تفسير سورة الزمر

جامع البيان في تفسير القرآن
تفسير سورة سورة الزمر من كتاب جامع البيان في تفسير القرآن .
لمؤلفه الإيجي محيي الدين . المتوفي سنة 905 هـ
سورة الزمر مكية إلا قوله ﴿ قل يا عبادي ﴾ الآية، وهي خمس أو اثنتان وسبعون آية، وثماني ركوعات.

﴿ تنزيل الكتاب ﴾، أي : هذا تنزيل الكتاب، ﴿ من الله ﴾ ظرف للتنزيل، أو خبر ثان، أو حال، أو تنزيل الكتاب مبتدأ، ومن الله خبره، ﴿ العزيز الحكيم ﴾
﴿ إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق ﴾ أي : متلبسا به، ﴿ فاعبد الله مخلصا له الدين ﴾، من الشرك الجلي، والخفي.
﴿ ألا لله الدين الخالص ﴾ : هو الذي يختص بالطاعة الخالصة ويستحقها، ﴿ والذين اتخذوا من دونه أولياء ﴾ : وهم الكفرة، ﴿ ما نعبدهم ﴾، أي : قائلون ما نعبد أولياء، وهم غير الله تعالى، كالملائكة، والأصنام ﴿ إلا ليقّربونا إلى الله زلفى ﴾، اسم أقيم مقام المصدر، أي تقريبا، ﴿ إن الله يحكم بينهم ﴾، أي : بين الذين اتخذوا، وبين مقابليهم، وهم الموحدون، وهو استئناف، ﴿ في ما هم فيه يختلفون ﴾ : من أمر الدين وجاز أن يكون خبر ''والذين'' إن لله يحكم بينهم''، وقوله :''ما نعبدهم'' بتقدير : قائلين، حال من فاعل اتخذوا، ﴿ إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار ﴾ : لا يرشد إلى الهداية من قصد الافتراء على الله تعالى، وقلبه كافر بآياته.
﴿ لو أراد الله أن يتخذ ولدا ﴾ كما زعم المشركون، ﴿ لاصطفى مما يخلق ما يشاء ﴾ أي : لو أراد لاختار الأفضل لا الأنقص، وهو الإناث، لكن لم يرد، فلا ولد له من الذكر والأنثى، أو معناه : لو أراد أن يتخذ ولدا لاتخذ من المخلوقات الأفضل منها، كالبنين لا البنات كما زعمتم، لكن اللازم محال لاستحالة كون المخلوق من جنس الخالق لتنافي الوجوب، والإمكان بالذات، فكذا الملزوم وهو إرادة الاتخاذ فضلا عن الاتخاذ، ﴿ سبحانه هو الله الواحد القهار ﴾ : فإنه هو الواحد الفرد، الذي دانت له الأشياء فلا يماثله ولا يناسبه أحدا.
﴿ خلق السموات والأرض بالحق يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل ﴾ التكوير : اللف، وإذا غشى كل منهما مكان الآخر، فكأنما لف عليه كلف اللباس على اللابس، ﴿ وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى ﴾ : مدة معينة عند الله تعالى :﴿ ألا هو العزيز ﴾ : الغالب، ﴿ الغفار ﴾، فلا يعاجل بالعقوبة على من نسب إليه ما لا يليق به.
﴿ خلقكم من نفس واحدة ﴾ : آدم، ﴿ ثم جعل منها زوجها ﴾ : حواء عن الضلع الأسفل، وثم للتراخي الرتبي، فإن خلق حواء مقدم في الوجود على تشعيب الذرية من نفس آدم، ﴿ وأنزل لكم ﴾ : وقضى لكم فإن قضاياه توصف بالنزول من السماء، ﴿ من الأنعام ثمانية أزواج ﴾، كما هو مسطور في سورة الأنعام، ﴿ يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق ﴾ : حيوانا من بعد عظام من بعد مضغ من بعد علق من بعد نطف، ﴿ في ظلمات ثلاث ﴾ : ظلمة البطن، والرحم، والمشيمة، ﴿ ذلكم ﴾، مبتدأ، ﴿ الله ﴾، خبره، ﴿ ربكم ﴾، بدل، ﴿ له الملك لا إله إلا هو فأنى تصرفون ﴾ : يُعدَل بكم عن عبادته غيره.
﴿ إن تكفروا فإن الله غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر ﴾، مع أنه بإرادته فلا يجري في ملكه إلا ما يشاء، ويقابل الرضاء والسخط، والإرادة بالكراهة، أو المراد من العباد المخلصون كما في قوله :﴿ إن عبادي ليس لك عليهم سلطان ﴾ ( الإسراء : ٦٥ ) وحينئذ معنى الرضاء والإرادة، ﴿ وإن تشكروا يرضه ﴾ : يرضى الشكر، ﴿ لكم ﴾ فإنه سبب فوزكم، ﴿ ولا تزر وازرة ﴾ : لا تحمل نفس وازرة، ﴿ وزر أخرى ﴾، أي : وزر نفس أخرى، ﴿ ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم تعملون ﴾ : بالمجازاة، ﴿ إنه عليم بذات الصدور ﴾ : فلا يخفى عليه شيء.
﴿ وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيبا ﴾ : راجعا، ﴿ إليه إذا خوّله ﴾ : أعطاه وملكه، ﴿ نعمة منه نسي ما كان يدعو إليه ﴾ : نسي الضر الذي كان يدعو الله إلى كشفه، أو ما بمعنى من، وفي يدعو تضمين معنى التطوع، أي : نسي الكاشف بضر المضطرين الذي كان يتضرع إليه، ﴿ من قبل ﴾ : من قبل النعمة، ﴿ وجعل لله أندادا ليضل عن سبيله ﴾، اللام لام العاقبة، أي : ليفيد وينتج الإضلال والضلال، ﴿ قل تمتع بكفرك قليلا ﴾، أمر تهديد، ﴿ إنك من أصحاب النار ﴾، استئناف على سبيل التعليل.
﴿ أمّن هو قانت ﴾ : قائم بالطاعات، ﴿ آناء ﴾ : ساعات ﴿ الليل ساجدا وقائما ﴾، حالان من ضمير قانت، ﴿ يحذر الآخرة ﴾، جملة حالية، ﴿ ويرجو رحمة ربه ﴾، أم متصلة تقديره أهذا الذي نسى خير أم من هو قانت ؟ ! أو منقطعة، أي : بل أمن هو قانت كغيره، ﴿ قل هل يستوي الذين يعلمون ﴾، وهم القانتون، وفي هذه أدلة واضحة على أن غير العامل كأنه ليس بعالم، ﴿ والذين لا يعلمون ﴾، وقيل هذا على سبيل التشبيه، أي : كما لا يستوي العالمون والجاهلون، كذلك لا يستوي القانتون والعاصون، ﴿ إنما يتذكر ﴾ : يتعظ بوعظ الله تعالى، ﴿ أولوا الألباب ﴾.
﴿ قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ ﴾، عن معاصيه، ﴿ للذين أحسنوا ﴾ : بالطاعة، ﴿ في هذه الدنيا ﴾، ظرف لأحسنوا، ﴿ حسنة ﴾ في الآخرة، وهي الجنة، ﴿ وأرض الله واسعة ﴾، فهاجروا إلى أرض ما دعيتم فيها إلى المعصية، ﴿ إنما يوفّى الصابرون ﴾ : على بلاء الله تعالى، ومفارقة المستلذات الداعية إلى المعاصي، ﴿ أجرهم بغير حساب ﴾، لا يوزن لهم، ولا يكال إنما يعرف لهم غرفا، قيل : نزلت في جعفر ابن أبي طالب، وأصحابه حيث لم يتركوا دينهم، وصبروا حين اشتد بهم البلاء.
