ﰡ
مكية، وآيها: مئة وثمانون وآيتان، وحروفها: ثلاثة آلاف وثماني مئة وستة وعشرون حرفًا، وكلمها ثماني مئة وستون كلمة.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
﴿وَالصَّافَّاتِ صَفًّا (١)﴾.[١] ﴿وَالصَّافَّاتِ﴾ جمع صافَّة ﴿صَفًّا﴾ مصدر، وكذلك ﴿زَجْرًا﴾ و ﴿ذِكْرًا﴾ بعد؛ يعني: الملائكة صفوفًا في السماء كصفوف الصلاة.
...
﴿فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا (٢)﴾.
[٢] ﴿فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا﴾ الملائكة تزجر السحاب وتسوقه.
...
﴿فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا (٣)﴾.
[٣] ﴿فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا﴾ هم الملائكة يتلون ذكر الله، وهذا كله قسم، أقسم الله بها، وليس لغيره ذلك.
[٤] وجواب القسم: ﴿إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ﴾ في معناه وذاته وصفاته، وجيء بالفاء لتدل أن القسم مجموع المذكورات، والواو لا تفيده. قرأ أبو عمرو، وحمزة: (وَالصَّافَّات صَّفًا. فَالزَّاجِرَات زَّجْرًا. فَالتَّالِيَات ذِّكْرًا) بإدغام التاء فيما بعدها من غير إشارة، والباقون: بكسر التاء من غير إدغام (١).
...
﴿رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ (٥)﴾.
[٥] ﴿رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ﴾ مشارق الشمس ومغاربها، وحذفها لدلالة (مشارق) عليها، وقد قال في سورة المزمل: ﴿رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ﴾ [الآية: ٩] أراد به: الجهة، فالمشرق جهة، والمغرب جهة، وقال في سورة الرحمن: ﴿رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ﴾ [الآية: ١٧] يعني: مشرقي الصيف والشتاء، ومغربيهما، وقال في سورة المعارج: ﴿بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ﴾ [الآية: ٤٠] مشرق كل يوم من السنة، ومغربه.
روي أن الله تعالى خلق للشمس ثلاث مئة وستين كوة في المشرق، ومثلها في المغرب، على عدد أيام السنة، تطلع الشمس كل يوم من كوة منها، وتغرب في كوة منها، لا ترجع إلى الكوة التي تطلع منها إلى ذلك اليوم من العام المقبل، فهي المشارق والمغارب (٢)، المعنى: هو ربُّ جميع الموجودات.
(٢) انظر: "تفسير البغوي" (٣/ ٦٥٤)، وذكره القرطبي في "تفسيره" (١٥/ ٦٣)، =
[٦] ﴿إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ﴾ قرأ أبو بكر عن عاصم: (بِزِينَةٍ) منونة (الْكَواكِبَ) نصب؛ أي: بتزييننا الكواكبَ، وقرأ حمزة، وخلف (١)، وحفص عن عاصم: (بِزِينَةٍ) منونة (الْكَوَاكِبِ) خفضًا بدلًا من (زينةٍ)، وقرأ الباقون: (بِزِينَةٍ) بغير تنوين، وجرّ (الْكَوَاكِبِ) إضافة، المعنى: زينا السماء القريبة إليكم بالكواكب.
...
﴿وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ (٧)﴾.
[٧] ﴿وَحِفْظًا﴾ نصب بمحذوف؛ أي: وحفظناها حفظًا بالشهب.
﴿مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ﴾ متمرد يُرمون بها.
...
﴿لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ (٨)﴾.
[٨] ﴿لَا يَسَّمَّعُونَ﴾ قرأ حمزة، والكسائي، وخلف، وحفص عن عاصم: (يَسَّمَّعُونَ) بتشديد السين والميم؛ أي: لا يستمعون، فأدغمت التاء في السين، وقرأ الباقون: بتخفيفها (٢)؛ أي: لا يستطيعون الاستماع.
﴿إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى﴾ الملائكة؛ لأنهم في السماء.
(١) "وخلف" ساقطة من "ت".
(٢) المصادر السابقة.
...
﴿دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ (٩)﴾.
[٩] ﴿دُحُورًا﴾ إبعادًا، وأصل الدحر: الطرد.
﴿وَلَهُمْ﴾ في الآخرة ﴿عَذَابٌ وَاصِبٌ﴾ دائم لا ينقطع.
...
﴿إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ (١٠)﴾.
[١٠] ﴿إِلَّا﴾ استثناء من الجنس، وتقدم حكم الاستثناء من غير الجنس، واستثناء الكل، وغير ذلك من أحكام الاستثناء في سورة الكهف.
﴿مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ﴾ اختلس الكلمة من كلام الملائكة مُسارقةً.
﴿فَأَتْبَعَهُ﴾ لحقه ﴿شِهَابٌ ثَاقِبٌ﴾ كوكب مضيء لا يخطئه، يثقب الجني فيقتله أو يحرقه أو يخبله، وإنما يعودون لاستراق السمع مع علمهم بأنهم لا يصلون إليه؛ طمعًا في السلامة ونيل المراد؛ كراكب البحر.
...
﴿فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ (١١)﴾.
[١١] ﴿فَاسْتَفْتِهِمْ﴾ فاستخبرْ كفار مكة توبيخًا، وسلهم سؤال مُحاجَّة.
قرأ رويس عن يعقوب: بضم الهاء، والباقون: بكسرها (١).
فقال: ﴿إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ﴾ لاصق يعلق باليد.
...
﴿بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ﴾.
[١٢] ﴿بَلْ عَجِبْتَ﴾ قرأ حمزة، والكسائي، وخلف: بضم التاء خبرًا عن النبي - ﷺ -؛ أي: قل يا محمد: بل عجبتُ، وقيل: هو خبر عن الله تعالى، والتعجب من الله ليس كالتعجب من الآدميين؛ لأنه من الناس إنكار وتعظيم، ومن الله قد يكون بمعنى الإنكار والذم، وقد يكون بمعنى الاستحسان والرضا كما جاء في الحديث: "عجبَ ربُّكم من شابٍّ ليست له صَبْوةٌ" (١)، وهي عبارة عما يظهره الله تعالى في جانب المتعجَّب منه من التعظيم أو التحقير، حتى يصير الناس متعجبين منه، وقرأ الباقون: بالفتح خطابًا للنبي - ﷺ - (٢)، المعنى: تعجبت يا محمد من تركهم الإيمان بعد قيام البرهان.
(٢) انظر: "السبعة" لابن مجاهد (ص: ٥٤٧)، و "التيسير" للداني (ص: ١٨٦)، و"تفسير البغوي" (٣/ ٦٥٥)، و"معجم القراءات القرآنية" (٥/ ٢٣١).
...
﴿وَإِذَا ذُكِّرُوا لَا يَذْكُرُونَ (١٣)﴾.
[١٣] ﴿وَإِذَا ذُكِّرُوا﴾ وُعظوا بالقرآن ﴿لَا يَذْكُرُونَ﴾ لا يتعظون.
...
﴿وَإِذَا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ (١٤)﴾.
[١٤] ﴿وَإِذَا رَأَوْا آيَةً﴾ تدل على صدقك.
﴿يَسْتَسْخِرُونَ﴾ يبالغون في السخرية والاستهزاء بك.
...
﴿وَقَالُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (١٥)﴾.
[١٥] ﴿وَقَالُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ﴾ بَيِّن.
...
﴿أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (١٦)﴾.
[١٦] ﴿أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ﴾ أي: أنبعث إذا متنا؟ واختلاف القراء في الهمزتين من (أَئِذَا) (أَئِنَّا)، وفي ضم الميم وكسرها من (مِتْنَا) كاختلافهم في ذلك في سورة (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ).
...
﴿أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ (١٧)﴾.
