من مصر، فلما أتاه ﴿ قَالَ ﴾ فرعون له: ﴿ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيداً ﴾ يعنى صبياً ﴿ وَلَبِثْتَ فِينَا ﴾ يعنى عندنا ﴿ مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ ﴾ [آية: ١٨] يعنى ثلاثين سنة.﴿ وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ ٱلَّتِي فَعَلْتَ وَأَنتَ مِنَ ٱلْكَافِرِينَ ﴾ [آية: ١٩] ﴿ قَالَ فَعَلْتُهَآ إِذاً وَأَنَاْ مِنَ ٱلضَّالِّينَ ﴾ [آية: ٢٠] يعنى من الجاهلين، وهى قراءة ابن مسعود: " فعلتها إذا وأنا من الجاهلين ". ﴿ فَفَرَرْتُ مِنكُمْ ﴾ إلى مدين ﴿ لَمَّا خِفْتُكُمْ ﴾ أن تقتلون ﴿ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً ﴾ يعنى العلم والفهم ﴿ وَجَعَلَنِي مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ ﴾ [آية: ٢١] إليكم. ثم قال لفرعون: ﴿ وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ ﴾ يا فرعون تمن على بإحسانك إلى خاصة فيما زعمت، وتنسى إساءتك ﴿ أَنْ عَبَّدتَّ ﴾ يقول: استعبدت ﴿ بَنِي إِسْرَائِيلَ ﴾ [آية: ٢٢] فاتخذهم عبيداً لقومك القبط، وكان فرعون قد قهرهم أربع مائة وثلاثين سنة، ويقال: وأربعين سنة، وإنما كانت بنو إسرائيل بمصر حين أتاها يعقوب وبنوه وحشمه، حين أتوا يوسف.﴿ قَالَ فِرْعَوْنُ ﴾ لموسى: ﴿ وَمَا رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ ﴾ [آية: ٢٣] منكراً له. ﴿ قَالَ ﴾ موسى: ﴿ رَبُّ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَآ ﴾ من العجائب ﴿ إِن كُنتُمْ مُّوقِنِينَ ﴾ [آية: ٢٤] بتوحيد الله عز وجل: ﴿ قَالَ ﴾ فرعون ﴿ لِمَنْ حَوْلَهُ ﴾ يعنى الأشراف، وكان حوله خمسون ومائة من أشرافهم أصحاب الأثرة: ﴿ أَلاَ تَسْتَمِعُونَ ﴾ [آية: ٢٥] إلى قول هذا، يعنى موسى ﴿ قَالَ ﴾ موسى: هو ﴿ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَآئِكُمُ ٱلأَوَّلِينَ ﴾ [آية: ٢٦].
﴿ قَالَ ﴾ فرعون لهم: ﴿ إِنَّ رَسُولَكُمُ ﴾ يعنى موسى ﴿ ٱلَّذِيۤ أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ ﴾ [آية: ٢٧] ﴿ قَالَ ﴾ موسى: هو ﴿ رَبُّ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ ﴾ يعنى مشرق ومغرب يوم، يستوى الليل والنهار فى السنة يومين، ويسمى البرج الميزان، ثم قال: ﴿ وَمَا بَيْنَهُمَآ ﴾ يعنى ما بين المشرق والمغرب من جبل أو بناء، او شجر، أو شىء.
﴿ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [آية: ٢٨] توحيد الله عز وجل.﴿ قَالَ ﴾ فرعون: ﴿ لَئِنِ ٱتَّخَذْتَ إِلَـٰهَاً غَيْرِي ﴾ يعنى رباً ﴿ لأَجْعَلَنَّكَ مِنَ ٱلْمَسْجُونِينَ ﴾ [آية: ٢٩] يعنى من المحبوسين. ﴿ قَالَ ﴾ موسى: ﴿ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيءٍ مُّبِينٍ ﴾ [آية: ٣٠] يعنى بأمر بين، يعنى اليد والعصا، يستبين لك أمرى فتصدقنى. ﴿ قَالَ ﴾ فرعون: ﴿ فَأْتِ بِهِ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ ﴾ [آية: ٣١] بأنك رسول رب العالمين إلينا.﴿ فَأَلْقَىٰ عَصَاهُ ﴾ وفى يد موسى، عليه السلام، عصاه، وكانت من الآس، قال ابن عباس: إن جبريل دفع العصا إلى موسى، عليهما السلام، بالليل حين توجه إلى مدين وكان آدم، عليه السلام، أخرج بالعصا من الجنة، فلما مات آدم قبضها جبريل، عليه السلام، فقال موسى لفرعون: ما هذه بيدى؟ قال فرعون: هذه عصا، فألقاها موسى من يده ﴿ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ ﴾ [آية: ٣٢] يعنى حية ذكر أصفر أشعر العنق عظيم ملأ الدار عظيماً، قائم على ذنبه يتملظ على فرعون وقومه يتوعدهم، قال فرعون: خذها يا موسى، مخافة أن تبتلعه، فأخذ بذنبهان فصارت عصاً مثل ما كانت، قال فرعون: هل من آية أخرى غيرها؟ قال موسى: نعم، فأبرز يده، قال لفرعون: ما هذه؟ قال فرعون: هذه يدك، فأدخلها فى جيبه وهى مدرعة مصرية من صوف.﴿ وَنَزَعَ يَدَهُ ﴾ يعنى أخرج يده من المدرعة ﴿ فَإِذَا هِيَ بَيْضَآءُ لِلنَّاظِرِينَ ﴾ [آية: ٣٣] لها شعاع مثل شعاع الشمس من شدة بياضها يغشى البصر. ﴿ قَالَ ﴾ فرعون ﴿ لِلْمَلإِ ﴾ يعنى الأشراف ﴿ حَوْلَهُ إِنَّ هَـٰذَا ﴾ يعنى موسى ﴿ لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ ﴾ [آية: ٣٤] بالسحر. ﴿ يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُمْ مِّنْ أَرْضِكُمْ ﴾ يعنى مصر ﴿ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ ﴾ [آية: ٣٥] يقول: فماذا تشيرون علىّ، فرد عليه الملأ من قومه، يعنى الأشراف.﴿ قَالُوۤاْ أَرْجِهْ وَأَخَاهُ ﴾ يقول: احبسهما جميعاً، ولا تقتلهما، حتى ننظر ما أمرهما.
