ﰡ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة يوسف (١٢) : الآيات ١ الى ٣]بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ (١) إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٢) نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ (٣)١- الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ:
الر ألف، لام، راء، تلك الحروف وأمثالها يتكون منها كلامكم أيها العرب، هى التي تتكون منها آيات الكتاب المعجز بكل ما فيه.
تِلْكَ اشارة الى آيات السورة.
الْكِتابِ الْمُبِينِ السورة، أي تلك الآيات التي أنزلت إليك فى هذه السورة آيات السورة الظاهر أمرها فى اعجاز العرب وتبكيتهم، أو التي تبين لمن تدبرها أنها من عند الله لا من عند البشر، أو الواضحة التي لا تشتبه على العرب معانيها. أو قد أبين فيها ما سألت عنه اليهود من قصه يوسف.
٢- إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ:
إِنَّا أَنْزَلْناهُ أنزلنا هذا الكتاب.
قُرْآناً عَرَبِيًّا سمى بعض القرآن قرآنا، لأن القرآن اسم جنس يقع على كله وبعضه.
لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ارادة أن تفهموه بمعانيه ولا يلتبس عليكم.
٣- نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ:
الْقَصَصِ مصدر بمعنى الاقتصاص. ويجوز أن يكون تسمية المفعول بالمصدر.
وَإِنْ كُنْتَ ان، مخففة من الثقيلة. واللام، فى لَمِنَ الْغافِلِينَ هى التي تفرق بينها وبين النافية.
مِنْ قَبْلِهِ الضمير راجع الى قوله بِما أَوْحَيْنا.
والمعنى: وان الشأن والحديث كنت من قبل ايحائنا إليك من الغافلين عنه، ما كان لك فيه علم قط، ولا طرق سمعك طرف منه.
[سورة يوسف (١٢) : الآيات ٤ الى ٦]
إِذْ قالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ (٤) قالَ يا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ (٥) وَكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلى آلِ يَعْقُوبَ كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٦)
٤- إِذْ قالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ:
إِذْ قالَ يُوسُفُ بدل من أَحْسَنَ الْقَصَصِ وهو من بدل الاشتمال، لأن الوقت مشتمل على القصص، وهو المقصوص، فاذا قص وقته فقد قصه. أو بإضمار: اذكر.
يا أَبَتِ التاء تاء التأنيث وقعت عوضا عن ياء الاضافة. والدليل على أنها تاء التأنيث قلبها هاء فى الوقف.
رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ كأنه سؤال عن حال رؤية الكواكب الأحد عشر. وأجريت مجرى العقلاء، لأنه لما وصفها بما هو خاص بالعقلاء، وهو السجود، أجرى عليها حكمهم، كأنها عاقلة.
٥- قالَ يا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ:
فَيَكِيدُوا منصوب بإضمار (أن).
عَدُوٌّ مُبِينٌ ظاهر العداوة لما فعل بآدم وحواء.
٦- وَكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلى آلِ يَعْقُوبَ كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ:
يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ أي وكما اجتباك لمثل هذه الرؤيا العظيمة، كذلك يجتبيك ربك لأمور عظام.
وَيُعَلِّمُكَ كلام مبتدأ غير داخل فى حكم التشبيه.
أَبَوَيْكَ أي الأب والجد.
إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ عطف بيان لقوله أَبَوَيْكَ.
إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ يعلم من يحق له الاجتباء.
حَكِيمٌ لا يتم نعمته الا على من يستحقها.
[سورة يوسف (١٢) : الآيات ٧ الى ٩]
لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آياتٌ لِلسَّائِلِينَ (٧) إِذْ قالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٨) اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صالِحِينَ (٩)
٧- لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آياتٌ لِلسَّائِلِينَ:
فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ أي فى قصتهم وحديثهم.
آياتٌ علامات ودلائل على قدرة الله وحكمته فى كل شىء.
لِلسَّائِلِينَ لمن سأل عن قصتهم وعرفها.
٨- إِذْ قالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ:
لَيُوسُفُ اللام، للابتداء، وفيها تأكيد وتحقيق مضمون الجملة.
وَأَخُوهُ بنيامين، وانما قالوا: أخوه، وهم جميعا اخوته، لأن أمهما كانت واحدة.
أَحَبُّ على الافراد، لأن (أفعل) لا يفرق فيه بين الواحد وما فوقه، ولا بين المذكر والمؤنث إذا كان معه (من). ولا بد من الفرق مع لام التعريف. وإذا أضيف جاز الأمران.
وَنَحْنُ عُصْبَةٌ الواو واو الحال.
إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ أي فى ذهاب عن طريق الصواب فى ذلك.
٩- اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صالِحِينَ:
لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ.
أَرْضاً منكرة مجهولة بعيدة من العمران.
يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ يقبل عليكم اقبالة واحدة لا يلتفت عنكم الى غيركم، أو يفرغ لكم من الشغل بيوسف.
مِنْ بَعْدِهِ من بعد يوسف، أو يرجع الضمير الى مصدر اقْتُلُوا أو (اطرحوا).
قَوْماً صالِحِينَ تائبين الى الله مما جنيتم عليه. أو يصلح ما بينكم وبين أبيكم بعذر تمهدونه. أو تصلح دنياكم وتنتظم أموركم بعده بخلو وجه أبيكم.
وَتَكُونُوا مجزوم عطفا على يَخْلُ لَكُمْ أو منصوب بإضمار (أن) والواو بمعنى: مع.
[سورة يوسف (١٢) : الآيات ١٠ الى ١٢]
قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ (١٠) قالُوا يا أَبانا ما لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَناصِحُونَ (١١) أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (١٢)
١٠- قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ:
قائِلٌ مِنْهُمْ وهو يهوذا.
فِي غَيابَتِ الْجُبِّ فى غوره وما غاب منه عن عين الناظر وأظلم من أسفله.
يَلْتَقِطْهُ يأخذه.
بَعْضُ السَّيَّارَةِ بعض الأقوام الذين يسيرون فى الطريق.
إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ ان كنتم على أن تفعلوا ما يحصل به غرضكم.
١١- قالُوا يا أَبانا ما لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَناصِحُونَ:
أي لم تخافنا عليه ونحن نريد له الخير ونحبه ونشفق عليه.
١٢- أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ:
[سورة يوسف (١٢) : الآيات ١٣ الى ١٦]
قالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غافِلُونَ (١٣) قالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذاً لَخاسِرُونَ (١٤) فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (١٥) وَجاؤُ أَباهُمْ عِشاءً يَبْكُونَ (١٦)
١٣- قالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غافِلُونَ:
لَيَحْزُنُنِي اللام لام الابتداء.