﴿ قل إني أمرت أن أعبد الله ﴾، أي : بأن أعبد، ﴿ مخلصا له الدين ﴾
﴿ وأمرت لأن أكون أول المسلمين ﴾، من هذه الأمة، واللام زائدة، كما تقول : أمرت لأن أفعل، وقيل : معناه أمرت بذلك لأجل أن أكون مقدم المسلمين في الدارين
﴿ قل إني أخاف إن عصيت ربي ﴾، مع أني نبي مقرب، ﴿ عذاب يوم عظيم ﴾ : لعظمة ما فيه، نزلت حين دعى إلى دين آبائه.
﴿ قل الله أعبد مخلصا له ديني فاعبدوا ما شئتم من دونه ﴾، أمر توبيخ، ﴿ قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم ﴾، مع أنها رأس مالهم، ﴿ وأهليهم يوم القيامة ﴾ : الذين هم في الجنة لهم من حور وغلمان، وغيرهما فإن لكل منزلا وأهلا في الجنة، فمن عمل بالمعاصي دخل النار، وصار المنزل والأهل لغيره أو خسروا أهليهم الذين هم في الدنيا، لأنهم إن كانوا من أهل النار، فقد خسروهم كما خسروا أنفسهم، وإن كانوا من أهل الجنة فقد ذهبوا عنهم ذهابا أبديا، ﴿ ألا ذلك هو الخسران المبين ﴾
﴿ لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل ﴾ : أطباق من النار هي ظلل الآخرين، ﴿ ذلك ﴾ : العذاب، ﴿ يخوف الله به عباده ياعباد فاتقون ﴾، ولا تتعرضوا لمعصيتي.
﴿ والذين اجتنبوا الطاغوت ﴾ : الأوثان، نزلت في زيد ابن عمرو بن نفيل وأبي ذر وسلمان الفارسي رضي الله تعالى عنهم، ﴿ أن يعبدوها ﴾، بدل اشتمال، ﴿ وأنابوا إلى الله ﴾ : إلى عبادته، ﴿ لهم البشرى ﴾، في الدنيا والآخرة، ﴿ فبشر عباد الذين يستمعون القول ﴾، أي : القرآن وغيره، ﴿ فيتبعون أحسنه ﴾، أي : القرآن، أو المراد من يسمع حديثا فيه محاسن ومساوئ، فيحدث بأحسن ما سمع، ويكف عما سواه، أو يستمعون القول من العزائم، والرخص فيتبعون العزائم، وضع الظاهر موضع المضمر، فإن الظاهر أن يقال : فبشرهم لأن يصفهم بهذه الصفة أيضا، ﴿ أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب ﴾ : العقول السليمة.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٧:﴿ والذين اجتنبوا الطاغوت ﴾ : الأوثان، نزلت في زيد ابن عمرو بن نفيل وأبي ذر وسلمان الفارسي رضي الله تعالى عنهم، ﴿ أن يعبدوها ﴾، بدل اشتمال، ﴿ وأنابوا إلى الله ﴾ : إلى عبادته، ﴿ لهم البشرى ﴾، في الدنيا والآخرة، ﴿ فبشر عباد الذين يستمعون القول ﴾، أي : القرآن وغيره، ﴿ فيتبعون أحسنه ﴾، أي : القرآن، أو المراد من يسمع حديثا فيه محاسن ومساوئ، فيحدث بأحسن ما سمع، ويكف عما سواه، أو يستمعون القول من العزائم، والرخص فيتبعون العزائم، وضع الظاهر موضع المضمر، فإن الظاهر أن يقال : فبشرهم لأن يصفهم بهذه الصفة أيضا، ﴿ أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب ﴾ : العقول السليمة.
﴿ أفمن حق عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذ من في النار ﴾، الفاء عطف على محذوف تقديره : أأنت مالك أمرهم ؟ فمن حق عليه كلمة العذاب فأنت تنقذه، والهمزة في الجزاء كررت لتوكيد معنى الإنكار، أي : لست بقادر على إنقاذ من أراد الله تعالى شقاوته.
﴿ لكن الذين اتقوا ربهم لهم غرف من فوقها غرف مبنية ﴾ : محكمة عالية، كالأسافل بخلاف الدنيا فإن أسافلها أحكم من أعاليها، ﴿ تجري من تحتها ﴾، أي : الغرف، ﴿ الأنهار وعد الله ﴾، مصدر مؤكد لنفسه، ﴿ لا يخلف الله الميعاد ﴾، أي : الوعد.
﴿ ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ﴾ : نظمه ﴿ ينابيع ﴾ : عيونا، ومجاري، نصب على الظرف، ﴿ في الأرض ﴾، صفة ينابيع، ﴿ ثم يخرج به ﴾ : بالماء، ﴿ زرعا مختلفا ألوانه ﴾ : أصفر، وأحمر وأخضر، أو أنواعه من بر وشعير وحمص، ﴿ ثم يهيج ﴾ : يتم جفافه، ﴿ فتراه مصفرا ثم يجعله حطاما ﴾ : خشبة مسودة، ﴿ إنّ في ذلك لذكرى ﴾ : لعظة، ﴿ لأولي الألباب ﴾، فيعرف أنه مثل الحياة الدنيا، ويستدل به على كمال حكمته وقدرته.
﴿ أفمن شرح الله صدره للإسلام ﴾ : وسّعه لقبول الحق، ﴿ فهو على نور من ربه ﴾ : يهتدي به إلى الحق، وخبره محذوف، أي : كمن أقسى الله قلبه، ويدل عليه قوله :﴿ فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله ﴾، أي : غلظ وجفا عن قبول ذكره، كما تقول : أتخمت من طعام، وعن طعام أكلت، ﴿ أولئك في ضلال مبين ﴾.
﴿ الله نزّل أحسن الحديث ﴾، أي : القرآن، ﴿ كتابا ﴾، بدل أو حال، ﴿ متشابها ﴾ : يشبه بعضه بعضا في الفصاحة، أو صحة المعنى من غير مخالفة، ﴿ مثاني ﴾، جمع مثنى مفعل، من التثنية بمعنى الإعادة، والتكرير، فإن قصصه وأحكامه ومواعظه ووعده ووعيده مكرر معاد لكتابا، وهو في الحقيقة صفة ما يتضمنه الكتاب من السور، والآيات، وعن بعضهم : إن سياق الكلام إذا كان في معنى واحد يناسب بعضه بعضا فهو المتشابه، وإن كان يذكر الشيء وضده كذكر المؤمنين، ثم الكافرين، والجنة، ثم النار، كقوله تعالى :﴿ إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم ﴾ ( الانفطار : ١٣، ١٤ ) فهو من المثاني، ﴿ تقشعر ﴾ : تضطرب وتشمئز، ﴿ منه ﴾ : من القرآن، لأجل خشية الله، ﴿ جلود الذين يخشون ربهم ﴾، وفي الحديث :''إذا اقشعر جلد العبد من خشية الله تعالى، تحاتت منه ذنوبه كما يتحات عن الشجر اليابسة ورقها'' ﴿ ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ﴾، لما يرجون من رحمته، ولطفه، فهم بين الخوف والرجاء، ولتضمين معنى السكون عداه بإلى، ﴿ ذلك ﴾، أي : الكتاب، أو الخوف والرجاء، ﴿ هدى الله يهدي به من يشاء ومن يضلل الله فما له من هاد ﴾.