[١٧] ﴿أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ﴾ الأقدمون. قرأ أبو جعفر، وابن عامر،
...
﴿قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ (١٨)﴾.
[١٨] ﴿قُلْ﴾ لهم يا محمد: ﴿نَعَمْ﴾ تُبعثون ﴿وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ﴾ صاغرون.
قرأ الكسائي: (نَعِمْ) بكسر العين، والباقون: بفتحها (٢).
...
﴿فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنْظُرُونَ (١٩)﴾.
[١٩] وجواب الشرط المقدر ﴿فَإِنَّمَا هِيَ﴾ أي: إذا وجد ذلك، فما نفخة البعث إلا ﴿زَجْرَةٌ﴾ صيحة ﴿وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ﴾ أي: الخلائق أحياء.
﴿يَنْظُرُونَ﴾ ما يُفعل بهم.
(٢) انظر: "التيسير" للداني (ص: ١١٠)، و"الكشف" لمكي (١/ ٤٦٢)، و"معجم القراءات القرآنية" (٥/ ٢٣٢).
[٢٠] ﴿وَقَالُوا﴾ يعني: الكافرين ثَمَّ:
﴿يَاوَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ﴾ أي: الحساب والجزاء.
...
﴿هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (٢١)﴾.
[٢١] ثم تقول الملائكة: ﴿هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ﴾ القضاء بين الخلائق.
﴿الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ﴾.
...
﴿احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ (٢٢)﴾.
[٢٢] ثم يقال للملائكة: ﴿احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ هم المشركون.
﴿وَأَزْوَاجَهُمْ﴾ أي: أشباههم، فيحشر صاحب الربا والزنا والخمر وغيرهم، كلٌّ مع صاحبه.
﴿وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ﴾.
...
﴿مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ (٢٣)﴾.
[٢٣] ﴿مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ وهم الأوثان ﴿فَاهْدُوهُمْ﴾ دلوهم وسوقوهم.
﴿إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ﴾ طريق النار.
[٢٤] ﴿وَقِفُوهُمْ﴾ احبسوهم ﴿إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ﴾ عن جميع أقوالهم وأفعالهم.
قال - ﷺ -: "لا تزولُ قدمُ ابنِ آدمَ يومَ القيامة حتى يُسأل عن أربعة: عن شبابه فيما أبلاه، وعن عمره فيما أفناه، وعن ماله من أين اكتسبه، وفيما أنفقه، وعن علمه ماذا عمل به" (١).
...
﴿مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ (٢٥)﴾.
[٢٥] فثَمَّ يقال لهم توبيخًا: ﴿مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ﴾ لا ينصر بعضكم بعضًا كحالكم في الدنيا. قرأ أبو جعفر، والبزي: (لاَ تَّنَاصَرُونَ) بتشديد التاء (٢).
...
﴿بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ (٢٦)﴾.
[٢٦] ﴿بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ﴾ منقادون أذلاء لا حيلة لهم.
(٢) انظر: "النشر في القراءات العشر" لابن الجزري (٢/ ٢٣٣ - ٢٣٤)، و"إتحاف فضلاء البشر" للدمياطي (ص: ٣٦٩)، و"معجم القراءات القرآنية" (٥/ ٢٣٣).
[٢٧] ﴿وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ أي: الأتباع على الرؤساء.
﴿يَتَسَاءَلُونَ﴾ يتخاصمون.
...
﴿قَالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ (٢٨)﴾.
[٢٨] ﴿قَالُوا﴾ أي: الأتباع للرؤساء.
﴿إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ﴾ عن الجهة التي كنا نأمنكم منها؛ لحلفكم إنكم على الحق، فصدقناكم، فأنتم أضللتمونا.
...
﴿قَالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (٢٩)﴾.
[٢٩] ﴿قَالُوا﴾ أي: الرؤساء للأتباع: ﴿بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾ بل لم تكونوا على الحق فنضلكم عنه، إنما الكفر من قِبَلِكم.
...
﴿وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ (٣٠)﴾.
[٣٠] ﴿وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ﴾ من قوة فنقهركم على الكفر.
﴿بَلْ كُنْتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ﴾ ضالين.
****
﴿فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ (٣١)﴾.
[٣١] ﴿فَحَقَّ﴾ وجب ﴿عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا﴾ بالعذاب، وهو: {لأَمْلأَنَّ
﴿إِنَّا لَذَائِقُونَ﴾ جميعًا العذاب.
...
﴿فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ (٣٢)﴾.
[٣٢] ﴿فَأَغْوَيْنَاكُمْ﴾ أضللناكم عن الهدى ﴿إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ﴾ ضالين.
...
﴿فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ (٣٣)﴾.
[٣٣] قال الله تعالى: ﴿فَإِنَّهُمْ﴾ أي: التابعون والمتبوعون.
﴿يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ﴾ لاشتراكهم في الغواية.
...
﴿إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ (٣٤)﴾.
[٣٤] ﴿إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ﴾ الذين جعلوا لله شركاء.
...
﴿إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ (٣٥)﴾.
[٣٥] ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ﴾ يتكبرون عن كلمة التوحيد.
...
﴿وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ (٣٦)﴾.
[٣٦] ﴿وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ﴾ واختلاف القراء في الهمزتين من (أَئِنَّا) كاختلافهم فيهما من (أَئِنَّ لَنَا لأَجْرًا) في سورة
...
﴿بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ (٣٧)﴾.
[٣٧] فرد الله تعالى عليهم بقوله: ﴿بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ﴾ أي: أتى بما أتى به المرسلون قبله.
...
﴿إِنَّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَابِ الْأَلِيمِ (٣٨)﴾.
[٣٨] ﴿إِنَّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَابِ الْأَلِيمِ﴾ الوجيع بإشراككم.
...
﴿وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٣٩)﴾.
[٣٩] ﴿وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ من الشرك.
...
﴿إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (٤٠)﴾.
[٤٠] ﴿إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ﴾ أي: لكن عباد الله ﴿الْمُخْلَصِينَ﴾ على الاستثناء المنقطع. قرأ الكوفيون، ونافع، وأبو جعفر: (الْمُخْلَصينَ) حيث وقع بفتح اللام؛ أي: المختارين، وقرأ الباقون: بكسرها (١)؛ أي: المخلِصين لله الطاعة.
[٤١] ﴿أُولَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ﴾ هو طعامهم في الجنة بكرة وعشيًّا.
...
﴿فَوَاكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ (٤٢)﴾.
[٤٢] ﴿فَوَاكِهُ﴾ جمع فاكهة، وهي ما يؤكل تلذذًا، لا للقوت؛ لأن أهل الجنة مستغنون عن حفظ الصحة بالغذاء؛ لأن أجسامهم محكمة مخلوقة للأبد، وكانت أرزاقهم فواكه خالصة ﴿وَهُمْ مُكْرَمُونَ﴾ بثواب الله.
...
﴿فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٤٣)﴾.
[٤٣] ﴿فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ﴾ أي: في جنات ليس فيها إلا النعيم.
...
﴿عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ (٤٤)﴾.
[٤٤] ﴿عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ﴾ لا ينظر بعضهم إلى قفا بعض؛ لدوران الأسِرَّة بهم.
...
﴿يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (٤٥)﴾.
[٤٥] ﴿يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ﴾ هو الإناء بشرابه، فإن لم يكن فيه شراب، فهو إناء.
﴿مِنْ مَعِينٍ﴾ أي: من خمر يجري كالماء.
[٤٦] ﴿بَيْضَاءَ﴾ أي: اللون ﴿لَذَّةٍ﴾ عذبة طيبة ﴿لِلشَّارِبِينَ﴾ قرأ ابن ذكوان عن ابن عامر بخلاف عنه: (لِلشَّارِبِينَ) بالإمالة (١).