يعنى أن ذهابهم به ومفارقته إياه مما يحزنه، لأنه كان لا يصبر ساعة، وكذا خوفه عليه من عدوة الذئب إذا غفلوا عنه.
١٤- قالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذاً لَخاسِرُونَ:
لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ القسم محذوف، تقديره والله. واللام موطئة للقسم.
إِنَّا إِذاً لَخاسِرُونَ جواب للقسم مجزىء عن جواب الشرط.
وَنَحْنُ عُصْبَةٌ واو الحال.
إِنَّا إِذاً لَخاسِرُونَ لهالكون ضعفا وخورا وعجزا، أو مستحقون أن نهلك لأنه لا غناء عندنا ولا جدوى فى حياتنا، أو مستحقون لأن يدعى عليهم بالخسارة والدمار.
١٥- فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ:
أَنْ يَجْعَلُوهُ مفعول أَجْمَعُوا.
وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا أي انه أوحى اليه أنه سيلقاهم ويوبخهم على ما صنعوا، وهذا قبل القائه فى الجب، تقوية لقلبه وتبشيرا له بالسلامة.
وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ أنك يوسف، لعلو شأنك، حين دخلوا عليه فى مصر ممتارين فعرفهم وهم له منكرون.
١٦- وَجاؤُ أَباهُمْ عِشاءً يَبْكُونَ:
عِشاءً ليلا.
[سورة يوسف (١٢) : الآيات ١٧ الى ١٩]
قالُوا يا أَبانا إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ (١٧) وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ (١٨) وَجاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وارِدَهُمْ فَأَدْلى دَلْوَهُ قالَ يا بُشْرى هذا غُلامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضاعَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِما يَعْمَلُونَ (١٩)١٧- قالُوا يا أَبانا إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ:
نَسْتَبِقُ نتسابق.
بِمُؤْمِنٍ لَنا بمصدق لنا.
وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ ولو كنا عندك من أهل الصدق والثقة لشدة محبتك ليوسف، فكيف لا وأنت سيىء الظن بنا، غير واثق بقولنا.
١٨- وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ:
بِدَمٍ كَذِبٍ ذى كذب، أو وصف بالمصدر مبالغة كأنه نفس الكذب وعينه.
سَوَّلَتْ سهلت.
أَمْراً عظيما ارتكبتموه من يوسف.
فَصَبْرٌ جَمِيلٌ خبر، أي فأمرى صبر جميل، أو خبر لكونه موصوفا، أي فصبر جميل أمثل.
وَاللَّهُ الْمُسْتَعانُ أي أستعينه.
عَلى ما تَصِفُونَ على احتمال ما تصفون من هلاك يوسف.
١٩- وَجاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وارِدَهُمْ فَأَدْلى دَلْوَهُ قالَ يا بُشْرى هذا غُلامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضاعَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِما يَعْمَلُونَ:
وَجاءَتْ سَيَّارَةٌ رفقة تسير من قبل مدين الى مصر.
فَأَرْسَلُوا وارِدَهُمْ الوارد الذي يرد الماء ليستقى للقوم.
يا بُشْرى هذا غُلامٌ نادى البشرى، كأنه يقول: تعالى فهذا من آونتك، وقيل: ذهب به فلما دنا من أصحابه صاح بذلك يبشرهم به.
وقرىء: يا بشراى، من إضافته الى نفسه.
بِضاعَةً نصب على الحال، أي أخفوه متاعا للتجارة.
وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِما يَعْمَلُونَ لم تخف عليه أسرارهم.
[سورة يوسف (١٢) : الآيات ٢٠ الى ٢١]
وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ (٢٠) وَقالَ الَّذِي اشْتَراهُ مِنْ مِصْرَ لامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْواهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ وَاللَّهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٢١)
٢٠- وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ:
وَشَرَوْهُ وباعوه.
بِثَمَنٍ بَخْسٍ مبخوس ناقص عن القيمة.
دَراهِمَ لا دنانير.
مَعْدُودَةٍ قليلة تعد عدا.
وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ ممن يرغب عما فى يده فيبيعه بما قل من الثمن.
٢١- وَقالَ الَّذِي اشْتَراهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْواهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ وَاللَّهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ
أَكْرِمِي مَثْواهُ اجعلي نزله ومقامه عندنا كريما.
وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ الاشارة الى ما تقدم من إنجائه، أي كما أنجيناه كذلك مكنا له فى أرض مصر.
وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ أي كان ذلك الإنجاء والتمكين لأن غرضنا ليس الا ما تحمد عقباه من علم وعمل.
وَاللَّهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ أي على أمر نفسه لا يمنع عما يشاء ولا ينازع ما يريد ويقضى. أو على أمر يوسف يدبره لا يكله الى غيره، قد أراد به اخوته ما أرادوا، ولم يكن الا ما أراد الله ودبره.
وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ أن الأمر كله بيد الله.
[سورة يوسف (١٢) : الآيات ٢٢ الى ٢٤]
وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٢٢) وَراوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ قالَ مَعاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (٢٣) وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ (٢٤)٢٢- وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ:
أَشُدَّهُ الأشد: بلوغ الحلم.
حُكْماً، حكمة، وهو العلم بالعمل واجتناب ما يجهل فيه. أو حكما بين الناس وفقها.
وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ تنبيه على أنه كان محسنا فى عمله، متقيا فى عنفوان أمره وأن الله آتاه الحكم والعلم جزاء على إحسانه.
٢٣- وَراوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ قالَ مَعاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ:
هَيْتَ لَكَ هلم وأقبل وتعال. وهذا الفعل لا مصدر له ولا تصريف.
مَعاذَ اللَّهِ أعوذ بالله معاذا.
إِنَّهُ ان الشأن والحديث.
رَبِّي سيدى ومالكى.
أَحْسَنَ مَثْوايَ حين قال لك: أكرمى مثواه.
إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ الذين يجازون الحسن بالسيئ.
٢٤- وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ:
هَمَّتْ بِهِ بمخالطته.
وَهَمَّ بِها بمخالطتها.
لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ جوابه محذوف، تقديره: لولا أن رأى برهان ربه لخالطها فحذف، لأن قوله وَهَمَّ بِها يدل عليه.
كَذلِكَ الكاف منصوب بالمحل، أي مثل ذلك التثبيت ثبتناه، أو مرفوعة المحل، أي الأمر مثل ذلك.
لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ من خيانة السيد.
وَالْفَحْشاءَ من الزنا.