﴿ أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب ﴾ شدته، ﴿ يوم القيامة ﴾، ظرف ليتقي، وخبره محذوف، أي : كمن يأتي آمنا يوم القيامة، والإنسان إذا لقي مخوفا استقبله بيده، ويقي بها وجهه الذي هو أعز أعضائه، والكافر المغلول لا يتهيأ له أن يتقى النار إلا بوجهه، ﴿ وقيل ﴾، حال بتقدير قد، ﴿ للظالمين ﴾، أي : لهم، ﴿ ذوقوا ﴾ : وبال، ﴿ ما كنتم تكسبون ﴾
﴿ كذب الذين كمن قبلهم ﴾ : القرون الماضية، ﴿ فأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون ﴾ : من الجهة التي هم آمنون منها، أي : على حين غفلة.
﴿ فأذاقهم الله الخزي ﴾ : الذل، ﴿ في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة ﴾، المعد لهم، ﴿ أكبر ﴾، من عذاب الدنيا، ﴿ لو كانوا يعلمون ﴾، لو كانوا من أهل العلم لعلموا ذلك.
﴿ ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل ﴾، محتاج إليه في الدين، ﴿ لعلهم يتذكرون قرآنا ﴾، حال موطئة من هذا، ثم وصفه بما هو المقصود بالحالية، ﴿ عربيا غير ذي عوج ﴾ : اختلال بوجه من الوجوه، ﴿ لعلهم يتقون ﴾ علة أخرى مترتبة على الأولى.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٧:﴿ ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل ﴾، محتاج إليه في الدين، ﴿ لعلهم يتذكرون قرآنا ﴾، حال موطئة من هذا، ثم وصفه بما هو المقصود بالحالية، ﴿ عربيا غير ذي عوج ﴾ : اختلال بوجه من الوجوه، ﴿ لعلهم يتقون ﴾ علة أخرى مترتبة على الأولى.
﴿ ضرب الله مثلا ﴾، للمشرك والمخلص، ﴿ رجلا ﴾، بدل من مثلا، ﴿ فيه شركاء ﴾، مبتدأ وخبر، ﴿ متشاكسون ﴾ : متنازعون، صفة لشركاء، والجملة صفة رجلا، أي : مثل المشرك كعبد يتشارك فيه جمع، يختلف كل منهم في أنه عبد له، فيتداولونه في مهامهم، فهو متحير لا يدري أيهم يرضى، وعلى أيهم يعتمد إذا سنح سانح، ﴿ ورجلا سَلَمًا ﴾ : ذا خلوص، ﴿ لرجل ﴾ : واحد، يعرف أن له سيدا واحدا يخدمه خالصة، ويتكل عليه في حاله وماله، ﴿ هل يستويان ﴾، هذان الرجلان، ﴿ مثلا ﴾ تمييز، أي : صفة وحلالا، ﴿ الحمد لله ﴾ : لا حمد لغيره، فإنه هو المنعم وحده، ﴿ بل أكثرهم لا يعلمون ﴾، فيشركون به غيره.
﴿ إنك ميت وإنهم ميتون ﴾، أي : أنتم في عداد الموتى، فإن ما هو كائن، فكأنه قد كان.
﴿ ثم إنكم ﴾، فيه تغليب المخاطب، ﴿ يوم القيامة عند ربكم تختصمون ﴾، أي : إنك وإياهم تختصمون، فتحتج أنت عليهم بما لا شبهة فيه، ويعتذرون بما لا طائل تحته، وأكثر السلف حمل ذلك على اختصام الجميع حتى الروح والجسد.
﴿ فمن أظلم ممن كذب على الله ﴾ : بإضافة الولد، والشريك إليه، ﴿ وكذب بالصدق ﴾ بما جاء به محمد عليه الصلاة والسلام، ﴿ إذ جاءه ﴾، من غير تفكر، ﴿ أليس في جهنم مثوى ﴾ : منزلا، ﴿ للكافرين ﴾، واللام يحتمل العهد والجنس.
﴿ والذي جاء بالصدق١ وصدّق به ﴾، أي : الفريق الذي جاء به الخ، فيدخل فيه الرسول وأتباعه، ويكون المعطوف والمعطوف عليه صلة واحدة على التوزيع، فينصرف المعطوف عليه إلى الرسول، والمعطوف إلى الصحابة، أو إلى المؤمنين أجمعين، أو المراد من الذي جاء بالصدق، وصدق به الرسل عليهم السلام، ﴿ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ لَهُم مَّا يَشَاءونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاء الْمُحْسِنِينَ لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا ﴾ : يسترها عليهم بالمغفرة، يُعلم من تخصيص الأسوأ أن غير الأسوأ أولى بالتكفير، وقيل : بمعنى السيئ ﴿ ويجزيهم ﴾ : يعطيهم، ﴿ أجرهم بأحسن الذي كانوا يعملون ﴾، فيعد لهم محاسن أعمالهم، بأحسنها في زيادة الأجر وعظمه.
١ أثبت الله الوحدة في الألوهية ونفى الولد، وصدق به صدق بما جاء به رسول فيدخل فيه الرسول وأتباعه، كذا قال عظماء السلف / ١٢ وجيز..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٣٣:﴿ والذي جاء بالصدق١ وصدّق به ﴾، أي : الفريق الذي جاء به الخ، فيدخل فيه الرسول وأتباعه، ويكون المعطوف والمعطوف عليه صلة واحدة على التوزيع، فينصرف المعطوف عليه إلى الرسول، والمعطوف إلى الصحابة، أو إلى المؤمنين أجمعين، أو المراد من الذي جاء بالصدق، وصدق به الرسل عليهم السلام، ﴿ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ لَهُم مَّا يَشَاءونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاء الْمُحْسِنِينَ لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا ﴾ : يسترها عليهم بالمغفرة، يُعلم من تخصيص الأسوأ أن غير الأسوأ أولى بالتكفير، وقيل : بمعنى السيئ ﴿ ويجزيهم ﴾ : يعطيهم، ﴿ أجرهم بأحسن الذي كانوا يعملون ﴾، فيعد لهم محاسن أعمالهم، بأحسنها في زيادة الأجر وعظمه.
١ أثبت الله الوحدة في الألوهية ونفى الولد، وصدق به صدق بما جاء به رسول فيدخل فيه الرسول وأتباعه، كذا قال عظماء السلف / ١٢ وجيز..

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٣٣:﴿ والذي جاء بالصدق١ وصدّق به ﴾، أي : الفريق الذي جاء به الخ، فيدخل فيه الرسول وأتباعه، ويكون المعطوف والمعطوف عليه صلة واحدة على التوزيع، فينصرف المعطوف عليه إلى الرسول، والمعطوف إلى الصحابة، أو إلى المؤمنين أجمعين، أو المراد من الذي جاء بالصدق، وصدق به الرسل عليهم السلام، ﴿ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ لَهُم مَّا يَشَاءونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاء الْمُحْسِنِينَ لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا ﴾ : يسترها عليهم بالمغفرة، يُعلم من تخصيص الأسوأ أن غير الأسوأ أولى بالتكفير، وقيل : بمعنى السيئ ﴿ ويجزيهم ﴾ : يعطيهم، ﴿ أجرهم بأحسن الذي كانوا يعملون ﴾، فيعد لهم محاسن أعمالهم، بأحسنها في زيادة الأجر وعظمه.