﴿ وَٱبْعَثْ فِي ٱلْمَدَآئِنِ ﴾ يعنى فى القرى ﴿ حَاشِرِينَ ﴾ [آية: ٣٦] يحشرون عليك السحرة. فذلك قوله سبحانه: ﴿ يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ ﴾ [آية: ٣٧] يعنى عالم بالسحر. ﴿ فَجُمِعَ ٱلسَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ ﴾ [آية: ٣٨] يعنى موقت، وهو يوم عيدهم، وهو يوم الزينة، وهم اثنتان وسبعون ساحراً من أهل فارس، وبقيتهم من بنى إسرائيل.﴿ وَقِيلَ لِلنَّاسِ ﴾ يعنى لأهل مصر ﴿ هَلْ أَنتُمْ مُّجْتَمِعُونَ ﴾ [آية: ٣٩] إلى السحرة ﴿ لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ ٱلسَّحَرَةَ ﴾ على أمرهم ﴿ إِن كَانُواْ هُمُ ٱلْغَالِبِينَ ﴾ [آية: ٤٠] لموسى وأخيه، واجتمعوا، فقال موسى للساحر الأكبر: تؤمن بى إن غلبتك؟ قال الساحر: لآتين بسحر لا يغلبه سحر، فإن غلبتنى لأومنن بك، وفرعون ينظر إليهما، ولا يفهم ما يقولان.﴿ فَلَمَّا جَآءَ ٱلسَّحَرَةُ قَالُواْ لِفِرْعَوْنَ أَإِنَّ لَنَا لأَجْراً ﴾ يعنى جعلاً ﴿ إِن كُنَّا نَحْنُ ٱلْغَالِبِينَ ﴾ [آية: ٤١] لموسى وأخيه. ﴿ قَالَ ﴾ فرعون: ﴿ نَعَمْ ﴾ لكم الجعل ﴿ وَإِنَّكُمْ إِذاً لَّمِنَ ٱلْمُقَرَّبِينَ ﴾ [آية: ٤٢] عندى فى المنزلة سوى الجعل. ﴿ قَالَ لَهُمْ مُّوسَىٰ أَلْقُواْ ﴾ ما فى أيديكم من الحبال والعصى ﴿ مَآ أَنتُمْ مُّلْقُونَ ﴾ [آية: ٤٣] ﴿ فَأَلْقَوْاْ حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُواْ بِعِزَّةِ فِرْعَونَ ﴾ يعنى بعظمة فرعون، كقولهم لشعيب:﴿ وَمَآ أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ ﴾[هود: ٩١]، يعنى بعظيم.﴿ إِنَّا لَنَحْنُ ٱلْغَالِبُونَ ﴾ [آية: ٤٤] فإذا هى حيات فى أعين الناس، وفىعين موسى وهارون تسعى إلى موسى وأخيه، وإنما هى حبال وعصى لا تحرك، فخاف موسى، فقال جبريل لموسى، عليه السلام: ألق عصاكن فإذا هى حية عظيمة سدت الأفق برأسها، وعلقت ذنبها فى قبة لفرعون طول القبة سبعون ذراعاً فى السماء، وذلك فى المحرم يوم السبت لثمانى ليال خلون من المحرم، ثم إن حية موسى فتحت فاها، فجعلت تلقم تلك الحيات، فلم يبق منها شىء. فذلك قوله عز وجل: ﴿ فَأَلْقَىٰ مُوسَىٰ عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ ﴾ [آية: ٤٥] يعنى فإذا هى تلقم ما يكذبون من سحرهم، ثم أخذ موسى، عليه السلام، بذبها فإذا هى عصا كما كانت، فقال السحرة بعضهم لبعض: لو كان هذا سحر لبقيت الحبال والعصى. فذلك قوله عز وجل: ﴿ فَأُلْقِيَ ٱلسَّحَرَةُ سَاجِدِينَ ﴾ [آية: ٤٦] الله عز وجل.
﴿ قَالُواْ آمَنَّا بِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ ﴾ [آية: ٤٧] لقول موسى: أنا رسول رب العالمين، فقال فرعون: أنا رب العالمين. قالت السحرة: ﴿ رَبِّ مُوسَىٰ وَهَارُونَ ﴾ [آية: ٤٨] فبهت فرعون عند ذلك، وألقى بيديه. فـ ﴿ قَالَ ﴾ فرعون للسحرة ﴿ آمَنتُمْ لَهُ ﴾ يقول: صدقتم بموسى ﴿ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ ﴾ يقول: من قبل أن آمركم بالإيمان به، ثم قال فرعون للسحرة: ﴿ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ ٱلَّذِي عَلَّمَكُمُ ٱلسِّحْرَ ﴾ إن هذا لمكر مكرتموه، يقول: إن هذا لقول قلتموه أنتم، يعنى به السحرة وموسى فى المدينة، يعنى فى أهل مدين لتخرجوا منها أهلها بقول الساحر الأكبر لموسى، حين قال: لئن غلبتنى لأؤمن بك.
﴿ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴾ هذا وعيد، فأخبرهم بالوعيد، فقال: ﴿ لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِّنْ خِلاَفٍ ﴾ يعنى اليد اليمنى والرجل اليسرى.
﴿ وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ ﴾ [آية: ٤٩] فى جذوع النخل. فردت عليه السحرة حين أوعدهم بالقتل والصلب.
﴿ قَالُواْ لاَ ضَيْرَ ﴾ ما عسيت تصنع هل هو إلا تقتلنا ﴿ إِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ ﴾ [آية: ٥٠] يعنى لراجعون إلى الآخرة ﴿ إِنَّا نَطْمَعُ ﴾ أى نرجو ﴿ أَن يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَآ ﴾، يعنى سحرنا ﴿ أَن كُنَّآ أَوَّلَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [آية: ٥١] يعنى أول المصدقين بتوحيد الله عز وجل من أهل مصر، فقطعهم وصلبهم فرعون من يومه، قال ابن عباس: كانوا أول النهار سحرة وآخر النهار شهداء.
﴿ وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِيۤ ﴾ بنى إسرائيل ليلاً ﴿ إِنَّكُم مّتَّبِعُونَ ﴾ [آية: ٥٢] يعنى يتبعكم فرعون وقومه، فأمر جبريل، عليه السلام، كل أهل أربعة أبيات من بنى إسرائيل فى بيت، ويعلم تلك الأبواب بدم الخراف، فإن الله عز وجل يبعث الملائكة إلى أهل مصر، فمن لم يروا على بابه دماً دخلوا بيته فقتلوا أبكارهم، من أنفسهم وأنعامهم، فيشغلهم دفنهم إذا أصبحوا عن طلب موسى، ففعلوا واستعاروا حلى أهل مصر، فساروا من ليلتهم قبل البحر، هارون على المقدمة، وموسى على الساقة، فأصبح فرعون من الغد يوم الأحد، وقد قتلت الملائكة أبكارهم، فاشتغلوا بدفنهم، ثم جمع الجموع فساروا يوم الاثنين فى طلب موسى، عليه السلام، وأصحابه، وهامان على مقدمة فرعون فى ألفى ألف وخمس مائة، ويقال: ألف ألف مقاتل. فذلك قوله عز وجل: ﴿ فَأَرْسَلَ فِرْعَونُ فِي ٱلْمَدَآئِنِ حَاشِرِينَ ﴾ [آية: ٥٣] يحشرون الناس فى طلب موسى، عليه السلام، وهارون، عليه السلام، وبنى إسرائيل. ثم قال فرعون: ﴿ إِنَّ هَـٰؤُلاۤءِ ﴾ يعنى بنى إسرائيل ﴿ لَشِرْذِمَةٌ ﴾ يعنى عصابة ﴿ قَلِيلُونَ ﴾ [آية: ٥٤] وهم ست مائة ﴿ وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَآئِظُونَ ﴾ [آية: ٥٥] لقتلهم أبكارنا، ثم هربوا منا ﴿ وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ ﴾ [آية: ٥٦] علينا السلاح. يقول الله تعالى: ﴿ فَأَخْرَجْنَاهُمْ ﴾ من مصر ﴿ مِّن جَنَّاتٍ ﴾ يعنى البساتين ﴿ وَعُيُونٍ ﴾ [آية: ٥٧] يعنى أنهار جارية ﴿ وَكُنُوزٍ ﴾ يعنى الأموال الظاهرة من الذهب والفضة، وإنما سمى كنزاً، لأنه لم يعط حق الله عز وجل منه، وكل ما لم يعط حق الله تعالى منه، فهو كنز، وإن كان ظاهراً. قال سبحانه: ﴿ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ ﴾ [آية: ٥٨] يعنى المساكن الحسان ﴿ كَذَلِكَ ﴾ هكذا فعلنا بهم فى الخروج من مصر، وما كانوا فيه من الخير. ثم قال سبحانه: ﴿ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ ﴾ [آية: ٥٩]، وذلك أن الله عز وجل رد بنى إسرائيل بعدما أغرق فرعون وقومه إلى مصر ﴿ فَأَتْبَعُوهُم ﴾ يقول: فاتبعهم فرعون وقومه ﴿ مُّشْرِقِينَ ﴾ [آية: ٦٠] يعنى ضحى ﴿ فَلَمَّا تَرَاءَى ٱلْجَمْعَانِ ﴾ يعنى جمع موسى، عليه السلام، وجمع فرعون، فعاين بعضهم بعضاً.