...
﴿لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ (٤٧)﴾.
[٤٧] ﴿لَا فِيهَا غَوْلٌ﴾ أي: لا تُذهب عقولهم ﴿وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ﴾ قرأ حمزة، والكسائي، وخلف: بكسر الزاي؛ أي: لا تفنى خمورهم، وقرأ الباقون: بالفتح (٢)؛ أي: لا تزال عقولهم.
...
﴿وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ (٤٨)﴾.
[٤٨] ﴿وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ﴾ لا ينظرن إلى غير أزواجهن؛ لحسنهم عندهن ﴿عِينٌ﴾ حِسان الأعين.
...
﴿كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ (٤٩)﴾.
[٤٩] ﴿كَأَنَّهُنَّ﴾ أي: القاصرات ﴿بَيْضٌ﴾ للنعام.
﴿مَكْنُونٌ﴾ مصون يستره النعام بريشه، فلا يصل إليه غبار.
(٢) المصادر السابقة.
[٥٠] ﴿فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ﴾ يعني: أهل الجنة فيها عما كانوا عليه، وما وصلوا إليه.
...
﴿قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ (٥١)﴾.
[٥١] ﴿قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ﴾ صاحب في الدنيا ينكر البعث.
...
﴿يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ (٥٢)﴾.
[٥٢] ﴿يَقُولُ﴾ أي: في الدنيا هزؤًا: ﴿أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ﴾ بالبعث؟ وتقدم التنبيه على اختلاف القراء في الهمزتين من (أَئِنَّكَ).
...
﴿أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَدِينُونَ (٥٣)﴾.
[٥٣] ﴿أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَدِينُونَ﴾ محاسَبون مجزيون، وتقدم التنبيه أيضًا على اختلاف القراء في (أَئِذَا مِتْنَا أَئِنَّا) في الآية السابقة، وهذا استفهام إنكار.
...
﴿قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ (٥٤)﴾.
[٥٤] ﴿قَالَ﴾ الله -عز وجل- لأهل الجنة: ﴿هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ﴾ إلى النار؟ فإن في الجنة كوًى تنظر إلى النار، المعنى: أتحبون الاطلاع في النار، فتنظروا أهلكم ومنازلكم فيها لو لم تؤمنوا؟
[٥٥] ﴿فَاطَّلَعَ﴾ فنظر هذا المؤمن ﴿فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ﴾ أي: رأى قرينه في وسط النار، وسُمي وسطُ الشيء سواء؛ لاستواء الجوانب منه. وتقدم اختلاف القراء في الفتح والإمالة من (رَآهُ) في سورة الأنبياء عند تفسير قوله: ﴿وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [الآية: ٣٦].
...
﴿قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ (٥٦)﴾.
[٥٦] فلما رأى قرينه فيها ﴿قَالَ﴾ متشمتًا به: ﴿تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ﴾ أي: والله لقد قاربت أن تهلكني. قرأ ورش عن نافع: (لَتُرْدِينِي) بإثبات الياء وصلًا، ويعقوب: بإثباتها وصلًا ووقفًا، والباقون: بحذفها في الحالين (١).
...
﴿وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (٥٧)﴾.
[٥٧] ﴿وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي﴾ علي بالإيمان.
﴿لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ﴾ معك في النار.
...
﴿أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ (٥٨)﴾.
[٥٨] وعند ذبح الموت استفهمَ أهل الجنة استفهام تحدث بنعم الله
...
﴿إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (٥٩)﴾.
[٥٩] ﴿إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى﴾ في الدنيا، نصب استثناء منقطع.
﴿وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ﴾ كالكفار.
...
﴿إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٦٠)﴾.
[٦٠] ﴿إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ وهذا من كلامهم على جهة الحديث بنعمة الله عليهم أنهم لا يموتون ولا يعذبون.
...
﴿لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ (٦١)﴾.
[٦١] فثم يقول الله تعالى لأهل الجنة تطييبًا لقلوبهم: ﴿لِمِثْلِ هَذَا﴾ الخلود والتنعيم ﴿فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ﴾ أي: لمثلِ (١) هذا يجب أن يعمل العاملون، لا للحظوظ الدنيوية المشوبة بالآلام السريعة الانصرام.
...
﴿أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ (٦٢)﴾.
[٦٢] ﴿أَذَلِكَ﴾ الذي ذكر لأهل الجنة ﴿خَيْرٌ نُزُلًا﴾ نصب تمييز،
﴿أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ﴾ المعدة لأهل النار، والألف من قوله: ﴿أَذَلِكَ﴾ للتقرير، والمراد: تقرير قريش والكفار، وجاء بلفظ التفضيل بين شيئين؛ لاشتراك بينهما من حيث كان الكلام تقريرًا، والاحتجاج يقتضي أن يوقف المتكلم خصمه على قسمين، أحدهما فاسد، ويحمله بالتقرير على اختيار أحدهما، ولو كان الكلام خبرًا، لم يجز، ولا أفاد أن يقال: الجنة خير من شجرة الزقوم، والزقوم ثمرةُ شجرة خبيثة مرة كريهة الطعم يُكره أهلُ النار على تناوله، فهم يتزقمونه على أشد كراهية، ومنه قولهم: تزقَّمَ الطعامَ: إذا تناوله على كره ومشقة.
قال ابن عطية: وفي بعض البلاد الجدبة المجاورة للصحارى شجرة مرة مسمومة لها لبن إن مس جسم أحد، تورم ومات منه في أغلب الأمر، تسمى: شجرة الزقوم (١).
...
﴿إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ (٦٣)﴾.
[٦٣] ﴿إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً﴾ محنة.
﴿لِلظَّالِمِينَ﴾ لأن الكفار لما ذكر أن الزقوم ينبت في النار، افتتنوا وكذبوا، وقالوا: النار تحرق الشجر، فكيف تنبته؟!
[٦٤] وروي أن ابنَ الزِّبَعرى قال: إن محمدًا يخوفكم الزقوم، وهو بلغة بربر: الزُّبْد والتمر، فأطعمهم ذلك أبو جهل، وقال: هذا ما يتوعدكم به محمد (١)، فقال تعالى:
﴿إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ﴾ نابتة، فأصلها في قعر جهنم، وأغصانها ترتفع إلى دركاتها، من النار خلقت، وبها عذبت.
...
﴿طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ (٦٥)﴾.
[٦٥] ﴿طَلْعُهَا﴾ ثمرها ﴿كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ﴾ الحيات.
...
﴿فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ (٦٦)﴾.
[٦٦] ﴿فَإِنَّهُمْ﴾ أي: الكفار ﴿لَآكِلُونَ مِنْهَا﴾ مع قبحها؛ لشدة جوعهم.
﴿فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ﴾ بحيث لا يحتمل الزيادة عليه.
...
﴿ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ (٦٧)﴾.
[٦٧] ﴿ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا﴾ لخلطًا.
...
﴿ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ (٦٨)﴾.
[٦٨] ﴿ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ﴾ فالحميم خارج الجحيم، فإذا أكلوا الزقوم، سيقوا إلى الحميم فشربوه مع نكارته، ثم يردون إلى الجحيم.
...
﴿إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ (٦٩)﴾.
[٦٩] ﴿إِنَّهُمْ أَلْفَوْا﴾ وجدوا ﴿آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ﴾.
...
﴿فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ (٧٠)﴾.
[٧٠] ﴿فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ﴾ متبعين بسنتهم ﴿يُهْرَعُونَ﴾ يسرعون.
...
﴿وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ (٧١)﴾.
[٧١] ﴿وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ﴾ من الأمم الخالية.
...
﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ (٧٢)﴾.
[٧٢] ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ﴾ أنبياء أنذروهم.
[٧٣] ﴿فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ﴾ من الشدة والفظاعة.