١ أثبت الله الوحدة في الألوهية ونفى الولد، وصدق به صدق بما جاء به رسول فيدخل فيه الرسول وأتباعه، كذا قال عظماء السلف / ١٢ وجيز..

﴿ أليس الله بكاف عبده ﴾، لما خوفت قريش رسول الله - صلى الله عليه وسلم- نزلت، وفي بعض القراءات ''عباده''، فالأولى أن يراد من عبده الجنس، ﴿ ويخوّفونك ﴾، أي : قريش، ﴿ بالذين من دونه ﴾ : بأصنامهم أي : من دون الله، يقولون إنك لتعيبها وستصيبك بسوء، ﴿ ومن يضلل الله ﴾، فيخوف حبيب الله بحجر لا يضر ولا ينفع، ﴿ فما له من هاد ﴾
﴿ ومن يهد الله فما له من مضلّ أليس الله بعزيز ﴾ : غالب منيع، ﴿ ذي انتقام ﴾، من أعدائه.
﴿ ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله ﴾، لا سبيل لإنكارهم تفرد خالفيته، ﴿ قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ ﴾ عني، وهذا بيان أنها لا تنفع ولا تضر، فلا خوف منها، ﴿ قل حسبي الله ﴾ : كافي في إصابة النفع ودفع البلاء، إذ قامت الحجة على تفرده فيهما، ﴿ عليه يتوكل المتوكلون١
١ ولما كانوا مع هذه الحجج القاطعة، والأدلة القامعة، والبراهين الساطعة كالبهائم الهائمة، لا يرفعون رءوسهم إليها، فهم على حال لا يرجى منهم الهداية، والدراية قال: ''قل يا قوم اعملوا'' الآية / ١٢ وجيز..
﴿ قل يا قوم اعلموا على مكانتكم ﴾ : على طريقتكم، اسم المكان استعير للحال، ﴿ إني عامل ﴾، أي على منهجي، ﴿ فسوف تعلمون من يأتيه عذاب١ معمول تعلمون، ﴿ يخزيه ﴾، صفة عذاب، أي : في الدنيا كما أخزاهم يوم بدر، ﴿ ويَحِلّ ﴾، عطف على يأتيه، ﴿ عليه عذاب مقيم ﴾ : دائم في الآخرة.
١ كالقتل والأسر والفرار/ ١٢..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٣٩:﴿ قل يا قوم اعلموا على مكانتكم ﴾ : على طريقتكم، اسم المكان استعير للحال، ﴿ إني عامل ﴾، أي على منهجي، ﴿ فسوف تعلمون من يأتيه عذاب١ معمول تعلمون، ﴿ يخزيه ﴾، صفة عذاب، أي : في الدنيا كما أخزاهم يوم بدر، ﴿ ويَحِلّ ﴾، عطف على يأتيه، ﴿ عليه عذاب مقيم ﴾ : دائم في الآخرة.
١ كالقتل والأسر والفرار/ ١٢..

﴿ إنا نزلنا عليك الكتاب للناس ﴾ : لأجل نفعهم ﴿ بالحق ﴾، متلبسا به، ﴿ فمن اهتدى فلنفسه ﴾ : يعود إلى نفسه، ﴿ ومن ضل فإنما يضل عليها ﴾ : وبال الضلال راجع إليها، ﴿ وما أنت عليهم بوكيل ﴾ : فنجبرهم على الهداية، إنما أنت نذير.
﴿ الله١ يتوفى الأنفس ﴾ يستوفيها٢ ويقبضها، ﴿ حين موتها والتي ﴾ أي : ويستوفي الأنفس التي ﴿ لم تمت في منامها ﴾ فتجتمع النفوس كلهن في الملأ الأعلى كما ورد بذلك الحديث المرفوع الذي رواه ابن مندة، وغيره وفي الصحيحين ما يدل٣ على ذلك، ﴿ فيمسك التي قضى عليها الموت ﴾ : فلا يردها إلى الجسد، ﴿ ويرسل الأخرى ﴾، أي : النائمة إلى جسدها، ﴿ إلى أجل مسمى ﴾ : وهو وقت الموت، ﴿ إن في ذلك ﴾، أي : التوفي والإمساك والإرسال، ﴿ لآيات لقوم يتفكرون ﴾، في عجائب قدرته.
١ ولما ذكر أنه تعالى أنزل الكتاب على رسوله بالحق، نبه على آية من آياته الكبرى، الدالة على وحدانيته لا شركة لأحد في ذلك بالاتفاق، ﴿الله يتوفى الأنفس﴾ الآية / ١٢ وجيز..
٢ والأصح: أن الروح والنفس واحد، والأولى أن يكون المراد من الأنفس الجملة كما قال تعالى: ﴿وهو الذي يتوفاكم بالليل﴾ (الأنعام: ٦٠) أي يميتكم به / ١٢ وجيز..
٣ وهو حديث (إذا أوى أحدكم إلى فراشه فليقل: باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه إن أمسكت نفسي فارحمها، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين) رواه الشيخان، وأخرج عبد ابن حميد وابن جرير وابن المنذر والطبراني في الأوسط وأبو الشيخ في العظمة، وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنه في قوله: ﴿الله يتوفى الأنفس﴾ الآية، تلتقي أرواح الأحياء، وأرواح الأموات في المنام، فيتساءلون بينهم ما شاء الله، ثم يمسك الله أرواح الأموات، ويرسل أرواح الأحياء إلى أجسادها إلى اجل مسمى، لا يغلظ بشيء منها، لذلك قوله: ﴿إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون﴾ نقله السيوطي في الدر المنثور، وفي الفتح، والأظهر أن الروح والنفس شيء واحد، وهو الذي تدل عليه الآثار الصحاح، وقال الزجاج: لكل إنسان نفسان: نفس التمييز، وهو الذي تفارقه إذا نام، والأخرى نفس الحياة إذا زالت زال معها النفس، والنائم يتنفس، قال القشيري: في هذا بعد إذ المفهوم من الآية أن النفس المقبوضة في الحالين شيء واحد، ولهذا قال: ﴿فيمسك التي قضى عليها الموت﴾ الآية / ١٢..
﴿ أم١ اتخذوا ﴾ : بل اتخذ قريش، ﴿ من دون الله ﴾ : من دون إذنه، ﴿ شفعاء ﴾ : عند الله تعالى بزعمهم الفاسد، ﴿ قل أو لو كانوا لا يملكون شيئا ﴾، أي : قل أيشفعون ؟ ! ولو كانوا إلخ فالواو للحال، والعامل يشفعون المقدر بعد الهمزة، ﴿ ولا يعقلون ﴾ : فإنهن جمادات لا تقدر، ولا تعلم.
١ ولما دلت الآية على أنه تعالى هو المتصرف في الأمور وحده، فكأنه قال: أذعنوا ذلك وأقروا به أم اتخذوا، أي: قريش / ١٢ وجيز..
﴿ قل لله الشفاعة جميعا ﴾ : هو مالكها، لا يستطيع أحد أن يشفع إلا بإذنه، ولا تنفع إلا لمن أذن له، ﴿ له ملك السموات والأرض ثم إليه ترجعون ﴾، فيحكم بالعدل.