﴿ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَىٰ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ﴾ [آية: ٦١] هذا فرعون وقومه لحقونا من ورائنا، وهذا البحر أمامنا قد غشينا، ولا منقذ لنا منه.﴿ قَالَ ﴾ موسى، عليه السلام: ﴿ كَلاَّ ﴾ لا يدركوننا ﴿ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾ [آية: ٦٢] الطريق، وذلك أن جبريل، عليه السلام، حين أتاه فمره بالمسير من مصر، قال: موعد ما بيننا وبينك البحر، فعلم موسى، عليه السلام، أن الله عز وجل سيجعل له مخرجاً، وذلك يوم الاثنين العاشر من المحرم. فلما صار موسى إلى البحر أوحى الله عز وجل إليه.
﴿ فَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنِ ٱضْرِب بِّعَصَاكَ ٱلْبَحْرَ ﴾ فجاءه جبريل، عليه السلام، فقال: اضرب بعصاك البحر، فضربه بعصاه فى أربع ساعات من النهار.
﴿ فَٱنفَلَقَ ﴾ البحر فانشق الماء اثنى عشر طريقاً يابساً، كل طريق طوله فرسخان وعرضه فرسخان، وقام الماء عن يمين الماء، وعن يساره، كالجبل العظيم، فذلك قوله عز وجل: ﴿ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَٱلطَّوْدِ ٱلْعَظِيمِ ﴾ [آية: ٦٣] يعنى كالجبلين المقابلين كل واحد منهما على الآخر، وفيهما كوى من طريق إلى طريق لينظر بعضهم إلى بعض إذا ساروا فيه ليكون آنس لهم إذا نظر بعضهم إلى بعض، فسلك كل سبط من بنى إسرائيل فى طريق لا يخالطهم أحد من غيرهم، وكانوا اثنى عشر سبطاً، فساروا فى اثنى عشر طريقاً فقطعوا البحر، وهو نهر النيل بين أيلة، ومصر، نصف النهار فى ست ساعات من النهار يوم الاثنين، وهو يوم العاشر من المحرم، فصام موسى، عيه السلام، يوم العاشر شكراً لله عز وجل حين أنجاه الله عز وجل، وأغرق عدوه فرعون، فمن ثم تصومه اليهود، وسار فرعون وقومه فى تمام ثمانية ساعات، فلما توسطوا البحر تفرقت الطرق عليهمن فأغرقهم الله عز وجل أجمعين. فذاك قوله تعالى: ﴿ وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ ٱلآخَرِينَ ﴾ [آية: ٦٤] يعنى هناك الآخرين، قربنا فرعون وجنوده فى مسالك بنى إسرائيل ﴿ وَأَنجَيْنَا مُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ ﴾ [آية: ٦٥] من الغرق فلم يبقى أحد إلا نجا ﴿ ثُمَّ أَغْرَقْنَا ٱلآخَرِينَ ﴾ [آية: ٦٦] يعنى فرعون وقومه فى تمام تسع ساعات من النهار، ثم أوحى الله عز وجل إلى البحر، فألقى فرعون على الساحل فى ساعة، فتلك عشر ساعات، وبقى من النهار ساعتان.﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً ﴾ يقول: فى هلاك فرعون وقومه لعبرة لمن بعدهم.
﴿ وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ ﴾ [آية: ٦٧] يقول: لم يكن أكثر أهل مصر مصدقين بتوحيد الله عز وجل، ولو كان أكثرهم مؤمنين لم يعذبوا فى الدنيا، ولم يؤمن من أهل مصر غير آسية امرأة فرعون، وحزقيل المؤمن من آل فرعون، وفيه الماشطة، ومريم ابنة ناموثية التى دلت على عظام يوسف.﴿ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ﴾ فى نقمته من أعدائه حين انتقم منهم ﴿ ٱلرَّحِيمُ ﴾ [آية: ٦٨] بالمؤمنين حين أنجاهم من العذاب، وكان موسى بمصر ثلاثين سنة، فلما قتل النفس خرج إلى مدين هارباً على رجليه فى الصيف بغير زاد، وكان راعياً عشر سنين، ثم بعثه الله رسولاً وهو ابن أربعين سنة، ثم دعا قومه ثلاثين سنة، ثم قطع البحر، فعاش خمسين سنة فمات وهو ابن عشرين ومائة سنة صلى الله عليه وسلم، وكان دعا فرعون وقومه عشر سنينن فلما أبو أرسل الله عليهم الطوفان والجراد والقمل، وإلى آخر الآية، ثم لبث فيهم أيضاً عشرين سنة كل ذلك ثلاثين سنة، فلم يؤمنوا فأغرقهم الله أجمعين، فعاش موسى، عليه السلام، عشرين ومائة سنة.
﴿ وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ ﴾ على أهل مكة ﴿ نَبَأَ ﴾ يعنى حديث ﴿ إِبْرَاهِيمَ ﴾ [آية: ٦٩] ﴿ إِذْ قَالَ لأَبِيهِ ﴾ آزر ﴿ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ ﴾ [آية: ٧٠] ﴿ قَالُواْ نَعْبُدُ أَصْنَاماً ﴾ من ذهب، وفضة، وحديد، ونحاس، وخشب.
﴿ فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ ﴾ ﴿ آية: ٧١] يقول: فتقيم عليها عاكفين، وهى اثنان وسبعون { قَالَ ﴾ إبراهيم، عليه السلام: ﴿ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ ﴾ [آية: ٧٢] يقول: هل تجيبكم الأصنام إذا دعوتموهم.
﴿ أَوْ يَنفَعُونَكُمْ ﴾ فى شىء إذا عبدتموها.
﴿ أَوْ يَضُرُّونَ ﴾ [آية: ٧٣] يضرونكم بشىء إن لم تعبدوها فردوا على إبراهيم.﴿ قَالُواْ بَلْ وَجَدْنَآ آبَآءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ ﴾ [آية: ٧٤] يعنى هكذا يعبدون الأصنام ﴿ قَالَ ﴾ إبراهيم: ﴿ أَفَرَأَيْتُمْ مَّا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ ﴾ [آية: ٧٥] من الأنصام ﴿ أَنتُمْ وَآبَآؤُكُمُ ٱلأَقْدَمُونَ ﴾ [آية: ٧٦].
﴿ فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِيۤ ﴾ أنا برىئ مما تعبدون، ثم استثنى إبراهيم عليه السلام مما يعبدون رب العالمين جل جلاله، وعبادتهم الله، لأنهم يعلمون أن الله تعالى هو ربهم الذى خلقهم قوله: ﴿ إِلاَّ رَبَّ ٱلْعَالَمِينَ ﴾ [آية: ٧٧] مما تعبدون، فإنى لا أتبرأ منه وإقرارهم بالله عز وجل أنه خلقهم، وهو ربهم، وهم عباده. ثم ذكر إبراهيم، عليه السلام، نعم رب العالمين تعالى، فقال: ﴿ ٱلَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ ﴾ [آية: ٧٨] ﴿ وَٱلَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي ﴾ إذا جعت ﴿ وَيَسْقِينِ ﴾ [آية: ٧٩] إذا عطشت.
﴿ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ﴾ [آية: ٨٠] ﴿ وَٱلَّذِي يُمِيتُنِي ﴾ فى الدنيا ﴿ ثُمَّ يُحْيِينِ ﴾ [آية: ٨١] بعد الموت فى الآخرة.