[سورة يوسف (١٢) : الآيات ٢٥ الى ٢٨]
وَاسْتَبَقَا الْبابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيا سَيِّدَها لَدَى الْبابِ قالَتْ ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلاَّ أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٢٥) قالَ هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكاذِبِينَ (٢٦) وَإِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٢٧) فَلَمَّا رَأى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (٢٨)
٢٥- وَاسْتَبَقَا الْبابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيا سَيِّدَها لَدَى الْبابِ قالَتْ ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذابٌ أَلِيمٌ:
وَاسْتَبَقَا الْبابَ وتسابقا الى الباب، على حذف الجار وإيصال الفعل.
وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ اجتذبته من خلف فاتقد، أي انشق، حين هرب منها الى الباب وتبعته تشده.
وَأَلْفَيا سَيِّدَها وصادفا بعلها.
أَنْ يُسْجَنَ فحقه أن يسجن.
أَوْ عَذابٌ أَلِيمٌ أو أن يعذب عذابا مؤلما.
٢٦- قالَ هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكاذِبِينَ:
هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي ولولا ذلك لكتم عليها.
وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها ليكون أوجب للحجة عليها وأوثق لبراءة يوسف، وأنفى للتهمة عنه.
إِنْ كانَ قَمِيصُهُ أي وشهد شاهد فقال ان كان قميصه.
قُدَّ قطع.
مِنْ قُبُلٍ من أمام.
٢٧- وَإِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ:
مِنْ دُبُرٍ من خلف.
٢٨- فَلَمَّا رَأى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ:
فَلَمَّا رَأى يعنى زوجها.
[سورة يوسف (١٢) : الآيات ٢٩ الى ٣١]
يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخاطِئِينَ (٢٩) وَقالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَها حُبًّا إِنَّا لَنَراها فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٣٠) فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ واحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً وَقالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما هذا بَشَراً إِنْ هذا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ (٣١)
٢٩- يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخاطِئِينَ:
يُوسُفُ حذف منه حرف النداء لأنه منادى قريب مفاطن للحديث.
وفيه تقريب له وتلطيف لمحله.
أَعْرِضْ عَنْ هذا الأمر واكتمه ولا تحدث به.
وَاسْتَغْفِرِي أنت.
مِنَ الْخاطِئِينَ من جملة القوم المتعمدين للذنب من تغليب الذكور على الإناث.
٣٠- وَقالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَها حُبًّا إِنَّا لَنَراها فِي ضَلالٍ مُبِينٍ:
وَقالَ نِسْوَةٌ جماعة من النساء. والنسوة اسم مفرد لجمع المرأة، وتأنيثه غير حقيقى، ولهذا لم تلحق التاء فعله.
فِي الْمَدِينَةِ فى مصر.
امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الحاكم.
فَتاها غلامها.
شَغَفَها حُبًّا حرق حبه شغاف قلبها حتى وصل الى الفؤاد.
حُبًّا منصوب على التمييز.
فِي ضَلالٍ مُبِينٍ فى خطأ وبعد عن طريق الصواب.
٣١- فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ واحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً وَقالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما هذا بَشَراً إِنْ هذا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ:
بِمَكْرِهِنَّ باغتيابهن وسوء قالتهن. وسمى الاغتياب مكرا لأنه فى خفية وغيبة كما يخفى الماكر مكره.
وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً ما يتكئن عليه من نمارق. وقيل: متكأ:
طعاما. وقيل: طعاما يحز حزا.
أَكْبَرْنَهُ أعظمنه.
وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ جرحنها.
حاشَ كلمة تفيد معنى التنزيه. وحاش، أي براءة.
لِلَّهِ لبيان من يبرأ وينزه.
ما هذا بَشَراً نفين عنه البشرية لغرابة جماله.
[سورة يوسف (١٢) : الآيات ٣٢ الى ٣٥]
قالَتْ فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ (٣٢) قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ (٣٣) فَاسْتَجابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٣٤) ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (٣٥)
٣٢- قالَتْ فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ:
قالَتْ فَذلِكُنَّ ولم تقل: فهذا، وهو حاضر، رفعا لمنزلته فى الحسن.
ما آمُرُهُ أي ما آمره به، فحذف الجار.
٣٣- قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ:
السِّجْنُ وقرىء: السجن، بالفتح، على المصدر.
يَدْعُونَنِي على اسناد الدعوة إليهن جميعا.
وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ فيه فزع الى ألطاف الله وعصمته.
أَصْبُ إِلَيْهِنَّ أمل إليهن.
مِنَ الْجاهِلِينَ من الذين لا يعملون بما يعلمون.
٣٤- فَاسْتَجابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ:
السَّمِيعُ لدعوات الملتجئين.
الْعَلِيمُ بأحوالهم وما يصلحهم.
٣٥- ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ:
والمعنى: بدا بداء، أي ظهر لهم رأى ليسجننه. ولهم، يعنى العزيز وأهله.
مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ وهى الشواهد على براءته.
حَتَّى حِينٍ الى زمان.
[سورة يوسف (١٢) : الآيات ٣٦ الى ٣٨]
وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيانِ قالَ أَحَدُهُما إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً وَقالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٣٦) قالَ لا يَأْتِيكُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُما بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُما ذلِكُما مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ (٣٧) وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ ما كانَ لَنا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنا وَعَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ (٣٨)
٣٦- وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيانِ قالَ أَحَدُهُما إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً وَقالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ:
مَعَهُ بدل على معنى الصحبة واستحداثها.
فَتَيانِ عبدان للملك: الخباز والساقي.
إِنِّي أَرانِي أي فى المنام، وهى حكاية حال ماضية.
أَعْصِرُ خَمْراً أي عنبا، تسمية للعنب بما يؤول اليه.
مِنَ الْمُحْسِنِينَ من الذين يحسنون عبارة الرؤيا، أي يجيدونها.
٣٧- قالَ لا يَأْتِيكُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُما بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُما ذلِكُما مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ:
بِتَأْوِيلِهِ ببيان ماهيته وكيفيته.
ذلِكُما اشارة لهما الى التأويل، أي ذلك التأويل.
مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي وأوحى به الى ولم أقله عن تكهن وتنجم.
إِنِّي تَرَكْتُ كلام مبتدأ، أو تعليل لما قبله.
٣٨- وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ ما كانَ لَنا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنا وَعَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ:
أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ أي شىء كان.
ذلِكَ التوحيد.
عَلَيْنا وَعَلَى النَّاسِ أي على الرسل وعلى المرسل إليهم، لأنهم نبهوهم عليه وأرشدوهم اليه.
وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ المبعوث إليهم.
لا يَشْكُرُونَ فضل الله فيشركون.
[سورة يوسف (١٢) : الآيات ٣٩ الى ٤٠]
يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (٣٩) ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاَّ أَسْماءً سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٤٠)
٣٩- يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ:
يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أي يا صاحبى فى السجن، فأضافهما الى السجن.
أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ يريد التفرق فى العدد والتكاثر.
خَيْرٌ لكما.
أَمِ أن يكون لكما رب.
اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ الغالب الذي لا يغالب ولا يشارك فى الربوبية.
٤٠- ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْماءً سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ:
ما تَعْبُدُونَ خطاب لهما ولمن على دينهما من أهل مصر.
إِلَّا أَسْماءً يعنى أنكم سميتم ما لا يستحق الإلهية إلها، ثم طفقتم تعبدونها، فكأنكم لا تعبدون الا أسماء فارغة لا مسميات تحتها.
سَمَّيْتُمُوها سميتم بها.
ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها أي بتسميتها.
مِنْ سُلْطانٍ من حجة.
ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ الثابت الذي دلت عليه البراهين.
[سورة يوسف (١٢) : الآيات ٤١ الى ٤٤]
يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُما فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ (٤١) وَقالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ ناجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ (٤٢) وَقالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرى سَبْعَ بَقَراتٍ سِمانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يابِساتٍ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُءْيايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ (٤٣) قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ وَما نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلامِ بِعالِمِينَ (٤٤)
٤١- يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُما فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ:
أَمَّا أَحَدُكُما أي الشرابي.
فَيَسْقِي رَبَّهُ سيده.
قُضِيَ الْأَمْرُ قطع وتم ما تستفتيان فيه من أمركما وشأنكما.
٤٢- وَقالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ ناجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ:
ظَنَّ أَنَّهُ ناجٍ الظان هو يوسف، والظن هنا بمعنى اليقين.
اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ صفنى عند الملك بصفتى.
فَأَنْساهُ أي الشرابي.
ذِكْرَ رَبِّهِ أن يذكره لربه.
بِضْعَ سِنِينَ البضع من ثلاث الى تسع.
٤٣- وَقالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرى سَبْعَ بَقَراتٍ سِمانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يابِساتٍ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُءْيايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ:
سِمانٍ جمع سمين، صفة للمميز.
عِجافٌ جمع عجفاء، وهى الهزيلة.
وَأُخَرَ يابِساتٍ أي وسبعا أخر يابسات.
يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أراد الأعيان من العلماء والحكماء.
لِلرُّءْيا ما يرى مناما.
تَعْبُرُونَ تؤولون.
٤٤- قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ وَما نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلامِ بِعالِمِينَ:
[سورة يوسف (١٢) : الآيات ٤٥ الى ٤٨]
وَقالَ الَّذِي نَجا مِنْهُما وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ (٤٥) يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنا فِي سَبْعِ بَقَراتٍ سِمانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يابِساتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ (٤٦) قالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً فَما حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّا تَأْكُلُونَ (٤٧) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ سَبْعٌ شِدادٌ يَأْكُلْنَ ما قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّا تُحْصِنُونَ (٤٨)
٤٥- وَقالَ الَّذِي نَجا مِنْهُما وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ:
نَجا مِنْهُما من الفتيين من القتل.
وَادَّكَرَ وقرىء بالذال المعجمة، أي تذكر.
بَعْدَ أُمَّةٍ بعد مدة طويلة.
أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ أنا أخبركم به عمن عنده علمه.
فَأَرْسِلُونِ فابعثونى اليه لأسأله، ومرونى باستعباره.
٤٦- يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنا فِي سَبْعِ بَقَراتٍ سِمانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يابِساتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ:
يُوسُفُ فأرسلوه الى يوسف فأتاه فقال: يوسف.
أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أيها البليغ فى الصدق.
لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ لأنه ليس على يقين من الرجوع فربما اخترم دونه، ولا من علمهم فربما لم يعلموا. أو لعلهم يعلمون فضلك ومكانك من العلم.
٤٧- قالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً فَما حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ:
تَزْرَعُونَ خبر فى معنى الأمر.
دَأَباً دائبين.
فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ فاتركوه فى سنبله لئلا يتسوس.
٤٨- ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ سَبْعٌ شِدادٌ يَأْكُلْنَ ما قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ:
يَأْكُلْنَ من الاسناد المجازى، جعل أكل أهلهن مسندا إليهن.
[سورة يوسف (١٢) : الآيات ٤٩ الى ٥٢]
ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عامٌ فِيهِ يُغاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ (٤٩) وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جاءَهُ الرَّسُولُ قالَ ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ فَسْئَلْهُ ما بالُ النِّسْوَةِ اللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ (٥٠) قالَ ما خَطْبُكُنَّ إِذْ راوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (٥١) ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ (٥٢)
٤٩- ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عامٌ فِيهِ يُغاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ:
يُغاثُ من الغوث، وهو الاعانة، أو من الغيث، وهو المطر.
يَعْصِرُونَ العنب والزيتون والسمسم.
وقرىء: يعصرون، على البناء للمجهول، من عصره إذا أنجاه.
وقيل: يعصرون، أي يمطرون.
٥٠- وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جاءَهُ الرَّسُولُ قالَ ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ فَسْئَلْهُ ما بالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ:
إِنَّ رَبِّي ان الله تعالى.
بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ يعنى أنه كيد عظيم لا يعلمه الا الله.
٥١- قالَ ما خَطْبُكُنَّ إِذْ راوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ:
ما خَطْبُكُنَّ ما شأنكن.
إِذْ راوَدْتُنَّ يُوسُفَ هل وجدتن منه ميلا إليكن.
قُلْنَ حاشَ لِلَّهِ تعجبا من عفته وذهابه بنفسه عن شىء من الريبة ومن نزاهته عنها.
حَصْحَصَ الْحَقُّ ثبت واستقر.
٥٢- ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ:
ذلِكَ لِيَعْلَمَ من كلام يوسف، أي ذلك التثبت والتشمر لظهور البراءة وليعلم العزيز.
أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ فى حرمته.
بِالْغَيْبِ يظهر الغيب. وهى فى موقع الحال من الفاعل أو المفعول
وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ أي وليعلم أن الله لا ينفذه ولا يسدده، وكأنه تعريض بامرأته فى خيانتها أمانة زوجها، وبه فى خيانة أمانة الله حين ساعدها بعد ظهور الآيات على حبسه.