﴿ وإذا ذُكر الله وحده ﴾، أي : قيل لا إله إلا الله، ﴿ اشمأزّت ﴾ : انقبضت ونفرت، ﴿ قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الذين من دونه ﴾، أي : الأوثان، ﴿ إذا هم يستبشرون ﴾، سواء ذكر الله تعالى معهم أو لم يذكر، وعن مجاهد ومقاتل، وذلك حين قرأ النبي صلى الله عليه وسلم سورة النجم فألقى الشيطان في أمنيته : تلك الغرانيق العلى، ففرح الكفار١* كما مر ذكره في سورة الحج، واعلم أن من قال العامل في إذا الشرطية مضمون الجواب فلا بد أن يقول : العامل في إذا الثانية الشرطية، وإذا المفاجأة معنى المفاجأة المتضمنة هي إياه، إذ لا يعمل الفعل الذي بعده فيما قبله، أي فاجأوا في وقت الذكر، وقت الاستبشار،
١ قصة الغرانيق لا تصح، وقد جاءت من طرق واهية، وراجع فتح الباري (٨/ ٢٩٣)، وللشيخ الألباني رحمه الله رسالة في هذه القصة اسمها: نصب المجانيق لنسف قصة الغرانيق..
﴿ قل١ اللهم فاطر٢ السموات والأرض عالم الغيب والشهادة ﴾، أي : التجأ إلى الله تعالى لما تحريت في كفرهم، ﴿ أنت تحكم بين عبادك في ما كانوا فيه يختلفون ﴾
١ يعني: لما تحيرت في عنادهم، آيسا من انقيادهم، فالجأ إلى الله القادر العالم / ١٢ وجيز..
٢ وعن الربيع بن خيثم وكان قليل الكلام، أنه أخبر بقتل الحسين رضي الله عنه، وقالوا: الآن يتكلم، فما زاد قال: آه وقد فعلوا، وقرأ هذه الآية، وعن عائشة - رضي الله عنها- قالت: ''كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل افتتح صلاته: اللهم رب جبرائيل، وميكائيل، وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، أهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم''، رواه مسلم / ١٢ فتح..
﴿ ولو أن للذين ظلموا ﴾ : وهم المشركون، ﴿ ما في الأرض ﴾، اسم أن، ﴿ جميعا ومثله معه لافتدوا به ﴾ : أي بمجموع ما في الأرض، والمثل، ﴿ من سوء العذاب يوم القيامة وبدا ﴾ : ظهر، ﴿ لهم من الله ما لم يكونوا يحتبسون ﴾ : ما لم يخطر ببالهم من الوبال والنكال.
﴿ وبدا لهم سيئات ما كسبوا ﴾، أراد بالسيئات أنواع العذاب، كأنه قيل : سيئات سيئاتهم، نحو جزاء سيئة سيئة، أو معناه ظهر لهم سيئات أعمالهم التي كانت خافية عليهم، حين تعرض صحائفهم، كما قال الله تعالى :﴿ أحصاه الله ونسوه ﴾ ( المجادلة : ٦ )، ﴿ وحاق ﴾ : أحاط، ﴿ بهم ما كانوا به يستهزئون ﴾، أي : جزاؤه.
﴿ فإذا مس الإنسان ﴾، أي : جنسه باعتبار الغالب، ﴿ ضرّ دعانا ﴾، عطف على قوله :﴿ وإذا ذكر الله وحده ﴾ بالفاء ليدل على التسبب، والدلالة على تعكيس الكافر الأمر، وجعله ما هو أبعد الأشياء عن الالتجاء وسيلة إليه، كأنه قال : هم مشمئزون عند ذكر الله تعالى وحده، ومستبشرون بذكر آلهتهم، فإذا مس أحدهم مصيبة دعا من اشمئز من ذكره، وترك من استبشر به، وما بين المعطوفين أعني، قوله :﴿ قل اللهم ﴾ إلى قوله تعالى :﴿ يستهزئون ﴾اعتراض مؤكد لإنكار ذلك عليهم، ( ثم إذا خوّلناه } : أعطيناه، ﴿ نعمة منا ﴾ : تفضلا، ﴿ قال إنما أوتيته ﴾، أي : شيئا من النعمة، ﴿ على علم ﴾، أي : على علم مني بأني سأعطيه لاستحقاقي، أو على علم من الله تعالى باستحقاقي، ولولا أني عند الله حقيق ما خولني هذا، فهو حال من أحد معمولي أوتيته، أو خبر، إن جعلت ما موصولة لا كافة، أو معناه أوتيته على خير وفضل عندي، كقولك : أنعمت عليك على كمالك أي : هو السبب، ﴿ بل هي١فتنة ﴾ : اختبار، أيشكر، أو يكفر ؟ ﴿ ولكن أكثرهم لا يعلمون ﴾، أنها امتحان.
١ أنت الضمير بعد ما ذكّره لتأنيث خبره / ١٢..
﴿ قد قالها ﴾، أي : هذه المقالة، وهي ''إنما أوتيته على علم'' ﴿ الذين كمن قبلهم ﴾ الأمم السالفة، كقارون قال :﴿ إنما أوتيته على علم عندي ﴾ ( القصص : ٧٨ )، ﴿ فما أغنى عنهم ﴾ : عن عذاب الله تعالى، ﴿ ما كانوا يكسبون ﴾، أي : من أموال الدنيا، أو من أعمالهم وعقائدهم.
﴿ فأصابهم سيئات ﴾، أي : وبال، ﴿ ما كسبوا ﴾، أو جزاء سيئات ما كسبوا، ﴿ والذين ظلموا من هؤلاء ﴾، مشركي قريش، ومن البيان، ﴿ سيصيبهم سيئات ما كسبوا وما هم بمعجزين ﴾ : بفائتين.
﴿ أو لم يعلموا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ﴾ : ويقتر على من يشاء، ﴿ إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون ﴾، بأن الكل من الله تعالى.
﴿ قل١ يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم ﴾ : بارتكاب المعاصي، أي معصية كانت، ﴿ لا تقنطوا ﴾ : لا تيأسوا، ﴿ من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا ﴾، يعني : ليس ذنب لا يمكن أن تتعلق به مغفرة الله تعالى، لكن جرت عادة الله تعالى أنه لا يغفر الشرك من غير توبة، أما سائر المعاصي فيغفر مع التوبة٢ بتّا وبدونها إن أراد، وما نقل من أسباب نزول تلك الآية لا يدل على خلاف ما فسرناها به مع أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، كيف وقد وردت بيانا لسعة رحمته تعالى، مع تعليل النهي عن القنوط بأنه يغفر الذنوب بصيغة الجمع مع التأكيد، نزلت في أناس من المشركين حين قالوا : إن ما توعدونا إليه يا محمد لحسن، لو تخبرنا أن لما علمنا كفارة، أو نزلت في وحشي قاتل حمزة رضي الله عنه، أو في جماعة من المرتدين، وعن بعض السلف : إن الله تعالى لما سلط إبليس على آدم عليه السلام، شكى آدم ربه فقال الله تعالى :" لا يولد لك ولد إلا وكلت به من يحفظه من قرناء السوء فقال : يا رب زدني، فقال : الحسنة بعشر، والسيئة بمثلها، أو أمحوها، قال : زدني، قال : باب التوبة مفتوح ما كان الروح في الجسد، قال : يا رب زدني فقال :﴿ يا عبادي الذين أسرفوا ﴾ الآية، ﴿ إنه هو الغفور الرحيم ﴾
١ ولما شدد على الكفار، وبين ما أعد لهم من العذاب، وأنهم لو كان لأحدهم ملأ الأرض، ومثله معه لافتدوا به، أخذ يبين من إحسانه الكامل، والعناية، وأنهم إن رجعوا وتابوا، رجع عليهم بالعناية والقبول، لئلا يقنطوا من رحمته، فقال: ﴿قل يا عبادي الذين أسرفوا﴾ الآية / ١٢ وجيز..