...
﴿إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (٧٤)﴾.
[٧٤] ﴿إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ﴾ الموحدين نجوا من العذاب. وتقدم اختلاف القراء في (الْمُخْلَصِينَ) [الآية: ٤٠]، وتوجبه قراءاتهم في الحرف السابق، والخطاب مع النبي - ﷺ -، والمقصود: خطاب قومه؛ فإنهم أيضًا سمعوا أخبارهم، ورأوا آثارهم.
...
﴿وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ (٧٥)﴾.
[٧٥] ﴿وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ﴾ دعانا مستنصِرًا على قومه، واللام بعد جواب قسم محذوف، والمخصوص بالمدح محذوف، تقديره: والله لقد نادانا نوح.
﴿فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ﴾ أي: فأجبناه أحسن الإجابة، فو اللهِ نعم المجيبون نحن، أهلكنا قومه.
...
﴿وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (٧٦)﴾.
[٧٦] ﴿وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ﴾ الذي لحق قومه، وهو الغرق.
[٧٧] ﴿وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ﴾ مدة الدنيا؛ لأن الناس كلهم من نسله، وكان له ثلاثة أولاد: حام وسام ويافث، فسام أبو العرب وفارس والروم، وحام أبو السودان، ويافث أبو الترك ويأجوج ومأجوج.
...
﴿وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (٧٨)﴾.
[٧٨] ﴿وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ﴾ أي: أبقينا عليه ثناءً حسنًا فيمن بعده من الأنبياء.
...
﴿سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ (٧٩)﴾.
[٧٩] ﴿سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ﴾ أي: جعلنا هذا اللفظ يقال بعده.
﴿فِي الْعَالَمِينَ﴾ إلى يوم القيامة من الأنبياء (١)؛ لكرامته علينا.
...
﴿إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٨٠)﴾.
[٨٠] ﴿إِنَّا كَذَلِكَ﴾ أي: جزاءً كفعلنا بنوح.
﴿نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾ على إحسانهم.
[٨١] ﴿إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ﴾ تعليل لإحسانه بالإيمان.
...
﴿ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (٨٢)﴾.
[٨٢] ﴿ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ﴾ من الكافرين.
...
﴿وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ (٨٣)﴾.
[٨٣] ﴿وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ﴾ أهل سنته وأتباعه على أصل الدين، وإن اختلفت الشرائع ﴿لَإِبْرَاهِيمَ﴾ وإن طال الزمان بينهما، وروي أن بينهما ألفين وست مئة وأربعين سنة (١)، وقيل غير ذلك، بما في شيعته من معنى المشايعة.
...
﴿إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (٨٤)﴾.
[٨٤] ﴿إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ من الشرك، والمجيء هنا بمعنى: الإخلاص والإقبال على الطاعة.
...
﴿إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ (٨٥)﴾.
[٨٥] ﴿إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ﴾ موبخًا ﴿مَاذَا تَعْبُدُونَ﴾؟!
[٨٦] ﴿أَئِفْكًا﴾ استفهام بمعنى التقرير، وتبدل منه.
﴿آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ﴾ أي: أتأفكون إفكًا وهو أسوأ الكذب، وتعبدون آلهة سوى الله؟! وتقدم التنبيه على اختلاف القراء في الهمزتين من قوله: (أَئِفْكًا).
...
﴿فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (٨٧)﴾.
[٨٧] ﴿فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ إذا لقيتموه أن يصنع بكم؟
...
﴿فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ (٨٨)﴾.
[٨٨] وكان قومه نجَّامين، فخرجوا إلى عيدٍ لهم، وتركوا طعامهم عند أصنامهم زعموا التبرك عليه، فإذا رجعوا أكلوه، وقالوا له: اخرج معنا.
﴿فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ﴾ في ذاتها، أراهم بأنه استدل بها على أنه مشارف للسقم؛ لئلا يخرجوه معهم.
...
﴿فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ (٨٩)﴾.
[٨٩] ﴿فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ﴾ أي: مطعون، وكانوا يفرون من الطاعون.
[٩٠] ﴿فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ﴾ إلى عيدهم.
...
﴿فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (٩١)﴾.
[٩١] ﴿فَرَاغَ﴾ أي: مال في خفاء ﴿إِلَى آلِهَتِهِمْ﴾ بزعمهم، وهي الأصنام، وبين أيديهم الطعام ﴿فَقَالَ﴾ استهزاءً بهم: ﴿أَلَا تَأْكُلُونَ﴾ فلم ينطقوا.
...
﴿مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ (٩٢)﴾.
[٩٢] فقال: ﴿مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ﴾ فلم تجب.
...
﴿فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ (٩٣)﴾.
[٩٣] ﴿فَرَاغَ﴾ مال ﴿عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ﴾ أي: كان يضربهم بيده اليمنى؛ لأنها أقوى على العمل من الشمال، فتسمعوا ذلك.
...
﴿فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ (٩٤)﴾.
[٩٤] ﴿فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ﴾ يسرعون في المشي مع تقارب الخطا. قرأ حمزة: (يُزِفُّونَ) بضم الياء؛ أي: يحملون غيرهم على الإسراع، وقرأ
...
﴿قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ (٩٥)﴾.
[٩٥] وكان بعض قد رآه يكسرها، وبعض لم يره، فأقبل من رآه مسرعًا نحوه، ثم جاء من لم يره يكسرها (٢)، فقال لمن رآه: من فعل هذا بآلهتنا؟ ثم قالوا له أجمعون: نحن نعبدها، وأنت تكسرها؟! فثم ﴿قَالَ﴾ موبخًا على وجه الحِجاج:
﴿أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ﴾ من الحجارة وغيرها أصنامًا؟
...
﴿وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (٩٦)﴾.
[٩٦] ﴿وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ﴾ من نحتكم ومنحوتكم، فاعبدوه وحده، وفيه دليل على أن أفعال العباد مخلوقة لله تعالى.
...
﴿قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ (٩٧)﴾.
[٩٧] فثم ﴿قَالُوا﴾ بينهم: ﴿ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا﴾ فاملؤوه حطبًا، وأضرموه بالنار، فإذا التهب ﴿فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ﴾ النار الشديدة.
(٢) "يكسرها" زيادة من "ت".
[٩٨] ﴿فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا﴾ شرًّا؛ بإلقائه (١) في النار.
﴿فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ﴾ المقهورين، وتقدم ذكر القصة في سورة الأنبياء.
...
﴿وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ (٩٩)﴾.
[٩٩] ﴿وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي﴾ [أي: حيث أمرني، فهاجر إلى الشام] (٢) ﴿سَيَهْدِينِ﴾ إلى ما فيه صلاح ديني. قرأ يعقوب: (سَيَهْدِينِي) بإثبات الياء، والباقون: بحذفها (٣).
...
﴿رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (١٠٠)﴾.
[١٠٠] فلما قدم الأرض المقدسة، سأل ربه الولد، فقال:
﴿رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ بعض الصالحين يُعينني على الدعوة والطاعة، ويؤنسني في الغربة.
...
﴿فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ (١٠١)﴾.
[١٠١] ﴿فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ﴾ في كبره، عليم في صغره، ففيه بشارة
(٢) ما بين معكوفتين زيادة من "ت".
(٣) انظر: "النشر في القراءات العشر" لابن الجزري (٢/ ٣٦١)، و"معجم القراءات القرآنية" (٥/ ٤٤١).
...
﴿فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (١٠٢)﴾.
[١٠٢] ﴿فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ﴾ يعني: المشي معه في الجبل، وكان له ثلاث عشرة سنة، أو سبع ﴿قَالَ يَابُنَيَّ﴾ قرأ حفص عن عاصم: (يَا بُنَيَّ) بفتح الياء، والباقون: بكسرها (١).