ويجوز أن يكون تأكيدا لأمانته، وأنه لو كان خائنا لما هدى الله كيده ولا سدده.
[سورة يوسف (١٢) : الآيات ٥٣ الى ٥٤]
وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ ما رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥٣) وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ أَمِينٌ (٥٤)
٥٣- وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ:
وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي من الزلل، وما أشهد لها بالبراءة الكلية.
إِنَّ النَّفْسَ أراد الجنس.
لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ أي ان هذا الجنس يأمر بالسوء ويحمل عليه بما فيه من الشهوات.
إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّي الا البعض الذي رحمه ربى بالعصمة كالملائكة، أو الا وقت رحمة ربى، يعنى أنها أمارة بالسوء فى كل وقت وأوان الا وقت العصمة، ويجوز أن يكون استئنافا منقطعا، أي ولكن رحمة ربى هى التي تصرف الاساءة.
إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ وإنى لأطمع فى رحمة الله وغفرانه. لأنه واسع الغفران لذنوب التائبين.
٥٤- وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ أَمِينٌ:
أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي أجعله خالصا لنفسى وخاصا بي.
فَلَمَّا كَلَّمَهُ وشاهد منه ما لم يحتسب.
قالَ أيها الصديق.
إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ ذو مكانة ومنزلة.
أَمِينٌ مؤتمن على كل شىء.
[سورة يوسف (١٢) : الآيات ٥٥ الى ٥٩]
قالَ اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (٥٥) وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا مَنْ نَشاءُ وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (٥٦) وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (٥٧) وَجاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (٥٨) وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ قالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (٥٩)٥٥- قالَ اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ:
اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ ولنى خزائن أرضك.
إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ أمين أحفظ ما تستحفظنيه، عالم بوجوه التصرف.
٥٦- وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا مَنْ نَشاءُ وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ:
وَكَذلِكَ ومثل ذلك التمكين الظاهر.
مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فى أرض مصر.
يَتَبَوَّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ أي كل مكان أراد أن يتخذه منزلا ومتبوأ له.
بِرَحْمَتِنا بعطائنا فى الدنيا من النعم.
مَنْ نَشاءُ من اقتضت الحكمة أن نشاء له ذلك.
وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ أن نأجرهم فى الدنيا.
٥٧- وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ:
وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وإن ثوابه فى الآخرة لأفضل.
لِلَّذِينَ آمَنُوا لمن صدقوا به وبرسله.
وَكانُوا يَتَّقُونَ وكانوا يراقبونه ويخافون يوم الحساب.
٥٨- وَجاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ:
مُنْكِرُونَ لم يعرفوه لأنهم خلفوه حدثا.
٥٩- وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ قالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ:
وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ أصلحهم بعدتهم، وهى عدة السفر من الزاد وما يحتاج اليه المسافرون وأوقر ركائبهم بما جاءوا من الميرة.
خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ خير المضيفين، لأنه أحسن ضيافتهم مأخوذ من النزل، وهو الطعام، أو خير من نزلتم عليه من المأمونين، من المنزل، وهو الدار.
[سورة يوسف (١٢) : الآيات ٦٠ الى ٦٤]
فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلا تَقْرَبُونِ (٦٠) قالُوا سَنُراوِدُ عَنْهُ أَباهُ وَإِنَّا لَفاعِلُونَ (٦١) وَقالَ لِفِتْيانِهِ اجْعَلُوا بِضاعَتَهُمْ فِي رِحالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَها إِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٦٢) فَلَمَّا رَجَعُوا إِلى أَبِيهِمْ قالُوا يا أَبانا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنا أَخانا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (٦٣) قالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلاَّ كَما أَمِنْتُكُمْ عَلى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (٦٤)٦٠- فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلا تَقْرَبُونِ:
وَلا تَقْرَبُونِ داخل فى حكم الجزاء مجزوما، عطف على قوله فَلا كَيْلَ لَكُمْ كأنه قيل: فان لم تأتونى به تحرموا ولا تقربوا. أو أن يكون بمعنى النهى.
٦١- قالُوا سَنُراوِدُ عَنْهُ أَباهُ وَإِنَّا لَفاعِلُونَ:
سَنُراوِدُ عَنْهُ أَباهُ سنخادعه عنه وسنجتهد ونحتال حتى ننتزعه من يده.
وَإِنَّا لَفاعِلُونَ وانا لقادرون على ذلك لانتاعيا به، أو انا لفاعلون ذلك لا محالة لا نفرط فيه ولا نتوانى.
٦٢- وَقالَ لِفِتْيانِهِ اجْعَلُوا بِضاعَتَهُمْ فِي رِحالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَها إِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ:
لِفِتْيانِهِ جمع فتى. وقرىء: لفتيته.
لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَها لعلهم يعرفون حق ردها وحق التكرم بإعطاء البدلين.
إِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمْ وفرغوا ظروفهم.
لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ لعل معرفتهم بذلك تدعوهم الى الرجوع إلينا.
أو لعلهم يردونها.
٦٣- فَلَمَّا رَجَعُوا إِلى أَبِيهِمْ قالُوا يا أَبانا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنا أَخانا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ:
مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ يريدون قول يوسف فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي لأنهم إذا أنذروا بمنع الكيل فقد منع الكيل.
نَكْتَلْ نرفع المانع من الكيل، ونكتل من الطعام ما نحتاج اليه.
٦٤- قالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَما أَمِنْتُكُمْ عَلى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ:
كما تقولونه فى أخيه، ثم خنتم بضمانكم، فما يؤمننى من مثل ذلك.
فَاللَّهُ خَيْرٌ حافِظاً فتوكل على الله ودفعه إليهم.
وحافِظاً تمييز.
وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فأرجو أن ينعم على بحفظه ولا يجمع على مصيبتين.
[سورة يوسف (١٢) : الآيات ٦٥ الى ٦٦]
وَلَمَّا فَتَحُوا مَتاعَهُمْ وَجَدُوا بِضاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قالُوا يا أَبانا ما نَبْغِي هذِهِ بِضاعَتُنا رُدَّتْ إِلَيْنا وَنَمِيرُ أَهْلَنا وَنَحْفَظُ أَخانا وَنَزْدادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ (٦٥) قالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلاَّ أَنْ يُحاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قالَ اللَّهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ (٦٦)
٦٥- وَلَمَّا فَتَحُوا مَتاعَهُمْ وَجَدُوا بِضاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قالُوا يا أَبانا ما نَبْغِي هذِهِ بِضاعَتُنا رُدَّتْ إِلَيْنا وَنَمِيرُ أَهْلَنا وَنَحْفَظُ أَخانا وَنَزْدادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ:
ما نَبْغِي للنفى، أي ما نبغى فى القول، وما نتزيد فيما وصفنا لك من احسان ذلك الملك وإكرامه.