٢ وفي الفتح: أما ما يزعمه جماعة من المفسرين، من تقييد هذه الآية، بالتوبة جمعا بين هذه الآية، وبين ﴿يغفر ما دون ذلك لمن يشاء﴾ (النساء: ٤٨، ١١٦) فهو جمع بين الضب والنون، وبين الملاح والحادي، وعلى نفسها براقش تجنى، ولو كانت هذه البشارة العظيمة مقيدة بالتوبة، لم يكن لها كثير موقع، فإن التوبة من الشرك أيضا مقبولة، فلو كانت التوبة قيد في المغفرة، لم يكن للتنصيص على الشرك فائدة، وقد قال تعالى: ﴿إن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم﴾ (الرعد: ٦) قال الواحدي: المفسرون كلهم قالوا: إن هذه الآية في قوم خافوا، إن أسلموا لا يغفر لهم ما جنوا من الذنوب العظام كالشرك، وقتل النفس، ومعاداة النبي - صلى الله عليه وسلم- قلت: هب أنها في هؤلاء القوم فكان ماذا، فإن الاعتبار للعموم لا لخصوص السبب، كما هو متفق عليه بين أهل العلم، ولو كانت الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية مقيدة بأسبابها، غير متجاوزة لها لارتفعت أكثر التكاليف عن الأمة، إن لم ترفع كلها، واللازم باطل بالإجماع فالملزوم مثله، وفي الصحيحين وغيرهما، من أحاديث الباب ما لو عرفه المطلع عليه حق معرفته، علم صحة ما ذكرناه، وعرف حقية ما حررناه، قاله الشوكاني، وأيضا قال: يمكن أن يقال: إن إخباره لنا بأنه يغفر الذنوب جميعا، يدل على أنه يشاء غفرانها جميعا، وذلك يستلزم أنه يشاء المغفرة بكل المذنبين من المسلمين، فلم يبق بين الآيتين تعارض من هذه الحيثية / ١٢.
في شرح السنة، بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إلى قاتل حمزة، يدعوه إلى الإسلام، فأرسل إليه يا محمد كيف تدعوني، وأنت تزعم أن من قتل أو أشرك أو زنا، ''يلق آثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة، ويخلد فيه مهانا'' وأنا صنعت ذلك، فهل تجد لي من في رخصة؟ فأنزل الله تعالى: ﴿إلا من تاب وآمن وعمل صالحا﴾ (مريم: ٦٠، الفرقان: ٧٠)، فقال الوحشي: هذا شرط شديد، فهل غير ذلك؟ فأنزل الله: ﴿إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء﴾ (النساء ٤٨، ١١٦)، فقال وحشي: هذا أرى بعد في مشيئته فلا أدري أيغفر لي أم لا هل غير هذا؟ فأنزل الله ﴿قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم﴾، الآية، قال وحشي: هذا نعم، فأسلم، فقال الناس: يا رسول الله إنا أصبنا ما أصاب وحشي، فقال: هي للمسلمين عامة / ١٢ وجيز، وقال السيوطي: أخرجه الطبراني وابن مردويه والبيهقي بسند لين / ١٢. [وذكره الهيثمي في ''المجمع'' (٧/ ١٠٠، ١٠١) وقال: ''رواه الطبراني في الأوسط، وفيه أبين ابن سفين ضعفه الذهبي''.].

﴿ وأنيبوا١ ارجعوا، ﴿ إلى ربكم ﴾، تحريض بالتوبة فإنها جاعلة للمعاصي كالعدم، موثوق معها بالنجاة، ﴿ وأسلموا له ﴾ : أطيعوا، ﴿ من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون ﴾، الآية نزلت في شأن الكفار.
١ ولما كانت في الآية فسحة عظيمة، ولهذا قيل: هي أرجى آية في القرآن، إذ أعاد الاسم الأعظم، وأكد الجملة بأن، ثم وصف نفسه بصيغتي المبالغة، وأكد بما هو مقتض للحصر، أتبعها بأن الإنابة مطلوبة مأمور بها، وتوعد من لم ينب، حتى لا يبقى المرء كالمهل من الطاعة، والمتكل على الغفران من دون إنابة، فقال: ﴿وأنيبوا إلى ربكم﴾ الآية / ١٢ وجيز..
﴿ واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم ﴾، أي : القرآن فإنه أحسن من جميع الكتب السماوية، قيل : الأحسن العزائم دون الرخص، أي : اتبعوا ما هو أنجى، ﴿ من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة ﴾، حال أو مصدر، ﴿ وأنتم لا تشعرون ﴾، بمجيئه فتداركون، أو فيكون أشد.
﴿ أن تقول ﴾، أي : أنذركم، وآمركم، وأرشدكم باتباع الأحسن، كراهة أن تقول، ﴿ نفس ﴾، أي : بعض النفوس وهي النفس الكافرة، أو تقول هي عام لأنها في سياق النفي معنى لأن، معناه لئلا تقول نفس، ﴿ يا حسرتي ﴾، أي : أقبلي فهذا أوانك، ﴿ على ما فرّطت ﴾ : قصرت، ﴿ في جنب الله ﴾ : جانبه أي : حقه أي : طاعته، وقيل في قربه، ﴿ وإن كنت ﴾، إن هي المخففة، والواو للحال، ﴿ لمن الساخرين ﴾ : المستهزئين بدينه.
﴿ أو تقول لو أن الله هداني ﴾ : علمني الخير، وأرشدني، ﴿ لكنت من المتقين أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرّة ﴾ : رجعة إلى الدنيا، ولو للتمني، ﴿ فأكون من المحسنين ﴾، في العقائد، والأعمال، وأو للدلالة على أنه لا يخلو من هذه الأقوال، ولا يبعد أن يقال : أن تقول بدل اشتمال من أن يأتيكم العذاب، أي : من قبل أن تقول نفس إلخ، وقد رأيته منقولا عن بعض أئمة النحاة.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٥٧:﴿ أو تقول لو أن الله هداني ﴾ : علمني الخير، وأرشدني، ﴿ لكنت من المتقين أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرّة ﴾ : رجعة إلى الدنيا، ولو للتمني، ﴿ فأكون من المحسنين ﴾، في العقائد، والأعمال، وأو للدلالة على أنه لا يخلو من هذه الأقوال، ولا يبعد أن يقال : أن تقول بدل اشتمال من أن يأتيكم العذاب، أي : من قبل أن تقول نفس إلخ، وقد رأيته منقولا عن بعض أئمة النحاة.
﴿ بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكافرين ﴾، رد لما تضمنه قوله :﴿ لو أن الله هداني ﴾، من معنى النفي، وفصل بين الجواب وهو يلي، وبين ما هو جواب له وهو لو أن الله هداني، لئلا ينتثر النظم الحاصل بالجمع بين القرائن الثلاث بتخلل شيء بينها، ولئلا يقدم في الكلام ما هو مؤخر١ في الوجود، فإن تمني الرجعة آخر الأمر.
١ فإنه صدر عنهم أولا: يا حسرتا، ثم لو أن الله هداني ثانيا، ثم أن لي كرة آخر الأمر / ١٢ وجيز..
﴿ ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله ﴾، كإضافة الولد والشريك إليه تعالى، ﴿ وجوههم مسودة ﴾، جملة١ تفسيرية إيضاحا للمقصود مما وقعت الرؤية عليه، ﴿ أليس في جهنم مثوى ﴾ : مقام، ﴿ للمتكبرين ﴾، عن طاعة الله تعالى.