﴿إِنِّي أَرَى﴾ أي: رأيت ﴿فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى﴾ من الرأي. قرأ نافع، وأبو جعفر، وابن كثير، وأبو عمرو: (إِنِّيَ أَرَى) (أنِّيَ أَذْبَحُكَ) بنصب الياء فيهما، والباقون: بإسكانها (٢)، وقرأ حمزة، والكسائي، وخلف: (مَاذَا تُرِي) بضم التاء وكسر الراء كسرة خالصة بعدها ياء؛ أي: ماذا تُريناه من رأيك، أتجزع أم تصبر؟ وقرأ الباقون: بفتح التاء والراء، وأبو عمرو: يميل فتحة الراء، وورش: بين بين على أصلهما، والباقون: بإخلاص فتحها (٣)، وليس كرأي العين على القراءتين، وإنما
(٢) انظر: "السبعة" لابن مجاهد (ص: ٥٥٠)، و"التيسير" للداني (ص: ١٨٧)، و"النشر في القراءات العشر" لابن الجزري (٢/ ٣٦٠)، و"معجم القراءات القرآنية" (٥/ ٢٤٢).
(٣) انظر: "السبعة" لابن مجاهد (ص: ٥٤٨)، و"التيسير" للداني (ص: ١٨٦ - ١٨٧)، و "إتحاف فضلاء البشر" للدمياطي (ص: ٣٦٩ - ٣٧٠)، و"معجم القراءات القرآنية" (٥/ ٢٤٢).
﴿قَالَ يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ﴾ به ﴿سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ﴾ على ذلك، ومن أسند المشيئة إلى الله تعالى، والتجأ إليه، لم يعطب. قرأ أبو جعفر، وابن عامر: (يَا أَبَتَ) بفتح التاء، ووقفا: (يَا أَبَهْ) بالهاء، وافقهما في الوقف ابن كثير، ويعقوب (١)، وقرأ نافع، وأبو جعفر: (سَتَجِدُنِيَ) بفتح الياء: والباقون: بإسكانه (٢).
والذبيح (٣) هو إسماعيل -عليه السلام- على قول الجمهور، وهو الراجح؛ بدليل أن ذكر البشارة بإسحاق -عليه السلام- بعد الفراغ من قصة المذبوح، فقال تعالى: ﴿وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ فدل على أن المذبوح غيره، وأيضًا فإن الله تعالى قال في سورة هود: ﴿فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ﴾ [الآية: ٧١] فلما بشره بإسحاق، بشره بابنه يعقوب، فكيف يأمره بذبح إسحاق، وقد وعد له بنافلة منه، وهو قول العباس بن
(٢) انظر: "السبعة" لابن مجاهد (ص: ٥٥٠)، و"التيسير" للداني (ص: ١٨٧)، و"النشر في القراءات العشر" لابن الجزري (٢/ ٣٦٠)، و"معجم القراءات القرآنية" (٥/ ٢٤٣).
(٣) جاء على هامش "ت": "والقصة بحذافيرها تذكر في أكثر التفاسير والسير والقصص والتواريخ وشبهها، مع ما فيه من الكلام، وقد ذكرنا بعضها بتوفيق العزيز العلام".
وروي عن معاوية أنه ذكر عنده: هل الذبيح إسماعيل أو إسحاق؟ قال: على الخبير سقطتم، كنت عند رسول الله - ﷺ -، فجاء رجل فقال له: يا ابن الذبيحين! فضحك رسول الله - ﷺ -، فقيل لمعاوية: يا أمير المؤمنين! وما الذبيحان؟ فقال: إن عبد المطلب لما حفر زمزم، نذر لئن سهل الله له أمرها، ليذبحن أحد أولاده، قال: فخرج السهم على عبد الله، فمنعه أخواله، فقالوا له: افد ابنك بمئة من الإبل، ففداه، والثاني إسماعيل عليه السلام (٢).
وعن بعض علماء اليهود ممن أسلم وحسن إسلامه: أن علماء اليهود يعلمون أنه إسماعيل، ولكنهم يحسدون العرب أن يكون أبًا لهم (٣).
وعند أهل الكتابين (٤) أن الذبيح إسحاق، وهو قول عمر، وعلي،
(٢) ابن جرير الطبري في "تفسيره" (٢١/ ٨٥)، والحاكم في "المستدرك" (٤٠٣٦). قال الذهبي في "مختصره": وإسناده واه. وانظر: "تخريج أحاديث الكاشف للزيلعي" (٣/ ١٧٨).
(٣) البغوي في "تفسيره" (٣/ ٦٦٦)، والزمخشري في الكشاف (٥/ ٤٨٠)، ورواه ابن إسحاق وابن جرير عن محمد بن كعب، كما في "الدر المنثور" (٨/ ٣٤٤).
(٤) جاء على هامش "ت": "حكاه القرطبي وغيره عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله".
وروي أنه لما بُشر بالولد، قال: هو بإذن الله ذبيح. ﴿فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ﴾ قيل له: أوف بنذرك، فقال لولده: انطلق نقربْ قربانًا لله - عز وجل -، وأخذ سكينًا وحبلًا، فانطلق معه حتى ذهب بين الجبال، فقال: يا أبت! أين قربانك؟ ﴿قَالَ يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ﴾، فمن قال: إن الذبيح إسماعيل، فيقول: إن الذبح كان بمكة، ومن الدليل عليه أن قرني الكبش كانا منوطين بالكعبة في أيدي بني إسماعيل إلى أن احترق البيت واحترق القرنان في أيام ابن الزبير والحجاج.
قال الأصمعي: سألت أبا عمرو بن العلاء عن الذبيح إسحق كان أو إسماعيل؟ فقال: يا أصيمع! أين ذهب عقلك؟ متى كان إسحق بمكة؟ إنما كان إسماعيل بمكة، وهو الذي بنى البيت مع أبيه (١).
وعن ابن عباس قال: "الذبيح إنه إسماعيل، وتزعم اليهود أنه إسحق، وكذبت اليهود" (٢).
(٢) رواه ابن جرير الطبري في "تفسيره" (٢١/ ٨٣)، والحاكم في "المستدرك" (٤٠٣٧).
وروي أن إبليس عرض لإبراهيم بهذا المشعر، فسابقه فسبقه إبراهيم، ثم ذهب إلى جمرة العقبة، فعرض له الشيطان فرماه بسبع حصيات حتى ذهب، ثم عرض له عند الجمرة الوسطى، فرماه بسبع حصيات حتى ذهب، ثم عرض له عند الجمرة الكبرى، فرماه بسبع حصيات حتى ذهب، ثم مضى إبراهيم -عليه السلام- لأمر الله تعالى، ومنه شُرع رمي الجمار في الحج، وهو من واجبات الحج، يجب بتركه الفدية باتفاق الأئمة. ولما عزما على الذبح، قال: يا أبتاه! اشدد وثاقي لئلا أضطرب، واجمع عليك ثيابك لئلا يصيبها دمي، واستحد شفرتك، وأسرع مَرَّها على حلقي، فهو أهون علي، وسلم على أمي، واردد عليها قميصي؛ فهو أسلى لها، فقال:
...
﴿فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (١٠٣)﴾.
[١٠٣] ﴿فَلَمَّا أَسْلَمَا﴾ استسلما وانقادا لأمر الله ﴿وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ﴾ صرعه على جانب الجبهة، وكان ذلك بمنى عند الصخرة، ثم أوثقه، ووضع السكين على حلقه، فانقلبت السكين مرارًا، ولم تعمل شيئًا بقدرة الله سبحانه، فقال: أكبني لوجهي لئلا ترحمني إذا نظرته، ولئلا أجزع من الشفرة، ففعل ووضع الشفرة على قفاه، فانقلبت، فقال: اطعن بها طعنًا، فطعنه فانثنت (١)، وجواب (فلما) محذوف؛ أي: فلما أسلما وتله.