هذِهِ بِضاعَتُنا رُدَّتْ إِلَيْنا جملة مستأنفة موضحة لقوله ما نَبْغِي والجمل بعدها معطوفة عليها، على معنى: ان بضاعتنا ردت إلينا فنستظهر بها.
وَنَمِيرُ أَهْلَنا فى رجوعنا الى الملك.
وَنَحْفَظُ أَخانا فما يصيبه شىء مما تخافه.
وَنَزْدادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ونزداد وسق بعير زائد على أوساق أباعرنا.
ذلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ أي ذلك مكيل قليل لا يكفينا، يعنون ما يكال لهم فأرادوا أن يزدادوا اليه ما يكال لأخيهم، أو ذلك الكيل شىء قليل يجيبنا اليه الملك ولا يضايقنا فيه، أو سهل عليه متيسر لا يتعاظمه.
٦٦- قالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قالَ اللَّهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ:
لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ مناف لحالى- وقد رأيت منكم ما رأيت- إرساله معكم.
أراد أن يحلفوا له بالله، وانما جعل الحلف بالله موثقا، لأن الحلف به مما تؤكد به العهود وتشدد.
لَتَأْتُنَّنِي بِهِ جواب اليمين، لأن المعنى: حتى تحلفوا لتأتننى به.
إِلَّا أَنْ يُحاطَ بِكُمْ الا أن تغلبوا فلم تطيقوا الإتيان به أو الا أن تهلكوا.
اللَّهُ عَلى ما نَقُولُ من طلب الموثق وإعطائه.
وَكِيلٌ رقيب مطلع.
[سورة يوسف (١٢) : الآيات ٦٧ الى ٦٨]
وَقالَ يا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (٦٧) وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ ما كانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ حاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضاها وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِما عَلَّمْناهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٦٨)
٦٧- وَقالَ يا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ:
وَما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ أي ان أراد الله بكم سوءا لم ينفعكم ولم يدفع عنكم ما أشرت به عليكم من التفرق وهو مصيبكم لا محالة.
٦٨- وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ ما كانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا حاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضاها وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِما عَلَّمْناهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ:
وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ أي متفرقين.
ما كانَ يُغْنِي عَنْهُمْ رأى يعقوب ودخولهم متفرقين شيئا قط، حيث أصابهم ما ساءهم مع تفرقهم من اضافة السرقة إليهم وافتضاحهم بذلك، وأخذ أخيهم بوجدان الصواع فى رحله.
إِلَّا حاجَةً استثناء منقطع، على معنى: ولكن حاجة.
فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضاها هى شفقة عليهم وإظهارها بما قاله لهم ووصاهم به.
[سورة يوسف (١٢) : الآيات ٦٩ الى ٧٣]
وَلَمَّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ آوى إِلَيْهِ أَخاهُ قالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (٦٩) فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ جَعَلَ السِّقايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ (٧٠) قالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ ماذا تَفْقِدُونَ (٧١) قالُوا نَفْقِدُ صُواعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ (٧٢) قالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ ما جِئْنا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَما كُنَّا سارِقِينَ (٧٣)
٦٩- وَلَمَّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ آوى إِلَيْهِ أَخاهُ قالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ:
آوى إِلَيْهِ أَخاهُ ضمه اليه.
فَلا تَبْتَئِسْ فلا تحزن.
بِما كانُوا يَعْمَلُونَ بنا فيما مضى.
٧٠- فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ جَعَلَ السِّقايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ:
السِّقايَةَ مشربة يسقى بها وهى الصواع.
ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ ثم نادى مناد.
الْعِيرُ الإبل التي عليها الأحمال، ثم كثر حتى قيل لكل قافلة:
عير.
٧١- قالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ ماذا تَفْقِدُونَ:
ماذا تَفْقِدُونَ وقرىء: تفقدون، من أفقدته، إذا وجدته فقيدا.
٧٢- قالُوا نَفْقِدُ صُواعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ:
وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ يقوله المؤذن. يريد: وأنا بحمل البعير كفيل أؤديه لمن جاء به.
٧٣- قالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ ما جِئْنا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَما كُنَّا سارِقِينَ:
تَاللَّهِ قسم فيه معنى التعجب مما أضيف إليهم.
لَقَدْ عَلِمْتُمْ فاستشهدوا بعلمهم لما ثبت عندهم من دلائل أمانتهم فى كرتى مجيئهم ومداخلتهم للملك.
[سورة يوسف (١٢) : الآيات ٧٤ الى ٧٧]
قالُوا فَما جَزاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كاذِبِينَ (٧٤) قالُوا جَزاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزاؤُهُ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (٧٥) فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَها مِنْ وِعاءِ أَخِيهِ كَذلِكَ كِدْنا لِيُوسُفَ ما كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ (٧٦) قالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّها يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِها لَهُمْ قالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما تَصِفُونَ (٧٧)٧٤- قالُوا فَما جَزاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كاذِبِينَ:
فَما جَزاؤُهُ الضمير للصواع، أي فما جزاء سرقته.
إِنْ كُنْتُمْ كاذِبِينَ فى جحودكم وادعائكم البراءة منه.
٧٥- قالُوا جَزاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزاؤُهُ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ:
قالُوا جَزاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ أي جزاء سرقته أخذ من وجد فى رحله، وكان حكم السارق فى آل يعقوب أن يسترقّ سنة.
فَهُوَ جَزاؤُهُ تقرير للحكم، أي فأخذ السارق نفسه وهو جزاؤه لا غير.
٧٦- فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَها مِنْ وِعاءِ أَخِيهِ كَذلِكَ كِدْنا لِيُوسُفَ ما كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ:
كَذلِكَ كِدْنا مثل ذلك الكيد العظيم ليوسف. يعنى علمناه إياه وأوحينا به اليه.
ما كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ تفسير للكيد وبيان له، لأنه كان فى دين ملك مصر وما كان يحكم به فى السارق أن يغرم مثلى ما أخذ، لا أن يلزم ويستعبد.
إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ أي ما كان يأخذه الا بمشيئة الله واذنه فيه.
نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ فى العلم كما رفعنا درجة يوسف فيه.
وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ فوقه أرفع درجة منه فى علمه، أو فوق العلماء كلهم عليم هم دونه فى العلم وهو الله عز وعلا.