١ وفي الوجيز جملة حالية، وترى من رؤية البصر، والجملة الاسمية المشتملة على ضمير ذي الحال ليس بشاذ على الأصح / ١٢ وجيز..
﴿ وينجّي الله الذين اتقوا بمفازتهم ﴾، أي : بسبب فلاحهم وسعادتهم، أو متلبسين بفلاحهم، ﴿ لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون ﴾، يوم القيامة عند الفزع الأكبر، جملة مستأنفة على الوجه الأول، ومبينة للفلاح على الثاني.
﴿ الله خالق كل شيء ﴾ : أي : كل ما هو موجود في زمان، ﴿ وهو على كل شيء وكيل ﴾، فهو المتصرف فيه.
﴿ له مقاليد١ مفاتيح وأصل الكلمة فارسية٢، أي : أو خزائن، ﴿ السماوات والأرض ﴾، يعني : أزمّة جميع الأمور بيده، ﴿ والذين كفروا بآيات الله ﴾ : وجحدوا وحدته وتفرد تصرفه، ﴿ أولئك هم الخاسرون ﴾.
١ جمع إقليد معرب إكليد على الشذوذ كذاكير/ ١٢ كمالين..
٢ كما أخرج الفرياني، وابن جرير عن مجاهد/ ١٢ در منثور..
﴿ قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون ﴾، نصب غير بأعبد، وتعلق أعبد بتأمرني على وجه المفعولية، أي : أن أعبد، فحذف أو ورفع المضارع، لكن هذا عند من يجوز تقديم معمول ما بعد أن، عند حذف سيما، إذا زال أثره الذي هو النصب، وأما عند من لم يجوز التقديم أو لم يجوز حذف، أن، بحيث لا يبقى أثره، فنصبه إما بما يتضمنه مجموع تأمروني أن أعبد من معنى الفعل، أي : أفغير الله تعبدونني، وتجعلونني عابدا بمعنى تقولون لي : اعبد، وإما بأعبد، لكن ''تأمروني'' اعتراض بين المعمول، والعامل غير متعلق بأعبد ليحتاج إلى تقدير إن نزلت حين قالوا : استلم بعض آلهتنا فنعبد إلهك.
﴿ ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك ﴾ : من الرسل، ﴿ ولئن أشركت ﴾ إفراد الخطاب باعتبار كل واحد، أي : أوحى إليك وإلى كل واحد منهم، لئن أشركت، ﴿ ليحبطنّ عملك ولتكونن من الخاسرين ﴾ المراد : خسران الآخرة بشرط الموت على الردة، أي : أشركت وبقيت على الشرك، أو المراد : خسران حبوط العمل، وهو حاصل بكل حال، أو الحكم مختص بالأنبياء فإن شركهم لا شك أقبح، وهذا خطاب مع الأنبياء، والمراد منه غيرهم، أو كلام على سبيل الفرض، وفائدته تهييج الرسل وإقناط الكفرة، وأدب للأنبياء، وتهديد للأمة.
﴿ بل الله فاعبد ﴾، يعني : لا تعبد ما أمروك، بل اعبدوه وحده، فهو ردّ لما أمروه به، ونصبه بفعل يفسره ما بعده عند من لم يجوز تقديم ما في حيز الفاء، ﴿ وكن من الشاكرين ﴾، لإنعامه عليك.
﴿ وما قدروا١ الله ﴾ أي : عظمته في أنفسهم، ﴿ حق قدره ﴾ : حق تعظيمه حيث جعلوا له شريكا، ﴿ والأرض جميعا قبضته يوم القيامة ﴾، هذا إخبار عن عظمته، وسهولة الأفعال العظام في جنب قدرته، والقبضة من القبض، مصدر بمعنى المقبوضة، أو تقديره : ذات قبضته، وجميعا حال من المستتر في قبضته إذا قلنا : إنها بمعنى مقبوضته، أو من العامل المحذوف على طريق الحال المؤكدة، أي : والأرض أعنيها، أو أثبتها مجموعة ذات قبضته، وهو تأكيد لشمول الإفراد، أي : الأرضون السبع، أو لشمول الأجزاء، ونحن على طريقة السلف لا نأول اليد، والقبضة، والأصبع، ونؤمن بها، ونكل علمها إلى الله سبحانه وتعالى وهي أقرب من السلامة، وأبعد من الملامة، ﴿ والسموات مطويات ﴾، من الطي، الذي هو ضد النشر، ﴿ بيمينه ﴾، متعلق بمطويات، وفي الحديث٢ ( يقبض الله الأرض يوم القيامة، ويطوي السماء بيمينه، ثم يقول أنا الملك، أين ملوك الأرض ؟ )، ﴿ سبحانه وتعالى عما يشركون ﴾، ما أبعد وأعلا من هذه قدرته، عما ينسب إليه من الشركاء، أو عن إشراكهم.
١ قوله تعالى: ﴿وما قدروا الله﴾ الآية، أخرج سعيد بن منصور، وأحمد وعبد الرحمان بن حميد، والبخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وابن جرير، وابن المنذر، والدارقطني في الصفات، وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات، عن ابن مسعود قال: جاء حبر من الأحبار إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فقال: يا محمد، إنا نجد أن الله يحمل السموات ويوم القيامة على إصبع، والأرضين على إصبع، والشجر على إصبع والماء والثرى على إصبع، وسائر الخلق على إصبع فيقول: أنا الملك، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه، تصديقا لقول الحبر، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ﴿وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة﴾، ووقع هذا الحديث في صحيح البخاري.
وأخرج أحمد والترمذي وصححه، وابن جرير وابن مردويه، والبيهقي عن ابن عباس، قال: مر يهودي برسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو جالس قال: كيف تقول يا أبا وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: ما في السموات السبع والأرضين السبع في يد الله عز وجل إلا كخردلة في يد أحدكم، وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن أبي ذر قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتدري ما الكرسي؟، فقلت: لا، قال: ما السماوات والأرض، وما فيهن في الكرسي، إلا كحلقة ألقاها ملق في أرض فلاة، وما الكرسي في العرش إلا كحلقة ألقاها في أرض فلاة وما العرش في الماء إلا كحلقة ألقاها ملق في أرض فلاة، وما الماء في الريح إلا كحلقة ألقاها ملق في أرض فلاة، وما جميع ذلك في قبضة الله عز وجل إلا كالحبة، أو أصغر من الحبة في كف أحدكم، وذلك قوله: ﴿والأرض جميعا قبضته يوم القيامة﴾/ ١٢ در منثور مع اختصار..

٢ كما في صحيح مسلم (وهو في البخاري أيضا) / ١٢ وجيز..
﴿ ونُفخ في الصور ﴾ : هي النفخة الثانية، إذ النفخة الأولى ريح باردة١ من قبل الشام، فيموت كل من في قلبه مثقال ذرة من الإيمان، ويبقى شرار الناس يعبدون الأوثان في رغد من العيش، ثم ينفخ في الصور، ﴿ فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من٢ شاء الله ﴾المراد : بعض الملائكة المقربين فإنهم لا يصعقون عند هذه النفخة، بل يقبض الله تعالى أرواحهم بعدها، حتى يكون آخر من يموت ملك الموت، فلا يبقى إلا الله تعالى، فيقول : لمن الملك اليوم ؟، ثلاث مرات، ثم يجيب نفسه بنفسه، فيقول : لله الواحد القهار، وقد ورد في حديث٣ أن المراد منهم الشهداء، فإنهم متقلدون أسيافهم حول عرشه، وقد مر في سورة النمل، ﴿ ثم نفخ فيه ﴾ : في الصور، ﴿ أخرى ﴾، مرفوع بأنه فاعل نفخ كما يقال : جاءتني أخرى، أو منصوب بمصدر أي : نفخة أخرى، ونفخ مسند إلى الجار والمجرور، ﴿ فإذا هم قيام ﴾ : قائمون من مهلكهم، ﴿ ينظرون ﴾ إلى الجوانب كما كانوا قبل ذلك، أو ينتظرون أمر الله تعالى فيهم،
١ كما في الأحاديث المعتمدة / ١٢ وجيز. (وهو في البخاري أيضا)..