...
﴿وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَاإِبْرَاهِيمُ (١٠٤)﴾.
[١٠٤] ﴿وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَاإِبْرَاهِيمُ﴾.
...
﴿قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١٠٥)﴾.
[١٠٥] ﴿قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا﴾ أي: عملت بما أُمرت أجزل أجرهما،
﴿إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾ تعليل لإفراج تلك الشدة عنهما بإحسانهما.
...
﴿إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ (١٠٦)﴾.
[١٠٦] ﴿إِنَّ هَذَا﴾ الذبح ﴿لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ﴾ الاختبار الظاهر.
...
﴿وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (١٠٧)﴾.
[١٠٧] ﴿وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ﴾ هو كبش رعى في الجنة أربعين خريفًا (٢)، روي أنه الذي قربه قابيل ابن آدم، فنظر إبراهيم، فإذا هو بجبريل -عليه السلام- معه كبش أملح أقرن، فقال: هذا فداء ابنك فاذبحه دونه، فكبر جبريل -عليه السلام-، وكبر الكبش، وكبر إبراهيم، وكبر ابنه -عليهما السلام- (٣)، فأخذ إبراهيم الكبش، وأتى به المنحر من منى، فلما ذبحه، قال جبريل: الله أكبر الله أكبر، فقال الذبيح: لا إله إلا الله والله أكبر، فقال
(٢) انظر: "تفسير البغوي" (٣/ ٦٦٩)، ورواه الطبري في "تفسيره" (٢١/ ٨٨) عن سعيد بن جبير. وانظر: "الدر المنثور" للسيوطي (٧/ ١١٣).
(٣) انظر: "تفسير البغوي" (٣/ ٦٦٩).
...
﴿وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (١٠٨)﴾.
[١٠٨] ﴿وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ﴾ ثناء حسنًا.
...
﴿سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ (١٠٩)﴾.
[١٠٩] ﴿سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ﴾.
...
﴿كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١١٠)﴾.
[١١٠] ﴿كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾.
...
﴿إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (١١١)﴾.
[١١١] ﴿إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ﴾ تقدم تفسيره في قصة نوح.
قال البيضاوى: لعله طرح عنه (إنا) اكتفاء بذكره مرة في هذه القصة (١).
...
﴿وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (١١٢)﴾.
[١١٢] ﴿وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا﴾ حال مقدرة من إسحاق؛ أي: يوجد نبيًّا.
...
﴿وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ (١١٣)﴾.
[١١٣] ﴿وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ﴾ يعني: إبراهيم في أولاده ﴿وَعَلَى إِسْحَاقَ﴾ بكون أكثر الأنبياء من نسله.
﴿وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ﴾ مؤمن ﴿وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ﴾ كافر ﴿مُبِينٌ﴾ ظاهر.
...
﴿وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ (١١٤)﴾.
[١١٤] ﴿وَلَقَدْ مَنَنَّا﴾ أنعمنا ﴿عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ﴾ بالنبوة.
...
﴿وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (١١٥)﴾.
[١١٥] ﴿وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا﴾ بني إسرائيل.
...
﴿وَنَصَرْنَاهُمْ فَكَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ (١١٦)﴾.
[١١٦] ﴿وَنَصَرْنَاهُمْ﴾ يعني: موسى وهارون وقومهما.
﴿فَكَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ﴾ على القبط.
...
﴿وَآتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ (١١٧)﴾.
[١١٧] ﴿وَآتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ﴾ البليغ في بيان الحدود والأحكام، وهو التوراة.
﴿وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (١١٨)﴾.
[١١٨] ﴿وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ الطريق الموصل إلى الحق.
...
﴿وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِي الْآخِرِينَ (١١٩)﴾.
[١١٩] ﴿وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِي الْآخِرِينَ﴾.
...
﴿سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ (١٢٠)﴾.
[١٢٠] ﴿سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ﴾.
[١٢١] ﴿إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾.
...
﴿إِنَّهُمَا مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (١٢٢)﴾.
[١٢٢] ﴿إِنَّهُمَا مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ﴾ تقدم تفسير نظيره.
...
﴿وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (١٢٣)﴾.
[١٢٣] ﴿وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾.
...
﴿إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلَا تَتَّقُونَ (١٢٤)﴾.
[١٢٤] ﴿إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلَا تَتَّقُونَ﴾ قرأ ابن ذكوان عن ابن عامر بخلاف عنه: (وَإِنَّ الْيَاسَ) بوصل همزة (الْيَاسَ)، وقرأ الباقون: بقطع الهمزة مكسورة (١).
وإلياس من أنبياء بني إسرائيل، قال ابن عباس: "هو ابن عم اليسع"، وقال محمد بن إسحاق: هو ابن بشير بن فنحاص بن العيزار بن هارون بن عمران (٢).
(٢) انظر: "تفسير الثعلبي" (٨/ ١٥٨).
...
﴿أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ (١٢٥)﴾.
[١٢٥] ثم وبخهم على ذلك فقال: ﴿أَتَدْعُونَ﴾ تعبدون.
﴿بَعْلًا﴾ اسم الصنم ﴿وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ﴾ وتتركون عبادته.
...
﴿اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (١٢٦)﴾.
[١٢٦] ﴿اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ﴾ قرأ يعقوب، وحمزة، والكسائي، وخلف، وحفص عن عاصم: (اللهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَائِكُمُ) بنصب الأسماء الثلاثة، فنصب اسم (الله) بدل من (أَحْسَنَ) (رَبَّكُمْ) نعته، وتعطف
﴿فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (١٢٧)﴾.
[١٢٧] ﴿فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ﴾ مجموعون للعذاب.
﴿إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (١٢٨)﴾.
[١٢٨] ﴿إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ﴾ فإنهم نجوا من العذاب، وتقدم اختلاف القراء في (الْمُخْلَصِين) [الآية: ٤٠]، فلما سمع الملك كلامه، غضب غضبًا شديدًا، وعاد إلى الكفر وعبادة بعل، وهمَّ بقتل إلياس، فلحق بالجبال متعبدًا، ثم دعا الله تعالى أن يريحه منهم، فأهلك الله الملك وقومه وزوجته، ورفع الله إلياسَ إلى السماء، وقطع عنه لذة المطعم والمشرب، وكساه الريش، فكان إنسيًّا ملكيًّا، أرضيًّا سماويًّا.
وروي أن إلياس والخضر يصومان شهر رمضان ببيت المقدس، ويوافيان الموسم كل عام.
وروي أن إلياس موكل بالفيافي، والخضر موكل بالبحار، والله أعلم (٢).
(٢) رواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (٩/ ٢١٠) عن الحسن. وانظر: "تفسير البغوي" (٣/ ٦٧٦). وهذا الخبر هو من أخبار بني إسرائيل، ومرجعه إلى =
[١٢٩] ﴿وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ﴾.
...
﴿سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ (١٣٠)﴾.
[١٣٠] ﴿سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ﴾ قرأ نافع، وابن عامر، ويعقوب: (آلِ يَاسِينَ) بفتح الهمزة والمد، وقطع اللام من الياء وحدها مع كسرها؛ مثل: (آلِ يَعْقُوبَ)، وكذا رسمت في جميع (١) المصاحف، المعنى: أنه سلم على آل هذا النبي، فتكون على هذه القراءة كلمتين، فيجوز قطعها وقفًا، وقيل: المراد: آل محمد - ﷺ -، قال البغوي (٢): وهذا القول بعيد؛ لأنه لم يُسْبَق له ذكر، قال البيضاوي: لا يناسب نظم سائر القصص (٣)؛ فإن المذكور في سائر القصص هو السلام على الأنبياء؛ نحو: سلام على موسى وهارون، وسلام على نوح، فأضيف الآل إليه، وقرأ الباقون: بكسر الهمزة وقصرها، وإسكان اللام بعدها، ووصلها بالياء كلمة واحدة في
(١) في "ت": "بعض".