﴿ وَٱلَّذِيۤ أَطْمَعُ ﴾ يعنى أرجو ﴿ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ ٱلدِّينِ ﴾ [آية: ٨٢] يعنى يوم الحساب، يقول: أنا أعبد الذى يفعل هذا بى ولا أعبد غيره، وخطيئة إبراهيم ثلاث كذبات، حين قال عن سارة: هذه أختى، وحين قال: إنى سقيم، وحين قال: بل فعله كبيرهم هذا، إحداهن لنفسه، واثنتان لله، عز وجل، ربه تعالى ذكره. فقال: ﴿ رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً ﴾ يعنى الفهم والعلم ﴿ وَأَلْحِقْنِي بِٱلصَّالِحِينَ ﴾ [آية: ٨٣] يعنى الأنبياء عليهم السلام.
﴿ وَٱجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي ٱلآخِرِينَ ﴾ [آية: ٨٤] يعنى ثناء حسناً يقال: من بعدى فى الناس، فأعطاه الله عز وجل ذلكن فكل أهل دين يقولون: إبراهيم، عليه السلام، ويثنون عليه، ثم قال: ﴿ وَٱجْعَلْنِي مِن وَرَثَةِ جَنَّةِ ٱلنَّعِيمِ ﴾ [آية: ٨٥] يقول: اجعلنى ممن يرث الجنة.﴿ وَٱغْفِرْ لأَبِيۤ إِنَّهُ كَانَ مِنَ ٱلضَّآلِّينَ ﴾ [آية: ٨٦] يعنى من المشركين.
﴿ وَلاَ تُخْزِنِي ﴾ يعنى لا تعذبنى ﴿ يَوْمَ يُبْعَثُونَ ﴾ [آية: ٨٧] يعنى يوم تبعث الخلق بعد الموت. ثم نعت إبراهيم، عليه السلام، ذلك اليوم، فقال: ﴿ يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ ﴾ [آية: ٨٨] من العذاب من بعد الموت.
﴿ إِلاَّ مَنْ أَتَى ٱللَّهَ ﴾ فى الآخرة ﴿ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ [آية: ٨٩] من الشرك مخلصاً لله عز وجل بالتوحيد، فينفعه يوم البعث ماله وولده.
﴿ وَأُزْلِفَتِ ﴾ يعنى وقربت ﴿ ٱلْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [آية: ٩٠] ﴿ وَبُرِّزَتِ ٱلْجَحِيمُ ﴾ يعنى وكشف الغطاء عن الجحيم ﴿ لِلْغَاوِينَ ﴾ [آية: ٩١] من كفار بنى آدم، وهم الضالون عن الهدى. ﴿ وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ ﴾ [آية: ٩٢].
﴿ مِن دُونِ ٱللَّهِ ﴾ لأنهم عبدوا الشيطان نظيرها فى الصافات ﴿ هَلْ يَنصُرُونَكُمْ أَوْ يَنتَصِرُونَ ﴾ [آية: ٩٣] يعنى هل يمنعونكم النار، أو يمتنعون منها.﴿ فَكُبْكِبُواْ فِيهَا ﴾ يعنى فقذفوا فى النار، يعنى فقذفهم الخزنة فى النار ﴿ هُمْ ﴾ يعنى كفار بنى آدم ﴿ وَٱلْغَاوُونَ ﴾ [آية: ٩٤] يعنى الشياطين الذين أغووا بنى آدم، ثم قال تعالى: ﴿ وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ ﴾ [آية: ٩٥] يعنى ذرية إبليس كلهم.﴿ قَالُواْ وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ ﴾ [آية: ٩٦] فى النار، فيها تقديم، وذلك أن الكفار من بنى آدم، قالوا للشياطين: ﴿ تَٱللَّهِ ﴾ يعنى والله ﴿ إِن ﴾ لقد ﴿ كُنَّا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ﴾ [آية: ٩٧] ﴿ إِذْ نُسَوِّيكُمْ ﴾ يعنى نعدلكم يا معشر الشياطين ﴿ بِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ ﴾ [آية: ٩٨] فى الطاعات فهذه خصومتهم. ثم قال كفار مكة من بنى آدم: ﴿ وَمَآ أَضَلَّنَآ ﴾ عن الهدى ﴿ إِلاَّ ٱلْمُجْرِمُونَ ﴾ [آية: ٩٩] يعنى الشياطين، ثم أظهروا الندامة، فقالوا: ﴿ فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ ﴾ [آية: ١٠٠] من الملائكة والنبيين ﴿ وَلاَ صَدِيقٍ حَمِيمٍ ﴾ [آية: ١٠١] يعنى القريب الشفيق، فيشفعون لنا كما يشفع المؤمنين، وذلك أنهم لما رأوا كيف يشفع الله عز وجل، والملائكة، والنبين فى أهل التوحيد، قالوا عند ذلك: ﴿ فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ ﴾ إلى آخر الآية. حدثنا أبو محمد، قال: حدثنى الهذيل، قال: قال مقاتل: استكثروا من صداقة المؤمنين، فإن المؤمنين يشفعون يوم القيامة، فذلك قوله سبحانه: ﴿ وَلاَ صَدِيقٍ حَمِيمٍ ﴾.
ثم قال: ﴿ فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً ﴾ يعنى رجعة إلى الدنيا ﴿ فَنَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [آية: ١٠٢] يعنى من المصدقين بالتوحيد.
﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً ﴾ يعنى إن فى هلاك قوم إبراهيم لعبرة لمن بعدهم ﴿ وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ ﴾ [آية: ١٠٣] يقول: لو كان أكثرهم مؤمنين لم يعذبوا فى الدنيا.﴿ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ﴾ فى نقمته ﴿ ٱلرَّحِيمُ ﴾ [آية: ١٠٤] بالمؤمنين هلك قوم إبراهيم بالصيحة تفسيره فى سورة العنكبوت.
﴿ كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ ٱلْمُرْسَلِينَ ﴾ [آية: ١٠٥] يعنى كذبوا نوحاً وحده، نظيرها فى اقتربت الساعة ﴿ إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ ﴾ ليس بأخيهم فى الدين، ولكن أخوهم فى النسب ﴿ أَلاَ تَتَّقُونَ ﴾ [آية: ١٠٦] يعنى ألا تخشون الله عز وجل.﴿ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ ﴾ [آية: ١٠٧] فيما بينكم وبين ربكم ﴿ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ﴾ يعنى فاعبدوا الله ﴿ وَأَطِيعُونِ ﴾ [آية: ١٠٨] فيما آمركم به من النصيحة ﴿ وَمَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ ﴾ يعنى جعلاً، يعنى جعلا، وذلك أنهم قالوا للأنبياء: إنما تريدون أن تملكوا علينا فى أموالنا، فردت عليهم الأنبياء، فقالوا لا نسألكم عليه من أجر، يعنى على الإيمان جعلاً.﴿ إِنْ أَجْرِيَ ﴾ يعنى جزائى ﴿ إِلاَّ عَلَىٰ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ ﴾ [آية: ١٠٩] ﴿ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ﴾ يعنى فاعبدوا الله ﴿ وَأَطِيعُونِ ﴾ [آية: ١١٠] فيما آمركم به من النصيحة ﴿ قَالُوۤاْ ﴾ لنوح ﴿ أَنُؤْمِنُ لَكَ ﴾ أنصدقك بقولك ﴿ وَٱتَّبَعَكَ ٱلأَرْذَلُونَ ﴾ [آية: ١١١] يعنى السفلة.﴿ قَالَ ﴾ نوح، عليه السلام: ﴿ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾ [آية: ١١٢] يقول: لم أكن أعلم أن الله يهديهم للإيمان من بينكم ويدعكم، ثم قال نوح، عليه السلام: ﴿ إِنْ حِسَابُهُمْ ﴾ يعنى ما جزاء الأرذلون ﴿ إِلاَّ عَلَىٰ رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ ﴾ [آية: ١١٣].