٢ أخرج أحمد، وعند ابن الحميد، والبخاري، ومسلم، والترمذي، وابن ماجة، وابن جرير، وابن مردويه عن أبي هريرة قال: قال رجل من اليهود بسوق المدينة: والذي اصطفى موسى على البشر، فرفع رجل من الأنصار يده فلطمه، وقال: أتقول هذا وفينا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم؟ فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: "قال الله: ﴿ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون﴾ فأكون أول من يرفع رأسه، فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش، فلا أدري أرفع رأسه قبلي أو كان ممن استثنى الله'' / ١٢ در منثور.
وعن قتادة في الآية قال: ما يبقى أحد إلا مات، وقد استثنى والله أعلم بثناياه، نقله السيوطي في الدر المنثور، وعزاه إلى عبد الرزاق، وعبد ابن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم / ١٢..

٣ قال الشيخ عماد الدين ابن كثير: رواة الحديث كلهم ثقات إلا واحد منهم فإنه غير معروف/ ١٢ منه. [والحديث أخرجه أبو يعلى والدارقطني في الأفراد وابن المنذر والحاكم كما في الدر المنثور (٥/ ٦٣٠)]..
﴿ وأشرقت١ الأرض ﴾ : أضاءت أرض القيامة، ﴿ بنور ربها ﴾، الذي خلقها من غير وساطة جرم، وذلك حين تجليه سبحانه للخلق لفصل القضاء، أو معناه أضاءت بما يقام فيها من العدل كقولك : أضاءت الدنيا بقسطك، ﴿ ووُضع الكتاب ﴾ : كتاب الأعمال للجزاء، واكتفى باسم الجنس، ﴿ وجيء بالنبيين ﴾، يشهدون على الأمم، أنهم بلغوهم رسالة الله تعالى، ﴿ والشهداء ﴾، من الملائكة، الحفظة على أعمال العباد، أو الذين يشهدون للرسل بالتبليغ، وهم أمة محمد عليه الصلاة والسلام، ﴿ وقُضي بينهم بالحق ﴾ : بالعدل، ولكل من الظرفين صلاحية أن يقوم مقام الفاعل، ﴿ وهم لا يظلمون ﴾ : فلا يزاد في سيئاتهم، ولا ينقص من حسناتهم.
١ أخرج عبد ابن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن قتادة ''وأشرقت الأرض بنور ربها'' قال: فيما يتضارون في نوره إلا كما يتضارون في اليوم الصحو الذي لا دخن فيه، ''وجيء بالنبيين والشهداء'' قال: الذين استشهدوا / ١٢ منثور..
﴿ ووُفّيت كل نفس ما عملت ﴾، أي : جزاءه، ﴿ وهو أعلم بما يفعلون ﴾، فلا يفوته شيء مما عملوا.
﴿ وسيق الذين كفروا إلى جهنم ﴾، كما يفعل بالأسارى يساقون إلى حبس١ وقتل، ﴿ زمرا ﴾ : أفواجا، بعضها على إثر بعض، ﴿ حتى إذا جاءوها فُتحت أبوابها ﴾ : السبعة التي كانت مغلقة قبل ذلك، ﴿ وقال لهم خزنتها ﴾، توبيخا وتنكيلا، ﴿ ألم يأتيكم رسل منكم ﴾ : من جنسكم، ﴿ يتلون عليكم آيات ربكم وينذروكم لقاء يومكم هذا ﴾، أي وقتكم هذا، أو وقت دخولهم النار، ﴿ قالوا بلى ولكن حقت ﴾ : وجبت، ﴿ كلمة العذاب ﴾، في قوله :﴿ لأملأن جهنم من الجنة والناس ﴾ ( هود : ١١٩ )، أو المراد حكم الله تعالى بشقاوتهم، ﴿ على الكافرين ﴾، من وضع المظهر بدل المضمر، أي : علينا.
١ فإن السوق يقتضي الحث على السير بعنف / ١٢ وجيز..
﴿ قيل ادخلوا أبواب جهنم خالدين ﴾، حال مقدرة، ﴿ فيها فبئس مثوى المتكبرين ﴾ : جهنم.
﴿ وسيق الذين اتقوا ربهم ﴾، أي : عن الكفر به، ويشعر به مقابلته بالذين كفروا، وذلك الإسراع بهم إلى النعيم، والمراد سوق١ مراكبهم، ﴿ إلى الجنة زمرا ﴾ : فوجا بعد فوج على تفاوت رتبتهم في الشرف، ﴿ حتى إذا جاءوها وفُتحت أبوابها ﴾ : الثمانية، قيل : الواو للحال، أي : وقد فتحت، فهو يدل على أنها كانت مفتحة قبل مجيئهم، بخلاف أبواب جهنم، ﴿ وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم ﴾ : طاب لكم المقام، أو طهرتم من خبث الخطايا، أو كنتم طيبين في الدنيا، ﴿ فادخلوها خالدين ﴾، أي : مقدرين الخلود، وحذف جواب إذا، إشارة إلى أنه شيء لا يحيط به الوصف، كأنه قال : إذا جاءوها، وكذا وكذا سعدوا وفازوا وفرحوا.
١ كما ورد في الأحاديث الصحيحة / ١٢ وجيز..
﴿ وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده ﴾ : بالثواب، ﴿ وأورثنا الأرض ﴾، أي : أرض الجنة، نتصرف فيها تصرف الوارث لميراثه، فإن ملكية الميراث أتم، ﴿ نتبوأ من الجنة حيث نشاء ﴾ : ننزل حيث نريد، وقد أغنى الله تعالى كلا منهم عن منازل غيرهم، ﴿ فنعم أجر العاملين ﴾ : الجنة.
﴿ وترى الملائكة حافّين ﴾ : محيطين، وهو حال ؛ لأن ترى من رؤية البصر، ﴿ من حول العرش ﴾، قيل : مزيدة، وقيل متعلق بترى، وقيل لابتداء الغاية، ﴿ يسبحون بحمد ربهم ﴾، أي : متلبسين بحمده تسبيح تلذذ لا تعبد، ﴿ وقضي بينهم ﴾ : بين الخلائق، ﴿ بالحق ﴾ : بالعدل، ﴿ وقيل الحمد لله رب١ العالمين ﴾ : على عدله، القائل الملائكة، أو المؤمنون وأما إذا كان القائل بالحمد حينئذ المؤمنين، والكافرين، ولهذا لم يسند إلى قائل، فحمد الكافر لمعاينة عدله، كما ترى ظالما استوفى عادل منه حق جنايته، يأخذ في مدح العادل التكرار من المؤمنين، فالحمد الأول : على صدق الوعد، وإيراث الجنة، والثاني : على القضاء بالحق.
والحمد لله رب العالمين.
١ ومن هذه الآية جعلت الحمد لله رب العالمين، خاتمة المجالس في العالم، والحمد لله رب العالمين / ١٢ وجيز..
Icon