٧٧- قالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّها يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِها لَهُمْ قالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما تَصِفُونَ:
أَخٌ لَهُ أرادوا يوسف.
شَرٌّ مَكاناً شر منزلة فى السرقة، لسرقتكم أخاكم من أبيكم.
وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما تَصِفُونَ يعلم أنه لم يصح لى ولأخى السرقة، وليس الأمر كما تصفون.
[سورة يوسف (١٢) : الآيات ٧٨ الى ٨٠]
قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنا مَكانَهُ إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٧٨) قالَ مَعاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلاَّ مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ إِنَّا إِذاً لَظالِمُونَ (٧٩) فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا قالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَباكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقاً مِنَ اللَّهِ وَمِنْ قَبْلُ ما فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ (٨٠)
٧٨- قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنا مَكانَهُ إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ:
فَخُذْ أَحَدَنا مَكانَهُ فخذه بدله.
إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ إلينا فأتمم إحسانك.
٧٩- قالَ مَعاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ إِنَّا إِذاً لَظالِمُونَ:
مَعاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ نعوذ بالله معاذا من أن نأخذ، فأضيف المصدر الى المفعول به وحذف (من).
إِذاً جواب لهم وجزاء، لأن المعنى: ان أخذنا بدله ظلمنا.
٨٠- فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا قالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَباكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقاً مِنَ اللَّهِ وَمِنْ قَبْلُ ما فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ:
اسْتَيْأَسُوا يئسوا.
خَلَصُوا اعترفوا وانفردوا عن الناس خالصين لا يخالطهم سواهم.
نَجِيًّا ذوى نجوى، أو نوجا نجيا، أي مناجيا، لمناجاة بعضهم بعضا.
قالَ كَبِيرُهُمْ فى السن.
أو مصدرية، على أن محل المصدر الرفع على الابتداء وخبره الظرف، وهو مِنْ قَبْلُ.
أو النصب عطفا على مفعول أَلَمْ تَعْلَمُوا كأنه قيل ألم تعلموا أخذ أبيكم عليكم موثقا، وتفريطكم من قبل فى يوسف.
فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ فلن أفارق أرض مصر.
حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي فى الانصراف اليه.
أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي بالخروج منها، أو بالانتصاف ممن أخذ أخى، أو بخلاصه منه بسبب من الأسباب.
وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ لأنه لا يحكم أبدا الا بالعدل والحق.
[سورة يوسف (١٢) : الآيات ٨١ الى ٨٢]
ارْجِعُوا إِلى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يا أَبانا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَما شَهِدْنا إِلاَّ بِما عَلِمْنا وَما كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ (٨١) وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها وَإِنَّا لَصادِقُونَ (٨٢)
٨١- ارْجِعُوا إِلى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يا أَبانا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَما شَهِدْنا إِلَّا بِما عَلِمْنا وَما كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ:
وَما شَهِدْنا عليه بالسرقة.
إِلَّا بِما عَلِمْنا من السرقة وتيقناه، لأن الصواع استخرج من وعائه، ولا شىء أبين من هذا.
وَما كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ وما علمنا أنه سيسرق حين أعطيناك الموثق، أو ما علمنا أنك تصاب به كما أصبت بيوسف.
٨٢- وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها وَإِنَّا لَصادِقُونَ:
الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها مصر، أي أرسل الى أهلها فسلهم عن كنه القصة.
وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها والقوم الذين أقبلنا معهم.
[سورة يوسف (١٢) : الآيات ٨٣ الى ٨٦]
قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (٨٣) وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ (٨٤) قالُوا تَاللَّهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهالِكِينَ (٨٥) قالَ إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (٨٦)٨٣- قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ:
قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً أردتموه.
بِهِمْ جَمِيعاً بيوسف وأخيه.
إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ بحالي من الحزن والأسف.
الْحَكِيمُ الذي لم يبتلنى بذلك الا لحكمة ومصلحة.
٨٤- وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ:
وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وأعرض عنهم كراهة لما جاءوا به.
يا أَسَفى أضاف الأسى الى نفسه وهو أشد الحزن والحسرة.
والألف بدل من ياء الاضافة.
وَابْيَضَّتْ عَيْناهُ أي عمى بصره.
فَهُوَ كَظِيمٌ مملوء من الغيظ على أولاده، فعيل بمعنى مفعول.
٨٥- قالُوا تَاللَّهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهالِكِينَ:
تَفْتَؤُا أي لا تفتأ، فحذف حرف النفي لأنه لا يلتبس بالاثبات، لأنه لو كان اثباتا لم يكن بد من اللام. ولا تفتأ: لا تزال.
حَرَضاً مشفيا على الهلاك مرضا.
٨٦-الَ إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ
َّما أَشْكُوا
انى لا أشكوا الى أحد منكم ومن غيركم، انما أشكو الى ربى، فخلونى وشكايتى.
البث: أصعب الهم الذي لا يصبر عليه صاحبه، فيبثه للناس، أي ينشره.
أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ
أي أعلم من صنعه ورحمته ومن ظنى به أنه يأتينى بالفرج من حيث لا أحتسب.
[سورة يوسف (١٢) : الآيات ٨٧ الى ٩٠]
يا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكافِرُونَ (٨٧) فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ (٨٨) قالَ هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ (٨٩) قالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قالَ أَنَا يُوسُفُ وَهذا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (٩٠)
٨٧- يا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ:
فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ فتعرفوا منهما وتطلبوا خبرهما.
مِنْ رَوْحِ اللَّهِ من فرجه وتنفيسه.
٨٨- فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ:
الضُّرُّ الهزال من الشدة والجوع.
مُزْجاةٍ مدفوعة يدفعها كل تاجر رغبة عنها واحتقارا لها.
فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ الذي هو حقنا.
وَتَصَدَّقْ عَلَيْنا وتفضل علينا بالمسامحة والإغماض عن رداءة البضاعة أو زدنا على حقنا.
إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ شاهد لذلك لذكر الله وجزائه.
٨٩- قالَ هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ:
إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ لا تعلمون قبح ما فعلتم.
٩٠- قالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قالَ أَنَا يُوسُفُ وَهذا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ:
أَإِنَّكَ على الاستفهام.
مَنْ يَتَّقِ من يخف الله وعقابه.
أَجْرَ أي أجرهم، فوضع الْمُحْسِنِينَ موضع الضمير لاشتماله على المتقين والصابرين.