﴿ وَمَآ أَنَاْ بِطَارِدِ ٱلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [آية: ١١٤] يقول: وما أنا بالذى لا يقبل الإيمان من الذين تزعمون أنهم الأرذلون عندكم ﴿ إِنْ أَنَا ﴾ يعنى ما أنا ﴿ إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ ﴾ [آية: ١١٥] يعنى رسول بيّن ﴿ قَالُواْ لَئِنْ لَّمْ تَنْتَهِ ﴾ يعنى لئن لم تسكت ﴿ يٰنُوحُ ﴾ عنا ﴿ لَتَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُجْرِمِينَ ﴾ [آية: ١١٦] يعنى من المقتولين.﴿ قَالَ ﴾ نوح: ﴿ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ ﴾ [آية: ١١٧] البعث ﴿ فَٱفْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً ﴾ يقول: اقض بينى وبينهم قضاء، يعنى العذاب.
﴿ وَنَجِّنِي وَمَن مَّعِي مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [آية: ١١٨] من الغرق، فنجاه الله عز وجل.﴿ فَأَنجَيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ فِي ٱلْفُلْكِ ٱلْمَشْحُونِ ﴾ [آية: ١١٩]، يعنى الموقر من الناس والطير والحيوان كلها، من كل صنف ذكر وأنثى.
﴿ ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ ﴾ أهل السفينة ﴿ ٱلْبَاقِينَ ﴾ [آية: ١٢٠] يعنى من بقى منهم ممن لم يركب السفينة ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً ﴾ يقول: إن فى هلاك قوم نوح لعبرة لمن بعدهم من هذه الأمة، ليحذروا مثل عقوبتهم، ثم قال تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ ﴾ [آية: ١٢١] يعنى مصدقين بتوحيد الله عز وجل، يقول كان أكثرهم كافرين بالتوحيد، ولو كان أكثرهم مؤمنين لم يعذبوا فى الدنيا. ثم قال سبحانه: ﴿ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ﴾ فى نقمته منهم بالغرق ﴿ ٱلرَّحِيمُ ﴾ [آية: ١٢٢] بالمؤمنين إذ نجاهم من الغرق، إنما ذكر الله تعالى تكذيب الأمم الخالية رسلهم، لما كذب كفار قريش النبى صلى الله عليه وسلم بالرسالة، أخبر الله عز وجل النبى صلى الله عليه وسلم أنه أرسله كما أرسل نوحاً وهوداً وصالحاً ولوطاً وشعيباً، فكذبهم قومهم، فكذلك أنت يا محمدن وذكر عقوبة الذين كذبوا رسلهم لئلا يكذب كفار قريش محمداً صلى الله عليه وسلم، فحذرهم مثل عذاب الأمم الخالية.
﴿ كَذَّبَتْ عَادٌ ٱلْمُرْسَلِينَ ﴾ [آية: ١٢٣] ﴿ إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ ﴾ ليس بأخيهم فى الدين ولكن أخوهم فى النسب.
﴿ أَلاَ تَتَّقُونَ ﴾ [آية: ١٢٤] يعنى ألا تخشون الله عز وجل.
﴿ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ ﴾ [آية: ١٢٥] فيما بينكم وبين ربكم.
﴿ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ﴾ يعنى فاعبدوا الله.
﴿ وَأَطِيعُونِ ﴾ [آية: ١٢٦] فيما آمركم به من النصيحة ﴿ وَمَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ ﴾ يقول: لا أسالكم على الإيمان جعلاً ﴿ إِنْ أَجْرِيَ ﴾ يقول: ما أجرى ﴿ إِلاَّ عَلَىٰ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ ﴾ [آية: ١٢٧].
﴿ أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ ﴾ يعنى طريق ﴿ آيَةً ﴾ يعنى علماً ﴿ تَعْبَثُونَ ﴾ [آية: ١٢٨] يعنى تلعبون، وذلك أنهم كانوا إذا سافروا لا يهتدون إلا بالنجوم، فبنوا القصور الطوال عبثاً يقول: علماً بكل طريق يهتدون بها فى طريقهم.
﴿ وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ ﴾ يعنى القصور ليذكروا بها هذا منزل بنى فلان، وبنى فلان ﴿ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ ﴾ [آية: ١٢٩] فى الدنيا فلا تموتون.﴿ وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ ﴾ [آية: ١٣٠] يقول: إذا أخذتم أخذتم فقتلتم فى غير حق، كفعل الجبارين، والجبار من يقتل بغير حق.
﴿ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ ﴾ [آية: ١٣١] ﴿ وَٱتَّقُواْ ٱلَّذِيۤ أَمَدَّكُمْ ﴾ يقول: اتقوا الله الذى أعطاكم ﴿ بِمَا تَعْلَمُونَ ﴾ [آية: ١٣٢] من الخير. ثم أخبر بالذى أعطاهم، فقال سبحانه: ﴿ أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ ﴾ [آية: ١٣٣] ﴿ وَجَنَّاتٍ ﴾ يقول: البساتين ﴿ وَعُيُونٍ ﴾ [آية: ١٣٤] يعنى وأنهار جارية أعطاهم هذا الخير كله، بعدما أخبرهم عن قوم نوح بالغرق، قال: فإن لم تؤمنوا فـ ﴿ إِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾ [آية: ١٣٥] إن ينزل بكم فى الدنيا، يعنى بالعظيم الشديد فردوا عليه، عليه السلام ﴿ قَالُواْ سَوَآءٌ عَلَيْنَآ أَوَعَظْتَ ﴾ بالعذاب ﴿ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِّنَ ٱلْوَاعِظِينَ ﴾ [آية: ١٣٦] ﴿ إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ خُلُقُ ٱلأَوَّلِينَ ﴾ [آية: ١٣٧] يعنى ما هذا العذاب الذى يقول هود إلا أحاديث الأولين ﴿ وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ ﴾ [آية: ١٣٨].
﴿ فَكَذَّبُوهُ ﴾ بالعذاب فى الدنيا ﴿ فَأَهْلَكْنَاهُمْ ﴾ بالريح ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً ﴾ يقول: إن فى هلاكهم بالريح لعبرة لمن بعدهم من هذه الأأمة، فيحذروا مثل عقوبتهم، ثم قال سبحانه: ﴿ وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ ﴾ [آية: ١٣٩] ولو كان أكثرهم مؤمنين لم يعذبوا فى الدنيا.
﴿ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ﴾ فى نقمته من أعدائه حين أهلكهم بالريح ﴿ ٱلرَّحِيمُ ﴾ [آية: ١٤٠] بالمؤمنين حين أنجاهم.
﴿ كَذَّبَتْ ثَمُودُ ٱلْمُرْسَلِينَ ﴾ [آية: ١٤١ } يعنى صالحاً وحده ﴿ إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ ﴾ فى النسب، وليس بأخيهم فى الدنيا.
﴿ أَلا تَتَّقُونَ ﴾ [آية: ١٤٢] يعنى ألا تخشون الله عز وجل: ﴿ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ ﴾ [آية: ١٤٣] فيما بينكم وبين الله عز وجل.﴿ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ ﴾ [آية: ١٤٤] فيما آمركم به ﴿ وَمَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ ﴾ يعنى على الإيمان ﴿ مِنْ أَجْرٍ ﴾ يعنى جعلاً ﴿ إِنْ أَجْرِيَ ﴾ يعنى جزائى ﴿ إِلاَّ عَلَىٰ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ ﴾ [آية: ١٤٥] ثم قال صالح عليه السلام: ﴿ أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَآ ﴾ من الخير ﴿ آمِنِينَ ﴾ [آية: ١٤٦] من الموت. ثم أخبر عن الخير، فقال سبحانه: ﴿ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ﴾ [آية: ١٤٧] ﴿ وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ ﴾ [آية: ١٤٨] يعنى طلعها متراكب بعضها على بعض من الكثرة.