(٢) في "تفسيره" (٣/ ٦٧٧).
(٣) انظر: "تفسير البيضاوي" (٥/ ٢٦).
...
﴿إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١٣١)﴾.
[١٣١] ﴿إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾.
...
﴿إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (١٣٢)﴾.
[١٣٢] ﴿إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ﴾ تقدم تفسيره.
(٢) ما بين معكوفتين سقط من "ت".
(٣) ما بين معكوفتين سقط من "ت".
[١٣٣] ﴿وَإِنَّ لُوطًا لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ هو لوط ابن أخي إبراهيم عليهما السلام.
...
﴿إِذْ نَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (١٣٤)﴾.
[١٣٤] ﴿إِذْ نَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ﴾.
...
﴿إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ (١٣٥)﴾.
[١٣٥] ﴿إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ﴾ الباقين في العذاب، وهي امرأته، وكانت كافرة، وكان نكاح الوثنيات والإقامة عليهن جائزًا، والغابرون: الباقون، ومعناه هنا: بقيت في الهلاك.
...
﴿ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ (١٣٦)﴾.
[١٣٦] ﴿ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ﴾ والتدمير: الإهلاك، وتقدم ذكر قصته في هود، والحجر.
...
﴿وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ (١٣٧)﴾.
[١٣٧] ثم خاطب تعالى قريشًا، وهو على معنى: قل لهم يا محمد: ﴿وَإِنَّكُمْ﴾ يا أهل مكة ﴿لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ﴾ أي: آثار قوم لوط إذا سافرتم ﴿مُصْبِحِينَ﴾ وقت الصباح.
[١٣٨] ﴿وَبِاللَّيْلِ﴾ أي: وبالنهار.
﴿أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ بما حل بمن تقدمكم، فتعتبرون بهم؟!
...
﴿وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (١٣٩)﴾.
[١٣٩] ﴿وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ من جملة من أرسله الله عز وجل.
...
﴿إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (١٤٠)﴾.
[١٤٠] ﴿إِذْ أَبَقَ﴾ هرب، وعبر عن هروبه بالإباق؛ من حيث هو عبد الله فَرَّ عن غير إذن من مولاه، فهذا حقيقة الإباق، روي أنه كان في سيرتهم أن يقتلوا الكذاب إذا لم تقم له بينة، فخاف يونس، وغضب مع ذلك، فأبق ﴿إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ﴾ السفينة المملوءة؛ لأن يونس لما لم ينزل العذاب بقومه، خرج كالمتسور منهم، فجاء إلى البحر ومعه امرأته وابنان له، فأركب امرأته في مركب، فحال بينهما الموج، جاءت موجة فأخذت أحد ابنيه، وأخذ الذئب الآخر، فبقي وحيدًا، فركب سفينة، فلما لججوا في البحر، وقفت، فقال الملاحون: هنا عبد آبق (١).
[١٤١] ﴿فَسَاهَمَ﴾ قارعَ أهل السفينة من الآبق.
﴿فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ﴾ المقروعين المغلوبين.
...
﴿فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ (١٤٢)﴾.
[١٤٢] فألقوه في البحر ﴿فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ﴾ داخل في الملامة.
...
﴿فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (١٤٣)﴾.
[١٤٣] ﴿فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ﴾ الذاكرين الله قبل ذلك، وكان كثير الذكر.
...
﴿لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (١٤٤)﴾.
[١٤٤] ﴿لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُون﴾ لصار بطن الحوت له قبرًا إلى يوم القيامة.
روي أنه أُوحي إلى الحوت: إنا جعلنا بطنك له سجنًا، ولم نجعله لك طعامًا (١).
[١٤٥] ﴿فَنَبَذْنَاهُ﴾ طرحناه ﴿بِالْعَرَاءِ﴾ وجه الأرض ﴿وَهُوَ سَقِيمٌ﴾ عليل كالفرخ الممعط، قد بلي لحمه، ودق عظمه، ولم يبق له قوة (١).
...
﴿وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ (١٤٦)﴾.
[١٤٦] ﴿وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ﴾ هي القرع؛ ليستظل بظلها، ولئلا يقربه ذباب، وجاءته وعلة يشرب لبنها صباحًا ومساء، فاشتد لحمه، ونبت شعره.
...
﴿وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ (١٤٧)﴾.
[١٤٧] ﴿وَأَرْسَلْنَاهُ﴾ هو ما سبق من إرساله، وقيل: إرسال ثان.
﴿إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ﴾ وهم أهل نينوى بأرض الموصل، أُرسل إليهم قبل الحوت، وأرسل إلى غيرهم بعد الحوت، وكانت الزيادة عشرين، وقيل: ثلاثين، وقيل: سبعين ألفًا.
...
﴿فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ (١٤٨)﴾.
[١٤٨] ﴿فَآمَنُوا﴾ عند نزول العذاب بهم ﴿فَمَتَّعْنَاهُمْ﴾ أبقيناهم ممتعين.
﴿إِلَى حِينٍ﴾ تنقضي آجالهم فيه، وتقدم ذكر قصته في سورة يونس (٢).
(٢) في "ت": "الأنبياء".
[١٤٩] ولما زعم جهينة وبنو سلمة بن عبد الدار أن الملائكة بنات الله، نزل ردًّا عليهم: ﴿فَاسْتَفْتِهِمْ﴾ فسل يا محمد أهل مكة سؤالَ توبيخ.
﴿أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ﴾ المعنى: كيف يخصكم بالأسنى، ويختص بالأردأ، مع قدرته؟ هذا لا يقبله عقل.
...
﴿أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ (١٥٠)﴾.
[١٥٠] ثم زادهم توبيخًا فقال: ﴿أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ﴾ حاضرون ذلك، فيقدمون على ما يقولون.
...
﴿أَلَا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ (١٥١)﴾.
[١٥١] ثم صرح بتكذيبهم فقال: ﴿أَلَا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ﴾ من كذبهم ﴿لَيَقُولُونَ﴾.
...
﴿وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (١٥٢)﴾.
[١٥٢] ﴿وَلَدَ اللَّهُ﴾ بقولهم: الملائكة بنات الله، والولد يعم الذكر والأنثى، والقليل والكثير، تلخيصه: قالوا: لله ولد ﴿وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ في قولهم.
[١٥٣] ﴿أَصْطَفَى﴾ المعنى: أَختارَ تعالى ﴿الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ﴾.
...
﴿مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (١٥٤)﴾.
[١٥٤] ﴿مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾ هذا الحكم الفاسد. قرأ أبو جعفر: (لَكَاذِبُونَ اصْطَفَى) بوصل الهمزة على لفظ الخبر، فيبتدئ بهمزة مكسورة حذف حرف الاستفهام، وهو مراد، وقرأ الباقون: بفتح الهمزة وقطعها مما قبلها وصلًا (١)؛ لأنها همزة استفهام دخلت على همزة الوصل، فحذفت همزة الوصل استغناء عنها بهمزة الاستفهام، وبقيت همزة الاستفهام مفتوحة.
...
﴿أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (١٥٥)﴾.
[١٥٥] ﴿أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾ تتعظون. قرأ حمزة، والكسائي، وخلف، وحفص عن عاصم: (تَذْكُرُونَ) بتخفيف الذال، والباقون: بتشديدها (٢).
﴿أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ (١٥٦)﴾.
[١٥٦] ﴿أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ﴾ حجة واضحة أن لله ولدًا.
(٢) انظر: "إتحاف فضلاء البشر" للدمياطي (ص: ٣٧١)، و"معجم القراءات القرآنية" (٥/ ٢٤٩).