[سورة يوسف (١٢) : الآيات ٩١ الى ٩٥]
قالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنا وَإِنْ كُنَّا لَخاطِئِينَ (٩١) قالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (٩٢) اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هذا فَأَلْقُوهُ عَلى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ (٩٣) وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلا أَنْ تُفَنِّدُونِ (٩٤) قالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ (٩٥)
٩١- قالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنا وَإِنْ كُنَّا لَخاطِئِينَ:
لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنا لقد فضلك علينا بالتقوى والصبر وسيرة المحسنين.
وَإِنْ كُنَّا لَخاطِئِينَ وان شأننا وحالنا أنا كنا خاطئين متعمدين للاثم.
٩٢- قالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ:
لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ لا تأنيب عليكم ولا عتب.
٩٣- اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هذا فَأَلْقُوهُ عَلى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ:
يَأْتِ بَصِيراً يصير بصيرا.
٩٤- وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلا أَنْ تُفَنِّدُونِ:
فَصَلَتِ الْعِيرُ خرجت من عريش مصر.
لَوْلا أَنْ تُفَنِّدُونِ أي لولا تفنيدكم إياي لصدقتمونى. والتفنيد:
النسبة الى الفند وهو الخرف، وانكار العقل من هرم.
٩٥- قالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ:
لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ لفى ذهابك عن الصواب قدما فى افراط محبتك ليوسف ولهجك بذكره ورجائك للقائه.
[سورة يوسف (١٢) : الآيات ٩٦ الى ٩٩]
فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ أَلْقاهُ عَلى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (٩٦) قالُوا يا أَبانَا اسْتَغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا إِنَّا كُنَّا خاطِئِينَ (٩٧) قالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٩٨) فَلَمَّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ آوى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ (٩٩)٩٦- فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ أَلْقاهُ عَلى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ:
أَلْقاهُ أي القميص.
فَارْتَدَّ بَصِيراً فرجع بصيرا.
أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ يعنى قوله إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ.
إِنِّي أَعْلَمُ كلام مبتدأ لم يقع عليه القول.
٩٧- قالُوا يا أَبانَا اسْتَغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا إِنَّا كُنَّا خاطِئِينَ:
قالُوا يا أَبانَا فى الكلام حذف، التقدير: فلما رجعوا من مصر قالوا يا أبانا.
٩٨- قالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ:
سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي عما فرط منكم.
٩٩- فَلَمَّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ آوى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ:
آوى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ ضمهم اليه واعتنقهما.
[سورة يوسف (١٢) : آية ١٠٠]
وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً وَقالَ يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِما يَشاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (١٠٠)
١٠٠- وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً وَقالَ يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِما يَشاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ:
وَخَرُّوا لَهُ يعنى الاخوة الأحد عشر والأبوين.
سُجَّداً ساجدين.
مِنَ الْبَدْوِ من البادية.
نَزَغَ أفسد بيننا وأغرى.
[سورة يوسف (١٢) : الآيات ١٠١ الى ١٠٤]
رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (١٠١) ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ (١٠٢) وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (١٠٣) وَما تَسْئَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (١٠٤)
١٠١- رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ:
مِنَ الْمُلْكِ من، للتبعيض، لأنه لم يعط الا بعض ملك الدنيا، أو بعض ملك مصر.
مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ من، للتبعيض، لأنه لم يعط الا بعض التأويل.
أَنْتَ وَلِيِّي أنت الذي تتولانى بالنعمة فى الدارين.
تَوَفَّنِي مُسْلِماً طلب للوفاة على حال الإسلام.
وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ من آبائي، أو على العموم.
١٠٢- ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ:
ذلِكَ اشارة الى ما سبق من نبأ يوسف.
نُوحِيهِ إِلَيْكَ الخطاب لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم وَهُمْ يَمْكُرُونَ بيوسف ويبغون له الغوائل.
١٠٣- وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ:
وَما أَكْثَرُ النَّاسِ يريد العموم.
وَلَوْ حَرَصْتَ وتهالكت على ايمانهم.
١٠٤- وَما تَسْئَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ:
إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ عظة من الله.
[سورة يوسف (١٢) : الآيات ١٠٥ الى ١٠٩]
وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْها وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ (١٠٥) وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ (١٠٦) أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غاشِيَةٌ مِنْ عَذابِ اللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (١٠٧) قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحانَ اللَّهِ وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٠٨) وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلا تَعْقِلُونَ (١٠٩)
١٠٥- وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْها وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ:
مِنْ آيَةٍ من علامة ودلالة على الخالق.
يَمُرُّونَ عَلَيْها يشاهدونها.
وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ لا يعتبرون بها.
١٠٦- وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ:
وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ فى إقرارهم به وبأنه خلقهم وخلق السموات والأرض.
إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ الا وهو مشرك بعبادته الوثن.
١٠٧- أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غاشِيَةٌ مِنْ عَذابِ اللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ:
غاشِيَةٌ نقمة تغشاهم.
١٠٨- قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحانَ اللَّهِ وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ:
هذِهِ سَبِيلِي التي هى الدعوة الى الايمان والتوحيد.
أَنَا تأكيد للضمير المستتر فى قوله أَدْعُوا.
وَمَنِ اتَّبَعَنِي عطف عليه، يريد أدعو إليها، ويدعو إليها من ابتعنى.
عَلى بَصِيرَةٍ على يقين وحق.
١٠٩- وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلا تَعْقِلُونَ:
مِنْ أَهْلِ الْقُرى لأنهم أعلم وأحلم.
وَلَدارُ الْآخِرَةِ ولدار الساعة، أو الحال الآخرة.
خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا للذين خافوا الله فلم يشركوا به ولم يعصوه.
[سورة يوسف (١٢) : الآيات ١١٠ الى ١١١]
حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جاءَهُمْ نَصْرُنا فَنُجِّيَ مَنْ نَشاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (١١٠) لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (١١١)
١١٠- حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جاءَهُمْ نَصْرُنا فَنُجِّيَ مَنْ نَشاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ:
حَتَّى متعلقة بمحذوف دل عليه الكلام، كأنه قيل: وما أرسلنا من قبلك الا رجالا فتراخى نصرهم حتى استيأسوا عن النصر.
وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا أي كذبتهم أنفسهم حين حدثتهم بأنهم ينصرون.
مَنْ نَشاءُ المؤمنون، لأنهم الذين يستأهلون أن يشاء نجاتهم.
١١١- لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ:
فِي قَصَصِهِمْ الضمير للرسل.
ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى أي ما كان القرآن حديثا يفترى.
وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ أي قبله من الكتب السماوية.
وانتصاب ما نصب بعد. وَلكِنْ للعطف على خبر كانَ.
وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ يحتاج اليه فى الدين.