﴿ وَتَنْحِتُونَ مِنَ ٱلْجِبَالِ بُيُوتاً فَارِهِينَ ﴾ [آية: ١٤٩] يعنى حاذقين بنحتها.
﴿ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ ﴾ [آية: ١٥٠] فيما آمركم به من النصيحة.
﴿ وَلاَ تُطِيعُوۤاْ أَمْرَ ٱلْمُسْرِفِينَ ﴾ [آية: ١٥١] يعنى التسعة الذين عقروا الناقة، ثم نعتهم، فقال: ﴿ ٱلَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ يُصْلِحُونَ ﴾ [آية: ١٥٢] يقول: الذين يعصون فى الأرض، ولا يطيعون الله عز وجل، فيما أمرهم به.
﴿ قَالُوۤاْ إِنَّمَآ أَنتَ مِنَ ٱلْمُسَحَّرِينَ ﴾ [آية: ١٥٣].
حدثنا أبو محمد، قال: حدثنا الأثرم، قال أبو عبيدة والفراء: المسحر المخلوق، ويقال أيضاً: الذى له سحر يجتمع فيه طعامه أسفل نحره، لأن نصف العنق نحر، ونصفه سحر.﴿ مَآ أَنتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا ﴾ يقول: إنما أنت بشر مثلنا فى المنزلة، ولا تفضلنا فى شىء لست بملك، ولا رسول.
﴿ فَأْتِ بِآيَةٍ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ ﴾ [آية: ١٥٤] بأنك رسول الله إلينا، فقال لهم صالح: إن الله عز وجل سيخرج لكم من هذه الصخرة ناقة وبراء عشراء، يعنى حامل، قال مقاتل: كانت الناقة من غير نسل، انشقت عن الناقة. و ﴿ قَالَ ﴾ لهم صالح، عليه السلام: ﴿ هَـٰذِهِ نَاقَةٌ ﴾ الله لكم آية بأنى رسول الله ﴿ لَّهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ ﴾ [آية: ١٥٥] وكان للناقة يوم، ولهم يوم، وإذا كان شرب يوم الناقة من المكان كانوا فى لبن ما شاءوا، وليس لهم ماء، فإذا كان يومهم، لم يكن للناقة ماء، وكان لأهل القرية ولمواشيهم يوم، ولها يوم آخر، فذورها تأكل فى أرض الله.﴿ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوۤءٍ ﴾ يعنى ولا تعقروها.
﴿ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾ [آية: ١٥٦] فى الدنيا ﴿ فَعَقَرُوهَا ﴾ يوم الأربعاء، فماتت ﴿ فَأَصْبَحُواْ نَادِمِينَ ﴾ [آية: ١٥٧] على عقرها ﴿ فَأَخَذَهُمُ ٱلْعَذَابُ ﴾ يوم السبت من صيحة جبريل، عليه السلام، فماتوا أجمعين ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً ﴾ يعنى فى هلاكهم بالصيحة لعبرة لمن بعدهم من هذه الأمة يحذر كفار مكة مثل عذابهم. ثم قال سبحانه: ﴿ وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ ﴾ [آية: ١٥٨] يعنى لو كان أكثرهم مؤمنين ما عذبوا فى الدنيا ﴿ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ﴾ فى نقمته من أعدائه ﴿ ٱلرَّحِيمُ ﴾ [آية: ١٥٩] بالمؤمنين، وعاد وثمود ابنا عم، ثمود بن عابر بن أرم بن سام بن نوح، وهود بن شالح.
﴿ كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ ٱلْمُرْسَلِينَ ﴾ [آية: ١٦٠] كذبوا لوطاً وحده، ولوط بن حراز بن آزر، فسارة أخت لوط، عليه السلام.
﴿ إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ ﴾ ابن حراز ﴿ أَلا تَتَّقُونَ ﴾ [آية: ١٦١] يعنى ألا تخشون الله عز وجل.﴿ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ ﴾ [آية: ١٦٢] ﴿ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ ﴾ [آية: ١٦٣] فيما آمركم به من النصيحة ﴿ وَمَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ ﴾ يعنى ما أسألكم على الإيمان من جعل ﴿ إِنْ أَجْرِيَ ﴾ يعنى ما جزائى ﴿ إِلاَّ عَلَىٰ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ ﴾ [آية: ١٦٤].
﴿ أَتَأْتُونَ ٱلذُّكْرَانَ مِنَ ٱلْعَالَمِينَ ﴾ [آية: ١٦٥] يعنى نكاح الرجال ﴿ وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ ﴾ يعنى بالأزواج فروج نسائكم ﴿ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ ﴾ [آية: ١٦٦] يعنى معتدين ﴿ قَالُواْ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ ﴾ يعنى لئن لم تسكت عنا ﴿ يٰلُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُخْرَجِينَ ﴾ [آية: ١٦٧] من القرية.
﴿ قَالَ ﴾ لوط: ﴿ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ ﴾ يعنى إتيان الرجال ﴿ مِّنَ ٱلْقَالِينَ ﴾ [آية: ١٦٨] يعنى المقاتين ﴿ رَبِّ نَّجِنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ ﴾ [آية: ١٦٩] من الخبائث ﴿ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ ﴾ [آية: ١٧٠].
ثم استثنى، فقال: ﴿ إِلاَّ عَجُوزاً فِي ٱلْغَابِرِينَ ﴾ [آية: ١٧١] يعنى الباقين فى العذاب يعنى امرأته ﴿ ثُمَّ دَمَّرْنَا ﴾ يعنى أهلكنا ﴿ ٱلآخَرِينَ ﴾ [آية: ١٧٢] بالخسف والحصب، فذلك قوله تعالى: ﴿ وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَراً ﴾ يعنى الحجارة ﴿ فَسَآءَ ﴾ يعنى فبئس ﴿ مَطَرُ ٱلْمُنذَرِينَ ﴾ [آية: ١٧٣] يعنى الذين أنذروا بالعذاب خسف الله بقرى قوم لوط، وأرسل الحجارة على من كان خارجاً من القرية.﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً ﴾ يعنى إن فى هلاكهم بالخسف والحصب لعبرة لهذه الأمة، ثم قال تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ ﴾ [آية: ١٧٤] لو كان أكثرهم مؤمنين لم يعذبوا فى الدنيا ﴿ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ﴾ فى نقمته ﴿ ٱلرَّحِيمُ ﴾ [آية: ١٧٥] بالمؤمنين، وذلك قوله تعالى﴿ وَلَقَدْ أَنذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا ﴾[القمر: ٣٦].
﴿ كَذَّبَ أَصْحَابُ ٱلأَيْكَةِ ﴾ يعنى غيطة الشجر، كان أكثر الشجرة الدوم، وهو المقل ﴿ ٱلْمُرْسَلِينَ ﴾ [آية: ١٧٦] يعنى كذبوا شعيباً، عليه السلام، وحده، وشعيب بن نويب ابن مدين بن إبراهيم، خليل الرحمن.﴿ إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ ﴾ ولم يكن شعيب من نسبهم، فلذلك لم يقل عز وجل أخوهم شعيب، وقد كان أرسل إلى أمة غيرهم أيضاً إلى ولد مدين، وشعيب من نسائهم، فمن ثم قال فى هذه السورة: ﴿ إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ ﴾ ولم يقل أخوهم، لأنه ليس من نسلهم ﴿ أَلاَ تَتَّقُونَ ﴾ [آية: ١٧٧] يقول: ألا تخشون الله عز وجل؟﴿ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ ﴾ [آية: ١٧٨] ﴿ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ ﴾ [آية: ١٧٩] فيما آمركم به من النصيحة ﴿ وَمَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ ﴾ يعنى على الإيمان ﴿ مِنْ أَجْرٍ ﴾ يعنى من جعل ﴿ إِنْ أَجْرِيَ ﴾ يعنى ما جزائى ﴿ إِلاَّ عَلَىٰ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ ﴾ [آية: ١٨٠].