[١٥٧] ﴿فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ﴾ الذي لكم فيه حجة.
﴿إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ في قولكم.
...
﴿وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (١٥٨)﴾.
[١٥٨] ﴿وَجَعَلُوا﴾ أي: الملائكة المشركون ﴿بَيْنَهُ﴾ تعالى.
﴿وَبَيْنَ الْجِنَّةِ﴾ أي: الملائكة ﴿نَسَبًا﴾ بقولهم: الملائكة بنات الله.
﴿وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ﴾ يعني: قائلي هذه المقالة.
﴿لَمُحْضَرُونَ﴾ في النار، والملائكة سميت بذلك؛ لأنها مستجنة؛ أي: مستترة من الأبصار.
...
﴿سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (١٥٩)﴾.
[١٥٩] ثم نزه الله تعالى نفسه عما يصفه الناس ولا يليق به، فقال:
﴿سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ﴾ بأن له ولدًا.
...
﴿إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (١٦٠)﴾.
[١٦٠] ﴿إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ﴾ استثناء من (يَصِفُونَ)؛ لأن المخلصين يصفونه بصفاته العلا.
[١٦١] ﴿فَإِنَّكُمْ﴾ يعني: المشركين ﴿وَمَا تَعْبُدُونَ﴾ من الأصنام.
...
﴿مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ (١٦٢)﴾.
[١٦٢] ﴿مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ﴾ الضمير في (عليه) لله سبحانه.
﴿بِفَاتِنِينَ﴾ مضلين على الله بالإغواء.
...
﴿إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ (١٦٣)﴾.
[١٦٣] ﴿إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ﴾ إلا الذين سبق في علمه تعالى أنهم يصلونها. وقف يعقوب (صالي) بإثبات الياء (١).
...
﴿وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ (١٦٤)﴾.
[١٦٤] ثم أخبر جبريل -عليه السلام- أن لكل واحد منهم مقامًا مختصًا به، وأنهم عبيد مربوبون مسبحون، فقال: ﴿وَمَا مِنَّا﴾ أحد.
﴿إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ﴾ في السموات يَعبد فيه، ولا يتجاوزه إلا بإذن.
[١٦٥] ﴿وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ﴾ أقدامَنا للصلاة.
...
﴿وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ (١٦٦)﴾.
[١٦٦] ﴿وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ﴾ المنزهون الله تعالى عما لا يليق به.
...
﴿وَإِنْ كَانُوا لَيَقُولُونَ (١٦٧)﴾.
[١٦٧] ولما قال الكفار: لو كان لنا كتاب كالتوراة والإنجيل، لآمنا وخضعنا، فلما جاءهم -عليه السلام- بالقرآن، كفروا به، نزل: ﴿وَإِنْ كَانُوا لَيَقُولُونَ﴾ (١).
...
﴿لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرًا مِنَ الْأَوَّلِينَ (١٦٨)﴾.
[١٦٨] ﴿لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرًا﴾ كتابًا ﴿مِنَ﴾ كتب ﴿الْأَوَّلِينَ﴾ التي نزلت عليهم.
...
﴿لَكُنَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (١٦٩)﴾.
[١٦٩] ﴿لَكُنَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ﴾ له، ولم نخالف مثلَهم.
[١٧٠] ﴿فَكَفَرُوا بِهِ﴾ أي: فلما أتاهم ذلك الكتاب، وهو القرآن، كفروا به.
﴿فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ﴾ عاقبة كفرهم.
...
﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (١٧١)﴾.
[١٧١] ﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا﴾ عِدَتنُا بالنصر ﴿لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ﴾ وهي:
﴿لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي﴾ [المجادلة: ٢١]، وسميت جماعة الحروف كلمة؛ لأنها في معنى واحد.
...
﴿إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (١٧٢)﴾.
[١٧٢] ﴿إِنَّهُمْ﴾ أي: الرسل ﴿لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ﴾ على من ناوأهم.
...
﴿وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (١٧٣)﴾.
[١٧٣] ﴿وَإِنَّ جُنْدَنَا﴾ المؤمنين ﴿لَهُمُ الْغَالِبُونَ﴾ المظفرون بإرادتهم، المستوجبون الفلاحَ في الدارين.
...
﴿فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (١٧٤)﴾.
[١٧٤] ﴿فَتَوَلَّ عَنْهُمْ﴾ أعرضْ عن كفار مكة وعن أذاهم.
...
﴿وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (١٧٥)﴾.
[١٧٥] ﴿وَأَبْصِرْهُمْ﴾ إذا نزل بهم العذاب ﴿فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ﴾ ما ينكرون.
...
﴿أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ (١٧٦)﴾.
[١٧٦] فثَمَّ قالوا استهزاء واستعجالًا: متى نزول العذاب؟ فنزل: ﴿أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ﴾ (١)؟
...
﴿فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ (١٧٧)﴾.
[١٧٧] ﴿فَإِذَا نَزَلَ﴾ العذاب ﴿بِسَاحَتِهِمْ﴾ هي الرحبة التي يديرون أخبيتهم حولها ﴿فَسَاءَ﴾ فبئس ﴿صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ﴾ الذين أنذروا فلم يؤمنوا، والصباح مستعار من صباح الجيش المبيت لوقت نزول العذاب. ولما كثرت فيهم الهجوم والغارة في الصباح، سموا الغارة: صباحًا، وإن وقعت في وقت آخر.
...
﴿وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (١٧٨)﴾.
[١٧٨] وكرر: ﴿وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ﴾.
[١٧٩] ﴿وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ﴾ ما يُفعل بهم؛ تهديدًا لهم، وتسلية له - ﷺ -.
﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (١٨٠)﴾.
[١٨٠] ثم نزه نفسه تعالى فقال: ﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ﴾ الغلبةِ والقدرةِ؛ أي: مالكها ﴿عَمَّا يَصِفُونَ﴾ من اتخاذ الأزواج والأولاد.
...
﴿وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (١٨١)﴾.
[١٨١] ﴿وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ﴾ الذين بلَّغوا عن الله الشرائع والتوحيد، تعميم للرسل بالتسليم بعد تخصيص بعضهم.
...
﴿وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (١٨٢)﴾.
[١٨٢] ﴿وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ على نصر أنبيائه، وإهلاك أعدائه، وعلى كل حال.
روي عن النبي - ﷺ - أنه قال: "إذا سَلَّمتم عليَّ، فسلموا على المرسلين؛ فإنما أنا أحدُهم" (١)، والله أعلم.
تَأليف
الإِمَامِ القَاضِي مُجِير الدِّينِ بْنِ مُحمَّد العُليِميِّ المَقدِسِيِّ الحَنبليِّ
المولود سنة (٨٦٠ هـ) - والمتوفى سنة (٩٢٧ هـ) رَحِمَهُ الله تعَالى
المُجَلَّد السادس
اعتَنَى بِهِ
تَحقِيقًا وضَبْطًا وتَخْريجًا
نُوْرُ الدِّيْن طَالب
إصدَارات
وزَارة الأوقاف والشُؤُوْن الإِسلامِيّة
إدَارَةُ الشُؤُوْنِ الإِسلاَمِيّةِ
دولة قطر
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية
إدارة الشؤون الإسلامية
دولة قطر
الطَبعَة الأولى، ١٤٣٠ هـ - ٢٠٠٩ م
قامت بعمليات التنضيد الضوئي والإخراج والطباعة
دارُ النَّوادر لصاحبها ومديرها العام نور الدين طالب
سوريا - دمَشق - ص. ب: ٣٤٣٠٦
لبنان - بَيروت - ص. ب: ٥١٨/ ١٤
هَاتف: ٠٠٩٦٣١١٢٢٢٧٠٠١ - فاكس: ٠٠٩٦٣١١٢٢٢٧٠١١
www.daralnawader.com