﴿ أَوْفُواْ ٱلْكَيْلَ ﴾ ولا تنقصوه ﴿ وَلاَ تَكُونُواْ مِنَ ٱلْمُخْسِرِينَ ﴾ [آية: ١٨١] يعنى من المنقصين للكيل ﴿ وَزِنُواْ بِٱلْقِسْطَاسِ ٱلْمُسْتَقِيمِ ﴾ [آية: ١٨٢] يعنى بالميزان المستقيم، والميزان بلغة الروم القسطاس.
﴿ وَلاَ تَبْخَسُواْ ٱلنَّاسَ أَشْيَآءَهُمْ ﴾ يقول: ولا تنقصوا الناس حقوقهم فى الكيل والميزان.
﴿ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي ٱلأَرْضِ ﴾ يعنى ولا تسعوا فى الأرض ﴿ مُفْسِدِينَ ﴾ [آية: ١٨٣] بالمعاصى.﴿ وَٱتَّقُواْ ﴾ يقول: واخشوا أن يعذبكم فى الدنيا ﴿ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ وَ ﴾ خلق ﴿ وَٱلْجِبِلَّةَ ﴾ يعنى الخليقة ﴿ ٱلأَوَّلِينَ ﴾ [آية: ١٨٤] يعنى الأمم الخالية الذين عذبوا فى الدنيا قوم نوح وصالح، وقوم لوط.﴿ قَالُوۤاْ إِنَّمَآ أَنتَ مِنَ ٱلْمُسَحَّرِينَ ﴾ [آية: ١٨٥] يعنى أنت بشر مثلنا لست بملك، ولا رسول، فذلك قوله سبحانه: ﴿ وَمَآ أَنتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا ﴾ لا تفضلنا فى شىء فنتبعك.
﴿ وَإِن نَّظُنُّكَ ﴾ يقول: وقد نحسبك يا شعيب.
﴿ لَمِنَ ٱلْكَاذِبِينَ ﴾ [آية: ١٨٦] يعنى حين تزعم أنك نبى رسول.﴿ فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفاً ﴾ يعنى جانباً ﴿ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ ﴾ [آية: ١٨٧] بأن العذاب نازل بنا لقوله فى هود:﴿ وَإِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ ﴾[هود: ٨٤].
﴿ قَالَ ﴾ شعيب: ﴿ رَبِّيۤ أَعْلَمُ ﴾ من غيره ﴿ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [آية: ١٨٨] من نقصان الكيل والميزان.
﴿ فَكَذَّبُوهُ ﴾ بالعذاب.
﴿ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ ٱلظُّلَّةِ ﴾ وذلك أن الله عز وجل كان حبس عنهم الريح والظل، فأصابهم حر شديد، فخرجوا من منازلهم، فرفع الله عز وجل سحابة فيها عذاب بعد ما أصابهم الحر سبعة أيام، فانقلبوا ليستظلوا تحتها، فأهلكهم الله عز وجل حراً وغماً تحت السحابة، فذلك قوله عز وجل: ﴿ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾ [آية: ١٨٩] لشدته.
﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً ﴾ إن فى هلاكهم بالحر والغم لعبرة لمن بعدهم، يحذر كفار مكة أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ثم قال عز وجل: ﴿ وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ ﴾ [آية: ١٩٠] يعنى لو كان أكثرهم مؤمنين ما عذبوا فى الدنيا ﴿ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ﴾ فى نقمته من أعدائه ﴿ ٱلرَّحِيمُ ﴾ [آية: ١٩١] بالمؤمنين.﴿ وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ ﴾ [آية: ١٩٢] وذلك أنه لما قال كفار مكة: إن محمداً صلى الله عليه وسلم يتعلم القرآن من أبى فكيهة، ويجىء به الرى، وهو شيطان، فيلقيه على لسان محمد صلى الله عليه وسلم، فأكذبهم الله تعالى، فقال عز وجل: ﴿ وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ ﴾ يعنى القرآن ﴿ نَزَلَ بِهِ ٱلرُّوحُ ٱلأَمِينُ ﴾ [آية: ١٩٣] يعنى جبريل، عليه السلام، أمين فيما استودعه الله عز وجل من الرسالة إلى الأنبياء، عليهم السلام، نزله ﴿ عَلَىٰ قَلْبِكَ ﴾ ليثبت به قلبك يا محمد.
﴿ لِتَكُونَ مِنَ ٱلْمُنْذِرِينَ ﴾ [آية: ١٩٤].
أنزله ﴿ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ ﴾ [آية: ١٩٥] ليفقهوا ما فيه لقوله، إنما يعلمه أبو فكيهة، وكان أبو فكيهة أعجمياً، ثم قال سبحانه: ﴿ وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ ٱلأَوَّلِينَ ﴾ [آية: ١٩٦] يقول: أمر محمد صلى الله عليه وسلم ونعته فى كتب الأولين. ثم قال: ﴿ أَوَ لَمْ يَكُن ﴾ محمد صلى الله عليه وسلم ﴿ لَّهُمْ آيَةً ﴾ يعنى لكفار مكة ﴿ أَن يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ ﴾ [آية: ١٩٧] يعنى ابن سلام وأصحابه.
﴿ وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ ﴾ يعنى القرآن ﴿ عَلَىٰ بَعْضِ ٱلأَعْجَمِينَ ﴾ [آية: ١٩٨] يعنى أبا فكيهة، يقول: لو أنزلناه على رجل ليس بعربى اللسان ﴿ فَقَرَأَهُ عَلَيْهِم ﴾ على كفار مكة، لقالوا: ما نفقه قوله، و ﴿ مَّا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ ﴾ [آية: ١٩٩] يعنى بالقرآن مصدقين بأنه من الله عز وجل.
﴿ كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ ﴾ يعنى هكذا جعلنا الكفر بالقرآن ﴿ فِي قُلُوبِ ٱلْمُجْرِمِينَ ﴾ [آية: ٢٠٠].
﴿ لاَ يُؤْمِنُونَ بِهِ ﴾ يعنى بالقرآن ﴿ حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلْعَذَابَ ٱلأَلِيمَ ﴾ [آية: ٢٠١] يعنى الوجيع.
﴿ فَيَأْتِيَهُم ﴾ العذاب ﴿ بَغْتَةً ﴾ يعنى فجأة.
﴿ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ ﴾ [آية: ٢٠٢] فيتمنون الرجعة والنظرة، فذلك قوله سبحانه: ﴿ فَيَقُولُواْ ﴾ يعنى كفار مكة ﴿ هَلْ نَحْنُ مُنظَرُونَ ﴾ [آية: ٢٠٣] فنعتب ونراجع، فلما أوعدهم النبى صلى الله عليه وسلم العذاب، قالوا: فمتى هذا العذاب؟ تكذيباً به. يقول الله عز وجل: ﴿ أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ ﴾ [آية: ٢٠٤] ﴿ أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ ﴾ [آية: ٢٠٥] فى الدنيا ﴿ ثُمَّ جَآءَهُم ﴾ بعد ذلك العذاب ﴿ مَّا كَانُواْ يُوعَدُونَ ﴾ [آية: ٢٠٦] ﴿ مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُمْ ﴾ من العذاب ﴿ مَّا كَانُواْ يُمَتَّعُونَ ﴾ [آية: ٢٠٧] فى الدنيا.
ثم خوفهم، فقال سبحانه: ﴿ وَمَآ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ ﴾ فيما خلا بالعذاب فى الدنيا ﴿ إِلاَّ لَهَا مُنذِرُونَ ﴾ [آية: ٢٠٨] يعنى رسلاً تنذرهم العذاب بأنه نازل به فى الدنيا ﴿ ذِكْرَىٰ ﴾ يقول: العذاب يذكر ويفكر.
﴿ وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ ﴾ [آية: ٢٠٩] فنعذب على غير ذنب كان منهم ظلماً، قالت قريش: إنه يجىء بالقرآن الرى، يعنون الشيطان، فيلقيه على لسان محمد صلى الله عليه وسلم، فكذبوه بما جاء به. فأنزل الله عز وجل: ﴿ وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ ٱلشَّيَاطِينُ ﴾ [آية: ٢١٠] ﴿ وَمَا يَنبَغِي لَهُمْ ﴾ إن ينزلوا بالقرآن ﴿ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ ﴾ [آية: ٢١١] لأنه حيل بينهم وبين السمع بالملائكة والشهب، وذلك أنهم كانوا يستمعون إلى السماء قبل أن يبعث النبى صلى الله عليه وسلم، فلما بعث رمتهم الملائكة بالشهب. فذلك قوله سبحانه: ﴿ إِنَّهُمْ عَنِ ٱلسَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ ﴾ [آية: ٢١٢] بالملائكة والكواكب ﴿ فَلاَ تَدْعُ ﴾ يعنى ﴿ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ ﴾ وذلك حين دعى إلى دين آبائه، فقال: لا تدع يعنى فلا تعبد مع الله إلهاً آخر ﴿ فَتَكُونَ مِنَ ٱلْمُعَذَّبِينَ ﴾ [آية: ٢١٣] ﴿ وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ ٱلأَقْرَبِينَ ﴾ [آية: ٢١٤] لما نزلت هذه الآية قال النبى صلى الله عليه وسلم:" إنى أرسلت إلى الناس عامة، وأرسلت إليكم يا بنى هاشم، وبنى المطلب خاصة، "وهم الأقربون، وهما أخوان ابنا عبد مناف.﴿ وَٱخْفِضْ جَنَاحَكَ ﴾ يعنى لين لهم جناحك ﴿ لِمَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [آية: ٢١٥] ﴿ فَإِنْ عَصَوْكَ ﴾ يعنى بنى هاشم، وبنى عبد المطلب، فلم يجيبوك إلى الإيمان ﴿ فَقُلْ إِنِّي بَرِيۤءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ [آية: ٢١٦] من الشرك والكفر.﴿ وَتَوكَّلْ ﴾ يعنى وثق بالله عز وجل ﴿ عَلَى ٱلْعَزِيزِ ﴾ فى نقمته ﴿ ٱلرَّحِيمِ ﴾ [آية: ٢١٧] بهم حين لا يعجل عليهم بالعقوبة، وذلك حين دعى إلى ملة آبائه، ثم قال سبحانه: ﴿ ٱلَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ ﴾ [آية: ٢١٨] وحدك إلى الصلاة.﴿ وَتَقَلُّبَكَ ﴾ يعنى ويرى ركوعك وسجودك وقيامك فهذا التقلب ﴿ فِي ٱلسَّاجِدِينَ ﴾ [آية: ٢١٩] يعنى ويراك مع المصلين فى جماعة ﴿ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ﴾ لما قالوا حين دع إلى دين آبائه ﴿ ٱلْعَلِيمُ ﴾ [آية: ٢٢٠] بما قال كفار مكة.
﴿ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَىٰ مَن تَنَزَّلُ ٱلشَّيَاطِينُ ﴾ [آية: ٢٢١] لقولهم: إنما يجئ به الرى فيلقيه على لسان محمد صلى الله عليه وسلم ﴿ تَنَزَّلُ عَلَىٰ كُلِّ أَفَّاكٍ ﴾ يعنى كذاب ﴿ أَثِيمٍ ﴾ [آية: ٢٢٢] بربه منهم مسيلمة الكذاب، وكعب بن الأشرف.
﴿ يُلْقُونَ ٱلسَّمْعَ ﴾ يقول: تلقى الشياطين بآذانهم إلى السمع فى السماء كلام الملائكة، وذلك أن الله عز وجل إذا أراد أمراً فى أهل الأرض أعلم به أهل السماوات من الملائكة، فتكلموا به، فتسمع الشياطين لكلام الملائكة، وترميهم بالشهب فيخطفون الخطفة، ثم قال عز وجل: ﴿ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ ﴾ [آية: ٢٢٣] يعنى الشياطين حين يخبرون الكهنة أنه يكون فى الأرض كذا وكذا. ثم قال سبحانه: ﴿ وَٱلشُّعَرَآءُ يَتَّبِعُهُمُ ٱلْغَاوُونَ ﴾ [آية: ٢٢٤] منهم عبد الله بن الزبعرى السهمى، وأبو سفيان بن عبد المطلب، وهميرة بن أبى وهب المخزومى، ومشافع بن عبد مناف عمير الجمحى، وأبو عزة اسمه عمرو بن عبد الله، كلهم من قريش، وأمية بن أبى الصلت الثقفى، تكلموا بالكذب والباطل، وقالوا: نحن نقول مثل قول محمد صلى الله عليه وسلم قالوا الشعر، واجتمع إليهم غواة من قومهم يستمعون من أشعارهم، ويروون عنهم، حتى يهجون. فذلك قوله عز وجل: ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ ﴾ [آية: ٢٢٥] يعنى فى كل طريق، يعنى فى كل فن من الكلام يأخذون.
﴿ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ ﴾ [آية: ٢٢٦] فعلنا وفعلنا وهم كذبة، فاستأذن شعراء المسلمين أن يقتصوا من المشركين منهم عبد الله بن رواحة، وحسان بن ثابت، وكعب بن مالك من بنى سلمة بن خثم، كلهم من الأنصار، فأذن لهم النبى صلى الله عليه وسلم، فهجوا المشركين، ومدحوا النبى صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى: ﴿ وَٱلشُّعَرَآءُ يَتَّبِعُهُمُ ٱلْغَاوُونَ ﴾ إلى آيتين. ثم استثنى عز وجل شعراء المسلمين، فقال: ﴿ إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَذَكَرُواْ ٱللَّهَ كَثِيراً وَٱنتَصَرُواْ ﴾ على المشركين ﴿ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ ﴾ يقول: انتصر شعراء المسلمين من شعراء المشركين، فقال: ﴿ وَسَيَعْلَمْ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ ﴾ يعنى أشركوا ﴿ أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ ﴾ [آية: ٢٢٧] يقول: ينقلبون فى الآخرة إلى الخسران. حدثنا عبيد الله بن ثابت، قال: حدثنى أبى، عن الهذيل، عن رجل، عن الفضيل بن عيسى الرقاشى، قال: ﴿ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ ﴾، قال: فضله على الألسن. قال الهذيل: سمعت المسيب يحدث عن ابى روق، قال: كانت ناقة صالح، عليه السلام، يوضع لها الإناء فتدر فيه اللبن. حدثنا عبد الله، قال: حدثنى أبى، عن الهذيل، عن على بن عاصم، عن الفضل بن عيسى الرقاشى، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:" لما كلم الله عز وجل موسى، عليه السلام، فوق الطور، فسمع كلاماً فوق الكلام الأول، فقال: يا رب هذا كلامك الذى كلمتنى به، قال: لا يا موسى، إنما كلمتك بقوة عشرة آلاف لسان، ولى قوة الألسن كلها، وأنا أقوى من ذلك، فلما رجع موسى، عليه السلام، إلى قومه، قالوا: يا موسى، صف لنا كلام الرحمن؟ قال: سبحان الله، لا أستطيع، قالوا: فشبهه، قال: ألم تروا إلى أصوات الصواعق التى تقتل بأحلى حلاوة إن سمعتموه، فإنه قريب منه، وليس به "
Icon